الروض
الأنف ت الوكيل [الإذن لِمُسْلِمِي مَكّةَ بِالْهِجْرَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَذِنَ اللهُ تَعَالَى لَهُ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ، وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ
الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتّبَعَهُ،
وَأَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ
مَعَهُ بِمَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَدِينَةِ
وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللّحُوقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/147)
بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ،
وَقَالَ: إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا
تَأْمَنُونَ بِهَا. فَخَرَجُوا أَرْسَالًا، وَأَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبّهُ
فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ، وَالْهِجْرَةِ إلى المدينة.
[المهاجرون إلَى الْمَدِينَةِ]
[هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجُهُ، وَحَدِيثُهَا عَمّا لَقِيَا]
فَكَانَ أَوّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ،
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ
بْنِ عَبْدِ الله بن عمر بن مخزوم، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، هَاجَرَ إلَى
الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ، وَكَانَ
قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مكة مِنْ أَرْضِ
الْحَبَشَةِ فَلَمّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ
مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الله ابن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدّتِهِ
أُمّ سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: لَمّا أَجْمَعَ أَبُو
سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمّ
حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ
فِي حِجْرِي، ثُمّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمّا رَأَتْهُ
رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ
قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا،
أَرَأَيْت صَاحِبَتَك هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك تَسِيرُ بِهَا فِي
الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ،
فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ
الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا والله، لا نترك ابننا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/148)
عندها إذا نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا.
قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ،
وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ
عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَتْ: فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ:
فَكُنْت أَخْرُجُ كُلّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ
أَبْكِي، حَتّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي
رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي
فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ
الْمِسْكِينَةَ، فَرّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ
وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت.
قَالَتْ: وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي.
قَالَتْ: فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت ابْنِي فوضعته فى حجرى، ثم
خرجت أريد زوحى بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ
اللهِ. قَالَتْ: فَقُلْت: أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ
زَوْجِي، حَتّى إذَا كُنْت بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ
يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْت: أريد زوجى بالمدينة. قال:
أو ما مَعَك أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْت: لَا وَاَللهِ، إلّا الله وبنىّ هذا.
قال: والله مالك مِنْ مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ،
فَانْطَلَقَ مَعِي يهوى بى، فو الله مَا صَحِبْت رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ
قَطّ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ
أَنَاخَ بِي، ثُمّ اسْتَأْخَرَ عَنّي، حَتّى إذَا نَزَلْت اسْتَأْخَرَ
بِبَعِيرِي، فَحَطّ عَنْهُ، ثُمّ قيّده فى الشجرة، ثم تنحّى إلى شجرة،
فاضطجع تحتها، فاذا دنا الرّواح، قام إلى بعيرى فقدّمه فرحله، ثم استأخر
عنى، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي
أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ
يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى
قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، قَالَ: زَوْجُك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/149)
فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو
سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، ثُمّ
انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ.
قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي
الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْت
صَاحِبًا قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة.
[هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ وَهِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ كَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَهَا مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ:
عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَهُ امرأته
ليلى بنت أبى حثمة ابن غَانِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمّ عَبْدُ الله بن جحش بن رئاب بن
يعمر بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ
بْنِ أَسَدِ بْنِ خزيمة، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ،
احْتَمَلَ بأهله وبأخيه عبد ابن جَحْشٍ، وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ- وَكَانَ
أَبُو أَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَطُوفُ مَكّةَ،
أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا، بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ
عِنْدَهُ الفرعة بنت أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمّهُ
أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَغُلّقَتْ دَارُ
بَنِي جَحْشٍ هِجْرَةً، فَمَرّ بِهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ.
وَالْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ بن عثمان الْيَوْمَ الّتِي بِالرّدْمِ،
وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَى أَعَلَى مَكّةَ، فَنَظَرَ إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، فَلَمّا
رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفّسَ الصّعَدَاءَ، ثُمّ قَالَ:
وَكُلّ دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا ... يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا
النّكْبَاءُ وَالُحُوبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/150)
قال ابن هشام: وهذا البيت لأبى دؤاد
الإيادى فى قصيدة له. والحوب:
التوجع.
قال ابن إسحاق: ثم قال عتبة: أَصْبَحَتْ: دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ
أَهْلِهَا! فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ مِنْ قُلّ بْنِ
قُلّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ الْقُلّ: الْوَاحِدُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ:
كُلّ بَنِي حرة مصيرهم ... قل وإن أكثرت من العدد
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ أَخِي هَذَا، فَرّقَ
جَمَاعَتَنَا، وَشَتّتْ أَمْرَنَا وَقَطَعَ بَيْنَنَا فَكَانَ مَنْزِلُ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبد الأسد، وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش،
وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُر بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ
قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أرسالا، وكان بنو غنم بن دُودَانَ أَهْلَ إسْلَامٍ،
قَدْ أَوْعَبُوا إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هجرة رجالهم ونسلؤهم: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ،
وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ ابن جَحْشٍ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ،
وَشُجَاعٌ، وَعُقْبَةٌ، ابْنَا وهب وأربد ابن جميرة.
قال ابن هشام: ويقال ابن حميرة.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ
رُقَيْشٍ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَقَيْسُ
بْنُ جَابِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو،
وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَبِيعَةُ بْنُ
أَكْثَمَ، وَالزّبَيْرُ بْنُ عبيد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/151)
وَتَمّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَسَخْبَرَةُ
بْنُ عُبَيْدَةَ، وَمُحَمّدُ بن عبد الله بن جحش.
