الروض
الأنف ت الوكيل [ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أُمّهَاتِ المؤمنين]
[أسماؤهن]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكُنّ تِسْعًا: عَائِشَةُ بِنْتُ أبى بكر، وحفصة بنت
عمر ابن الْخَطّابِ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حرب،
وأمّ سلمة بنت أبى أمية ابن الْمُغِيرَةِ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ
قَيْسٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ
الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي
ضِرَارٍ، وَصَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
[زَوَاجُهُ بِخَدِيجَةَ]
وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ أَوّلُ
مَنْ تَزَوّجَ، زوّجه إياها أبوها خويلد بن أسد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَانَتْ تُطْرَحُ الْمَحَائِضُ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَطْمَةَ، فَأَهْدَرَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمها، وقال: لا ينتطح
فيها عنزان «1» .
__________
(1) أى لا يلتقى فيها اثنان ضعيفان، لأن النطاح من شأن النيوس، والكباش لا
العنوز، وهو إشارة إلى تضية مخصوصة لا يجرى فيها خلف ونزاع «ابن الأثير» .
(7/533)
وَيُقَالُ أَخُوهَا عَمْرُو بْنُ
خُوَيْلِدٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عِشْرِينَ بَكْرَةً، فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَدَهُ كُلّهُمْ إلّا إبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ
أَبِي هَالَةَ بْنِ مَالِكٍ، أَحَدِ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
تَمِيمٍ، حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ أَبِي
هَالَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي هَالَةَ
عِنْدَ عَتِيقِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ، وَجَارِيَةً.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَارِيَةٌ مِنْ الْجَوَارِي، تَزَوّجَهَا صَيْفِيّ
بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ.
[زَوَاجُهُ بِعَائِشَةَ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ
أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِمَكّةَ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى
بِهَا بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ عَشْرٍ، وَلَمْ
يَتَزَوّجْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكْرًا
غَيْرَهَا، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أربع مائة درهم.
[زاوجه بِسَوْدَةِ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ
زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، زَوّجَهُ إيّاهَا سَلِيطُ بْنُ
عَمْرٍو، وَيُقَال أَبُو حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عبد شمس بن عبدودّ ابن
نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ الله صلى الله
عليه وسلم أربع مائة درهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/534)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ابْنُ إسْحَاقَ
يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ، يَذْكُرُ أَنّ سَلِيطًا وَأَبَا حَاطِبٍ
كَانَا غَائِبَيْنِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ.
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ السّكْرَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شمس بن
عبد ودّ بن نصر ابن مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ.
[زَوَاجُهُ بِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بنت
جحش بْنِ رِئَابٍ الْأَسْدِيَةَ. زَوّجَهُ إيّاهَا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ
بْنِ جَحْشٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم أربع مائة
دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، مَوْلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهَا أَنَزَلَ اللهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها.
[زَوَاجُهُ بِأُمّ سَلَمَةَ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ سَلَمَةَ
بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّةَ، وَاسْمُهَا
هِنْدُ؛ زَوّجَهُ إيّاهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ابْنُهَا،
وَأَصْدَقَهَا رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِرَاشًا حَشْوُهُ
لِيفٌ، وَقَدَحًا وَصَحْفَةً، وَمِجَشّةً؛ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ، فَوَلَدَتْ لَهُ
سَلَمَةَ وَعُمَرَ وَزَيْنَبَ وَرُقَيّةَ.
[زَوَاجُهُ بِحَفْصَةَ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَفْصَةَ بِنْتَ
عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، زوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/535)
إيا أَبُوهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ،
وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم، وكانت
قبله عند خنيس بن حذاقة السّهمى.
[زَوَاجُهُ بِأُمّ حَبِيبَةَ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ حَبِيبَةَ،
وَاسْمُهَا رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، زَوّجَهُ إيّاهَا
خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُمَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ،
وَأَصْدَقَهَا النّجَاشِيّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أربع مائة دِينَارٍ، وَهُوَ الّذِي كَانَ خَطَبَهَا عَلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ
عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيّ.
