الروض
الأنف ت الوكيل [ابْتِدَاءُ شَكْوَى رَسُولِ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]
بدء الشكوى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ
اُبْتُدِئَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَكْوِهِ الّذِي
قَبَضَهُ اللهُ فِيهِ، إلَى مَا أَرَادَ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ
وَرَحْمَتِهِ، فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ، أَوْ فِي أَوّلِ شَهْرِ
رَبِيعٍ الْأَوّلِ، فَكَانَ أَوّلُ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ،
فِيمَا ذُكِرَ لِي، أَنّهُ خَرَجَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، مِنْ جَوْفِ
اللّيْلِ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، فَلَمّا
أَصْبَحَ اُبْتُدِئَ بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ،
مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ
اللّيْلِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ
أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي، فَانْطَلَقْت
مَعَهُ، فَلَمّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قال: السلام عليكم يا أهل
الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِئَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمّا أَصْبَحَ
النّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ،
يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوّلَهَا، الْآخِرَةُ شَرّ مِنْ الْأُولَى؛ ثُمّ
أَقْبَلَ عَلَيّ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إنّي قَدْ أُوتِيت
مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمّ الْجَنّةُ،
فَخُيّرْت بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّي وَالْجَنّةِ. قَالَ:
فَقُلْت:
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا
وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمّ الْجَنّةَ، قَالَ:
لَا وَاَللهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدْ اخْتَرْت لِقَاءَ رَبّي
وَالْجَنّةَ، ثُمّ أَسَتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/506)
ثُمّ أَنْصَرِف، فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ الّذِي قَبَضَهُ اللهُ فِيهِ.
[تَمْرِيضُهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ
بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ
الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رأسى، وأنا أقول: وا
رأساه، فقال: بل أنا والله يا عائشة وا رأساه. قَالَتْ: ثُمّ قَالَ: وَمَا
ضَرّكِ لَوْ مُتّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْك وَكَفّنْتُك، وَصَلّيْت
عَلَيْك وَدَفَنْتُك؟ قَالَتْ: قُلْت: وَاَللهِ لَكَأَنّي بِك، لَوْ قَدْ
فَعَلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ رَجَعْتَ إلَى بَيْتِي، فَأَعْرَسْت فِيهِ
بِبَعْضِ نِسَائِك، قَالَتْ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ، وَهُوَ يَدُورُ عَلَى
نِسَائِهِ حَتّى اسْتَعَزّ بِهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَدَعَا
نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنّ فِي أَنْ يُمَرّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنّ لَه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَجّةُ الْوَدَاعِ ذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَوْلَهَا:
فَأَهْلَلْنَا بِالْحَجّ وَمَا نَذْكُرُ إلّا أَمْرَ الْحَجّ، وَهَذَا
يَدُلّ عَلَى أَنّهُمْ أَفْرَدُوا، وَقَدْ بَيّنَ ذَلِكَ جَابِرٌ فِي
حَدِيثِهِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْرَدَ
الْحَجّ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «1» ، وَقَدْ رُوِيَ
__________
(1) يقول الإمام ابن القيم: «وإنما قلنا إنه أحرم قارنا لبضعة وعشرين حديثا
صحيحة صريحة فى ذلك» ثم ساق- رضى الله عنه- اثنين وعشرين حديثا-
(7/507)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ طُرُقٍ فِيهَا لِينٌ عَنْ جَابِرٍ أَنّهُ قَالَ قَرَنَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ، وَطَافَ
لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا، رَوَاهُ
الدّارَقُطْنِيّ «1» ، وَرُوِيَ أَيْضًا أَنّ جَابِرًا قَالَ: حَجّ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حَجّاتٍ، حَجّتَيْنِ
قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَحَجّتَهُ الّتِي قَرَنَهَا بِعُمْرَتِهِ «2» ،
وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ فَصَحِيحٌ، وَقَالَ فِيهِ: طَافَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجّتِهِ وَعُمْرَتِهِ
طَوَافًا وَاحِدًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ عَلِيّ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ
طَافَ عَنْهُمَا طَوَافَيْنِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ
قَارِنًا، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فِي أَنّهُ
عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ قَارِنًا، وَأَمّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَصَرّحَ فِيهِ
بِأَنّهُ كَانَ قَارِنًا، وَقَالَ: مَا تَعُدّونَا إلّا صِبْيَانًا سَمِعْت
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرُخُ بِهِمَا
جَمِيعًا «3» يَعْنِي الحجّ والعمرة، فاختلفت الروايات فى إحرام
__________
- يستدل بها على أنه صلى الله عليه وسلم أحرم قارنا لا مفردا، ثم نقل عن
شيخه الإمام ابن تيمية ما يؤكد به أن الأحاديث فى هذا متفقة لا مختلفة، وإن
بدت بظواهرها مختلفة. فراجعه فهو فصل رائع ممتع للامام الجليل 369 وما
بعدها ح 1 زاد المعاد.
(1) ورواه أحمد والترمذى. وفيه الحجاج بن أرطاة. وحديثه كما يقول ابن القيم
لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشىء، أو يخالف الثقات.
(2) رواه الترمذى ثم قال: وهذا حديث غريب من حديث سفيان. قال: وسألت محمدا-
يعنى البخارى- عن هذا فلم يعرفه من حديث الثورى، وفى رواية: لا يعد بهذا
الحديث محفوظا. وإنما يروى عن الثورى عن أبى إسحاق السبعينى عن مجاهد
مرسلا.
(3) وفى رواية: سمعت رسول الله «ص» يقول: لبيك حجا وعمرة، وحديث أنس فى
الصحيحين.
(7/508)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تَرَى: هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ
قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتّعًا، وَكُلّهَا صِحَاحٌ إلّا مَنْ قَالَ: كَانَ
مُتَمَتّعًا، وَأَرَادَ بِهِ أَنّهُ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ، وَأَمّا مَنْ
قَالَ:
تَمَتّعَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ: أَمَرَ
بِالتّمَتّعِ، وَفَسْخِ الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ، فَقَدْ يَصِحّ هَذَا
التّأْوِيلُ، وَيَصِحّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ تَمَتّعَ إذَا قَرَنَ، لِأَنّ
الْقِرَانَ ضَرْبٌ مِنْ الْمُتْعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ أَحَدِ
السّفَرَيْنِ. وَاَلّذِي يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ حَدِيثُ الْبُخَارِيّ
أَنّهُ أَهَلّ بِالْحَجّ، فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ،
فَقَالَ لَهُ: إنّك بِهَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، فَقُلْ: لَبّيْكَ
بِحَجّ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَقَدْ صَارَ قَارِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ
مُفْرِدًا، وَصَحّ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَأَمْرُهُ لِأَصْحَابِهِ أَنْ
يَفْسَخُوا الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ خُصُوصٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ
أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُذْهِبَ مِنْ قُلُوبِهِمْ
أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ فِي تَحْرِيمِهِمْ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ
الْحَجّ، فَكَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ مِنْ
أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَأَ الدّبَرُ «1» ، وَعَفَا
الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرُ حَلّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرَ،
وَلَمْ يَفْسَخْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجّهُ
كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ، لِأَنّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَقَلّدَهُ، وَاَللهُ
سُبْحَانَهُ يَقُولُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ حِينَ
رَأَى أَصْحَابَهُ قَدْ شَقّ عَلَيْهِمْ خِلَافُهُ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ
أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، وَلَمَا سُقْت الْهَدْي
«2» ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنّمَا نَدِمَ
على ترك
__________
(1) الدبر: الجرح الذى يكون فى ظهر البعير.. وقيل: هو أن يقرح خف البعير.
