الروض
الأنف ت الوكيل [الرسول مع نفر مِنْ الْخَزْرَجِ عِنْدَ
الْعَقَبَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَرَادَ اللهُ عَزّ وَجَلّ إظْهَارَ
دِينِهِ، وَإِعْزَازَ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَإِنْجَازَ
مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فِي الْمَوْسِمِ الّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النّفَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ،
فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي
كُلّ مَوْسِمٍ. فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ
الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ خَيْرًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ،
عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمّا لَقِيَهُمْ رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قال لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا:
نَفَرٌ مِنْ الْخَزْرَجِ، قَالَ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟ قَالُوا:
نَعَمْ، قَالَ: أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلّمُكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى.
فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَعَرَضَ
عَلَيْهِمْ الإسلام، وتلا عليهم القرآن. وكان مما صنع الله لهم به فِي
الْإِسْلَامِ، أَنّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا
أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد
عزّوهم بِبِلَادِهِمْ، فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا
لهم:
إن نبيّا مبعوث الآن، قد أَظَلّ زَمَانُهُ، نَتّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ
مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ.
فَلَمّا كَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُولَئِكَ
النّفَرَ، وَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: يَا قَوْمِ،
تَعْلَمُوا وَاَللهِ إنّهُ لَلنّبِيّ الّذِي تَوَعّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ،
فَلَا تَسْبِقُنّكُمْ إلَيْهِ. فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ،
بِأَنْ صَدّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ
الْإِسْلَامِ، وَقَالُوا: إنّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ
بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/43)
وَالشّرّ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ
يَجْمَعَهُمْ اللهُ بِك، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ، فَنَدْعُوهُمْ إلَى
أَمْرِك، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الّذِي أَجَبْنَاك إلَيْهِ مِنْ هَذَا
الدّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمْ اللهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلَ أَعَزّ مِنْك.
ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، وَقَدْ آمنوا وصدّقوا.
[أسماء الْخَزْرَجِيّينَ الّذِينَ الْتَقَوْا بِالرّسُولِ عِنْدَ
الْعَقَبَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي: سِتّةُ نَفَرٍ مِنْ
الْخَزْرَجِ، مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النّجّارِ- وَهُوَ تَيْمُ اللهِ- ثُمّ
مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ: أسعد بن زرارة بن
عدس بن عبيد ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وهو
أبو أمامة، وعوف بن الحارث ابن رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عُبَيْد بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ ابن مَالِكِ بْنِ النّجّارِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ
بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جشم بن الخزرج: رافع
بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ الْأَزْرَقِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/44)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي
سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ ابن جُشَمَ
بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَلِمَةَ: قطبة ابن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بْنِ سَوَادِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ
يُقَالُ لَهُ: غَنْمٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كعب بن غنم بن كعب بن
سلمة:
عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ.
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ:
جَابِرُ بن عبد الله ابن رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ
عُبَيْدٍ.
فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ إلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ
حَتّى فَشَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا
وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطّائِفِ وَسَنَذْكُرُ السّبَبَ فِي
تَسْمِيَتِهَا بِالطّائِفِ، وَأَنّ الدّمّونَ!! رَجُلٌ مِنْ الصّدِفِ مِنْ
حَضْرَمَوْتَ نَزَلَهَا، فَقَالَ لِأَهْلِهَا. أَلَا أَبْنِي لَكُمْ
حَائِطًا يُطِيفُ بِبَلْدَتِكُمْ فَبَنَاهُ، فَسُمّيَتْ: الطّائِفَ،
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمّا سَنَذْكُرُهُ.
وَقَوْلُهُ: فَيُذْئِرَهَا عَلَيْهِ، قَدْ فَسّرَهُ ابْنُ هِشَامٍ،
وَأَنْشَدَ:
ذَئِرُوا لِقَتْلَى عَامِرٍ وَتَعَصّبُوا
(4/45)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي الْحَدِيثِ لَمّا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْبِ النّسَاءِ قَالَ:
ذئير النّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنّ، وَفَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ
بِالنّشُوزِ عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الّذِي أَنْشَدَهُ
ابْنُ هِشَامٍ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمَا وَاحِدٌ.
وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ أَشْرَافِ ثَقِيفٍ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ زِيَادَةً فِي الْحَدِيثِ حِينَ أَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ،
قَالَ: وَكَانَ يَمْشِي بَيْنَ سِمَاطَيْنِ مِنْهُمْ، فَكُلّمَا نَقَلُوا
قَدَمًا، رَجَمُوا عَرَاقِيبَهُ بِالْحِجَارَةِ، حَتّى اخْتَضَبَ نَعْلَاهُ
بِالدّمَاءِ، وَذَكَرَ التّيْمِيّ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عُقْبَةَ، وَزَادَ
قَالَ: كَانَ إذَا أَذْلَقَتْهُ «1» الْحِجَارَةُ، قَعَدَ إلَى الْأَرْضِ،
فَيَأْخُذُونَ بِعَضُدَيْهِ «2» ، فَيُقِيمُونَهُ فَإِذَا مَشَى رَجَمُوهُ،
وَهُمْ يَضْحَكُونَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْمَوْضِعِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ
إسْحَاقَ مِنْ حَائِطِ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَلَسَ إلَى ظِلّ حَبَلَةٍ، وَالْحَبَلَةُ
الْكَرْمَةُ، اُشْتُقّ اسْمُهَا مِنْ الْحَبَلِ، لِأَنّهَا تَحْمِلُ
بِالْعِنَبِ، وَلِذَلِكَ فُتِحَ حَمْلُ الشّجَرَةِ وَالنّخْلَةِ، فَقِيلَ:
حَمْلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ تَشْبِيهًا بِحَمْلِ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُقَالُ
فِيهِ: حَمْلٌ بِالْكَسْرِ تَشْبِيهًا بِالْحَمْلِ الّذِي عَلَى الظّهْرِ
«3» ، وَمَنْ قَالَ فِي الْكَرْمَةِ حَبْلَةً بِسُكُونِ الْبَاءِ، فَلَيْسَ
بِالْمَعْرُوفِ،
__________
(1) فى النهاية لابن الأثير: «فى حديث ما عز: فلما أذلقته الحجارة جمر وفر،
أى بلغب منه منتهى الجهد حتى قلق» .
(2) فيها أربع لغات: كسر الضاد وضمها وسكونها مع فتح العين، وبضم العين مع
سكون الضاد
(3) فى إصلاح المنطق لابن السكيت: الحمل- بفتح الحاء- ما كان فى بطن، أو
على رأس شجرة، وجمعه أحمال، والحمل- بكسر الحاء- ما حمل على ظهر أو رأس
(4/46)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ فِي نهي النبي صلى الله عليه
وسلم عن بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ «1» ، إنّهُ بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ
أَنْ يَطِيبَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ
بَيْعِ التّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ
لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْأَرَضِينَ الّتِي اُفْتُتِحَتْ فِي
زَمَانِهِ- وَقَدْ قِيلَ لَهُ: قَسّمْهَا عَلَى الّذِينَ افْتَتَحُوهَا-
فَقَالَ: وَاَللهِ لَأَدَعَنّهَا حَتّى يُجَاهِدَ بِهَا حَبَلُ
الْحَبَلَةِ، يُرِيدُ: أَوْلَادَهَا فِي الْبُطُونِ. ذَكَرَهُ أَبُو
عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، وَالْقَوْلُ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو
الْحَسَنِ فِي حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَقَعَ فِي كِتَابِ الْأَلْفَاظِ
لِيَعْقُوبَ وَإِنّمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ دُخُولُ
الْهَاءِ فِي الْحَبَلَةِ، حَتّى قَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا كُلّهَا
هَبَاءٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنّمَا قَالَ الْحَبَلَةَ لِأَنّهَا
بَهِيمَةٌ أَوْ جَنِينَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
دَخَلَتْ لِلْجَمَاعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِلْمُبَالَغَةِ، وَهَذَا
كُلّهُ يَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
حَبَلَ الْحَبَلَةِ، فَإِنّهُ لَمْ تَدْخُلْ التّاءُ إلّا فِي أَحَدِ
اللّفْظَيْنِ دُونَ الثّانِي، وَتَبْطُلُ أَيْضًا عَلَى مَنْ قَالَ
أَرَادَ: مَعْنَى الْبَهِيمَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَقَدّمِ، وَإِنّمَا
النّكْتَةُ فِي ذلك أن الحبل مادام حَبَلًا لَا يُدْرَى: أَذَكَرٌ هُوَ
أَمْ أُنْثَى، لَمْ يُسَمّ حَبَلًا، فَإِذَا كَانَتْ أُنْثَى، وَبَلَغَتْ
حَدّ الْحَمْلِ، فَحَبَلَتْ فَذَاكَ الْحَبَلُ هُوَ الّذِي نَهَى عَنْ
بَيْعِهِ، وَالْأَوّلُ قَدْ عُلِمَتْ أُنُوثَتُهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ،
فَعَبّرَ عَنْهُ بِالْحَبَلَةِ، وَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنّهُ نَهَى
عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْجَنِينَةِ التى كانت حبلا لا يعرف ماهى، ثُمّ عُرِفَ
بَعْدَ الْوَضْعِ، وَكَذَلِكَ فِي الْآدَمِيّينَ، فَإِذًا لَا يُقَالُ
لَهَا: حَبَلَةٌ إلّا بَعْدَ المعرفة بأنها أنثى،
__________
(1) فى القاموس: الحبلة- بضم الحاء- الكرم أو أصل من أصوله، والحبل محركة:
شجر العنب، وربما سكن
(4/47)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَعِنْدَ ذِكْرِ الْحَبَلِ الثّانِي لِأَنّ هَذِهِ الْأُنْثَى قَبْلَ أَنْ
تَحْبَلَ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ: رِخْلَى، وَتُسَمّى أَيْضًا حَائِلًا
وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَقَدْ زَالَ عَنْهَا اسْمُ الْحَبَلِ فَإِذَا
حَبَلَتْ، وَذَكّرَ حَبَلَهَا وَازْدَوَجَ ذَكّرَهُ مَعَ الْحَالَةِ
الْأُولَى الّتِي كَانَتْ فِيهَا حَبَلًا فَرّقَ بَيْنَ اللّفْظَيْنِ
بِتَاءِ التّأْنِيثِ، وَخُصّ اللّفْظُ الّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ
الْأُنْثَى بِالتّاءِ دُونَ اللّفْظ الّذِي لَا يُدْرَى مَا هُوَ: أَذَكَرٌ
أَمْ أُنْثَى، وَقَدْ كَانَ الْمَعْنَى قَرِيبًا وَالْمَأْخَذُ سَهْلًا لَا
يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْإِطَالَةِ لَوْلَا مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ
تَخْلِيطِهِمْ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْكَلَامِ الْفَصِيحِ الْبَلِيغِ
الّذِي لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ فِي الْبَلَاغَةِ إلّا عَالِمٌ بِجَوْهَرِ
الْكَلَامِ.
نُورُ اللهِ وَوَجْهُهُ فَصْلٌ: وَذَكَرَ دُعَاءَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ-
عِنْدَ الشّدّةِ، وَقَوْلُهُ: اللهُمّ إنّي أَشْكُو إلَيْك ضَعْفَ قُوّتِي
وَقِلّةَ حِيلَتِي إلَى آخِرِ الدّعَاءِ، وَفِيهِ: أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك
الْكَرِيمِ الّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الظّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ
الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيُسْأَلُ عَنْ النّورِ هُنَا، وَمَعْنَى
الْوَجْهِ، وَإِشْرَاقِ الظّلُمَاتِ، أَمَا الْوَجْهُ إذَا جَاءَ ذِكْرُهُ
فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ، فَهُوَ يَنْقَسِمُ فِي الذّكْرِ إلَى
مَوْطِنَيْنِ: مَوْطِنِ تَقَرّبٍ وَاسْتِرْضَاءٍ بِعَمَلِ، كَقَوْلِهِ
تعالى: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وكقوله: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ
الْأَعْلى فَالْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ: رِضَاهُ وَقَبُولُهُ
لِلْعَمَلِ، وَإِقْبَالُهُ عَلَى الْعَبْدِ الْعَامِلِ، وَأَصْلُهُ أَنّ
مَنْ رَضِيَ عَنْك، أَقْبَلَ عَلَيْك، وَمَنْ غَضِبَ عَلَيْك أَعْرَضَ
عَنْك، وَلَمْ يُرِك وَجْهَهُ، فَأَفَادَ قَوْلُهُ: بِوَجْهِك هَاهُنَا
مَعْنَى الرّضَى وَالْقَبُولِ، وَالْإِقْبَالِ، وَلَيْسَ بِصِلَةِ فِي
الْكَلَامِ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِأَنّ قَوْلَهُ ذَلِكَ هُرَاءٌ
مِنْ الْقَوْلِ، وَمَعْنَى الصّلَةِ عِنْدَهُ: أَنّهَا كَلِمَةٌ لَا
تُفِيدُ إلّا تأكيدا للكلام،
(4/48)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا قَوْلُ مَنْ غَلُظَ طَبْعُهُ وَبَعُدَ بِالْعُجْمَةِ عَنْ فَهْمِ
الْبَلَاغَةِ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ هُوَ وَمَنْ قَلّدَهُ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الرّحْمَنَ: 27 أَيْ يَبْقَى رَبّك،
وَكُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلّا وَجْهَهُ، أَيْ: إلّا إيّاهُ، فَعَلَى هَذَا
قَدْ خَلَا ذِكْرُ، الْوَجْهِ مِنْ حِكْمَةٍ، وَكَيْفَ تَخْلُو كَلِمَةٌ
مِنْهُ مِنْ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ الكتاب الحكيم، ولكن هذا هو الموطن للثانى
مِنْ مَوَاطِنِ ذِكْرِ الْوَجْهِ، وَالْمَعْنَى بِهِ مَا ظَهَرَ إلَى
الْقُلُوبِ وَالْبَصَائِرِ مِنْ أَوْصَافِ جَلَالِهِ ومجده، والوجه لغة ما
ظهر من الشىء مَعْقُولًا كَانَ أَوْ مَحْسُوسًا، تَقُولُ: هَذَا وَجْهُ
الْمَسْأَلَةِ، وَوَجْهُ الْحَدِيثِ، أَيْ:
الظّاهِرُ إلَى رَأْيِك مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الثّوْبُ مَا ظَهَرَ إلَى
بَصَرِك مِنْهُ، وَالْبَصَائِرُ لَا تُحِيطُ بِأَوْصَافِ جَلَالِهِ، وَمَا
يَظْهَرُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ أَقَلّ مِمّا يَغِيبُ عَنْهَا، وَهُوَ
الظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ- تَعَالَى وَجَلّ- وَكَذَلِكَ فِي الْجَنّةِ نَظَرُ
أَهْلِهَا إلَى وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ إنّمَا هُوَ نَظَرٌ إلَى مَا يَرَوْنَ
مِنْ ظَاهِرِ جَلَالِهِ إلَيْهِمْ عِنْدَ تَجَلّيهِ، وَرَفْعِ الْحِجَابِ
دُونَهُمْ، وَمَا لَا يُدْرِكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَلَالِ أَكْثَرُ مِمّا
أَدْرَكُوا.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ
رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ الرّحْمَنَ: 26، 27 لَمّا كَانَتْ
السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَظَهَرَتْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ،
مَا أَظَهَرَتْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنّ فَنَاءَهَا لَا يُغَيّرُ مَا عُلِمَ
مِنْ سُلْطَانِهِ وَظَهَرَ إلَى الْبَصَائِرِ مِنْ جَلَالِهِ، فَقَدْ كَانَ
ذَلِكَ الْجَلَالُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ
فَنَائِهَا كَمَا كَانَ فِي الْقِدَمِ، فَهُوَ ذُو الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ، قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ: تَجَلّلَ بِالْبَهَاءِ
وَأَكْرَمَ مَنْ شَاءَ بِالنّظَرِ إلَى وَجْهِهِ أَمّا الْأَشْعَرِيّ
فَذَهَبَ فِي مَعْنَى الْوَجْهِ إلَى مَا ذَهَبَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى
الْعَيْنِ وَالْيَدِ، وَأَنّهَا صِفَاتٌ لِلّهِ تَعَالَى لَمْ تُعْلَمْ
مِنْ جِهَةِ
(4/49)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعُقُولِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الشّرْعِ الْمَنْقُولِ، وَهَذِهِ عُجْمَةٌ
أَيْضًا فَإِنّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ عَرَبِيّ مُبِينٍ، فَقَدْ فَهِمَتْهُ
الْعَرَبُ لَمّا نَزَلَ بِلِسَانِهَا، وَلَيْسَ فِي لُغَتِهَا أَنّ
الْوَجْهَ صِفَةٌ وَلَا إشْكَالَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ، وَلَا عَلَى
الْكَافِرِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيِ الّتِي، اُحْتِيجَ آخِرَ الزّمَانِ
إلى الكلام فيها مَعَ الْعُجْمَانِ، لِأَنّ الْمُؤْمِنَ لَمْ يَخْشَ عَلَى
عَقِيدَتِهِ شَكّا وَلَا تَشْبِيهًا، فَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ
رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَلَا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ
الّتِي هِيَ الْيَوْمَ مُشْكِلَةٌ عِنْدَ عَوَامّ النّاسِ «1» ، وَلَا
الْكَافِرُ فِي ذَلِكَ
__________
(1) كلامه هنا جيد، ولقد سأل الصحابة عن المحيض، والأنفال واليتامى،
والقتال فى الشهر الحرام، وعن الخمر والميسر، وعما ينفقون، وعن غير ذلك كما
بين كتاب الله، والمتدبر لما أثبته القرآن من أسئلتهم لا يجد من بينها
سؤالا عن عين الله أو وجهه أو يديه مما يؤكد أنهم آمنوا بأن لله سبحانه كل
هذا الذى ذكر فى القرآن، وأنهم آمنوا بأن ما يضاف إلى الخلاق لا يمكن أن
يكون مشبها لما يضاف إلى المخلوق، لأن الله يقول (ليس كمثله شىء) ولأن
العقل الصحيح يحيل ذلك أما الأشعرى فهو على بن إسماعيل بن إسحاق وكنيته أبو
الحسن ولد بالبصرة سنة 270 هـ. أو 260 هـ. وقد أقام على دين المعتزلة قرابة
أربعين عاما، ثم غاب عن الناس مدة خمسة عشر يوما، ثم خرج إلى المسجد الجامع
بالبصرة، فصعد على منبره ونادى بصوت جهورى: أنا فلان بن فلان، اشهدوا على
أنى كنت على غير دين الإسلام، وأنى قد أسلمت الساعة. وأنى تائب مما كنت
أقول بالاعتزال، ثم نول، ومضى يؤلف الكتب ضد المعتزلة والرافضة والجهمية
والخوارج، ولكن كان لا يزال يعانى مسا من الاعتزال بدا فى تأويله لبعض
الصفات فكان مذهبه مزيجا من آراء المعتزلة وآراء المحدثين، ثم انتهى به
الأمر إلى تأييد مذهب أهل السنة فى الصفات. وإليك ما انتهى إليه أمره فى
أمر الصفات الإلهية: «إن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة، وأهل
القدر مالت بهم-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم، ومن مضى من أسلافهم، فتأولوا من القرآن على
آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا، ولا أوضح به برهانا، ولا نقلوه عن
رسول رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين، فخالفوا روايات الصحابة عليهم
السلام عن نبى الله صلوات الله عليه وسلامه فى رؤية الله عز وجل بالأبصار،
ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله عز وجل: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو
الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وأنكروا أن يكون له يدان مع قوله: لِما خَلَقْتُ
بِيَدَيَّ وأنكروا أن يكون له عين مع قوله تَجْرِي بِأَعْيُنِنا،
وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي وبعد أن أصدر حكمه على مؤولة الصفات ومعطلتها
بالزيغ قال: «فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية
والحرورية والرافضة والمرجئة. فعرفرنا قولكم الذى به تقولون وديانتكم التى
بها تدينون، قيل له، قولنا الذى نقوله به، وديانتنا التى ندين بها: التمسك
بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا «ص» ، وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة
الحديث، ونحن بذلك معتصمون، ثم فصل معتقده تفصيلا واضحا، ورد فى قوة على
مؤولة الصفات، وإليك بعض ما قاله: «فمن سألنا، فقال: أتقولون: إن لله
سبحانه وجها؟ قيل له نقول ذلك خلافا لما قاله المبتدعون. وقد دل على ذلك
قول الله عز وجل: (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)
وإن سئلنا: أتقولون إن لله يدين؟ قيل نقول ذلك، وقد دل عليه قوله عز وجل:
(يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وقال عز وجل: (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)
وقال عز وجل: (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) الخ. وقد ذكر كل هذا فى كتابه
الإبانة تحت هذا العنوان «باب الكلام فى الوجه والعينين والبصر واليدين»
كما فصل معتقده فى كتابه (مقالات الإسلاميين، وقد ورد معتقده فى كتاب
الإبانة من ص 7 إلى ص 41 وهو مطبوع سنة 1348. أما فى مقالات الإسلاميين فقد
ورد فى ص 320 وما بعدها ح 1 من طبع النهضة. وانظر أيضا تبيين كذب المفترى
فيما نسب إلى الإمام أبى الحسن الأشعرى للامام ابن عساكر فقد فصل ما ذكره
الأشعرى فى الإبانة، وانظر كتابى «الصفات الإلهية» فقد استقصيت فيه القول
عن الصفات عن-
(4/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الزّمَانِ لَمْ يَتَعَلّقْ بِهَا فِي مَعْرِضِ الْمُنَاقَضَةِ
وَالْمُجَادَلَةِ، كَمَا فَعَلُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكُمْ
__________
- أكثر أئمة الأشاعرة كالباقلانى والجوينى وابن فورك والرازى والغزالى. هذا
وقد فصل الإمام الجليل ابن القيم آراء المؤولة والمعطلة فى الصفات كتابه
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ط السلفية سنة 1348 وإليك بعض ما
ذكره باختصار «وجه الرب جل جلاله حيث ورد فى الكتاب والسنة، فليس بمجاز بل
على حقيقته، واختلف المعطلون فى جهة التجوز فى هذا فقالت طائفة: لفظ الوجه
زائد، والتقدير: ويبقى ربك ... وقالت فرقة أخرى منهم الوجه بمعنى الذات،
وهذا قول أولئك وإن اختلفوا فى التعبير عنه، وقالت فرقة: ثوابه، وجزاؤه،
فجعله هؤلاء مخلوقا منفصلا، قالوا: لأن المراد هو الثواب، وهذه أقوال نعوذ
بوجه الله العظيم من أن يجعلنا من أهلها» ثم ذكر الإمام ابن القيم مارد به
عثمان بن سعيد الدارمى على بشر المريسى فقال: «لما فرغ المريسى من إنكار
اليدين ونفيهما عن الله أقبل قبل وجه الله ذى الجلال والإكرام، لينفيه عنه،
كما نفى عنه اليدين، فلم يدع غاية فى إنكار وجه الله ذى الجلال والإكرام
والجحود به حتى ادعى أن وجه الله الذى وصفه بأنه ذو الجلال والإكرام مخلوق،
لأنه ادعى أنه أعمال مخلوقه يتوجه بها إليه، وثواب وإنعام مخلوق يثيب به
العامل، وزعم أنه قبلة الله، وقبلة الله لا شك مخلوقة» ثم ذكر بالتفصيل
مارد به الدارمى على المريسى لإثبات أن لله وجها حقيقة لا مجازا بستة
وعشرين وجها منها: أن الصحابة رضى الله عنهم والتابعين وجميع أهل السنة
والحديث والأئمة الأربعة وأهل الاستقامة من أتباعهم متفقون على أن المؤمنين
يرون وجه ربهم فى الجنة، وهى الزيادة التى فسر بها النبى «ص» والصحابة:
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) فروى مسلم فى صحيحه بإسناده
عن النبى «ص» فى قوله: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) قال:
النظر إلى وجه الله تعالى، فمن أنكر حقيقة الوجه، لم يكن للنظر عنده حقيقة
ولا سيما إذا أنكر الوجه والعلو فيعود النظر عنده إلى خيال مجرد ص 174 وما
بعدها ح 2 الصواعق المرسلة.
(4/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الْأَنْبِيَاءَ: 98
وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ:
يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّ اللهَ مَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمّ
يُثْبِتُ لَهُ وَجْهًا وَيَدَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى
أَنّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي الْآيَةِ إشْكَالًا، وَتَلَقّوْا مَعَانِيَهَا
عَلَى غَيْرِ التّشْبِيهِ، وَعَرَفُوا مِنْ سَمَانَةِ الْكَلَامِ،
وَمَلَاحَةِ الِاسْتِعَارَةِ أَنّهُ مُعْجِزٌ، فَلَمْ يَتَعَاطَوْا لَهُ
مُعَارَضَةً، وَلَا تَوَهّمُوا فِيهِ مُنَاقَضَةً، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي
مَعْنَى الْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ مَسْأَلَةً بَدِيعَةً جِدّا، فَلْتُنْظَرْ
هُنَالِكَ.
وَأَمّا النّورُ فَعِبَارَةٌ عَنْ الظّهُورِ وَانْكِشَافِ الْحَقَائِقِ
الْإِلَهِيّةِ، وَبِهِ أَشْرَقَتْ الظّلُمَاتُ، أَيْ أَشْرَقَتْ مَحَالّهَا
وَهِيَ الْقُلُوبُ الّتِي كَانَتْ فِيهَا ظُلُمَاتُ الْجَهَالَةِ
وَالشّكُوكِ، فَاسْتَنَارَتْ الْقُلُوبُ بِنُورِ اللهِ، وَقَدْ قَالَ
الْمُفَسّرُونَ فى قوله تعالى:
مَثَلُ نُورِهِ أَيْ: مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبٍ فِي الْمُؤْمِنِ
كَمِشْكَاةِ، فَهُوَ إذًا نُورُ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ: الْمُجْلِي
لِكُلّ ظُلْمَةٍ وَشَكّ، قَالَ كَعْبٌ: الْمِشْكَاةُ مَثَلٌ لِفَهْمِهِ،
وَالْمِصْبَاحُ مَثَلٌ لِلِسَانِهِ، وَالزّجَاجَةُ: مَثَلٌ لِصَدْرِهِ،
أَوْ لِقَلْبِهِ أَيْ:
قَلْبِ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَعُوذُ
بِنُورِ وَجْهِك، وَلَوْ قَالَ: بِنُورِك لَحَسُنَ، وَلَكِنْ تَوَسّلَ
إلَيْهِ بِمَا أَوْدَعَ قَلْبَهُ مِنْ نُورِهِ، فَتَوَسّلَ إلَى نِعْمَتِهِ
بِنِعْمَتِهِ وَإِلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ،
وَقَدْ تَكُونُ الظّلُمَاتُ هَاهُنَا أَيْضًا الظّلُمَاتِ الْمَحْسُوسَةَ
وَإِشْرَاقُهَا جَلَالَتُهَا عَلَى خَالِقِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَنْوَارُ
الْمَحْسُوسَةُ، الْكُلّ دَالّ عَلَيْهِ فَهُوَ نُورُ النّورِ، أَيْ:
مَظْهَرُهُ مُنَوّرُ الظّلُمَاتِ، أَيْ جَاعِلُهَا نُورًا فِي حُكْمِ
الدلالة عليه سبحانه وتعالى «1» .