[زَوَاجُهُ بجويرية]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ
بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة، كَانَتْ فِي سَبَايَا
بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَوَقَعَتْ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ
بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ الْأَنْصَارِيّ، فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا،
فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي
كِتَابَتِهَا، فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو؟
قَالَ: أَقْضِي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ،
فَتَزَوّجَهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ زياد بن عبد الله
البكائي، عن محمد ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن لزبير، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/536)
قال ابن هشام: ويقال: لما انصرف رسول اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ،
وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ،
دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً، وَأَمَرَهُ
بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ
بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ، فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ
الّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ، فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا،
فَغَيّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ، ثُمّ أَتَى النّبِيّ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَصَبْتُمْ
ابْنَتِي، وَهَذَا فِدَاؤُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْت بِالْعَقِيقِ فِي شِعْبِ كَذَا
وكذا؟ فقال الحارث:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَنّك رَسُولُ اللهِ، صَلّى اللهُ
عليك، فو الله مَا اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلّا اللهُ تَعَالَى، فَأَسْلَمَ
الْحَارِثُ، وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ،
وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ، فَجَاءَ بِهِمَا فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى
النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت وحسن
إسْلَامُهَا، وَخَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى أَبِيهَا، فَزَوّجَهُ إيّاهَا، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مائة دِرْهَمٍ،
وَكَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ
ابْنِ عَمّ لَهَا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ اشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ من ثابت ابن قيس، فأعتقها وتزوّجها، وأصدقها أربع مائة
درهم.
[زَوَاجُهُ بِصَفِيّةَ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ بِنْتَ
حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/537)
سَبَاهَا مِنْ خَيْبَرَ، فَاصْطَفَاهَا
لِنَفْسِهِ، وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَلِيمَةً، مَا فِيهَا شَحْمٌ وَلَا لَحْمٌ، كَانَ سَوِيقًا وَتَمْرًا،
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أبى الحقيق.
[زَوَاجُهُ بِمَيْمُونَةَ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَيْمُونَةَ
بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ ابن بحير بن هزم بن روبية بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ
بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَصْدَقَهَا الْعَبّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مائة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ
عِنْدَ أَبِي رُهْمِ بْنِ عبد العزّى بن أبى قيس ابن عَبْدِ وُدّ بْنِ
نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ؛ وَيُقَالُ:
إنّهَا الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ، وَذَلِكَ أَنّ خِطْبَةَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
انْتَهَتْ إلَيْهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَقَالَتْ: الْبَعِيرُ وَمَا
عَلَيْهِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ.
وَيُقَالُ: إنّ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ زَيْنَبُ بِنْتُ جحش، وَيُقَالُ أُمّ شَرِيكٍ، غَزِيّة بِنْتُ
جَابِرِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ معيص ابن
عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَامَةَ
بْنِ لُؤَيّ، فَأَرْجَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ..
[زَوَاجُهُ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ
بِنْتَ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/538)
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَتْ تُسْمَى
أُمّ الْمَسَاكِينِ، لِرَحْمَتِهَا إيّاهُمْ، وَرِقّتِهَا عَلَيْهِمْ،
زَوّجَهُ إيّاهَا قَبِيصَةُ بْنُ عَمْرٍو الْهِلَالِيّ، وَأَصْدَقَهَا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ
عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ،
وَكَانَتْ قَبْلَ عُبَيْدَةَ عِنْدَ جَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحارث، وهو
ابن عمّها.
