الروض
الأنف ت الوكيل [غَزْوَةُ أُحُد]
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الزّهْرِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ يحيى ابن حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ
ابن مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ بَعْضَ
الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلّهُ
فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا، أَوْ
مَنْ قَالَهُ منهم:
[التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ]
لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ،
وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ
بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ
أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ،
مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ
الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ
مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا
الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ، فَلَعَلّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ
أَصَابَ مِنّا، فَفَعَلُوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/419)
[مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفِيهِمْ، كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْمِ، أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً،
ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ.
[اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ]
فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ فَعَلَ ذلك أبو سفيان بن حرب، وأصحاب العير بأحابيشها، ومن
أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ. وَكَانَ أَبُو
عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ فَقِيرًا ذَا
عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ: إنّي فَقِيرٌ ذُو
عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتَهَا فَامْنُنْ علىّ صلى الله عليه
وَسَلّمَ، فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرُؤٌ
شَاعِرٌ، فَأُعِنّا بِلِسَانِك، فَاخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ: إنّ مُحَمّدًا
قَدْ مَنّ عَلَيّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ، قال: فَأَعِنّا
بِنَفْسِك، فَلَك اللهُ عَلَيّ إنْ رَجَعْتُ أَنْ أُغْنِيَك، وَإِنْ
أُصِبْتَ أَنْ أَجَعَلَ بَنَاتِك مَعَ بَنَاتِي، يُصِيبُهُنّ مَا
أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ. فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ فِي تِهَامَةَ،
وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ:
إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ
حَامْ
لَا تَعْدُونِي نَصّرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ... لَا تُسْلِمُونِي لَا
يَحِلّ إسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/420)
وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ إلَى بَنِي مَالِكِ ابن كنانة،
يحرّضهم ويدعوهم إل حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ،
فَقَالَ:
يَا مَالُ، مَالُ الْحَسَبَ الْمُقَدّمِ ... أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا
التّذَمّمْ
مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ... الْحِلْفَ وَسْطَ
الْبَلَدِ الْمُحَرّمْ
عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمْ
وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيّا يُقَالُ لَهُ:
وَحْشِيّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلّمَا يخطىء
بِهَا، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ مَعَ النّاسِ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت
حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ.
[خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نساؤهم]
فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا،
وَمَنْ تابعها من بَنِي كِنَانَةَ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَخَرَجُوا
مَعَهُمْ بِالظّعْنِ، التماس الحفيظة، وألا يفروا. فخرج أَبُو سُفْيَانَ
بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ قَائِدُ النّاسِ، بهند بنت عُتْبَة، وَخَرَجَ
عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وخرج الحارث ابن هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ
أُمَيّةَ بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ
الثّقَفِيّةِ، وَهِيَ أم عبد الله بن صفوان ابن أُمَيّةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رُقَيّةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/421)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ عَمْرُو
بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أبى طلحة وأبو طلحة عبد
الله ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، بِسُلَافَةَ
بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيّةِ وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ:
مُسَافِعُ وَالْجُلَاسُ وَكِلَابٌ، قُتِلُوا يَوْمئِذٍ (هُمْ) وَأَبُوهُمْ؛
وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي
مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهِيَ
أُمّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ؛ وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ
إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ.
وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ مَرّ
بِهَا، قَالَتْ: وَيْهَا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ، وَكَانَ
وَحْشِيّ يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ، فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا
بِعَيْنَيْنِ، بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ
الْوَادِي، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ.
[رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إنّي قَدْ رَأَيْت
وَاَللهِ خَيْرًا، رَأَيْتُ بَقَرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي
ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ،
فَأَوّلْتُهَا: المدينة.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ، قَالَ:
فَأَمّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ، وَأَمّا
الثّلْمُ الّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
بَيْتِي يُقْتَلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/422)
[مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي
الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ
وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ
مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا، وَكَانَ
رَأْيُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بن سَلُولَ مَعَ رَأَى رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَلّا
يَخْرَجَ إلَيْهِمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَكْرَهُ الْخُرُوجَ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِمّنْ
أَكْرَمَ اللهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ، مِمّنْ كَانَ
فَاتَهُ بَدْرٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا، لَا
يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بن
أبىّ بن سَلُولَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ
إلَيْهِمْ، فَوَاَللهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوّ لَنَا قَطّ إلّا
أَصَابَ مِنّا، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا مِنْهُ،
فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ
مَحْبِسٍ، وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ،
وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ،
وَإِنْ رَجَعُوا رجعوا خائبين كما جاؤا. فَلَمْ يَزَلْ النّاسُ بِرَسُولِ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، الّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ
لِقَاءِ الْقَوْمِ، حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
حَيْنَ فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ. وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ:
مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي النجّار، فصلّى عليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ النّاسُ،
وَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ. فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: يا رسول الله: استكر هناك
وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صلى الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/423)
عَلَيْك، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأَمْته
أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يُقَاتِلَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أصحابه.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ على الصّلاة
بالناس.
[انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ
وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ بِثُلُثِ النّاسِ،
وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا
هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ، فَرَجَعَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ
أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ، وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو
بْنِ حَرَامٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، يَقُولُ:
يَا قَوْمِ، أُذَكّرُكُمْ اللهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ
عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ؛ فَقَالُوا:
لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ، وَلَكِنّا لَا
نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. قَالَ:
فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ،
قَالَ: أَبْعَدَكُمْ اللهُ أَعْدَاءَ اللهِ، فَسَيُغْنِي اللهُ عَنْكُمْ
نَبِيّهُ.
قَالَ ابن هشام: وذكر زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ
الزّهْرِيّ: أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَسْتَعِينُ
بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ؟ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ.
[حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ]
قَالَ زِيَادٌ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ، قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/424)
حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ،
فَذَبّ فَرَسُ بِذَنَبِهِ، فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: كِلَابُ سَيْفٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَكَانَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ السّيْفِ:
شِمْ سَيْفَك، فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ.
[مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ المسلمون حائطه]
ثم قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:
مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ: أَيْ مِنْ
قُرْبٍ، مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو
خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَا يَا رَسُولَ
اللهِ، فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ،
حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ، وَكَانَ رَجُلًا
مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، فَلَمّا سَمِعَ حِسّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَامَ
يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ، وَيَقُولُ: إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللهِ
فَإِنّي لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنّهُ
أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ لَوْ
أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا
وَجْهَك. فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْتُلُوهُ، فَهَذَا الْأَعْمَى
أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصَرِ. وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ
زَيْدٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَبْلَ نَهَى رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي
رَأْسِهِ، فشجّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/425)
قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ، فِي عُدْوَةِ
الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ، فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ،
وَقَالَ: لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ.
وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ الظّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ
بِالصّمْغَةِ، مِنْ قَنَاةِ لِلْمُسْلِمِينَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن القتال: أترعى زروع بنى قيلة ولمّا تضارب! وَتُعَبّى رَسُولُ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ للقتال، وهو فى سبع مائة رَجُلٍ، وَأَمّرَ
عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ وَهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ، وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ
رَجُلًا، فقال انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا بِالنّبْلِ، لَا يَأْتُونَا مِنْ
خَلْفِنَا، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، فَاثْبُتْ مَكَانَك لَا
نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِكِ. وَظَاهَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ
بْنِ عُمَيْرٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ.
[مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ، وَرَافِعَ بْنَ
خَدِيجٍ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ، وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،
وَكَانَ قَدْ رَدّهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّ رَافِعًا
رَامٍ، فَأَجَازَهُ، فَلَمّا أَجَازَ رَافِعًا، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ
اللهِ، فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا، فَأَجَازَهُ. وَرَدّ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُسَامَةَ بن زيد، وَعَبْدَ
اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدَ بَنِي
مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَحَدَ بَنِي
حَارِثَة، وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ،
وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، أَحَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/426)
بَنِي حَارِثَةَ، ثُمّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ
رَجُلٍ، وَمَعَهُمْ مِئَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى
مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا
عِكْرِمَةَ بن أبى جهل.
[أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ]
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَأْخُذُ
هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ، فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ،
حَتّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي
سَاعِدَةَ، فَقَالَ: وَمَا حَقّهُ يَا رسول الله؟ قال: أن تشرب بِهِ
الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِيَ؛ قَالَ: أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللهِ
بِحَقّهِ، فَأَعْطَاهُ إيّاهُ. وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا
يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ، إذَا كَانَتْ، وَكَانَ إذَا أَعُلِمَ
بِعِصَابَةِ لَهُ حمراء، فاعتصب بها على النّاسُ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ،
فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَجَعَلَ
يتبختر بين الصّفين.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ
مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ، حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: إنّهَا لَمِشْيَةٌ
يُبْغِضُهَا اللهُ، إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الموطن.
[أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِق]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أبا عامر، عبد عمرو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/427)
ابن صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النّعْمَانِ، أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ
إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ،
مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ
يَقُولُ: كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ
لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ؛
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي
الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ
الْأَوْسِ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ؛ قَالُوا: فَلَا أَنْعَمَ اللهُ بِك
عَيْنًا يَا فَاسِقُ- وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ:
الرّاهِبَ، فسّماء رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:
الْفَاسِقَ- فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ
قَوْمِي بَعْدِي شَرّ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمّ
رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ.
[أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللّوَاءِ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ: يَا
بَنِي عَبْدِ الدّارِ، إنّكُمْ قَدْ وَلّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ،
فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ
رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا،
وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ، فَهَمّوا
بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُسْلِمُ إلَيْك لِوَاءَنَا،
سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَع! وَذَلِكَ أَرَادَ
أَبُو سُفْيَانَ.
[تَحْرِيضُ هِنْدَ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا]
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، قَامَتْ هِنْدُ
بِنْتُ عتبة فى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/428)
النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا، وَأَخَذْنَ
الدّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلَفَ الرّجَالِ، وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ
هِنْدُ فِيمَا تَقُولُ:
وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ... وَيْهَا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ
ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ
وَتَقُولُ:
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ
أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ... فِرَاقَ غَيْرَ وامق
[شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ]
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَوْمَ أُحُدٍ: أَمِتْ أَمِتْ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
[تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ،
وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ،
أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ قَالَ: وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ
سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّيْفَ
فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ، وَقُلْت: أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ
عَمّتَهِ، وَمِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ
قَبْلَهُ، فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي، وَاَللهِ لَأَنْظُرَنّ مَا
يَصْنَعُ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/429)
فَاتّبَعَتْهُ، فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ
حَمْرَاءَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَخْرِجْ
أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا
تَعَصّبَ بِهَا. فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ
أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ... أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللهِ
وَالرّسُولِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى فِي الْكُبُول.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ.
وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ
عَلَيْهِ، فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ.
فَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالْتَقَيَا، فَاخْتَلَفَا
ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ، فَاتّقَاهُ
بِدَرَقَتِهِ، فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ، وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ
ثُمّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ
عُتْبَة، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا. قَالَ الزّبِيرُ: فَقُلْتُ: اللهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ:
رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ،
فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ،
فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً.
[مَقْتَلُ حَمْزَةَ]
وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ
عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هاشم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/430)
ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ،
وَكَانَ أَحَدَ النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ
سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ، وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي
نِيَارٍ، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلُمّ إلَيّ يابن مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ-
وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
وَهْبٍ الثّقَفِيّ.
(قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ) وَكَانَتْ
خَتّانَةً بِمَكّةَ- فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ.
قَالَ وَحْشِيّ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: والله إنى لأنظر إلى حمزة
يهدّ الناس بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ بِهِ شَيْئًا، مِثْلَ الْجَمَلِ
الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ العزّى، فقال له
حمزة: هلمّ إلىّ يابن مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً،
فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيتُ
مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ
مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ،
وَأَمْهَلْتُهُ حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي، ثُمّ
تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ، وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ.
[وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ
عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمّيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ: خُرِجْتُ
أَنَا وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ،
فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ، فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ-
وَكَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/431)
وَحْشِيّ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،
قَدْ سَكَنَهَا، وَأَقَامَ بِهَا- فَلَمّا قَدِمْنَاهَا، قَالَ لِي
عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَدِيّ: هَلْ لَك فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيّا
فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟ قَالَ: قُلْت لَهُ:
إنْ شِئْتَ. فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ، فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ،
وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ: إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ،
وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ
صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا
تُرِيدَانِ، وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ
عَنْهُ، وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ ما يكون به، فانصرفا عنه
وَدَعَاهُ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ
بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ، فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ
الْبُغَاثِ.
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبُغَاثُ: ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ.
فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ
سَلّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيّ،
فَقَالَ: ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
أَمَا وَاَللهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي
أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا،
فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك
إلَيْهَا، فَوَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيّ فَعَرَفْتُهُمَا.
قَالَ: فَجَلَسْنَا إلَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ: جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ
قَتْلِك حَمْزَةَ، كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا
كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ
سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَكَانَ
عَمّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمّا
سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ: إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ
عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النّاسِ،
وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/432)
بالحربة قذف الحبشة، قلّما أخطىء بِهَا
شَيْئًا؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ
وَأَتَبَصّرُهُ، حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مثل الجمل الأورق، يهذّ
الناس بسيفه هذّا، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، فَوَاَللهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ
لَهُ، أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ
مِنّي إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، فَلَمّا
رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ:
هلمّ إلىّ يابن مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ. قَالَ: فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنّ
مَا أخطأ رأسه. قال:
وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا، دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ،
فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ، حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بين رجليه، وَذَهَبَ
لِيَنُوءَ نَحْوِي، فَغُلِبَ، وَتَرَكْتُهُ وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ، ثُمّ
أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ،
فَقَعَدْتُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ، وَإِنّمَا
قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ. فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت، ثُمّ أَقَمْتُ
حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَكّةَ هَرَبْتُ إلَى الطّائِفِ، فَمَكَثْت بِهَا، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ
الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ الْمَذَاهِبُ، فَقُلْت: ألحق بالشأم، أَوْ
الْيَمَنِ، أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ؛ فَوَاَللهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ
هَمّي، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: وَيْحَك! إنّهُ وَاَللهِ مَا يَقْتُلُ
أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ، وَتَشَهّدَ شَهَادَتَهُ.
[وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ]
فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ، خَرَجْتُ حَتّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي
قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ؛ فَلَمّا رَآنِي
قَالَ: أَوَحْشِيّ؟ قُلْت: نعم يا رسول الله. قال: افعد فَحَدّثْنِي كَيْفَ
قَتَلْتَ حَمْزَةَ، قَالَ: فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا، فَلَمّا
فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ: وَيْحَك! غيّب عنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/433)
وَجْهَك، فَلَا أُرَيَنّك. قَالَ: فَكُنْتُ
أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ
لِئَلّا يَرَانِي، حَتّى قَبَضَهُ اللهُ- صَلّى اللهُ عليه وسلم.
