السيرة النبوية لابن كثير

ذكر أَخْبَار الْعَرَب
(1 / 1 السِّيرَة)

(1/1)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قِيلَ: إِنَّ جَمِيعَ الْعَرَبِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ ابْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَالتَّحِيَّةُ وَالْإِكْرَامُ.
وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُور أَن الْعَرَب العاربة قبل إِسْمَاعِيل، وَمِنْهُم عَادٌ وَثَمُودُ وَطَسْمٌ وَجَدِيسٌ وَأَمِيمٌ وَجُرْهُمٌ وَالْعَمَالِيقُ، وأمم آخَرُونَ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله، كَانُوا قَبْلَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِي زَمَانِهِ أَيْضًا.
فَأَمَّا الْعَرَبُ الْمُسْتَعْرِبَةُ، وَهُمْ عَرَبُ الْحِجَازِ، فَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ابْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَأَمَّا عَرَبُ الْيَمَنِ وَهُمْ حِمْيَرُ فَالْمَشْهُورُ أَنهم من قحطان، واسْمه مهزم.
قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا.
وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةَ إِخْوَةٍ: قَحْطَانُ وَقَاحِطٌ وَمِقْحَطٌ وَفَالِغٌ.
وَقَحْطَانُ بْنُ هُودٍ، وَقِيلَ هُوَ هُودٌ.
وَقِيلَ هُودٌ أَخُوهُ.
وَقِيلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ.
وَقِيلَ إِنَّ قَحْطَانَ مِنْ سلالة إِسْمَاعِيل، حَكَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قحطان [ابْن الْهَمَيْسَعِ (1) ] بْنِ تَيْمَنَ بْنِ قَيْذَرَ [بْنِ نَبْتِ (1) ] بْنِ إِسْمَاعِيلَ.
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (بَابُ نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدثنَا سَلمَة رضى الله عَنهُ
__________
(1) من المخطوطة (*)

(1/3)


قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قوم من أسلم يتناضلون بِالسُّيُوفِ فَقَالَ: " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَأَنَا مَعَ بَنِي فلَان " لَاحَدَّ الْفَرِيقَيْنِ، فأمسكوا بِأَيْدِيهِم، فَقَالَ: مالكم؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ: " ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ (1) ".
تفرد بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ " فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ فَقَالَ ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَأَسْلَمُ (2) بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ.
يَعْنِي: وَخُزَاعَةُ فِرْقَةٌ مِمَّنْ كَانَ تَمَزَّقَ مِنْ قَبَائِلِ سَبَأٍ حِينَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ.
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ سُلَالَتِهِ.
وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جِنْسُ الْعَرَبِ، لَكِنَّهُ تَأْوِيلٌ بِعِيدٌ إِذْ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا دَلِيلٍ.
لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ الْقَحْطَانِيَّةَ مِنْ عَرَبِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ لَيْسُوا مِنْ
سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ.
وَعِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْعَرَبِ يَنْقَسِمُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ: قَحْطَانِيَّةٍ وَعَدْنَانِيَّةٍ.
فَالْقَحْطَانِيَّةُ شَعْبَانِ: سَبَأٌ وَحَضْرَمَوْتُ.
وَالْعَدْنَانِيَّةُ شَعْبَانِ أَيْضًا: رَبِيعَةُ وَمُضَرُ، ابْنًا نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَالشَّعْبُ الْخَامِسُ وَهُمْ قُضَاعَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهِمْ، فَقِيلَ إِنَّهُمْ عَدْنَانِيُّونَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجُبَيْرِ بْنِ مَطْعِمٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَعَمِّهِ مُصْعَبِ الزُّبَيْرِيِّ وَابْنِ هِشَامٍ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ: " قُضَاعَةَ بن معد " وَلكنه لَا يَصِحُّ.
قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ.
__________
(1) صَحِيح البُخَارِيّ ج 2 ص 133.
(2) البُخَارِيّ: وَمِنْهُم أسلم.
(*)

(1/4)


وَيُقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ (1) يَزَالُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَصَدْرٍ مِنَ الْإِسْلَامِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى عَدْنَانَ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وكانو أَخْوَالَهُ، انْتَسَبُوا إِلَى قَحْطَانَ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ أَعْشَى بْنُ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: أَبْلِغْ قُضَاعَةَ فِي الْقِرْطَاسِ أَنَّهُمُ * لَوْلَا خَلَائِفُ آلِ الله مَا عنقوا قَالَتْ قُضَاعَةُ إِنَّا مِنْ ذَوِي يُمْنٍ * وَاللَّهُ يعلم مَا بروا وَلَا (2) صَدَقُوا قَدِ ادَّعَوْا وَالِدًا مَا نَالَ أُمَّهُمُ * قَدْ يَعْلَمُونَ وَلَكِنْ ذَلِكَ الْفَرَقُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو السُّهَيْلِيُّ أَيْضًا مِنْ شِعْرِ الْعَرَبِ مَا فِيهِ إبداع فِي تعيير (3) قضاعة فِي فِي انْتِسَابِهِمْ إِلَى الْيَمَنِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمْ مِنْ قَحْطَانَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَهُوَ قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِهِمْ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثَانِ: - يَا أَيُّهَا الدَّاعِي ادْعُنَا وَأَبْشِرْ * وَكُنْ قُضَاعِيًّا وَلَا تُنْزِرْ
- نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرِ (4) * قُضَاعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ النَّسَبُ الْمَعْرُوفُ غَيْرُ الْمُنْكَرِ * فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّسَبِ: هُوَ قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حِمْيَرَ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ سُوَيْد، عَن أَبى عشابة (5) مُحَمَّد بن مُوسَى، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا نَحْنُ مِنْ مَعَدٍّ؟ قَالَ لَا.
قلت: فَمن نَحن؟ قَالَ: أَنْتُم من قضاعة بن مَالك بن حمير.
__________
(1) فِي الاصل: لن، وَهُوَ خطأ (2) المطبوعة: وَمَا (3) المطبوعة: تَفْسِير.
وَهُوَ خطأ (4) الهجان: الرجل الحسيب.
والازهر: الْمشرق الْوَجْه.
(5) كَذَا بالمطبوعة وفى المخطوطة: مشابة وَلَا وجود لَهما.
وَلَعَلَّه أبوعشانة حى بن يُؤمن.
(*)

(1/5)


قَالَ أَبُو عمر بن عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ جُهَيْنَةَ بْنَ زيد بن أسود بْنِ أَسْلَمَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافَ بْنِ قُضَاعَةَ قَبِيلَةُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، فَعَلَى هَذَا قُضَاعَةُ فِي الْيَمَنِ فِي حِمْيَرَ بْنِ سَبَأٍ.
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قُضَاعَةَ امْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ تَزَوَّجَهَا مَالِكُ بْنُ حِمْيَرَ فَوَلَدَتْ لَهُ قُضَاعَةَ، ثُمَّ خَلَّفَ عَلَيْهَا مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ، وَابْنُهَا صَغِيرٌ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ حَمْلًا فَنُسِبَ إِلَى زَوْجِ أُمِّهِ، كَمَا كَانَتْ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ يَنْسُبُونَ الرَّجُلَ إِلَى زَوْجِ أُمِّهِ (1) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ الْبَصْرِيُّ النَّسَّابَةُ: الْعَرَبُ ثَلَاثَةُ جَرَاثِيمَ: الْعَدْنَانِيَّةُ وَالْقَحْطَانِيَّةُ وَقُضَاعَةُ.
قِيلَ لَهُ: فَأَيُّهُمَا أَكْثَرُ الْعَدْنَانِيَّةُ أَوِ الْقَحْطَانِيَّةُ؟ فَقَالَ: مَا شَاءَتْ قضاعة، إِن تيامنت فالقحطانية أَكثر وَإِن تعدننت فالعدنانية أَكثر.
وَهَذَا يدل على أَنهم يتلونون فِي نَسَبِهِمْ، فَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ الْمُتَقَدّم فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْقَحْطَانِيَّةِ وَاللَّهُ أعلم.
وَقد قَالَ الله تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم (2) .
قَالَ عُلَمَاءُ النَّسَبِ: يُقَالَ شُعُوبٌ، ثُمَّ قَبَائِلُ، ثُمَّ عَمَائِرُ، ثُمَّ بُطُونٌ، ثُمَّ أَفْخَاذٌ، ثُمَّ فَصَائِلُ، ثُمَّ عَشَائِرُ، وَالْعَشِيرَةُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى الرجل وَلَيْسَ بعْدهَا شئ.
وَلْنَبْدَأْ أَوَّلًا بِذِكْرِ الْقَحْطَانِيَّةِ، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَهُمْ عَرَبَ الْحِجَازِ وَهُمُ الْعَدْنَانِيَّةُ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى وَبِه الثِّقَة.
__________
(1) قَالَ الجوانى فِي كِتَابه أصُول الاحساب: " فَجَاءَت بقضاعة على فرَاش مَالك بن مرّة، فنسبته الْعَرَب إِلَى زوج أمه مَالك بن مرّة، وهى عَادَة للْعَرَب فِيمَن يُولد على فرَاش زوج أمه.
وَقيل إِن اسْم الجرهمية.
قضاعة، فَلَمَّا جَاءَت بِوَلَدِهَا سمته باسمها، وَقيل: بل كَانَ اسْمه عمرا، فَلَمَّا تقضع عَن قومه أَي بعد سمى قضاعة " (2) سُورَة الحجرات 13.
(*)

(1/6)


وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ (بَابُ ذِكْرِ قَحْطَانَ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْن بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ " (1) وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقَحْطَانُ أَوَّلُ مَنْ قِيلَ لَهُ " أَبَيْتَ اللَّعْنَ " وَأَوَّلُ مَنْ قِيلَ لَهُ " أَنْعِمْ صَبَاحًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ جرير حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ الْمَقْرَائِيُّ عَنْ أَبِي حَيٍّ، عَن ذى فجر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ فَنَزْعَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ (وَسَ يَ ع ود إِ ل ي هـ م) قَالَ عبد الله: كَانَ هَذَا فِي كتاب أَبى وَحَيْثُ حَدَّثَنَا بِهِ تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ، يعْنى: " وَسَيَعُودُ إِلَيْهِم ".
__________
(1) صَحِيح البُخَارِيّ 2 / 135 (*)