__________
(1) الله نور: رد الإمام ابن القيم على من زعم أن هذا الاسم مجاز فى
كتابه-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- «الصواعق» ردا عظيما، وإليك بعض ما ذكره «إن النور جاء فى أسمائه تعالى،
وهذا الاسم مما تلقته الأمة بالقبول، وأثبتوه فى أسمائه الحسنى ... ومحال
أن يسمى نفسه نورا، وليس له نور ولا صفة النور ثابتة له، كما أن من
المستحيل أن يكون عليما قديرا سميعا بصيرا، ولا علم له ولا قدرة بل صحة هذه
الأسماء عليه مستلزمة لثبوت معانيها له، وانتفاء حقائقها عنه مستلزم لنفيها
عنه، والثانى باطل قطعا فتعين الأول» ثم يقول: «إن النبى «ص» لما سأله أبو
ذر هل رأيت ربك، قال: «نور أنى أراه» رواه مسلم فى صحيحه، وفى الحديث
قولان: أحدهما: أن معناه: ثم نور، أى: فهناك نور منعنى رؤيته، ويدل على هذا
المعنى شيئان أحدهما: قوله فى اللفظ الآخر فى الحديث. رأيت نورا، فهذا
النور الذى رآه، هو الذى حال بينه وبين رؤية الذات. الثانى: قوله فى حديث
أبى موسى: «إن الله لا ينام، ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط، ويرفعه،
يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه
النور، لو كشفه، لأحزقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» رواه مسلم
فى صحيحه.. المعنى الثانى فى الحديث أنه سبحانه نور، فلا يمكننى رؤيته، لأن
نوره الذى لو كشف الحجاب عنه لاحترقت السموات والأرض وما بينهما مانع من
رؤيته، فان كان المراد هو المعنى الثانى، فظاهر، وإن كان الأول فلا ريب أنه
إذا كان نور الحجاب مانعا من ذاته، فنور ذاته سبحانه أعظم من نور الحجاب،
بل الحجاب إنما استنار بنوره، فإن نور السموات إذا كان من نور وجهه- كما
قال عبد الله بن مسعود- فنور الحجاب الذى فوق السموات أولى أن يكون من
نوره، وهل يعقل أن يكون النور حجاب من ليس له نور؟! هذا أبين المحال، وعلى
هذا، فلا تناقض بين قوله: «ص» : رأيت نورا، وبين قوله: «نور أنى أراه» فإن
المنفى مكافحة الرؤية للذات المقدسة، والمثبت: رؤية ما ظهر من نور الذات»
ثم يقول: «ما ثبت فى الصحيحين عن ابن عباس أن النبى «ص» كان يقول إذا قام
من الليل: «اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض» الحديث وهو يقتضى أن
كونه-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- نور السموات والأرض مغاير لكونه رب السموات والأرض، ومعلوم أن إصلاحه
السموات والأرض بالأنوار وهدايته لمن فيها هى ربوبيته، فدل على أن معنى
كونه نور السموات والأرض أمر وراء ربوبيتهما» ثم ذكر ما نقله ابن فورك عن
مذهب الأشعرى فى هذا، فقال: «إن المشهور من مذهبه- يعنى مذهب الأشعرى- بأن
الله سبحانه نور لا كالأنوار حقيقة لا بمعنى أنه هاد، وعلى ذلك نص- أى
الأشعرى- فى كتاب التوحيد فى باب مفرد لذلك تكلم فيه على المعتزلة، إذ
تأولوا ذلك على معنى أنه هاد، فقال: إن سأل عن الله عز وجل أنور هو؟ قيل
له: كلامك يحتمل وجهين إن كنت تريد أنه نور يتجزأ يجوز عليه الزيادة
والنقصان، فلا وهذه صفة النور المخلوق، وإن كنت تريد معنى ما قاله الله
سبحانه: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فالله سبحانه نور السموات
والأرض على ما قال، فإن قال: فما معنى قولك: نور؟ قيل له: قد أخبرناك ما
معنى النور المخلوق، وما معنى النور الخالق، وهو سبحانه الذى ليس كمثله
شىء، ومن تعدى أن يقول: الله نور، فقد تعدى إلى غير سبيل المؤمنين، لأن
الله لم يكن يسمى نفسه لعباده بما ليس هو به، فإن قال لا أعرف النور إلا
هذا النور المضىء المتجزىء، قيل له: فإن: كان لا يكون نور إلا كذلك، فكذلك
لا يكون شيئا إلا وحكمه حكم ذلك الشىء، ثم قال ابن فورك: فإذا قال الله عز
وجل: إنى نور، قلت: أنا هو نور على ما قال سبحانه وتعالى، وقلت أنت ليس هو
نورا، فمن المثبت له على الحقيقة: أنا أو أنت؟ وكيف يتبين الحق فيه إلا من
جهة ما أخبر الله سبحانه، والدافع لما قال الله كافر بالله» ثم ذكر ابن
القيم ما يأتى: «وقال أبو بكر بن العربى: قد اختلف الناس بعد معرفتهم
بالنور على ستة أقوال، الأول: معناه: هاد، قاله ابن عباس، والثانى معناه:
منور، قاله ابن مسعود.:. والثالث، مزين، وهو يرجع إلى معنى منور قاله أبى
بن كعب، الرابع: أنه ظاهر، الخامس: ذو النور. السادس: أنه نور لا كالأنوار،
قاله أبو الحسن الأشعرى قال: وقالت المعتزلة: لا يقال له نور إلا بإضافة،
قال: الصحيح عندنا أنه نور، لا كالأنوار، لأنه حقيقة، -
(4/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَبَرُ عَدّاسٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ عَدّاسٍ غُلَامِ عُتْبَةَ
وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ حِينَ جَاءَ بِالْقِطْفِ مِنْ عِنْدِهِمَا
إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَفِيهِ قَبُولُ هَدِيّةِ الْمُشْرِكِ، وَأَنْ لَا
يَتَوَرّعَ عَنْ طَعَامِهِ، وَسَيَأْتِي اسْتِقْصَاءُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ
اللهُ تَعَالَى، وَزَادَ التّيْمِيّ فِيهَا أَنّ عَدّاسًا حِينَ سَمِعَهُ
يَذْكُرُ يُونُسَ بْنَ مَتّى قَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ خَرَجْت مِنْهَا
يَعْنِي: نِينَوَى «1» ، وَمَا فِيهَا عَشَرَةٌ يَعْرِفُونَ: مَا مَتّى،
فَمِنْ أَيْنَ عَرَفْت أَنْتَ مَتّى، وَأَنْتَ أُمّيّ، وَفِي أُمّةٍ
أُمّيّةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم-: هو أَخِي،
كَانَ نَبِيّا، وَأَنَا نَبِيّ، وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنّ عَدّاسًا لَمّا
أَرَادَ سَيّدَاهُ الْخُرُوجَ إلَى بَدْرٍ أَمَرَاهُ بِالْخُرُوجِ
مَعَهُمَا فَقَالَ لَهُمَا: أَقِتَالَ ذَلِكَ الرّجُلِ الّذِي رَأَيْته
بِحَائِطِكُمَا تُرِيدَانِ، وَاَللهِ مَا تَقُومُ لَهُ الْجِبَالُ،
فَقَالَا لَهُ: وَيْحَك يا عدّاس: قد سحرك بلسانه، وعند مَا لَقِيَ رَسُولُ
اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ الطّائِفِ، مَا
لَقِيَ، وَدَعَا بِالدّعَاءِ «2» الْمُتَقَدّمِ، نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ
وَمَعَهُ مَلَكُ الْجِبَالِ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدّثَنِي عُرْوَةُ
أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَدّثَتْهُ أَنّهَا قَالَتْ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: هَلْ أَتَى
عَلَيْك يَوْمٌ كان أشدّ
__________
والعدول عن الحقيقة إلى أنه هاد ومنور، وما أشبه ذلك هو مجاز من غير دليل
لا يصح» ثم ضعف ما نقل عن ابن عباس، لأنه منقطع- راجع الجزء الثانى من
الصواعق المرسلة من ص 188 إلى ص 205.
(1) تروى بضم النون أيضا والفتح أشهر «الخشنى» .
(2) لم يخرج حديث هذا الدعاء سوى الطبرانى عن عبد الله بن جعفر.
(4/56)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْك مِنْ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيت مِنْ قَوْمِك، وَكَانَ أَشَدّ
مَا لَقِيت مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إذْ عَرَضْت نَفْسِي عَلَى ابْنِ
عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْت،
فَانْطَلَقْت عَلَى وَجْهِي، وَأَنَا مَهْمُومٌ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلّا
وَأَنَا بِقَرْنِ الثّعَالِبِ «1» ، فَرَفَعْت رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا
بِسَحَابَةِ قَدْ أَظَلّتْنِي، فَنَظَرْت فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ،
فَنَادَانِي فَقَالَ: إنّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِك لَك، وَمَا
رَدّوا عَلَيْك، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْك مَلَكَ الْجِبَالِ، لِتَأْمُرَهُ
بِمَا شِئْت فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلّمَ عَلَيّ
فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ ذَلِكَ لَك، إنْ شِئْت أَطْبَقَ عَلَيْهِمْ
الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ
وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. هَكَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ:
ابْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ.
جِنّ نَصِيبِينَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ وَفْدِ جِنّ نَصِيبِينَ، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ
فِيهِمْ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا أَوّلَ الْمَبْعَثَيْنِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَبَيّنّا هُنَالِكَ أَسَمَاءَهُمْ،
وَنَصِيبِينُ مَدِينَةٌ بِالشّامِ أَثْنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رُوِيَ أَنّهُ قَالَ: رُفِعَتْ إلَيّ
نَصِيبِينُ حَتّى رَأَيْتهَا فَدَعَوْت اللهَ أَنْ يَعْذُبَ نَهْرُهَا،
وَيَنْضُرَ شَجَرُهَا، وَيَطِيبَ ثَمَرُهَا أَوْ قَالَ: وَيَكْثُرَ
ثَمَرُهَا، وَتَقَدّمَ فِي أَسْمَائِهِمْ مَا ذَكَرَهُ، ابْنُ دُرَيْدٍ.
قَالَ: هُمْ: مُنَشّي وَمَاشِي وَشَاصِر وَمَاصِر وَالْأَحْقَب، وَلَمْ
يَزِدْ عَلَى
__________
(1) هى ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة.
(4/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَسْمِيَةِ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ أَسْمَائِهِمْ فِيمَا
تَقَدّمَ، وَفِي الصّحِيحِ أَنّ الّذِي أَذِنَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِنّ لَيْلَةَ الْجِنّ شَجَرَةٌ،
وَأَنّهُمْ سَأَلُوهُ الزّادَ، فَقَالَ:
كُلّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ.
أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلّ بَعْرٍ عَلَفٌ لِدَوَابّهِمْ. زَادَ
ابْنُ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنّ الْبَعْرَ يَعُودُ خَضِرًا
لِدَوَابّهِمْ، ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرّوْثِ، وَقَالَ:
إنّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنّ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ
مُسْلِمٍ كَمَا قَدّمْنَاهُ: «كُلّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ» ،
وَلَفْظُهُ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ: «كُلّ عَظْمٍ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ
اللهِ عَلَيْهِ» ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ تَدُلّ عَلَى مَعْنَى
رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ
فِي الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ، وَالرّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي حَقّ
الشّيَاطِينِ مِنْهُمْ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ تُعَضّدُهُ الْأَحَادِيثُ
إلّا أَنّا نَكْرَهُ الْإِطَالَةَ، وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ
أَنّ الْجِنّ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَتَأَوّلُوا قَوْلَهُ-
عَلَيْهِ السّلَامُ إنّ الشّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ
بِشِمَالِهِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ كَمَا
جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: صِنْفٌ عَلَى صُوَرِ الْحَيّاتِ، وَصِنْفٌ عَلَى
صُوَرِ الْكِلَابِ سُودٌ وَصِنْفٌ رِيحٌ طَيّارَةٌ أَوْ قال: هفّافة ذووا
أَجْنِحَةٍ، وَزَادَ بَعْضُ الرّوَاةِ فِي الْحَدِيثِ: وَصِنْفٌ يَخْلُونَ
وَيَظْعَنُونَ، وَهُمْ السّعَالِي، وَلَعَلّ هَذَا الصّنْفَ الطّيّارَ هُوَ
الّذِي لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ إنْ صَحّ الْقَوْلُ الْمُتَقَدّمُ
وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَرَوَيْنَا فِي حَدِيثٍ سَمِعْته يُقْرَأُ عَلَى
الشّيْخِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيّ بِسَنَدِهِ إلَى
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْشِي إذْ جَاءَتْ حَيّةٌ، فَقَامَتْ
إلَى جَنْبِهِ، وَأَدْنَتْ فَاهَا مِنْ أُذُنِهِ، وَكَانَتْ تُنَاجِيهِ،
أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
نَعَمْ فَانْصَرَفَتْ، قَالَ جَابِرٌ: فَسَأَلْته، فَأَخْبَرَنِي أَنّهُ
(4/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ، وَأَنّهُ قَالَ لَهُ: مُرْ أُمّتَك لَا يَسْتَنْجُوا
بِالرّوْثِ، وَلَا بِالرّمّةِ، فَإِنّ اللهَ جَعَلَ لَنَا فِي ذَلِكَ
رِزْقًا.
ذِكْرُ عرضه نَفْسِهِ عَلَى الْقَبَائِلِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَرْضَهُ نَفْسَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى الْقَبَائِلِ، لِيُؤْمِنُوا بِهِ، وَلِيَنْصُرُوهُ قَبِيلَةً
قَبِيلَةً، فَذَكَرَ بَنِي حَنِيفَةَ، وَاسْمُ حَنِيفَةَ: أُثَالُ بْنُ
لُجَيْمٍ، وَلُجَيْمٌ:
تَصْغِيرُ اللّجَمِ، وَهِيَ دُوَيْبّةٌ، قَالَ قُطْرُبٌ، وَأَنْشَدَ:
لَهَا ذنب مثل ذيل العرو ... س إلى سبة مِثْلُ جُحْرِ اللّجَمْ
ابْنُ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَسُمّيَ حَنِيفَةَ
لِحَنَفِ كَانَ فِي رِجْلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلْ حَنِيفَةُ أُمّهُمْ، وَهِيَ
بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ أَسَدٍ عُرِفُوا بِهَا، وَهُمْ أَهْلُ الْيَمَامَةِ،
وَأَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي أَوّلِ
الْكِتَابِ سَبَبَ نُزُولِهِمْ الْيَمَامَةَ وَأَوّلَ مَنْ نَزَلَهَا
مِنْهُمْ.
وَذَكَرَ بَيْحَرَةَ بْنَ فِرَاسٍ الْعَامِرِيّ، وَقَوْلَهُ لِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَفَنُهْدِفُ نُحُورَنَا، لِلْعَرَبِ دُونَك. نُهْدِفُ أَيْ: نَجْعَلُهَا
هَدَفًا لِسِهَامِهِمْ، وَالْهَدَفُ: الْغَرَضُ.
وَذَكَرَ قَوْلَ الشّيْخِ: هَلْ لَهَا مِنْ تَلَافٍ، أَيْ: تدارك، وهو
تفاعل من مِنْ: تَلَافَيْتُهُمْ، وَهَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مُطّلَبٍ:
مَثَلٌ ضرب لمسافاته مِنْهَا، وَأَصْلُهُ: مِنْ ذُنَابَيْ الطّائِرِ: إذَا
أَفْلَتَ مِنْ الْحِبَالَةِ، فَطَلَبْت الْأَخْذَ بِذُنَابَاهُ، وَقَالَ:
مَا تَقَوّلَهَا إسْمَاعِيلِيّ قَطّ أَيْ: مَا ادّعَى النّبُوّةَ كاذبا أحد
من بنى إسماعيل
(4/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عرضه نَفْسِهِ عَلَى كِنْدَةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَرْضَهُ نَفْسَهُ على كندة، وهم بنور ثَوْرِ بْنِ مُرّةَ
بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ميسع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ «1» عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ بَيْنَ
النّسّابِينَ فِي كِنْدَةَ، وَسُمّيَ كِنْدَةَ لِأَنّهُ كَنَدَ أَبَاهُ،
أَيْ عَقّهُ «2» ، وَسَمّى ابْنَهُ مُرْتِعًا لِأَنّهُ كَانَ يَجْعَلُ
لِمَنْ أَتَاهُ مِنْ قومه مرتعا، فهم بنو مرتع ابن ثَوْرٍ، وَقَدْ قِيلَ
إنّ ثَوْرًا هُوَ مُرْتِعٌ، وَكِنْدَةُ أَبُوهُ «3» .
فِي هَذَا الْكِتَابِ تَتِمّةٌ لِفَائِدَتِهِ فَصْلٌ: وَذَكَرَ غَيْرُ
ابْنِ إسْحَاقَ مَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِمّا رَأَيْت إمْلَاءَ
بَعْضِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ تَتِمّةً لِفَائِدَتِهِ. ذَكَرَ قَاسِمُ بن
ثابت والخطابى عرضه
__________
(1) نسب ثور فى جمهرة ابن حزم هكذا: وهؤلاء بنو كندة، وهو ثور ابن عُفَيْر
بْنِ عَدِيّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
يشجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ ص 394، 399 وهو فى قلائد الجمان
للقلقشندى أبى العباس أحمد بن على ص 71 كما فى الجمهرة.
(2) فى الاشتقاق لابن دريد: ومن قبائل زيد بن كهلان: كندة، وهو كندى،
واسمه: ثور وكندة من قولهم: كند نعمة الله عز وجل، أى كفرها، ومن قول الله
جل ثناؤه: إن الإنسان لربه لكنود ص 362 وقال صاحب حماة، وسمى كندة لأنه كند
أباه أى كفر نعمته ص 71 قلائد الجمان.
(3) فى جمهرة ابن حزم «ولد كندة بن عفير: معاوية وأشرس» ثم يقول: من بطون
كندة: معاوية ووهب وبدار والرائش بطون كبار، وهم بنو الحارث ابن معاوية بن
ثور بن مرتع، وهو عمرو بن معاوية بن كندة» ص 399 وعلى هذا يكون مرتع هو ابن
ابن كندة.
(4/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَفْسَهُ عَلَى بَنِي ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، ثُمّ عَلَى بَنِي شَيْبَانَ
بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَذَكَرَ الْخَطّابِيّ وَقَاسِمٌ «1» جَمِيعًا مَا كَانَ
مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الذّهْلِيّ زَادَ
قَاسِمٌ تَكْمِلَةَ الْحَدِيثِ فَرَأَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ زِيَادَةَ
قَاسِمٍ، فَإِنّهَا مِمّا تَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ قَالَ: ثُمّ
دَفَعْنَا إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ عَلَيْهِمْ السّكِينَةُ وَالْوَقَارُ،
فَتَقَدّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَسَلّمَ قَالَ عَلِيّ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
مُقَدّمًا فِي كُلّ خَيْرٍ، فَقَالَ مِمّنْ الْقَوْمُ، فَقَالُوا: مِنْ
شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، هَؤُلَاءِ غُرَرٌ فِي قَوْمِهِمْ، وَفِيهِمْ
مَفْرُوقُ بن عمرو وهانىء بْنُ قَبِيصَةَ، وَمُثَنّى بْنُ حَارِثَةَ،
وَالنّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ؛ وَكَانَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ
غَلَبَهُمْ جَمَالًا وَلِسَانًا «2» وَكَانَتْ لَهُ غَدِيرَتَانِ
تَسْقُطَانِ عَلَى تَرِيبَتَيْهِ «3» ، وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ
مَجْلِسًا مِنْ أَبِي بكر، فقال له أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْعَدَدُ
فِيكُمْ؟ قَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ إنّا لَنَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ، وَلَنْ
تُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلّة فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ المنعة
__________
(1) ذكر الزرقانى فى شرحه على المواهب ص 309 ج 1 شرح المواهب أن هذا الحديث
أخرجه الحاكم وأبو نعيم والبيهقى بإسناد حسن عن ابن عباس. واقرأ فى الأمالى
صفحتى 284 ج 2، ص 25 ج 3 الأمالى ج 2 وفى حاشية الاشتقاق بقلم الأستاذ عبد
السلام هارون: «بخط مغلطاى: دغفل هذا لقى النبى عليه السلام، وهو ابن ثلاث
وستين سنة قاله البخارى. وقال: لا يعرف له إدراك النبى عليه السلام وتابعه
على القول جماعة منهم: ابن حبان والزهرى وابن سعد وابن أبى حاتم، والعسكرى»
ص 351 الاشتقاق.
(2) انظر الاشتقاق ص 358، وفيه عن هانىء: وكان شرفيا عظيم القدر. وكان
نصرانيا، وأدرك الإسلام فلم يسلم، ومات بالكوفة.
(3) التريبة: واحدة الترائب، وهى عظام الصدر.
(4/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِيكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ، وَلِكُلّ قَوْمٍ جد،
فقال أبو بكر: كيف الحزب بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوّكُمْ؟ فَقَالَ
مَفْرُوقٌ: إنّا لَأَشَدّ مَا نَكُون غَضَبًا لَحِينَ نَلْقَى، وَإِنّا
لَأَشَدّ مَا نَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ، وَإِنّا لَنُؤْثِرُ
الْجِيَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَالسّلَاحَ عَلَى اللّقَاحِ «1» ،
وَالنّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُدِيلُنَا مَرّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا،
لعلك أخو قريش؟
فقال أبكر أو قد بَلَغَكُمْ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ، فَهَا هُوَ ذَا، فَقَالَ
مَفْرُوقٌ: قَدْ بَلَغَنَا أَنّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ، فَإِلَى مَ تَدْعُو
إلَيْهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَقَدّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَدْعُو إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلّا
اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، وَإِلَى أَنْ
تُؤْوُونِي، وَتَنْصُرُونِي، فَإِنّ قُرَيْشًا قَدْ ظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ
اللهِ، وَكَذّبَتْ رَسُولَهُ، وَاسْتَغْنَتْ بِالْبَاطِلِ عَنْ الْحَقّ
وَاَللهُ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ، فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَإِلَى مَ
تَدْعُو أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً،
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ، نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ
وَإِيَّاهُمْ، وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ،
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ،
ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الْأَنْعَامَ: 151
فَقَالَ مفروق: وإلى مم تَدْعُو أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فتلا رسول
الله- صلى الله عليه سلم- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسانِ، وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
النّحْلَ: 90 فَقَالَ مَفْرُوقٌ: دَعَوْت وَاَللهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ إلَى
مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، وَاَللهِ لَقَدْ أَفِكَ
قَوْمٌ كَذّبُوك، وَظَاهَرُوا عليك، وكأنه أراد أن يشركه
__________
(1) اللقاح: الإبل.
(4/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فى الكلام هانىء بن قبيصة، فقال: وهذا هانىء بن قبيصة شيخنا، وصاحب ديننا،
فقال هانىء: قَدْ سَمِعْت مَقَالَتَك يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَإِنّي أَرَى
أَنّ تَرْكَنَا دِينَنَا وَاتّبَاعَنَا إيّاكَ عَلَى دِينِك لِمَجْلِسِ
جَلَسْته إلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوّلٌ وَلَا آخِرُ زَلّةٌ فِي الرّأْيِ،
وَقِلّةُ نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ، وَإِنّمَا تَكُونُ الزّلّةُ مَعَ
الْعَجَلَةِ، وَمِنْ وَرَائِنَا قَوْمٌ نَكْرَهُ أَنْ نَعْقِدَ عَلَيْهِمْ
عَقْدًا، وَلَكِنْ تَرْجِعُ وَنَرْجِعُ وَتَنْظُرُ وَنَنْظُرُ، وَكَأَنّهُ
أَحَبّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَامِ الْمُثَنّى، فَقَالَ: وَهَذَا
الْمُثَنّى بْنُ حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا، فَقَالَ
الْمُثَنّى: قَدْ سَمِعْت مَقَالَتَك يَا أَخَا قريش، والجواب:
هو جواب هانىء بْنِ قَبِيصَةَ فِي تَرْكِنَا دِينَنَا، وَاتّبَاعِنَا
إيّاكَ لِمَجْلِسِ جَلَسْته إلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوّلٌ وَلَا آخِرُ،
وَإِنّا إنّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صَرَيَانِ الْيَمَامَةِ وَالسّمَاوَةِ «1»
، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَانِ
الصّرَيَانِ؟ فَقَالَ أَنْهَارُ كِسْرَى، وَمِيَاهُ الْعَرَبِ، فَأَمّا مَا
كَانَ مِنْ أَنْهَارِ كِسْرَى، فَذَنْبُ صَاحِبَيْهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ،
وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمّا مَا كَانَ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ،
فَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ وَعُذْرُهُ مَقْبُولٌ، وَإِنّمَا نَزَلْنَا عَلَى
عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَى أَنْ لَا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلَا
نُؤْوِيَ مُحْدِثًا، وَإِنّي أَرَى هَذَا
__________
(1) فى النهاية لابن الأثير «وإنما نزلنا الصريين» وهو الصواب، ثم قال
اليمامة والسمامة» وقال عن المصرى: وهو الماء المجتمع، وذكرها مرة أخرى فى
مادة صير «وفى حديث عرضه على القبائل: قال له المثنى بن حارثة: إنا نزلنا
بين صيرين: اليمامة والسمامة. فقال رسول الله ص» : وما هذان الصيران؟ فقال:
مياء العرب، وأنهار كسرى. الصير: الماء الذى يحضره الناس، وقد صار القوم
يصيرون إذا حضروا الماء. ويروى: بين صيرتين وهى فعلة منه، ويروى بين صريين
تثنية صرىء وقد تقدم النهاية مادة صرى وصير لابن الأثير. والصواب: السمادة،
وهى بادية بين الكوفة والسماء. أدماءة لكلب.
(4/63)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَمْرَ الّذِي تَدْعُونَا إلَيْهِ هُوَ مِمّا تَكْرَهُهُ الْمُلُوكُ،
فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ نُؤْوِيَك وَنَنْصُرَك مِمّا يَلِي مِيَاهَ
الْعَرَبِ، فَعَلْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا أَسَأْتُمْ فِي الرّدّ، إذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصّدْقِ،
وَإِنّ دِينَ اللهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إلّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ
جَوَانِبِهِ أَرَأَيْتُمْ إنْ لَمْ تَلْبَثُوا إلّا قَلِيلًا حَتّى
يُورِثَكُمْ اللهُ أَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ،
أَتُسَبّحُونَ اللهَ وَتُقَدّسُونَهُ، فَقَالَ النّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ:
اللهُمّ لَك ذَا، فَتَلَا رسول الله- صَلَّى الله عليه وسلم: إِنَّا
أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ثُمّ نَهَضَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ بِيَدَيّ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ يَا
أَبَا حُسْنٍ أَيّةُ أَخْلَاقٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، مَا أَشْرَفَهَا بِهَا
يَدْفَعُ اللهُ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ
فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ: ثُمّ دَفَعْنَا إلَى مَجْلِسِ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ، فَمَا نَهَضْنَا حَتّى بَايَعُوا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا صُدَقَاءَ صُبَرَاءَ، وَرَوَى فِي حَدِيثٍ
مُسْنَدٍ إلَى طَارِقٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرّتَيْنِ: رَأَيْته بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَعْرِضُ
نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ، يَقُولُ: يَا أَيّهَا النّاسُ قُولُوا: لَا
إلَهَ إلّا اللهُ تُفْلِحُوا، وَخَلْفَهُ رَجُلٌ لَهُ غَدِيرَتَانِ
يَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ، حَتّى أَدْمَى كَعْبَيْهِ، يَقُولُ:
يَا أَيّهَا النّاسُ لَا تَسْمَعُوا مِنْهُ، فَإِنّهُ كَذّابٌ، فَسَأَلْت
عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ غُلَامُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، قُلْت وَمَنْ الرّجُلُ
يَرْجُمُهُ؟ فَقِيلَ لِي: هُوَ عَمّهُ عَبْدُ الْعُزّى أَبُو لَهَبٍ،
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. خَرّجَهُ الدّارَقُطْنِيّ، وَوَقَعَ
أَيْضًا فِي السّيرَةِ مِنْ رِوَايَةِ يونس.
(4/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حديث سويد بن صامت:
فَصْلٌ: ذَكَرَ حَدِيثَ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ وَشِعْرَهُ، وَفِي الشّعْرِ:
وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النّحْر
يَعْنِي السّيْفَ، وَمَأْثُورٌ: مِنْ الْأَثْرِ وَهُوَ: فِرِنْدُ «1»
السّيْفِ، وَيُقَالُ فِيهِ:
أَثر وإِثر. قَالَ الشّاعِرُ:
جَلَاهَا الصّيْعَلُونَ فَأَخْلَصُوهَا ... خِفَاقًا كُلّهَا يَتْقِي
بِأَثْرِ «2»
أَرَادَ: يَتّقِي، وَسُوَيْدٌ: هُوَ: الْكَامِلُ، وَهُوَ ابْنُ الصّلت بن
حوط
__________
(1) جوهر السيف ووشيه والسيف نفسه.