[قَتْلُ وَحْشِيّ لَمُسَيْلِمَةَ]
فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ
الْيَمَامَةِ خَرَجْت مَعَهُمْ، وَأَخَذْت حَرْبَتِي الّتِي قَتَلْتُ بِهَا
حَمْزَةَ؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ رَأَيْت مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ
قَائِمًا فِي يَدِهِ السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، ونهيّأ لَهُ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ
حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ
فِيهِ، وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ، فَرَبّك
أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ، فإن كُنْت قَتَلْته، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ
النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وقد قَتَلْت شَرّ
النّاسِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ،
وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا
يَقُولُ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ.
[خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي
الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ
يَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ
حَمْزَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/434)
[مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ، وَكَانَ الّذِي
قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ، وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ
مُحَمّدًا. فَلَمّا قتل مصعب ابن عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،
وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ
الْمَازِنِيّ، قَالَ: لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ، جلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ: أَنْ قَدّمَ الرّايَة. فَتَقَدّمَ عَلِيّ،
فَقَالَ: أَنَا أَبُو الْفُصَمِ، وَيُقَالُ: أَبُو الْقُصَمِ، فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ- فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ
صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ: أَنْ هَلْ لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي
الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فبرز بين الصّفّين، فاختلفا
ضربتين فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَصَرَعَهُ، ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ
يُجْهَزْ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَفَلَا أُجْهِزْت عَلَيْهِ؟
فَقَالَ: إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ
الرّحِمُ، وَعَرَفْتُ أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ قَتَلَهُ.
وَيُقَالُ: إنّ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ
الصّفّيْنِ، فَنَادَى أَنَا قَاصِمٌ مَنْ يُبَارِزُ بِرَازًا، فَلَمْ
يَخْرَجْ إلَيْهِ أَحَدٌ. فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ، زَعَمْتُمْ
أَنّ قَتْلَاكُمْ فِي الْجَنّةِ، وَأَنّ قَتْلَانَا فِي النّارِ،
كَذَبْتُمْ واللات! لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/435)
حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ، فَخَرَجَ
إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ.
فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنِ إسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ
بْنُ أَبِي وَقّاصٍ.
[شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ]
وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثابت بن أبى الأفلح. فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ
طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ كِلَاهُمَا يَشْعُرُهُ
سَهْمًا. فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ. فيضع رأسه فى حجرها فنقول: يَا
بُنَيّ. مَنْ أَصَابَك؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ
يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ. فَنَذَرْتُ إنْ
أَمْكَنَهَا اللهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تُشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرُ.
وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللهَ أَنْ لَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا.
وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ، وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ
الْمُشْرِكِينَ:
إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ... أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ
تَنْدَقّا
فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عبد المطلب.
[حنظلة غسيل الملائكة]
والتقى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ، فلما
استعلاه حنظلة ابن أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ
ابْنُ شَعُوبٍ، قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ.
فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صاحبكم، يعنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/436)
حنظلة لتغسل الْمَلَائِكَةُ. فَسَأَلُوا
أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ. فَقَالَتْ:
خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ.
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْهَائِعَةُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ، كُلّمَا سَمِعَ
هَيْعَةَ طَارَ إلَيْهَا. قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ،
وَالطّرِمّاحُ: الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ:
أَنَا ابْنُ حُمَاةَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إذَا جَعَلَتْ خُورُ
الرّجَالِ تَهِيعُ
(وَالْهَيْعَةُ: الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ) .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لِذَلِكَ غَسّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.
[شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ]
(قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ) : وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ
حَنْظَلَةَ:
لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ
وَقَال أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ، ومعاونة ابن شعوب إيّاه على حنظلة:
وَلَوْ شِئْتُ نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمرّة ... وَلَمْ أَحْمِلْ النّعماء
لابن شعوب
ومازال مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتّى دنت
لغروب
أقاتلهم وأدّعى يالغالب ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/437)
فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ
... وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ
أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ... وَحُقّ لَهُمْ مِنْ
عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ
وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ... قَتَلْتُ من النّجّار
كلّ بحيب
وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ... وَكَانَ لَدَى
الْهَيْجَاءِ غَيْرُ هَيُوبِ
وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ... لَكَانَتْ شَجًا فِي
الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ
فَآبَوْا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ... بِهِمْ خدب من معطب
وكثيب
أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ
بِضَرِيبِ
[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ]
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:
ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... وَلَسْتَ لِزُورٍ
قُلْتَهُ بِمُصِيبِ
أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ... نَجِيبًا وَقَدْ
سَمّيْتَهُ بِنَجِيبِ
أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَة وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ
وَالْحَجّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ
غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ... بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ
بِخَضِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي
سفيان فيما دفع عنه، فقال:
ولولا دفاعى بابن حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ... لَأُلْفِيَتْ يَوْمَ النّعْفِ
غَيْرَ مُجِيبِ
وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرَ بِالنّعْفِ قَرْقَرَتْ ... ضِبَاعٌ عَلَيْهِ
أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/438)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «عَلَيْهِ
أَوْ ضِرَاءُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
[شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا
سُفْيَانَ:
جَزَيْتهمْ يَوْمًا بِبَدْرٍ كَمِثْلِهِ ... عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ
وَشَبِيبِ
لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحًا ... عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ
مُصَابَ حَبِيبِ
وَإِنّك لَوْ عَايَنْتَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ... لَأُبْتَ بِقَلْبِ مَا
بَقِيتُ نَخِيبُ
قَالَ ابْن هِشَام: وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا
سُفْيَانَ لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ:
وَمَا زَالَ مُهْرِيّ مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ لِفِرَارِ الْحَارِثِ
يَوْمِ بَدْرٍ.
[حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ
الْعَسْكَرِ، وَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الزّبَيْرِ، عَنْ الزّبَيْرِ، أنه قال: وَاَللهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي
أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة وَصَوَاحِبُهَا مُشَمّرَاتٌ
هَوَارِبُ، مَا دُونِ أخذهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/439)
قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ
الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ، حِين كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلّوْا
ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ:
أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؛ فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا
الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو
مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّارِخُ: أَزَبّ الْعَقَبَةِ، يَعْنِي الشّيْطَانَ.
[شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ]
قَالَ ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن اللّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا
حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةُ، فَرَفَعَتْهُ
لِقُرَيْشِ، فَلَاثُوا بِهِ. وَكَانَ اللّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ، غُلَامٌ
لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ، حَبَشِيّ وَكَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ،
فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ، ثُمّ بَرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ
اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
اللهُمّ هَلْ أَعْزَرْت- يَقُولَ: أَعَذَرْت- فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ
فِي ذَلِكَ:
فَخَرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ
جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ
التّرَابِ
ظَنَنْتُمْ، وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ... وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ
الصّوَابِ
بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ
الْعِيَابِ
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى
خِضَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/440)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا
يُرْوَى لِأَبِي خراش الهذلىّ، وأنشدنيه خلف الأحمر:
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى
خِضَابِ
فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. يَعْنِي امْرَأَتَهُ. فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ.
وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِد الْهُذَلِيّ.
[شِعْرُ حَسّانَ فى عمرة الحارثية]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ
بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءِ:
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلِمَاتِ
الْحَوَاجِبِ
أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ... وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ
مِنْ كُلّ جَانِبِ
فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ... يُبَاعُونَ فِي
الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
[مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَصَابَ فِيهِمْ
الْعَدُوّ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ، أَكْرَمَ اللهُ فِيهِ مَنْ
أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ، حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ
حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ، فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ،
وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ، وَكَانَ الّذِي أصابه عتبة ابن أبى وقّاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/441)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد
الطّوِيلُ، عَنْ أنس بن مالك، قال:
كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
أُحُدٍ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ، فَجَعَلَ الدّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ،
وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا
وَجْهَ نَبِيّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبّهِمْ! فَأَنْزَلَ اللهُ
عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ
يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: أَنّ
عُتْبَة بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السّفْلَى،
وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى، وَأَنّ عَبْدَ اللهِ بن شهاب لزهرى شَجّهُ
فِي جَبْهَتِهِ، وَأَنّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وجنته فدخلت حلقتان من حلق
المغفر فى وَجْنَتَهُ، وَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ
لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ؛ فَأَخَذَ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَرَفَعَهُ طلحة ابن عُبَيْدِ اللهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا،
وَمَصّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ، أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، الدّمّ:
عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ
ازْدَرَدَهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ
الدّرَاوَرْدِيّ: أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ
فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/442)
وَذَكَرَ، يَعْنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ
الدّرَاوَرْدِيّ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عِيسَى
بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ: أن أبا عبيدة
بن الجرّاج نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ، ثُمّ نَزَعَ الْأُخْرَى،
فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ الْأُخْرَى، فَكَانَ سَاقِطَ الثّنِيّتَيْنِ.
[شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرسول]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي
وَقّاصٍ:
إذَا اللهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ... وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ
الْمَشَارِقِ
فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ... وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ
إحْدَى الصّوَاعِقِ
بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ... فَأَدْمَيْت فَاهُ، قُطّعَتْ
بِالْبَوَارِقِ
فَهَلّا ذَكَرْتَ اللهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ
إحْدَى الْبَوَائِقِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فيهما.
[ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ:
مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ؟ كَمَا حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ
عَبْدِ الرحمن بن عمرو بن سعد ابن مَعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو،
قَالَ: فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنْ
الْأَنْصَارِ- وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ: إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ- فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، رَجُلًا ثُمّ رَجُلًا، يُقْتَلُونَ دُونَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/443)
حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادَ أَوْ
عُمَارَةَ، فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، ثُمّ فَاءَتْ
فِئَةٌ مِنْ المسلمين، فأجهضوهم عنه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنُوهُ مِنّي، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ، فَوَسّدَهُ
قَدِمَهُ، فَمَاتَ وَخَدّهُ عَلَى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ، نُسَيْبَةُ بِنْتُ
كَعْبٍ الْمَازِنِيّة يَوْمَ أُحُدٍ.
فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: أَنّ أُمّ سَعْدِ
بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمّ
عُمَارَةَ، فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةُ، أَخْبِرِينِي خَبَرَك، فَقَالَتْ:
خَرَجْتُ أَوّلَ النّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ، وَمَعِي
سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ
لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، انْحَزْتُ إلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْت أُبَاشِرُ
الْقِتَالَ، وَأَذُبّ عَنْهُ بِالسّيْفِ، وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ، حَتّى
خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ. قَالَتْ: فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا
أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْت: مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ: ابْنُ
قَمِئَةَ، أَقْمَأَهُ اللهُ! لَمّا وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ: دُلّونِي عَلَى
مُحَمّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ
بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ، وَلَكِنْ فَلَقَدْ
ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ، وَلَكِنّ عَدُوّ اللهِ كَانَ عَلَيْهِ
دِرْعَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/444)
[أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ
يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَة بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النّبْلُ فِي
ظَهْرِهِ، وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ. وَرَمَى
سَعْدُ بن أبى وقّاص دُونَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ:
ارْمِ، فِدَاك أَبِي وَأُمّي، حَتّى إنّهُ ليناولنى السّهم ماله نَصْلٌ.
فَيَقُولُ: ارْمِ بِهِ.
[بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وحدثني عاصم بن عمر بن قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى انْدَقّتْ
سِيَتُهَا، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ،
وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، حَتّى وَقَعَتْ
عَلَى وَجْنَتِهِ.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا بِيَدِهِ، فَكَانَتْ أَحْسَنَ
عَيْنَيْهِ وأحدّهما.
[شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
رَافِع أخو بنى عدىّ ابن النّجّارِ، قَالَ: انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النّضْرِ،
عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَطَلْحَةُ بْنُ
عُبَيْدِ اللهِ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ
أَلْقَوْا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/445)
بأيديهم، فقال: ما يجاسكم؟ قَالُوا: قَتْلَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ (قُومُوا) فَمُوتُوا عَلَى
مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ
اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ، فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ، وَبَهْ سُمّيَ أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النّضْرِ يَوْمئِذٍ
سَبْعِينَ ضَرْبَةً، فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ، عَرَفَتْهُ
بِبَنَاتِهِ.
[مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ عَبْدَ
الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهُتِمَ، وَجُرِحَ
عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ، أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ
فَعَرِجَ.
[أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَوْلُ النّاسِ: قَتْلَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ
شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: عَرَفْت عَيْنَيْهِ
تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَشَارَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنْ أَنْصِتْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ، وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ
الشّعْبِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ،
وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طالب، وطلحة بن عبيد الله، ولزّبير بن العوّم،
رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَرَهْطٌ من
المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/446)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَتْلُ مُحَيّصَة الْيَهُودِيّ مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ أَصْغَرَ
مِنْ أَخِيهِ حُوَيّصَة، لَكِنْ سَبَقَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا ذَكَرَ
ابْنُ إسْحَاقَ، وَشَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَأَرْسَلَهُ النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ فَدَكَ يَدْعُوهُمْ إلَى
الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الّذِي اسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُجْرَةِ الْحَجّامِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى
الله عليه وسلم: بعد ما أَلَحّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ: أَعْلِفْهُ
نَاضِحَك وَاجْعَلْهُ فِي كَرِشِك، وَذَلِكَ أَنّ أَبَا طِيبَةَ الْحَجّامَ
«1» ، كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُ أَبِي طِيبَةَ.
وَقَوْلُهُ: مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ. بُصْرَى بِالشّامِ، وَمَأْرِبُ
بِالْيَمَنِ، حَيْثُ كَانَ السّدّ، وَمَأْرِبُ: اسْمُ قَصْرٍ كَانَ
لِسَبَأِ. وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: مَأْرِبُ اسْمُ كُلّ مَلِكٍ وَلِيَ
أَمْرَ سَبَأٍ، كَخَاقَانِ فِي التّرْكِ، وَكِسْرَى فِي الْفُرْسِ
وَقَيْصَرَ فِي الرّومِ، وَالنّجَاشِيّ فِي الْحَبَشَةِ.
وَحُوَيّصَة «2» : تَصْغِيرُ حَوْصَة مِنْ حُصْت الثّوْبَ إذَا خِطّته.