(1/7)


قِصَّةُ سَبَأٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لسبإ فِي مسكنهم آيَة جنتان عَن يَمِين وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ.
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خمط وأثل وشئ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ.
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ.
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ.
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (1) .
قَالَ عُلَمَاءُ النَّسَبِ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: اسْمُ سَبَأٍ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ يَشْجُبَ بْنِ يعرب ابْن قحطان.
قَالُوا: وَكَانَ أول من سبى من الْعَرَبِ فَسُمِّي سَبَأً لِذَلِكَ.
وَكَانَ يُقَالَ لَهُ الرَّائِشُ، لِأَنَّهُ كَانَ يُعْطِي النَّاسَ الْأَمْوَالَ مِنْ مَتَاعِهِ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَيُقَالَ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَتَوَّجَ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، وَكَانَ لَهُ شِعْرٌ بَشَّرَ فِيهِ بِوُجُودِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: سَيَمْلِكُ بَعْدَنَا مُلْكًا عَظِيمًا * نَبِيٌّ لَا يُرَخِّصُ فِي الْحَرَامِ وَيَمْلِكُ بَعْدَهُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ * يَدِينُونَ الْعِبَادَ بِغَيْرِ ذَامِ وَيَمْلِكُ بَعْدَهُمْ مِنَّا مُلُوكٌ * يَصِيرُ الْمُلْكُ فِينَا بِاقْتِسَامِ وَيَمْلِكُ بَعْدَ قَحْطَانٍ نبى * تقى، مخبت (2) خَيْرُ الْأَنَامِ يُسَمَّى أَحْمَدًا يَا لَيْتَ أَنِّي * أعمر بعد مبعثه بعام
__________
(1) سُورَة سبأ 15 - 19 (2) الاصل: جَبينه.
وَمَا أثْبته من التَّفْسِير.
(*)

(1/8)


فأعضده وأحبوه بنصري * بِكُل مدجج وَبِكُل رامى مَتَى يَظْهَرْ فَكُونُوا نَاصِرِيهِ * وَمَنْ يَلْقَاهُ يُبْلِغْهُ سَلَامِي حَكَاهُ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ " التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عبد الله بن لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيُّ عَن عبد الرَّحْمَن بن وَعلة قَالَ (1) ] سَمِعت عبد الله بن عَبَّاس يَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَأٍ مَا هُوَ؟ أَرْجُلٌ أَمِ امْرَأَةٌ أَمْ أَرْضٌ؟ قَالَ: " بَلْ هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً، فَسَكَنَ الْيَمَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَبِالشَّامِ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ.
فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ فَمَذْحِجٌ وَكِنْدَةُ والازد والاشعريون وأنمار وحمير [عربا كلهَا (2) ] وَأَمَّا الشَّامِيَّةُ فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ (3) ".
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ فَرْوَةَ بْنَ مُسَيْكٍ الْغُطَيْفِيَّ هُوَ السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا اسْتَقْصَيْنَا طرق هَذَا الحَدِيث وَأَلْفَاظه هُنَاكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ سَبَأً يَجْمَعُ هَذِهِ الْقَبَائِلَ كُلَّهَا، وَقَدْ كَانَ فِيهِمُ التَّبَابِعَةُ بِأَرْضِ الْيَمَنِ وَاحِدُهُمْ تُبَّعٌ، وَكَانَ لِمُلُوكِهِمْ تِيجَانٌ يَلْبَسُونَهَا وَقْتَ الْحُكْمِ، كَمَا كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ مُلُوكُ الْفُرْسِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ مَعَ الشِّحْرِ وَحَضْرَمَوْتَ تُبَّعًا، كَمَا يُسَمُّونَ مَنْ مَلَكَ الشَّامَ مَعَ الْجَزِيرَةِ قَيْصَرَ، وَمَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ كِسْرَى، وَمَنْ مَلَكَ مِصْرَ فِرْعَوْنَ، وَمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ النَّجَاشِيَّ، وَمَنْ مَلَكَ الْهِنْدَ بَطْلَيْمُوسَ، وَقَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مُلُوك حمير بِأَرْض الْيمن بلقيس.
وَقَدْ كَانُوا فِي غِبْطَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَرْزَاقٍ دَارَّةٍ وَثِمَارٍ وَزُرُوعٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَالسَّدَادِ وَطَرِيقِ الرَّشَادِ، فَلَمَّا بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كفرا أحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار.
__________
(1) سقط من المطبوعة! وَكَانَ فِيهَا: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دعلة.
(2) من الْمسند (3) الْمسند حَدِيث رقم 2900 (*)

(1/9)


قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا.
وَزَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ ألف نبى! فَالله أعلم.
وَالْمَقْصُود أَنهم عَدَلُوا عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ وَسَجَدُوا لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ بِلْقِيسَ وَقَبْلَهَا أَيْضًا، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ فِيهِمْ حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ.
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهل نجازى إِلَّا الكفور) .