(2) البيت أنشده عيسى بن عمر لخفاف بن ندبة. وقبل البيت:
ولم أر قبلهم حيا لقاحا ... أقاموا بين قاصية وحجر
رماح مثقف حملت نصالا ... يلحن كأنهن نجوم بدر
انظر ص 125 ج 2 الأمالى للقالى ط 2، ص 752 سمط اللآلى للقالى والمعنى: إذا
نظر الناظر إليها اتصل شعاعها بعينه، فلم يتمكن من النظر إليها فذلك
اتقاؤها بأثرها والأصمعى لا يعرف فى الأثر إلا الفتح يقال: سيف مأثور أى فى
متنه أثر، وقيل هو الذى يقال إنه يعمله الجن، وليس من الأثر الذى هو
الفرند. قال ابن سيدة: وعندى أن المأثور مفعول لا فعل له كما ذهب إليه أبو
على فى المفئود الذى هو الجبان
(4/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن حَبِيبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ «1» وَأُمّهُ لَيْلَى بِنْتُ عَمْرٍو النّجّارِيّةُ أُخْتُ
سَلْمَى بِنْتِ عَمْرِو [بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيَدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ
عَامِرِ ابن غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ [تَيْمِ اللهِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ] أُمّ عبد المطلب ابن هَاشِمٍ،
فَسُوَيْدٌ هَذَا ابْنُ خَالَةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَبِنْتُ سُوَيْدٍ
هِيَ أُمّ عَاتِكَةَ أُخْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَهُوَ جَدّهَا لِأُمّهَا
وَاسْمُ أُمّهَا: زَيْنَبُ، وَقِيلَ: جَلِيسَةُ بِنْتُ سُوَيْدٍ، هَكَذَا
ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ «2» .
ذِكْرُ مَجَلّةِ لُقْمَانَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَجَلّةَ لُقْمَانَ، وَهِيَ الصّحِيفَةُ، وَكَأَنّهَا
مَفْعَلَةٌ مِنْ الْجَلَالِ وَالْجَلَالَةِ، أَمّا الْجَلَالَةُ فَمِنْ
صِفَةِ الْمَخْلُوقِ، وَالْجَلَالُ مِنْ صِفَةِ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ
أَجَازَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ فِي المخلوق جلال وجلالة وأنشد:
__________
(1) نسبه فى جمهرة ابن حزم هكذا: «سويد بن الصامت بن خالد بن عطية ابن خوط
بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأوسى، وقد تقدم
نسبه فى السيرة كما ذكر ابن حزم، ولكن فيها حوط بالحاء المهملة، وفى
الإصابة: سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسى ذكره ابن شاهين وقال: شك
فى إسلامه، وقال أبو عمر: أنا أشك فيه كما شك غيرى.. ويعلق ابن حجر على ما
روى ابن إسحاق بقوله: فإن صح ما قالوا لم يعد فى الصحابة لأنه لم يلق النبى
«ص» مؤمنا.
(2) يقول الخشنى فى شرح السيرة ص 117 عن بنى زعب إنها بفتح الزاى وضمها
وكسرها والعين المهملة. وزغب بالزاء المكسورة والغين المعجمة قيده
الدارقطنى، وذكر أن الطبرى حكاه كذلك
(4/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلاذا جَلَالٍ هِبْنَهُ لِجَلَالَة ... وَلَا ذَا ضَيَاعٍ هُنّ يَتْرُكْنَ
لِلْفَقْرِ «1»
وَلُقْمَانُ كَانَ نُوبِيّا مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ وَهُوَ لُقْمَانُ بْنُ
عَنْقَاءَ بْنِ سُرُور «2» فِيمَا ذَكَرُوا وَابْنُهُ الّذِي ذُكِرَ فِي
الْقُرْآنِ هُوَ ثَأْرَانُ فِيمَا ذَكَرَ الزّجّاجُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ
قِيلَ فِي اسْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِلُقْمَانَ بْنِ عَادٍ
الْحِمْيَرِيّ.
ذِكْرُ قُدُومِ أَبِي الْحَيْسَرِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قُدُومَ أَبِي الْحَيْسَرِ أَنَسِ بْنِ رافع بن يطلب
الحلف، وذلك
__________
(1) البيت لهدبة بن خشرم بن كرز: بن حجر بن أبى حية الكاهن صاحب العزى
وسادنها أحد بنى سعد هذيم من قضاعة. وهدبة: شاعر إسلامى يكنى أيا عمير:
وقبل البيت:
رأيت أخا الدنيا، وإن كان خافضا ... أخاسفر يسرى به، وهو لا يدرى
وللأرض كم من صالح قد تكمأت ... عليه فوارته بكماعة القفر
ويروى البيت الأول هكذا:
ألا يالقوم للنوائب والدهر ... وللحر يأتى حتفه وهو لا يدرى
انظر ص 246 ح 1 الأمالى للقالى ط 2؛ ص 556، 639 سمط اللآلى للبكرى ومرجع
السهيلى فى هذا هو الأمالى، ورأى الأصمعى أن الجلال لا يقال إلا فى الله عز
وجل، وقال أبو حاتم وقد يقال: ويعقب البكرى فى السمط على رأى القالى فى
كلمة مجلة بفتح الجيم: إنما هو مجلة- بكسر الجيم. قال أبو عبيدة: كل كتاب
عند العرب مجلة بكسر الجيم، وقد روى غيره فيه الفتح
(2) فى تفسير ابن كثير: سدوس، وفيه يذكر أن الأكثرين من السلف على أن لقمان
كان عبدا صالحا من غير نبوة. وفيه وفى غيره تفصيلات كثيرة عنه.
(4/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسبب لحرب الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهِيَ حَرْبُ
بُعَاثٍ الْمَذْكُورَةُ، وَلَهُمْ فِيهَا أَيّامٌ مَشْهُورَةٌ هَلَكَ
فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ صَنَادِيدِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ، وَبُعَاثٌ اسْمُ
أَرْضٍ بِهَا عُرِفَتْ «1» .
بَدْءُ إسْلَامِ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يكن الأنصار اسما لهم فى الجاهلية،
ختى سَمّاهُمْ اللهُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمْ:
بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَالْخَزْرَجُ: الرّيحُ الْبَارِدَةُ «2»
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ الْجَنُوبُ خَاصّةً، وَدُخُولُ الْأَلِفِ
وَاللّامِ فِي الْأَوْسِ عَلَى حَدّ دُخُولِهَا فِي التّيْمِ جَمْعُ:
تَيْمِيّ وَهُوَ مِنْ بَابِ: رُومِيّ وَرُومٍ، لِأَنّ الْأَوْسَ هِيَ
الْعَطِيّةُ أَوْ الْعِوَضُ، وَمِثْلُ هَذَا إذَا كَانَ عَلَمًا لَا
يَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللّامُ، أَلَا تَرَى أَنّ كُلّ أَوْسٍ فِي
الْعَرَبِ غَيْرُ هَذَا، فَإِنّهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ كَأَوْسِ بن
حارثة الطّائىّ وغيره
__________
(1) يقول الخشنى «ويروى هنا: بغاث بالغين المعجمة أيضا، ويصرف ولا يصرف،
ويقول البكرى فى معجم ما استعجم «ذكر عن الخليل: بغاث ولم يسمع من غيره»
هذا ويقال إن القبائل التى عرض نفسه عليها أيام المواسم هى بنو عامر وغسان
وبنو فزارة، وبنو مرة وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر، وثعلبة
بن عكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة وقيس ابن الخطيم،
وأبو الحيسر أنس بن أبى رافع «هكذا فى إمتاع الأسماع لتقى الدين أحمد بن
على لمقريزى ح 1 ط 1941 ص 30، وفيه أنه بدأ بكندة، ثم أتى كلبا ثم بنى
حنيفة، ثم بنى عامر.
(2) فى الاشتقاق لابن دريد: الخزرج: الريح العاصف ص 437.
(4/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَذَلِكَ، أَوْسٌ «1» وَأُوَيْسٌ: الذّئْبُ قَالَ الرّاجِزُ:
يَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْهُ وَالْأَمْرُ عَمَمْ ... مَا فَعَلَ الْيَوْمَ
أَوَيْسٌ بِالْغَنَمْ «2»
وَأَبُوهُمْ «3» حَارِثَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ [بْنِ عَمْرِو مُزَيْقِيَاءَ
بْنِ عَامِرٍ مَاءِ السّمَاءِ بن حارثة الغطريف بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِيّ] ، وَهُوَ أَيْضًا:
والدخزاعة عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأُمّهُمْ «4» : قَيْلَةُ بِنْتُ
كَاهِلِ بْنِ عُذْرَةَ قُضَاعِيّةٌ وَيُقَالُ: هِيَ بِنْتُ جَفْنَةَ، واسمه
غلبة؟؟؟ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَقِيلَ: بِنْتُ سَيْعِ «5» ابن
الْهَوْنِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، قَالَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ.
وَالْأَنْصَارُ: جَمْعُ نَاصِرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فِي جمع فاعل «6» ،
ولكن على
__________
(1) أوس بن حارثة بن لأم رأس طيىء، عاش- كما قيل- مائتى سنة، وهناك أوس بن
حجر الشاعر الجاهلى، وأوس بن حذيفة من فرسان ثقيف الذى أدرك الإسلام وروى
عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأوس بن المعلى، وأوس مغراء وأوس مناة الحنيك
من خثعم، ولكن هناك الأوس من صعب بن همان.
(2) البيت للهذلى، وهو فى اللسان:
يا ليت شعرى عنك، والأمر أمم ... ما فعل اليوم أويس فى الغنم
(3) أى والد الأوس والخزرج.
(4) أى أم الأوس والخزرج، ونسبها فى جمهرة ابن حزم هكذا. «قيلة بنت الأرمم
بن عمرو بن جفنة بن عمرو مزيقياء» ص 312 ط 1 والزيادة التى زدتها من
الجمهرة.
(5) اسمه فى نسب قريش. ييثع.
(6) إذا كان فاعل وصفا دالا على غريزة وسجية أو أمر فطرى فإنه يجمع
(4/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَقْدِيرِ حَذْفِ الْأَلِفِ مِنْ نَاصِرٍ، لِأَنّهَا زَائِدَةٌ، فَالِاسْمُ
عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِهَا: ثُلَاثِيّ وَالثّلَاثِيّ يُجْمَعُ عَلَى
أَفْعَالٍ، وَقَدْ قَالُوا فِي نَحْوِهِ صَاحِبٌ وَأَصْحَابٌ وَشَاهِدٌ
وَأَشْهَادٌ.
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنّفَرِ
مِنْ الْأَنْصَارِ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ أَنْتُمْ أَيْ مِنْ
حُلَفَائِهِمْ، وَالْمَوْلَى يَجْمَعُ: الْحَلِيفَ وَابْنَ الْعَمّ
وَالْمُعْتَقَ وَالْمُعْتِقَ لِأَنّهُ مَفْعَلٌ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَجَاءَ
عَلَى وَزْنِ مَفْعَلٍ، لِأَنّهُ مَفْزَعٌ وَمَلْجَأٌ لِوَلِيّهِ فَجَاءَ
عَلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.
وَذَكَرَ النّفَرَ الْقَادِمِينَ فِي الْعَامِ الثّانِي الّذِينَ
بَايَعُوهُ بَيْعَةَ النّسَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بَيْعَةَ
النّسَاءِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ
بِاللَّهِ شَيْئاً الْمُمْتَحِنَةَ 431 الْآيَةَ، فَأَرَادَ بِبَيْعَةِ
النّسَاءِ أَنّهُمْ لَمْ يُبَايِعُوهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَكَانَتْ
مُبَايَعَتُهُ لِلنّسَاءِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِنّ الْعَهْدَ
وَالْمِيثَاقَ، فَإِذَا أَقْرَرْنَ بِأَلْسِنَتِهِنّ قَالَ: قَدْ
بَايَعْتُكُنّ، وَمَا مَسّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ فِي مُبَايَعَةٍ «1»
كَذَلِكَ قَالَتْ
__________
على فعلاء مثل شاعر وشعراء، وعاقل وعقلاء، وكذلك إذا كان دالا على ما يشبه
الغريزة والسجية فى طول بقائها مثل صالح وصلحاء، وإذا كان فاعل دالا على
وصف يدل على آفة طارئة من ألم أو عيب، أو نقص، أو موت جمع على فعلى مثل
هالك وهلكى.
(1) فى حديث رواه البخارى عن عائشة أنها قالت: «ولا والله ما مست يده يد
امرأة فى المبايعة قط، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتكن على ذلك» وفى حديث
آخر رواه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجة من حديث سفيان ابن عيينة،
والنسائى أيضا من حديث الثورى ومالك بن أنس كلهم عن محمد
(4/70)
[بيعة العقبة
الأولى]
حَتّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَافَى الْمَوْسِمَ مِنْ
الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ؛ وَهِيَ
الْعَقَبَةُ الْأُولَى، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ- عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ، وَذَلِكَ قبل أن تفترض عليهم الحرب.
منهم من بنى النجّار، ثم بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ: أَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ بن عدس ابن عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ النّجّارِ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ؛ وَعَوْفٌ، وَمُعَاذٌ، ابْنَا
الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وهما ابنا عفراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَائِشَةُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُنّ كُنّ يَأْخُذْنَ بِيَدِهِ فِي
الْبَيْعَةِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامِرٍ الشّعْبِيّ،
ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ وَقَدْ
ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِي النّقّاشُ فِي
صِفَةِ بَيْعَةِ النّسَاءِ وَجْهًا ثَالِثًا أَوْرَدَ فِيهِ آثَارًا،
وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إنَاءٍ وَتَغْمِسُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهِ عِنْدَ
الْمُبَايَعَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَقْدًا لِلْبَيْعَةِ، وَلَيْسَ هَذَا
بِالْمَشْهُورِ، وَلَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالثّبْتِ، غَيْرَ
أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ أَيْضًا قَدْ ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ يونس عن
أبان ابن أَبِي صَالِحٍ، وَذَكَرَ أَنْسَابَ الّذِينَ بَايَعُوهُ،
وَسَنُعِيدُهُ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ وَغَزَاةِ بَدْرٍ، وَهُنَاكَ
يَقَعُ التّنْبِيهُ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِعَوْنِ اللهِ.
__________
ابن المنكدر، وقال الترمذى: حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث محمد ابن
المنكدر. فى هذا الحديث ورد «قلنا يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال إنى لا
أصافح النساء، إنما قولى لامرأة واحدة قولى لمائة امرأة» .
(4/71)
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ:
رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ ابن
زُرَيْقٍ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ.
قَالَ ابن هشام: ذكوان، مهاجرىّ أنصارىّ.
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ عَوْفِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ الْقَوَاقِلُ:
عُبَادَةُ بْنُ الصامت بن قيس بن أصرم ابن فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
غَنْمٍ؛ وَأَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ
خَزْمَةَ ابن أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمّارَةَ، مِنْ بَنِي غصينة، من
بلىّ، حليف لهم.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهُمْ: الْقَوَاقِلُ، لِأَنّهُمْ
كَانُوا إذَا اسْتَجَارَ بِهِمْ الرّجُلُ دَفَعُوا لَهُ سَهْمًا، وَقَالُوا
لَهُ: قَوْقِلْ بِهِ بِيَثْرِبَ حَيْثُ شِئْت.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَوْقَلَةُ: ضَرْبٌ من المشى.
وقال ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي العجلان بن زيد بن غنم بن سالم: الْعَبّاسُ
بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضَلَةَ بْنِ مَالِكِ ابن العجلان.
ومن بني سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ
تَزِيدَ بْنِ جشم ابن الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ سَلِمَةَ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ ابن نَابِي بْنِ زَيْدِ
بْنِ حَرَامٍ.
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ قُطْبَةُ بْنُ
عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بن غنم بن سواد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/72)
[رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ الْأَوْسِ]
وَشَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَامِرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عمرو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ:
أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: التّيّهَانُ: يُخَفّفُ وَيُثَقّلُ، كَقَوْلِهِ مَيْتٌ
وَمَيّتٌ.
[رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي عَمْرٍو]
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: عويم بن
ساعدة.
[بيعة الْعَقَبَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أبى حبيب، عن (أبى) مرثد
ابن عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ
الصّنَابِحِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: كُنْت فِيمَنْ
حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى، وَكُنّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا،
فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَيْعَةِ
النّسَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ، عَلَى أَنْ لَا
نُشْرِكَ بِاَللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا
نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ
بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ. فإن
وفيتم فلكم الجنة. وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمر كم إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ
إنْ شَاءَ عَذّبَ وإن شاء غفر.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عَائِذِ
اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/73)
الْخَوْلَانِيّ أَبِي إدْرِيسَ أَنّ
عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ حَدّثَهُ أَنّهُ قَالَ: بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى
أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ،
وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ
بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم
الجنة، وإن غشيتم من ذلك فَأُخِذْتُمْ بِحَدّهِ فِي الدّنْيَا، فَهُوَ
كَفّارَةٌ لَهُ، وَإِنْ سُتِرْتُمْ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَأَمْرُكُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، إنْ شَاءَ عَذّبَ، وإن شاء غفر.
[مصعب بن عمير ووفد الْعَقَبَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ، بَعَثَ رَسُولُ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ، وَأَمَرَهُ
أَنْ يُقْرِئَهُمْ الْقُرْآنَ، وَيُعَلّمَهُمْ الْإِسْلَامَ،
وَيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ، فَكَانَ يُسَمّى الْمُقْرِئَ بِالْمَدِينَةِ:
مُصْعَبٌ وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ،
أَبِي أُمَامَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ:
أَنّهُ كان يصلى بهم، وذلك أن الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ
أَنْ يَؤُمّهُ بَعْضٌ.
أَوّلُ جُمُعَةٍ أَقِيمَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ،
عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: كُنْت قَائِدَ أَبِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/74)
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، حِينَ ذَهَبَ
بَصَرُهُ، فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَسَمِعَ
الْأَذَانَ بِهَا صَلّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ، أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ.
قَالَ: فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ: لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ
لِلْجُمُعَةِ إلّا صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ: فَقُلْت فِي
نَفْسِي: وَاَللهِ إنّ هذا بى لعجز، ألا أسأله ماله إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ
لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ:
فَخَرَجْت بِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا كُنْت أَخْرُجُ، فَلَمّا سَمِعَ
الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قال: فقلت له:
يا أبت، مالك إذَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّيْت عَلَى أَبِي
أمامة؟ قال: أَيْ بُنَيّ، كَانَ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ
فِي هَزْمِ النّبِيتِ، مِنْ حَرّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ
الْخَضَمَاتِ، قَالَ قُلْت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا.
[إسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بن
معيقب، وعبد الله ابن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ: أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ ابن عُمَيْرٍ
يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ،
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ ابن النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ عبد الأشهل ابن خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ
بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ظَفَرٍ: كَعْبُ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك ابن الْأَوْسِ- قَالَا: عَلَى بِئْرٍ
يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَرَقٍ، فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ، وَاجْتَمَعَ
إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمّنْ أَسْلَمَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ
بْنُ حضير، يَوْمَئِذٍ سَيّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ،
وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فَلَمّا سَمِعَا به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/75)
قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ
حُضَيْرٍ: لا أبالك، انْطَلِقْ إلَى هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ
أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفّهَا ضُعَفَاءَنَا، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا
عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنّهُ لَوْلَا أَنّ أَسْعَدَ بْنَ
زُرَارَةَ مِنّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْت كَفَيْتُك ذَلِكَ، هُوَ ابْنُ
خَالَتِي، وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدّمًا، قَالَ: فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ
حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمّ أَقْبَلَ إلَيْهِمَا، فَلَمّا رَآهُ أَسْعَدُ
بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا سَيّدُ قَوْمِهِ
قَدْ جَاءَك، فَاصْدُقْ اللهَ فِيهِ، قَالَ مُصْعَبٌ: إنْ يَجْلِسْ
أُكَلّمْهُ. قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا، فَقَالَ:
مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا تُسَفّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلَانَا إنْ
كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ، فَقَالَ له مصعب: أو تجلس
فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْته كُفّ
عَنْك مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ
إلَيْهِمَا، فَكَلّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ
الْقُرْآنَ؛ فَقَالَا: فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاَللهِ لَعَرَفْنَا
فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ
وَتَسَهّلِهِ، ثُمّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَجْمَلَهُ!
كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدّينِ؟
قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ
شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ تُصَلّي. فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ
ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ قَالَ لَهُمَا: إنّ وَرَائِي رَجُلًا إن انبعكما لَمْ
يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ؛ وَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا
الْآنَ، سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى
سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا، قَالَ: أَحْلِفُ بِاَللهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ
أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمّا
وَقَفَ عَلَى النّادِي قَالَ لَهُ سعد: ما فعلت؟ قال:
كلّمت الرجلين، فو الله مَا رَأَيْت بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا
فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/76)
وَقَدْ حُدّثْت أَنّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ
خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ
قَدْ عَرَفُوا أَنّهُ ابْنُ خَالَتِك، لِيُخْفِرُوكَ قَالَ: فَقَامَ سَعْدٌ
مُغْضَبًا مُبَادِرًا، تَخَوّفًا لِلّذِي ذُكِرَ له من بنى حارثة، فأخذ
الحربة من يده، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ مَا أَرَاك أَغْنَيْت شَيْئًا، ثم خرج
إليهما؛ فلما رآها سَعْدٌ مُطْمَئِنّيْنِ، عَرَفَ سَعْدٌ أَنّ أُسَيْدًا
إنّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا
مُتَشَتّمًا، ثُمّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: يَا أبا أمامة،
لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رُمْت هَذَا مِنّي،
أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ- وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَيْ مُصْعَبُ، جَاءَك وَاَللهِ
سَيّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ، إنْ يَتّبِعْك لَا يَتَخَلّفُ عَنْك
مِنْهُمْ اثْنَانِ- قَالَ: فَقَالَ لَهُ مصعب: أو تقعد فَتَسْمَعَ، فَإِنْ
رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْت فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْته عَزَلْنَا
عَنْك مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ سَعْدٌ، أَنْصَفْت ثُمّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ
وَجَلَسَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ،
قَالَا: فَعَرَفْنَا وَاَللهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْل أَنْ
يَتَكَلّمَ، لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ؛ ثُمّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ
تَصْنَعُونَ إذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدّينِ؟
قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ
شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ. فَقَامَ فَاغْتَسَلَ
وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ رَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ، فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي
قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ.
قَالَ: فَلَمّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا، قَالُوا: نَحْلِفُ بِاَللهِ
لَقَدْ رَجَعَ إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ
مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ، كَيْفَ تعلمون أمرى فيكم؟ قالوا: سيدنا وَأَفْضَلُنَا
رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً؛ قَالَ: فَإِنّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/77)
كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيّ
حَرَامٌ حَتّى تُؤْمِنُوا بالله وبرسوله.
قالا: فو الله مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ
وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ أَسْعَدُ
وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ
يَدْعُو النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ، حَتّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ
الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ، إلّا مَا كَانَ
مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ،
وَتِلْكَ أَوْسُ اللهِ، وَهُمْ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ؛ وَذَلِكَ
أَنّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ، وَهُوَ صَيْفِيّ،
وَكَانَ شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعون، فوقف بهم عن الإسلام، فلم
يزل على ذلك حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ،
وَقَالَ فِيمَا رَأَى مِنْ الْإِسْلَامِ، وَمَا اخْتَلَفَ النّاسُ فِيهِ
مِنْ أَمْرِهِ:
أَرَبّ النّاسِ أَشْيَاءُ أَلَمّتْ ... يُلَفّ الصّعْبُ مِنْهَا
بِالذّلُولِ
أَرَبّ النّاسِ أَمّا إذْ ضَلِلْنَا ... فَيَسّرْنَا لِمَعْرُوفِ السّبِيلِ
فَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا يَهُودًا ... وَمَا دِينُ الْيَهُودِ بِذِي
شُكُولِ
وَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا نَصَارَى ... مَعَ الرّهْبَانِ فِي جَبَلِ
الْجَلِيلِ
وَلَكِنّا خُلِقْنَا إذْ خُلِقْنَا ... حَنِيفًا دِينُنَا عَنْ كُلّ جِيلِ
نَسُوقُ الْهَدْيَ تَرْسُفُ مُذْعِنَاتٍ ... مُكَشّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي
الْجُلُولِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ: فَلَوْلَا رَبّنَا،
وَقَوْلَهُ: لَوْلَا رَبّنَا، وَقَوْلَهُ:
مُكَشّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ، رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَوْ
مِنْ خُزَاعَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/78)
[أَمْرُ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى
مَكّةَ، وخرج من خرج من الأنصار الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوْسِمِ مَعَ
حَجّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ، حَتّى قَدِمُوا مَكّةَ،
فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَقَبَةَ،
مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ، حِينَ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ مَا
أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَالنّصْرِ لِنَبِيّهِ، وَإِعْزَازِ الإسلام
وأهله، وإذلال الشرك وأهله.
[البراء بن معرور وصلاة الْكَعْبَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كعب بن مالك بن أبي كعب بن
الْقَيْنِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، أَنّ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ،
وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حَدّثَهُ أَنّ أَبَاهُ كَعْبًا
حَدّثَهُ، وَكَانَ كَعْبٌ مِمّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا، قَالَ: خَرَجْنَا فِي حُجّاجِ
قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ صَلّيْنَا وَفَقِهْنَا، وَمَعَنَا
الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيّدُنَا وَكَبِيرُنَا، فَلَمّا وَجّهْنَا
لِسَفَرِنَا، وَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ لَنَا: يَا
هَؤُلَاءِ، إنّي قَدْ رَأَيْت رَأْيًا، فو الله مَا أَدْرِي،
أَتُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ قَالَ: قلنا: وما ذاك؟ قَدْ رَأَيْت
أَنْ لَا أَدَعَ هَذِهِ الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ،
وَأَنْ أُصَلّيَ إلَيْهَا. قَالَ: فَقُلْنَا، وَاَللهِ مَا بَلَغَنَا أَنّ
نَبِيّنَا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي إلّا إلَى الشّامِ، وَمَا
نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ.
قَالَ: فَقَالَ: إنّي لَمُصَلّ إلَيْهَا قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: لَكِنّا
لَا نَفْعَلُ. قَالَ: فَكُنّا إذَا حَضَرَتْ الصّلَاةُ صَلّيْنَا إلَى
الشّامِ، وَصَلّى إلَى الْكَعْبَةِ، حَتّى قَدِمْنَا مَكّةَ. قَالَ: وَقَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/79)
كُنّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ،
وَأَبَى إلّا الْإِقَامَةَ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّةَ قَالَ
لِي:
يَا ابْنَ أَخِي، انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى نَسْأَلَهُ عَمّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي هَذَا،
فَإِنّهُ وَاَللهِ لَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، لِمَا
رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إيّايَ فِيهِ. قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنّا لَا نَعْرِفُهُ،
وَلَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ،
فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقال: هل تعرفانه؟ فقلتا: لَا؛ قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبّاسَ بْنَ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَمّهُ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ- قَالَ: وَقَدْ كُنّا
نَعْرِفُ الْعَبّاسَ، كَانَ لَا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا-
قَالَ: فَإِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ الرّجُلُ الْجَالِسُ مَعَ
الْعَبّاسِ. قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبّاسُ جَالِسٌ،
وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم جالس معه، فسلّمنا ثم جلسنا
إلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْعَبّاسِ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. قال:
فو الله مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم: الشاعر؟
قال: نعم. فقال الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا نَبِيّ اللهِ، إنّي
خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، وَقَدْ هَدَانِي اللهُ لِلْإِسْلَامِ،
فَرَأَيْت أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ، فَصَلّيْت
إلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ، حَتّى وَقَعَ فِي
نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَمَاذَا تَرَى يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: قَدْ كُنْت عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْت عَلَيْهَا. قَالَ: فَرَجَعَ
الْبَرَاءُ إلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ،
وَصَلّى مَعَنَا إلَى الشّامِ. قَالَ: وَأَهْلُهُ يَزْعُمُونَ أَنّهُ صَلّى
إلَى الْكَعْبَةِ حَتّى مَاتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا، نَحْنُ
أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/80)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَوْنُ بْنُ
أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ:
وَمِنّا الْمُصَلّي أَوّلَ النّاسِ مُقْبِلًا ... عَلَى كَعْبَةِ
الرّحْمَنِ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ
يَعْنِي الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
[إسْلَامُ عبد الله بن عمرو بن حرام]
قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب، أَنّ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ
حَدّثَهُ أن أباه كعب بن مالك حدثه، قَالَ كَعْبٌ: ثُمّ خَرَجْنَا إلَى
الْحَجّ، وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ. قَالَ فَلَمّا فَرَغْنَا
مِنْ الْحَجّ، وَكَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا، وَمَعَنَا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو
جَابِرٌ، سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا،
أَخَذْنَاهُ مَعَنَا، وَكُنّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ
الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا، فَكَلّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا
جَابِرٍ، إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا،
وَإِنّا نَرْغَبُ بِك عَمّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنّارِ
غَدًا، ثُمّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ
رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّانَا الْعَقَبَةَ. قَالَ:
فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا.