(2) فى صحيح البخارى عن ابن عباس قال: «أهل المهاجرون والأنصار وأزواج
النبى «ص» فى حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله-
(7/509)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا هُوَ أَسْهَلُ، وَأَرْفَقُ، لَا عَلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَفْضَلُ،
وَأَوْفَقُ، وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ كَرَاهَةِ أَصْحَابِهِ
لِمُخَالَفَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الهدى معه من أصحابه إلا طلحة
__________
- صلى الله عليه وسلم اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدى» ويعلق
الإمام ابن القيم على هذا الحديث؛ ورواية السنن له: «ونحن نشهد الله علينا
أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تقاديا من غضب رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- واتباعا لأمره: فو الله ما نسخ هذا فى حياته ولا
بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم، بل أجرى الله
سبحانه وتعالى على لسان سراقة أن يسأله: هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب بأن ذلك
كائن لأبد الأبد. فما ندرى ما نقدم على هذه الأحاديث» ص 426 ح 1 زاد
المعاد. وفى هذا رد على السهيلى فى زعمه أن فسخ الحج بالعمرة كان خصوصا
لأصحاب النبى. ولقد قال سلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله كل
أمرك عندى حسن إلا خلة واحدة قال: وما هى: قال تقول بفسخ الحج إلى العمره،
فقال: يا سلمة كنت أرى لك عقلا عندى فى ذلك أحد عشر حديثا صحاحا عن رسول
الله «ص» أأتركها لقولك؟ المصدر السابق. ويقول: الإمام ابن القيم أيضا عن
الذين غلطوا فى حج النبى «ص» : ووهم فى حجه خمس طوائف: الطائفة الأولى التى
قالت: حج حجا مفردا لم يعتمر معه. الثانية: من قال: حج متمتعا تمتعا حل
منه، ثم أحرم بعده بالحج كما قاله القاضى أبو يعلى وغيره. الثالثة: من قال
حج متمتعا تمتعا لم يحل منه لأجل سوق الهدى، ولم يكن قارنا كما قاله أبو
محمد بن قدامة صاحب المغنى. الرابعة: من قال حج قارنا قرانا طاف له طوافين
وسعا له سعيين. الخامسة: من قال: حج حجا مفردا. اعتمر بعده من التنعيم. ثم
بين رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم قارنا وساق الأدلة
بالأحاديث. كما قال: حصل الترجيح لرواية من روى القران لوجوه عشرة ثم ذكر
هذه الوجوه وزاد عليها خمسة أوجه أنظر ص 382، 390 ح 1 زاد المعاد.
(7/510)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن عُبَيْدِ اللهِ، فَلَمْ يَحِلّ حَتّى نَحَرَ، وَعَلِيّ أَيْضًا أَتَى
مِنْ الْيَمَنِ وَسَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلّ إلّا بِإِحْلَالِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: وَرَجَبُ مُضَرَ
الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، إنّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنّ رَبِيعَةَ
كَانَتْ تُحْرِمُ فِي رَمَضَانَ، وَتُسَمّيهِ: رَجَبًا مِنْ رَجِبْت
الرّجُلَ وَرَجّبْتُهُ إذَا عَظّمْته، وَرَجَبْت النّخْلَةَ إذَا
دَعّمْتهَا «1» ، فَبَيّنَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ رَجَبُ مُضَرَ لَا
رَجَبُ رَبِيعَةَ، وَأَنّهُ الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ «2» وَقَدْ
تَقَدّمَ تَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ: إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ، وَتَقَدّمَ
اسْمُ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمُسْتَرْضَعِ فِي هُذَيْلٍ، وَأَنّ اسْمَهُ
آدَمُ، وَقِيلَ: تَمّامٌ، وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ حَرْبٌ كَانَتْ بَيْنَ
قَبَائِلِ هُذَيْلٍ تَقَاذَفُوا فِيهَا بِالْحِجَارَةِ فَأَصَابَ الطّفْلَ
حَجَرٌ وَهُوَ يَحْبُو بَيْنَ الْبُيُوتِ، كَذَلِكَ ذَكَرَ الزّبَيْرُ.
بَعْثُ أُسَامَةَ وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى جَيْشٍ كَثِيفٍ، وَأَمَرَهُ أن يغير على أبنى
صباحا، وأن يحرق. وَأُبْنَا، هِيَ الْقَرْيَةُ الّتِي عِنْدَ مُؤْتَةَ
حَيْثُ
__________
(1) الترجيب أن يا بنى تحت النخلة دكان تعتمد عليه.
(2) يقول ابن الأثير: «أضاف رجبا إلى مضر، لأنهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم،
فكأنهم اختصوا به. وقوله: بين جمادى وشعبان تأكيد للبيان وإيضاح، لأنهم
كانوا ينسئونه ويؤخرونه من شهر إلى شهر، فيتحول عن موضعه المختص به، فبين
لهم أنه الشهر الذى بين جمادى وشعبان لا ما كانوا يسمونه على حساب النسىء.
(7/511)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُتِلَ أَبُوهُ زَيْدٌ، وَلِذَلِكَ أَمّرَهُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنّهِ
لِيُدْرِكَ ثَأْرَهُ، وَطَعَنَ فِي إمَارَتِهِ أَهْلُ الرّيْبِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَيْمُ اللهِ إنّهُ
لَخَلِيقٌ بِالْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا بِهَا «1» ،
وَإِنّمَا طَعَنُوا فِي إمْرَتِهِ، لِأَنّهُ مَوْلًى مَعَ حَدَاثَةِ
سِنّهِ، لِأَنّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ ابْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَسْوَدَ الْجِلْدَةِ، وَكَانَ أَبُوهُ أَبْيَضَ
صَافِيَ الْبَيَاضِ، نَزَعَ فِي اللّوْنِ إلَى أُمّهِ بَرَكَةَ، وَهِيَ
أُمّ أَيْمَنَ، وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّهُ وَيَمْسَحُ خَشْمَهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ
بِثَوْبِهِ، وَعَثَرَ يَوْمًا فَأَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ، فَجَعَلَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُصّ دَمَهُ
وَيَمُجّهُ، وَيَقُولُ: لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جارية لحلّيناها، حتى يرغب
فتها، وكان يسمى الحبّ من الْحُبّ «2» .
عِدّةُ الْغَزَوَاتِ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عِدّةَ الْغَزَوَاتِ، وَهِيَ سِتّ وَعِشْرُونَ،
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ:
كَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ، وَإِنّمَا جَاءَ الْخِلَافُ، لِأَنّ غَزْوَةَ
خَيْبَرَ اتّصَلَتْ بِغَزْوَةِ وَادِي الْقُرَى، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ
غَزْوَةً وَاحِدَةً، وَأَمّا الْبُعُوثُ وَالسّرَايَا فَقِيلَ:
هِيَ سِتّ وَثَلَاثُونَ كَمَا فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وأربعون
وهو قول الواقدى،
__________
(1) روى الإمام مالك، ومن طريقه البخارى عن ابن عمر أنه «ص» بعث بعثا وأمر
عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس فى إمارته، فقام صلى الله عليه وسلم، فقال:
إن تطعنوا فى إمارته، فقد كنتم تطعنون فى إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن
كان خليقا للامارة، وإن كان لمن أحب الناس إلى، وإن هذا لمن أحب الناس إلى
بعده» .
(2) لعلها. الحب بن الحب.
(7/512)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَنَسَبَ الْمَسْعُودِيّ إلَى بَعْضِهِمْ أَنّ الْبُعُوثَ وَالسّرَايَا
كَانَتْ سِتّينَ. قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: قَاتَلَ فِي إحْدَى عَشْرَةَ
غَزْوَةً، مِنْهَا الْغَابَةُ وَوَادِي الْقُرَى وَاَللهُ أَعْلَمُ.
إرْسَالُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُلُوكِ
الْحَوَارِيّونَ:
ذكر فيه إرسال عيسى بن مَرْيَمَ الْحَوَارِيّينَ، وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي
مَعْنَى الْحَوَارِيّينَ أَنّ الْحَوَارِيّ هُوَ الْخُلْصَانُ، أَيْ
الْخَالِصُ الصّافِي مِنْ كُلّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ الْحَوَارِيّ، وَالْحُورُ،
وَقَوْلُ الْمُفَسّرِينَ هُوَ: الْخُلْصَانُ كَلِمَةٌ فَصَيْحَةٌ، أَنْشَدَ
أَبُو حَنِيفَةَ:
خَلِيلَيّ خُلْصَانَيّ لَمْ يَبْقَ حِسّهَا ... مِنْ الْقَلْبِ إلّا
عُوّذًا سَبَبًا لَهَا «1»
قَالَ: وَالْعُوّذُ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ الْمَاشِيَةُ لِارْتِفَاعِهِ، أَوْ
لِأَنّهُ بِأَهْدَافٍ، فَكَأَنّهُ قَدْ عَاذَ مِنْهَا.
مَعْنَى الْمَسِيحِ وَنِهَايَتُهُ:
وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْمَسِيحِ عَلَى كَثْرَةِ الْأَقْوَالِ
فِي ذَلِكَ أَنّهُ الصّدّيق
__________
(1) البيت الكميت. وروايته فى اللسان: خليلاى، و: سينالها. بدلا من: خليلى،
و: سببا لها. والعوذ: ما عيذ به من شجر أو غيره وما لم يرتفع إلى الأغصان.