وَفِي حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ سُنَيْنَةَ الْمَقْتُولِ، كَأَنّهُ تَصْغِيرُ
سِنّ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي اسْمِهِ: سُبَيْنَةُ بِالْبَاءِ كَأَنّهُ
مصغر تصغير الترحيم مِنْ سَبَنِيّةَ، قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ:
السّبَنِيّةُ ضَرْبٌ مِنْ النّبَاتِ، وَأَمّا شُنَيْنَةُ بِالشّيْنِ
الْمَنْقُوطَةِ. فَوَالِدُ
__________
(1) فى الصحيحين أنه حجم رسول الله «ص» .
(2) ضبط القاموس الإسمين بقوله: وحويصة ومحيصه ابنا مسعود مشددتى الصاد
صحابيان. وضبطا بفتح الصاد.
(5/447)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صِقْلَابِ بْنِ شُنَيْنَةَ «1» قَرَأَ عَلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ،
وَقَالَ: قَالَ لِي نَافِعٌ: يَا صِقْلَابُ بَيْنَ النّونِ عِنْدَ الْحَاءِ
وَالْخَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ وَالْهَاءِ وَالْأَلِفِ.
غَزْوَةُ أُحُدٍ فَضْلُ أُحُدٍ:
وَأُحُدٌ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ، سُمّيَ بِهَذَا الِاسْمِ
لِتَوَحّدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ جِبَالٍ أُخَرَ هُنَالِكَ، وَقَالَ فيه
الرسول- صلى الله عليه وسلم- هذا جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ «2» ،
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ. قِيلَ أَرَادَ
أَهْلَهُ، وَهُمْ الْأَنْصَارُ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنّهُ كَانَ يُبَشّرُهُ
إذَا رَآهُ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ أَسْفَارِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ أَهْلِهِ
وَلِقَائِهِمْ، وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُحِبّ، وَقِيلَ: بَلْ حُبّهُ
حَقِيقَةً، وُضِعَ الْحُبّ فِيهِ كَمَا وُضِعَ التّسْبِيحُ فِي الْجِبَالِ
الْمُسَبّحَةِ مَعَ دَاوُد، وَكَمَا وُضِعَتْ الْخَشْيَةُ فِي الْحِجَارَةِ
الّتِي قَالَ الله فيها: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ وَفِي الْآثَارِ الْمُسْنَدَةِ أَنّ أُحُدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ مِنْ دَاخِلِهَا، وَفِي بَعْضِهَا أَنّهُ رُكْنٌ
لِبَابِ الْجَنّةِ «3» ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَلّامٍ فى تفسيره، وفى المسند من
طريق
__________
(1) هو فى القاموس: سقلاب- بالسين- القارىء المصرى.
(2) رواه الشيخان والترمذى وأحمد والطبرانى، وفى رواية للبخارى بيان أن ذلك
كان عند القدوم من خيبر ولفظ رواية ابن شبة أنه- أى أنس- أقبل مَعَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر، فلما بدا لهم أحد قال
الحديث. ولكن فى رواية أخرى للبخارى أن ذلك كان فى رجوعه «ص» من الحج،
وقيل: وهو عائد من غزوة تبوك.
(3) رواه أبو يعلى والطبرانى، وبلغ من ضعفه أن يقول السيوطى عنه إنه ضعيف
(5/448)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: أُحُدٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ، وَهُوَ عَلَى بَابِ
الْجَنّةِ، قَالَ: وَعَيْرٌ يَبْغُضُنَا وَنَبْغُضُهُ، وَهُوَ عَلَى بَابٍ
مِنْ أَبْوَابِ النّارِ «1» ، وَيُقَوّيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ «2» ، مَعَ قَوْلِهِ:
يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ، فَتَنَاسَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ، وَشَدّ بَعْضُهَا
بَعْضًا.
مشاكلة اسم الجبل لأغراصه التّوْحِيدِ:
وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يُحِبّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَلَا أَحْسَنَ
مِنْ اسْمٍ مُشْتَقّ مِنْ الْأَحَدِيّةِ، وَقَدْ سَمّى اللهُ هَذَا
الْجَبَلَ بِهَذَا الِاسْمِ، تَقْدِمَةً لِمَا أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ
مُشَاكَلَةِ اسْمِهِ، وَمَعْنَاهُ، إذْ أَهْلُهُ وَهُمْ الْأَنْصَارُ
نَصَرُوا التّوْحِيدَ وَالْمَبْعُوثَ بِدِينِ التّوْحِيدِ، عِنْدَهُ
اسْتَقَرّ حَيّا وَمَيّتًا، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ
أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوِتْرَ وَيُحِبّهُ فِي شَأْنِهِ كُلّهِ اسْتِشْعَارًا
لِلْأَحَدِيّةِ «3» ، فَقَدْ وَافَقَ اسْمُ هَذَا الْجَبَلِ لِأَغْرَاضِهِ
عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَقَاصِدِهِ فِي الْأَسْمَاءِ، فَقَدْ بَدّلَ
كَثِيرًا مِنْ الْأَسْمَاءِ اسْتِقْبَاحًا لَهَا مِنْ أَسْمَاءِ البقاع
وأسماء الناس، وذلك لا يحصى كَثْرَةً؛ فَاسْمُ هَذَا الْجَبَلِ مِنْ
أَوْفَقِ الْأَسْمَاءِ لَهُ، وَمَعَ أَنّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْأَحَدِيّةِ،
فَحَرَكَاتُ حروفه
__________
(1) رواه الطبرى فى الأوسط، وكذلك قال عنه السيوطى إنه ضعيف.
(2) متفق عليه.
(3) أظنه يقصد المصدر الصناعى من أحد، لا الأحدية التى يتكلم عنها الصوفية،
وهى الوجود الإلهى المجرد عن الأسماء والصفات. وقد وفيته بحثا فى كتابى
«هذه هى الصوفية» ، وفيه أن الأحدية الصوفية لا تنتسب إلى الحق من دين
الله.
(5/449)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرّفْعُ، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِارْتِفَاعِ دِينِ الْأَحَدِ، وَعُلُوّهِ،
فَتَعَلّقَ الْحُبّ مِنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ
اسْمًا وَمُسَمّى، فَخَصّ مِنْ بَيْنِ الجبال بأن يكون معه فى الجنة، إذا
بسّت الجبال بسّا، فكانت هباء منبثّا «1» وَفِي أُحُدٍ قَبْرُ هَارُونَ
أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَثَمّ وَارَاهُ
مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَكَانَا قَدْ مَرّا بِأُحُدِ حَاجّينِ، أَوْ
مُعْتَمِرِينَ، رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ الزّبَيْرُ
عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كِتَابِ
فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ «2» .
وَذَكَرَ ابْنُ إسحاق مسير قريش بالظّعن التماس الحفيظة، وَالْحَفِيظَةُ.
الْغَضَبُ لِلْحُرَمِ، وَيُقَالُ أَحْفَظَ الرّجُلُ إذَا أغضب.
__________
(1) رواية أنه معه فى الجنة رواية واهية ساقطة.
(2) رواه ابن أبى شبة وابن زباله، وفى متنه دليل سقوطه، فقد روى أن موسى
وهارون خرجا حاجين أو معتمرين، حتى إذا قدما المدينة خافا اليهود، فنزلا
أحد وهارون مريض، فحفر له موسى قبرا بأحد، وقال: يا أخى أدخل فيه، فإنك
ميت، فدخل فيه فلما دخل قبضه الله، فحثا موسى عليه التراب.. كيف يحرؤ موسى
على الحكم بموت أخيه؟ لا يجوز إسناد هذا البغى على الله إلى نبى. ويقول
السمهودى: بأحد شعب تعرف بشعب هارون يزعمون أن قبر هارون عليه السلام فى
أعلاه، وهو بعيد حسا ومعنى، وليس ثم ما يصلح للحفر وإخراج التراب. وقال فى
الفتح عن سند الزبير للحديث وسند الزبير فى ذلك ضعيف جدا من جهة شيخه ابن
زبالة، ومنقطع، وليس بمرفوع وفى النور عن ابن دحية أنه باطل ببقين إنما مات
فى موضع على ساعة من مدينة جبلة من مدن الشام. وقيل إن قبر هارون بحبل مشرف
قبلى بيت المقدس كما ذكر ياقوت فى كتابه المشترك، وفى الأنوار أنه مات فى
التيه.
(5/450)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَصْلٌ:
وَذَكَرَ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ حَوْلَهُ، وَثُلْمَةً فِي سَيْفِهِ وَفِي غَيْرِ
السّيرَةِ قَالَ رَأَيْت بَقَرًا تُنْحَرُ وَاَللهِ خَيْرٌ، فَأَوّلْت
الْخَيْرَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ
كَانَتْ بَدْرٌ قَبْلَ أُحُدٍ، وَلَكِنْ نَفَعَ اللهُ بِذَلِكَ الْخَيْرِ
الّذِي كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَانَ فِيهِ تَأْسِيَةً وَتَعْزِيَةً
لَهُمْ، فَلِذَلِكَ تَضَمّنَتْهُ الرّؤْيَا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها وَفِي
الْبُخَارِيّ:
مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَ بَدْرٍ. وَفِي مُسْلِمٍ:
وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصّدْقِ الّذِي
أَتَانَا اللهُ بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهَذِهِ أَقَلّ الرّوَايَاتِ
إشْكَالًا.
«قَالَ الْمُؤَلّفُ» أَبُو الْقَاسِمُ [السهيلى] : أمّا البقر فغبارة عَنْ
رِجَالٍ مُسَلّحِينَ يَتَنَاطَحُونَ وَقَدْ رَأَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا- مِثْلَ هَذَا، فَكَانَ تَأْوِيلُهُ قَتْلَ مَنْ قُتِلَ مَعَهَا
يَوْمَ الْجَمَلِ.
وَقَوْلُهُ: وَاَللهِ خَيْرٌ، أَيْ: رَأَيْت بَقَرًا تُنْحَرُ، وَرَأَيْت
هَذَا الْكَلَامَ، لِأَنّ الرّائِيَ قَدْ يُمَثّلُ لَهُ كَلَامٌ فِي
خَلَدِهِ، فَيَرَاهُ بِوَهْمِهِ، كَمَا يَرَى صُورَةَ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْ
خَبَرِ أَحْوَالِ الرّؤْيَا عَرَفَ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ،
لَكِنْ الصّوَرُ المرثيّة فِي النّوْمِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَمْثَالًا
مَضْرُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَأَمّا الْكَلَامُ الّذِي
يَسْمَعُهُ بِسَمْعِ الْوَهْمِ مُمَثّلًا فِي الْخَلَدِ، فَلَا يَكُونُ
إلّا عَلَى ظَاهِرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَ: أَنْتَ سَالِمٌ أَوْ اللهُ
خَيْرٌ لَك، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ، فَلَيْسَ لَهُ
مَعْنًى سِوَى ظَاهِرِهِ.
وَذَكَرَ أَنّ فَرَسًا ذَبّبَ بِذَيْلِهِ، فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ
فَاسْتَلّهُ. قَالَ
(5/451)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابْنُ هِشَامٍ: كُلّابُ السّيْفِ هِيَ الْحَدِيدَةُ الْعَقْفَاءُ، وَهِيَ
الّتِي تَلِي الْغِمْدَ، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: الْكَلْبُ مِسْمَارٌ فِي
قَائِمِ السّيْفِ.
الْفَأْلُ وَالطّيَرَةُ: قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْفَأْلَ، وَلَا يَعْتَافُ، يَفْتَالُ
يَفْتَعِلُ مِنْ الْعِيَافَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنّ الْعِيَافَةَ فِي
الْمَكْرُوهِ خَاصّةً، وَالْفَأْلُ فِي الْمَحْبُوبِ، وَقَدْ يَكُونُ فى
المكروه، والطّيرة تكون فى المحبوب والمكروه، وَفِي الْحَدِيثِ أَنّهُ
نَهَى عَنْ الطّيَرَةِ، وَقَالَ: خَيْرُهَا الْفَأْلُ، فَدَلّ عَلَى
أَنّهَا تَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ وَالْفَأْلُ خَيْرُهَا «1» . وَلَفْظُهَا
يُعْطِي أَنّهَا تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ، لِأَنّهَا مِنْ الطّيْرِ،
تَقُولُ الْعَرَبُ: جَرَى لَهُ الطّائِرُ بِخَيْرِ، وَجَرَى لَهُ بِشَرّ،
وَفِي التّنْزِيلِ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
«2» .
وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ
الْيَوْمَ، يُقَوّي مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّوَسّمِ وَالزّجْرِ
الْمُصِيبِ، وَأَنّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ «3» لَكِنّهُ غَيْرُ
__________
(1) يقول ابن الأثير «وإنما أحب الفأل، لأن الناس إذا أملوا فائدة الله
ورجوا عائدته عند كل سبب ضعف أو قوى فهم على خير، ولو غلطوا فى جهة الرجاء،
فان الرجاء لهم خير، وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر،
وأما الطيرة، فان فيها سوء الظن بالله، وتوقع البلاء.
(2) من حديث البخارى ومسلم قوله: «لا طيرة ويعجبنى الفأل الحسن، قالوا وما
الفأل؟ قال الكلمة الطيبة» .
(3) يقول الأمام ابن الأثير فى مفرداته: والزجر للطير هو القيسمن والتشؤم
بها والتفؤل بطيرانها كالسانح والبارح وهو نوع من الكهانة والعيافة»
والكهانة-
(5/452)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَقْطُوعٍ بِهِ إلّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِيهِ قَوْلًا مُقْنِعًا فِي حَدِيثِ
زَمْزَمَ وَنُقْرَة الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، وَلِلّهِ فِي كُلّ شَيْءٍ
حِكْمَةٌ، وَإِعْمَالُ الْفِكْرِ فِي الْوُقُوفِ عَلَى حِكْمَةِ اللهِ
عِبَادَةٌ.
الْمُسْتَصْغَرُونَ يَوْمَ أُحُدٍ: وَذَكَرَ الْمُسْتَصْغَرِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ الّذِينَ أَرَادُوا الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدّ أَصْغَرَهُمْ، مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ
عَازِبٍ وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إلَى آخِرِهِمْ،
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ عَرَابَةَ بْنَ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ، وَقَدْ
ذَكَرَتْهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ، وَمِمّنْ ذَكَرَهُ فِيهِمْ الْقُتَبِيّ فِي
كِتَابِ الْمَعَارِفِ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ الشّمّاخُ:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين «1»
__________
- كفر. ولست أدرى كيف يربط الإنسان قدره ومصيره بطائر تحركه صدفة نحو
اليمين، وأخرى نحو الشمال؟، وكيف نجعل هذه الصدفة من حياة الإنسان بسمة
سعادة وأنة شقاء؟! وقد أخرج أحمد بسند جيد «إن العيافة والطرق والطيرة من
الجبت» وأخرجه أبو داود والنسائى وابن حبان
(1) ص 112 المعارف لأبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب الدينورى ط
1300 هـ وقد استشهد القتبى ببيت آخر للشماخ هو
رأيت عرابة الأوسى يسمو ... إلى الغايات منفطع القرين
وكذلك ذكره الطبرى، وقد ذكر بيتى الشعر بوضع الخيرات مكان الغايات ص 505 ح
2 ط دار المعارف. وقد ذكره ابن حبيب فى المحبر من أجواد الإسلام، وأشراف
العميان ص 155، 298. وهو فى الإصابة ابن قبطى.