وَمِنْ نِسَائِهِمْ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ
جَحْشٍ، وَجُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ، وَأُمّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ،
وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ، وَآمِنَةُ [أو أميمة] بِنْتُ رُقَيْشٍ،
وَسَخْبَرَةُ بِنْتُ تَمِيمٍ، وحَمْنةُ بِنْتُ جحش.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وهو يذكر هجرة بنى أسد
ابن خُزَيْمَة مِنْ قَوْمِهِ إلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رسول الله صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَإِيعَابُهُمْ فِي ذَلِكَ حين دعوا إلى الهجرة:
وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصّفَا أُمّ أَحُمَد ... وَمَرْوَتِهَا بِاَللهِ
بَرّتْ يَمِينُهَا
لَنَحْنُ الْأُلَى كُنّا بِهَا، ثُمّ لَمْ نَزَلْ ... بِمَكّةَ حَتّى عَادَ
غَثّا سَمِينُهَا
بِهَا خَيّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ ... وَمَا إنْ غَدَتْ
غَنْمُ وَخَفّ قَطِينُهَا
إلَى اللهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ ... وَدِينُ رَسُولِ اللهِ
بِالْحَقّ دِينُهَا
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ أَيْضًا:
لَمّا رَأَتْنِي أُمّ أَحْمَدَ غَادِيًا ... بِذِمّةِ مَنْ أَخْشَى
بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ
تَقُولُ: فَإِمّا كُنْتَ لَا بُدّ فَاعِلًا ... فَيَمّمْ بِنَا
الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ
فَقُلْت لَهَا: بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا ... وَمَا يَشإِ
الرّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ
إلَى اللهِ وَجْهِي وَالرّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ... إلَى اللهِ يَوْمًا
وَجْهَهُ لَا يُخَيّبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/152)
فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ
مُنَاصِحٍ ... وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ
تَرَى أَنّ وِتْرًا نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا ... وَنَحْنُ نَرَى أَنّ
الرّغَائِبَ نَطْلُبُ
دَعَوْت بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ ... وَلِلْحَقّ لَمّا لَاحَ
لِلنّاسِ مَلْحَبُ
أَجَابُوا بِحَمْدِ اللهِ لَمّا دَعَاهُمْ ... إلَى الْحَقّ دَاعٍ
وَالنّجَاحُ فَأَوْعَبُوا
وَكُنّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى ... أَعَانُوا عَلَيْنَا
بِالسّلَاحِ وأجْلَبوا
كَفَوْجَيْنِ: أَمّا مِنْهُمَا فَمُوَفّقٌ ... عَلَى الْحَقّ مَهْدِيّ،
وَفَوْجٌ مُعَذّبُ
طَغَوْا وَتَمَنّوْا كِذْبَةً وَأَزَلّهُمْ ... عَنْ الْحَقّ إبْلِيسُ
فَخَابُوا وَخُيّبُوا
وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... فَطَابَ وُلَاةُ الْحَقّ
مِنّا وطُيّبوا
نَمُتّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ ... وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ
إذْ لَا نُقَرّبُ
فَأَيّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنّكُمْ ... وَأَيّةُ صِهْرٍ بَعْدَ
صِهْرِي تُرْقَبُ
سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيّنَا إذْ تُزَايِلُوا ... وَزُيّلَ أَمْرُ النّاس
للحقّ أصوب
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ» ، وَقَوْلُهُ «إذْ
لَا نَقْرَبُ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ
بِقَوْلِهِ: «إذْ» إذَا، كَقَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ:
«إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ أَبُو النّجْمِ
الْعِجْلِيّ:
ثُمّ جَزَاهُ اللهُ عَنّا إذْ جَزَى ... جَنّاتِ عَدْنٍ فى العلالىّ والعلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/153)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَصَنَمُهُ:
فَصْلٌ فِي إسْلَامِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَذَكَرَ صَنَمَهُ الّذِي
كَانَ يَعْبُدُهُ، وَاسْمُهُ مَنَاةُ، وَزْنُهُ فَعْلَةٌ مِنْ مَنَيْت
الدّمَ وَغَيْرَهُ: إذَا صَبَبْته، لِأَنّ الدّمَاءَ كَانَتْ تُمْنَى
عِنْدَهُ تَقَرّبًا إلَيْهِ، وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْأَصْنَامُ الدّمَى،
وَفِي الْحَدِيثِ: لَا وَالدّمَى لَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا،
وَكَذَلِكَ مَنَاةُ الطّاغِيَةُ الّتِي كَانُوا يُهِلّونَ إلَيْهَا
بِقُدَيْدٍ وَالْحَظّ مِنْ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ مَا فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى النجم، مِنْ الْفَائِدَةِ
جَعَلَهَا ثَالِثَةً لِلّاتِ وَالْعُزّى، وَأُخْرَى بِالْإِضَافَةِ إلَى
مَنَاةَ الّتِي كَانَ يَعْبُدُهَا عَمْرُو ابن الْجَمُوحِ وَغَيْرُهُ مِنْ
قَوْمِهِ، فَهُمَا مَنَاتَانِ، وَإِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى
بِالْإِضَافَةِ إلَى صَاحِبَتِهَا.
وَقَوْلُهُ:
الْآنَ فَتّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
الْغَبَنُ فِي الرّأْيِ يُقَالُ غَبِنَ رَأْيَهُ كَمَا يُقَالُ سَفِهَ
نَفْسَهُ، فنصبوا، لأن المعنى:
خسر نفسه، وأو بقها وَأَفْسَدَ رَأْيَهُ وَنَحْوُ هَذَا.
وَقَوْلُهُ إلَهًا مُسْتَدَنْ «1» مِنْ السّدَانَةِ، وَهِيَ خِدْمَةُ
الْبَيْتِ وَتَعْظِيمُهُ.
وَقَوْلُهُ دَيّانُ الدّيَنْ: الدّيَنُ جَمْعُ دِينَةٍ، وَهِيَ الْعَادَةُ،
وَيُقَالُ لَهَا دِينٌ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ الطّثَرِيّةِ، واسمه يزيد
«2» :
__________
(1) ولهذا فسرها الخشنى بقوله: مستذل مستعبد.
(2) اختلف فى نسبه، فهو عند أبى عمرو والشيبانى: أبو المكشوح يزيد
(4/154)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَرَى سَبْعَةً يَسْعَوْنَ لِلْوَصْلِ كُلّهُمْ ... لَهُ عِنْدَ لَيْلَى
دِينَةٌ يَسْتَدِينُهَا
فَأَلْقَيْت سَهْمِي بَيْنَهُمْ حِينَ أَوْخَشُوا ... فَمَا صَارَ لِي فِي
الْقَسْمِ إلّا ثمينها «1»
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالدّينِ: الْأَدْيَانَ أَيْ هُوَ دَيّانُ
أَهْلِ الْأَدْيَانِ، وَلَكِنْ جَمَعَهَا عَلَى الدّيَنِ، لِأَنّهَا مِلَلٌ
وَنِحَلٌ، كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ: الْحُرّةِ: حَرَائِرَ، لِأَنّهُنّ فِي
مَعْنَى الْكَرَائِمِ وَالْعَقَائِلِ، وَكَذَلِكَ مَرَائِرُ الشّجَرِ،
وَإِنْ كَانَتْ الْوَاحِدَةُ مُرّةً، وَلَكِنّهَا فِي مَعْنَى فَعِيلَةٍ،
لِأَنّهَا عَسِيرَةٌ فِي الذّوْقِ، وَشَدِيدَةٌ عَلَى الْأَكْلِ،
وَكَرِيهَةٌ إلَيْهِ.
تَفْسِيرُ بَعْضِ الْأَنْسَابِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ تَسْمِيَةَ مَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ،
وَذَكَرَ أَنْسَابَهُمْ إلّا
__________
ابن سلمة بن سمرة بْنِ سَلَمَةَ الْخَيْرِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ بن
ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقيل: إنه يزيد بن المنتشر بن سلمة، وذكر ابن
الكلبى أنه يزيد بن الصمة أحد بنى سلمة الخير بن قشير، وذكر البصريون أنه
من ولد الأعور بن قشير. يقول عنه أبو الحسن على بن عبد الله الطوسى: «كان
ابن الطثرية شاعرا مطبوعا عاقلا فصيحا كامل الأدب وافر المروءة لا يعاب،
ولا يطعن عليه» والطثرية أمه، وهى من بنى طثر بن عنز بن وائل. وقد ضبطها
ابن خلكان بفتح الطاء وسكون الثاء، وضبط فى القاموس واللسان بفتح الثاء:
وهو من شعراء الحماسة لأبى تمام والبيت الثانى فى اللسان فى مادة ثمن.
(1) أوخش القوم: ردوا والسهام فى الربابة مرة أخرى، والثمين: جزء من
الثمانية، وفى اللسان: وسطهم بدلا من: بينهم لأن فعله غالبا يجمع على فعل،
مثل غرفة وغرف ومدية ومدى، وأما فعائل فمقيس فى كل رباعى- اسم أوصفة- مؤنث
لفظيا أو معنويا ثالثة مده سواء أكانت ألفا أم ياء أم واوا.
(4/155)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اسْمَهُ وَاسْمَ
أَبِيهِ، وَمَا قِيلَ فِي نَسَبِهِ فِي ذِكْرِ الْعَقَبَةِ الْأُولَى «1» .