ومنعه الشجر من أن يرعى من ذلك. وقيل: هى أشياء تكون فى غلظ لا ينالها
المال «اللسان» .
(7/513)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِلُغَتِهِمْ، ثُمّ عَرّبَتْهُ الْعَرَبُ. وَكَانَ إرْسَالُ الْمَسِيحِ
لِلْحَوَارِيّينَ بَعْدَ مَا رُفِعَ وَصُلِبَ الّذِي شُبّهَ بِهِ،
فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الصّدّيقَةُ وَالْمَرْأَةُ الّتِي كَانَتْ مَجْنُونَةً،
فَأَبْرَأَهَا الْمَسِيحُ، وَقَعَدَتَا عِنْدَ الْجِذْعِ تَبْكِيَانِ،
وَقَدْ أَصَابَ أُمّهُ مِنْ الْحُزْنِ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُ عِلْمَهُ
إلّا اللهُ، فَأُهْبِطَ إلَيْهِمَا، وقال: على م تَبْكِيَانِ؟ فَقَالَتَا:
عَلَيْك، فَقَالَ إنّي لَمْ أُقْتَلْ، وَلَمْ أُصْلَبْ، وَلَكِنّ اللهَ
رَفَعَنِي وَكَرّمَنِي، وَشُبّهَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرِي، أَبْلِغَا عَنّي
الْحَوَارِيّينَ أَمْرِي، أَنْ يَلْقَوْنِي فِي مَوْضِعِ كَذَا لَيْلًا،
فَجَاءَ الْحَوَارِيّونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَإِذَا الْجَبَلُ قَدْ
اشْتَعَلَ نُورًا لِنُزُولِهِ بِهِ، ثُمّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوا النّاسَ
إلَى دِينِهِ وَعِبَادَةِ رَبّهِمْ، فَوَجّهَهُمْ إلَى الْأُمَمِ الّتِي
ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، ثُمّ كُسِيَ كُسْوَةَ الْمَلَائِكَةِ،
فَعَرَجَ مَعَهُمْ، فَصَارَ مَلَكِيّا إنْسِيّا سَمَائِيّا أَرْضِيّا «1» .
فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي الْأُمَمِ: الْأُمّةَ الّذِينَ يَأْكُلُونَ النّاسَ،
وَهُمْ مِنْ الْأَسَاوِدَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ.
أُسْطُورَةُ زُرَيْبٍ:
وَذَكَرَ فِي الْحَوَارِيّينَ زُرَيْبَ بْنَ بَرْثُمْلِي «2» وَهُوَ الّذِي
عَاشَ إلى زمن
__________
(1) قصة مخترعة لا ينسيها إلى الحق سند صحيح. ولكنها فى كتب المسيحيين
والحق الثابت الذى لا ريب. فيه أنهم ما قتلوه وما صلبوه، ولكن شبه لهم.
(2) فى الإصابة ترملا وترملى. وفى سفر أعمال الرسل من العهد الجديد: برثو
لماوس بدون زريب وسند قصة زريب سند ضعيف. وعند ابن أبى حاتم أن صاحبه هو
جعونة بن نضلة، وعند غيره نضلة بن معاوية.
(7/514)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عُمَرَ وَسَمِعَ نَضْلَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ أَذَانَهُ فِي الْجَبَلِ
فَكَلّمَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ عَظِيمُ الْخَلْقِ رَأْسُهُ كَدُورِ الرّحَى،
فَسَأَلَ نَضْلَةَ وَالْجَيْشَ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: قُبِضَ، وَعَنْ أَبِي
بَكْرٍ، فَقَالُوا: قُبِضَ، ثُمّ سَأَلَهُمْ عَنْ عُمَرَ، فَقَالُوا:
هُوَ حىّ، ونحن جيشه، فقال لهم: أقرؤه مِنّي السّلَامَ ثُمّ أَمَرَهُمْ
أَنْ يُبَلّغُوا عَنْهُ وَصَايَا كَثِيرَةً، وَأَنْ يُحَذّرَ النّاسَ مِنْ
خِصَالٍ إذَا ظَهَرَتْ فِي أُمّةِ مُحَمّدٍ، فَقَدْ قَرُبَ الْأَمْرُ،
وَمِنْهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَنْ يَكْتَفِيَ
الرّجَالُ بِالرّجَالِ وَالنّسَاءُ بِالنّسَاءِ «1» .
وَذَكَرَ فِيهَا أيضا المعارف وَالْقِيَانَ وَأَشْيَاءَ غَيْرَ هَذِهِ،
فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُك اللهُ؟ فَقَالَ زُرَيْبُ بْنُ
بَرْثُمْلِي حوارىّ عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ دَعَوْت اللهَ
أَنْ يُحْيِيَنِي، حَتّى أَرَى أُمّةَ مُحَمّدٍ، أَوْ نَحْوَ هَذَا
الْكَلَامِ، وَقَدْ أَرَدْت الْخُلُوصَ إلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ، حَالَ بينى وبينه الكفار.
وذكر الدّارقطنى فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
مَرْفُوعًا أَنّ عُمَرَ قَالَ لِنَضْلَةَ إنْ لَقِيته فَأَقْرِئْهُ مِنّي
السّلَامَ، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إنّ بِذَلِكَ الْجَبَلِ وَصِيّا مِنْ أَوْصِيَاءِ عِيسَى عَلَيْهِ
السّلَامُ، وَالْخَبَرُ بِهَذَا مَشْهُورٌ عَنْهُ، وَفِيهِ طُولٌ
فَاخْتَصَرْنَاهُ، وَيُقَالُ: إنّهُ الْآنَ حَيّ. وَمَنْ قَالَ: إنّ
الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ قَدْ مَاتَا، فَمِنْ أَصْلِهِ أَيْضًا أن زريبا قد
مات، لأنهم يحتجون
__________
(1) كل هذا سنده ضعيف كما قرر الحافظ فى الفتح. والعجب أن يفترى فى بعض
الروايات أنه سيبقى إلى نزول عيسى!!
(7/515)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِالْحَدِيثِ الصّحِيحِ: إلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، لَا يَبْقَى عَلَى
الْأَرْضِ مِمّنْ هُوَ عَلَيْهَا أَحَدٌ «1» .
رَسُولُهُ إلَى النّجَاشِيّ وَقَيْصَرَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ إرْسَالَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ إلَى النّجَاشِيّ، وَقَدْ
قَدّمْنَا ذِكْرَ مَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرْنَا خَبَرَ
سَلِيطٍ مَعَ هَوْذَةَ، وَمَا قَالَ لَهُ، وَخَبَرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ
حُذَافَةَ مَعَ كِسْرَى، وَكَلَامَهُ مَعَهُ، وَنَذْكُرُ هُنَا بَقِيّةَ
الْإِرْسَالِ، وَكَلَامَهُمْ فَمِنْهُمْ: دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ
الْكَلْبِيّ، فَقَدِمَ دِحْيَةُ عَلَى قَيْصَرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى
هَذَا الِاسْمِ، أَعْنِي اسْمَ دِحْيَةَ، وَاسْمَ قَيْصَرَ فِيمَا مَضَى
مِنْ الْكِتَابِ، فَلَمّا قَدِمَ دِحْيَةُ عَلَى قَيْصَرَ، قَالَ لَهُ:
«يَا قَيْصَرُ أَرْسَلَنِي إلَيْك مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك، وَاَلّذِي
أَرْسَلَهُ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَمِنْك، فَاسْمَعْ بِذُلّ، ثُمّ أَجِبْ
بِنُصْحٍ، فَإِنّك إنْ لَمْ تَذْلِلْ لَمْ تَفْهَمْ، وَإِنْ لَمْ تَنْصَحْ
لَمْ تُنْصِفْ، قَالَ: هَاتِ، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَكَانَ الْمَسِيحُ
يُصَلّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنّي أَدْعُوك إلَى مَنْ كَانَ المسيح
يصلّى له، وأدعوك
__________
(1) وعلى هذا أجمع الأئمة. فقد كان صاحب موسى عبدا صالحا بشرا، والبشر لا
يخلدون فى الدنيا. وإلياس كذلك. كلمة عن الحواريين: ما ذكر فى السيرة عنهم
مستمد من أسفار المسيحيين وبين أسمائهم فى السيرة وأسمائهم فى الأسفار
اختلاف يسير. ولست أدرى كيف يجعل من بولس تابعا طيبا؟ وهو الذى افترى أصول
المسيحية المثلثة المؤلهة لعبد الله ورسوله عيسى وعاش يمجد اليهودية وحدها
بأحقادها!! أنظر رسائله فى العهد الجديد.
