السيرة
النبوية لابن كثير ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ
رَوَى مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ،
عَنْ عَمْرِو بن سعيد، عَن سعيد
ابْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: قَدِمَ ضِمَادٌ مَكَّةَ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَزِدِ شَنُوءَةَ،
وَكَانَ يرقى من هَذِه الرِّيَاح، فَسمع سُفَهَاء من سفه مَكَّة
يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ.
فَقَالَ: أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى
يَدَيَّ؟ فَلَقِيتُ مُحَمَّدًا فَقُلْتُ: إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ
الرِّيَاحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدَيَّ مَنْ شَاءَ، فَهَلُمَّ.
فَقَالَ مُحَمَّدٌ: " إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ،
مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ
لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ".
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ
السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سُمِعْتُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ
الْكَلِمَاتِ، فَهَلُمَّ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
لَهُ: وَعَلَى قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: وَعَلَى قَوْمِي.
فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا فَمَرُّوا
بِقَوْمِ ضِمَادٍ.
فَقَالَ صَاحِبُ الْجَيْشِ لِلسَّرِيَّةِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ
الْقَوْمِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رجل مِنْهُم: أصبت مِنْهُم مظهرة (1) .
فَقَالَ رُدَّهَا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ قَوْمُ ضِمَادٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ لَهُ ضِمَادٌ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ
هَؤُلَاءِ فَلَقَد بلغن قَامُوس (2) الْبَحْر.
__________
(1) الْمظهر: الْبَعِير الَّتِى أَتَت عَلَيْهِ الظهيرة وَهُوَ يرْعَى.
(2) قَامُوس الْبَحْر: أبعد مَوضِع فِيهِ غورا.
هَذَا وَالرِّوَايَة فِي الوفا: أعد على كلماتك هَؤُلَاءِ، فأعادهن
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ
مَرَّات.
فَقَالَ: لقد سَمِعت قَول الكهنة والسحرة وَالشعرَاء فَمَا سَمِعت مثل
كلماتك هولاء وَلَقَد بلغت قَامُوس الْبَحْر.
(*)
(1/452)
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي
دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ إِسْلَامَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَعْيَانِ فَصْلًا
طَوِيلًا، وَاسْتَقْصَى ذَلِكَ اسْتِقْصَاءً حَسَنًا رَحِمَهُ اللَّهُ
وَأَثَابَهُ.
وَقَدْ سَرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَسْمَاءَ مَنْ أَسْلَمَ قَدِيمًا مِنَ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ: ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَالْأَرْقَمُ
بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ
الْحَارِثِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ
الْخَطَّابِ.
وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ
صَغِيرَةٌ.
وَقُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَظْعُونٍ.
وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارِيِّ (1) ، وَسَلِيطُ
بْنُ عَمْرٍو وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ
بِنْتُ سَلَمَةَ (2) بْنِ مُخَرِّبَةَ (3) التَّمِيمِيَّةُ، وَخُنَيْسُ
بْنُ حذاقة، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ، وَجَعْفَرُ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ.
وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِث [وَامْرَأَته فَاطِمَة بنت المجلل.
وحطاب بن الْحَارِث (4) ] وَامْرَأَته فكيها ابْنة يَسَارٍ.
وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ.
وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَر بن عبد منَاف (5) ، وَامْرَأَتُهُ رَمْلَةُ
بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ بن سعيد بْنِ سَهْمٍ.
وَالنَّحَّامُ، وَاسْمُهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسِيدٍ،
وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبى بكر،
__________
(1) هُوَ مَسْعُود بن ربيعَة بن عَمْرو بن سعد بن عبد الْعُزَّى بن حمالَة
بن غَالب بن محلم بن عائذة بن سبيع ابْن الْهون بن خُزَيْمَة من القارة.
والقارة لقب لَهُم.
وهى قَبيلَة.
وَلَهُم يُقَال: قد أنصف القارة من راماها (2) ابْن هِشَام: سَلامَة.
(3) الاصل والمطبوعة: مخرمَة التيمى، وَهُوَ تَحْرِيف وَمَا أثْبته عَن
ابْن هِشَام.
(4) سَقَطت من الاصل وأثبتها من ابْن هِشَام.
(5) ابْن هِشَام: عبد عَوْف.
(*)
(1/453)
وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأُمَيْنَةُ
ابْنَةُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ (1) بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ مِنْ (2)
خُزَاعَةَ، وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ
بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عبد الله بْنِ
عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ التَّمِيمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ.
وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَاقِلُ بْنُ
الْبُكَيْرِ، وَإِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ
نَاشِبِ بْنِ غِيَرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ.
وَكَانَ اسْمُ عَاقِلٍ غَافِلًا فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِلًا، وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ.
ثُمَّ دخل النَّاس [فِي الاسلام (3) ] أَرْسَالًا مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ حَتَّى فَشَا أَمْرُ الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ وَتُحُدِّثَ
بِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثمَّ أَمر الله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنَ الْبِعْثَةِ بِأَنْ
يَصْدَعَ بِمَا أُمِرَ، وَأَنْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّوْا ذَهَبُوا فِي الشِّعَابِ وَاسْتَخْفَوْا
بِصَلَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ.
فَبَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي نَفَرٍ يُصَلُّونَ بِشِعَابِ
مَكَّةَ إِذْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ فَنَاكَرُوهُمْ
وَعَابُوا عَلَيْهِمْ مَا يَصْنَعُونَ حَتَّى قَاتَلُوهُمْ.
فَضَرَبَ سَعْدٌ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِلَحْيِ جَمَلٍ فَشَجَّهُ،
فَكَانَ أول دم هريق فِي الْإِسْلَامِ وَرَوَى الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ
مِنْ طَرِيقِ الْوَقَّاصِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ
عَنْ أَبِيهِ.
فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْجُوجَ هُوَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ لَعنه الله.
__________
(1) ط، خَ: سعد وَهُوَ تَحْرِيف، وَمَا أثْبته عَن ابْن هِشَام.
(2) الاصل: ابْن، وَهُوَ تَحْرِيف (3) من ابْن هِشَام.
(*)
(1/454)
|