وَذَكَرَ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، وَالْقُطْبَةُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَاحِدَةُ الْقُطَبِ، وَهِيَ شَوْكَةٌ «2» . مُدَحْرَجَةٌ فِيهَا
ثَلَاثُ شُوَيْكَاتٍ، وَهِيَ تُشْبِهُ حَسَكَ السّعْدَانِ، وَقَدْ بَانَ
بِنَعْتِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ أَنّهُ الّذِي نُسَمّيهِ بِبِلَادِنَا
حِمّصَ الْأَمِيرِ. وَالْقُطْبَةُ:
طَرَفُ النّصْلِ.
وَذَكَرَ ذَكْوَانَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ، وَنَسَبَهُ إلَى عَامِرِ بْنِ
زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ غَضْبِ بْنِ
جُشَمَ، وَالْغَضْبُ فِي اللّغَةِ: الشّدِيدُ الْحُمْرَةِ «3» ، وَجُشَمُ
مَعْدُولٌ عَنْ جَاشِمٍ، وَهُوَ مِنْ جَشِمْت الْأَمْرَ [تَكَلّفْته عَلَى
مَشَقّةٍ] كَمَا عَدَلُوا عمر عن عامر «4» وقد أملينا جزآ فِي أَسْرَارِ
مَا يَنْصَرِفُ، وَمَا لَا يَنْصَرِفُ
__________
(1) مازدته فى السيرة من نسب معن بن عدى وغيره من الإصابة.
(2) القطبة ضرب من النبات يذهب حبالا على الأرض طولا، وله زهرة صفراء،
وشوكته إذا أحصد ويبس يشق على الناس أن يطئوها، مدحرجة كأنها حصاة. والحسك:
نبات له ثمرة خشنة تتعلق بأصواف الغنم وأوبار الإبل، ومنه حسك السعدان،
والسعدان: نبت من أفضل مراعى الإبل، ومنه: مرعى، ولا كالسعدان، وله شوك
تشبه به حلمة الثدى. وهذا المثل يضرب للشىء بفضل على أقرانه
(3) فى الاشتقاق: الغضب: الأحمر الغليظ، والغضبة الصخرة الخشنة ص 461.
(4) فى الاشتقاق: ومن قولهم: جشمت إليك هذا الأمر، أى: تحملت ثقلة، وجشم
البعير: صدره وكلكه» ص 252.
(4/156)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شَرَحْنَا فِيهِ فَائِدَةَ الْعَدْلِ عَنْ فَاعِلٍ إلَى فُعَلَ، وَمَا
حَقِيقَةُ الْعَدْلِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ، وَلِمَ لَمْ يُعْدَلْ عَنْ
أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَلِمَ لَمْ يَكُنْ إلّا فِي الصّفَاتِ وَلِمَ
لَمْ يَكُنْ مِنْ الصّفَاتِ إلّا فِي مِثْلِ عَامِرٍ وَزَافِرٍ وَقَاثِمٍ
«1» ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِكٍ وَصَالِحٍ وَسَالِمٍ، وَلِمَ خُصّ فُعَلُ
هَذَا الْبِنَاءُ بِالْعَدْلِ إلَيْهِ، وَهَلْ عُدِلَ إلَى بِنَاءٍ
غَيْرِهِ، أَمْ لَا وَلَمْ مُنِعَ الْخَفْضُ وَالتّنْوِينُ إذَا كَانَ
مَعْدُولًا إلَى هَذَا الْبِنَاءِ، فَمَنْ اشْتَاقَ إلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ
الْأَسْرَارِ فَلْيَنْظُرْهَا هُنَالِكَ، فَإِنّ ابْنَ جِنّيّ قَدْ حَامَ
فِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ عَلَى بَعْضِهَا، فَمَا وَرَدَ، وَصَأْصَأَ فَمَا
فَقّحَ «2» .
وَذَكَرَ فِي بنى بياضة عمرو بن وذفة بذال معجمة، وقال ابن هشام:
ودفة بدال مهملة، وهو الأصح، والودفة: المرّوضة النّاعِمَةُ سُمّيَتْ
بِذَلِكَ، لِأَنّهَا تَقْطُرُ مَاءً مِنْ نِعْمَتِهَا، وَالْأُدَافُ
الذّكَرُ، وَأَصْلُهُ: وُدَافٌ، سُمّيَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَطْرُ
الْمَاءِ وَالْمَنِيّ مِنْهُ «3» ، وَيُقَالُ لِلرّوْضَةِ النّاعمة:
الدّقرى، وعمرو بن
__________
(1) قثم- فى القاموس- الكثير العطاء معدول عن قاثم، والجموع للخير والعيال،
وزفر: الأسد والشجاع، والبحر والنهر الكثير الماء، الذى يحمل الأثقال، أى:
القوى على حمل القرب، والجمل الضخم، والكتيبة إلخ.
(2) فقح الجرو، فتح عينيه أول ما يفتح، وهو صغير، وصأصأ الجرو: حاول النظر
ولما تنفتح عيناه، ويقال: فقحنا، وصأصأتم: أبصرنا الحق، ولم تبصروه.
(3) العبارة مضطربة ولعلها: لقطر الماء ... الخ. وفى القاموس عن وداف:
«وكغراب: الذكر لما يدف منه من المنى وغيره» وفى اللسان: «والأداف: الذكر
القطراشه الهمزة فيه: بدل من الواو، وهو مما لزم فيه البدل، إذ لم تسمعهم
قالوا: وداف. وفى الحديث: فى الأداف الدية يعنى الذكر، قال ابن الأثير:
(4/157)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَدْفَةَ هَذَا هُوَ الْبَيَاضِيّ الّذِي رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ
الصّلَاةِ، وَلَمْ يُسَمّهِ، وَفِي الْأَنْصَارِ [مِنْ قَبَائِلِ
الْخَزْرَجِ] بَنُو النّجّارِ، وَهُمْ تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ،
سُمّيَ النّجّارَ فِيمَا ذَكَرُوا لِأَنّهُ نَجَرَ وَجْهَ رَجُلٍ بِقَدُومِ
وَقِيلَ: كَانَ نَجّارًا، وَثَعْلَبَةُ فِي الْعَرَبِ كَثِيرٌ فِي
الرّجَالِ، وَقَلّ مَا يُسَمّونَ بِثَعْلَبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ
الْقِيَاسَ كَمَا يُسَمّونَ بِنَمِرِ وَسَبُعٍ وَذِئْبٍ «1» ، وَلَكِنْ
الثّعْلَبُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ، إذْ يُقَالُ ثَعْلَبُ الرّمْحِ، وَثَعْلَبُ
الْحَوْضِ «2» ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْمَاءِ مِنْهُ، وَفِي الْحَدِيثِ حَتّى
قَامَ أَبُو لُبَابَةَ يَسُدّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِرِدَائِهِ «3» ،
فَكَأَنّهُمْ عَدَلُوا عَنْ النسمية
__________
سماه بما يقطر منيا مجازا» وفى اللسان عن الودفة: الودفة- بسكون الدال-
الوديفة: الروضة الناضرة المتخيلة، وقال أبو حازم: الودفة بفتح الدال:
الروضة الخضراء من نبت.
(1) يقول ابن دريد عن مذاهب العرب فى التسمية: «ومنها أن الرجل كان يخرج من
منزله وامرأته تمحض، فيسمى ابنه بأول ما يلقاه من ذلك، نحو: ثعلب وثعلبة،
وضب وضبة، وخزر وضبيعة، وكلب وكليب، وحمار وقرد وخنزير ... وكذلك أيضا تسمى
بأول ما يسنح أو يبرح لها من الطير نحو: غراب وصرد وما أشبه ذلك» ص 6
الاشتقاق، ولم أجد فيه سوى بطن واحد من قبائل قضاعة سمى بثعلب بينما وجدت
ثمانية عشر سموا بثعلبة وهناك اثنان وعشرون صحابيا كلهم تسمى باسم ثعلبة.