[أمرأتان فى البيعة]
قَالَ: فَنِمْنَا تَلِك اللّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتّى
إذَا مَضَى ثُلُثُ اللّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، نَتَسَلّلُ تَسَلّلَ الْقَطَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/81)
مُسْتَخْفِينَ، حَتّى اجْتَمَعْنَا فِي
الشّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا
وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، أُمّ
عُمَارَةَ، إحْدَى نساء بنى مازن ابن النّجّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ
عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ
أُمّ منيع.
[العباس والأنصار]
قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى جَاءَنَا وَمَعَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، إلّا أَنّهُ أَحَبّ
أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثّقَ لَهُ. فَلَمّا جَلَسَ
كَانَ أَوّلَ مُتَكَلّمٍ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ: يَا
مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ- قَالَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنّمَا يُسَمّونَ هَذَا
الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، الْخَزْرَجَ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا-: إنّ
مُحَمّدًا مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ
قَوْمِنَا؛ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، فَهُوَ فِي عِزّ
مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ، وَإِنّهُ قَدْ أبى إلا الابحياز
إلَيْكُمْ، وَاللّحُوقَ بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ
وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ، وَمَانِعُوهُ مِمّنْ
خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كنتم ترون
أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه فى عزّ
ومنعة من قومه وبلده. قَالَ، فَقُلْنَا لَهُ، قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْت،
فَتَكَلّمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبّك مَا أَحْبَبْت.
[عَهْدُ الرّسُولِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ على الأنصار]
قَالَ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَتَلَا
الْقُرْآنَ، وَدَعَا إلَى اللهِ وَرَغّبَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمّ قَال،
أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ
نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/82)
قَالَ، فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ
بِيَدِهِ، ثُمّ قال، نعم، والذى بعثك بالحقّ، لَنَمْنَعَنّك مِمّا نَمْنَعُ
مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رسول الله، فنحن والله أهل الْحُرُوبِ،
وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا [عَنْ كَابِرٍ] . قَالَ،
فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ، وَالْبَرَاءُ يُكَلّمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ فَقَالَ
يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرّجَالِ حِبَالًا، وَإِنّا
قَاطِعُوهَا- يَعْنِي الْيَهُودَ- فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا
ذَلِكَ، ثُمّ أَظْهَرَك اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا؟
قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ
قَالَ: بَلْ الدّمَ الدّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ
وَأَنْتُمْ مِنّي، أُحَارِبُ مَنْ حاربتم، وأسالم من سالمتم..
قال ابن هشام. ويقال: الهدم الهدم: أَيْ ذِمّتِي ذِمّتُكُمْ وَحُرْمَتِي
حُرْمَتُكُمْ.
قَالَ كَعْبُ: وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا،
لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ. فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ
اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ
الْأَوْسِ.
[أَسَمَاءُ النّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَمَامُ خبر العقبة]
[النقباء من الخزرج]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ الْخَزْرَجِ- فِيمَا حَدّثَنَا زياد بن عبد الله
البكائي، عن محمد بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ-: أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ
بْنُ زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النّجّارِ، وَهُوَ: تيم الله بن ثعلبة عمرو بن الخزرج [بن حارثة] ،
وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زهير بن مالك بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/83)
أمرئ القيس بن مالك بْنِ مَالِكِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الخزرج بن الحارث ابن الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ
اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن
مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ابن الْخَزْرَجِ،
وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ
زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج؛ وَالْبَرَاءُ
بْنُ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ عَدِيّ بْنِ غنم بن كعب بن سلمة ابن سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ
بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ الله
ابن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ابن
سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ
بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعُبَادَةُ ابن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عوف ابن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ
بْنِ الْخَزْرَجِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بن عوف بن
عمرو بن عوف ابن الْخَزْرَجِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ أَبِي خُزَيْمَةَ ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بن كعب بن الخزرج، والمنذر ابن عمرو بن خنيس بن
حارثة بن لوذان بن عبدودّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ
بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- قَالَ ابْنُ هشام: ويقال:
ابن خنيش.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/84)
[النقباء من
الأوس]
وَمِنْ الْأَوْسِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ
رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ [بْنَ
جشم بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، وَسَعْدُ
بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بن كعب بن النحاط بن كعب بن
حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ القيس [بن ثعلبة بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَوْفِ] بْنِ مَالِكِ بْنِ الأوس [ابن حارثة] ورفاعة ابن
عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُبَيْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عمرو ابن عوف بن مالك بن الأوس.
[شعر كعب بن مالك عن النقباء]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعُدّونَ فِيهِمْ أَبَا
الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ، وَلَا يَعُدّونَ رِفَاعَةَ. وَقَالَ كَعْبُ
بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُهُمْ، فِيمَا أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيّ:
أَبْلِغْ أُبَيّا أَنّهُ قال رَأْيُهُ ... وَحَانَ غَدَاةَ الشّعْبِ
وَالْحَيْنُ وَاقِعُ
أَبَى اللهُ مَا مَنّتْك نَفْسُك إنّهُ ... بِمِرْصَادِ أَمْرِ النّاسِ
رَاءٍ وَسَامِعُ
وَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ قَدْ بَدَا لَنَا ... بِأَحْمَدَ نُورٌ
مِنْ هُدَى اللهِ سَاطِعُ
فَلَا تَرْغَبَنْ فِي حَشْدِ أَمْرٍ تُرِيدُهُ ... وَأَلّبْ وَجَمّعْ كُلّ
مَا أَنْتَ جَامِعُ
وَدُونَك فَاعْلُمْ أَنّ نَقْضَ عُهُودِنَا ... أَبَاهُ عَلَيْك الرّهط حين
تبايعوا
أَبَاهُ الْبَرَاءُ وَابْنُ عَمْرٍو كِلَاهُمَا ... وَأَسْعَدُ يَأْبَاهُ
عليك ورافع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/85)
وَسَعْدٌ أَبَاهُ السّاعِدِيّ وَمُنْذِرٌ
... لِأَنْفِك إنْ حَاوَلْت ذَلِكَ جَادِعُ
وَمَا ابْنُ رَبِيعٍ إنْ تَنَاوَلْت عَهْدَهُ ... بِمُسْلِمِهِ لَا
يَطْمَعَنْ ثَمّ طَامِعُ
وَأَيْضًا فَلَا يُعْطِيكَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ ... وَإِخْفَارُهُ مِنْ
دُونِهِ السّمّ نَاقِعُ
وَفَاءً بِهِ وَالْقَوْقَلِيّ بْنُ صَامِتٍ ... بِمَنْدُوحَةِ عَمّا
تُحَاوِلُ يَافِعُ
أَبُو هَيْثَمٍ أَيْضًا وَفِيّ بِمِثْلِهَا ... وَفَاءً بِمَا أَعْطَى مِنْ
الْعَهْدِ خَانِعُ
وَمَا ابْنُ حُضَيْرٍ إنْ أَرَدْت بِمَطْمَعِ ... فَهَلْ أَنْتَ عَنْ
أُحْمُوقَةِ الْغَيّ نَازِعُ؟
وَسَعْدٌ أَخُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَإِنّهُ ... ضَرُوحٌ لِمَا حاولت م
الأمر مَانِعُ
أُولَاكَ نُجُومٌ لَا يُغِبّكَ مِنْهُمْ ... عَلَيْك بِنَحْسٍ فِي دُجَى
اللّيْلِ طَالِعُ
فَذَكَرَ كَعْبٌ فيهم أبا الهيثم بن التّيهّان، ولم بذكر رفاعة.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ
رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِلنّقَبَاءِ: أَنْتُمْ
عَلَى قَوْمِكُمْ بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريّين لعيسى بن مَرْيَمَ،
وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- قالوا: نعم.
[ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ:
أَنّ الْقَوْمَ لَمّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ
الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ: يَا مَعْشَرَ
الْخَزْرَجِ، هَلْ تَدْرُونَ عَلَامَ تُبَايِعُونَ هَذَا الرّجُلَ؟
قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: إنّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ
وَالْأَسْوَدِ مِنْ النّاسِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ إذَا
نُهِكَتْ أَمْوَالُكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/86)
مُصِيبَةً، وَأَشْرَافُكُمْ قَتْلًا
أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنْ الْآنَ، فَهُوَ وَاَللهِ- إنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ
الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ وَافُونَ لَهُ
بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ عَلَى نَهْكَةِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ
الْأَشْرَافِ، فَخُذُوهُ، فَهُوَ وَاَللهِ خَيْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ،
قَالُوا: فَإِنّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ
الْأَشْرَافِ، فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ إنْ نَحْنُ وفّينا؟
قَالَ: الْجَنّةُ. قَالُوا: اُبْسُطْ يَدَك، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ.
وَأَمّا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ فَقَالَ: وَاَللهِ مَا قَالَ
ذَلِك الْعَبّاسُ إلّا لِيَشُدّ الْعَقْدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَعْنَاقِهِمْ.
وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: مَا قَالَ ذَلِكَ
الْعَبّاسُ إلّا لِيُؤَخّرَ الْقَوْمَ تَلِك اللّيْلَةَ، رَجَاءَ أَنْ
يحضرها عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ، فَيَكُونَ أَقْوَى لِأَمْرِ
الْقَوْمِ. فَاَللهُ أَعْلَمُ أىّ ذلك كان.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَلُولُ: امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ أُمّ
أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ.
[أول صحابى ضَرَبَ عَلَى يَدِ الرّسُولِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ
الثّانِيَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَنُو النّجّارِ يَزْعُمُونَ أَنّ أَبَا
أُمَامَةَ، أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى
يَدِهِ، وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَقُولُونَ: بَلْ أَبُو الْهَيْثَمِ
بْنُ التّيّهَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/87)
قال ابن إسحاق: قال الزهرى: حدثنى مَعْبَدُ
بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَحَدّثَنِي فِي حَدِيثِهِ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَوّلَ
مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثم بايع بعد القوم.
[الشيطان وبيعة العقبة]
فَلَمّا بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَرَخَ الشّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ
قَطّ: يَا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ- وَالْجُبَاجِبُ: الْمَنَازِلُ- هَلْ لَكُمْ
فِي مُذَمّمٍ وَالصّبَاةُ مَعَهُ، قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا
أَزَبّ العقبة، هذا ابن أزبب- قال: ابن هشام:
ويقال ابن أزيب استمع أَيْ عَدُوّ اللهِ، أَمَا وَاَللهِ لَأَفْرُغَنّ لَك.
[الرسول لا يستجيب لطلب الحرب من الأنصار]
قَالَ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ارفضّوا إلى رحالكم. قال فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ
نَضْلَةَ: وَاَللهِ الّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ: إنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنّ
عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم نُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ
ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ. قَالَ: فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا،
فَنِمْنَا عَلَيْهَا حَتّى أَصْبَحْنَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/88)
[مجادلة جلة
قريش للأنصار فى شأن البيعة]
فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلّةُ قُرَيْشٍ، حَتّى جاؤنا فِي
مَنَازِلِنَا، فَقَالُوا:
يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ
إلَى صَاحِبِنَا هَذَا تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا،
وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَإِنّهُ وَاَللهِ مَا مِنْ حَيّ مِنْ
الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا، أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمْ، مِنْكُمْ. قَالَ: فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي
قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ بِاَللهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَمَا
عَلِمْنَاهُ. قَالَ:
وَقَدْ صَدَقُوا، لَمْ يَعْلَمُوهُ. قَالَ: وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى
بَعْضٍ. قَالَ: ثُمّ قَامَ الْقَوْمُ، وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً- كَأَنّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ
بِهَا فِيمَا قَالُوا-: يَا أَبَا جَابِرٍ، أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ
تَتّخِذَ، وَأَنْت سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا
الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ: فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ، فَخَلَعَهُمَا
مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيّ، وَقَالَ:
وَاَللهِ لِتَنْتَعِلَنّهُمَا. قَالَ: يَقُولُ: أَبُو جَابِرٍ: مَهْ،
أَحْفَظْتَ وَاَللهِ الْفَتَى، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ. قَالَ: قُلْت
لا: وَاَللهِ لَا أَرُدّهُمَا، فَأْلٌ وَاَللهِ صَالِحٌ، لَئِنْ صدق الفأل
لأسلبنّه.
قال ابن إسحاق: وحدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّهُمْ أَتَوْا
عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ كَعْبٌ من
القول، فقال لهم: إنّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ، مَا كَانَ قَوْمِي
لِيَتَفَوّتُوا عَلَيّ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَا عَلِمْته كَانَ. قال:
فانصرفوا عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/89)
[قريش تطلب
الأنصار وتأسر سعد بن عبادة]
قال: ونفر الناس من مِنًى، فَتَنَطّسَ الْقَوْمُ الْخَبَرَ، فَوَجَدُوهُ
قَدْ كَانَ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ بِأَذَاخِرَ، وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكِلَاهُمَا كَانَ نَقِيبًا. فَأَمّا
الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ، وَأَمّا سَعْدٌ فَأَخَذُوهُ، فَرَبَطُوا
يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعِ رَحْلِهِ، ثُمّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتّى
أَدْخَلُوهُ مَكّةَ يَضْرِبُونَهُ، وَيَجْذِبُونَهُ، بِجُمّتِهِ، وَكَانَ
ذَا شَعَرٍ كَثِيرٍ.
[خَلَاصُ سعد بن عبادة]
قال سعد: فو الله إنّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ طَلَعَ عَلَيّ نَفَرٌ مِنْ
قُرَيْشٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ، شَعْشَاعٌ، حلو من الرجال قال
ابن هشام: الطويل الحسن قال رؤبة: يمطوه من شعشاع غير مودن. يعنى عنق
البعير غير قصير يقول مودن اليد أى: ناقص اليد يمطوه من السير شعشاع: حلو
من الرجال.
قال: قلت فِي نَفْسِي: إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَد مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ،
فَعِنْدَ هَذَا، قَالَ فَلَمّا دَنَا مِنّي رَفَعَ يَدَهُ فَلَكَمَنِي
لَكْمَةً شَدِيدَةً. قَالَ: قلت فى نفسى، لا والله ما عندهم بعد هذا من خير
قال: فو الله إنّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى لِي رَجُلٌ
مِمّنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَك! أَمَا بَيْنَك وَبَيْنَ أَحَدٍ
مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى، وَاَللهِ لَقَدْ
كُنْت أجير لجبير بن مطعم ابن عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ
تِجَارَةً، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/90)
وللحارث ابن حرب بن أميّة بن عبد شمش بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ، قَالَ: وَيْحَك! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرّجُلَيْنِ،
وَاذْكُرْ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُمَا. قَالَ. فَفَعَلْت، وَخَرَجَ ذَلِك
الرّجُلُ إلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ،
فَقَالَ لَهُمَا: إنّ رَجُلًا مِنْ الخزرج الآن يضرب بالأبطح ليهتف
بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا، جِوَارًا، قَالَا: من
هُوَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَا: صَدَقَ وَاَللهِ، إنْ كَانَ
لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا، وَيَمْنَعُهُمْ أن يظلموا ببلده: قال: فجاآ
فَخَلّصَا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَانْطَلَقَ. وَكَانَ الّذِي لكم
سعدا، سهيل بْنُ عَمْرٍو، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الرّجُلُ الّذِي أَوَى إلَيْهِ، أَبَا
الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْهِجْرَةِ بيتين،
قالهما ضرار ابن الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ
فهر:
تَدَارَكْتَ سَعْدًا عَنْوَةً فَأَخَذْتَهُ ... وَكَانَ شِفَاءً لَوْ
تَدَارَكْتَ مُنْذِرَا
وَلَوْ نِلْتُهُ طُلّتْ هُنَاكَ جِرَاحُهُ ... وَكَانَتْ حَرِيّا أَنْ
يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
وَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فيهما فقال،
لَسْتَ إلَى سَعْدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ... إذَا مَا مَطَايَا
الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمّرا
فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرّتْ قَصَائِدٌ ... عَلَى شَرَفِ الْبَرْقَاءِ
يَهْوِينَ حسّرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/91)
أَتَفْخُرُ بِالْكَتّانِ لَمّا لَبِسْتَهُ
... وَقَدْ تَلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصّرَا
فَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنّهُ ... بقرية كسرى أو بقرية قيصر
وَلَا تَكُ كَالثّكْلَى وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الثّكْلِ لَوْ كَانَ
الْفُؤَادُ تَفَكّرَا
وَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا ... بِحَفْرِ ذِرَاعَيْهَا
فَلَمْ تَرْضَ مَحْفَرَا
وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي فأقبل نخره ... وَلَمْ يَخْشَهُ سَهْمًا مِنْ
النّبْلِ مُضْمَرَا
فَإِنّا وَمَنْ يُهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا ... كَمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا
إلَى أهل خيبرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ فِي أَنْسَابِ الْمُبَايِعِينَ لَهُ فِي الْعَقَبَةِ الأولى فى
بنى سلمة منهم: سادرة ابن تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ، وَتَزِيدُ بِتَاءِ
مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقُ، وَلَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ
تَزِيدُ إلّا هَذَا، وَتَزِيدُ بْنُ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَهُمْ
الّذِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثّيَابُ التّزِيدِيّةُ، وَأَمّا سَلِمَةُ
بِكَسْرِ اللّامِ، فَهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ سُمّيَ بِالسّلِمَةِ وَاحِدَةِ
السّلَامِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ، قَالَ الشّاعِرُ:
ذَاكَ خَلِيلِي وَذُو يُعَاتِبُنِي ... يَرْمِي وَرَائِي بِالسّهْمِ
وَالسّلِمَةِ «1»
وَفِي جُعْفِيّ: سَلِمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ دُهْلِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ
جُعْفِيّ وَفِي جُهَيْنَةَ سلمة
__________
(1) فى اللسان: أنشد أبو عبيد فى السلمة:
ذاك خليلى وزد يعاتبنى ... يرمى ورائى بامسهم وامسلمة
وأراد: والسلمة، وهى من لغات حمير قال ابن برى هو: البجير بن عفة الطائى،
قال: وصوابه:
وإن مولاى ذد يعاتبنى ... لا احنة عنده، ولا جرمة
ينصرنى منك غير معتذر ... يرمى ورائى بامسهم وامسلمه
(4/92)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن نَصْرِ بْنِ غَطَفَانَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ النّسّابَةُ «1» وفى
الصّحَابَةِ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ أَبُو بُرَيْدَةَ الْجَرْمِيّ الّذِي
أَمّ قَوْمَهُ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ، وَفِي الرّوَاةِ
عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلِمَةَ وَيُنْسَبُ إلَى بَنِي سَلِمَةَ هَؤُلَاءِ
سَلَمِيّ بِالْفَتْحِ، كَمَا يُنْسَبُ إلَى بَنِي سَلَمَةَ، وَهُمْ
بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ يُقَالُ لَهُمْ: السّلَمَاتُ، يُقَالُ
لِأَحَدِهِمْ سَلَمَةُ الْخَيْرِ، وَلِلْآخَرِ سَلَمَةُ الشّرّ ابْنَا
قَصِيرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَمّا بَنُو سَلِيمَةَ
بِيَاءِ فَفِي دَوْسٍ، وَهُمْ بَنُو سَلِيمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ فَهْمِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ دَوْسٍ، وَسَلِيمَةُ هَذَا هُوَ أَخُو جَذِيمَةَ
الْأَبْرَشِ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَ أَخَاهُ مَالِكًا بِسَهْمِ «2» قَتْلَ
خَطَأٍ، وَيُقَالُ فِي النّسَبِ إلَيْهِ: سَلَمِيّ أَيْضًا وَهُوَ
الْقِيَاسُ، وَقَدْ قِيلَ: سُلَيْمِيّ كَمَا قِيلَ فِي عُمَيْرَةَ
عُمَيْرِيّ.
وَذَكَرَ بَنِي جِدَارَةَ مِنْ بَنِي النّجّارِ، وَجِدَارَةُ وَخُدَارَةُ:
أخوان، وغيره
__________
(1) فى القاموس: «وبنو سلمة بطن من الأنصار، وابن كهلاء فى بجيلة، وابن
الحارث فى كندة، وابن عمرو بن ذهل وابن غطفان بن قيس، وعميرة بن خفاف بن
سلمة، وعبد الله بن سلمة البدرى الأحدى، وعمرو بن سلمة الهمدانى، وعبد الله
بن سلمة المرادى وأخطأ الجوهرى فى قوله: وليس سلمة فى العرب غير بطن
الأنصار» وذكر أيضا فى الصحابة سلمة بن حنظلة السحيمى وابن قيس الجرمى.
(2) فى الاشتقاق: وسليمة الذى رمى أباه بسهم، فقتله وله يقول مالك.
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رمانى
ويروى: استد. وفى مادة سدد فى اللسان يذكر ابن برى أنه رآه فى شعر عقيل بن
علفة يقول فى ابنه عملس حين رماه بسهم، ونسبه الجاحظ فى البيان والتبيين ص
231 ح 3 إلى معد بن أوس انظر ص 497، 543 الاشتقاق لابن دريد «ط» السنة
المحمدية ص 268.
(4/93)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَقُولُ فِي جِدَارَةَ: خُدَارَةَ بِالْخَاءِ الْمَضْمُومَةِ، وَهَكَذَا
قَيّدَهُ أَبُو عَمْرٍو، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي
الِاشْتِقَاقِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصّوَابِ لِأَنّهُ أَخُو خُدْرَةَ «1»
وَكَثِيرًا مَا يَجْعَلُونَ أَسْمَاءَ الْإِخْوَةِ مُشْتَقّةً بَعْضُهَا
مِنْ بَعْضٍ.
وَذَكَرَ الْقَوَاقِلَ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ،
وَذَكَرَ تَسْمِيَتَهُمْ الْقَوَاقِلَ، وَأَنّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ إذَا
أَجَارُوا أَحَدًا: قَوْقِلْ حَيْثُ شِئْت، وَفِي الْأَنْصَارِ:
الْقَوَاقِلُ وَالْجَعَادِرُ «2» وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ الْأَوْسِ،
وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِمَا: وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى، أَمّا الْجَعَادِرُ
فَكَانُوا إذَا أَجَارُوا أحدا أعطوه سهما، وقالوا له: جعدربه حَيْثُ
شِئْت، كَمَا كَانَتْ الْقَوَاقِلُ «3» تَفْعَلُ، وَهُمْ بَنُو زَيْدِ،
بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ ضُبَيْعَةَ [بْنِ زَيْدٍ] يُقَالُ لَهُمْ
كَسْرُ الذّهَبِ، وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ الْأَوْسِ.
قَالَ الشّاعِرُ:
فَإِنّ لَنَا بَيْن الْجَوَارِي وَلِيدَةً ... مُقَابَلَةً بَيْنَ
الْجَعَادِرِ «4» وَالْكَسْرِ
مَتَى تَدْعُ فِي الزّيْدَيْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ ... وَزَيْدِ بْنِ
عَمْرٍو تَأْتِهَا عِزّةُ الْخَفْرِ
وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ،
وَلَا نَسَبَهُ فِي أَهْلِ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ، وَلَا فِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ التّيهان، واسم التيهان أيضا مالك
__________
(1) انظر ص 455 الاشتقاق ط السنة المحمدية.
(2) فى الاشتقاق: «ومرة، وهم الجعادرة» ص 437 وقد جلعهم ابن دريد بطنا من
الأوس وكذلك ابن حزم ص 325 أما القواقل، فهم من الخزرج.
(3) القوقلة عند ابن دريد: التغلغل فى الشىء والدخول فيه ص 456.
(4) الجعادرة هم بنو مرة بن مالك بن الأوس.
(4/94)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
زَعْوَنِ «1» ، بْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ كَانَ أَحَدَ النّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمّ شَهِدَ
بَدْرًا، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وَفَاتِهِ، فَأَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ
إنّهُ شَهِدَ مَعَ عَلِيّ صِفّينَ «2» ، وَقُتِلَ فِيهَا رَحِمَهُ اللهُ،
وَأَحْسَبُ ابْنَ إسْحَاقَ وَابْنَ هِشَامٍ تَرَكَا نَسَبَهُ عَلَى
جَلَالَتِهِ فِي الْأَنْصَارِ وَشُهُودِهِ هَذِهِ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِاخْتِلَافِ
فِيهِ، فَقَدْ وَجَدْت فِي شِعْرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ
أَضَافَ أَبُو الْهَيْثَمِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي مَنْزِلِهِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَذَبَحَ
لَهُمْ عَنَاقًا «3» وَأَتَاهُمْ بِقِنْوِ مِنْ رُطَبٍ الْحَدِيثَ
بِطُولِهِ، فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ:
فَلَمْ أَرَ كَالْإِسْلَامِ عِزّا لأهله ... ولا مثل أضياف لأراشىّ معشرا
فجعله إرَشِيّا كَمَا تَرَى، وَالْإِرَاشِيّ مَنْسُوبٌ إلَى إرَاشَةَ فِي
خُزَاعَةَ، أَوْ إلَى إرَاشِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ فَاَللهُ
أَعْلَمُ: أَهُوَ أَنْصَارِيّ بِالْحِلْفِ أَمْ بِالنّسَبِ الْمَذْكُورِ،
قَبْلَ هَذَا، وَنَقَلْته مِنْ قَوْلِ أَبِي عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ،
وَقَدْ قِيلَ: إنه
__________
(1) فى الاصل: زعون والتصويب من الإصابة ونسبه فيها كما فى الروض وفى
الإصابة: والروايات عن أبى الهيثم كلها فيها نظر، وليست تأتى من وجه يثبت.
(2) وهذا ساقه أبو بشر الدولابى من طريق صالح بن الوجيه، وعبد الرحمن بن
بديل وآخرون. وصفين أرض فوق بالس بمقدار نصف مرحلة، وهما غربى الفرات بها
كانت الوقعة بين على ومعاوية رضى الله عنهما، وبالس هى أول مدن الشام من
العراق وهى فرضة الفرات لأهل الشام.
(3) العناق: الأنثى من ولد المعز
(4/95)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَلَوِيّ مِنْ بَنِي إرَاشَةَ بْنِ فَارَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَلِيّ،
وَالْهَيْثَمُ فِي اللّغَةِ: فَرْخُ [النّسْرِ، أَوْ] الْعُقَابِ،
وَالْهَيْثَمُ أَيْضًا ضَرْبٌ مِنْ الْعُشْبِ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَبِهِ سُمّيَ الرّجُلُ هَيْثَمًا أَوْ بِالْمَعْنَى الْأَوّلِ
وَأَنْشَدَ:
رَعَتْ بِقَرَانِ الْحَزْنِ رَوْضًا مُنَوّرًا ... عَمِيمًا مِنْ الظّلّاعِ
وَالْهَيْثَمِ الْجَعْدِ
ذَكَرَ بَيْعَتَهُمْ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ أَلّا يَسْرِقُوا، وَلَا يَزْنُوا إلَى آخِرِ
الْآيَةِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ خَبَرًا عَنْ بَيْعَةِ النساء:
وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ أَنّهُ الْوَلَدُ تَنْسُبُهُ إلَى بَعْلِهَا،
وَلَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَرْأَةِ فِيمَا
دُونَ الْوَطْءِ كَالْقُبْلَةِ وَالْجَسّةِ وَنَحْوِهَا، وَالْأَوّلُ
يُشْبِهُ أَنْ يُبَايِعَ عَلَيْهِ الرّجَالُ، وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أنه النّوح، وهذا أيضا
ليس مِنْ شَأْنِ الرّجَالِ، فَدَلّ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِ مَنْ خَصّهُ
بِالنّوْحِ، وَخَصّ الْبُهْتَانَ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالرّجُلِ،
وَلَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنّ يَعْنِي:
الْكَذِبَ وَعَيْبَ النّاسِ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَأَرْجُلِهِنّ يَعْنِي:
الْمَشْيَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ، أَيْ: فِي
خَيْرٍ تَأْمُرُهُنّ بِهِ، وَالْمَعْرُوفُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ
الْأَخْلَاقِ، وَمَا عُرِفَ حُسْنُهُ وَلَمْ تُنْكِرْهُ الْقُلُوبُ،
وَهَذَا مَعْنَى يَعُمّ الرّجَالَ وَالنّسَاءَ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ
فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِيمَا أَخَذَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَيْهِنّ:
أَنْ قَالَ: وَلَا تَغْشُشْنَ أَزْوَاجَكُنّ، قَالَتْ: إحْدَاهُنّ وَمَا
غِشّ أَزْوَاجِنَا فَقَالَ: أَنْ تَأْخُذِي مِنْ مَالِهِ
(4/96)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَتُحَابِي بِهِ غَيْرَهُ «1» .
هِجْرَةُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ هِجْرَةَ مُصْعَبِ بْنِ
عُمَيْرٍ وَهُوَ الْمُقْرِئُ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ سُمّيَ بِهَذَا، أَعْنِي
الْمُقْرِئَ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِ مِنْ
أَنْعَمِ قُرَيْشٍ عَيْشًا وَأَعْطَرِهِمْ، وَكَانَتْ أُمّهُ شَدِيدَةَ
الْكَلَفِ بِهِ، وَكَانَ يَبِيتُ وَقَعْبُ الْحَيْسِ «2» عِنْدَ رَأْسِهِ،
يَسْتَيْقِظُ فَيَأْكُلُ، فَلَمّا أَسْلَمَ أَصَابَهُ مِنْ الشّدّةِ مَا
غَيّرَ لَوْنَهُ وَأَذْهَبَ لَحْمَهُ، وَنَهَكَتْ جِسْمَهُ حَتّى كَانَ
رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إلَيْهِ،
وَعَلَيْهِ فَرْوَةٌ قَدْ رَفَعَهَا، فَيَبْكِي لِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ
نِعْمَتِهِ، وَحَلَفَتْ أُمّهُ حِينَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ أَلّا تَأْكُلَ
وَلَا تَشْرَبَ وَلَا تَسْتَظِلّ بِظِلّ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْهَا،
فَكَانَتْ تَقِفُ لِلشّمْسِ حَتّى تَسْقُطَ مَغْشِيّا عَلَيْهَا، وَكَانَ
بَنُوهَا يَحْشُونَ فَاهَا بِشِجَارِ «3» ، وَهُوَ عُودٌ فَيَصُبّونَ فِيهِ
الْحَسَاءَ لِئَلّا تَمُوتَ، وَسَنَذْكُرُ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا عِنْدَ
ذِكْرِهِ فِي الْبَدْرِيّينَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَكَانَ رَسُولُ
اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُ، فَيَقُولُ: مَا
رَأَيْت بِمَكّةَ أَحْسَنَ لَمّةً، وَلَا أَرَقّ حُلّةً وَلَا أَنْعَمَ
نِعْمَةً مِنْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ. وَذَكَرَ
أَيْضًا بِإِسْنَادِ لَهُ، قال: كان
__________
(1) فى حديث رواه أحمد بسنده عن سلمى بنت قيس إحدى خالات الرسول صلى الله
عليه وسلم.
(2) القعب: القدح الضخم الجافى، والحيس: تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا،
ثم يندر منه نواه، وربما جعل فيه سويق.
(3) أصله: عود يجعل فى فم الجدى لئلا يرضع. وحديث بكاء الرسول «ص» حين كان
يرى مصعبا رواه الترمذى بسند فيه ضعف.
(4/97)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَى مَكّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا وَسِنّا وَكَانَ
أَبَوَاهُ يُحِبّانِهِ، وَكَانَتْ أُمّهُ تَكْسُوهُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ
مِنْ الثّيَابِ، وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكّةَ يَلْبَسُ الْحَضْرَمِيّ
مِنْ النّعَالِ «1»
وَذَكَرَ أَنّ مَنْزَلَهُ كَانَ على أسعدين زُرَارَةَ، مَنْزَلٌ بِفَتْحِ
الزّايِ، وَكَذَلِكَ كُلّ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ مَنْزَلِ
فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ، فَهُوَ بِالْفَتْحِ، لِأَنّهُ أَرَادَ الْمَصْدَرَ،
وَلَمْ يُرِدْ الْمَكَانَ، وَكَذَا قَيّدَهُ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ
بِفَتْحِ الزّايِ، وَأَمّا أُمّ قَيْسِ بِنْتُ مُحْصِنٍ الْمَذْكُورَةُ فِي
هِجْرَةِ بَنِي أَسَدٍ، فَاسْمُهَا آمِنَةُ وَهِيَ أُخْتُ عُكّاشَةَ،
وَهِيَ الّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمُوَطّأِ وَأَنّهَا أَتَتْ بِابْنِ لَهَا
صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطّعَامَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَوّلَ جُمُعَةٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَبُو
أُمَامَةَ، وذكر غيره أن أَنّ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِهِمْ مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرٍ، لِأَنّهُ أَوّلُ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ،
ثُمّ قَدِمَ بَعْدَهُ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ
الْكِتَابِ مَنْ جَمّعَ فى الجاهلية بمكة فحطب وَذَكَرَ وَبَشّرَ
بِمَبْعَثِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَضّ عَلَى
اتّبَاعِهِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ «2» وَيُقَالُ: أَنّهُ أَوّلُ مَنْ
سَمّى الْعَرُوبَةَ الْجُمُعَةَ، وَمَعْنَى الْعَرُوبَةِ الرّحْمَةُ فِيمَا
بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ
إلَيْهِ فيها فيما حكى الزبير ابن بَكّارٍ، فَيَخْطُبُهُمْ، فَيَقُولُ:
أَمّا بَعْدُ فَاعْلَمُوا وَتَعَلّمُوا إنما الأرض لله مهاد،
__________
(1) نسبة إلى حضرموت، وهى نعال ملسنة.
(2) وسبق تعليقى على ذلك.
(4/98)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والجبال أوتاد، والسماء بناء، والنجوم سملا «1» ، ثُمّ يَأْمُرُهُمْ
بِصِلَةِ الرّحِمِ، وَيُبَشّرُهُمْ بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «2» ، وَيَقُولُ: حَرَمُكُمْ يَا قَوْمُ عَظّمُوهُ، فَسَيَكُونُ
لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيّ كَرِيمٌ، ثُمّ يَقُولُ فِي
شِعْرٍ ذَكَرَهُ:
عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النّبِيّ مُحَمّدٌ ... فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا
صَدُوقٌ خَبِيرُهَا
صُرُوفٌ رَأَيْنَاهَا تُقَلّبُ أَهْلَهَا ... لَهَا عَقْدٌ مَا يَسْتَحِيلُ
مَرِيرُهَا
ثُمّ يَقُولُ:
يَا ليتني شاهد فحواء دعوته ... إذا قريش تبغي الحقّ خذلانا «3»
وأما أَوّلُ مَنْ جَمّعَ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَنْ ذَكَرْنَا.
نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّهُ جَمّعَ بِهِمْ أَبُو أُمَامَةَ عِنْدَ
هَزْمِ النّبِيتِ فِي بَقِيعٍ يُقَال لَهُ بَقِيعُ الْخَضِمَاتِ. بَقِيعٌ
بِالْبَاءِ وَجَدْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ، وكذلك
__________
(1) هكذا بالأصل، ولم أهتد إلى صوابها.
(2) النبى نفسه لم يكن حتى ليلة المبعث يعرف شيئا عن نبوته. يجوز أن نفهم
على فرض صحة النقل- أنه كان يبشرهم بمبعث نبى، ويقول عنه الجاحظ «ومن
الخطباء القدماء: كعب بن لؤى، وكان يخطب على العرب عامة، ويحض كنانة على
البر، فلما مات أكبروا موته، فلم تزل كنانة تؤرخ بموت كعب إلى عام الفيل» ص
35 ج 1 البيان والتبيين بتحقيق عبد السلام هارون.
(3) فى الأصل. فجواء، وهو خطأ. وللكلمة روايتان إحداهما: فحواء أى: معنى،
ونجواه، والمد للضرورة وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أى دعوته السر.
وقد سبق التعليق على البيت فى الجزء الأول.
(4/99)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجَدْته فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَذَكَرَهُ
الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ من أسماد الْبُقَعِ
أَنّهُ نَقِيعٌ بِالنّونِ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ النّونِ وَالْقَافِ «1» ،
وَقَالَ: هَزْمُ النّبِيتِ: جَبَلٌ عَلَى يريد مِنْ الْمَدِينَةِ، وَفِي
غَرِيبِ الْحَدِيثِ: أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حَمَى غَرَزَ النّقِيعِ
قَالَ الْخَطّابِيّ: النّقِيعُ: الْقَاعُ، وَالْغَرَزُ شِبْهُ الثّمَامِ»
وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى،
وَمَعْنَى الْخَضِمَاتِ مِنْ الْخَضْمِ، وَهُوَ الْأَكْلُ بِالْفَمِ
كُلّهِ، وَالْقَضْمُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ، وَيُقَالُ: هُوَ أَكْلُ
الْيَابِسِ، وَالْخَضْمُ:
أَكْلُ الرّطَبِ، فَكَأَنّهُ جَمْعُ خَضِمَةٍ، وَهِيَ الْمَاشِيَةُ الّتِي
تَخْضَمُ، فَكَأَنّهُ سُمّيَ بِذَاكَ لِخَضْبِ كَانَ فِيهِ، وَأَمّا
الْبَقِيعُ بِالْبَاءِ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْهُ
بِكَثِيرِ، وَأَمّا بَقِيعُ الْخَبْجَبَةِ بِخَاءِ وَجِيمٍ وَبَاءَيْنِ،
فَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «3» : وَالْخَبْجَبَةُ:
شَجَرَةٌ عُرِفَ بِهَا.
الْجُمُعَةُ:
فَصْلٌ: وَتَجْمِيعُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْجُمُعَةَ وَتَسْمِيَتُهُمْ إيّاهَا بِهَذَا الِاسْمِ
وَكَانَتْ تُسَمّى الْعَرُوبَةَ- كَانَ عَنْ هِدَايَةٍ مِنْ اللهِ تعالى
لهم
__________
(1) يقول الخشنى فى شرح السيرة عن نقيع الخضمات: «وقع فى الرواية هنا
بالباء والنون، والصواب بالنون، وهو موضع يستنقع فيه الماء، والنقيع:
البئر» ص 118. وهو فى معجم ياقوت: نقيع. وكذلك صاحب المراصد.
(2) فى القاموس عن الغرز: ضرب من الثمام أو نباته كنبات الإذخر من شر
المرعى.
(3) رواه فى باب الركاز بسنده عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وخلاصته
أن المقداد وجد ببقيع الخبجبة حجرا وجد به عدة دنانير، وأن النبى دعا له
بالبركة فيها بعد أن علم أنه لم يهو إلى الحجر بيديه.
(4/100)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِهَا، ثُمّ نَزَلَتْ سُورَةُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ
أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
الْمَدِينَةِ، فَاسْتَقَرّ فَرْضُهَا وَاسْتَمَرّ حُكْمُهَا، وَلِذَلِكَ
قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ:
أَضَلّتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَهَدَاكُمْ اللهُ إلَيْهِ.
ذَكَرَ الْكَشّيّ، وَهُوَ عَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: نا عَبْدُ الرّزّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَمّعَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وَقَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْجُمُعَةُ، وَهُمْ
الّذِينَ سَمّوْا الْجُمُعَةَ، قَالَ الْأَنْصَارُ:
لِلْيَهُودِ يَوْمَ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلّ سَبْعَةِ أَيّامٍ،
وَلِلنّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَهَلُمّ، فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نَجْتَمِعُ
فِيهِ، وَنَذْكُرُ اللهَ، وَنُصَلّي وَنَشْكُرُ، أَوْ كَمَا قَالُوا،
فَقَالُوا: يَوْمُ السّبْتِ لِلْيَهُودِ، وَيَوْمُ الْأَحَدِ لِلنّصَارَى،
فَاجْعَلُوا يَوْمَ الْعَرُوبَةِ، كَانُوا يُسَمّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
يَوْمَ الْعَرُوبَةِ، فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَصَلّى
بِهِمْ يَوْمَئِذٍ رَكْعَتَيْنِ، فَذَكّرَهُمْ، فَسَمّوْا الْجُمُعَةَ
حِينَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً فَتَغَدّوْا وَتَعَشّوْا
مِنْ شَاةٍ، وَذَلِكَ لِقِلّتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزّ وَجَلّ- فِي
ذَلِكَ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى
ذِكْرِ اللَّهِ الْجُمُعَةَ: 9.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَمَعَ تَوْفِيقِ اللهِ لَهُمْ إلَيْهِ، فَيَبْعُدُ
أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ النّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ، فَقَدْ رَوَى الدّارَقُطْنِيّ عن
عثمان ابن أَحْمَدَ بْنِ السّمّاكِ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ
غَالِبِ الْبَاهِلِيّ، قَالَ: نا مُحَمّدُ ابن عَبْدِ اللهِ أَبُو زَيْدٍ
الْمَدَنِيّ، قَالَ: نا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ:
حَدّثَنِي مَالِكٌ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: أَذِنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ:
رَسُولُ- اللهِ صَلَّى اللَّهُ
(4/101)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه سلم- أَنْ يُجَمّعَ بِمَكّةَ، وَلَا يُبْدِيَ لَهُمْ، فَكَتَبَ إلَى
مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ:
أَمّا بَعْدُ: فَانْظُرْ الْيَوْمَ الّذِي تَجْهَرُ فِيهِ الْيَهُودُ
بِالزّبُورِ لِسَبْتِهِمْ، فَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ،
فَإِذَا مَالَ النّهَارُ عَنْ شَطْرِهِ عِنْدَ الزّوَالِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ، فَتَقَرّبُوا إلَى اللهِ بِرَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَأَوّلُ مَنْ
جَمّعَ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، فَجَمّعَ عِنْدَ الزّوَالِ مِنْ
الظّهْرِ، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ، وَمَعْنَى قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَضَلّتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَهَدَاكُمْ
اللهُ إلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ العلم أن اليهود أمروا ليوم مِنْ
الْأُسْبُوعِ، يُعَظّمُونَ اللهَ فِيهِ، وَيَتَفَرّغُونَ لِعِبَادَتِهِ،
فَاخْتَارُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ السّبْتَ فَأُلْزِمُوهُ فِي
شَرْعِهِمْ، كَذَلِكَ النّصَارَى أُمِرُوا عَلَى لِسَانِ عِيسَى ليوم مِنْ
الْأُسْبُوعِ، فَاخْتَارُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ الْأَحَدَ،
فَأُلْزِمُوهُ شَرْعًا لَهُمْ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَكَانَ الْيَهُودُ إنّمَا اخْتَارُوا السّبْتَ،
لِأَنّهُمْ اعْتَقَدُوهُ الْيَوْمَ السّابِعَ، ثم زادوا الكفرهم أَنّ اللهَ
اسْتَرَاحَ فِيهِ، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ، لِأَنّ بَدْءَ
الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ الْأَحَدُ، وَآخِرَ الستة لأيام الّتِي خَلَقَ اللهُ
فِيهَا الْخَلْقَ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ النّصَارَى،
فَاخْتَارُوا الْأَحَدَ، لِأَنّهُ أَوّلُ الْأَيّامِ فِي زَعْمِهِمْ،
وَقَدْ شَهِدَ الرّسُولُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِلْفَرِيقَيْنِ بِإِضْلَالِ الْيَوْمِ، وَقَالَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنّ
اللهَ خَلَقَ التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ، فَبَيّنَ أَنّ أَوّلَ الْأَيّامِ
الّتِي خَلَقَ اللهُ فِيهَا الْخَلْقَ السّبْتَ، وَآخِرَ الْأَيّامِ
السّتّةِ إذًا الْخَمِيسُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَا ذَكَرَ
عَنْهُ الطّبَرِيّ، وَفِي الْأَثَرِ أَنّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُمّيَ
الْجُمُعَةَ، لِأَنّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْقَ آدَمَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
سَلْمَانَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِي حَدِيثِ
(4/102)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْكَشّيّ أَنّ الْأَنْصَارَ سَمّوْهُ جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ،
فَهَدَاهُمْ اللهُ إلَى التّسْمِيَةِ، وَهَدَاهُمْ إلَى اخْتِيَارِ
الْيَوْمِ، وَمُوَافَقَةُ الْحِكْمَةِ أَنّ اللهَ تَعَالَى لَمّا بَدَأَ
فِيهِ خَلْقَ أَبِينَا آدَمَ، وَجَعَلَ فِيهِ بَدْءَ هَذَا الْجِنْسِ،
وَهُوَ الْبَشَرُ، وَجَعَلَ فِيهِ أَيْضًا فَنَاءَهُمْ وَانْقِضَاءَهُمْ
إذْ فِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ ذِكْرٍ
وَعِبَادَةٍ، لِأَنّهُ تَذْكِرَةٌ بِالْمَبْدَأِ، وَتَذْكِرَةٌ
بِالْمَعَادِ، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ
اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ
الْجُمُعَةَ: 9 وَخَصّ الْبَيْعَ لِأَنّهُ يَوْمٌ يُذْكَرُ بِالْيَوْمِ
الّذِي لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلّةَ مَعَ أَنّهُ وِتْرٌ لِلْأَيّامِ
الّتِي قَبْلَهُ فِي الْأَصَحّ مِنْ الْقَوْلِ، وَاَللهُ يُحِبّ الْوِتْرَ،
لِأَنّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ فَكَانَ مِنْ هُدَى اللهِ لِهَذِهِ الْأُمّةِ
أَنْ أُلْهِمُوا إلَيْهِ ثُمّ أُقِرّوا عَلَيْهِ لِمَا وَافَقُوا
الْحِكْمَةَ فِيهِ، فَهُمْ الْآخِرُونَ السّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَمَا أَنّ الْيَوْمَ الّذِي اخْتَارُوهُ
سَابِقٌ لِمَا اخْتَارَتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَمُتَقَدّمٌ
عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ السّجْدَةِ فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ الْبَطِينُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ كِلَاهُمَا عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَرَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ
الرّحْمَنِ ذَكَرَهُ الْبَزّارُ، وَرَوَاهُ التّرْمِذِيّ فِي كِتَابِ
الْعِلَلِ لَهُ عَنْ الْأَحْوَصِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي
الْأَحْوَصِ، وَعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من ذكر السنة الْأَيّامِ
وَاتّبَاعِهَا بِذِكْرِ خَلْقِ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ
الْجُمُعَةِ تَنْبِيهًا مِنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْحِكْمَةِ،
وَتَذْكِرَةً لِلْقُلُوبِ
(4/103)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بهذه الموعظة «1» .
__________
(1) أخرج البخارى ومسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام ابن منبه قال:
هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نحن
الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم إن هذا
يومهم الذى فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه
تبع. اليهود غدا، والنصارى بعد غد» لفظ البخارى، وفى لفظ لمسلم: أضل الله
عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد،
فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك
هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة،
المقضى بينهم قبل الخلائق» والمسلم لا يطمئن قلبه فيما يتعلق بالعبادة إلا
لما نقل نقلا صحيحا يغمر القلب بالسكينة: والروح بالولاء له، ولن تطمئن نفس
مسلم إلى أن الجمعة كانت صلاة ابتدعها الأنصار من عندهم. والقارئ المتدبر
لآية الجمعة فى سورة الجمعة يؤمن أن صلاة الجمعة مفروضة من عند الله، لا من
عند الأنصار، ولا من عند النبى «ص» فالنبى لا يفرض أمرا، وإنما الذى يفرض
هو ربنا سبحانه وتعالى. اما زعم اليهود عن السبت، فقد ورد عندهم فى سفر
التكوين ما يأتى: «فأكملت السموات والأرض، وكل جندها، وفرغ الله فى اليوم
السابع من عمله الذى عمل، فاستراح فى اليوم السابع من جميع عمله الذى عمل،
وبارك الله اليوم السابع، وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل
الله خالقا» الإصحاح الثانى الفقرات: 1، 2، 3، والقرآن الكريم يدفع زورهم
هذا بأنه بهتان أثيم. وتدبر قول الله سبحانه (ولقد خلقنا السماوات والأرض،
وما بينهما فى ستة أيام، وما مسنا من لغوب) ق: 28 واللغوب: النعب والاعياء،
هكذا اليهود لا يسكن حقدهم إلا أن يسبوا الله جل جلاله. ثم تدبر عن أيام
الخلق هذه الآية البينة: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ
الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ
(4/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا قِرَاءَتُهُ: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ
فِي الرّكْعَةِ الثّانِيَةِ، فَلِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ السّعْيِ وَشُكْرِ
اللهِ لَهُمْ عَلَيْهِ يَقُولُ: وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً مَعَ مَا فِي
أَوّلِهَا مِنْ ذِكْرِ بَدْءِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَأَنّهُ لَمْ يَكُنْ
قَبْلُ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَقَدْ قَالَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فَنَبّهَ بِقِرَاءَتِهِ إيّاهَا عَلَى
التّأَهّبِ لِلسّعْيِ الْمَشْكُورِ عَلَيْهِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، أَلَا
تَرَى أَنّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الجمعة أيضا بهل
أتاك حديث الغاشية، وذلك أن فيها: لِسَعْيِها راضِيَةٌ كَمَا فِي سُورَةِ
الْجُمُعَةِ، فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فَاسْتَحَبّ عَلَيْهِ
السّلَامُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الثانية ما فيه
__________
لَهُ أَنْداداً، ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ
فَوْقِها، وَبارَكَ فِيها، وَقَدَّرَ فِيها: أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ
أَيَّامٍ، سَواءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، وَهِيَ
دُخانٌ، فَقالَ لَها، وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا
أَتَيْنا طائِعِينَ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ، وَأَوْحى
فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها، وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ
وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فصلت: 9- 12 هذا هو الهدى
الذى يتلألأ فيه الحق، يشرق منه نور الله. وأما حديث أبى هريرة «أخذ رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بيدى، فقال: خلق الله التربة يوم
السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه
يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق
آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق فى آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة فيما
بين العصر إلى الليل» أما هذا فقد رواه مسلم والنسائى فى كتابيهما من حديث
ابن جريج، وهو- كما قيل- من غرائب الصحيح، وقد علله البخارى فى التاريخ،
فقال رواه بعضهم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن كعب الأحبار!! وهنا تتجلى
لنا حكمة الهداية الإلهية فى قوله سبحانه: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ، وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُداً الكهف: 51 فلا يجوز لمسلم أن يقول عن خلق السموات
والأرض شيئا غير ما قال الله سبحانه.
(4/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رِضَاهُمْ بِسَعْيِهِمْ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي السّورَةِ الْأُولَى.
لَفْظُ الْجُمُعَةِ:
وَلَفْظُ الْجُمُعَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ، كَمَا قَدّمْنَا
وَكَانَ عَلَى وَزْنِ فُعْلَةٍ وَفُعُلَةٍ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى قُرْبَةٍ،
وَقُرُبَةٍ وَالْعَرَبُ تَأْتِي بِلَفْظِ الْكَلِمَةِ عَلَى وَزْنِ مَا
هُوَ فِي مَعْنَاهَا، وَقَالُوا: عُمْرَةٌ، فَاشْتَقّوا اسْمَهَا مِنْ
عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَبَنَوْهُ عَلَى فُعْلَةٍ لِأَنّهَا
وُصْلَةٌ وَقُرْبَةٌ إلَى اللهِ، وَلِهَذَا الْأَصْلِ فُرُوعٌ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ، وَنَظَائِرُ لِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ يُفِيتُنَا تَتَبّعُهُ
عَمّا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ، وَفِيمَا قَدّمْنَاهُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ
لَمْحَةٍ دَالّةٍ، وَقَالُوا فِي الْجُمُعَةِ جَمّعَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ
كَمَا قَالُوا عَيّدَ إذَا شَهِدَ الْعِيدَ، وَعَرّفَ إذَا شَهِدَ
عَرَفَةَ، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إلّا جَمَعَ
بِالتّخْفِيفِ، وَفِي الْبُخَارِيّ: أَوّلُ مَنْ عَرّفَ بِالْبَصْرَةِ:
ابْنُ عَبّاسٍ، وَالتّعْرِيفُ إنّمَا هُوَ بِعَرَفَاتِ، فَكَيْفَ
بِالْبَصْرَةِ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ أَنّهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إذَا صَلّى
الْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَخَذَ فِي الدّعَاءِ وَالذّكْرِ وَالضّرَاعَةِ
إلَى اللهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشّمْسِ، كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ
عَرَفَةَ «1» .
أَيّامَ الْأُسْبُوعِ:
وَلَيْسَ فِي تَسْمِيَتِهِ هَذِهِ الْأَيّامَ وَالِاثْنَيْنِ إلَى
الْخَمِيسِ مَا يَشُدّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنّ أَوّلَ الْأُسْبُوعِ:
الْأَحَدُ وَسَابِعَهَا السّبْتُ، كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِأَنّهَا
تَسْمِيَةٌ طَارِئَةٌ، وَإِنّمَا كَانَتْ أَسَمَاؤُهَا فِي اللّغَةِ
الْقَدِيمَةِ شِيَارَ وَأَوّلَ وَأَهْوَنَ وَجُبَارَ وَدُبَارَ وَمُؤْنِسَ
وَالْعَرُوبَةَ «2» ، وَأَسْمَاؤُهَا بالسريانية قَبْلَ هذا
__________
(1) وفيها أيضا جمعه إذ ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يجمع الناس كما يقال
رجل همزة لمزة ضحكة.
(2) سبق الكلام عنها: وقد جمعها الشاعر فى قوله:
أؤمل أن أعيش وأن يومى ... بأول، أو بأهون أو جبار
أو التالى: دبار، فإن أفته ... فؤنس أو عروبة أو شيار
(4/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَبُو جَادّ هَوّزَ حَطّي إلَى آخِرِهَا، وَلَوْ كَانَ اللهُ تَعَالَى
ذَكَرَهَا فِي الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقّةِ مِنْ
الْعَدَدِ، لَقُلْنَا: هِيَ تَسْمِيَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى الْمُسَمّى بِهَا،
وَلَكِنّهُ لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا إلّا الْجُمُعَةُ وَالسّبْتُ «1» ،
وَلَيْسَا مِنْ الْمُشْتَقّةِ مِنْ الْعَدَدِ، وَلَمْ يُسَمّهَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ إلَى
سَائِرِهَا إلّا حَاكِيًا لِلُغَةِ قَوْمِهِ لَا مُبْتَدِئًا
لِتَسْمِيَتِهَا، وَلَعَلّ قَوْمَهُ أَنْ يَكُونُوا أَخَذُوا مَعَانِيَ
هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُجَاوِرِينَ لَهُمْ،
فَأَلْقَوْا عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ اتّبَاعًا لَهُمْ، وَإِلّا
فَقَدْ قَدّمْنَا مَا وَرَدَ فِي الصّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ
السّلَامُ: إنّ اللهَ خَلَقَ التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ وَالْجِبَالَ
يَوْمَ الْأَحَدِ، الْحَدِيثَ، وَالْعَجَبُ مِنْ الطّبَرِيّ عَلَى
تَبَحّرِهِ فِي الْعِلْمِ كَيْفَ خَالَفَ مقتضى
__________
أراد: فبمؤنس، وترك صرفه على اللغة القديمة، وإن شئت جعلته على لغة من رأى
ترك صرف ما ينصرف ... قال أبو موسى الحامض: قلت لأبى العباس: هذا الشعر
موضوع، قال: لم؟ قلت: لأن مؤنسا وجبارا ودبارا وشيارا تنصرف، وقد ترك
صرفها، فقال: هذا جائز فى الكلام فكيف فى الشعر؟ .. وقال اللحانى: كان أبو
زياد وأبو الجراح يقولان: مضت الجمعة بما فيها، فيوحدان ويؤنثان، وكانا
يقولان: مضى السبت بما فيه فيوحدان ويذكران، وكذلك الأحد، ثم اختلفا فيما
بعد، فكان أبو زياد يقول: مضى الاثنان بما فيه وكذلك يفعل فى الثلاثاء
والأربعاء والخميس. أما أبو الجراح فكان يقول: مضى الاثنان بما فيهما، ومضى
الثلاثاء بما فيهن، ومضى الأربعاء بما فيهن، ومضى الخميس بما فيهن، فيجمع
ويؤنث يخرج ذلك مخرج العدد. اللسان مادة جمع وعرب.