(5/453)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلِعَرَابَةَ أَخٌ اسْمُهُ: كَبَاثَةُ، لَهُ صُحْبَةٌ. وَمِنْ المستصغرين
يوم أحد سعد بن حَبْتَةَ، عُرِفَ بِأُمّهِ، وَهِيَ حَبْتَةُ بِنْتُ مَالِكٍ
أنصاريّة، وهو سعد ابن بُجَيْرٍ مِنْ بَجِيلَةَ، رَدّهُ النّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ لِصِغَرِ سِنّهِ، فَلَمّا كَانَ
يَوْمُ الْخَنْدَقِ رَآهُ يُقَاتِلُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَدَعَاهُ وَمَسَحَ
عَلَى رَأْسِهِ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ،
فَكَانَ عَمّا لِأَرْبَعِينَ، وَخَالًا لِأَرْبَعِينَ، وَأَبًا
لِعِشْرِينَ، وَمِنْ وَلَدِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ سَعْدِ بْنِ حَبْتَةَ.
حَوْلَ شِعْرِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ: وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدَ بِنْتِ
عُتْبَةَ:
وَيْهًا بَنِي عَبْدِ الدّارِ ... وَيْهًا كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا
الْإِغْرَاءُ.
قَالَ الرّاجِزُ:
وَهُوَ إذَا قِيلَ له ويها فل ... فإنه مواشك مستعجل «1»
__________
(1) هو فى اللسان غير منسوب هكذا:
وهو إذا اقيل له ويها كل ... فانه مواشك مستعجل
وهو إذا قيل له ويها هل ... فانه أحج به أن ينكل
وقل أصلها: يا فلان. أى إذا دعى لدفع عظيمة، فقيل له يا فلان نكل، ولم يحب.
وإن قيل له: كل أسرع. ومن العرب من يقول فى النفجع: واها ووأه أيضا وويه،
كلمة تقال فى الاستحثاث.
(5/454)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا وَاهَا، فَإِنّ مَعْنَاهَا التّعَجّبُ، وَإِيهًا مَعْنَاهَا:
الْأَمْرُ بِالْكَفّ.
وَقَوْلُهَا: إنْ تَقْبَلُوا نُعَانِقْ، فَيُقَالُ: إنّهَا تَمَثّلَتْ
بِهَذَا الرّجَزِ، وَإِنّهُ لِهِنْدِ بِنْتِ طَارِقِ بْنِ بَيَاضَةَ
الْإِيَادِيّة، قَالَتْهُ فِي حَرْبِ الفرس لإياد، فعلى هذا بكون إنشاده:
بَنَاتُ طَارِقْ «1» ، بِالنّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، كَمَا قَالَ:
نَحْنُ بَنِي ضَبّةَ أَصْحَابُ الْجَمَلْ «2» وَإِنْ كَانَتْ أرادت الّنجم
فبنات مرفرع، لِأَنّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أَيْ: نَحْنُ شَرِيفَاتٌ
رَفِيعَاتٌ كَالنّجُومِ، وَهَذَا التّأْوِيلُ عِنْدِي بَعِيدٌ، لِأَنّ
طَارِقًا وَصْفٌ لِلنّجْمِ لِطُرُوقِهِ، فَلَوْ أَرَادَتْهُ لَقَالَتْ:
بَنَاتُ الطّارِقِ إلّا أَنّي وَجَدْت لِلزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
أَنّهُ قَالَ فِي كِتَابِ أَنْسَابِ قُرَيْشٍ له أول هذا الرجز الذى قالته
هند يَوْمِ أُحُدٍ:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النّمارق
مشى القطا النّواتق
__________
(1) فى الرجز: كما ورد فى اللسان:
نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق
وقد ضبطت بنات بالرفع باعتبارها خبرا، وكذلك ضبطت فى الطبرى ولكنه روى
الأبيات هكذا:
نحن بنات طارق ... إن تقبلوا نعانق
ونبسط النمارق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير واهق
ورواه مرة أخرى كما هو فى السيرة غير أنه أخر وقدم.
(2) البيت فى اللسان فى مادة جمل وفيه بنو بالرفع.
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... الموت أحلى عندنا من العسل
(5/455)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلَى آخِرِ الرّجَزِ، قَالَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الْهُدَيْرِيّ، قَالَ:
جَلَسْت لَيْلَةً وَرَاءَ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْجُذَامِيّ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا
مُتَقَنّعٌ فَذَكَرَ الضّحّاكُ وَأَصْحَابُهُ قَوْلَ هِنْدَ يَوْمَ أُحُدٍ:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ، فَقَالُوا: مَا طَارِقُ؟ فَقُلْت: النّجْمُ،
فَالْتَفَتَ الضّحّاكُ، فَقَالَ:
أَبَا زَكَرِيّا، وَكَيْفَ بِذَلِكَ؟ فَقُلْت: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ. وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ.
النَّجْمُ الثَّاقِبُ: فَإِنّهَا قَالَتْ: نَحْنُ بَنَاتُ النّجْمِ،
فَقَالَ: أَحْسَنْت.
أَبُو دُجَانَةَ: وَذَكَرَ أَبَا دُجَانَةَ، وَلُبْسَهُ الْمُشَهّرَةَ «1»
، وَأَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ مِمّنْ دَافَعَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَنَا عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرّسَ
عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، حَتّى كَثُرَتْ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ، وَاسْتُشْهِدَ
يَوْمَ الْيَمَامَةِ، بَعْدَ أَنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ،
اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ هُوَ وَوَحْشِيّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ،
وَسَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَاتِلِ مُسَيْلِمَةَ فِي
آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللهُ.
وذكر قول أبى دجانة:
إنّى امرؤ عاهدنى خليلى
__________
(1) فى القاموس: «وذو المشهرة أبو دجانة سماك بن أوس صحابى كانت له مشاهرة
إذا خرج بها يختال بين الصفين لم يبق ولم يذر» . وقد روى أحمد ومسلم عن أنس
قصة السيف وأبى دجانة.
(5/456)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَعْنِي رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ حَدّثَنِي خَلِيلِي، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ
بَعْضُ الصّحَابَةِ، وَقَالَ لَهُ: مَتَى كَانَ خَلِيلُك، وَإِنّمَا
أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ هَذَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَوْ
كُنْت مُتّخِذًا خَلِيلًا لا تخذت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ
أُخُوّةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ أَنْ
يَقُولَ الصّحَابِيّ حَدّثَنِي خَلِيلِي، لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ
مَعْنَى الْحَبِيبِ، وَإِنّمَا فِيهِ عَلَيْهِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُهَا لِأُحُدِ مِنْ
أَصْحَابِهِ، وَلَا خَصّ بِهَا أَحَدًا دُونَ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ
أَصْحَابِهِ أَنْ يَقُولَهَا لَهُ، وَمَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ
الْمَحَبّةِ لَهُ يَقْتَضِي هَذَا، وَأَكْثَرَ مِنْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ
الْغُلُوّ وَالْقَوْلُ الْمَكْرُوهُ، فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا
تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النّصَارَى الْمَسِيحَ، فَإِنّمَا أَنَا عَبْدُ
اللهِ وَرَسُولُهُ. وَقَالَ لِرَجُلِ قَالَ لَهُ: أَنْتَ سَيّدُنَا
وَأَطْوَلُنَا طُولًا «1» ، وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرّاءُ، فَقَالَ:
«قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتجْوِيَنّكم الشّيْطَانُ» أَيْ: قُولُوا
بِقَوْلِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَأَهْلِ مِلّتِكُمْ، كَذَا فَسّرَهُ
الْخَطّابِيّ، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي: قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، لَا بِقَوْلِ
الشّيْطَانِ، لِأَنّهُ قَدْ جَعَلَهُمْ جريّاله «2» ، أى:
وكيلا ورسولا، وإذا كانوا جريّاله، وَقَالُوا: مَا يُرْضِيهِ مِنْ
الْغُلُوّ فِي الْمَنْطِقِ، فَقَدْ قَالُوا بِقَوْلِهِ. وَيَسْتجْرِيَنّكم
مِنْ قَوْلِهِمْ جَرَيْت جَرْيًا، أَيْ: وَكّلْت وَكَيْلًا.
وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: أَنْتَ أَشْرَفُنَا حَسَبًا وَأَكْرَمُنَا
أُمّا وَأَبًا، فقال: كم دون
__________
(1) حديث لا تطرونى رواه الترمذى وغيره، وحديث أنت سيدنا روى النسائى وأبو
داود قريبا منه بسند جيد.
(2) جرى كغنى الوكيل والرسول والأجير والضامن للواحد والجمع والمؤنث.
(5/457)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِسَانِك مِنْ طَبَقٍ؟ فَقَالَ: أَرْبَعَةُ أَطْبَاقٍ، فَقَالَ: أَمَا
كَانَ فِيهَا مَا يَزَعُ عَنّي غَرِبَ لِسَانِك. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي
جَامِعِهِ.
وَقَوْلُ أَبِي دُجَانَةَ:
أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَيّولُ
آخِرُ الصّفُوفِ، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ إلّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ،
وَقَالَ الْهَرَوِيّ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَزَادَ فِي
الشّرْحِ، وَقَالَ سُمّيَ بِكَيّولِ الزّنْدِ، وَهِيَ سَوَادٌ وَدُخَانٌ
يَخْرُجُ مِنْهُ آخِرًا، بَعْدَ الْقَدَحِ إذا لم يور نارا، وذلك شىء
لاغناء فِيهِ، يُقَالُ مِنْهُ كَالَ الزّنْدَ يَكُولُ، فَالْكَيّولُ
فَيْعُول مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ كَيّولُ الصّفُوفِ لَا يُوقِدُ نَارَ
الْحَرْبِ، وَلَا يُزْكِيهَا، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ لَا لَفْظِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ نَحْوًا مِنْ هَذَا إلّا أَنّهُ قَالَ: كَالَ
الزّنْدَ يَكِيلُ بِالْيَاءِ لَا غَيْرُ «1» .
وَقَوْلُهُ: رَأَيْت رَجُلًا يَحْمُشُ النّاسَ حَمْشًا شَدِيدًا، يُرْوَى
بِالشّيْنِ وَبِالسّينِ، فَالْمَعْنَى بِالسّينِ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ فِي
هَذَا الْمَكَانِ الشّدّةُ، كَأَنّهُ قَالَ: يَشُدّهُمْ وَيُشَجّعُهُمْ،
لِأَنّهُ يُقَالُ: رَجُلٌ أَحْمَسُ، أَيْ: شُجَاعٌ شَدِيدٌ، وَالْمَعْنَى
فِيهِ بالشّين مُعْجَمَةٌ أَلّا يُقَادُ وَالْإِغْضَابُ، لِأَنّهُ يُقَالُ
أَحْمَشْتُ النار أو قدتها وحمشت الرجل،
__________
(1) فى النهاية لابن الأثير.: وقيل: الكيول: الجبان، والكيول: ما أشرف من
الأرض يريد: تقوم فوقه. فتنظر ما يصنع غيرك.
(5/458)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَحْمَشْتُهُ: أَغْضَبْته، فَيَكُونُ أَفَعَلْت مِنْ ذَلِكَ لِلْإِيقَادِ
وَالْإِغْضَابِ، وَفَعَلْت لِلْإِغْضَابِ.
حَدِيثُ وَحْشِيّ قَالَ فِيهِ: فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، كَالْبُغَاثِ،
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْبُغَاثُ الطّيْرُ الّذِي لَا يُصَادُ بِهِ مِثْلُ
الرّخَمِ، وَالْحِدَاءِ، وَاحِدَتُهَا بِغَاثَةَ. وَيُقَالُ: بِغَاثِيّ
وَجَمْعُهُ بُغَاثٌ وَبِغْثَانٌ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ
يُونُسَ عِنْدَ ذِكْرِ الْبُغَاثِ الْبُغَاثُ هُوَ ذَكَرُ الرّخَمِ إذَا
هَرِمَ اسْوَدّ.
وَقَوْلُ وَحْشِيّ لِعُبَيْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك
أُمّك السّعْدِيّةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا، وَأُمّ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
عَدِيّ هِيَ أُمّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ ذَكَرَهَا
الْبُخَارِيّ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَمْ يَقُلْ السّعْدِيّةُ فَهِيَ إذًا
قُرَشِيّةٌ أُمَوِيّةٌ لَا سَعْدِيّةٌ إلّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا
مُرْضِعَتَهُ إنْ كَانَتْ سَعْدِيّةً، وَأَمّا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَدِيّ،
فَوُلِدَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ ابن عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَهُ دَارٌ
بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ دَارِ علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- يُرْوَى عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَغَيْرِهِ، وَلَهُ حَدِيثٌ
فِي الْمُوَطّأِ فِي كِتَابِ الصّلَاةِ.
وَقَوْلُهُ: بِذِي طُوًى: مَوْضِعٌ بِمَكّةَ، وَقَدْ قَدّمْنَا الْفَرْقَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِي طِوَاءٍ بِالْهَمْزِ وَالْمَدّ، وَبَيْنَ طُوًى
بِالضّمّ وَالْقَصْرِ فَأَغْنَى عن إعادته هاهنا.
وقول وحشىّ: بهذّ النّاسَ بِسَيْفِهِ، مَا يَلِيقُ شَيْئًا، مِثْلَ
الْجَمَلِ الأورق،
(5/459)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُرِيدُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَرَقَةَ الْغُبَارِ، وَإِنّهُ قَدْ نَافَعَ
«1» بِهِ إذْ الْأَوْرَقُ مِنْ الْإِبِلِ لَيْسَ بِأَقْوَاهَا، وَلَكِنّهُ
أَطْيَبُهَا لَحْمًا فِيمَا ذَكَرُوا.