(2) ثعلب الرمح: طرفه الداخل فى جبة السنان
(3) فى النهاية لابن الأثير «فى حديث الاستسقاء: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو
لبابة يسد تعلب مريده بإزاره. المربد: موضع يجفف فيه التمر، وثعلبة ثقبه
الذى يسيل منه ماء المطر» وفى مكان آخر يقول: يعنى موضع ثمره. أنظر مادتى
ثعلب وربد فى النهاية. وفى الروض: يشد ثعلب وهو خطأ.
(4/158)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِثَعْلَبِ لِهَذَا الِاشْتِرَاكِ، مَعَ أَنّ الثّعْلَبَةَ أَحْمَى
لِأَدْرَاصِهَا «1» وَأَغْيَرُ عَلَى أَجْرَائِهَا مِنْ الثّعْلَبِ.
وَذَكَرَ قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لِبَنِي سَلِمَةَ مَنْ
سَيّدُكُمْ؟
فَقَالُوا جَدّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى بُخْلٍ فِيهِ، فَقَالَ: وَأَيّ دَاءٍ
أَكْبَرُ مِنْ الْبُخْلِ؟! بَلْ سَيّدُكُمْ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ: بِشْرُ
بْنُ الْبَرَاء، وَرُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ وَعَامِرٍ الشّعْبِيّ أَنّهُمَا
قَالَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: بَلْ
سَيّدُكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوح، وَقَالَ شَاعِرُ الْأَنْصَارِ فِي
ذَلِكَ:
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ، وَالْحَقّ قَوْلُهُ ... لِمَنْ قَالَ مِنّا مَنْ
تَعُدّونَ سَيّدَا
فَقَالُوا لَهُ: جَدّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى الّتِي ... نُبَخّلُهُ فِيهَا،
وَمَا كَانَ أَسْوَدَا
فَسَوّدَ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ لِجُودِهِ ... وَحُقّ لعمرو عندنا أَنْ
يُسَوّدَا
ذَكَرَ خَدِيجَ بْنَ سَلَامَةَ الْبَلَوِيّ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَدِيجَ بْنَ سَلَامَةَ الْبَلَوِيّ، وَهُوَ: خَدِيجٌ
بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَدَالٍ مَكْسُورَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ
الدّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الطّبَرِيّ، وَقَالَ: شَهِدَ
الْعَقَبَةَ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَقَالَ: يُكَنّى أَبَا رَشِيدٍ:
وَذَكَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَنَسَبَهُ إلَى أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ
عَلِيّ أَخِي سَلِمَةَ، وقد
__________
(1) أدراص جمع درص بفتح الدال وكسرها: ولد القنفذ والأرنب واليربوع والفأرة
والهرة ونحوها، وبالكسر جنين الأتان. والجمع أيضا درصة ودرصان، ودروص
وأدرص. والجرو مثلثة- أى بكسر الجيم وفتحها وضمها- صغير كل شىء حتى الحنظل
والبطيخ ونحوه ج أجر وجراء وولد الكلب والأسد ج أجر وأجرية وأجراء وجراء.
(4/159)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
انقرض عَقِبُ أُدَيّ، وَآخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقَدْ يُقَالُ فِي أُدَيّ أَيْضًا: أُذُنٌ فِي
غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ.
وَذَكَرَ أَنّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ مَاتَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ، هَكَذَا
تَقَيّدَ فِي النّسْخَةِ عَمْوَاسٌ بِسُكُونِ الْمِيمِ «1» ، وَقَالَ فِيهِ
الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ مِنْ أَسْمَاءِ الْبُقَعِ:
عَمَوَاسٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالشّامِ
عُرِفَ الطّاعُونُ بِهَا لِأَنّهُ مِنْهَا بَدَأَ وَقِيلَ: إنّمَا سُمّيَ:
طَاعُونَ عَمْوَاسٍ لِأَنّهُ عَمّ وَآسَى أَيْ جَعَلَ بَعْضَ النّاسِ
أُسْوَةَ بَعْضٍ.
وَذَكَرَ يَزِيدَ بْنَ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ بِسُكُونِ الزّايِ كَذَا
قَالَ فِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ وَابْنُ الْكَلْبِيّ، وَقَالَ الطّبَرِيّ فِيهِ
خَزَمَةَ بِتَحْرِيكِ الزّايِ، وَهُوَ بَلَوِيّ مِنْ بَنِي عَمّارَةَ
بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَلَا يُعْرَفُ عَمّارَةُ فِي
الْعَرَبِ إلّا هَذَا، كَمَا لَا يُعْرَفُ عِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ
إلّا أُبَيّ بْنُ عِمَارَةَ الّذِي يَرْوِي حَدِيثًا فِي الْمَسْحِ عَلَى
الْخُفّيْنِ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ عُمَارَةُ بِضَمّ الْعَيْنِ، وَأَمّا
سِوَى هَذَيْنِ فَعُمَارَةُ بِالضّمّ، غَيْرَ أَنّ الدّارَقُطْنِيّ ذَكَرَ
عَنْ مُحَمّدِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ فِي نَسَبِ قُضَاعَةَ:
قَالَ مُدْرِكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَمْقَامُ بْنِ عِمَارَةَ بْنِ
ذُوَيْدِ بْنِ مَالِكٍ. وفى النساء عمارة
__________
(1) فى المراصد: رواه الزمخشرى بكسر أوله وكسر ثانيه، وغيره بفتح أوله
وثانيه: كورة من فلسطين قرب بيت المقدس وكانت عمواس قصبتها قديما، وهى ضيعة
جليلة على ستة أميال من بيت المقدس، منها كان ابتداء الطاعون المنسوب إليها
فى زمن عمر. قيل: مات فيه خمسة وعشرون ألفا» وفى ياقوت أن عمواس بكسر العين
وسكون الميم.
(4/160)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِنْتُ نَافِعٍ، وَهِيَ أُمّ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ
الرّزّاقِ، وَفِي الْأَنْصَارِ خَزَمَةُ سِوَى هَذَا الْمَذْكُورِ بِفَتْحِ
الزّايِ كَثِيرٌ.
وَذَكَرَ بَنِي الْحُبْلَى وَالنّسَبُ إلَيْهِ حُبُلِيّ بِضَمّ الْحَاءِ
وَالْبَاءِ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ، النّسَبِ،
وَتَوَهّمَ بَعْضُ مَنْ أَلّفَ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ سِيبَوَيْهِ قَالَ
فِيهِ: حُبَلِيّ بِفَتْحِ الْبَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ مَعَ جُذَمِيّ فِي
النّسَبِ إلَى جَذِيمَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ سِيبَوَيْهِ مَعَهُ، لِأَنّهُ
عَلَى وَزْنِهِ، وَلَكِنْ لِأَنّهُ شَاذّ مِثْلُهُ فِي الْقِيَاسِ الّذِي
ذَكَرْنَاهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالضّمّ، ذَكَرَهُ أَبُو
عَلِيّ الْقَالِي فِي الْبَارِعِ، وَقَالَ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي النّسَخِ
الصّحِيحَةِ مِنْ سِيبَوَيْهِ، وَحَسْبُك مِنْ هَذَا أَنّ جَمِيعَ
الْمُحَدّثِينَ يَقُولُونَ: أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ
بِضَمّتَيْنِ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَدَلّ هَذَا كُلّهُ عَلَى
غَلَطِ مَنْ نَسَبَ إلَى سِيبَوَيْهِ أَنّهُ فَتَحَ الْبَاءَ «1» .