(7/516)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلَى مَنْ دَبّرَ خَلْقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَسِيحُ فِي بَطْنِ
أُمّهِ، وَأَدْعُوك إلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي بَشّرَ بِهِ
مُوسَى، وَبَشّرَ بِهِ عيسى بن مَرْيَمَ بَعْدَهُ، وَعِنْدَك مِنْ ذَلِكَ
أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ تَكْفِي مِنْ الْعِيَانِ وَتَشْفِي مِنْ الْخَبَرِ،
فَإِنْ أَجَبْت كَانَتْ لَك الدّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَإِلّا ذَهَبَتْ
عَنْك الْآخِرَةُ وَشُورِكْت فِي الدّنْيَا، وَاعْلَمْ أَنّ لَك رَبّا
يَقْصِمُ الْجَبَابِرَةَ، وَيُغَيّرُ النّعَمَ» ، فَأَخَذَ قَيْصَرُ
الْكِتَابَ فَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَرَأْسِهِ وَقَبّلَهُ، ثُمّ
قَالَ: أَمَا وَاَللهِ مَا تَرَكْت كِتَابًا إلّا وَقَرَأْته، وَلَا
عَالِمًا إلّا سَأَلْته، فَمَا رَأَيْت إلّا خَيْرًا، فَأَمْهِلْنِي حَتّى
أَنْظُرَ مَنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُصَلّي لَهُ، فَإِنّي أَكْرَهُ أَنْ
أُجِيبَك الْيَوْمَ بِأَمْرٍ أَرَى غَدًا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ،
فَأَرْجِعَ عَنْهُ، فَيَضُرّنِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْفَعَنِي، أَقِمْ حَتّى
أَنْظُرَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَتَاهُ وَفَاةُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَقِيّةُ حَدِيثِ
قَيْصَرَ، فَانْظُرْهُ هُنَالِكَ.
رَسُولُهُ إلَى الْمُقَوْقِسِ:
وَأَمّا حَاطِبٌ فَقَدِمَ عَلَى الْمُقَوْقِسِ، وَاسْمُهُ: جُرَيْجُ بْنُ
مِينَاءَ «1» ، فَقَالَ لَهُ:
«إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ قَبْلَك يَزْعُمُ أَنّهُ الرّبّ الْأَعْلَى،
فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ، وَالْأُولَى، فَانْتَقَمَ بِهِ، ثُمّ
انْتَقَمَ مِنْهُ، فَاعْتَبِرْ بِغَيْرِك، وَلَا يَعْتَبِرْ بِك غَيْرُك،
قال: هات، قال: إن لك دينا لَنْ تَدَعَهُ إلّا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ،
وَهُوَ الْإِسْلَامُ «2» ، الْكَافِي بِهِ اللهُ فَقْدَ مَا سِوَاهُ. إنّ
هَذَا النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-
__________
(1) ابن مينا بن قرقوب. وفى الإصابة: ومنهم من لم يذكر مينا كما جزم به أبو
عمر الكندى فى أمراء مصر.
(2) فى المواهب: قال: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه، فقال حاطب:
ندعوك لله إلى دين او هو الإسلام
(7/517)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دَعَا النّاسَ، فَكَانَ أَشَدّهُمْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ، وَأَعْدَاهُمْ لَهُ
يَهُودُ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ النّصَارَى، وَلَعَمْرِي مَا بِشَارَةُ
مُوسَى بِعِيسَى إلّا كَبِشَارَةِ عِيسَى بِمُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا دُعَاؤُنَا إيّاكَ إلَى الْقُرْآنِ إلّا
كَدُعَائِك أَهْلَ التّوْرَاةِ إلَى الْإِنْجِيلِ، وَكُلّ نَبِيّ أَدْرَكَ
قَوْمًا فَهُمْ مِنْ أُمّتِهِ فَالْحَقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ،
فَأَنْتَ مِمّنْ أَدْرَكَهُ هَذَا النّبِيّ، وَلَسْنَا نَنْهَاك عَنْ دِينِ
الْمَسِيحِ، وَلَكِنْ نَأْمُرُك بِهِ» قَالَ الْمُقَوْقِسُ: «إنّي قَدْ
نَظَرْت فِي أَمْرِ هَذَا النّبِيّ، فَوَجَدْته لا يأمر يمزهود فِيهِ،
وَلَا يَنْهَى إلّا عَنْ مَرْغُوبٍ عَنْهُ، وَلَمْ أَجِدْهُ بِالسّاحِرِ
الضّالّ، وَلَا الْكَاهِنِ الْكَاذِبِ، وَوَجَدْت مَعَهُ آلَةَ «1»
النّبُوّةِ بِإِخْرَاجِ الْخَبْءِ وَالْإِخْبَارِ بِالنّجْوَى «2» ،
وَسَأَنْظُرُ فَأَهْدَى لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ
إبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيّةَ، وَاسْمُهَا: مَارِيَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ،
وَأُخْتَهَا مَعَهَا، وَاسْمُهَا سِيرِينُ وَهِيَ أُمّ عبد الرّحمن
__________
(1) فى شرح المواهب: «كذا فى العيون، اى: علامتها، عبر عنها بالآلة. لأنها
سبب فى تحقيقها، وإظهارها. وفى الروض: آية. وهى العلامة بلا تكلف» غير أن
الروض كما ترى ذكر آلة فلعل صاحب المواهب كان يطلع على نسخة أخرى.
(2) يقال: إن المقوقس علم هذا من الأخبار الواردة عليه بذلك قبل كتابة
النبى إليه فقد ذكر الوافدى أن المغيرة بن شعبة لقى المقوقس، وسأله عن
النبى، فلما أجابه بما أجابه به قال: هذا نبى مرسل إلى الناس كافة، ولو
أصاب القبط والروم لا تبعوه. وعند ابن عبد الحكم أنه أخذ كتاب النبى «ص»
رضمه إلى صدره، وقال: هذا زمان النبى الذى نجد نعته فى كتاب الله، وحفظ
الكتاب فى حق من عاج. وقد ورد أن الكسوة كانت عشرين ثوبا. وانظر ص 45 وما
بعدها كتاب فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم.
(7/518)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ «1» ، وَغُلَامًا اسْمُهُ مَأْبُورُ «2» ،
وَبَغْلَةً اسْمهَا دُلْدُلُ، وَكُسْوَةً، وَقَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ كَانَ
يَشْرَبُ فِيهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكاتبه «3» .
؟؟؟ هرولة إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى:
وَأَمّا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ، فَقَدِمَ عَلَى الْمُنْذِرِ بْنِ
سَاوَى «4» فَقَالَ لَهُ:
«يَا مُنْذِرُ إنّك عَظِيمُ الْعَقْلِ فِي الدّنْيَا، فَلَا تَصْغُرَنّ
عَنْ الْآخِرَةِ، إنّ هَذِهِ الْمَجُوسِيّةَ شَرّ دِينٍ لَيْسَ فِيهَا
تَكَرّمُ الْعَرَبِ، وَلَا عِلْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَنْكِحُونَ مَا
يُسْتَحْيَا مِنْ نِكَاحِهِ، وَيَأْكُلُونَ مَا يُتَكَرّمُ عَلَى أَكْلِهِ،
ويعبدون
__________
(1) وقيل إنه «ص» وهبها لجهم بن قيس، وقيل لمحمد بن مسلمة، وقيل لدحية ابن
خليفة.
(2) كان مأبور خصيا، ولم يعلموا بأمره بادىء الأمر، فصار يدخل على مارية،
كما كان من عاداتهم ببلاد مصر؛ فجعل بعض الناس يتكلم فيهما بسبب ذلك، حتى
قيل إنه الذى أمر النبى عليا بقتله، فوجده خصيا فتركه. والحديث فى صحيح
مسلم من طريق حماد بن مسلمة «البداية لابن كثير» ص 273 ص 4، وقد تقدم
الكلام عن هذا.
(3) ورد أن الكسوة كانت عشرين ثوبا من القباطى كما ورد أنه أهدى اليه حمارا
اسمه: يعفور، وعسلا من بيتها وألف مثقال ذهبا وخفين ساذجين أسودين واقرأ ما
كتبه المقوقس فى كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم ص 47.