[عدتهن وشأن الرسول معهن]
فَهَؤُلَاءِ اللّاتِي بَنَى بِهِنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إحْدَى عَشَرَةَ، فَمَاتَ قَبْلَهُ مِنْهُنّ ثِنْتَانِ: خَدِيجَةُ
بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ. وَتُوُفّيَ عَنْ تِسْعٍ
قَدْ ذَكَرْنَاهُنّ فِي أَوّلِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَثِنْتَانِ لَمْ
يَدْخُلْ بِهِمَا: أَسَمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ،
تَزَوّجَهَا فَوَجَدَ بِهَا بَيَاضًا، فَمَتّعَهَا وَرَدّهَا إلَى
أَهْلِهَا، وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّة، وَكَانَتْ حَدِيثَةَ
عَهْدٍ بِكُفْرٍ؛ فَلَمّا قدمت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنِيعٌ عَائِذٌ اللهَ، فَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا، وَيُقَالُ:
إنّ الّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كِنْدِيّةُ بِنْتُ عَمّ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ النّعْمَانِ،
وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَاهَا،
فَقَالَتْ: إنّا قَوْمٌ نُؤْتَى وَلَا نَأْتِي؛ فَرَدّهَا رَسُولُ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهَا.
[تسمية القرشيات منهن]
القرشيات من أزواج النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِتّ: خَدِيجَةُ
بِنْتُ خويلد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/539)
ابن أسد بن عبد العزّى بن تصىّ بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لُؤَيّ؛ وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بن سعد بن تيم ابن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب؛ وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بْنِ
نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قرط بن رياح بن رزاح
بن عدي بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ
بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عبد شمس ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ
بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ؛ وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ
أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم
بن يقظة بن مرة ابن كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ؛ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ ابن نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ بن لؤىّ.
[تسمية العربيات وغيرهن]
والعربيات وغيرهنّ سمع: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ
بن صبرة بن مرة بن كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ بن
خزيمة؛ وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ
هُزَمَ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ
بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ؛ وَزَيْنَبُ
بِنْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عبد الله بن عمرو ابن عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ،
وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة، ثُمّ
الْمُصْطَلِقِيّة، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ؛
وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/540)
غَيْرُ الْعَرَبِيّاتِ وَمِنْ غَيْرِ
الْعَرَبِيّاتِ: صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ بَنِي
النّضِيرِ
[تَمْرِيضُ رسول الله فى بيت عائشة]
[مجيئه إلى بيت عائشة]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ
بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ: أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ
الْعَبّاسِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، عَاصِبًا رَأْسَهُ، تَخُطّ قَدَمَاهُ، حَتّى
دَخَلَ بَيْتِي.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ، فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ
الْعَبّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنْ الرّجُلُ الْآخَرُ؟ قَالَ: قُلْت:
لَا، قَالَ: عَلِيّ بْنُ أَبِي طالب.
[شِدّةُ الْمَرَضِ وَصَبّ الْمَاءِ عَلَيْهِ]
ثُمّ غُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَاشْتَدّ بِهِ
وَجَعُهُ، فَقَالَ هَريقُوا عَلَيّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتّى، حَتّى
أَخْرُجَ إلَى النّاسِ فَأَعْهَدُ إلَيْهِمْ. قَالَتْ:
فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، ثُمّ صَبَبْنَا
عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى طَفِقَ يَقُولُ:
حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ.
[كَلِمَةٌ لِلنّبِيّ وَاخْتِصَاصُهُ أَبَا بَكْرٍ بِالذّكْرِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ
بَشِيرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/541)
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ
عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمّ كَانَ أَوّلُ مَا
تَكَلّمَ بِهِ أَنّهُ صَلّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ،
فَأَكْثَرَ الصّلَاةَ عَلَيْهِمْ، ثُمّ قَالَ:
إنّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ خَيّرَهُ اللهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ
مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ.
قَالَ: فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَرَفَ أَنّ نَفْسَهُ يُرِيدُ، فَبَكَى
وَقَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيك بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَقَالَ:
عَلَى رِسْلِك يَا أَبَا بَكْرٍ، ثُمّ قَالَ: اُنْظُرُوا هَذِهِ
الْأَبْوَابَ اللّافِظَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسُدّوهَا إلّا بَيْتَ أَبِي
بَكْرٍ، فَإِنّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصّحْبَةِ
عِنْدِي يَدًا مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: إلّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي
سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ، قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا: فَإِنّي لَوْ كُنْت
مُتّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لا تخذت أبا بكر خليلا، ولكن صحبة
وإخاه إيمَانٍ حَتّى يَجْمَعَ اللهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ.