وَقَوْلُهُ: يَهُذّ النّاسَ، هُوَ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ، ذَكَرَهُ
صَاحِبُ الدّلَائِلِ، وَفَسّرَهُ مِنْ الْهَذّ وَهِيَ السّرْعَةُ «2»
وَأَمّا الْهَذْمُ بِالْمِيمِ، فَسُرْعَةُ الْقَطْعِ، يُقَالُ: سَيْفٌ
مِهْذَمٌ، وَالْهَيْذَامُ: الْكَثِيرُ الْأَكْلِ، وَهُوَ الشّجَاعُ
أَيْضًا، وَفِي الْحَدِيثِ:
أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللّذّاتِ، يُرْوَى بِالذّالِ
الْمَنْقُوطَةِ أَيْ قَاطَعَهَا، وَمِمّا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي
خَبَرِ وَحْشِيّ، قَالَ: فَخَرَجْت حين قال لي سَيّدِي مَا قَالَ،
فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ عَبْعَبٌ عَلَيْهِ دِرْعٌ قَضّاءُ وَإِذَا هُوَ
عَلِيّ، فَقُلْت: لَيْسَ هَذَا مِنْ شَأْنِي، وَإِذَا رَجُلٌ حُلَابِسٌ،
أَيّهُمْ غَشَمْشَمٌ يَهُذّ النّاسَ، كَأَنّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ، فَكَمَنْت
لَهُ إلَى صَخْرَةٍ كَأَنّهَا فُسْطَاطٌ، وَقُلْت: هَذَا الّذِي أُرِيدُ،
وَهَزَزْت حَرْبَةً لِي عَرّاصَةً، فَرَمَيْته بِهَا، فَأَصَبْت ثُنّتَهُ،
وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. الْعَبْعَبُ: الشّابّ، وَالدّرْعُ
الْقَضّاءُ: الْمُحْكَمَةُ النّسْجِ، وَالْأَيْهَمُ:
الّذِي لَا يَرُدّهُ شَيْءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ شَرّ
الْأَيْهَمَيْنِ، يَعْنِي السّيْلَ وَالْحَرِيقَ. وَالْعَرّاصَةُ: الّتِي
تَضْطَرِبُ مِنْ اللّينِ.
وَقَوْلُهُ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ: سَبَقَنِي إلَيْهِ رجل من الأنصار،
وسيأتى ذكر
__________
(1) هكذا بالأصل، والأورق من الجمال هو الذى لونه بين الغبرة والسواد.
ويليق شيئا: لا يبقى شيئا، وهى فى السيرة: ما يقوم له شىء
(2) يقول الخشنى: من رواه بالذال فمعناه يسرع فى قطع لحوم الناس بسيفه، ومن
رواه بالدال فمعناه: يهدهم ويهلكهم.
(5/460)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُسَيْلِمَةَ وَنَسَبَهُ، وَطَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ.
وَأَمّا الرّجُلُ الّذِي مِنْ الْأَنْصَارِ الّذِي ذَكَرَهُ وَحْشِيّ،
وَلَمْ يُسَمّهِ ابْنُ إسْحَاقَ، فَذَكَرَ مُحَمّدَ بْنَ عُمَرَ
الْوَاقِدِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ الرّدّةِ، أَنّ الرّجُلَ الّذِي
شَارَكَ وَحْشِيّا، فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ
بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَذَكَرَ سَيْفَ بْنَ عُمَرَ
فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ أَنّهُ عَدِيّ بْنُ سَهْلٍ، وَأَنْشَدَ لَهُ:
أَلَمْ تَرَ أَنّي وَوَحْشِيّهُمْ ... قَتَلْت مُسَيْلِمَةَ الْمُفْتَتَنْ
وَيَسْأَلُنِي النّاسُ عَنْ قَتْلِهِ ... فَقُلْت: ضَرَبْت، وَهَذَا طَعَنْ
«1»
فِي أَبْيَاتٍ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قُبَيْلَ هَذَا الْحَدِيثِ. أَنّ
أَبَا دُجَانَةَ أَيْضًا شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، وَذَكَرَهُ
أَبُو عُمَر النّمَرِيّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ
أَرَادَ وَحْشِيّ. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ زِيَادَةٌ
فِي إسْلَامِ وَحْشِيّ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ النّاسُ:
يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا وَحْشِيّ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَلِإِسْلَامِ رَجُلٍ
وَاحِدٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ قَتْلِ أَلْفِ رَجُلٍ كَافِرٍ.
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي طُلَيْحَةَ: أَنَا قَاصِمُ مَنْ
يُبَارِزُنِي، فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ، فَقَالَ أَبُو الْقُصَمِ
بِالْقَافِ، قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَهُوَ أَصَحّ، وَإِنّمَا قَالَ علىّ
__________
(1) تقول الحافظ فى الفتح «وأغرب وثيمة فى كتاب اردة، فزعم أن الذى ضرب
مسيلمة شن- بفتح الشين وتضعيف النون- بن عبد الله، وأنشد له.. ثم ذكر
البيتين وزاد.
فلست بصاحبه دونه ... وليس بصاحبه دون شن
ص 297 ح 7 فتح البارى
(5/461)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- عَلَيْهِ السّلَامُ أَنَا أَبُو الْقُصَمِ، لِقَوْلِ أَبِي سَعْدٍ أَنَا
قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُنِي، فَالْقُصَمُ:
جَمْعُ قصمة، وهى العضلة المهلكة، وبجوز أَنْ يَكُونَ جَمْعَ الْقُصْمَى،
أَيْ: الدّاهِيَةُ الّتِي تَقْصِمُ. وَالدّوَاهِي الْقُصَمُ عَلَى وَزْنِ
الْكُبَرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَصَحّ، لِأَنّهُ لَا يُعْرَفُ قُصَمَةٌ،
وَلَكِنّهُ لما قال أبو سعد أبا قَاصِمٌ، قَالَ عَلِيّ:
أَنَا أَقْصِمُ مِنْك، بَلْ أَنَا أَبُو الْقُصَمِ، أَيْ أَبُو
الْمُعْضِلَاتِ الْقُصَمُ «1» والدواهى العظم، والقصم كسر ببينونة، والفصم:
كسر يغير بَيْنُونَةٍ كَكَسْرِ الْقَضِيبِ الرّطْبِ وَنَحْوِهِ، وَفِي
التّنْزِيلِ: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ وفيه (لا انفصام لها) وَقَوْلُ
ابْنِ إسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طُلَيْحَةَ سَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقّاصٍ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الْكَشّيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعْدٍ،
قَالَ لَمّا كَفّ عَنْهُ عَلِيّ طَعَنْته فِي حَنْجَرَتِهِ، فَدَلَعَ
لِسَانَهُ إلَيّ، كَمَا يَصْنَعُ الْكَلْبُ ثُمّ مَاتَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا هَذَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ
هِشَامٍ، وَقَوْلُ عَلِيّ إنّهُ اتّقَانِي بِعَوْرَتِهِ، فَأَذْكَرَنِي
الرّحِمَ، فَعَطَفَتْنِي عَلَيْهِ الرّحِمُ، وَقَدْ فَعَلَهَا عَلَيّ
مَرّةً أُخْرَى يَوْمَ صِفّينَ، حَمَلَ عَلَى بِشْرِ بْنِ أَرَطْأَةَ،
فَلَمّا رَأَى أَنّهُ مَقْتُولٌ كَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ، فَانْصَرَفَ
عَنْهُ، وَيُرْوَى أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصى، مع
علي- رضي الله عنه- يوم صفين، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ
النّضْرِ السّهْمِيّ، رواه ابن الكليى وغيره:
__________
(1) فى اللسان: «قصم بغير تنوين مثل قثم يحطم ما لقى، قال ابن برى: صوابه:
قصم- أى بالتنوين- مثل قثم فى تصرفهما لأنهما صفتان، وإنما العدل يكون فى
الأسماء لا غير» .
(5/462)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَفِي كُلّ يَوْمٍ فَارِسٌ غَيْرُ مُنْتَهٍ ... وَعَوْرَتُهُ وَسْطَ
الْعَجَاجَةِ بَادِيَهْ
يَكُفّ لَهَا عَنْهُ عَلِيّ سنانه ... ويضحك منه فِي الْخَلَاءِ
مُعَاوِيَهْ
عَنْ مَقْتَلِ حَنْظَلَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَقْتَلَ حَنْظَلَةَ بْنِ
أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلِ، وَاسْمَ أَبِي عَامِرٍ:
عَمْرٌو، وَقِيلَ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ، وَذَكَرَ شَدّادُ بن
الأسود بن شعوب حين قتله، بعد ما كَانَ عَلَا حَنْظَلَةَ أَبَا سُفْيَانُ
لِيَقْتُلَهُ، وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيّ فِي التّفْسِيرِ مَكَانَ شَدّادٍ
جَعْوَنَةَ بْنَ شَعُوبٍ اللّيْثِيّ، وَهُوَ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي
نُعَيْمٍ الْقَارِيّ.
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّ
صَاحِبَكُمْ لَتُغَسّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي: حَنْظَلَةَ، وَفِي
غَيْرِ السّيرَةِ، قَالَ: رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ فِي صِحَافِ
الْفِضّةِ بِمَاءِ الْمُزْنِ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ، فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ
سَمِعَ الْهَاتِفَةَ «1» . صَاحِبَتُهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ، وَهِيَ
جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيّ بن سَلُولَ أُخْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ،
وَكَانَ ابْتَنَى بِهَا تِلْكَ اللّيْلَةَ، فَكَانَتْ عَرُوسًا عِنْدَهُ،
فرأت فى النوم تلك الليلة كَأَنّ بَابًا فِي السّمَاءِ فُتِحَ لَهُ
فَدَخَلَهُ، نم أُغْلِقَ دُونَهُ، فَعَلِمَتْ أَنّهُ مَيّتٌ مِنْ غَدِهِ،
فَدَعَتْ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهَا حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَشْهَدَتْهُمْ عَلَى
الدّخُولِ بِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، ذَكَرَهُ
الْوَاقِدِيّ فِيمَا ذُكِرَ لِي، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّهُ اُلْتُمِسَ فِي
الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ
__________
(1) يقول الخشنى: الهاتفة: يعنى الصيحة، ويروى الهائعة مأخوذ من الهياع وهو
الصياح، وفى الإصابة الهامعة ولعله خطأ.
(5/463)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَلَيْسَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ تَصْدِيقًا لما قاله
الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» ، وَفِي هَذَا
الْخَبَرِ مُتَعَلّقٌ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنّ الشّهِيدَ
يُغَسّلُ إذَا كَانَ جُنُبًا، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ لَا
يُغَسّلُ كَسَائِرِ الشّهَدَاءِ، لِأَنّ التّكْلِيفَ سَاقِطٌ عَنْهُ
بِالْمَوْتِ.
شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ: وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ:
وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ
حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ
يُرْوَى بِخَفْضِ غُدْوَةٍ، وَنَصْبِهَا، فَمَنْ خَفَضَهُ فَإِعْرَابُهُ
بَيّنٌ، لِأَنّ لَدُنْ بِمَنْزِلَةِ: عِنْدَ، لَا يَكُونُ مَا بَعْدَهُ
إلّا مَخْفُوضًا، وَأَمّا نَصْبُهُ فَغَرِيبٌ، وَشَيْءٌ خَصّتْ الْعَرَبُ
بِهِ غُدْوَةً، وَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُهَا
سِيبَوَيْهِ، وَيَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنّ لَدُنْ
يُقَالُ فِيهَا: لَدُنْ وَلَدٍ، فَلَمّا كَانَتْ تَارَةً تُنَوّنُ، وَلَا
تُنَوّنُ أُخْرَى، شَبّهُوهَا إذَا نُوّنَتْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَنَصَبُوا
غُدْوَةً بَعْدَهَا، تَشْبِيهًا بِالْمَفْعُولِ، وَلَوْلَا أَنّ غُدْوَةً
تنوّن إذا نكّرت، وتنوّن ضرورة
__________
(1) لم يرو حديث تفسيل الملائكة لحنظلة- سوى ابن إسحاق فى مغازيه وقد أخرجه
الحاكم فى المستدرك وفى إسناده معلى بن عبد الرحمن وهو متروك والطبرانى،
وفى إسناده حجاج وهو مدلس والبيهقى وفى إسناده أبو شيبة الواسطى وهو ضعيف
جدا، والسرقطى فى غريبه من طريق الزهرى مرسلا
(5/464)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذَا كَانَتْ مَعْرِفَةً مَا عُرِفَ نَصْبُهَا، لِأَنّهَا اسْمٌ غَيْرُ
مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيّةِ وَالتّأْنِيثِ، فَخَفْضُهَا وَنَصْبُهَا
سَوَاءٌ، فَإِذَا نُوّنَتْ لِلضّرُورَةِ، كَمَا فِي بَيْتِ أَبِي سُفْيَانَ
أَوْ أَرَدْت غُدْوَةً مِنْ الْغَدَوَاتِ تَبَيّنَ حِينَئِذٍ أَنّهُمْ
قَصَدُوا النّصْبَ وَالتّشْبِيهَ بِالْمَفْعُولِ، وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ
الْبَيَانِ، وَهُوَ أَنّهُمْ قَدْ رَفَعُوهَا، فَقَالُوا: لَدُنْ غُدْوَةُ
غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ، كَمَا يُرْفَعُ الِاسْمُ بَعْدَ اسْمِ الْفَاعِلِ إذا
كَانَ فَاعِلًا وَيُنْصَبُ إذَا كَانَ مَفْعُولًا إذَا نُوّنَ اسْمُ
الْفَاعِلِ، كَذَلِكَ غُدْوَةٌ بَعْد لَدُنْ، لَا يَكُونُ هَذَا فِيهَا
إلّا إذَا نُوّنَتْ لَدُنْ، فإن قلت: لدغدوة، لَمْ يَكُنْ إلّا الْخَفْضُ
إنْ نَوّنْتهَا، وَإِنْ تَرَكْت صَرْفَهَا لِلتّعْرِيفِ، فَالْفَتْحَةُ
عَلَامَةُ خَفْضِهَا، وَلَا تَكُونُ غَدْوَةٌ عَلَمًا إلّا إذَا أَرَدْتهَا
لِيَوْمِ بِعَيْنِهِ، وَبُكْرَةٌ مِثْلُهَا فِي الْعَلَمِيّةِ، وَلَيْسَتْ
مِثْلَهَا مع لدن وضحوة وَعَشِيّةٍ مَصْرُوفَتَانِ، وَإِنْ أَرَدْتهمَا
لِيَوْمِ بِعَيْنِهِ. وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ هَذَا
الْبَابِ فِي «نَتَائِجِ الْفِكْرِ» وَأَوْضَحْنَا هُنَالِكَ بَدَائِعَ
وَعَجَائِبَ لَمْ يُبَيّنْهَا أَحَدٌ إلّا أَنّهَا مُنْتَزِعَةٌ مِنْ
فَحَوَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَمِنْ قَوَاعِدِهِ الّتِي أَصْلٌ،
وَالْحَمْدُ لله «1» .