مَتَى أَسْلَمَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ هِجْرَةَ أُمّ سَلَمَةَ وَصُحْبَةَ عُثْمَانَ بْنِ
طَلْحَةَ لها، وهو يومئذ
__________
(1) فى القاموس: «الحبلى» بضم الحاء وسكون الباء وفتح اللام، لقب سالم بن
غنم بن عوف لعظم بطنه من ولده: بنو الحبلى بطن من الأنصار، وهو حبلى بضم
الحاء وسكون الباء- وبضمتين، وكجهنى» وفى اللباب لابن الأثير الحبلى بضم
الحاء والباء ونقل عن السمعانى، وذكر سيبويه النحوى: الحبلى بفتح الباء
وقال: هو منسوب إلى بنى الحبلى. وقال: الحبلى بضم الحاء وسكون الباء وإمالة
اللام لقب سالم بن غنم بن عوف ابن الخزرج بن حارثة قال ابن الكلبى: إنما
سمى الحبلى لعظم بطنه. وانظر ص 459 الاشتقاق.
(4/161)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى كُفْرِهِ، وَإِنّمَا أَسْلَمَ عُثْمَانُ فِي هُدْنَةِ الحديبية «1» ،
وهاجر قبل الفتح مع خالد ابن الْوَلِيدِ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ إخْوَتُهُ
مُسَافِعٌ، وَكِلَابٌ وَالْحَارِثُ، وَأَبُوهُمْ وَعَمّهُ عُثْمَانُ بْنُ
أَبِي طَلْحَةَ قُتِلَ أَيْضًا يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا وَبِيَدِهِ كَانَتْ
مَفَاتِيحُ الْكَعْبَةِ وَدَفَعَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ، وَإِلَى ابْنِ عَمّهِ شَيْبَةَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ جَدّ بَنِي شَيْبَةَ حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ، وَاسْمُ
أَبِي طَلْحَةَ جَدّهِمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، وَقُتِلَ
عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللهُ شَهِيدًا بِأَجْنَادِينَ فِي أَوّلِ خِلَافَةِ
عُمَرَ.
هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ:
وَذَكَرَ هِجْرَةَ بَنِي جَحْشٍ، وَهُمْ: عَبْدُ اللهِ وَأَبُو أَحْمَدَ
وَاسْمُهُ: عَبْدٌ، وَقَدْ كَانَ أَخُوهُمْ عُبَيْدُ اللهِ أَسْلَمَ ثُمّ
تَنَصّرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أُمّ
الْمُؤْمِنِينَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَنَزَلَتْ
فِيهَا فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها الْأَحْزَابَ
وَأُمّ حَبِيبِ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَتْ
تَحْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي
كَانَتْ تَحْتَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ أَيْضًا،
وَقَدْ رُوِيَ أَنّ زَيْنَبَ اُسْتُحِيضَتْ أَيْضًا، وَوَقَعَ فِي
الْمُوَطّأِ أَنّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَلَمْ تَكُ قَطّ زَيْنَبُ
عِنْدَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ وَالْغَلَطُ
لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ، وَإِنّمَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ
أُخْتُهَا أُمّ حبيب،
__________
(1) بتخفيف الياء الثانية مع فتحها، وقيل: أهل المدينة يثقلونها، وأهل
العراق يخففونها.
(4/162)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيُقَالُ فِيهَا أُمّ حَبِيبَةَ، غَيْرَ أَنّ شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ
اللهِ مُحَمّدَ بْنَ نَجَاحٍ، أَخْبَرَنِي أَنّ أُمّ حَبِيبٍ كَانَ
اسْمُهَا: زَيْنَبَ فَهُمَا زَيْنَبَانِ غَلَبَتْ عَلَى إحْدَاهُمَا
الْكُنْيَةُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ وَهْمٌ
وَلَا غَلَطٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ اسْمُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ:
بَرّةَ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
زَيْنَبَ، وَكَذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمّ سلمة ربيبته عليه السلام، كان
اسمها برة، فَسَمّاهَا زَيْنَبَ كَأَنّهُ كَرِهَ أَنْ تُزَكّيَ الْمَرْأَةُ
نَفْسَهَا بِهَذَا الِاسْمِ، وَكَانَ اسْمُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ: بُرّةَ
بِضَمّ الْبَاءِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ غَيّرْت اسْمَ أَبِي، فَإِنّ
الْبُرّةَ صَغِيرَةٌ، فَقِيلَ: أن رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا:
لَوْ أَبُوك مُسْلِمًا لَسَمّيْته بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِنَا أَهْلِ
الْبَيْتِ، وَلَكِنّي قَدْ سَمّيْته جَحْشًا وَالْجَحْشُ أَكْبَرُ مِنْ
الْبُرّةِ. ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ
وَالْمُخْتَلِفِ أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ.
الشّعْرُ الّذِي تَمَثّلَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ:
فَصْلٌ: ذَكَرَ الْبَيْتَ الّذِي تَمَثّلَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ مَرّ
بِدَارِ بَنِي جَحْشٍ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ:
وَكُلّ بَيْتٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ... يَوْمًا سَتُدْرِكُهُ
النّكْبَاءُ والحوب
كل امرىء بِلِقَاءِ الْمَوْتِ مُرْتَهَنٌ ... كَأَنّهُ غَرَضٌ لِلْمَوْتِ
مَنْصُوبُ
وَالشّعْرُ لِأَبِي دُؤَادٍ الْإِيَادِيّ وَاسْمُهُ: حَنْظَلَةُ بْنُ
شَرْقِيّ، وَقِيلَ جَارِيَةُ بْنُ الْحَجّاجِ ذَكَرَ دَارَ بنى جحش،
وَأَنّهَا عِنْدَ دَارِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بِالرّدْمِ، والرّدم
(4/163)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حفر ردم بِالْقَتْلَى فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَسُمّيَ: الرّدْمَ، وَذَلِكَ
فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي جُمَحَ، وَبَيْنَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
فِهْرٍ، وَكَانَتْ الدّبَرَةُ فِيهَا عَلَى بنى الحارث، ولذلك قلّ عددهم،
فهم أفل قُرَيْشٍ عَدَدًا.
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ شِعْرَ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جحش وفيه:
إلَى اللهِ وَجْهِي وَالرّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ... إلَى اللهِ يَوْمًا
وَجْهَهُ لَا يُخَيّبْ
هَكَذَا يُرْوَى بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الإفواء، وَلَوْ رُوِيَ
بِالرّفْعِ لَجَازَ عَلَى الضّرُورَةِ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: فَلَا
يُخَيّبُ بِإِضْمَارِ الْفَاءِ فِي مَذْهَبِ أَبِي الْعَبّاسِ، وَفِي
مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ: يَجُوزُ أَيْضًا لَا عَلَى إضْمَارِ الْفَاءِ،
وَلَكِنْ عَلَى نِيّةِ التّقْدِيمِ لِلْفِعْلِ عَلَى الشّرْطِ كَمَا
أَنْشَدُوا:
إنّك إنْ يُصْرَعْ أَخُوك تُصْرَعُ «1»
وَهُوَ مَعَ إنْ أَحْسَنُ، لِأَنّ التّقْدِيرَ إنّك تُصْرَعُ إنْ يُصْرَعْ
أَخُوك، وَأَنْشَدُوا أَيْضًا:
مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللهُ يشكره «2»
__________
(1) البيت لجرير بن عبد الله البجيلى، وقد سبق. وهو فى كتاب سيبويه ص 436 ح
1 ط أولى والشاهد- فيه كما يقول السيرافى- على مذهب سيبويه: تقديم تصرع فى
النية، وتضمنه الجواب فى المعنى. والتقدير: إنك تصرع إن يصرع أخوك، وهذا من
ضرورة الشعرا لأن حرف الشرط قد جزم الأول، فحكم أن يجزم الآخر وهو عند
المبرد على حذف الفاء. والأقرع من بنى تميم.