[أَمْرُ الرّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ]
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَبْطَأَ النّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ، فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى
جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ
أُسَامَةَ: أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلّةِ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/542)
فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا
هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، أَنْفِذُوا بَعْثَ
أُسَامَةَ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ
فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ،
وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا.
قَالَ: ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ،
وَانْكَمَشَ الناس فى جهازهم، واستعزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ، فَخَرَجَ أُسَامَةُ، وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ
حَتّى نَزَلُوا الْجُرْفَ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ، فَضَرَبَ
بِهِ عَسْكَرَهُ، وَتَتَامّ إلَيْهِ النّاسُ، وَثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنّاسُ، لِيَنْظُرُوا مَا
اللهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[وَصِيّةُ الرّسُولِ بِالْأَنْصَارِ]
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ صَلّى
وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ
مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ اسْتَوْصُوا
بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا، فَإِنّ النّاسَ يَزِيدُونَ، وَإِنّ الْأَنْصَارَ
عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنّهُمْ كَانُوا عَيْبَتِي الّتِي
أَوَيْت إلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ
مُسِيئِهِمْ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بَيْتَهُ، وَتَتَامّ به وجعه، حتى غمر.
[شَأْنُ اللّدُودِ]
قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِ: أُمّ
سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةُ، وَنِسَاءٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/543)
مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُنّ
أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَعِنْدَهُ الْعَبّاسُ عَمّهُ، فَأَجْمَعُوا
أَنْ يَلُدّوهُ، وَقَالَ الْعَبّاسُ: لَأَلُدّنّهُ. قَالَ: فَلَدّوهُ،
فَلَمّا أَفَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: مَنْ
صَنَعَ هَذَا بِي؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، عَمّك، قَالَ:
هَذَا دَوَاءٌ أَتَى بِهِ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْأَرْضِ،
وَأَشَارَ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ قَالَ: وَلِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ عَمّهُ الْعَبّاسُ: خَشِينَا يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَكُونَ بِك
ذَاتُ الْجَنْبِ فَقَالَ: إنّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللهُ عَزّ وَجَلّ
لِيَقْذِفَنِي بِهِ، لَا يَبْقَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا لُدّ إلّا
عَمّي، فَلَقَدْ لُدّتْ مَيْمُونَةُ وَإِنّهَا لَصَائِمَةٌ، لِقَسَمِ
رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، عُقُوبَةً لَهُمْ بِمَا
صَنَعُوا بِهِ.
[دُعَاءُ الرّسُولِ لِأُسَامَةَ بِالْإِشَارَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ،
عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زيد، قَالَ:
لَمّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبَطْتُ
وَهَبَطَ النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَا يَتَكَلّمُ،
فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ،
فَأَعْرِفُ أَنّهُ يَدْعُو لِي.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وقال ابن شهاب الزهرى: حدثنى عبيد بن عبد الله ابن
عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إنّ اللهَ لَمْ
يَقْبِضْ نَبِيّا حَتّى يُخَيّرْهُ. قَالَتْ: فَلَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا وَهُوَ
يَقُولُ: بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ، قالت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/544)
فقلت: إذا والله لا يختارنا، وعرفت أنه
الذى كَانَ يَقُولُ لَنَا: إنّ نَبِيّا لَمْ يُقْبَضْ حتى يخيّر.
[صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ]
قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،
أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ:
مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ.