(4) ابن الأخنس بن بيان بن عمرو بن عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم
التميمى الدارمى العبدى، لأنه من ولد عبد الله بن دارم هذا ومما وهم فيه
السهيلى زعمه أن الرسول «ص» بعث جبرا مع حاطب، فجبر من القبط. وهو رسول
المقوقس بمارية إلى النبى «ص» كما جاء فى الإصابة والاستيعاب.
(7/519)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي الدّنْيَا نَارًا تَأْكُلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَسْت بِعَدِيمِ
عَقْلٍ، وَلَا رَأْيٍ، فَانْظُرْ:
هَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَكْذِبُ أَنْ لَا تُصَدّقَهُ، وَلِمَنْ لَا
يَخُونُ أَنْ لَا تَأْمَنَهُ، وَلِمَنْ لَا يُخْلِفُ أَنْ لَا تَثِقَ بِهِ،
فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَهُوَ هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي
وَاَللهِ لَا يَسْتَطِيعُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْتَ مَا أَمَرَ بِهِ
نَهَى عَنْهُ، أَوْ ما نهى عنه أمر به، أوليته زَادَ فِي عَفْوِهِ، أَوْ
نَقَصَ مِنْ عِقَابِهِ، إن كل ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى أُمْنِيَةِ أَهْلِ
الْعَقْلِ وَفِكْرِ أَهْلِ الْبَصَرِ» .
فَقَالَ الْمُنْذِرُ: قَدْ نَظَرْت فِي هَذِهِ الْأَمْرِ الّذِي فِي يَدِي،
فَوَجَدْته لِلدّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَنَظَرْت فِي دِينِكُمْ،
فَوَجَدْته لِلْآخِرَةِ وَالدّنْيَا، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ قَبُولِ دِينٍ
فِيهِ أُمْنِيَةُ الْحَيَاةِ وَرَاحَةُ الْمَوْتِ، وَلَقَدْ عَجِبْت
أَمْسِ، مِمّنْ يَقْبَلُهُ، وَعَجِبْت الْيَوْمَ مِمّنْ يَرُدّهُ، وَإِنّ
مِنْ إعْظَامِ مَنْ جَاءَ بِهِ أَنْ يُعَظّمَ رَسُولُهُ، وَسَأَنْظُرُ.
مِفْتَاحُ الْجَنّةِ:
فَصْلٌ: وَمِمّا وَقَعَ فِي السّيرَةِ فِي حَدِيثِ الْعَلَاءِ قَوْلُ
النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَهُ:
إذَا سُئِلْت عَنْ مِفْتَاحِ الْجَنّةِ فَقُلْ: مِفْتَاحُهَا: لَا إلَهَ
إلّا اللهُ، وفى البخارى:
قبل لِوَهْبٍ: أَلَيْسَ مِفْتَاحُ الْجَنّةِ لَا إلَهَ إلّا اللهُ؟
فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ مِفْتَاحٍ إلّا وَلَهُ أَسْنَانٌ،
فَإِنْ جِئْت بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَك، وَإِلّا لَمْ
يُفْتَحْ لَك، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ ذُكِرَ لَهُ
قَوْلُ وَهْبٍ، فَقَالَ: صَدَقَ وَهْبٌ، وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ
الْأَسْنَانِ مَا هِيَ، فَذَكَرَ الصّلَاةَ وَالزّكَاةَ وَشَرَائِعَ
الْإِسْلَامِ.
(7/520)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَمْرٌو الْجُلَنْدَى:
وَأَمّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي، فَقَدِمَ عَلَى الْجُلَنْدَى «1» ،
فَقَالَ لَهُ: يَا جُلَنْدَى إنّك وَإِنْ كُنْت مِنّا بَعِيدًا، فَإِنّك
مِنْ اللهِ غَيْرُ بَعِيدٍ، إنّ الّذِي تَفَرّدَ بِخَلْقِك أَهْلٌ أَنْ
تُفْرِدَهُ بِعِبَادَتِك، وَأَنْ لَا تُشْرِكَ بِهِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْهُ
فِيك، وَاعْلَمْ أَنّهُ يُمِيتُك الّذِي أَحْيَاك، وَيُعِيدُك الّذِي
بَدَأَك، فَانْظُرْ فِي هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي جَاءَ بِالدّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ أَجْرًا فَامْنَعْهُ، أَوْ
يَمِيلُ بِهِ هَوًى فَدَعْهُ، ثُمّ اُنْظُرْ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ: هَلْ
يُشْبِهُ مَا يَجِيءُ بِهِ النّاسُ، فَإِنْ كَانَ يُشْبِهُهُ، فَسَلْهُ
الْعِيَانَ، وَتَخَيّرْ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا
يُشْبِهُهُ فَاقْبَلْ مَا قَالَ، وَخَفْ مَا وَعَدَ، قَالَ الْجُلَنْدَى:
إنّهُ وَاَللهِ لَقَدْ دَلّنِي عَلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ أَنّهُ لَا
يَأْمُرُ بِخَيْرٍ إلّا كَانَ أَوّلَ مَنْ أَخَذَ بِهِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ
شَرّ إلّا كَانَ أَوّلَ تَارِكٍ لَهُ، وَأَنّهُ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ،
وَيُغْلَبُ فَلَا يَضْجَرُ «2» وَأَنّهُ يَفِي بِالْعَهْدِ، وَيُنْجِزُ
الْمَوْعُودَ، وَأَنّهُ لَا يَزَالُ سِرّ قَدْ اطّلَعَ عَلَيْهِ يُسَاوِي
فِيهِ أهله، وأشهد أنه نبى «3» .
__________
(1) ضبطه الجوهرى بفتح اللام، وجعله القاموس من أوهامه، وقد ضبطه الحافظ فى
الفتح والإصابة بضبط الجوهرى غير مبال بضبط شيخه صاحب القاموس، وفى السيرة
أنه أرسله إلى ابنى الجلندى. وأما وثيمة فيذكر فى كتاب الردة عن ابن إسحاق
أنه أرسل إلى الجلندى.
(2) فى الإصابة. فلا يهجر.
(3) فى الإصابة أنه أنشد أبياتا هى:
أتانى عمرو بالتى ليس بعدها ... من الحق شىء والنصيح نصيح
فقلت له: ما زدت أن جئت بالتى ... جلندى عمان فى عمان يصيح
فيا عمرو قد أسلمت لله جهرة ... ينادى بها فى الواديين فصيح
(7/521)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شُجَاعٌ وَجَبَلَةُ:
وَأَمّا شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَقَدِمَ عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ،
وَهُوَ جَبَلَةُ بْنُ الأيهم ابن الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ،
وَجَبَلَةُ، وَهُوَ الّذِي أَسْلَمَ ثُمّ تَنَصّرَ مِنْ أَجْلِ لَطْمَةٍ
حَاكَمَ فِيهَا إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَكَانَ طُولُهُ
اثْنَيْ عَشَرَ شِبْرًا، وَكَانَ يَمْسَحُ بِرِجْلَيْهِ الْأَرْضَ، وَهُوَ
رَاكِبٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَبَلَةُ إنّ قَوْمَك نَقَلُوا هَذَا النّبِيّ
الْأُمّيّ مِنْ دَارِهِ إلَى دَارِهِمْ، يَعْنِي: الْأَنْصَارَ، فَآوَوْهُ،
وَمَنَعُوهُ، وَإِنّ هَذَا الدّينَ الّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِدِينِ
آبَائِك، وَلَكِنّك مَلَكْت الشّامَ وَجَاوَرْت بِهَا الرّومَ، وَلَوْ
جَاوَرْت كِسْرَى دِنْت بِدِينِ الْفُرْسِ لملك العراق، وقد أفرّ بِهَذَا
النّبِيّ الْأُمّيّ مِنْ أَهْلِ دِينِك مَنْ إنْ فَضّلْنَاهُ عَلَيْك لَمْ
يُغْضِبْك، وَإِنْ فَضّلْنَاك عَلَيْهِ لَمْ يُرْضِك، فَإِنْ أَسْلَمْت
أَطَاعَتْك الشّامُ وَهَابَتْك الرّومُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا كَانَتْ
لَهُمْ الدّنْيَا وَلَك الْآخِرَةُ، وَكُنْت قَدْ اسْتَبْدَلْت
الْمَسَاجِدَ بِالْبِيَعِ، وَالْأَذَانَ بِالنّاقُوسِ، وَالْجُمَعَ
بِالشّعَانِينِ «1» ، وَالْقِبْلَةَ بِالصّلِيبِ، وَكَانَ مَا عِنْدَ اللهِ
خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَقَالَ لَهُ جَبَلَةُ: إنّي وَاَللهِ لَوَدِدْت أَنّ
النّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى
خَلْقِ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَقَدْ سَرّنِي اجْتِمَاعُ قَوْمِي
لَهُ، وَأَعْجَبَنِي قَتْلُهُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودَ،
وَاسْتِبْقَاؤُهُ النّصَارَى، وَلَقَدْ دَعَانِي قَيْصَرُ إلَى قِتَالِ
أَصْحَابِهِ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَأَبَيْت عَلَيْهِ، فَانْتَدَبَ مَالِكَ
بْنَ نافلة
__________
(1) عيد صليبى يقع يوم الأحد السابق لعيد الفصح يحتفل فيه بحمل السعف ذكرى
لدخول المسيح- كما قيل- بيت المقدس.