(2) هو من شواهد سيبويه أيضا فى الكتاب ص 435 ح 1 ط 1
(4/164)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى هَذَا التّقْدِيرِ، وَفِي الشّعْرِ أَيْضًا:
وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا تُقَرّبُ
وَتَأَوّلَ ابْنُ هِشَامٍ إذْ هُنَا بِمَعْنَى: إذَا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ
وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ لَا يَحْسُنُ بَعْدَ
إذَا مَعَ حَرْفِ النّفْيِ، وَإِنّمَا يَحْسُنُ بَعْدَ إذْ كَقَوْلِهِ
سُبْحَانَهُ: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَلَوْ قُلْت: سَآتِيك إذَا
تَقُولُ كَذَا، كَانَ قَبِيحًا إذَا أَخّرْتهَا، أَوْ قَدّمْت الْفِعْلَ
لِمَا فِي إذَا مِنْ مَعْنَى الشّرْطِ، وَإِنّمَا يَحْسُنُ هَذَا فِي
حُرُوفِ الشّرْطِ مَعَ لَفْظِ الْمَاضِي، تَقُولُ: سَآتِيك إنْ قَامَ
زَيْدٌ وَإِذَا قَامَ زَيْدٌ، وَيَقْبُحُ: سَآتِيك إنْ يَقُمْ زَيْدٌ
لِأَنّ حَرْفَ الشّرْطِ إذَا أُخّرَ أُلْغِيَ، وَإِذَا أُلْغِيَ لَمْ
يَقَعْ الْفِعْلُ الْمُعْرَبُ بَعْدَهُ، غَيْرَ أَنّهُ حَسُنَ فِي كَيْفَ
نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ، ويبسطه فى السماء كيف
يشاء لِسِرّ بَدِيعٍ لَعَلّنَا نَذْكُرُهُ إنْ وَجَدْنَا لِشَفْرَتِنَا
مَحَزّا، وَيَحْسُنُ الْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ مَعَ إذَا بَعْدَ القسم
كقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الشّرْطِ
فِيهِ، فَهَذَا وَجْهٌ، وَالْوَجْهُ الثّانِي: أَنّ إذْ بِمَعْنَى إذَا
غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْكَلَامِ، وَلَا حَكَاهُ ثَبْتٌ، وَمَا اسْتَشْهَدَ
بِهِ مِنْ قَوْلِ رُؤْبَةَ لَيْسَ عَلَى مَا ظَنّ إنّمَا مَعْنَاهُ: ثُمّ
جَزَاهُ اللهُ رَبّي إن جزى، أى من أجل أن نفسى وَجَزَى عَنّي، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ففاعل جَزَى:
مُضْمَرٌ عَائِدٌ عَلَى الرّجُلِ الْمَمْدُوحِ، وَإِذْ بِمَعْنَى أَنْ
الْمَفْتُوحَةِ كَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ
__________
والشاهد فيه: حذف الفاء من الجواب ضرورة، والتقدير: فالله يشكره وفى
الكتاب: يشكرها، وزعم الأصمعى أن النحويين غيروه، وأن الرواية: من يفعل
الخير، فالرحمن يشكره.
(4/165)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي سَوَادِ الْكِتَابِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: بَعْدَ
إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ وَغَفَلَ النّسَوِيّ عَمّا
فِي الْكِتَابِ مِنْ هَذَا، وَجَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ الّذِي
بَعْدَ لَنْ عَامِلًا فِي الظّرْفِ الْمَاضِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ
يَقُولُ: سَآتِيك الْيَوْمَ أَمْسِ، وَهَذَا هُرَاءٌ مِنْ الْقَوْلِ،
وَغَفْلَةٌ عَمّا فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا يَقُولُ
فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ:
هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ فَإِنْ جَوّزَ وُقُوعَ الْمُسْتَقْبَلِ فِي الظّرْفِ
الْمَاضِي عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ، فَكَيْفَ يَعْمَلُ مَا بَعْدَ
الْفَاءِ فِيمَا قَبْلَهَا لَا سِيّمَا مَعَ السّينِ، وهو قبيح أن تقول:
غدا سآتيك، فكيف إن قُلْت: غَدًا فَسَآتِيك، فَكَيْفَ إنْ زِدْت عَلَى
هَذَا وَقُلْت: أَمْسِ فَسَآتِيك، وَإِذْ عَلَى أَصْلِهِ بِمَنْزِلَةِ
أَمْسِ، فَهَذِهِ فَضَائِحُ لَا غِطَاءَ عَلَيْهَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ الْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ سبحانه وَلَوْ تَرى
إِذْ وُقِفُوا وكذلك: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ
أَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بِمَعْنَى إذَا الّتِي تُعْطِي
الِاسْتِقْبَالَ؟
قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَكُونُ بِمَعْنَى إذَا، وَإِذَا لَا يَقَعُ
بَعْدَهَا الابتداء والخبر، وقد قال سبحانه: إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا
رُؤُسِهِمْ وإنما التقدير: ولو ترى فدمهم وَحُزْنَهُمْ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ عَلَى النّارِ، فَإِذْ ظَرْفٌ مَاضٍ عَلَى
أَصْلِهِ، وَلَكِنْ بِالْإِضَافَةِ إلَى حُزْنِهِمْ وَنَدَامَتِهِمْ،
فَالْحُزْنُ وَالنّدَامَةُ وَاقِعَانِ بعد المعاينة والتوقيف، فقد صار وقف
التّوْقِيفِ مَاضِيًا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ، وَاَلّذِي
بَعْدَهُ هُوَ مَفْعُولُ تَرَى، وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا يُتَوَهّمُ فِي
قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا
(4/166)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها فَيُتَوَهّمُ أَنّ إذَا هَاهُنَا
بِمَعْنَى إذْ، لِأَنّهُ حَدِيثٌ قَدْ مَضَى، وَلَيْسَ كَمَا يُتَوَهّمُ،
بَلْ هِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا مُسْتَقْبَلٌ
بِالْإِضَافَةِ إلَى الِانْطِلَاقِ، لِأَنّهُ بَعْدَهُ، وَالِانْطِلَاقُ
قَبْلَهُ، وَلَوْلَا حَتّى، مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ إلّا انْطَلَقَا إذْ
رَكِبَا، وَلَكِنّ مَعْنَى الْغَايَةِ فِي حَتّى دَلّ عَلَى أَنّ الرّكُوبَ
كَانَ بَعْدَ الِانْطِلَاقِ وَإِذَا كَانَ بَعْدَهُ، فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ
بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا الْحُزْنُ، وَسُوءُ
الْحَالِ الّذِي هُوَ مَفْعُولٌ لِتَرَى، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَذْكُورٍ
فِي اللفظ، فهو بعد وقت الوقوف، فوقت الْوُقُوفُ مَاضٍ بِالْإِضَافَةِ
إلَيْهِ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ بدمن حَذْفٍ، فَكَذَلِكَ نُقَدّرُ حَذْفًا فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ونحوه لأنها وإن كانت
بمعنى أن، فلابد لَهَا مِنْ تَعَلّقٍ، كَأَنّهُ قَالَ: جُزِيتُمْ بِهَذَا
مِنْ أَجْلِ أَنْ ظَلَمْتُمْ، أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ
ضَلّوا.
