الروض الأنف ت الوكيل

 [صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْإِنْجِيلِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ- فيما بلغنى عما كان وضع عيسى بن مَرْيَمَ فِيمَا جَاءَهُ مِنْ اللهِ فِي الْإِنْجِيلِ لِأَهْلِ الْإِنْجِيلِ- مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مِمّا أَثَبَتَ يُحَنّسُ الْحَوَارِيّ لَهُمْ، حِينَ نَسَخَ لَهُمْ الْإِنْجِيلَ عَنْ عَهْدِ عيسى بن مريم عليه السلام فِي رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ أَنّهُ قَالَ: مَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ الرّبّ، وَلَوْلَا أَنّي صَنَعْت بِحَضْرَتِهِمْ صَنَائِعَ لَمْ يَصْنَعْهَا أَحَدٌ قَبْلِي، مَا كَانَتْ لَهُمْ خَطِيئَةٌ، وَلَكِنْ مِنْ الْآنَ بَطِرُوا وَظَنّوا أَنّهُمْ يَعِزّونَنِي، وَأَيْضًا لِلرّبّ، وَلَكِنْ لَا بُدّ مِنْ أَنْ تَتِمّ الْكَلِمَةُ الّتِي فِي النّامُوسِ: أَنّهُمْ أَبْغَضُونِي مجّانا، أى: باطلا. فلو قدجاء الْمُنْحَمَنّا هَذَا الّذِي يُرْسِلُهُ اللهُ إلَيْكُمْ مِنْ عند الربّ، وروح الْقُدُسِ هَذَا الّذِي مِنْ عِنْدَ الرّبّ خَرَجَ، فَهُوَ شَهِيدٌ عَلَيّ وَأَنْتُمْ أَيْضًا؛ لِأَنّكُمْ قَدِيمًا كُنْتُمْ مَعِي فِي هَذَا، قُلْتُ لَكُمْ:
لِكَيْمَا لَا تَشْكُوَا.
وَالْمُنْحَمَنّا بِالسّرْيَانِيّةِ: مُحَمّدٌ: وَهُوَ بِالرّومِيّةِ: البر قليطس، صلى الله عليه وآله وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيْ: نَظَمَهُمْ نَظْمًا مُسْتَطِيلًا، وَوَضَعَ مِيلًا مَوْضِعَ مُسْتَطِيلًا، فَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِهِ، فَهُوَ وَصْفٌ لِلْمَصْدَرِ، وَإِذَا أُقِيمَ الْوَصْفُ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يَكُنْ حَالًا مِنْ الْفَاعِلِ، لَكِنْ مِنْ المصدر الذى بدل الْفِعْلُ عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ نَحْوَ: سَارُوا طَوِيلًا، وَسَقَيْتهَا أَحْسَنَ مِنْ سَقْيِ إبِلِك، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

(2/375)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُحَنّسُ الْحَوَارِيّ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ يُحَنّسَ الْحَوَارِيّ «1» وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ ذِكْرُ الْحَوَارِيّينَ كُلّهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ. وَذَكَرَ قَوْلَهُ: أَبْغَضْتُمُونِي مَجّانًا، أَيْ: بَاطِلًا، وَكَذَلِكَ جاء فى الحكمة: يابن آدَمَ عَلّمْ مَجّانًا، كَمَا عُلّمْت مَجّانًا، أَيْ: بِلَا ثَمَنٍ، وَفِي وَصَايَا الْحُكَمَاءِ: شَاوِرْ ذَوِي الأسنان والعقول يعطوك من رأيهم مجّانا
__________
(1) هو يوحنا صاحب الإنجيل الرابع فى العهد الجديد. هذا وقد ورد ما قاله ابن هشام فى الإصحاح الخامس عشر والسادس عشر من إنجيل يوحنا وأذكره هنا- كما هو اليوم فى هذا الإنجيل- لنوازن، ولنعرف تحريف الكلم عن مواضعه: «الذى يبغضنى يبغض أبى أيضا، لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالا لم يعملها أحد غيرى لم تكن لهم خطية، وأما الان، فقد رأوا، وأبغضونى أنا وأبى، لكن لكى تتم الكلمة المكتوبة فى ناموسهم إنهم أبغضونى بلاسبب. ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الاب روح الحق الذى من عند الاب ينبثق، فهو يشهد لى، وتشهدون أنتم أيضا، لأنكم معى من الابتداء. قد كلمتكم بهذا الكيلا تعثروا» وأنقل ما ورد بعد هذا من نفس الإنجيل، وفى نفس الغرض من الإصحاح رقم 16. «أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى «فى نسخة: الفارقليط» ولكن إن ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة.. إن لى أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحملوا الان، وأمامتى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع، يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية» وهذه البشارة تنطبق تماما على محمد صلى الله عليه وسلم. وهنالك كثير من البشارات التى وردت فى العهد القديم والعهد الجديد. وقد حرف المغرضون ترجمة كلمة الفارقليط لكيلا تنطبق البشارات على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وحسبنا هذا.

(2/376)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا أَخَذُوهُ بِالثّمَنِ، أَيْ بِطُولِ التّجَارِبِ، وَمِنْ صِفَةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي «1» سَمّيْتُك الْمُتَوَكّلَ، لَيْسَ بِفَظّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخّابٍ «2» فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السّيّئَةَ بِالسّيّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلّةَ الْعَوْجَاءَ، فَيَفْتَحَ بِهِ عُيُونًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا؛ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلّا اللهُ.
مِنْ صِفَاتِ النّبِيّ عِنْدَ الْأَحْبَارِ وَمِمّا وُجِدَ مِنْ صِفَتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ الْأَحْبَارِ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ مِنْ حَدِيثِ النّعْمَانِ التّيْمِيّ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَحْبَارِ يهود باليمن، فلما سمع بذكر النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمّ قَالَ:
إنّ أَبِي كَانَ يَخْتِمُ عَلَى سِفْرٍ، وَيَقُولُ: [لَا تَقْرَأْهُ] عَلَى يَهُودَ «3» حَتّى تَسْمَعَ بِنَبِيّ قَدْ خَرَجَ بِيَثْرِبَ، فَإِذَا سَمِعْت بِهِ فَافْتَحْهُ. قَالَ نُعْمَانُ: فَلَمّا سَمِعْت بِك فَتَحْت السّفْرَ، فَإِذَا فِيهِ صِفَتُك كَمَا أَرَاك السّاعَةَ، وَإِذَا فِيهِ: مَا تُحِلّ وَمَا تُحَرّمُ، وَإِذَا فِيهِ: إنّك خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمّتُك خَيْرُ الْأُمَمِ، وَاسْمُك: أَحْمَدُ، وَأُمّتُك الْحَامِدُونَ. قُرْبَانُهُمْ: دِمَاؤُهُمْ، وَأَنَاجِيلُهُمْ: صُدُورُهُمْ، وَهُمْ لَا يحضرون قتالا
__________
(1) جاء قبله: «إنه لموصوف فى التوراة ببعض صفته فى القرآن. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) وحرزا للأميين» .
(2) فى رواية: صخاب أو صخوب.
(3) أصل العبارة فى الروض: «على سفر يقول. على يهود» والتصويب من السيرة الحلبية ص 250 ح 1.

(2/377)