قَالَتْ: قُلْت: يَا نَبِيّ اللهِ، إن أبا بكر رَجُلٌ رَقِيقٌ، ضَعِيفُ
الصّوْتِ، كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، قَالَ: مُرُوهُ
فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ. قَالَتْ: فَعُدْت بِمِثْلِ قَوْلِي، فَقَالَ:
إنّكُنّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فمروه فليصلّ بالناس، قالت: فو الله مَا أَقُولُ
ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ،
وَعَرَفْت أَنّ النّاسَ لَا يُحِبّونَ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا،
وَأَنّ النّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ فِي كُلّ حَدَثٍ كَانَ، فَكُنْت
أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زمعة بن الأسود ابن الْمُطّلِبِ بْنِ
أَسَدٍ، قَالَ: لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: دَعَاهُ
بَلَالٌ إلَى الصّلَاةِ، فَقَالَ: مُرُوا مَنْ يُصَلّي بِالنّاسِ. قَالَ:
فَخَرَجْت فَإِذَا عُمَرُ فِي النّاسِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا؛
فَقُلْت:
قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلّ بِالنّاسِ. قَالَ: فَقَامَ، فَلَمّا كَبّرَ، سَمِعَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، وَكَانَ عُمَرُ
رَجُلًا مِجْهَرًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ،
يَأْبَى اللهُ ذلك والمسلمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/545)
قَالَ فَبُعِثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ
بَعْدَ أَنْ صَلّى عُمَرُ تِلْكَ الصّلَاةَ، فَصَلّى بِالنّاسِ.
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمَعَةَ: قَالَ لى عمر: ويحك، ماذا صنعب
بِي يَا بْنَ زَمَعَةَ، وَاَللهِ مَا ظَنَنْت حِينَ أَمَرْتنِي إلّا أَنّ
رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَك بِذَلِكَ، وَلَوْلَا
ذَلِكَ مَا صَلّيْت بِالنّاسِ. قَالَ: قُلْتُ: وَاَللهِ مَا أَمَرَنِي
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَلَكِنّي
حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْر رَأَيْتُك أَحَقّ مَنْ حَضَرَ بِالصّلَاةِ
بِالنّاسِ.
[الْيَوْمُ الّذِي قَبَضَ اللهُ فِيهِ نَبِيّهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مالك:
أنه لما كان يوم الاثنين الذى قبض الله فيه رسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ، خَرَجَ إلَى النّاسِ، وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ، فَرَفَعَ
السّتْرَ، وَفَتَحَ الْبَابَ، فَخَرَجَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ على باب عائشة، فكاد المسلمون يفتنون فِي
صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَوْهُ
فَرَحًا بِهِ، وَتَفَرّجُوا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى
صَلَاتِكُمْ؛ قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ سُرُورًا لَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَمَا
رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَسَنَ
هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ
وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ
أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصّلَاةِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/546)
أين أبو بكر؟ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ
وَالْمُسْلِمُونَ. فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ،
لَمْ يَشُكّ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: إنْ
أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي، وَإِنْ
أَتَرَكَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي. فَعَرَفَ النّاسُ
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ
أَحَدًا، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مَتّهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ إلَى الصّبْحِ، وَأَبُو بَكْرٍ
يُصَلّي بِالنّاسِ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَفَرّجَ النّاسُ، فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنّ النّاسَ لَمْ
يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلّا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ،
فَنَكَصَ عَنْ مُصَلّاهُ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي ظَهْرِهِ، وَقَالَ: صَلّ بِالنّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِهِ، فَصَلّى قَاعِدًا عَنْ
يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى
النّاسِ، فَكَلّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ، حَتّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ
بَابِ الْمَسْجِدِ، يَقُولُ: أَيّهَا النّاسُ، سُعّرَتْ النّارُ،
وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ المظلم، وإنى والله ما
تَمَسّكُونِ عَلَيّ بِشَيْءِ، إنّي لَمْ أُحِلّ إلّا مَا أَحَلّ
الْقُرْآنُ، وَلَمْ أُحَرّمْ إلّا مَا حَرّمَ الْقُرْآنُ.
قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
كَلَامِهِ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ:
يَا نَبِيّ اللهِ إنّي أَرَاك قَدْ أَصْبَحْتَ بِنِعْمَةِ مِنْ اللهِ
وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبّ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ، أَفَآتِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أهله بالسّنح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/547)
[شَأْنُ الْعَبّاسِ وَعَلِيّ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ
يَوْمئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى
النّاسِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النّاسُ:
يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا، قَالَ، فَأَخَذَ
الْعَبّاسُ بِيَدِهِ، ثُمّ قَالَ: يَا عَلِيّ، أَنْتَ وَاَللهِ عَبْدُ
الْعَصَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، أَحْلِفُ بِاَللهِ لَقَدْ عَرَفْت الْمَوْتَ فِي
وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، كَمَا كُنْت
أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا
الْأَمْرُ فِينَا عَرَفْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، أَمَرْنَاهُ
فَأَوْصَى بِنَا النّاسَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيّ: إنّي وَاَللهِ لَا
أَفْعَلُ، وَاَللهِ لَئِنْ مُنِعْنَاهُ لَا يُؤْتِينَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ.
فَتُوُفّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشْتَدّ الضّحَاءُ مِنْ
ذَلِكَ الْيَوْمِ.
[سِوَاكُ الرّسُولِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ
الزّهْرِيّ، عَنْ عروة، عن عائشة، قَالَ: قَالَتْ: رَجَعَ إلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ
دَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي، فَدَخَلَ عَلَيّ رَجُلٌ
مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخَضَرَ. قَالَتْ: فَنَظَرَ
رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ فِي يَدِهِ نَظَرًا
عَرَفْت أَنّهُ يُرِيدُهُ، قَالَتْ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُحِبّ
أَنْ أُعْطِيَك هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/548)
السّوَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ:
فَأَخَذْته فَمَضَغْته لَهُ حَتّى لَيّنْته، ثُمّ أَعْطَيْته إيّاهُ،
قَالَتْ: فَاسْتَنّ بِهِ كَأَشَدّ مَا رَأَيْته يَسْتَنّ بِسِوَاكٍ قَطّ،
ثُمّ وَضَعَهُ، وَوَجَدْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم يثقل فى
حجرى، فذهبت أنظر فى وجهه، فإذا بصره قد شخص، وَهُوَ يَقُولُ: بَلْ
الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ، قَالَتْ:
فَقُلْت: خُيّرْت فَاخْتَرْت وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ. قَالَتْ:
وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أبيه عباد. قال: سمعت عائشة تَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي
دَوْلَتِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، ثُمّ وَضَعْت
رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ، وَقُمْت ألْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ، وَأَضْرِبُ
وجهى.
[مَقَالَةُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ:
إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ، وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلى ربه كما ذهب
موسى ابن عِمْرَانَ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً،
ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مات؛ وو الله لَيَرْجِعَنّ
رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى،
فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/549)
[موقف أبى بكر
بعد وفاة الرسول]
قال: وأقبل أبو بكر حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ
الْخَبَرُ، وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ
حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
بَيْتِ عَائِشَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى
فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ، فَأَقْبَلَ حَتّى
كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ:
ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ، ثُمّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي،
أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا، ثُمّ لَنْ
تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا. قَالَ:
ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ، ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِك
يَا عُمَرُ، أَنْصِتْ، فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ، فَلَمّا رَآهُ أَبُو
بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ
كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ؛ فَحَمِدَ اللهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ:
أَيّهَا النّاسُ، إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا
قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنّ اللهَ حَيّ لَا يَمُوتُ.
قَالَ: ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ
عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ
اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.
قال: فو الله لَكَأَنّ النّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ
نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ؛ قَالَ: وَأَخَذَهَا
النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ؛ قَالَ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/550)
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ عُمَرُ: وَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ
سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ
مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ، وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ مَاتَ. |