(1) ورد ذكر الجمعة مرة واحدة فى القرآن فى سورة الجمعة الآية رقم 9، أما
السبت فذكر ست مرات فى القرآن فى البقرة والنساء والأعراف والنحل، وجاء
الفعل: يسبتون مرة واحدة فى الأعراف.
(4/107)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الحديث، وأعنق فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ إسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، وَمَالَ
إلَى قَوْلِ الْيَهُودِ فِي أَنّ الْأَحَدَ هُوَ الْأَوّلُ وَيَوْمُ
الْجُمُعَةِ سَادِسٌ لَا وِتْرٌ وَإِنّمَا الْوِتْرُ فِي قَوْلِهِمْ يَوْمُ
السّبْتِ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَضَلّتْهُ
الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَهَدَاكُمْ اللهُ إلَيْهِ، وَمَا احْتَجّ بِهِ
بالطبرى «1» مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ، فَلَيْسَ فِي الصّحّةِ كَاَلّذِي
قَدّمْنَاهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ التّأْوِيلُ أَيْضًا، فَقِفْ بِقَلْبِك
عَلَى حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِي تَعَبّدِ الْخَلْقِ بِهِ لِمَا فِيهِ
مِنْ التّذْكِرَةِ بِإِنْشَاءِ هَذَا الْجِنْسِ وَمَبْدَئِهِ، كَمَا
قَدّمْنَا، وَلِمَا فِيهِ أيضا من النذكرة بِأَحَدِيّةِ اللهِ سُبْحَانَهُ،
وَانْفِرَادِهِ قَبْلَ الْخَلْقِ بِنَفْسِهِ، فَإِنّك إذَا كُنْت فِي
الْجُمُعَةِ، وَتَفَكّرْت فِي كل جمعة قبل حَتّى يَتَرَقّى وَهْمُك إلَى
الْجُمُعَةِ الّتِي خُلِقَ فِيهَا أَبُوك آدَمُ ثُمّ فَكّرْت فِي
الْأَيّامِ الستة التى قبل يوم الجمعة،
__________
(1) اختلاف لا طائل تحته. ولنتدبر معا ما ذكرت به من قبل من قول الله
سبحانه (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلا خَلْقَ
أَنْفُسِهِمْ) هذا وقد ورد فى سفر التكوين أول أسفار التوراة كما يقول
النصارى واليهود، أن الله خلق الليل والنهار فى اليوم الأول، وخلق السماء
فى اليوم الثانى، وخلق الأرض بنباتها وشجرها فى اليوم الثالث، وخلق أنوار
السماء ونجومها فى اليوم الرابع، وخلق ما فى البحر من زحافات، وما فى الأرض
من طير، وكل ذوات الأنفس الحية- ما عدا الإنسان- فى اليوم الخامس، ثم عمل
وحوش الأرض وبهائمها ودباباتها، ثم قال «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا،
فيتسلطون على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض،
وعلى جميع الدبابات التى تدب على الأرض، فخلق الله الإنسان على صورته، على
صورة الله خلقه ذكر وأنثى خلقهم، كل هذا فى اليوم السادس، ثم يقول السفر
«وفرغ الله فى اليوم السابع من عمله الذى عمل» فلنتدبر ما يروى لنا من غير
القرآن، فقد يكون من هذه الأسفار ونحن لا ندرى.
(4/108)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجَدْت فِي كُلّ يَوْمٍ مِنْهَا جِنْسًا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مَوْجُودًا
إلَى السّبْتِ، ثُمّ انْقَطَعَ وَهْمُك فَلَمْ تَجِدْ فِي الْجُمُعَةِ
الّتِي تَلِي ذَلِكَ السّبْتَ وُجُودًا إلّا لِلْوَاحِدِ الصّمَدِ
الْوِتْرِ، فَقَدْ ذَكّرَتْ الْجُمُعَةُ مَنْ تَفَكّرَ بِوَحْدَانِيّةِ
اللهِ وَأَوّلِيّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُؤَكّدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ
تَوْحِيدُ الْقَلْبِ لِلرّبّ بِالذّكْرِ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ الجمعة. وَأَنْ
يَتَأَكّدَ ذَلِكَ الذّكْرُ بِالْعَمَلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ
الْعَمَلُ مُشَاكِلًا لِمَعْنَى التّوْحِيدِ، فَيَكُونَ الِاجْتِمَاعُ فِي
مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَإِلَى إمَامٍ وَاحِدٍ مِنْ
الْأَئِمّةِ، وَيَخْطُبُ ذَلِكَ الْإِمَامُ، فَيُذَكّرُ بِوَحْدَانِيّةِ
اللهِ تَعَالَى وَبِلِقَائِهِ، فَيُشَاكِلُ الْفِعْلُ الْقَوْلَ،
وَالْقَوْلُ الْمُعْتَقَدَ، فَتَأَمّلْ هَذِهِ الْأَغْرَاضَ بِقَلْبِك،
فَإِنّهَا تَذْكِرَةٌ بِالْحَقّ، وَقَدْ زِدْنَا عَلَى مَا شَرَطْنَا فِي
أَوّلِ الْكِتَابِ مَعَانِيَ لَمْ تَكُنْ هُنَالِكَ، وَعُدْنَا بِهَا،
وَلَكِنّ الْكَلَامَ يَفْتَحُ بَعْضُهُ بَابَ بَعْضٍ، وَيَحْدُو
الْمُتَكَلّمَ قَصْدَ الْبَيَانِ إلَى الْإِطَالَةِ، وَلَا بَأْسَ
بِالزّيَادَةِ مِنْ الْخَيْرِ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ.
إسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَمِعَ أَهْلُ
مَكّةَ هَاتِفًا يَهْتِفُ، وَيَقُولُ قَبْلَ إسْلَامِ سَعْدٍ:
فَإِنْ يُسْلِمْ السّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمّدٌ ... بِمَكّةَ لَا يَخْشَى
خِلَافَ الْمُخَالِفِ
فَحَسِبُوا أَنّهُ يُرِيدُ بِالسّعْدَيْنِ: الْقَبِيلَتَيْنِ سَعْدَ
هُذَيْمٍ مِنْ قُضَاعَةَ، وَسَعْدَ بْنَ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ،
حَتّى سمعوه يقول:
(4/109)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَيَا سَعْدَ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدَ
سَعْدَ الْخَزْرَجِينَ الْغَطَارِفِ
أَجِيبَا إلَى دَاعِي الْهُدَى، وَتَمَنّيَا ... عَلَى اللهِ فِي
الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ «1»
فَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنّهُ يُرِيدُ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ.
هَلْ يَغْتَسِلُ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ؟
وَذَكَرَ فِيهِ اغْتِسَالَهُمَا حِينَ أَسْلَمَا بِأَمْرِ مُصْعَبِ بْنِ
عُمَيْرٍ لَهُمَا بِذَلِكَ، فَذَلِكَ السّنّةُ فِي كُلّ كَافِرٍ يُسْلِمُ،
ثُمّ اُخْتُلِفَ فِي نِيّةِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ بِاغْتِسَالِهِ،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ عَنْ نَفْسِهِ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْوِي التّعَبّدَ، وَلَا حُكْمَ لِلْجَنَابَةِ فِي
حَقّهِ، لِأَنّ مَعْنَى الْأَمْرِ بِهِ اسْتِبَاحَةُ الصّلَاةِ،
وَالْكَافِرُ لَا يُصَلّي، وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا فِي أَصَحّ
الْقَوْلَيْنِ، وَلَكِنّهُ أَمْرٌ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ، فَإِذَا لَمْ
يَكُنْ الْإِيمَانُ- وَهُوَ الشّرْطُ الْأَوّلُ- فَأَجْدِرْ بِأَنْ
يَكُونَ- الشّرْطُ الثّانِي- وَهُوَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ غَيْرَ
مُقَيّدٍ بِشَيْءِ، فَإِذَا أَسْلَمَ هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ
قَبْلَهُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ مَضَتْ، وَإِذَا
سَقَطَتْ الصلوات سقطت عنه شُرُوطُهَا، وَاسْتَأْنَفَ الْأَحْكَامَ
الشّرْعِيّةَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الصّلَوَاتُ من حين يسلم بشروط
__________
(1) هذا الصائح أو الهاتف هو أحد الشعراء، ولهذا يقول ابن حجر فى فتح
البارى عن السعدين «وإياهما أراد الشاعر بقوله» ثم روى البيت: فإن يسلم ص
97 فتح البارى ح 7 وبعد البيت الأخير:
فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف
وقد رواه البخارى فى التاريخ الأوسط ولكن لم يخرجه فى الصحيح
(4/110)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَدَائِهَا مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ مِنْ جَنَابَةٍ، إذَا أَجْنَبَ بَعْدَ
إسْلَامِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ صِحّةِ الصّلَاةِ، وَرَأَيْت
لِبَعْضِ الْمُتَأَخّرِينَ أَنّ اغتساله سنّة لا فريضة وَلَيْسَ عِنْدِي
بِالْبَيّنِ لِأَنّ اللهَ سبحانه يقول: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
التّوْبَةَ: 28 وَحُكْمُ النّجَاسَةِ إنّمَا يُرْفَعُ بِالطّهَارَةِ وَلَمْ
يُحْكَمْ عَلَيْهِمْ بِالتّنْجِيسِ لِمَوْضِعِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنّهُ قَدْ
عَلّقَ الْحُكْمَ بِصِفَةِ الشّرْكِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلّلُ بِالصّفَةِ
مُرْتَبِطٌ بِهَا فَإِذَا ارْتَفَعَ حُكْمُ الشّرْكِ بِالْإِيمَانِ لَمْ
يَبْقَ لِلْجَنَابَةِ حُكْمٌ كَمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ جُنُبًا، ثُمّ
بَالَ فَالطّهُورُ مِنْ الْجَنَابَةِ، يَرْفَعُ عَنْهُ حُكْمَ الْحَدَثِ
الْأَصْغَرِ، وَهُوَ حَدَثُ الْوُضُوءِ، لِأَنّ الطّهَارَةَ الصّغْرَى
دَاخِلَةٌ فِي الْكُبْرَى، وَتَطَهّرُهُ مِنْ تَنْجِيسِ الشّرْكِ
بِإِيمَانِهِ هُوَ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الطّهْرِ مِنْ
الْجَنَابَةِ، الطّهَارَةُ الْكُبْرَى، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ
مُغْنِيَةً عَنْهَا، كَمَا كَانَتْ الطّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ
مُغْنِيَةً عَنْ الطّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ، إذ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْ
هَذِهِ الطّهَارَاتِ مُزِيلَةً لِعَيْنِ نَجَاسَةٍ فِيهَا، فَيَنْبَغِي
بَعْدَ هَذَا أَنّ أَمْرَهُ بِالِاغْتِسَالِ تَعَبّدٌ، وَالْحُكْمُ
بِأَنّهُ غَيْرُ فَرْضٍ تَحَكّمٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ، غَيْرَ أَنّ
التّرْمِذِيّ خَرّجَ حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ حِينَ أَسْلَمَ
فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَغْتَسِلَ. قَالَ التّرْمِذِيّ: وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ
الْعِلْمِ يَسْتَحِبّونَ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ،
وَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ، فَقَالَ: يَسْتَحِبّونَ، وَجَعَلَهَا مَسْأَلَةَ
اسْتِحْبَابٍ.
مِنْ شَرْحِ شِعْرِ ابْنِ الْأَسْلَتِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ:
وَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا يَهُودًا ... وَمَا دِينُ الْيَهُودِ بِذِي شُكُول
(4/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَرَادَ جَمْعَ: شَكْلٍ، وَشَكْلُ الشّيْءِ- بِالْفَتْحِ «1» - هُوَ
مِثْلُهُ، وَالشّكْلُ بِالْكَسْرِ الدّلّ وَالْحُسْنُ، فَكَأَنّهُ أَرَادَ
أَنّ دِينَ الْيَهُودِ بِدْعٌ، فَلَيْسَ لَهُ شُكُولُ أَيْ: لَيْسَ لَهُ
نَظِيرٌ فِي الْحَقَائِقِ، وَلَا مَثِيلَ يَعْضُدُهُ مِنْ الْأَمْرِ
الْمَعْرُوفِ الْمَقْبُولِ، وَقَدْ قَالَ الطّائِيّ:
وَقُلْت: أَخِي، قَالُوا: أَخٌ مِنْ قَرَابَةٍ ... فَقُلْت لَهُمْ: إنّ
الشّكُولَ أَقَارِبُ
قَرِيبِي فِي رَأْيِي وَدِينِي وَمَذْهَبِي ... وَإِنْ بَاعَدَتْنَا فِي
الْخُطُوبِ الْمَنَاسِبُ
وَقَالَ فِيهِ: مَعَ الرّهْبَانِ فِي جَبَلِ الْجَلِيلِ. الْجَلِيلُ
بِالْجِيمِ الثّمَامُ، وَهَذَا الْجَبَلُ مِنْ جِبَالِ الشّامِ مَعْرُوفٌ
بِهَذَا الِاسْمِ «2» .
ذِكْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَصَلَاتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ ذَكَرَ
حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ حَجّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مَعَ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، فَكَانُوا يُصَلّونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
وَكَانَ الْبَرَاءُ يصلى إلى الكعبة
__________
(1) فى القاموس أنه يكسر أيضا.
(2) فى المراصد: جبل الجليل: فى ساحل الشام ممتد إلى قرب مصر. قيل هو جبل
يقبل من الحجاز، فما كان بفلسطين فهو جبل الحمل، وما كان بالأردن فهو جبل
الجليل، وهو بدمشق: لبنان وبحمص: سنير. وفى قاموس الدكتور بوست: أن الجليل
كانت القسم الشمالى لفلسطين، ويحدها من الشمال نهر القاسمية، ومن الشرق:
الأردن وبحر الجليل، ومن الجنوب: السامرة، ومن الغرب فينيقية الممتدة من
الكوامل إلى صور، وكانت الجليل قسمين العليا ويسكنها السوريون والفينيقيون،
والعرب، والسفلى، فكانت بقرب بحر طبرية، وكان يسكنها أسباط بسا كروزبولون
وغيرهم.
(4/112)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَدِيثَ- إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: قَدْ كُنْت عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صبرت لميها فِقْهُ قَوْلِهِ:
لَوْ صَبَرْت عَلَيْهَا: أَنّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ مَا قَدْ
صَلّى؛ لِأَنّهُ كَانَ مُتَأَوّلًا.
قِبْلَةُ الرّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلّي بِمَكّةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَا صَلّى إلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ إلّا مُذْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا أو ستة
عشر شهرا «1» ، فعلى هذا
__________
(1) روى البخارى بسنده عن البراء رضى الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- صلى إلى بيت المقدس سنة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن
تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم،
فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد، وهم راكعون، قال: أشهد
بالله: لقد صليت مع النبى- صلى الله عليه وسلم- قبل مكة، فداروا كما هم قبل
البيت، وكان الذى قد مات على القبلة، قبل أن تحول قبل البيت رجالا قتلوا لم
ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. أقول: لعل الراوى يريد أنه
بهذا الجزء من الآية اطمأن كل امرئ مسلم إلى هذا المعنى، أو لعله أراد
الآية كلها، إذ لا يعقل تأخر جزء من آية هذا شأنه وارتباطه الوثيق بما قبله
عن جزئه الأول المتمم لمعناه!! وقد انفرد البخارى به من هذا الوجه، ورواه
مسلم من وجه آخر وورد فى البخارى أيضا «بينا الناس يصلون الصبح فى مسجد
قباء إذ جاء جاء فقال: أنزل الله على النبى قرآنا أن يستقبل الكعبة،
فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة» وأخرجه مسلم أيضا. وإليك ما قاله ابن كثير
فى تفسيره «وقد جاء فى هذا الباب أحاديث كثيرة، وحاصل الأمر أنه قد كان
رسول الله- صلى الله
(4/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَكُونُ فِي الْقِبْلَةِ نَسْخَانِ نَسْخُ سُنّةٍ بِسُنّةِ، وَنَسْخُ
سُنّةٍ بِقُرْآنِ، وَقَدْ بَيّنَ حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ مَنْشَأَ
الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا صَلّى
بِمَكّةَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمّا كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَتَحَرّى
الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يَبِنْ تَوَجّهُهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
لِلنّاسِ، حَتّى خَرَجَ مِنْ مَكّةَ وَاَللهُ أَعْلَمُ. قَالَ اللهُ
تَعَالَى لَهُ فِي الْآيَةِ النّاسِخَةِ: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ
__________
عليه وسلم- أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان يصلى بين الركنين، وهو
مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما، فأمره
الله بالتوجه إلى بيت المقدس؛ قاله ابن عباس والجمهور، ثم اختلف هؤلاء، هل
كان الأمر به بالقرآن، أو بغيره؟ على قولين، وحكى القرطبى فى تفسيره.. أن
التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه السلام، والمقصود أن التوجه إلى
بيت المقدس بعد مقدمه- صلى الله عليه وسلم- المدينة، واستمر الأمر على ذلك
بضعة عشر شهرا، وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التى هى
قبلة إبراهيم عليه السلام، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق،
فخطب رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- النّاسَ، فأعلمهم
بذلك، وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر، كما تقدم فى الصحيحين من
رواية البراء، ووقع عند النسائى من رواية أبى سعيد بن المعلى أنها الظهر
... وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن تحويل القبلة نزل على رسول الله،
وقد صلى ركعتين من الظهر، وذلك فى مسجد بنى سلمة، فسمى مسجد القبلتين: وفى
حديث نويلة بنت مسلم أنهم جاءهم الخبر بذلك، وهم فى صلاة الظهر، قال:
فتحولت الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد
البر النمرى، وأما أهل قباء، فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم
الثانى كما جاء فى الصحيحين، وهى محاولة للجمع بين التى تروى أنها صلاة
العصر، وبين التى تروى أنها صلاة الصبح..
(4/114)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الْبَقَرَةَ: 150 أَيْ: مِنْ أَيّ جِهَةٍ جِئْت إلَى
الصّلَاةِ، وَخَرَجْت إلَيْهَا فَاسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ كُنْت
مُسْتَدْبِرًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنّهُ كَانَ
بِمَكّةَ يَتَحَرّى فِي اسْتِقْبَالِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَنْ تَكُونَ
الْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَدَبّرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ وَقَالَ لِأُمّتِهِ:
وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَلَمْ يَقُلْ:
حَيْثُمَا خَرَجْتُمْ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ إمَامَ
الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ إلَى كُلّ صَلَاةٍ لِيُصَلّيَ
بِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إذْ كَانَ الْإِمَامُ
الْمُقْتَدَى بِهِ فَأَفَادَ ذِكْرُ الْخُرُوجِ فِي خَاصّتِهِ فِي هَذَا
الْمَعْنَى، وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُ غَيْرِهِ هَكَذَا، يَقْتَضِي الْخُرُوجَ،
وَلَا سِيّمَا النّسَاءُ، وَمَنْ لَا جَمَاعَةَ عَلَيْهِ، وَكَرّرَ
الْبَارِي تَعَالَى الْأَمْرَ بِالتّوَجّهِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي
ثَلَاثِ آيَاتٍ، لِأَنّ الْمُنْكِرِينَ لِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، كَانُوا
ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ مِنْ النّاسِ الْيَهُودُ، لِأَنّهُمْ لَا يَقُولُونَ
بِالنّسْخِ فِي أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ، وَأَهْلُ الرّيْبِ وَالنّفَاقِ
اشْتَدّ إنْكَارُهُمْ لَهُ أَنّهُ كَانَ أَوّلَ نَسْخٍ نَزَلَ، وَكُفّارُ
قُرَيْشٍ قَالُوا: نَدِمَ مُحَمّدٌ عَلَى فِرَاقِ دِينِنَا فَسَيَرْجِعُ
إليه كما رجع إلى قِبْلَتَنَا، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَحْتَجّونَ
عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَدْعُونَا إلَى مِلّةِ
إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَقَدْ فَارَقَ قِبْلَةَ إبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ، وَآثَرَ عَلَيْهَا قِبْلَةَ الْيَهُودِ، فَقَالَ اللهُ
لَهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالصّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
الْبَقَرَةَ: 150 عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، أَيْ: لَكِنْ
الّذِينَ ظَلَمُوا منهم لا يرجعون ولا يهتدون «1»
__________
(1) يرى بعض المفسرين أنه غير منقطع، لأن هذا لا يرد فى الكلام البليغ
الفصيح. يقول البيضاوى عن الاستثناء هنا «إلا الذين ظلموا منهم استثناء من
الناس، أى لئلا يكون لأحد من الناس حجة إلا للمعاندين منهم فإنهم يقولون
(4/115)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ الْبَقَرَةَ: 147 أَيْ:
مِنْ الّذِينَ شَكّوا وَامْتَرَوْا، وَمَعْنَى: الْحَقّ مِنْ رَبّك أَيْ
الّذِي أَمَرْتُك بِهِ مِنْ التّوَجّهِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، هُوَ
الْحَقّ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَك فَلَا تَمْتَرِ فِي
ذَلِكَ وَقَالَ: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ
أَنَّهُ الْحَقُّ الْبَقَرَةَ: 144 وَقَالَ: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْبَقَرَةَ: 146 أَيْ
يَكْتُمُونَ مَا عَلِمُوا مِنْ أَنّ الْكَعْبَةَ هِيَ قِبْلَةُ
الْأَنْبِيَاءِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ السّنْجَرِيّ فِي كِتَابِ النّاسِخِ
وَالْمَنْسُوخِ لَهُ وَهُوَ فِي رِوَايَتِنَا عَنْهُ بِسَنَدِ رَفِيعٍ
حَدّثَنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيّ قَالَ:
أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَيّوبَ
الْبَزّارُ، قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيّ بْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْفَقِيهُ النجّار أحمد بن
__________
ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه، وحبا لبلده، أو: بداله فرجع إلى
قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم، وسمى هذه حجة كقوله تعالى:
حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ لأنهم يسوقون مساقها وقيل: الحجة
بمعنى الاحتجاج، وقيل: الاستثناء للمبالغة فى نفى الحجة رأسا ... وقرئ
(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) على أنه استئناف بحرف التنبيه» : وفى
تفسير الجلالين: «إلا الذين ظلموا منهم بالعناد، فإنهم يقولون: ما تحول
إليها إلا ميلا إلى دين آبائه، والاستثناء متصل، والمعنى: لا يكون لأحد
عليكم كلام إلا كلام هؤلاء» ويقول ابن كثير «إلا الذين ظلموا منهم يعنى:
مشركى قريش، ووجه بعضهم حجة الظلمة- وهى داحضة- أن قالوا: هذا الرجل يزعم
أنه على دين إبراهيم، فإن كان توجهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم، فلم
رجع عنه؟ والجواب: أن الله تعالى اختار له التوجه إلى البيت المقدس أولا
لما له تعالى فى ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى فى ذلك، ثم صرفه إلى قبلة
إبراهيم، وهى الكعبة، فامتثل أمر الله فى ذلك أيضا»
(4/116)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سُلَيْمَانَ عَنْهُ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قال: نا عنبسة عن
يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ لَا يُعَظّمُ إيلِيَاءَ كَمَا يُعَظّمُهَا أَهْلُ بَيْتِهِ،
قَالَ: فَسِرْت مَعَهُ، وَهُوَ وَلِيّ عَهْدٍ، قَالَ: وَمَعَهُ خَالِدُ
بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ سُلَيْمَانُ: وَهُوَ جَالِسٌ فِيهِ:
وَاَللهِ إنّ فِي هَذِهِ الْقِبْلَةِ الّتِي صَلّى إلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ
وَالنّصَارَى لَعَجَبًا، قَالَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: أَمَا وَاَللهِ إنّي
لَأَقْرَأُ الْكِتَابَ الّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى مُحَمّدٍ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقْرَأُ التّوْرَاةَ، فَلَمْ يَجِدْهَا
الْيَهُودُ فِي الْكِتَابِ الّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ
تَابُوتُ السّكِينَةِ كَانَ عَلَى الصّخْرَةِ، فَلَمّا غَضِبَ اللهُ
تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ رَفَعَهُ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ إلَى
الصّخْرَةِ عَنْ مُشَاوَرَةٍ مِنْهُمْ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا أَنّ
يَهُودِيّا خَاصَمَ أَبَا الْعَالِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ، فَقَالَ أَبُو
الْعَالِيَةِ:
إنّ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ يُصَلّي عِنْدَ الصّخْرَةِ،
وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَكَانَتْ الْكَعْبَةُ قِبْلَةً،
وَكَانَتْ الصّخْرَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ الْيَهُودِيّ: بَيْنِي
وَبَيْنَك مَسْجِدُ صَالِحٍ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: فَإِنّي صَلّيْت فِي مَسْجِدِ صَالِحٍ
وَقِبْلَتُهُ الْكَعْبَةُ، وَأَخْبَرَ أَبُو الْعَالِيَةِ أَنّهُ رَأَى
مَسْجِدَ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقِبْلَتُهُ الْكَعْبَةُ، وَرُوِيَ أَيْضًا أن
النبي صلى الله عليه وسلم، كان يَقُولُ لِجِبْرِيلَ:
وَدِدْت أَنّ اللهَ حَوّلَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ، فَيَقُولُ لَهُ
جِبْرِيلُ: إنّمَا أَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ، وَرَوَى غَيْرُهُ أَنّهُ كَانَ
يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ إذَا عَرَجَ إلَى السّمَاءِ حِرْصًا عَلَى أَنْ
يَأْمُرَهُ بِالتّوَجّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَدْ
نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية: البقرة 144.
(4/117)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أم عمارة وأم ضيع فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الْأُخْرَى:
وَذَكَرَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ، وَذَكَرَ عِدّةَ أَصْحَابِ بَيْعَةِ
الْعَقَبَةِ، وَأَنّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا
وَامْرَأَتَيْنِ، وَهُمَا: أُمّ عُمَارَةَ وَهِيَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ
امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ شَهِدَتْ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ وَبَيْعَةَ
الرّضْوَانِ، وَشَهِدَتْ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَبَاشَرَتْ الْقِتَالَ
بِنَفْسِهَا، وَشَارَكَتْ ابْنَهَا عَبْدَ اللهِ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ،
فَقُطِعَتْ يَدُهَا، وجرحت اثنا عَشَرَ جُرْحًا، ثُمّ عَاشَتْ بَعْدَ
ذَلِكَ دَهْرًا، وَكَانَ النّاسُ يَأْتُونَهَا بِمَرْضَاهُمْ،
لِتَسْتَشْفِي لَهُمْ، فَتَمْسَحُ بِيَدِهَا الشّلّاءِ عَلَى الْعَلِيلِ،
وَتَدْعُو لَهُ، فَقَلّ ما مسحت بيدها ذا عاهة إلّا برىء «1» .
وَالْأُخْرَى: أَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرٍو أُمّ مَنِيعٍ، وَقَدْ رَفَعَ فِي
نَسَبِهَا وَنَسَبِ الْأُخْرَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَيُرْوَى أَنّ أُمّ
عُمَارَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَا أَرَى كُلّ شَيْءٍ إلّا لِلرّجَالِ، وَمَا أَرَى لِلنّسَاءِ شَيْئًا،
فأنزل الله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ «2» الآية.
__________
(1) المسلم يدين بأن الشفاء بيد الله وحده. ندبر ما قص الله عن إبراهيم من
قوله: (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وليس من أسباب الشفاء أن تمسح
امرأة بيدها جسم إنسان، ولكن من أسبابه الدعاء، وما أحل الله من دواء يصفه
الطبيب.