__________
(1) يقول أحمد بن يحيى والمبرد: العرب تقول لدن غدوة بالرفع وبالنصب
وبالخفض، فمن رفع أراد لدن كانت غدوة، ومن نصب أراد لدن كان الوقت غدوة،
ومن خفض أراد من عند غدوة. ويرى البصريون أنها تنصب غدوة خاصة من بين
الكلام، واستشهدوا بالبيت السابق، ويجيز الفراء فى عدوة الرفع والنصب
والخفض. قال ابن كيسان: من خفض بها أجراها مجرى من وعن، ومن رفع أجراها
مجرى مذ، ومن نصب جعلها وقتا، وجعل ما بعدها ترجمة عنها، وإن شئت أضمرت كان
كما قال: -
(5/465)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ فِي هَذَا الشّعْرِ: بِهِمْ خَدَبٌ. الْخَدَبُ
الْهَوَجُ: «1» وَفِي الْجَمْهَرَةِ طَعْنَةٌ خَدْبَاءُ إذَا هَجَمَتْ
عَلَى الْجَوْفِ، وَهَذَا هُوَ الّذِي أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ
بِالْخَدَبِ.
وَأَمّا قَوْلُ حَسّانَ:
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلَمَاتِ
الْحَوَاجِبِ
شُرْكٌ: جَمْعُ شِرَاكٍ.
وَالْجَدَايَةُ: جَدَايَةُ السّرْجِ، عَلَى أَنّ الْمَعْرُوفَ جَدِيّةُ
السّرْجِ، لَا جدايته فِي أَقْرَبِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ
الْجَدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ، وَبِالشّرْكِ الْأَشْرَاكُ الّتِي تُنْصَبُ
لَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ دَامِيَاتُ الْحَوَاجِبِ، وَهَذَا أَصَحّ فِي
مَعْنَاهُ، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ الْجَدَايَةَ يُقَالُ
لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ
الظّبَاءِ، وَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْجَدَايَةَ جَمْعُ جَدِيّةٍ، وَهِيَ
جَدِيّةُ السّرْجِ وَالرّحْلُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ فِي الْجَمْعِ
فَعَالٍ وَفِعَالَة نَحْوُ جمال وجمالة، ولكنه هاهنا بعيد
__________
- مذلد شولا وإلى إتلائها أراد أن كانت شولاء. وانظر بقية القول فى لدن فى
اللسان. وقد فرق أبو هلال العسكرى بينهما فى المعنى، «تقول هذا القول عندى
صواب، ولا تقول: لدنى صواب، وتقول: عندى مال، ولا تقول: لدنى مال ولكن
تقول: لدنى مال إلا أنك تقول ذلك فى المال الحاضر عندك. ويجوز أن تقول:
عندى مال، وإن كان غائبا عنك، لأن لدنى هو لما يليك.
(1) طيش وتسرع، أو طول فى حمق.
(5/466)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» .
وَيُرْوَى شِرْكٌ بِكَسْرِ الشّينِ، وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِي مَعْنَى
هَذَا الْبَيْتِ: أَنّهُ أَرَادَ الْجِدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ، وَهِيَ
أَوْلَادُ الظّبَاءِ وَنَحْوُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّهُ
يُقَالُ جِدَايَةٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى،
فَيَكُونُ الشّرْكُ عَلَى هَذَا فِي مَعْنَى الأشراك التى يصادبها، وَقَدْ
قِيلَ: إنّ شُرْكًا اسْمُ مَوْضِعٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَعَضَلٌ قَبِيلَةٌ
مِنْ خُزَيْمَةَ غَادِرَةٌ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ غَدْرُ عَضَلٍ
وَالْقَارَةُ. وَقَوْلُهُ: مُعْلَمَات الْحَوَاجِبِ، يَعْنِي بِالدّمَاءِ،
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُ سَوَادَهَا مَا بَيْنَ أَعْيُنِهَا، كَمَا أَنْشَدَ
سِيبَوَيْهِ [لِلْأَعْشَى] .
وَكَأَنّهُ لَهْقُ السّرَاةِ كَأَنّهُ ... مَا حَاجِبَيْهِ مُعَيّنٌ
بِسَوَادِ «2»
__________
(1) جاء فى طبعته الأولى. عما بين قوسين من أول: والجداية جداية السرج إلى
قوله: من طريق المعنى والله أعلم: هذه الجملة التى بين الدائرتين لم تثبت
فى النسخة الثانية، فأثبتناها كما هى، فليحرر. هذا وقد ذكر أبو ذر الخشنى:
الجداية بفتح الجيم وكسرها: الصغير من أولاد الظباء، وفى إصلاح المنطق لابن
السكيت ص 125: الجداية بفتح الجيم وكسرها- الغزال الشادن، وهى القفوز
والأبوز التى تأبز، وهى التى تعدو عدوا شديدا. وشرك هنا: اسم موضع، وهو بضم
الشين، وكسرها والذى فى السيرة: معلمات الحواجب لا داميات الحواجب كما ذكر
فى الفقرة التى بين قوسين والتى أظن أنها دسيسة على الكتاب.
(2) انظر ص 80 ح 1 ط بولاق الكتاب لسيبويه. وقال سيبوية: يريد كأن حاجبيه،
فأبدل حاجبيه من الهاء التى فى كأنه وما زائدة، وقد جعله شاهدا لإبدال
الحاجبين من الضمير المتصل بكأن، ورد قوله معين بسواد على الضمير لا على
الحاجبين، وهو فى المعنى خبر عنهما والبيت فى وصف ثور وحشى شبه به بعيره فى
حذقه ونشاطه فيقول: كأنه ثور الخ. ولهق السراة أبيض أعلى الظهر
(5/467)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصّارِخُ يَوْمَ أُحُدٍ: فَصْلٌ وَذَكَرَ الصّارِخَ يَوْمَ أُحُدٍ
بِقَتْلِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَوْلُ
ابْنِ هِشَامٍ: الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ، هَكَذَا قَيْدٌ فِي هَذَا
الْمَوْضِعِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزّاي، وَذَكَرْنَا فِي
بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا فِي أُمّ كُرْزٍ بِنْتُ
الْأَزَبّ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَكِيلٍ، وَأَنّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ
الْأَزَبّ فِي الْعَرَبِ إلّا هَذَا، وَأَزَبّ الْعَقَبَةِ، وَذَكَرْنَا
حَدِيثَ ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ إذْ رَأَى رَجُلًا
طُولُهُ شِبْرَانِ عَلَى بَرْذعَةِ رَحْلِهِ، فَنَفَضَهَا منه، ثم عاد
إلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَزَبّ، قَالَ وَمَا أَزَبّ
قَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ «1» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، فَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ مَا يدل على أنه أزبّ مع قول
__________
(1) هو كما ذكره ابن الأثير فى النهاية «خرج فبات فى القفر، فلما قام
ليرحل، وجد رجلا طوله شبران عظيم اللحية على الولية يعنى: البرذعة، فنفضها،
فوقع، ثم وضعها على الراحلة، وجاء، وهو على القطع، يعنى الطنفسه فنفضه
فوقع، فوضعه على الراحلة، فجاء وهو بين الشرخين، أى: جانبى الرحل فتفضه، ثم
شده، وأخذ السوط، ثم أتاه، فقال: من أنت؟ فقال: أَنَا أَزَبّ، قَالَ: وَمَا
أَزَبّ؟ قَالَ: رَجُلٌ من الجن، قال: افنح فاك أنظر، ففتح فاه، فقال: أهكذا
حلوقكم؟ ثم قلب السوط فوضعه فى رأس أزب، حتى باص، أى فاته واستتر. أقول: لا
ريب فى أحد أمرين، إما ضعف الحديث وسقوطه، وإما أن يكون شيطان إنس أراد
بابن الزبير شيئا ويكون فى التعبير مبالغة عن طوله وفمه! وقد ذكره ابن
الأثير فى مادة: أزب، وفسره بأنه الكثير الشعر. وفى القاموس الإزب- بكسر
الهمزة وسكون الزاى وتخفيف الباء- القصير والغليظ والداهية واللئيم والدميم
الخ، ثم ذكر أزب العقبة فى زبب. وفيه-
(5/468)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَعْقُوبَ فِي الْأَلْفَاظِ: الْإِزْبُ: الرّجُلُ الْقَصِيرُ، وَاَللهُ
أَعْلَمُ هَلْ الْإِزْبُ:
وَالْأَزَبّ شَيْطَانٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ، وَيُقَالُ: الْمَوْضِعُ
الّذِي صَرَخَ مِنْهُ الشّيْطَانُ جَبَلُ عَيْنَيْنِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ
لِعُثْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَفَرَرْت يَوْمَ عَيْنَيْنِ «1» ،
وَعَيْنَانِ أَيْضًا: بَلَدٌ عِنْدَ الْحِيرَةِ، وَبِهِ عُرِفَ خُلَيْدُ
عَيْنَيْنِ الشّاعِرُ.
مال من رموا النبى: فصل: وذكر ابن قمئة، وسمه عَبْدُ اللهِ، وَهُوَ الّذِي
قَتَلَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَجَرَحَ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ أَخُو
__________
- قال: الأزب- بفتح الهمزة والزاى وتضعيف الباء- من أسماء الشياطين، ومنه
حديث ابن الزبير مختصرا. ثم ذكر الحديث كما قال، كذلك ذكر أزب العقبة بنفس
ضبطه لأزب فى حديث ابن الزبير. ويقول إلزرقانى فى شرح المواهب ص 33 ح 2 بعد
أن ذكر كلام السهيلى، وأن حديث ابن الزبير يشهد للأول أى كسر الهمزة وسكون
الزاى: وظاهره سكون الزاى. وخفة الباء مع كسر الهمزة وفتحها، ثم رد على هذا
بما نقلناه عن القاموس. ثم قال: وبعض المتأخرين جعلهما قولين. أما اللسان
فذكر حديث ابن الزبير كما فعل ابن الأثير فى مادة أزب، وهو ينقل عنه. وكثرة
الشعر ذكرها اللسان فى مادة زبب، أما القصير ففى مادة أزب فى القاموس وفى
اللسان. وكذلك ذكر ابن دريد فى الاشتقاق: الأزب: البعير الذى على أخفانه
وبر، فهو يذعر من كل شىء، ورجل أزب: كثير الشعر وضبطها فى المرتين بفتح
الهمزة والزاى وتضعيف الباء ص 117، 205.
(1) فى القاموس. وعينين بكسر العين وفتحها مثنى: جبل بأحد قام عليه إبليس
عليه لعنة الله تعالى، فنادى إن محمدا «ص» قد قتل، وبفتح العين بلدة
بالبحرين منه خليد عينين وعينان موضع.
(5/469)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سَعْدٍ، هُوَ الّذِي كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- ثُمّ لَمْ
يُولَدْ مِنْ نَسْلِهِ وَلَدٌ، فَبَلَغَ الْحُلُمَ إلّا وَهُوَ أَبْحُرُ
أَوْ أَهْتَمُ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي عَقِبِهِ.
وَمِمّنْ رَمَاهُ يَوْمئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ شِهَابٍ جَدّ شَيْخِ مَالِكٍ
مُحَمّدِ بن مسلم ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ، وَقَدْ قِيلَ لَابْنِ
شِهَابٍ أَكَانَ جَدّك عَبْدَ اللهِ بْنَ شِهَابٍ مِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ يَعْنِي مَعَ الْكُفّارِ،
وَعَبْدُ اللهِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ الْأَصْغَرُ، وَأَمّا عَبْدُ الله
ابن شِهَابٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ الْأَكْبَرُ، فَهُوَ مِنْ مُهَاجِرَةِ
الْحَبَشَةِ، تُوُفّيَ بِمَكّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ
فِيهِمَا أَيّهُمَا كَانَ الْمُهَاجِرُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَقِيلَ:
الْأَكْبَرُ، وَقِيلَ الْأَصْغَرُ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا جَدّ الزّهْرِيّ
لِأَبِيهِ، وَالْآخَرُ لِأُمّهِ، وَقَدْ أَسْلَمَ الّذِي شَهِدَ أَحَدًا
مَعَ الْكُفّارِ، وَجُرِحَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَاَللهُ يَنْفَعُهُ بِإِسْلَامِهِ.
أَسْمَاءُ أَجْزَاءِ اللّيْلِ: وَذَكَرَ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ وَالِدَ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ
الْخَزْرَجِ، وَالْخُدْرَةُ فِي اللّغَةِ: نَحْوٌ مِنْ خُمْسِ اللّيْلِ،
وَبَعْدَهُ الْيَعْفُورُ، وَهُوَ خُمْسٌ آخَرُ مِنْ اللّيْلِ، وَبَعْدَهُ
الْجَهْمَةُ وَالسّدْقَةُ «1» ، وَاَلّذِي قَبْلَ الْخُدْرَةِ يُقَالُ لَهُ
الْهَزِيعُ، كل هذا من كتاب كراع «2» .
__________
(1) تستعمل للضوء وللظلمة.
(2) أنظر المخصص لابن سيده ففيه تفصيل لليل واجزائه.