(7/522)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ فَقَتَلَهُ اللهُ، وَلَكِنّي لَسْت أَرَى حَقّا
يَنْفَعُهُ، وَلَا بَاطِلًا يَضُرّهُ وَاَلّذِي يَمُدّنِي إلَيْهِ أَقْوَى
مِنْ الّذِي يَخْتَلِجُنِي عَنْهُ، وَسَأَنْظُرُ
الْمُهَاجِرُ وَابْنُ كُلَالٍ:
وَأَمّا الْمُهَاجِرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ، فَقَدِمَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ
عَبْدِ كُلَالٍ، وَقَالَ لَهُ:
يَا حَارِثُ إنّك كُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ، فَخَطِئْت عَنْهُ، وَأَنْتَ أَعْظَمُ
الْمُلُوكِ قَدْرًا، فَإِذَا نَظَرْت فِي غَلَبَةِ الْمُلُوكِ، فَانْظُرْ
فِي غَالِبِ الْمُلُوكِ، وَإِذَا سَرّك يَوْمُك فَخَفْ غَدَك، وَقَدْ كَانَ
قَبْلَك مُلُوكٌ ذَهَبَتْ آثارها وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا، وأمّلوا
بَعِيدًا وَتَزَوّدُوا قَلِيلًا، مِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ،
وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَتْهُ النّقَمُ، وَإِنّي أَدْعُوك إلَى الرّبّ الّذِي
إنْ أَرَدْت الْهُدَى لم يَمْنَعْك، وَإِنْ أَرَادَك لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْك
أَحَدٌ، وَأَدْعُوك إلَى النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ
أَحْسَنُ مِمّا يَأْمُرُ بِهِ، وَلَا أَقْبَحُ مِمّا يَنْهَى عَنْهُ،
وَاعْلَمْ أَنّ لَك رَبّا يُمِيتُ الْحَيّ وَيُحْيِي الْمَيّتَ، وَيَعْلَمُ
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، وَمَا تُخْفِي الصّدُورُ، فَقَالَ الْحَارِثُ: قَدْ
كَانَ هَذَا النّبِيّ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيّ فَخَطِئْت عَنْهُ، وَكَانَ
ذُخْرًا لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ، وَكَانَ أَمْرُهُ أَمْرًا سَبَقَ،
فَحَضَرَهُ الْيَأْسُ وَغَابَ عَنْهُ الطّمَعُ، وَلَمْ يَكُنْ لِي
قَرَابَةٌ أَحْتَمِلُهُ عَلَيْهَا، وَلَا لِي فِيهِ هَوًى أَتّبِعُهُ لَهُ،
غَيْرَ أَنّي أَرَى أَمْرًا لَمْ يُوَسْوِسْهُ الْكَذِبُ، وَلَمْ
يُسْنِدْهُ الْبَاطِلُ. لَهُ بَدْءٌ سَارّ، وَعَاقِبَةٌ نَافِعَةٌ،
وَسَأَنْظُرُ. وَمِمّا قَالَهُ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ فِي قُدُومِهِ
عَلَى قيصر:
ألا هل أناها على نأيها ... فإنى قدمت على قيصر
فقدرته بصلاة المسي ... ح وَكَانَتْ مِنْ الْجَوْهَرِ الْأَحْمَرِ
(7/523)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَدْبِيرِ رَبّك أَمْرَ السّمَا ... ءِ وَالْأَرْضِ فَأَغْضَى وَلَمْ
يُنْكِرْ
وَقُلْت: تُقِرّ بِبُشْرَى الْمَسِي ... حِ، فقال: سأنظر، قلت: انظر
فكاد يُقِرّ بِأَمْرِ الرّسُو ... لِ فَمَالَ إلَى الْبَدَلِ الْأَعْوَرِ
فَشَكّ وَجَاشَتْ لَهُ نَفْسُهُ ... وَجَاشَتْ نَفُوسُ بَنِي الْأَصْفَرِ
عَلَى وَضْعِهِ بِيَدَيْهِ الْكِتَا ... بَ عَلَى الرّأْسِ وَالْعَيْنِ
وَالْمَنْخِرِ
فَأَصْبَحَ قَيْصَرُ مِنْ أَمْرِهِ ... بِمَنْزِلَةِ الْفَرَسِ الْأَشْقَرِ
يُرِيدُ بِالْفَرَسِ الْأَشْقَرِ مَثَلًا لِلْعَرَبِ يَقُولُونَ:
أَشْقَرُ إنْ يَتَقَدّمْ يُنْحَرْ ... وَإِنْ يَتَأَخّرْ يُعْقَرْ
وَقَالَ الشّاعِرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
وَهَلْ كُنْت «1» إلّا مِثْلَ سَيّقِهِ الْعِدَا ... إنْ اسْتَقْدَمَتْ
نَحْرٌ، وَإِنْ جَبَأَتْ عَقْرُ
وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ فِي مُسْنَدِهِ أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ يَنْطَلِقُ بِكِتَابِي هَذَا إلَى
قَيْصَرَ وَلَهُ الْجَنّةُ، فَقَالُوا: وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ يَا رَسُولَ
اللهِ؟ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ، فَانْطَلَقَ بِهِ رَجُلٌ يَعْنِي
دِحْيَةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ غَزْوَةُ عُمَرَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ غَزْوَةَ عُمَرَ إلَى تُرَبَةَ، وهى تربة بفتح الراء أرض
__________
(1) رواه اللسان فى حادثى جبأ وسوق بدون نسبة: وهل أنا، وفى جبأ: نحر، وفى
سوق: نجر
(7/524)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَانَتْ لِخَثْعَمَ وَفِيهَا جَاءَ الْمَثَلُ: صَادَفَ بَطْنُهُ بَطْنَ
تُرَبَةَ «1» ، يُرِيدُونَ الشّبَعَ وَالْخِصْبَ. قَالَ الْبَكْرِيّ:
وَكَذَلِكَ: عُرَنَةُ بِفَتْحِ الرّاءِ يَعْنِي الّتِي عِنْدَ عَرَفَةَ.
ذِكْرُ غَزْوَةِ ذَاتِ السّلَاسِلِ وَالسّلَاسِلُ: مِيَاهٌ واحدها سلسل «2»
وأن عمرو بن العاصى كَانَ الْأَمِيرَ يَوْمئِذٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ
السّلَامُ أَمَرَهُ أَنّ يَسِيرَ إلَى بَلِيّ، وَأَنّ أُمّ أَبِيهِ
الْعَاصِي كَانَتْ مِنْ بَلِيّ: وَاسْمُهَا: سَلْمَى فِيمَا ذَكَرَ
الزّبِيرُ «3» ، وَأَمّا أُمّ عَمْرٍو، فَهِيَ لَيْلَى تُلَقّبُ
بِالنّابِغَةِ سُبِيَتْ مِنْ بَنِي جِلّانِ بْنِ عَنْتَرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
«4» .
وَذَكَرَ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ صُحْبَةَ رَافِعِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ
لِأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ
عُمَيْرٍ «5» ، وَهُوَ الّذِي كَلّمَهُ الذّئْبُ، وَلَهُ شِعْرٌ مشهور فى
تكليم
__________
(1) فى معجم البكرى: عرف بطنى بطن تربة، يضرب الرجل يصير إلى الأمر الجلى،
وأول من قاله عامر بن مالك أبو براء.
(2) فى المراصد، السلاسل: جمع سلسلة ماء بأرض جذام، سميت به غزوة ذات
السلاسل. وفى معجم البكرى ذات السلاسل جمع سلسلة رمل بالبادية ثم ذكر رواية
ابن إسحاق، ثم قال: والسلاسل فى غير هذه الرواية ماء لجذام، وبه سميت تلك
الغزوة: ذات السلاسل.
(3) أنظر ص 408 من كتاب نسب قريش.