(2) المشهور- كما روى الإمام أحمد والنسائى وابن جرير- أن أم سلمة رضى الله
عنها هى التى قالت للنبى «ص» : ما لنا لا نذكر فى القرآن، كما يذكر الرجال؟
فنزلت الآية.
(4/118)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ:
وَذَكَرَ قَوْلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ ضَرَبَ
بِيَدِهِ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
بِالْبَيْعَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ،
فَقَالَ: نُبَايِعُك عَلَى أَنْ نَمْنَعَك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ
أُزُرَنَا، أَرَادَ: نِسَاءَنَا، وَالْعَرَبُ تُكَنّي عَنْ الْمَرْأَةِ
بِالْإِزَارِ، وَتُكَنّي أَيْضًا بِالْإِزَارِ عَنْ النّفْسِ، وَتَجْعَلُ
الثّوْبَ عِبَارَةً عَنْ لَابِسِهِ كَمَا قَالَ:
رَمَوْهَا بِأَثْوَابِ خِفَافٍ فَلَا تَرَى ... لَهَا شَبَهًا إلّا
النّعَامَ الْمُنَفّرَا «1»
أَيْ: بِأَبْدَانِ خِفَافٍ، فَقَوْلُهُ مِمّا نَمْنَعُ أُزُرَنَا
يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ قَالَ الْفَارِسِيّ فِي قَوْلِ
الرّجُلِ الّذِي كَتَبَ إلَى عُمَرَ مِنْ الْغَزْوِ يُذَكّرُهُ بِأَهْلِهِ:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولًا ... فِدَى لَك مِنْ أَخِي ثِقَةٍ
إزَارِي
قَالَ: الْإِزَارُ: كِنَايَةٌ عَنْ الْأَهْلِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ
بِالْإِغْرَاءِ أَيْ:
احْفَظْ إزَارِي، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْإِزَارُ فِي هَذَا
الْبَيْتِ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَعْنَاهُ فِدَا لَك نَفْسِي،
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَرْضِيّ فِي الْعَرَبِيّةِ، وَاَلّذِي قَالَهُ
الْفَارِسِيّ بَعِيدٌ عَنْ الصّوَابِ، لِأَنّهُ أَضْمَرَ الْمُبْتَدَأَ،
وَأَضْمَرَ الْفِعْلَ النّاصِبَ لِلْإِزَارِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ
لِبُعْدِهِ، عَنْهُ، وَبُعْدُ الْبَيْتِ مَا يَدُلّ عَلَى صِحّةِ الْقَوْلِ
الْمُخْتَارِ وَهُوَ:
قَلَائِصَنَا هَدَاك اللهُ مَهْلًا ... شغلنا عنكم زمن الحصار «2»
__________
(1) البيت لليلى الأخيلية ص 922 سمط اللآلى.
(2) أصل القصة أن نفيلة الأكبر الأشجعى- وكنيته أبو المنهال- كتب إلى عمر
أبياتا من الشعر يشير فيها إلى رجل كان واليا على مدينتهم يخرج الجوارى. .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى سلع عند خروج أزواجهن إلى الغزو، فيعقلهن، ويقول: لا يمشى فى العقال
إلا الحصان، فربما وقعت، فتكشفت، وكان اسم هذا الرجل جعدة بن عبد الله
السلمى، فقال ما ذكر السهيلى وبعدهما:
فما قلص وجدن معقلات ... قفا سلع بمختلف النجار
قلائص من بنى كعب بن عمرو ... وأسلم أو جهينة أو غفار
يعقلهن جعدة من سليم ... غوى يبتغى سقط العذارى
يعقلهن أبيض شيظمى ... وبئس معقل الذود الخيار
وفى وفاء الوفاء للسمهودى: «من بنى سعد بن بكر، أو أسلم» بدلا مما ذكر فى
البيت الثالث: وكنى بالقلاص عن النساء، ونصبها على الإغراء، فلما وقف عمر-
رضى الله عنه- على الأبيات عزله، وسأله عن ذلك الأمر، فاعترف، فجلده مائة
معقولا، وأطرده إلى الشام، ثم سئل فيه، فأخرجه من الشام، ولم يأذن له فى
دخول المدينة، ثم سئل فيه أن يدخل ليجمع، فكان إذا رآه عمر توعده، فقال:
أكل الدهر جعدة مستحق ... أبا حفص لشتم أو وعيد
فما أنا بالبرىء براه عذر ... ولا بالخالع الرسن الشرود
وقول جعدة: فدا لك الخ: أى أهلى ونفسى. وقال الجرمى: يريد بالإزار ههنا:
المرأة. والقصة مشهورة، وقد رويت لغيره، ورواها الآمدى فقال عن جعدة: كان
غزلا صاحب نساء يحدثهن ويضحكهن، ويمازحهن، فكن يجتمعن عنده، فيأخذ المرأة
فيعقلها، ثم يأمرها أن تمشى فتتعثر، فتقع، فتنكشف، فيتاضحكن من ذلك إلخ وقد
ذكر ابن حجر ترجمته فى الإصابة فى القسم الثالث فيمن أدرك الجاهلية
والإسلام، ولم يرد أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم. ونفيلة فى
الإصابة: بقيلة الأكبر الأشجعى من بنى بكر ابن أشجع، وهو بقاف مصغر، ذكره
الآمدى فى حرف الموحدة. وقال الزبير ابن بكار: سمت العتبى يصحفه، فيقول:
نفيلة، وقد شهد نفيلة أو بقيلة القادسية مع عمر. أنظر اللسان مادة أزر،
والإصابة ترجمة بقيلة، وجعدة ح 1
(4/119)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَنَصَبَ قَلَائِصَنَا بِالْإِضْمَارِ الّذِي جَعَلَهُ الْفَارِسِيّ
نَاصِبًا لِلْإِزَارِ.
تَرْجَمَةُ الْبَرَاءِ:
وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ يُكَنّى أبا بشر يابنه بِشْرِ بْنِ
الْبَرَاءِ، وَهُوَ الّذِي أَكَلَ مَعَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من
الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ «1» ، فَمَاتَ وَمَعْرُورٌ اسْمُ أَبِيهِ،
مَعْنَاهُ: مَقْصُودٌ يُقَالُ: عَرّهُ وَاعْتَرّهُ إذَا قَصَدَ «2» ،
وَالْبَرَاءُ هَذَا مِمّنْ صَلّى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرِهِ «3» بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَبّرَ أَرْبَعًا، وَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ الصّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ، وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ سِتّ
طُرُقٍ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَهَا كُلّهَا أَبُو عُمَرَ فِي
التّمْهِيدِ، وَزَادَ ثَلَاثَ طُرُقٍ لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ حَنْبَلٍ،
فَهِيَ إذًا تُرْوَى مِنْ- تِسْعِ طُرُقٍ أَعْنِي أن- تسعة من الصحابة روؤا
صَلَاتَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْقَبْرِ، فَمِنْهُمْ ابْنُ عباس،
وأنس ابن مَالِكٍ وَبُرَيْدَةُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ،
وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وَحَدِيثُهُ
مُرْسَلٌ، وَأَصَحّهَا إسْنَادًا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ.
وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِلْمُبَايِعِينَ لَهُ: بَلْ الدّمَ الدّمَ وَالْهَدْمَ
الْهَدْمَ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْهَدَمَ بِفَتْحِ الدال. قال ابن
قتيبة: كانت
__________
(1) شهد بشر العقبة وبدرا وما بعدها، ومات بعد خيبر.
(2) فى اللسان: عره يعره عرا واعتره، واعتر به: إذا أتاه، فطلب معروفه.
(3) هذا لأنه مات- كما قيل- قبل قدوم النبى «ص» بشهر.
(4/121)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَرَبُ تَقُولُ عِنْدَ عَقْدِ الْحِلْفِ وَالْجِوَارِ: دَمِي دَمُك
وَهَدْمِي هَدْمُك، أَيْ:
مَا هَدَمْت مِنْ الدّمَاءِ، هَدَمْته أَنَا، وَيُقَالُ أَيْضًا: بَلْ
اللّدَمَ اللّدَمَ وَالْهَدَمَ الْهَدَمَ، وَأَنْشَد:
ثُمّ الْحَقِي. بِهَدَمِي وَلَدَمِي
فَاللّدَمُ: جَمْعُ لَادِمٍ، وَهُمْ أَهْلُهُ الّذِينَ يَلْتَدِمُونَ
عَلَيْهِ إذَا مَاتَ، وَهُوَ مِنْ لَدَمْت صَدْرَهُ: إذَا ضَرَبْته.
وَالْهَدَمُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُرْمَةُ، وَإِنّمَا كَنّى عَنْ
حُرْمَةِ الرّجُلِ وَأَهْلِهِ بِالْهَدَمِ، لِأَنّهُمْ كَانُوا أَهْلَ
نُجْعَةٍ وَارْتِحَالٍ، وَلَهُمْ بُيُوتٌ يَسْتَخِفّونَهَا يَوْمَ
ظَعْنِهِمْ، فَكُلّمَا ظَعَنُوا هَدَمُوهَا، وَالْهَدَمُ بِمَعْنَى
الْمَهْدُومِ كَالْقَبَضِ بِمَعْنَى الْمَقْبُوضِ، ثُمّ جَعَلُوا الْهَدَمَ
وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَهْدُومُ عِبَارَةً عَمّا حَوَى، ثُمّ قَالَ: هَدَمِي
هَدَمُك أَيْ: رِحْلَتِي مَعَ رِحْلَتِك أَيْ لَا أَظْعَنُ وَأَدَعُك
وَأَنْشَدَ يَعْقُوبُ:
تَمْضِي إذَا زُجِرَتْ عَنْ سَوْأَةٍ قُدُمًا ... كأنها هدم فى الجفر منقاض
«1»
__________
(1) إذا حركت دال الهدم، فهى القبر، فيكون المعنى: أقبر حيث تقبرون، وقيل:
هو المنزل: أى منزلكم: منزلى، وبالفتح أيضا والسكون: إهدار دم القتيل،
فيكون المعنى: إن طلب دمكم، فقد طلب دمى وإن أهدر دمكم، فقد أهدر دمى
لاستحكام الألفة. وفسرها ابن الأعرابى عند التحريك بقوله: إن ظلمتم فقد
ظلمت، فسر أبو عبيدة: اللدم اللدم والهدم الهدم بقوله: حرمتى مع حرمتكم،
وبيتى مع بيتكم، وفسر الحقى بهدمى ولدمى بقوله: بأصلى وموضعى، وفسر أبو
الهيثم: الدم الدم الخ بقوله إن قتلنى إنسان طلبت بدمى كما تطلب بدم وليك،
ومن هدم لى عزا وشرفا فقد هدمه
(4/122)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من ولى النقياء:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ الِاثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَشِعْرَ كَعْبٍ فِيهِمْ
إلَى آخِرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشْكِلُ، وَإِنّمَا جَعَلَهُمْ عَلَيْهِ
السّلَامُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي
قَوْمِ مُوسَى وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَدْ
سَمّيْنَا أُولَئِكَ النّقَبَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ «1» فِي كِتَابِ التعريف
والإعلام، فلينظر هنالك.
__________
منك، وكل من قتل ولي، فقد قتل وليك، ومن أراد هدمك، فقد قصدنى بذلك. وقال
الأزهرى: ومن رواه الهدم الهدم والهذم بسكون الذال- فهو على قول الحليف:
تطلب بدمى، وأنا أطلب بدمك، وما هدمت من الدماء هدمت أى: ما عفوت عنه،
وأهدرته، فقد عفوت عنه، وتركته. وقال الفراء: عن دخول أل على الهدم والدم
واللدم: «العرب تدخل الألف واللام اللتين للتعريف على الأسم، فتقومان مقام
الإضافة كقول الله عز وجل: (فَأَمَّا مَنْ طَغى، وَآثَرَ الْحَياةَ
الدُّنْيا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) .. أى: الجحيم مأواه، أما
الزجاج فقدرها بقوله فإن الجحيم هى المأوى له. وقال ابن الأثير فى رواية
الدم الدم: هو أن يهدر دم القتيل المعنى: إن طلب دمكم، فقد طلب دمى. ويرى
ابن الأعرابى فى اللدم أنها الحرم جمع لادم فالمعنى: حرمكم: حرمى. ويقول
أبو عبيدة: اللدم: الحرم. جمع لادم سمى نساء الرجل وحرمه لدما لأنهن يلتدمن
عليه إذا مات ... واللدم: ضرب المرأة صدرها وقيل: اللطم والضرب بشىء ثقيل
انظر اللسان والنهاية لابن الأثير فى مادتى: لدم وهدم
(1) فى نسب عبد الله بن رواحة، زدت ثعلبة، والأغر من الجمهرة لأبن حزم ص
344 ط 1 ومن الإصابة: لقب امرؤ القيس بأنه الأغر وفى نسب سعد بن عبادة يقول
الخشنى ص 119 ابن حزيمة بدلا من خزيمة وقال: بالحاء المهمله المفتوحة
والزاء المكسورة هو الصواب كذا قيده الدارقطنى. وورد كذلك فى ص 269 من
المجد لمحمد بن حبيب: وفى نسب رافع بن مالك
(4/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَرُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: قَالَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ
لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حِين قَدِمَ عَلَيْهِمْ النّقَبَاءُ: لَا
يَغْضَبَنّ أَحَدُكُمْ فَإِنّي أَفْعَلُ مَا أُومَر، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السّلَامُ إلَى جَنْبِهِ يُشِيرُ إلَيْهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ،
وَرُوِيَ فِي الْمُعَيْطِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنّهُ رَوَى حَدِيثَ
النّقَبَاءِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ مَالِكٌ: وَكُنْت
أَعْجَبُ كَيْفَ جَاءَ هَذَا رَجُلَانِ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ مِنْ
أُخْرَى حَتّى حُدّثْت بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنّ جِبْرِيلَ هُوَ الّذِي
وَلّاهُمْ، وَأَشَارَ على النبى- صلى الله عليه وسلم- بهم.
__________
ابن العجلان زادت جمهرة ابن حزم بعد زريق: بن عامر بن زريق، وفى نسب رفاعة
ابن زنير، وهى فى الإصابة والجمهرة: زر ص 314 وفى إمتاع الأسماع: زنبر وفى
بعض نسخ السيرة: زبير، وقد اختلف فى اسمه فقيل، بشير وقيل مروان وقيل يشير،
وكنيته: أبو لبابة وسقطت. مالك التى قبل: ابن الأوس من الإصابة، كما سقط من
نسبه فى الجمهرة بن عمرو، عوف. ومازدته فى السيرة من الأنساب أخذته من كتاب
المجد لابن حبيب ص 268 وما بعدها. وإليك ما شرح به الخشنى بعض كلمات قصيدة
كعب بن مالك: فال رأيه: بطل. فلا ترعين أى لاتبعين، ألب: جمع. جادع: قاطع،
إخفاره: نقض عهده، نافع: ثابت، بمندوحة: بمتسع، يافع: موضع مرتفع، ومن
رواه: باقع فمعناه: بعيد وهو مأخوذ من بقع الأرض، وخانع: مقر متذلل. ضروح:
مانع ودافع عن نفسه من قولهم: ضرحت الدابة برجلها إذا ضربتها. وهنالك بين
القصيدة فى ابن هشام وبينها فى المجد بعض اختلافات يسيرة. ففى البيت
الثالث: أضالنا أى أضاء لنا بدلا من: بدالنا. ولا ترعين بدلا من: لا ترغبن.
ولا تطمعنك المطامع بدلا من: لا يطمعن ثم طامع. ومن ألحيه خانع بدلا من:
العهد خانع. وم الأمر صانع بدلا من م الأمر مانع. وإن يغبك بدلا من: لا
يغبك.
(4/124)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير بعض ما وقع فى وَجَدْته وَذَكَرَ أَنّ الشّيْطَانَ صَرَخَ مِنْ
رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ. قَالَ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ:
هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُمّهَاتِ، وَأَصْلَحْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي
الْوَلِيدِ: بِأَبْعَدِ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَلَا مَعْنَى لِهَذَا
الْإِصْلَاحِ، لِأَنّ وَصْفَ الصّوْتِ بِالنّفَاذِ صَحِيحٌ هُوَ أَفْصَحُ
مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُعْدِ، وَقَدْ مَضَى فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَعَ
الْكَاهِنِ، قَالَ: لَقَدْ سَمِعْت مِنْ صَوْتِ الْعِجْلِ صَوْتًا مَا
سَمِعْت أَنْفَذَ مِنْهُ، وَفِي الصّحِيحِ: أَنّ اللهَ تَعَالَى يَحْشُرُ
الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَرْدَحٍ «1» وَاحِدٍ، فَيَنْفُذُهُمْ
الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدّاعِي وَكَذَلِكَ وَجَدْته فِي رِوَايَةِ
يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: بِأَنْفَذِ صَوْتٍ كَمَا كَانَ
فِي الْأَصْلِ.
وَقَوْلُهُ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ، يَعْنِي: مَنَازِلَ مِنَى،
وَأَصْلُهُ: أَنّ الْأَوْعِيَةَ مِنْ الْأَدَمِ كَالزّبِيلِ وَنَحْوِهِ
يُسَمّى: جَبْجَبَةً، فَجُعِلَ الْخِيَامُ وَالْمَنَازِلُ لِأَهْلِهَا
كَالْأَوْعِيَةِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ صَرَخَ إبْلِيسُ:
يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ، هَذَا أَزَبّ الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ.
قَالَ ابن هشام: ويقال: ابن أزيب كَذَا تَقَيّدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
أَزَبّ الْعَقَبَةِ وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: أُمّ كُرْزِ بِنْتُ الْأَزَبّ
بْنِ عَمْرِو بْنِ بَكِيلٍ مِنْ هَمْدَانَ جَدّةُ الْعَبّاسِ، أُمّ أُمّهِ:
سِيلَة، وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ الْأَزَبّ فِي الْأَسْمَاءِ إلّا هَذَا،
وَأَزَبّ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ اسْمُ شَيْطَانٍ، وَوَقَعَ فِي هَذِهِ
النّسْخَةِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ إزْبُ الْعَقَبَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ
وَسُكُونِ الزّايِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزّبَيْرِ مَا يشهد له
__________
(1) صردح وصرداح: المكان المستوى
(4/125)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حِينَ رَأَى رَجُلًا طُولُهُ شِبْرَانِ عَلَى بَرْدَعَةِ رَحْلِهِ
[فَأَخَذَ السّوْطَ فَأَتَاهُ] ، فَقَالَ:
مَا أَنْتَ؟ فَقَالَ أَزَبّ، قَالَ: وَمَا أَزَبّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ
الْجِنّ؛ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِعُودِ السّوْطِ، حَتّى بَاصَ، أَيْ
هَرَبَ، وَقَالَ يَعْقُوبُ فِي الْأَلْفَاظِ: الْأَزَبّ:
الْقَصِيرُ. وَحَدِيثُ ابْنِ الزّبَيْرِ ذَكَرَهُ الْعُتْبِيّ فِي
الْغَرِيبِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ اللّفْظَيْنِ أَصَحّ؟ وَابْنُ أَزْيَبَ
فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعْيَلًا مِنْ
الْإِزْبِ «1» أَيْضًا، وَالْأَزْيَبُ: الْبَخِيلُ، وَأَزْيَبُ: اسْمُ
رِيحٍ مِنْ الرّيَاحِ الْأَرْبَعِ «2» ، وَالْأَزْيَبُ الْفَزَعُ أَيْضًا
«3» ، وَالْأَزْيَبُ: الرّجُلُ الْمُتَقَارِبُ الْمَشْيِ «4» ، وَهُوَ
عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ ابْنُ أَزْيَبَ مِنْ هَذَا أَيْضًا، وَأَمّا الْبَخِيلُ فَأَزْيَبُ
عَلَى وَزْنِ فَعْيَلٍ لِأَنّ يَعْقُوبَ حَكَى فِي الْأَلْفَاظِ: امْرَأَةٌ
أزيبة «5»
__________
(1) الإزب فى اللسان فى مادة أزب فتكون على وزن فعل: ومعناها اللئيم
والدقيق المفاصل الضاوى يكون ضئيلا. والإزب من الرجال: القصير الغليظ
والقصير الذميم؟؟؟. وقد جعل اللسان أزب فى ماده أزب، وقال عن الإزب فى
الحديث: هو الشيطان اسمه؛ أزب العقبة، وهو الحية أما عن الأزب فى مادة زبب،
فهو الكثير الشعر
(2) جعلها القاموس واللسان وابن فارس فى معجمه فى مادة زيب فتكون على وزن
أفعل، وقال عنها إنها الجنوب فى لغة هذيل: أو هى الريح النكباء التى تجرى
بين الصبا والجنوب.
(3) فى مادة زيب فى القاموس واللسان فوزنها: أفعل.
(4) هى كالتى قبلها فى المادة والوزن.
(5) جعلها اللسان فى مادة زيب وهى إزيبة فتكون: إفعلة بكسر الهمزة وسكون
الفاء وفتح العين وتضعيف اللام مع فتح، وهكذا ضبطها اللسان والقاموس، وفى
معجم مقاييس اللغة لابن فارس: «وقال الخليل: الإزب: الدقيق المفاصل، ويقال
هو البخيل» .
(4/126)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَوْ كَانَ عَنْ وَزْنِ أَفْعَلَ فِي الْمُذَكّرِ لَقِيلَ فِي
الْمُؤَنّثِ زَيْبَا إلّا أَنّ فَعْيَلًا فِي أَبْنِيَةِ الْأَسْمَاءِ
عَزِيزٌ، وَقَدْ قَالُوا فِي ضَهْيَاءَ، وَهِيَ الّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ
النّسَاءِ، فَعْلَى جَعَلُوا الْهَمْزَةَ زَائِدَةً وَهِيَ عِنْدِي
فَعْيَلٌ لِأَنّ الْهَمْزَةَ فِي قِرَاءَةِ عَاصِمٍ لَامُ الْفِعْلِ فى
قوله تعالى يُضاهِؤُنَ وَالضّهْيَأُ مِنْ هَذَا لِأَنّهَا تُضَاهِي
الرّجُلَ أَيْ: تُشْبِهُهُ وَيُقَالُ فِيهِ: ضَهْيَاءُ «1» بِالْمَدّ،
فَلَا إشْكَالَ فِيهَا أَنّهَا لِلتّأْنِيثِ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ ضاهيت
بالياء، وقد يجوز
__________
(1) فى اللسان «وضهيأ: فعلا الهمزة زائدة كما زيدت فى. شمأل، وغرقى البيض،
قال: ولا تعلم الهمزة زيدت غير أول إلا فى هذه الأسماء، ويجوز أن تكون
الضهيأ بوزن الضهيع. فعيلا، وإن كانت لا نظير لها فى الكلام، فقد قالوا:
كنهيل- شجر عظام- ولا نظير له. قال ابن سيدة: الضهيا والضهياء على فعلاء
... وقال بعضهم الضهياء ممدود التى لا تحيض وهى حبلى. قال ابن جنى: امرأة
ضهيأة وزنها: فعلأه لقولهم فى معناها: ضهياء.. وأجاز أبو إسحاق فى همزة:
ضهيأة أن تكون أصلا، وتكون الياء هى الزائدة، فعلى هذا تكون الكلمة: فعيلة،
وذهب فى ذلك مذهبا من الاشتقاق حسنا لولا شىء اعترضه، وذلك أنه قال: يقال:
ضاهيت زيدا وضاهأت زيدا بالياء والهمزة، قال: والضهيأة هى التى لا تحيض،
وقيل هى التى لا ثدى لها، قال فيكون ضهيأة: فعيلة من ضاهأت. وقال ابن جنى
عن هذا إنه حسن إلا أنه ليس فى الكلام فعيل بفتح الفاء إنما فعيل بكسرها
نحو حذيم، وطريم، وغرين «القاطع، والطريم العسل أو السحاب الكثيف، والغرين
أو الغرين: الطين يحمله السيل، وغير ذلك، ولم يأت الفتح فى هذا الفن ثبتا،
إنما حكاه قوم شاذا ... وحكى أبو عمرو: امرأة ضهيأة وضهيأه بالتاء والهاء
التى لا تطمث ... وهذا يقتضى أن يكون الضهيا مقصورا. وقال غيره الظهواء من
النساء التى لم تنهد.. والضهيا مقصور: الأرض التى لا تنبت «وحكى الجوهرى أن
الضهياء ممدود شجر، واحدته: ضهيأه»
(4/127)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنْ يَكُونَ أَزْيَبَ وَأَزْيَبَةُ مِثْلَ أَرْمَلَ وَأَرْمَلَةَ فَلَا
يَكُونَ فَعْيَلًا. وَرَوَى أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لَمّا
بُويِعَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنَى
صَرَخَ الشّيْطَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هَذَا أَبُو لُبَيْنَى «1» قَدْ أَنْذَرَ بِكُمْ، فَتَفَرّقُوا.
تَذْكِيرُ فَعِيلٍ وَتَأْنِيثُهَا:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ حِينَ رَمَى بِنَعْلَيْهِ إلَى
جَابِرٍ: قَالَ: وَكَانَ عَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ، وَالنّعْلُ:
مُؤَنّثَةٌ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ: جَدِيدَةٌ فِي الْفَصِيحِ مِنْ
الْكَلَامِ، وَإِنّمَا يقال: ملحفة جديد لأنها فى معنى مجدودة أَيْ:
مَقْطُوعَةٍ، فَهِيَ مِنْ بَابِ كَفّ خَضِيبٌ، وَامْرَأَةٌ قَتِيلٌ، قَالَ
سِيبَوَيْهِ: وَمَنْ قَالَ جَدِيدَةً، فَإِنّمَا أَرَادَ مَعْنَى
حَدِيثَةٍ، أَرَادَ سِيبَوَيْهِ أَنّ حَدِيثَةً، بِمَعْنَى حَادِثَةٍ
وَكُلّ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ يدخله التاء فى المؤنث «2»
__________
(1) هى- كما فى القاموس اسم ابنة إبليس لعنه الله تعالى ... وأبو لبين:
الذكر.
(2) فى إصلاح المنطق لأبى يوسف يعقوب بن السكيت ما يأتى: «تقول: هذه ملحفة
جديد، وهذه ملحفة خلق؛ ولا تقل: جديدة، ولا خلقة، وإنما قيل جديد بغير هاء؛
لأنها فى تأويل مجدودة أى: مقطوعة حين قطعها الحائك ... وإذا كان فعيل نعتا
لمؤنث، وهو فى تأويل مفعول، كان بغير هاء نحو: لحية دهين، لأنها فى تأويل
مدهونة، وكف خضيب، لأنها فى تأويل مخضوبة، وملحفة غسيل وامراة لديغ، ودابة
كسير، وركية دفين إذا اندفن بعضها، وركايا دفن، وتقول: هذا فرس جواد بهم،
وهذه فرس جواد بهم، ... وعين كحيل، وناقة بقير إذا شق بطنها عن ولدها،
وامرأة لعين وجريح وقتيل، فإذا
(4/128)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ أَلْقَابِ الطّوِيلِ:
وَذَكَرَ قَوْلَ سَعْدٍ حِينَ أَسَرَتْهُ قُرَيْشٌ: فَأَتَانِي رَجُلٌ
وَضِيءٌ شَعْشَاعٌ. وَالشّعْشَعُ وَالشّعْشَعَانِيّ وَالشّعْشَعَانُ»
: الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ، وَكَذَلِكَ السّلْهَبُ والصّقعب
__________
لم تذكر المرأة قلت: هذه قتيلة بنى فلان، وكذلك: مررت بقتيلة، وقد تأتى
فعيلة بالهاء، وهى فى تأويل مفعول بها تخرج مخرج الأسماء، ولا يذهب بها
مذهب النعوت، نحو: النطحية والذبيحة والفريسة وأكيلة السبع والجنيبة
والعليقة، وهما البعير يوجهه الرجل مع القوم يمتارون، فيعطيهم دراهم،
ليمتازوا له معهم عليه ... والسريبة من الغنم، والعليقه: الداهية والفريقة
التمر والحلبة جميعا تجعل للنفساء» وذكر ابن السكيت غيرها كالنقيعة
والنخيسة والقطيبة والتريكة والنجيرة والبسيسة والرجيعة ص 377 ط دار
المعارف 1949 م وفى أدب الكاتب لابن قتيبة «وما كان على فعيل نعنا للمؤنث،
وهو فى تأويل مفعول كان بغير هاء نحو: كف خضيب وملحفة غسيل، وربما جاء
بالهاء يذهب بها مذهب النعوت نحو النطيحة والذبيحة والفريسة، وأكيلة السبع
... وتقول: هذه ذبيحتك، وذلك أنك لم ترد أن تخبر أنها قد ذبحت ألا ترى أنك
تقول: هذا وهى حية، وإنما هى بمنزلة: ضحية، وكذلك شاة رمى، وتقول بئس
الرمية الأرنب، إنما يريد: بئس الشىء مما يرمى الأرنب، فهذا بمنزلة الذبيحة
فاذا لم يجز فيه مفعول، فهو بالهاء نحو: مريضة وكبيرة وصغيرة وطريقة، وجاءت
أشياء شاذة قالوا: ناقة سديس وريح خريق، وكتيبة حصيف، وإن كان فعيل فى
تأويل فاعل كان مؤنثه بالهاء نحو رحيمة وعليمة وكريمة» ص 289 ط أولى 1355
هـ
(1) الزيارة من القاموس. والرجز الذى وردت فيه كلمة «شعشاع» هو لرؤبة انظر
ديوان رؤبة ص 162 طبع برلين، ص 120 شرح السيرة للخشنى. وقد شرحه بما يأتى:
«يمطوه: يمده، يعنى: طول عنق البعير، وعير مودن أى قصير ويروى: غير ...