(5/470)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن الدم والبول: وذكر أن بن مالك سِنَانٍ مَصّ دَمَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَازْدَرَدَهُ، وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ
ابْنُ الزّبَيْرِ، وَهُوَ غُلَامٌ حَزَوّرٌ حِينَ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَمَ مَحَاجِمِهِ لِيَدْفِنَهُ
فَشَرِبَهُ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَمَا قَالَ لِمَالِكِ حِينَ ازْدَرَدَ دَمَ جُرْحِهِ: مَنْ مَسّ دَمَهُ
دَمِي، لَمْ تُصِبْهُ النّارُ. لَكِنّهُ قَالَ لَابْنِ الزّبَيْرِ وَيْلٌ
لَك مِنْ النّاسِ وَوَيْلٌ لِلنّاسِ مِنْك. ذكره الدّار قطنى فِي السّنَنِ،
وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّ دَمَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَالِفُ دَمَ غَيْرِهِ فِي التّحْرِيمِ «1» وَكَذَاك
بَوْلُهُ قَدْ شَرِبَتْهُ أُمّ أَيْمَنَ حِينَ وَجَدَتْهُ فِي إنَاءٍ مِنْ
عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا «2» ،
وَذَلِكَ وَاَللهُ أَعْلَمُ لِلْمَعْنَى الّذِي بيّناه فى حديث نزول
الملكين
__________
(1) كيف يقام فقه على نص كهذا لم يخرجه أحد من أصحاب الكتاب الستة، هو
والذى قبله؟
(2) لست أدرى من أين جاء بهذا؟ وهل يظن أن مكانة النبى لا يتحقق وجودها
الأعظم فوق قمة الكمال والجمال الإنسانى النبوى إلا بمثل هذا الذى يؤكد
الحق أنه باطل؟. كيف يمنع البخارى ومسلم وأبو داد والنسائى والترمذى وابن
ماجة وأحمد عن روايتهما؟! وحديث البول لم يخرجه واحد منهم أيضا، فما أخرجه
سوى الحسن بن سفيان فى مسنده وأبى يعلى والحاكم والدار قطنى وأبى نعيم، وهى
أسماء لا ترتبط بالصحيح إلا حين يكون صحيحا فى الكتب الأخرى، وكيف يظن
برسول الله- وهو الطاهر المطهر الداعى إلى الطهارة والتطهر أن يقول لأم
أيمن: إنك لن تشتكى بطنك بعد يومك هذا؟. يجب أن نمجد- رسول الله-
(5/471)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ حِينَ غَسَلَا جَوْفَهُ بِالثّلْجِ فِي طَسْتِ الذّهَبِ، فَصَارَ
بِذَلِكَ مِنْ الْمُتَطَهّرِينَ، وَبَيّنَا أَيْضًا هُنَالِكَ أَنّهُ مِنْ
الْمُتَطَهّرِينَ كَأُمّتِهِ لِتَطَهّرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَالْحَمْدُ
لِلّهِ، «1» إلّا أَنّ أَبَا عُمَرَ النّمَرِيّ ذَكَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ
أَنّ رَجُلًا مِنْ الصّحَابَةِ اسْمُهُ: سَالِمٌ حَجَمَ رَسُولَ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ ازْدَرَدَ دَمَهُ، فَقَالَ له
رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَمَا عَلِمْت أَن الدّمُ كُلّهُ حَرَامٌ؟
غَيْرَ أَنّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ «2»
وَحَدِيثُ ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ رَوَى الزّبَيْرُ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَا يَشُدّهُ وَيُتَمّمُ مَعْنَاهُ. قَالَ فِي حَدِيثٍ
أَسْنَدَهُ: لَمّا وُلِدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَيْرِ نَظَرَ إلَيْهِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هُوَ هُوَ، فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ
أَسْمَاءُ أُمّهُ، أَمْسَكَتْ عَنْ إرْضَاعِهِ، فَقَالَ لَهَا- عَلَيْهِ
السّلَامُ:
أَرْضِعِيهِ، وَلَوْ بِمَاءِ عَيْنَيْك، كَبْشٌ بَيْنَ ذِئَابٍ، وذئاب
عليها ثياب ليمنعنّ البيت، أو ليقتتلنّ دونه «3» .
__________
- صلى الله عليه وسلم فى نبوته، وإنسانيته التى سست بها النبوة، لا فى بوله
وغائطه.
(1) إذا كيف قال له الله: (ووجدك ضالا، فهدى) ؟ وكيف أخرج البخارى ما أخرج
عن السفرة التى قدمها- رسول الله «ص» قبل بعثته إلى زيد ابن عمرو بن نفيل،
وكان عليها ما ذبح على النصب؟!
(2) ولكن هذا الذى لا يعرف له إسناد من القرآن الكريم أعظم إسناد.
(3) كل قوم أعجبوا برجل أخرجوا له مثل هذا!! وفى ألفاظه دليل أنه زور
(5/472)
تم بحمد الله الجزء الخامس ويليه الجزء
السادس ان شاء الله وأوله: قتل الرسول لأبىّ بن خلف
(5/473)
فهرس الجزء الخامس
من الروض الأنف
5 مقدمة الجزء الخامس
7 ذكر نصاري نجران وما أنزل الله فيهم
معنى العاقب، والسيد، والأسقف «س» «1»
7 منزلة أبى حارثة عند ملوك الروم «س»
7 السبب فى إسلام كرز بن علقمة «س»
8 رؤساء نجران وإسلام ابن رئيس منهم «س»
9 صلاة النصارى إلى المشرق
9 أسماء وفد نجران ومعتقدهم ومجادلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم «س»
11 تفسير ما نزل من آل عمران فى وفد نجران «س»
13 ما نزل من القرآن فيما ابتدعته اليهود والنصارى «س»
14 مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ وتحذيرهم «س»
15 مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى «س»
15 آيات عن زكريا ومريم «س»
16 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س»
16 دعوى كفالة جريج الراهب لمريم «س»
17 مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عيسى عليه السلام «س»
17 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س»
18 رفع عيسى عليه السلام «س»
19 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س»
20 إباؤهم الملاعنة «س»
21 تولية أبى عبيدة أمورهم «س»
21 نبذ من ذكر المنافقين «س»
__________
(1) «س» رمز عن السيرة. و «ن. ل» رمز عن النحو واللغة. و «ش» رمز عن الشرح.
أما الروض فبدون رمز
(5/475)
21 ابن أبى وابن صيفى «س»
22 إسلام ابن أبى «س»
22 إصرار ابن صيفى على كفره «س»
22 مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ «ص» «س»
23 الاحتكام إلى قيصر فى ميراثه «س»
24 هجاء كعب لابن صيفى «س»
25 خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذلك «س»
25 غضب الرسول «ص» من كلام ابن أبى «س»
26 ذكر من اعتسل من أصحاب رسول الله «ص» «س»
27 مرض أبى بكر وعامر وبلال وحديث عائشة عنهم «س»
27 ما جهد المسلمين من البلاء «س»
28 بدء قتال المشركين «س»
28 ذكر نصاري نجران وما أنزل الله فيهم
28 تأويل كن فيكون
29 تأويل آيات محكمات
31 التأويل «ش»
33 احتجاج القسيسين للتثليت
34 احتجاجهم لألوهية عيسى
36 وضعتها أنثى
37 المباهلة
39 سلول
39 الحبلى «ن. ل»
40 الملك فى العرب
41 مزاحم أطمة
43 وعك أبى بكر وبلال وعامر
45 الإذخر
46 مجنة، شامة، طفيل
47 اللهم حبب إلينا المدينة
48 النهى عن سب الحمى
50 الكلام على حديث صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ
الْقَائِمِ
51 تاريخ الهجرة «س»
51 غزوة ودان
51 موادعة بنى ضمرة والرجوع من غير حرب «س»
52 سرية عبيدة بن الحارث «س»
52 من فر من المشركين إلى المسلمين «س»
53 شعر أبى بكر فيها «س»
55 شعر ابن أبى وقاص فى رميته «س»
55 أول راية فى الإسلام كانت لعبيدة «س»
55 سرية حمزة إلى سيف البحر «س»
(5/476)
55 ما جرى بين المسلمين والكفار «س» .
56 كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وشعر حمزة فى
ذلك «س» .
57 شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ «س» .
58 غزوة يواط «س» .
59 غزوة العشيرة «س» .
60 تكنية على بأبى تراب «س» .
61 سرية سعد بن أبى وقاص «س»
61 غزوة سفوان «س» .
62 سرية عبد الله بن جحش «س» .
63 الخلاف حول نسب الحضرمى «س» .
64 الرسول «ص» يستنكر القتال فى الشهر الحرام «س» .
65 ما نزل من القرآن فى فعل ابن جحش «س» .
67 ما قيل من شعر فى هذه السرية «س» .
67 صرف القبلة إلى الكعبة «س»
68 تاريخ الهجرة وغزوة ودان.
69 غزوة عبيدة بن الحارث.
70 شَرْحُ الْقَصِيدَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَصِيدَةِ ابن
الزبعرى وأبى جهل.
72 أسماء ممنوعة من التنوين «ن. ل» .
73 رواية شعر الكفرة
74 غزوة بواط.
75 غزوة العشيرة.
77 تكنية على بأبى تراب.
77 أشقى الناس.
78 موادعة بنى ضمرة.
78 سرية عبد الله بن جحش.
78 صحة الرماية بالمناولة.
79 أولاد الحضرمى.
80 حكمة تحريم القتال فى الأشهر الحرم.
81 غزوة بدر الكبرى «س» .
81 عير أبى سفيان «س» .
82 ندب المسلمين للعير وحذر أبى سفيان «س» .
83 ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب «س» .
83 ذيوع الرؤيا وما أحدثت بين أبى جهل والعباس «س» .
85 قريش تنجهز للخروج «س»
85 خروج عقبة «س» .
86 ما وقع بين قريش وكنانة «س» .
88 الشيطان وقريش «س» .
88 خروجه صلى الله عليه وسلم «س»
(5/477)
88 اللواء والرايتان «س» .
89 إبل المسلمين إلى بدر «س» .
89 الطريق إلى بدر «س» .
91 قول أبى بكر وعمر والمقداد فى الجهاد «س» .
91 الرسول «ص» يستشير الأنصار «س» .
92 تفرق أخبار قريش «س» .
95 نجاة أبى سفيان بالعير «س» .
95 رؤيا جهيم بن لاصلت «س» .
96 كان أبو سفيان لا يريد حربا «س» .
96 رجوع بنى زهرة «س» .
97 منزل المسلمين ومنزل قريش «س» .
97 مشورة الحباب «س» .
98 بناء العريش لرسول الله «ص» «س» .
99 ارتحال قريش «س» .
101 نسب الحنظلية «س» .
102 مقتل الأسود المخزومى «س»
102 دعاء عتبة إلى المبارزة «س»
102 التقاء الفريقين «س» .
105 مناشدة الرسول ربه النصر «س» .
105 أول قتيل «س» .
105 تحريض لمسلمين على القتال «س»
106 رمى الرسول للمشركين بالحصباء «س» .
107 نَهْيُ النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ المشركين «س» .
109 مقتل أمية بن خلف «س» .
111 شهود الملائكة وقعة بدر «س» .
113 مقتل أبى جهل «س» .
113 شعار لمسلمين ببدر «س» .
113 عود إلى مقتل أبى جهل «س» .
116 غزوة بدر.
116 تحسس الأخبار
117 رؤيا عاتكة.
118 معنى اللياط.
118 المجمرة والألوة.
118 شرح شعر مكرز.
119 مواضع نزل فيها الرسول «ص»
120 أنساب.
121 التطير وكراهية الاسم للقبيح.
122 جبلا مسلح ومخرىء.
123 تعوير قلب المشركين «ن. ل» .
125 تفسير كلمات.
125 مَنْ قَائِلٌ أَبِي عُذْرِهَا وَمَا دَاءُ أَبِي جهل
127 حول سواد بنى غزية «ن، ل» .
(5/478)
128 تفسير بعض مناشدتك.
129 معنى مناشدة أبى بكر.
130 المقام والخوف والرجاء عند
132 الصوفية «ش» .
132 جهاد النبى فى المعركة.
132 المفاعلة
133 عصب وعصم.
134 حديث عمير بن الحمام
134 حديث عوف بن عفراء
134 ضحك الرب
136 شرح كلام أبى البخترى والمجذر
137 تفسير ها الله وهيروه «ن. ل»
138 أقدم حيزوم «ن. ل»
139 معنى قوله تعالى (فقبضت قبضة من أثر الرسول) «ش»
140 نسب أبى داود المازنى
141 الغلامان اللذان قتلا أبى جهل
142 نسب عفراء بنت عبيد «ش»
144 إضمار حرف الجر «ن. ل»
145 خبر عكاشة بن محصن «س»
146 حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ يوم بدر «س»
146 طرح المشركين فى القليب «س»
148 شعر حسان فيمن ألقوا فى القليب «س»
149 من نزل فيهم (إن الذين توفتهم الملائكة ظالمى أنفسهم) «س»
150 ذكر الفىء ببدر «س»
151 بعث ابن رواحة وزيد بشيرين «س»
152 قفول رسول الله من بدر «س»
153 مقتل النضر وعقبة «س»
155 بلوغ مصاب قريش إلى مكة «س»
157 نواح قريش على قتلاهم «س»
159 أمر سهيل بن عمرو وفداؤه «س»
160 أسر عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه «س»
161 أسر أبى العاص بن الربيع «س»
162 سبب زواج أبى العاص من زينب «س»
162 سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أزواجهن «س»
163 أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فدائه «س»
164 خروج زينب إلى المدينة.
نأهبها وإرسال الرسول رجلين ليصحباها «س»
164 هند تحاول تعرف أمر زينب «س»
165 مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا ومشورة أبى
سفيان «س»
(5/479)
166 شعر لأبى خيثمة فيما حدث لزينب «س»
166 الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ فِي مولى يمين أبى
سفيان «س»
167 شعر هند وكنانة فى خروج زينب «س»
167 الرسول يحل دم هبار «س»
168 إسلام أبى العاص بن الربيع استيلاء المسلمين على تجارة معه وإجازة زينب
له «س»
169 المسلمون يردون عليه ماله ثم يسلم «س»
169 زوجته ترد إليه «س»
170 مثل من أمانة أبى العاص «س»
170 الذين أطلقوا من غير فداء «س»
171 ثمن الفداء «س»
172 خبر عكاشة بن محصن
173 سبقك بها عكاشة
174 نداء أصحاب القليب
174 مسألة نحوية «ن. ل»
177 من معانى شعر حسان
179 معنى إلقائهم فى القليب
179 عود إلى شعر حسان
180 معنى الجبوب
180 مرة أخرى شعر حسان
181 تفسير قول ابن أبى بكر
182 العرش والعريش
182 بنو عابد وبنو عائذ
182 حول القسم
182 سبب نزول أول الأنفال
184 عقبة بن أبى معيط
185 الطعن فى نسب بنى أمية
186 أبو هند الحجام
187 أسارى بدر
188 خَبَرُ أَبِي رَافِعٍ حِينَ قَدِمَ فَلّ قُرَيْشٍ
188 أم الفضل وضربها لأبى لهب
193 ضبيرة
193 ابن الدخشم
194 حول شعر مكرز
194 أبو العاصى بن الربيع
197 اتباع قريش لزينب.
197 تفسير قصيدة أبى خيثمة
200 رد زينب على زوجها
201 شعر بلال فى مقتل أمية
202 إسلام عمير بن وهب. صفوان يحرضة على قتل الرسول «س»
202 رؤية عمر له وإخباره الرسول بأمره «س» .