وَذَكَرَ فِي نِسَاءِ بَنِي جَحْشٍ: جُذَامَةَ بِنْتَ جَنْدَلٍ،
وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ جُذَامَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ مِحْصَنٍ، وَهِيَ
الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ الرّضَاعِ فِي الْمُوَطّأِ، وَقَالَ فِيهَا
خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزّارُ: جُذَامَةُ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ
هَكَذَا ذَكَرَ عَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجّاجِ، وَالْمَعْرُوفُ:
جُدَامَةُ بِالدّالِ «1» ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهَا جُدّامَةُ بالتشديد،
__________
(1) فى القاموس: «وجدامة كثمامة بنت وهب، وبنت جندل، وبنت الحارث صحا بيات
وهى ما يستخرج من السنبل بالخشب. وفى الإصابة عن جدامة بنت جندل بعد أن ذكر
ما قاله ابن إسحاق عنها: وذكر الطبرى فى الذيل أنها هى بنت وهب ... وقال
ابن سعد: كانت تحت أنيس بن قتادة الأنصارى. كما جاء فى الإصابة عن جدامة
بنت وهب الأسدية: ويقال بالخاء المعجمة روت عن النبى «ص» فى رضاع الحامل،
روت عنها أم المؤمنين عائشة، أخرج حديثها فى الموطأ،
(4/167)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْجُدَامَةُ قَصَبُ الزّرْعِ، وَأَمْلَى عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ
الْحَافِظُ، وَكَتَبْت عَنْهُ بِخَطّ يَدِي قَالَ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبّارِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْبَرْمَكِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ
زَكَرِيّا بْنِ حِبَوَيْهِ عَنْ أَبِي عُمَرَ الزّاهِدِ الْمُطَرّزِ قَالَ:
الْجُدّامَةُ: بِتَشْدِيدِ الدّالِ طَرَفُ السّعَفَةِ وَبِهِ سُمّيَتْ
الْمَرْأَةُ، وَكَانَتْ جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ تَحْتَ أُنَيْسِ بْنِ
قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ وَأَمّا جُدَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ، فَلَا
تُعْرَفُ فِي آلِ جَحْشٍ الْأَسَدِيّينَ، وَلَا فِي غَيْرِهِمْ، وَلَعَلّهُ
وَهْمٌ وَقَعَ فِي الْكِتَابِ، وَأَنّهَا بِنْتُ وهب بن محصن بنت أخى
عكّاشة ابن مِحْصَنٍ، كَمَا قَدّمْنَا وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ فِي بَنِي أَسَدٍ ثَقْفَ بْنَ عَمْرٍو، وَيُقَالُ فِيهِ: ثِقَافٌ
شَهِدَ هُوَ وَأَخُوهُ مِدْلَاجٌ [أَوْ مُدْلِجٌ] بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ شَهِيدًا وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ
قَتَلَهُ أُسَيْرُ [بْنُ رِزَامٍ] الْيَهُودِيّ «1» .
وَذَكَرَ فِيهِمْ أُمّ حَبِيبِ بِنْتَ ثُمَامَةَ، وَهِيَ مِمّا أَغْفَلَهُ
أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِهِ، وَأَغْفَلَ أَيْضًا ذِكْرَ ثُمَامِ بْنِ
عُبَيْدَةَ «2» ، وَهُوَ مِمّنْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هذه الجملة
المذكورين من بنى أسد.
__________
ولفظه: عن جدامة الأسدية أنها سمعت النبى «ص» يقول: لقد هممت أن أنهى عن
الغيلة.. الحديث، وفى بعض طرقه عند مسلم: عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة بن
وهب قالت: حضرت عند النبى «ص» فى أناس، وهو يقول: فذكر الحديث ... وأورده
ابن مندة بلفظ الموطأ فى جدامة ابن جندل.
(1) ويقول الواقدى عن مدلاج إنه شهد المشاهد كلها، ومات سنة خمسين، وتبعه
ابن عبد البر فى ذلك «الإصابة» أما ثقف، فكما قال.
(2) ترجم ابن حجر لأم حبيب فى سطرين فقط، ولم يترجم لثمام.
(4/168)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَرْبَدَ بْنَ جُمَيْرَةَ
الْأَسَدِيّ بِالْجِيمِ، وَقَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ: حُمَيْرَةُ بِالْحَاءِ،
وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِخِلَافِ مَا
رَوَاهُ الْبَكّائِيّ وَابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ حُمَيّرٍ
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، كَأَنّهُ تَصْغِيرُ حِمَارٍ.
وَذَكَرَ فِيهِمْ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَلَمْ يَرْفَعْ نَسَبَهُ،
وَهُوَ ابْنُ نَضْلَةَ بن عبد الله ابن مُرّةَ بْنِ غَنْمِ «1» بْنِ
دُودَانَ بْنِ أَسَدِ [بْنِ خُزَيْمَةَ] قُتِلَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ
شَهِيدًا «2» ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ يُعْرَفُ
بِالْأَخْرَمِ، وَيُلَقّبُ: فُهَيْرَةَ، وَقَالَ فِيهِ مُوسَى بْنُ عقبة
مُحْرِزِ بْنِ وَهْبٍ، وَلَمْ يَقُلْ ابْنَ نَضْلَةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا يَزِيدَ بْنَ رُقَيْشٍ، وَبَعْضُهُمْ
يَقُولُ فِيهِ: أَرْبَدُ وَلَا يَصِحّ، وَهُوَ ابْنُ رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ
بْنِ يَعْمَرَ بْنِ كُبَيْرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ، وَذَكَرَ فِيهِمْ
رَبِيعَةَ بْنَ أَكْثَمَ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ وَهُوَ ابْنُ أكثم بن سخبرة بن
عمرو ابن نُفَيْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ
يُكَنّى: أَبَا يَزِيدَ، وَكَانَ قَصِيرًا دَحْدَحًا قُتِلَ يَوْمَ
خَيْبَرَ بِالنّطَاةِ قَتَلَهُ الْحَارِثُ اليهودى «3» .
__________
(1) فى الإصابة بن مرة بن كثير بن غنم، وفى إمتاع الأسماع مرة بن كبير ابن
غنم.
(2) ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر. خرج إليه النبى «ص» فى طلب
عيينة بن حصن قال حسان:
كَانُوا بِدَارٍ؟؟؟ نَاعِمِينَ فَبُدّلُوا ... أَيّامَ ذِي قَرَدٍ وجوه
عباد
(3) نطاة: اسم لأرض خيبر، وقيل حصن بخيبر أو عين بها يسقى بعض تخيل قراها،
وهى وبئة، وفى القاموس تطلق أيضا على حمى خيبر. وبالألف واللام: الشمروخ.
(4/169)
[هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَيّاشُ بْنُ
أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ. فَحَدّثَنِي
نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عن عبد الله ابن عُمَرَ، عَنْ
أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، قَالَ: اتّعَدْتُ، لَمّا أَرَدْنَا
الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَنَا وعيّاش بن أبى ربيعة [واسمه: عمرو
ويلقب ذا الرمحين] ، وهشام ابن الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ
التّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَوْقَ سَرِفٍ، وَقُلْنَا:
أَيّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ.
قَالَ: فأصبحت أنا وعيّاش ابن أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ،
وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ، وفتن فافتتن.
فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بن عوف بقباء،
وخرج أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَى عَيّاشِ
بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا،
حَتّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ، فَكَلّمَاهُ وَقَالَا: إنّ أُمّك قَدْ
نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهَا مُشْطٌ حَتّى تَرَاك، وَلَا تَسْتَظِلّ
مِنْ شَمْسٍ حَتّى تَرَاك، فَرَقّ لَهَا، فَقُلْت لَهُ: يَا عَيّاشُ، إنّهُ
وَاَللهِ إنْ يُرِيدَك الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك
فَاحْذَرْهُمْ، فوالله لو قد آذى أمّك القمل لا متشطت، وَلَوْ قَدْ اشْتَدّ
عَلَيْهَا حَرّ مَكّةَ لَاسْتَظَلّتْ. قَالَ: فَقَالَ: أَبَرّ قَسَمَ
أُمّي، وَلِي هُنَالِكَ مَالٌ فَآخُذُهُ. قَالَ: فَقُلْت: وَاَللهِ إنّك
لَتَعْلَمُ أَنّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَك نِصْفُ مَالِي
وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا. قَالَ: فَأَبَى عَلَيّ إلّا أَنْ يَخْرُجَ
مَعَهُمَا؛ فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ؛ قَالَ: قُلْت لَهُ: أَمّا إذْ قَدْ
فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ، فَإِنّهَا نَاقَةٌ
نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَك مِنْ الْقَوْمِ
رَيْبٌ، فَانْجُ عَلَيْهَا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/170)
فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتّى إذَا
كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ، قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا ابْنَ أَخِي،
وَاَللهِ لَقَدْ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى
نَاقَتِك هَذِهِ؟ قَالَ:
بَلَى. قَالَ: فَأَنَاخَ، وَأَنَاخَا لِيَتَحَوّلَ عَلَيْهَا، فَلَمّا
اسْتَوَوْا بِالْأَرْضِ عَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ، ثُمّ
دَخَلَا بِهِ مَكّةَ، وَفَتَنَاهُ فَافْتُتِنَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي
رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا
مُوثَقًا، ثُمّ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا
بِسُفَهَائِكُمْ، كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا.
[كِتَابُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: فَكُنّا نَقُولُ: مَا اللهُ
بِقَابِلٍ مِمّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً، قَوْمٌ
عَرَفُوا اللهَ، ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ!
قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ. فَلَمّا قَدِمَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، أَنْزَلَ اللهُ
تَعَالَى فِيهِمْ، وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ: قُلْ يَا
عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ.
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ الزمر:
53.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صحيفة، وبعثت بها
إلى هشام ابن الْعَاصِي قَالَ: فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي: فَلَمّا
أتتنى جعلت أقرؤها بذى طوى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/171)
صعّد بِهَا فِيهِ وَأُصَوّبُ وَلَا
أَفْهَمُهَا، حَتّى قُلْت اللهُمّ فَهّمْنِيهَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ
تَعَالَى فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا
نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا.
قَالَ: فَرَجَعْت إلَى بَعِيرِي، فَجَلَسْت عَلَيْهِ، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ
اللهِ- صلى الله عليه وسلم- وهو بالمدينة.
[الوليد بن الوليد وعياش وَهِشَامٍ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ: مَنْ لِي
بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ فَقَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَا لَك يَا رَسُولَ
اللهِ بِهِمَا، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ
امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ
اللهِ؟ قَالَتْ:
أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ- تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتّى
عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ.
فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ؛ فَلَمّا أَمْسَى تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ
أَخَذَ مَرْوَةَ. فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمّ ضَرَبَهُمَا
بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ: «ذُو الْمَرْوَةِ»
لِذَلِكَ، ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِ، وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ
فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ:
هَلْ أَنْتَ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقَيْتِ
ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ المدينة.
[منازل المهاجرين بالمدينة]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَيْنَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ، وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ، وَأَخُوهُ
زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَمْرٌو وعبد الله ابنا سراقة ابن المعتمر وخنيس
بن حذافة السّهمىّ- وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ بِنْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/172)
عُمَر، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَهُ- وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عمرو
ابن نُفَيْلٍ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التّمِيمِيّ، حَلِيفٌ لَهُمْ؛
وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ، وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ
لَهُمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو خَوْلِيّ: مِنْ بَنِي عَجِلِ بْنِ لُجَيْمِ
بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ ابن بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو البكير أربعتهم: إياس بن البكير، وعاقل ابن
الْبُكَيْرِ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ،
وحلفاؤهم من بنى سعد ابن ليث، على رفاعة ابن عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ
زَنْبَرٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بن عوف بقُباءٍ، وَقَدْ كَانَ مَنْزِلُ
عَيّاشِ بْنِ أَبِي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة.
ثُمّ تَتَابَعَ الْمُهَاجِرُونَ، فَنَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ
بْنِ عُثْمَانَ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ
أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بالسّنح. قال ابن هشام:
ويقال: يساف فيما أخبرنى عنه ابن إسحاق. وَيُقَالُ: بَلْ نَزَلَ طَلْحَةُ
بْنُ عُبَيْدِ اللهِ على أسعد بن زرارة، أخي بني النجار.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي عثمان النّهدىّ، أنه قال:
بلغنى أن أَنّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفّارُ
قُرَيْشٍ: أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُك عِنْدَنَا،
وَبَلَغْت الّذِي بَلَغْت، ثُمّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِك وَنَفْسِك،
وَاَللهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: أَرَأَيْتُمْ إنْ
جَعَلْت لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي؟
قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنّي جَعَلْت لَكُمْ مَالِي. قَالَ: فَبَلَغَ
ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَبِحَ
صهيب ربح صهيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/173)
[مَنْزِلُ حَمْزَةَ وَزَيْدٍ وَأَبِي
مَرْثَدٍ وَابْنِهِ وَأَنَسَةَ وأبى كبشة]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ حَمْزَةُ بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة،
وأبو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ، ابْنُ حُصَيْنٍ- وَابْنُهُ مَرْثَدٌ
الْغَنَوِيّانِ، حَلِيفَا حمزة ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَنَسَةُ،
وَأَبُو كَبْشَةَ، مَوْلِيّا رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ،
عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ:
وَيُقَال: بَلْ نَزَلُوا عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ؛ وَيُقَالُ. بَلْ
نَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ،
أَخِي بَنِي النجّار. كلّ ذلك يقال:
وَنَزَلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِب، وَأَخُوهُ الطّفيل
بن الحارث، والحصين ابن الْحَارِثِ؛ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ
عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ،
أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ، وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ
بْنِ قُصَيّ، وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، عَلَى عَبْدِ
اللهِ بْنِ سَلَمَةَ، أخى بلعجلان بقباء وَنَزَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ
أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فِي دَارِ بَلْحَارِثِ بْنِ الخزرج.
وَنَزَلَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ
بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، عَلَى مُنْذِرِ بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح
بالعصبة، دار بنى جحجبى.
وَنَزَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ
عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ ابن النّعْمَانِ، أَخِي بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ، فِي دَارِ بنى عبد الأشهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(4/174)
وَنَزَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ
مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سالم مولى أبى حذيفة سائبة، لثبيتة [أو نبيتة] بنت
يعار بن زيد بن عبيد بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، سيبته فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَتَبَنّاهُ، فَقِيلَ:
سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَيُقَالُ: كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ
يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا
سَائِبَةً. فَقِيلَ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ
عَلَى عبّاد بن بشرا بْنِ وَقْشٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي دار
عبد الأشهل.
وَنَزَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ عَلَى أَوْسِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ
الْمُنْذِرِ، أَخِي حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي دَارِ بَنِي النّجّارِ،
فَلِذَلِكَ كَانَ حَسّانٌ يحبّ عثمان ويبكيه حين قتل.
وَكَانَ يُقَالُ: نَزَلَ الْأَعْزَابُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ
بْنِ خَيْثمةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا، فالله أعلم أىّ ذلك كان. |