وكذلك وقع فى رجز رؤبة، ووقع هنا بالعين مهملة» ص 120.
(4/129)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالشّوْقَبُ وَ [الشّرْعَبُ] وَالشّرْجَبُ وَالْخِبَقّ وَالشّوْذَبُ
الطّوِيلُ مَعَ رِقّةٍ فِي أَسْمَاءٍ كَثِيرَةٍ.
مَعَانِي الْكَلِمَاتِ:
وَقَوْلُهُ أَوَى إلَيْهِ رَجُلٌ أَيْ رَقّ لَهُ، يُقَالُ أَوَى إيّهْ
[وَأَوْيَةً] مَأْوِيَةً.
وَقَوْلُهُ فَتَنَطّسَ الْقَوْمُ الْخَبَرَ أَيْ: أَكْثَرُوا الْبَحْثَ
عَنْهُ، وَالتّنَطّسُ، تَدْقِيقُ النّظَرِ. قَالَ الرّاجِزُ: [رُؤْبَةُ
بْنُ الْعَجّاجِ]
وَقَدْ أَكُونُ عِنْدَهَا نِقْرِيسًا ... طِبّا بِأَدْوَاءِ النّسَا
نِطّيسًا «1»
وَذَكَرَ قَوْلَ ضِرَارِ بْنِ الْخَطّابِ:
وَكَانَ شفاء وتداركت مُنْذِرًا
وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ: وَضِرَارٌ كَانَ شَاعِرَ قُرَيْشٍ
وَفَارِسَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي قُرَيْشٍ أَشْعَرَ مِنْهُ، [عَبْدُ اللهِ]
ثُمّ ابْنُ الزّبَعْرَى بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ، وَكَانَ جَدّهُ مِرْدَاسٌ
رَئِيسَ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ يَسِيرُ فِيهِمْ
بِالْمِرْبَاعِ، وَهُوَ رُبُعُ الْغَنِيمَةِ، وَكَانَ أَبُوهُ أَيّامَ
الْفُجّارِ رَئِيسَ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ أسلم ضرار عام الفتح.
__________
(1) الرجز لرؤبة بن العجاج يمدح به أبان بن الوليد البجلى. ورواية الديوان
هكذا:
وقد أكون مرة نطيسا ... يخبء أدواء الصبا نقريسا
ص 70 الديوان طبع برلين. ورواه الخشنى فى شرح السيرة كما رواه السهيلى
ولكنه ذكر الصبا بدلا من النسا
(4/130)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَوْلَ قَصِيدَةِ حَسّانَ:
وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ يُجِيبُهُ:
لَسْت إلَى عَمْرٍو «1» وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ... إذَ مَا مَطَايَا
الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمّرَا
يَعْنِي بِعَمْرِو عَمْرَو بْنَ خُنَيْسٍ وَالِدَ الْمُنْذِرِ. يَقُولُ:
لَسْت إلَيْهِ وَلَا إلَى ابْنِهِ الْمُنْذِرِ أَيْ: أَنْتَ أَقَلّ مِنْ
ذَلِكَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا يُقَالُ لَهُ: أَعْنَقَ
لِيَمُوتَ «2» ، هُوَ أَحَدُ النّقَبَاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ،
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فى المواخاة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
آخَى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ
الْوَاقِدِيّ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: إنّمَا آخَى بَيْنَهُ
وَبَيْنَ طُلَيْبِ بْنِ عَمْرٍو «3» .
قَالَ: وَكَيْفَ يُوَاخِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي ذَرّ، وَالْمُوَاخَاةُ
كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ، وَأَبُو ذَرّ كَانَ إذْ ذَاكَ غَائِبًا عَنْ
الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقْدَمْ إلّا بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَدْ قَطَعَتْ بَدْرٌ
الْمُوَاخَاةَ وَنَسَخَهَا قوله سبحانه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ [فِي كِتابِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ] الْأَنْفَالَ: 75 وَلِلْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ وَاحِدٌ
عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ لَهُ
غَيْرُهُ، يَرْوِيهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عباس ابن سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ الْمُنْذِرِ أَنّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ عَنْ السّهْوِ قَبْلَ
التّسْلِيمِ، وعبد المهيمن ضعيف. وقول حسان:
__________
(1) الذى فى السيرة: لست إلى سعد.
(2) فى الإصابة «وكان يلقب بالمعنق ليموت، وقال موسى بن عقبة فى مغازيه
«وهو الذى يقال له أعنق ليموت» .
(3) وقيل هو: ابن عمير، أمه: أروى بنت عبد المطلب.
(4/131)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا ... بِحَفْرِ ذراعيها، فلم
تَرْضَ مُحْفَرَا
تَقُولُهُ الْعَرَبُ فِي مَثَلٍ قَدِيمٍ فِيمَنْ أَثَارَ عَلَى نَفْسِهِ
شَرّا كَالْبَاحِثِ عَنْ الْمُدْيَةِ «1» وَأَنْشَدَ أَبُو عُثْمَانَ
[الْجَاحِظُ] عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ؟؟؟. [لِلْفَرَزْدَقِ] :
وَكَانَ يُجِيرُ النّاسَ مِنْ سَيْفِ مَالِكٍ ... فَأَصْبَحَ يَبْغِي
نَفْسَهُ مَنْ يُجِيرُهَا
وَكَانَ كَعَنْزِ السّوءِ قَامَتْ بِظِلْفِهَا ... إلَى مُدْيَةٍ تَحْتَ
التراب تثيرها
__________
(1) قال البحترى فى خماسته: «يروى عن بعض العرب أنه أصاب نعجة» . فأراد
ذبحها، ولم يكن معه شىء يذبحها به، فبينا هو يفكر فى ذلك، وأى ذلك يصنع إذ
حفرت النعجة بأظلافها الأرض، فأبرزت عن سكين كانت مندفنة فى التراب، فذبحها
بها، وضرب العرب بها المثل والبيتان بعدهما:
ستعلم عبد القيس إن زال ملكها ... على أى حال يستمر مريرها
وهما فى البيان والتبيين ص 159 ج 3 للجاحظ بتحقيق الأستاذ عبد السلام
هارون، وأنشدهما أيضا فى كتابه الحيوان، وهما أيضا فى ديوان الفرزدق ص 249.
ومن معانى قصيدة حسان كما بين الخشنى: البرقاء: موضع. حسر: معيية. الربط:
الملاحف البيض، واحدتها: ربطة. الأنباط: قوم من العجم. والوسنان النائم.
كسرى: ملك الفرس، وقيصر: ملك الروم. الثكلى: المرأة الفاقدة؟؟؟ ولدها.
والنحر: الصدر.
(4/132)
[قصة صنم عمرو
بن الجموح]
فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِهَا، وَفِي
قَوْمِهِمْ بَقَايَا مِنْ شُيُوخٍ لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ مِنْ الشّرْكِ،
مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ غَنْمِ ابن كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ، وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ
عَمْرٍو شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِهَا، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيّدًا مِنْ سَادَاتِ
بَنِي سَلَمَةَ، وَشَرِيفًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَكَانَ قَدْ اتّخَذَ فِي
دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ، يُقَالُ لَهُ: مَنَاةُ، كَمَا كَانَتْ
الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ، تَتّخِذُهُ إلَهًا تُعَظّمُهُ وَتُطَهّرُهُ،
فَلَمّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ: مُعَاذُ بْنُ جبل، وابنه معاذ
بن عمرو، فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ،
كَانُوا يُدْلِجُونَ بِاللّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ،
فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلَمَةَ،
وَفِيهَا عِذَرُ النّاسِ، مُنَكّسًا عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ
عَمْرٌو، قَالَ: وَيْلَكُمْ! مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ
اللّيْلَةَ؟ قَالَ: ثُمّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ، حَتّى إذَا وَجَدَهُ
غَسَلَهُ وَطَهّرَهُ وَطَيّبَهُ، ثُمّ قَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْ أَعْلَمُ
مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ لَأُخْزِيَنّهُ. فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو،
عدووا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي
مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَذَى، فيغسله ويطهّره ويطيّبه، ثم يغدون
عَلَيْهِ إذَا أَمْسَى، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. فلما أكثروا
عليه، استخرجه من حيث ألقوه يوما، فغسله وطهّره وَطَيّبَهُ، ثُمّ جَاءَ
بِسَيْفِهِ فَعَلّقَهُ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إنّي وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ
مَنْ يَصْنَعُ بِك مَا تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيك خَيْرٌ فَامْتَنِعْ،
فَهَذَا السّيْفُ مَعَك. فَلَمّا أَمْسَى وَنَامَ عمرو، غدوا عَلَيْهِ،
فَأَخَذُوا السّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ، ثُمّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيّتًا
فَقَرَنُوهُ بِهِ بِحَبْلِ، ثُمّ أَلْقَوْهُ فى بئر من آبار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/133)
سَلَمَةَ، فِيهَا عِذَرٌ مِنْ عِذَرِ
النّاسِ، ثُمّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مكانه
الذى كان به.
[إسلام عمرو بن الجموح]
فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مُنَكّسًا
مَقْرُونًا بِكَلْبِ مَيّتٍ، فَلَمّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شأنه، وكلّمه من
أسلم من قَوْمِهِ، فَأَسْلَمَ بِرَحْمَةِ اللهِ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ.
فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ، وَعَرَفَ مِنْ اللهِ مَا عَرَفَ، وَهُوَ يَذْكُرُ
صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى
الّذِي أَنْقَذَهُ مِمّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَمَى وَالضّلَالَةِ:
وَاَللهِ لَوْ كُنْتَ إلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بئر
فى قرن
أفّ لماقاك إلَهًا مُسْتَدَنْ ... الْآنَ فَتّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
الْحَمْدُ لِلّهِ الْعَلِيّ ذِي المِنَنْ ... الْوَاهِبِ الرّزّاقِ دَيّانِ
الدّيَنْ
هُوَ الّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ
مُرْتَهَنْ
بِأَحْمَدَ المهدى النبىّ المرتهن
[شُرُوطُ الْبَيْعَةِ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ]
قَالَ ابْنُ إسحاق: وكان فى بيعة الحرب، حين أذن الله لرسوله فِي
الْقِتَالِ شُرُوطًا سِوَى شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى،
كَانَتْ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ، وَذَلِك أَنّ اللهَ تَعَالَى
لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
الْحَرْبِ، فَلَمّا أَذِنَ اللهُ لَهُ فِيهَا، وَبَايَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَقَبَةِ الأخيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/134)
عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ،
أَخَذَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْقَوْمِ لِرَبّهِ، وَجَعَلَ لَهُمْ
عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِك الْجَنّةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عُبَادَةُ بن الوليد بن عبادة بن
الصامت، عن أَبِيهِ الْوَلِيدِ، عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ،
وَكَانَ أَحَدَ النّقَبَاءِ، قَالَ:
بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ
الْحَرْبِ- وَكَانَ عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الّذِينَ بَايَعُوهُ
فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ- عَلَى السّمْعِ
وَالطّاعَةِ، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا،
وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ
نَقُولَ بِالْحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ
لَائِمٍ.
[أَسَمَاءُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وهذه تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ
رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا مِنْ الْأَوْسِ
والخزرج، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين.
شهدها من الأوس ابن حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ،
ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك بن الأوس أسيد ابن حُضَيْرِ بْنِ
سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، نَقِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. وَأَبُو
الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ، شَهِدَ بَدْرًا.
وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زِغْبَةَ بْن زَعُورَاءَ بْنِ
عَبْدِ الْأَشْهَلِ، شَهِدَ بَدْرًا، ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ زَعَوْرَاءَ بفتح العين.
قال ابن إسحاق: ومن بنى حارثة ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/135)
ابن مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: ظُهَيْرُ بْنُ
رَافِعِ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثَةَ.
وأبو بردة بن نيار، واسمه هانىء بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان
ابن غَنَمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَاهِلِ بن ذهل بن دهنى بن
بلىّ بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة، حليف لهم، شهد بدرا ونهير [أو بهير] بْنُ
الْهَيْثَمِ، مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بن حارثة ثلاثة نفر.
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَالِكِ بْنِ الأوس: سعد بن خيثمة بن
الحارث ابن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ
السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، نَقِيبٌ،
شَهِدَ بَدْرًا، فَقُتِلَ بِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهِيدًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَنِي عَمْرِو بن عوف،
وهو من بنى غنم ابن السّلْمِ، لِأَنّهُ رُبّمَا كَانَتْ دَعْوَةُ الرّجُلِ
فِي الْقَوْمِ، وَيَكُونُ فِيهِمْ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرَ
بن زيد بن أميّة بن زيد ابن مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرٍو، نَقِيبٌ،
شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بن أمية بن
البرك- واسم البرك: امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ
يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الرّمَاةِ؛ وَيُقَالُ: أُمَيّةُ بْنُ الْبَرْكِ، فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ
الْعَجْلَانِ بْنِ [حَارِثَةَ]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/136)
ابن ضبيعة [بن حرام] لَهُمْ مِنْ بَلِيّ،
شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي
خِلَافَةِ أبى بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ،
شَهِدَ بدرا وأحدا والخندق خمسة نفر.
فجيع من شهد العبقة من الأوس أحد عشر رجلا.
وَشَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَامِرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ، وَهُوَ تَيْمُ اللهِ بْنُ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ: أَبُو أَيّوبَ، وَهُوَ خَالِدُ
بن زيد بن كليب بن ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النّجّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ،
وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، مَاتَ بِأَرْضِ الرّومِ غَازِيًا فى زمن معاوية
ابن أَبِي سُفْيَانَ. وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ
سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مالك ابن النّجّارِ، شَهِدَ بَدْرًا
وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ،
وَأَخُوهُ: عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ
شَهِيدًا، وَهُوَ الّذِي قَتَلَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ لِعَفْرَاءَ- وَيُقَالُ: رِفَاعَةُ بْنُ الْحَارِثِ
بْنِ سَوَادٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُمَارَةُ بْنُ حزم بن زيد بن
لوذان بن عمرو ابن عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ.
شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، قُتِلَ
يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بكر الصدّيق رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، نَقِيبٌ، مَاتَ
قَبْلَ بَدْرٍ وَمَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يا بنى،
وهو أبو أمامة. ستة نفر.
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ- وَمَبْذُولٌ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ
بْنِ النّجّارِ: سَهْلُ بْنُ عَتِيكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/137)
ابن نُعْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ
بْنِ عَمْرٍو، شهد بدرا. رجل.
ومن بنى عمرو ابن مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ- قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ:
حُدَيْلَةُ: بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ
حَارِثَةَ بْنِ مالك بن غضب ابن جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ- أَوْسُ بْنُ
ثَابِتِ بْنِ المنذر بن حرام بن عمرو ابن زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
عَمْرِو بْنِ مالك، شَهِدَ بَدْرًا. وَأَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ
سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ
بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو ابن مالك، شهد بدرا. رجلان.
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ،
وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ:
عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ
بْنِ مَازِنٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ جَعَلَهُ على الساقة يومئذ. وعمرو بن غزيّة ابن عَمْرِو بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ
مَازِنٍ. رَجُلَانِ.
فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ بَنِي النّجّارِ أحد عشر رجلا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ خَنْسَاءَ، هَذَا الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، إنّمَا هُوَ
غُزَيّةُ بْنُ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ.
[مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سَعْدُ بن
الربيع بن عمرو ابن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن
ثعلبة بن كعب بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا
وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/138)
وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي
زُهَيْرِ بْنِ مالك بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ [بْنِ ثَعْلَبَةَ] بْنِ
امْرِئِ القيس بن عمرو بن امرئ القيس ابن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن
الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا
وَالْخَنْدَقَ وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كُلّهَا، إلّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ، وَقُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ
شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-
وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثعلبة بن الجلاس بن زيد بن مالك [الأغر] بن
ثعلبة ابن كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، أَبُو النّعْمَانِ ابن
بشير شهد بَدْرًا. وَعَبْدُ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ
ربه بْنِ زَيْدِ [مَنَاةِ] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [بن حارثة]
شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ الّذِي أُرِيَ النّدَاءَ لِلصّلَاةِ، فَجَاءَ بِهِ
إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ.
وَخَلّادُ بْنُ سُوِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث [ابن
الْخَزْرَجِ] شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَقُتِلَ يَوْمَ
بَنِي قُرَيْظَةَ شَهِيدًا، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحَى مِنْ أُطُمٍ مِنْ
أُطَامِهَا فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يَذْكُرُونَ- إنّ لَهُ لَأَجْرَ
شَهِيدَيْنِ. وَعُقْبَةُ بْنُ عمرو ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ أَسِيرَةَ بْنِ
عُسَيْرة بْنِ جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ [بْنِ الْخَزْرَجِ]
وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ أَحْدَثَ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ سِنّا،
مَاتَ فِي أَيّامِ مُعَاوِيَةَ، لَمْ يَشْهَدْ بدرا سبعة نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ غضب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/139)
ابن جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ: زِيَادُ بْنُ
لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ ابن
أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا. وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال ودفة.
قال ابن إسحاق: وخالد بن قيس بن مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ بَيَاضَةَ، شهد بدرا. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِر بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ
بْنِ مَالِكِ بن غضب ابن جشم بن الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو
بن عامر بن زريق، نَقِيبٌ. وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قِيسِ بْنِ خَلَدَةَ
بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ [بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ
بْنِ عَبْدِ حارثة] ، وَكَانَ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَعَهُ بِمَكّةَ وَهَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ:
مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ؛ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.
وَعَبّادُ بْنُ قيس ابن عَامِرِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ زُرَيْقٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَالْحَارِثُ بْنُ قِيسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ
مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، وَهُوَ أَبُو خَالِدٍ شَهِدَ
بَدْرًا.
أَرْبَعَةُ نفر.
ومن بني سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ
تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ
بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بن
غنم، نقيب، وهو الذى تزعم بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ
عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/140)
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُ،
وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ، ثُمّ تُوُفّيَ قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ. وَابْنُهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ
بْنِ مَعْرُورٍ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَق، وَمَاتَ
بِخَيْبَرٍ مِنْ أَكْلَةٍ أَكَلَهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا- وَهُوَ الّذِي قَالَ
لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَيْنَ سَأَلَ بنى
سلمة: مَنْ سَيّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ؟ فَقَالُوا: الْجَدّ بْنُ
قَيْسٍ، عَلَى بُخْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: وَأَيّ دَاءٍ أَكْبَرُ مِنْ الْبُخْلِ! سَيّدُ بَنِي سَلَمَةَ
الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ. وَسِنَانُ
بْنُ صَيْفَى بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بن عبيد، شهد بدرا،
والطّفيل بن النّعمان خنساء بن سنان ابن عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا،
وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا. ومعقل بن المنذر بن سرح ابن خُنَاسِ
بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا. ويزيد بن المنذر بن سرح ابن
خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ شَهِدَ بَدْرًا. وَمَسْعُودُ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ.
وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدٍ،
شَهِدَ بدرا، ويزيد بن خدام أو [بن حرام أو خدارة] بن سبيع بن خنساء ابن
سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَجُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ [بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سلمة] ، شَهِدَ بَدْرًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جَبّارُ بن صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
خُنَاسٍ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سنان
بن عبيد [وهو ابن عم الطّفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان] ، شهد بدرا. أحد
عشر رجلا.
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثُمّ مِنْ
بَنِي كَعْبِ بْنِ سواد:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/141)
كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب.
رجل.
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ:
سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بن حديدة ابن عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا.
وَقُطْبَةُ بْنُ عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم، شهد بدرا. ويزيد بن عامر بن
حديدة بن عمرو بن غَنْمٍ، وَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ، شَهِدَ بَدْرًا.
وَأَبُو الْيَسَرِ، وَاسْمُهُ: كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بن عمرو
بن غَنْمِ [بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سلمة] ، شَهِدَ
بَدْرًا. وَصَيْفِيّ بْنُ سَوَادِ بْنِ عَبّادِ بن عمرو بن غنم. خمسة نفر.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَيْفِيّ بْنُ أَسْوَدَ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: غَنْمٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرِو بن سواد بن غنم بن
كعب ابن سَلَمَةَ: ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي،
شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ بِالْخَنْدَقِ شَهِيدًا. وَعَمْرُو بْنُ غَنَمَة
بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، وَعَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي،
شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ
قُضَاعَةَ. وَخَالِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بن نابى. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حرام بن كعب بن غنم بن كعب بْنِ
سَلَمَةَ:
عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ،
نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَابْنُهُ
جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَمَعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجموح بن زيد
بْنِ حَرَامٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ- والجذع: ثعلبة بن
زيد بن الحارث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/142)
ابن حَرَامٍ- شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ
بِالطّائِفِ شَهِيدًا. وَعُمَيْرُ بن الحارث بن ثعلبة.
ابن زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَدِيجُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الفرافر [أو القراقر] حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ وَمَعَاذُ بْنُ
جَبَلِ بن عمرو بن أوس بن عائذ ابن عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدٍ، وَيُقَالُ:
أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وكان فى بنى سلمة، شَهِدَ بَدْرًا،
وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا وَمَاتَ بِعِمْوَاسَ، عَامَ الطّاعُونِ بِالشّامِ،
فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَإِنّمَا
ادّعَتْهُ بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ كَانَ أَخَا سَهْلِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ
الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ لِأُمّهِ.
سَبْعَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسٌ: ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ أدىّ ابن سعد.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ
بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ ابن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ:
عُبَادَةُ بْنُ الصامت بن قيس بن أصرم ابن فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ
كُلّهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/143)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْعَبّاسُ بْنُ
عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعِجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ فَأَقَامَ مَعَهُ
بِهَا فَكَانَ يُقَال لَهُ: مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ وَقُتِلَ يَوْمَ أحد
شهيدا. وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو ابن
عَمّارَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ مِنْ بلىّ. وعمرو بن
الحارث بن لبدة ابن عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ: أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، وَهُمْ
الْقَوَاقِلُ.
وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بن الخزرج، وهم بنو الحبلي-
قال ابن هشام: الحبلي: سالم بن غنم بن عوف، وَإِنّمَا سُمّيَ: الْحُبُلِيّ-
لِعِظَمِ بَطْنِهِ:
رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَبُو
الْوَلِيدِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: رِفَاعَةُ: ابْنُ مَالِكٍ، وَمَالِكٌ:
ابْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كِلْدَةَ بن الجعد بن
هلال بن الحارث ابن عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
بُهْثَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفان بن سعد ابن قِيسِ بْنِ عَيْلان،
حَلِيفٌ لَهُمْ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى
مَكّةَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ.
قَالَ ابن هشام: رجلان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/144)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي
سَاعِدَةَ بْنِ كعب بن الخزرج: سعد بن عبادة ابن دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ
بْنِ أَبِي خُزَيْمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ
سَاعِدَةَ، نَقِيبٌ؛ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْس بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زيد ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ
جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا
وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَال لَهُ:
أَعْنَقَ ليموت. رجلان.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ،
يُزْعِمُونَ أَنّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُصَافِحُ النّسَاءَ، إنّمَا كَانَ يَأْخُذُ
عَلَيْهِنّ، فَإِذَا أَقْرَرْنَ، قال: اذهبن فقد بايعتكن.
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بن عمرو بن غنم بن مازن [بن النّجّار]
، وَهِيَ أُمّ عِمَارَةَ، كَانَتْ شَهِدَتْ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَتْ مَعَهَا أُخْتُهَا.
وَزَوْجُهَا زَيْدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ. وَابْنَاهَا: حَبِيبُ بْنُ
زَيْدِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُهَا حَبِيبٌ الّذِي أَخَذَهُ
مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ الْحَنَفِيّ، صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، فَجَعَلَ
يَقُولُ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ؟ فَيَقُولُ:
نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَفَتَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ اللهِ؟ فَيَقُولُ: لَا
أَسْمَعُ، فَجَعَلَ يُقَطّعُهُ عُضْوًا عُضْوًا حَتّى مَاتَ فِي يَدِهِ،
لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ، إذَا ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم
آمَنَ بِهِ وَصَلّى عَلَيْهِ، وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ قَالَ لَا
أَسْمَعُ- فَخَرَجَتْ إلَى الْيَمَامَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَاشَرَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/145)
الْحَرْبَ بِنَفْسِهَا. حَتّى قَتَلَ اللهُ
مُسَيْلِمَةَ، وَرَجَعَتْ وَبِهَا اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا، مِنْ بَيْنِ
طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهَا مُحَمّدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
أَبِي صعصعة.
ومن بنى سلمة: أُمّ مَنِيعٍ؛ وَاسْمُهَا: أَسَمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ
عدىّ بن نابى ابن عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَلَمَةَ.
[نُزُولُ الْأَمْرِ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
الْقِتَالِ]
بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن
هِشَامٍ، قَالَ:
حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يوذن لَهُ فِي
الْحَرْبِ وَلَمْ تُحَلّلْ لَهُ الدّمَاءُ، إنّمَا يُؤْمَرُ بِالدّعَاءِ
إلَى اللهِ وَالصّبْرِ عَلَى الْأَذَى، وَالصّفْحِ عَنْ الْجَاهِلِ
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اضْطَهَدَتْ مَنْ اتّبَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
حَتّى فَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَنَفَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَهُمْ
مِنْ بَيْنِ مَفْتُونٍ فِي دِينِهِ، وَمِنْ بَيْنِ مُعَذّبٍ فِي
أَيْدِيهِمْ، وَبَيْنِ هَارِبٍ فِي الْبِلَادِ فِرَارًا مِنْهُمْ، مِنْهُمْ
مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي كُلّ
وَجْهٌ؛ فَلَمّا عَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَرَدّوا
عَلَيْهِ مَا أَرَادَهُمْ بِهِ مِنْ الْكَرَامَةِ، وَكَذّبُوا نَبِيّهُ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَعَذّبُوا وَنَفَوْا مَنْ عَبَدَهُ
وَوَحّدَهُ وَصَدّقَ نَبِيّهُ، وَاعْتَصَمَ بِدِينِهِ، أَذِنَ اللهُ عَزّ
وَجَلّ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فى القتال والانتصار ممن
ظلمهم وبنى عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ أَوّلُ آيَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/146)
أُنْزِلَتْ فِي إذْنِهِ لَهُ فِي الْحَرْبِ، وَإِحْلَالِهِ لَهُ الدّمَاءَ
وَالْقِتَالَ، لِمَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ العلماء، قول الله تبارك وتعالى أُذِنَ
لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ
حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ
وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ
عاقِبَةُ الْأُمُورِ: أَيْ أتى إنّمَا أَحْلَلْت لَهُمْ الْقِتَالَ
لِأَنّهُمْ ظُلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ النّاسِ، إلّا أَنّ يَعْبُدُوا اللهَ، وَأَنّهُمْ إذَا ظَهَرُوا
وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن الْمُنْكَرِ،
يَعْنِي النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمّ أَنَزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
عَلَيْهِ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ: أَيْ:
حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ: وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ:
أَيْ حَتّى يعبد الله، لا بعبد معه غيره. |