(4) فى نسب قريش: وأمه سبية من عنزة ص 409. وفى الإصابة: أمه النابغة من
بنى عنزة بفتح المهملة والنون.
(5) فى الإصابة: رافع بن عمرو بن جابر بن حارثة بن عمرو بن محصن، ويقال:
ابن عميرة. وقد ينسب لجده، وقيل هو رافع بن أبى رافع عده بعضهم فى التابعين
مثل ابن سعد والعجلى.
(7/525)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذّئْبِ لَهُ «1» ، وَكَانَ الذّئْبُ قَدْ أَغَارَ عَلَى غَنَمِهِ
فَاتّبَعَهُ، فَقَالَ لَهُ الذّئْبُ: أَلَا أَدُلّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ
لَك، قَدْ بُعِثَ نَبِيّ اللهِ، وَهُوَ يَدْعُو إلَى اللهِ، فَالْحَقْ
بِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَافِعٌ وَأَسْلَمَ.
وَذَكَرَ فِي حديثه مع أبى بكر أنه أطمعه وَعُمَرَ لَحْمَ جَزُورٍ، كَانَ
قَدْ أَخَذَ مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ يُجَزّئَهَا لِأَهْلِهَا، فَقَامَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَتَقَيّآ مَا أَكَلَا، وَقَالَا:
أَتُطْعِمُنَا مِثْلَ هَذَا، وَذَلِكَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَنّهُمَا
كَرِهَا أُجْرَةً مَجْهُولَةً، لِأَنّ الْعَشِيرَ وَاحِدُ الْأَعْشَارِ
عَلَى غَيْرِ «2» قِيَاسٍ، يُقَالُ: بُرْمَةٌ أَعْشَارٌ إذَا انْكَسَرَتْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَشِيرُ بِمَعْنَى الْعُشْرِ كَالثّمِينِ
بِمَعْنَى الثّمَنِ، وَلَكِنّهُ عَامَلَهُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ إخْرَاجِ
الْجَزُورِ مِنْ جِلْدِهَا، وَقَبْلَ النّظَرِ إلَيْهَا، أَوْ يَكُونَا
كَرِهَا جِزَارَةَ «3» الْجَزّارِ عَلَى كُلّ حَالٍ وَاَللهُ أَعْلَمُ.
حُرْقَةُ:
وَذَكَرَ غَزْوَةَ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَقَتْلَهُ مِرْدَاسَ بْنَ
نَهِيكٍ مِنْ الحرقة،
__________
(1) منه:
فلما أن سمعت الذئب نادى ... يبشرنى بأحمد من قريب
فألفيت النبى يقول قولا ... صدوقا ليس بالقول الكذوب
وليس للقصة سند يعتد به، ولهذا لم يأت بها حديث واحد يحترمه أهل الحديث ولا
ريب فى أنها أسطورة.
(2) فى اللسان: «وأعشار الجذور: الأنصباء، والعشر: قطعة تنكسر من القدح أو
البرمة كأنها قطعة من عشر قطع والجمع أعشار، وقدح أعشار» .
(3) إن كانت بكسر الجيم فمى حرفة الجزار، وإن كانت بضمها فهى ما يأخذه
الجزار من الذبيحة عن أجرته.
(7/526)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُرْقَةُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي يَشْكُرَ حُرَقَةُ ابن ثَعْلَبَةَ، وَحُرْقَةُ
بْنُ مَالِكٍ كِلَاهُمَا مِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ كَعْبِ بْنِ يَشْكُرَ،
وَفِي قُضَاعَةَ: حُرْقَةُ «1» بْنُ جَذِيمَةَ بْنِ نَهْدٍ، وَفِي تَمِيمٍ
حرقة بن زيد بن مالك ابن حَنْظَلَةَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ:
هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ كُلّهَا بِالْقَافِ، وَذَكَرَهَا
الدّارَقُطْنِيّ كُلّهَا بِالْفَاءِ.
أَنْسَابٌ:
وَذَكَرَ غَزْوَةَ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى الْقُرَطَاءِ، وَهُمْ
بَنُو قُرْطٍ وَقَرِيطٍ، وَقُرَيْطٍ بَنُو أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ.
وَذَكَرَ حَيّانَ بْنَ مِلّةَ، وَهُوَ حَسّانُ بْنُ مِلّةَ، وَكَذَلِكَ
قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ.
وَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ هُذَيْمٍ، وَإِنّمَا هُوَ سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
لَيْثِ بْنِ سُودِ بن أسلم ابن الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَإِنّمَا نُسِبَ
إلَى هُذَيْمٍ، لأن هذيما حضنه، وهو عبد حبشى
__________
(1) فى القاموس ضبطها بسكون الراء «والحرقة بالضم اسم، من الاحتراق، وحى من
قضاعة، ولهمزة بنت النعمان بن المنذر. والحرقتان- بفتح الراء والقاف- تيم
وسعد ابنا قيس بن ثعلبة بن المنذر بن عكابة» وفى اللسان ضبط حرقتى تيم وسعد
سكون الراء. وقال: والحرقة بفتح الراء- حى من العرب.
(7/527)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَدِيثُ أُمّ قِرْفَةَ الّتِي جَرَى فِيهَا الْمَثَلُ: أَمْنَعُ مِنْ أُمّ
قِرْفَةَ، لِأَنّهَا كَانَتْ يُعَلّقُ فِي بَيْتِهَا خَمْسُونَ سَيْفًا
[لِخَمْسِينَ فَارِسًا «1» ] كُلّهُمْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَاسْمُهَا
فَاطِمَةُ بِنْتُ حُذَيْفَةَ ابن بَدْرٍ «2» كُنِيَتْ بِابْنِهَا قِرْفَةَ،
قَتَلَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيّ.
وَذَكَرَ أَنّ سَائِرَ بَنِيهَا، وَهُمْ تِسْعَةٌ قُتِلُوا مَعَ طُلَيْحَةَ
بْنِ بُزَاخَةَ فِي الرّدّةِ وَهُمْ حَكَمَةُ وَخَرَشَةُ وَجَبَلَةُ
وَشَرِيكٌ وَوَالَانُ وَرَمْلٌ وَحُصَيْنٌ وَذَكَرَ بَاقِيَهُمْ.
وَذَكَرَ أَنّ قِرْفَةَ قُتِلَتْ يَوْمَ بُزَاخَةَ أَيْضًا «3» ، وَذَكَرَ
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ الصّحِيحُ
كَمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وذكر الدّولابى أن زيد ابن حَارِثَةَ حِينَ
قَتَلَهَا رَبَطَهَا بِفَرَسَيْنِ، ثُمّ رَكَضَا بِهَا حَتّى مَاتَتْ،
وَذَلِكَ لِسِبّهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرَ الْمَرْأَةَ الّتِي سَأَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَلِمَةَ وَهِيَ بِنْتُ أُمّ قِرْفَةَ، وَفِي
مُصَنّفِ أَبِي دَاوُدَ، وَخَرّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا أَنّ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَلَمَةَ: هَبْ لِي الْمَرْأَةَ يَا
سَلَمَةُ، لِلّهِ أَبُوك، فَقَالَ: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللهِ فَفَدَى
بِهَا أَسِيرًا كَانَ فِي قُرَيْشٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ
الرّوَايَةُ أَصَحّ، وَأَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ، فَإِنّهُ
ذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَهَا
لِخَالِهِ بِمَكّةَ، وَهُوَ حَزْنُ بْنُ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَائِذِ بْنِ
عمران ابن مَخْزُومٍ، وَفَاطِمَةُ جَدّةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُمّ أَبِيهِ هِيَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ
__________
(1) الزيادة من مجمع الأمثال للميدانى.
(2) وفى السيرة والإمتاع للمقريزى: بنت ربيعة بن بدر.
(3) وقيل إن قاتلها هو قيس بن المسحر أو المحمر اليعمرى ص 270 الإمتاع
للمقريزى.
(7/528)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَائِذٍ، فَهَذِهِ الْخَئُولَةُ الّتِي ذَكَرَ، وَقُتِلَ عَبْدُ الرحمن بن
حزن بِالْيَمَامَةِ شَهِيدًا، وَحَزْنٌ هَذَا هُوَ جَدّ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيّبِ بْنِ حَزْنٍ، وَمَسْعَدَةُ الّذِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
أَنّهُ قَتَلَ هُوَ ابْنَ حَكَمَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ،
وَسَلَمَةُ الّذِي كَانَتْ عِنْدَهُ الْجَارِيَةُ، قِيلَ: هُوَ سَلَمَةُ
بْنُ الْأَكْوَعِ، وَاسْمُ الْأَكْوَعِ: سِنَانٌ، وَقِيلَ:
هُوَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، قَالَهُ الزّبَيْرُ.