203 الرسول يحدثه بما بينه هو وصفوان فيسلم «س»
(5/480)
204 رجوعه إلى مكة يدعو للاسلام «س»
205 هو أو ابن هشام الذى رأى إبليس. وما نزل فيه «س»
205 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س»
206 شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ من تغرير إبليس
بقريش
207 المطمعون من قريش «س»
207 من بنى هاشم.
من بنى عبد شمس من بنى نوفل.
من بنى أسد.
من بنى عبد الدار «س»
208 نسب النضر «س»
208 من بنى مخزوم.
من بنى جمح.
من بنى سهم.
من بنى عامر «س»
208 أسماء خيل المسلمين يوم بدر
209 خيل المشركين «س»
209 نزول سورة الأنفال «س»
209 ما نزل فى تقسيم الأنفال «س»
209 مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لملاقاة قريش «س»
210 مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ،
وتحريضهم «س»
211 مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ «س»
211 ما نزل فى الاستفتاح «س»
212 ما نزل فى حصن المسلمين على طاعة الله «س»
213 مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الرسول «س»
213 ما نزل فى غرة قريش واستفتاحهم «س»
214 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س»
215 المدة بين (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وبدر «س»
215 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س»
215 ما نزل فيمن عاونوا أبا سفيان «س»
216 الأمر بقتال الكفار «س»
216 ما نزل فى تقسيم الفىء «س»
217 ما نزل فى لطف الله بالرسول «س»
218 مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الحرب
«س»
(5/481)
219 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س»
221 ما نزل فى الأسارى والمغائم «س»
222 ما نزل فى التواصل بين المسلمين «س»
223 إسلام عمير بن وهب
223 هل تجسد إبليس فى غزوة بدر؟
225 ذكر ما أنزل الله فى بدر
231 عن قتال الملائكة
232 قول الشيخ رشيد رضا «ش»
235 حول التولى يوم الزحف والأنتصارات الإلاسعية الباهرة
240 الذين فى قلوبهم مرض فى بدر
240 رأى الأخنش وَأَبِي جَهْلٍ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
241 من الآخرون؟
242 حول غنائم بدر
245 خيل بدر
249 محمد قبل البعثة «ش»
251 تقويم لحياته بعد الرسالة «ش»
253 من شهد بدرا من المسلمين «س»
253 من بنى هاشم «س»
254 من بنى عبد شمس «س» .
255 نسب سالم «س» .
255 من حلفاء بنى عبد شمس «س»
256 من حلفاء بنى كبير «س»
256 من بنى نوفل «س» .
256 من بنى أسد «س» .
257 من بنى عبد الدار «س» .
257 من بنى زهرة «س» .
258 من بنى تيم «س»
259 نسب الثمر «س» .
259 من بنى مخزوم «س» .
260 سبب تسمية الشماس «س» .
260 من بنى عدى وحلفائهم «س» .
262 من بنى جمح وحلفائهم «س» .
262 من بنى عامر «س» .
262 من بنى الحارث «س» .
263 عدد من شهد بدرا من المهاجرين «س» .
263 الأنصار ومن معهم «س»
263 من بنى عبد الأشهل «س» .
264 من بنى عبيد بن كعب وحلفائهم
265 سبب تسمية عبيد بمقرن «س»
265 من بنى عبد بن رزاح وحلفائهم
265 من بنى حارثة «س» .
265 من بنى عمرو «س» .
266 من بنى أمية «س» .
266 من بنى عبيد وحلفائهم «س» .
267 من بنى ثعلبة «س» .
268 من بنى جحجى وحلفائهم «س»
(5/482)
269 من بنى غنم «س»
269 من بنى معاوية وحلفائهم «س»
270 عدد من شهد بدرا من الأوس «س» .
270 من بنى امرىء القيس.
270 من بنى زيد «س» .
270 من بنى عدى «س» .
271 من بنى أحمر «س» .
271 من بنى جشم «س» .
271 من بنى حدارة «س» .
272 من بنى الأبحر «ش» .
272 من بنى عوف «س» .
273 من بنى جزء وحلفائهم «س»
273 من بنى سالم «س» .
274 من بنى أصرم «س» .
274 من بنى دعد «س» .
274 من بنى لوذان وحلفائهم «س»
275 من بنى ساعدة «س» .
276 من بنى البدى وحلفائهم «س»
276 من بنى طريف وحلفائهم «س»
277 من بنى جشم «س» .
277 نسب الجموح «س» .
278 من بنى عبيد وحلفائهم «س»
278 من بنى خناس «س» .
279 من بنى النعمان «س» .
279 من بنى سواد «س» .
280 من بنى زريق «س» .
281 من بنى خالد «س» .
281 من بنى خلدة «س» .
281 من بنى العجلان «س» .
282 من بنى بياضة «س» .
282 من بنى حبيب «س» .
283 من بنى النجار «س» .
283 من بنى عسيرة «س» .
283 من بنى عمرو «س» .
283 من بنى عبيد بن ثعلبة «س»
284 من بنى عائد وحلفائهم «س»
284 من بنى زيد «س» .
284 من بنى سواد وحلفائهم «س»
284 نسب عفراء «س» .
285 من بنى عامر بن مالك «س»
285 من بنى عمرو بن مالك «س»
285 نسب خديلة «س»
286 من بنى عدى بن عمرو «س»
286 من بنى عدى بن النجار «س»
287 من بنى حرام بن جندب «س»
287 من بنى مازن بن النجار وحلفائهم «س» .
288 من بنى خنساء بن مبذول «س» «س» .
288 من بنى ثعلبة بن مازن س
288 من بنى دينار بن النجار س
289 من فات ابن إسحاق ذكرهم س.
(5/483)
289 عدد البدريين جميعا «س» .
289 من استشهد من المسلمين يوم بدر «س» .
290 القرشيون من بنى عبد المطلب «س» .
290 من بنى زهرة «س» .
290 من بنى عدى «س» .
290 من بنى الحارث بن فهر «س» .
290 ومن الأنصار «س» .
290 من بنى الحارث بن الخزرج «س» .
291 من بنى سلمة «س» .
291 من بنى حبيب «س» .
291 من بنى النجار «س» .
291 من بنى غنم «س» .
291 تسمية من شهد بدرا.
293 قصة خوات.
294 نسب النعمان بن عصر.
295 تصويب أنساب.
295 صاحب الصاع.
296 قريوش أو قريوس «ن. ل» .
296 جدارة أو خدارة.
297 رجيلة أو رخيلة.
297 تصويب نسب.
297 حول الذين استشهدوا فى بدر.
298 ذو الشمالين وذو اليدين.
299 خطأ المبرد.
302 من قتل ببدر من المشركين «س» .
302 من بنى عبد شمس «س» .
303 من بنى نوفل «س» .
303 من بنى أسد «س» .
304 من بنى عبد الدار «س» .
305 من بنى تيم بن مرة «س» .
305 من بنى مخزوم «س» .
307 من بنى سهم «س» .
308 من بنى جمح «س» .
309 من بنى عامر «س» .
309 عددهم «س» .
310 من فات ابن إسحاق ذكرهم «س» .
310 من بنى عبد شمس «س» .
310 من بنى أسد «س» .
310 من بنى عبد الدار «س» .
310 من بنى تيم «س» .
310 من بنى مخزوم «س» .
311 من بنى جمح «س» .
311 من بنى سهم «س» .
311 ذكر أسرى قريش يوم بدر «س» .
311 من بنى هاشم «س» .
311 من بنى عبد المطلب «س» .
312 من بنى عبد شمس وحلفائهم «س» .
312 من بنى نوفل وحلفائهم «س» .
(5/484)
312 من بنى عبد الدار وحلفائهم «س» .
313 من بنى أسد وحلفائهم. «س» .
313 من بنى مخزوم «س» .
314 من بنى سهم «س» .
314 من بنى جمح «س» .
314 من بنى عامر «س» .
315 من بنى الحارث «س» .
315 ما فات ابن إسحاق ذكرهم.
315 من بنى هاشم «س» .
315 من بنى المطلب «س» .
315 من بنى عبد شمس «س» .
316 من بنى نوفل «س» .
316 من بنى أسد «س» .
316 من بنى عبد الدار «س» .
316 من بنى تيم «س» .
316 من بنى مخزوم «س» .
316 من بنى جمح «س» .
317 من بنى سهم «س» .
317 من بنى عامر «س» .
317 من بنى الحارث «س» .
317 مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر «س» .
324 شعر لحسان فى بدر أيضا «س» .
326 شعر الحارث فى الرد على حسان «س» .
326 شعر لحسان فيها أيضا «س» .
330 شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ «س» .
331 رثاء كعب لعبيدة بن الحارث «س» .
331 شعر لكعب فى بدر «س» .
332 شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ القليب «س» .
333 شعر ضرار فى رثاء أبى جهل «س» :
334 شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جهل «س» .
335 شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ «س» .
336 شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي رِثَاءِ قتلى بدر «س» .
339 شعر أبى أسامة «س» .
342 شعر هند بنت عتبة «س» .
344 شعر صفية «س» .
345 شعر هند بنت أثاثة «س» .
345 شعر قتيلة بنت الحارث «س» .
346 تاريخ الفراغ من بدر «س» .
347 من قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
348 السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ.
351 أوس بن خولى.
351 أخو طلحة.
351 ابن عبد الله بن جذعان.
352 حذيفة بن أبى حذيفة.
(5/485)
352 تَسْمِيَةُ مَنْ أُسِرَ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ.
353 عقيل بن أبى طالب.
354 نوفل بن الحارث.
354 أبو العاصى بن الربيع وغيره.
357 الحكم بن عبد المطلب.
358 من الذين أسلموا من أسارى بدر.
361 ممن لم يسلم من الأسارى.
361 تاريخ وفاة رقية.
363 أشعار يوم بدر.
363 الشعر المنسوب إلى حمزة.
364 شعر على.
365 حول شعر حسان.
365 الفرق بين مفعل وفعل «ن. ل»
366 عود إلى شعر حسان.
368 حول شعر الحارث بن هشام.
368 عود إلى حسان.
370 الانتخاء «ن. ل» .
372 قوله: وميكال فياطيب الملاء «ن. ل» .
374 شرح شعر أبى أسامة.
376 قولهم: سراة القوم «ن. ل» .
383 شرح القصيدة الفاوية لأبى أسامة
386 شعر هند.
387 شعر قتيلة.
388 غزوة بنى سليم بالكدر «س» .
389 غزوة السويق «س» .
390 غزوة ذى أمر «س» .
391 غزوة الفرع من بحران «س» .
391 أمر بنى قينقاع «س» .
391 نصيحة الرسول لهم وردهم عليه «س» .
392 ما نزل فيهم «س» .
392 كانوا أول من نقض العهد «س» .
292 سبب الحرب بينهم وبين المسلمين «س» .
393 مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ «س» .
394 مدة حصارهم «س» .
394 تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فيه وفى ابن
أبى «س» .
395 سرية زيد بن حارثة إلى القردة «س» .
395 إصابة زيد للعير وإفلات الرجال «س» .
396 شعر حسان فى تأنيب قريش «س» .
396 مقتل كعب بن الأشرف «س» .
396 اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ
المشركين «س» .
397 شعره فى التحريض على الرسول «س» .
398 شعر حسان فى الرد عليه «س» .
(5/486)
399 شعر ميمونة فى الرد على كعب «س» .
399 شعر كعب فى الرد على ميمونة «س» .
400 تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ
«س»
402 شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الأشرف «س»
403 شِعْرُ حَسّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أبى الحقيق «س»
404 عزوة قرقرة الكدو
405 سلامة بن مشكم
407 خبر بنى قينقاع
408 سرية زيد
409 حول كلمة المخاصمة والملك «ن. ل»
413 مقتل كعب بن الأشرف
416 أمر محيصة وحويضة «س»
416 لَوْمُ حُوَيّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ
إسلامه «س»
417 رواية أخرى فى إسلام حويصة «س» .
418 المدة بين قدوم الرسول بحران وغزوة أحد «س»
419 غزوة أحد «س»
419 التحريض على عزو الرسول «س»
420 ما نزل فى ذلك من القرآن «س»
420 اجتماع قريش للحرب «س»
421 خروج قريش معهم لساؤهم «س»
422 رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «س»
423 مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ «س»
424 انخذال المنافقين «س»
424 حادثة تفاءل بها الرسول «س»
425 مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حائطه «س»
426 مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ «س»
427 أمر أبى دجانة «س»
427 أمر أبى عامر الفاسق «س»
428 أسلوب أبى سفيان فى تحريض قريش «س»
428 تحريض هند والنسوة معها «س»
429 شعار المسلمين «س»
429 تمام قصة أبى دجانة «س»
430 مقتل حمزة «س»
431 وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حمزة
«س»
(5/487)
433 وحشى بين يدى الرسول يسلم «س»
434 قتل وحشى لمسيلمة «س»
434 خلع وحشى من الديوان «س»
435 مقتل مصعب بن عمير «س»
436 شأن عاصم بن ثابت «س»
436 حنظلة غسيل الْمَلَائِكَةُ
437 شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سفيان «س»
438 شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ «س»
439 شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أيضا «س»
439 حديث الزبير عن سبب الهزيمة «س»
440 شجاعة صؤاب وشعر حسان فى ذلك «س»
441 شعر حسان فى عمرة الحارثية «س»
441 ما لقيه الرسول يوم أحد «س»
443 شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرسول «س»
443 ابن السكن وبلاؤه يوم أحد «س»
444 حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يوم أحد «س»
445 أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرسول «س»
445 بلاء قتادة وحديث عينه «س»
445 شأن أنس بن النضر «س»
446 ما أصاب ابن عوف من الجراحات «س»
446 أول من عرف الرسول بعد الهزيمة «س»
447 قتل محيصة اليهودى
447 غزوة أحد
448 فضل أحد
449 مشاكلة اسم الجبل لأغراض التوحيد
450 وفاة هارون ودفنه بالشام وليس بأحد «ش»
451 رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
452 الفأل والطيرة
453 المستصغرون يوم أحد
454 حول شعر هند بنت عتبة
456 أبو دجانة
459 حديث وحشى
462 قول على أنا أبو القصم «ن. ل»
462 عن مقتل حنظلة
464 شعر أبى سفيان
464 لدن غدوة «ن. ل»
466 جداية شرك «ن. ل»
468 الصارح يوم أحد.
468 أزب العقبة «ن. ل»
469 حال من رموا النبى
470 أسماء أجزاء الليل
471 عن الدم والبول
473 فهرس الجزء الخامس.
(5/488)
|