الروض الأنف ت الوكيل

 [عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ خَيْبَرَ، أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَشَوّالًا، يَبْعَثُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِهِ وَسَرَايَاهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الّذِي صَدّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، مكان عمرة الّتِي صَدّوهُ عَنْهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ على المدينة عوف بن الأضبط الدّيلى.
وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقِصَاصِ، لِأَنّهُمْ صَدّوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتّ، فَاقْتَصّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ مَكّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ الّذِي صَدّوهُ فِيهِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ.
وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: وأنزل الله في ذلك: (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِمّنْ كَانَ صُدّ مَعَهُ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ، وَهِيَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَلَمّا سَمِعَ بِهِ أَهْلُ مَكّةَ خَرَجُوا عَنْهُ، وَتَحَدّثَتْ قُرَيْشٌ بَيْنَهَا أَنّ مُحَمّدًا وأصحابه في عسرة وجهد وشدّة.
قال ابن إسحاق: فحدثنى من لا انهم، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: صَفّوا لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/7)


عِنْدَ دَارِ النّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ، وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى، ثُمّ قَالَ: رَحِمَ اللهُ امْرَأً أَرَاهُمْ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوّةً، ثُمّ اسْتَلَمَ الرّكْنَ، وَخَرَجَ يُهَرْوِلُ وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ، حَتّى إذَا وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَمَ الرّكْنَ الْيَمَانِيّ، مَشَى حَتّى يَسْتَلِمَ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ، ثُمّ هَرْوَلَ كَذَلِك ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى سَائِرَهَا. فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُول: كَانَ النّاسُ يَظُنّونَ أَنّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنّمَا صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ، حَتّى إذَا حَجّ حَجّةَ الْوَدَاعِ فلزمها، فمضت السّنة بها.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ دَخَلَ مَكّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ يَقُولُ:
خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... خَلّوا فَكُلّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ
يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... أَعْرِفُ حَقّ اللهِ فِي قَبُولِهِ
***
نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تنزيله
ضربا يزبل الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ» إلى آخر الأبيات، لعمّار بن ياسر فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ، وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أن ابن رواحة إنما أراد المشركين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/8)


والمشركون لم يقرّوا بالتنزيل، وإنما يقتل على التأويل من أقرّ بالتنزيل.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجّاجِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ، وَكَانَ الّذِي زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى أُخْتِهَا أُمّ الفضل، وَكَانَتْ أُمّ الْفَضْلِ تَحْتَ الْعَبّاسِ، فَجَعَلَتْ أُمّ الْفَضْلِ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ، فَزَوّجَهَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ، وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مائة درهم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ ثَلَاثًا، فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بن عبد العزى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نصر بن مالك بن حِسْلٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ وَكّلَتْهُ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ؛ فَقَالُوا لَهُ: إنّهُ قَدْ انْقَضَى أَجَلُك، فَاخْرُجْ عَنّا؛ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَمَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ؟ قَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي طَعَامِك، فَاخْرُجْ عَنّا. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَخَلّفَ أَبَا رافع مولاه على ميمونة، أَتَاهُ بِهَا بِسَرِفَ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُنَالِكَ، ثُمّ انْصَرَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذى الحجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/9)


قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ عليه، فيما حدثنى أبو عبيدة:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً يَعْنِي خيبر.