غَزْوَةُ أَبِي حَدْرَدٍ:
وَذَكَرَ غَزْوَةَ أَبِي حَدْرَدٍ، وَاسْمُهُ: سلمة بن عمير، وقيل: عبيدة
ابن عَامِرٍ.
وَذَكَرَ قَتْلَ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ، وَخَبَرَهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ
ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ مُحَلّمَ ابن جَثّامَةَ مَاتَ بِحِمْصَ فِي إمَارَةِ
ابْنِ الزّبَيْرِ، وأما الذى نزلت فيه الآية:
لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ شَدِيدٌ، فَقَدْ
قِيلَ اسْمُهُ فُلَيْتٌ «1» وَقِيلَ وَهُوَ مُحَلّمٌ كَمَا تَقَدّمَ،
وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، وَقِيلَ فِي أُسَامَةَ،
وَقِيلَ فِي أَبِي الدّرْدَاءِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمَقْتُولِ
فَقِيلَ: مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ، وَقِيلَ:
عَامِرُ الْأَضْبَطُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. كُلّ هَذَا مَذْكُورٌ فِي
التّفَاسِيرِ وَالْمُسْنَدَاتِ.
ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ
وَإِسْلَامَهُ، وَقَدْ خرّج أهل
__________
(1) وقيل قليب. ويقول ابن حجر فى الإصابة «والذى يظهر أن كلا منهما تصحيف
وإنما هو غالب الليثى» .
(7/529)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحديث حديث إسلامه، وفيه قال للنبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ،
وَإِنْ تُرِدْ الْمَالَ تُعْطَهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: اللهُمّ
أَكْلَةٌ مِنْ جَزُورٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ دَمِ ثُمَامَةَ، فَأَطْلَقَهُ،
فَتَطَهّرَ وَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَنَفَعَ اللهُ بِهِ
الْإِسْلَامَ كَثِيرًا، وَقَامَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم مَقَامًا حَمِيدًا حِينَ ارْتَدّتْ الْيَمَامَةُ مَعَ
مُسَيْلِمَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا، وَقَالَ: يَا بَنِي
حَنِيفَةَ أَيْنَ عَزَبَتْ عُقُولُكُمْ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ:
حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غافِرِ
الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ أَيْنَ هَذَا مِنْ يَا
ضِفْدَعُ نِقّي كَمَا «1» تَنِقّينَ لَا الشّرَابَ تُكَدّرِينَ، وَلَا
الْمَاءَ تَمْنَعِينَ «2» ، مما كان يهذى به مسيلمة، فأطاعه منهم ثَلَاثَةَ
آلَافٍ، وَانْحَازُوا إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَفَتّ ذَلِكَ فِي أَعْضَادِ
حَنِيفَةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّهُ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم
المؤمن يأكل
__________
(1) فى الرواية: كم.
(2) وزادوا فيما نسب إليه: أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين، وقد نسب إلى
مسيلمة كثير من هذا الهذيان الذى أوقى أنه؟؟؟ ما جاز على عقول أولئك الذين
عاشوا عصره ممن استهواهم معه الحقد، قلئن كان صحيحا فإنما تراؤا بتصديقه
محاولة منهم لتهدئة سعار الأحقاد التى تضرمت فى أعماقهم، وإلا فمن الذى
يصدق أن هذيانه: «إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وهاجر، إن مبغضك لفاجر،
أو: إنا أعطيناك الجماهر، فخذ لنفسك وبادر: واحذر أن تحرص أو تكاثر» من ذا
الذى يظن أن هذا الهذيان يخدع أحدا عن جلال الحقيقة العليا وسمو الجمال
الأعظم فى قوله سبحانه (إنا أعطيناك الكوثر) ؟! أنظر ص 14 ح 1 الفتوحات
الإسلامية لأحمد بن زينى دحلان فقد حشد فيه طائفة من هذيان حماقاته.
(7/530)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي مِعًى وَاحِدٍ [وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ] «1»
الْحَدِيثَ، وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيّ،
وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أنه جهجاه [بن مسعود ابن سَعْدِ بْنِ
حَرَامٍ] «2» الْغِفَارِيّ، وَفِي الدّلَائِلِ أَنّ اسْمَهُ نَضْلَةُ،
وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ
نَحْوًا مِنْ كُرّاسَةٍ رَدَدْنَا فِيهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ:
إنّهُ مَخْصُوصٌ بِرَجُلِ وَاحِدٍ، وَبَيّنَا مَعْنَى الْأَكْلِ
وَالسّبْعَةِ الْأَمْعَاءِ، وَأَنّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصّ،
وَلَكِنْ مَعْنَاهُ عَامّ، وَأَتَيْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ
وَالْحَمْدُ لِلّهِ «3» ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيّ: ذَا دَمٍ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: ذَا ذِمّ بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ «4» .
مَا زَادَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَذَكَرَ
الشّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ بْنُ الْعَاصِي رَحِمَهُ فِي
هذا الموضع،
__________
(1) متفق عليه ورواه أحمد والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر، وأحمد ومسلم عن
جابر، والبخارى ومسلم وأحمد وابن ماجه عن أبى هريرة، ومسلم وابن ماجه عن
أبى موسى «الجامع الصغير للسيوطى» .
(2) ابن سعيد وقيل ابن قيس شهد بيعة الرضوان.
(3) يقول ابن الأثير عن الحديث: «هذا مثل ضربه للمؤمن وزهده فى الدنيا،
والكافر وحرصه عليها، وليس معناه كثرة الأكل دون الاتساع فى الدنيا، ولهذا
قيل الرغب شؤم، لأنه يحمل صاحبه على اقتحام النار، وقيل: هو تحصيص للمؤمن
وتحامى ما يجره الشبع من القسوة وطاعة الشهوة، ووصف الكافر بكثرة الأكل
أغلاظ على المؤمن. وتأكيد لما رسم له، وقيل: هو خاص فى رجل بعينه. كان يأكل
كثيرا، فأسلم، فقل أكله. والمعى واحد الأمعاء وهى المصارين.
(4) ذا دم. اى من هو مطالب بدم، أو صاحب دم مطلوب، ويروى: وذا ذم أى ذا
ذمام وحرمة فى قومه، وإذا عقد ذمة وفى له.
(7/531)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ: نَقَلْت مِنْ حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِ السّيَرِ مَنْسُوبَةً
بِسَمَاعِ أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ
الرّحِيمِ وَأَخَوِيّهِ مُحَمّدٍ وَأَحْمَدَ ابْنَيْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَبْدِ الرحيم ما هذا نصه: وَجَدْت بِخَطّ أَخِي قَوْلَ ابْنِ هِشَامٍ:
هَذَا مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ هُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، قَدْ
ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ عَنْ
عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ فِيمَا حَدّثَ أَسَدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيّاءَ
عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَالْقَائِلُ فِي الْحَاشِيَةِ: وَجَدْت بِخَطّ أَخِي
هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ.
وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورُ فِي
غَزْوَةِ الطّائِفِ بَعْدَ قَوْلِهِ:
فَوَلَدَتْ لَهُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي مُرّةَ. إلَى هَاهُنَا انْتَهَى
سَمَاعِي مِنْ أَخِي، وَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ سَمِعْته مِنْ
ابْنِ هِشَامٍ نَفْسِهِ.
عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ:
وَذَكَرَ سَرِيّةَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ وَحَلّةً لِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ
مِنْ خَشَبَتِهِ الّتِي صُلِبَ فِيهَا، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أبي شيبة
زيادة حَسَنَةٌ أَنّهُمَا حِينَ حَلّاهُ مِنْ الْخَشَبَةِ الْتَقَمَتْهُ
الْأَرْضُ.
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ مَقْتَلَ الْعَصْمَاءِ بِنْتِ مَرْوَانَ، وَفِي
خَبَرِهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا
عَنْزَانِ، وَكَانَتْ تَسُبّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَتَلَهَا بَعْلُهَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْهَدُوا أَنّ دَمَهَا هَدَرٌ. قال
الدّارقطنىّ: من هاهنا يقوم أَصْلُ التّسْجِيلِ فِي الْفِقْهِ، لِأَنّهُ
قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ، وَوَقَعَ فِي
مُصَنّفِ حماد بن سلمة أنها كانت يهودية،
(7/532)
|