السيرة
النبوية وأخبار الخلفاء السنة التاسعة من
الهجرة
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان ثنا محمد بن المتوكل بن أبي
السري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن «5» عبد الله بن
أبي ثور عن ابن عباس»
قال: لم أزل «7» حريصا أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله [لهما] «8» إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ
فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما «9» فقال عمر: واعجبا «10» لك يا ابن عباس! ثم
قال: هي عائشة وحفصة- ثم أنشأ يسوق الحديث فقال: كنا معشر قريش قوما نغلب
النساء فلما قدمنا المدينة
__________
(1) من الطبري 3/ 139، وفي الأصل: أم برية.
(2) من الطبري، وفي الأصل: يزيد.
(3) وهو البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول- راجع في الإصابة
ترجمة أم بردة والطبري.
(4) زيد من سمط النجوم وقد استوعب فيه أخبار إبراهيم من شتى النواحي فراجع
1/ 410- 413.
(5) من تهذيب التهذيب، وفي الأصل: عن.
(6) وهذا الحديث ساقه البخاري في عدة أبواب من صحيحه، وأحمد في مسنده 1/
33، والطبري في جامعه والبغوي في المعالم، والسيوطي في الدر المنثور وابن
سعد في الطبقات 8/ 131 باختلاف اللفظ وأغلب السياق للمسند والدر.
(7) من المراجع، وفي الأصل: ألم أزل.
(8) زيد من المراجع.
(9) سورة 66 آية 4، وقد وقع هنا بعده إهمال أو اختصار فإن جميع المراجع
تتفق على الزيادة التالية: حتى حج فحججت معه وعدل فعدلت معه بالإداوة فبرز
ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة فتوضأ ثم قلت: يا أمير المؤمنين! من
المرأتان من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله لهما إِنْ
تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما.
(10) من المراجع، وفي الأصل: عجبي.
(1/360)
وجدناهم «1» قوما تغلبهم نساؤنهم، فطفق
نساؤنا يتعلمن من نسائهم، وكان منزلي في بني أمية بن زيد في العوالي، قال
فتغضبت «2» يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني فقال: ما
تنكر أن أراجعك! فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه،
وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل! فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت:
أتراجعين «3» على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، وتهجره إحدانا
اليوم إلى الليل؛ قال: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر؛ أفتأمن إحداكن أن يغضب
الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت، فلا تراجعي
«4» رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا «5» لك
ولا يغرنك أن كانت جارتك «6» أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
منك- يريد عائشة؛ قال: وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره
«7» وآتيه «8» بمثل ذلك، وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، قال: فنزل
صاحبي يوما ثم أتاني [عشاء] «9» فضرب على بابي ثم ناداني؟ فخرجت إليه فقال:
حدث أمر عظيم! فقلت: [و] «9» ماذا؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك
وأطول! طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت: خابت حفصة وخسرت، قد
كنت أظن «10» هذا كائنا، فلما صليت الصبح شددت علي ثيابي ثم نزلت فدخلت على
حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا
أدري، هوذا معتزل في هذه المشربة،
__________
(1) في الدر المنثور 6/ 242 ومسند الإمام أحمد 1/ 33: فوجدنا.
(2) من المسند، وفي الأصل: فتعصبت، وفي بقية المراجع: فغضبت.
(3) من المسند، وفي الأصل: أترجعين.
(4) من المسند، وفي الأصل: تراكعي.
(5) من المسند، وفي الأصل: يد- كذا.
(6) من المسند والدر المنثور، وفي الأصل: جاريتك.
(7) زيد بعده في الأصل: وأنزل يوما، ولم تكن الزيادة في المسند فحذفناها.
(8) من المسند، وفي الأصل: فيأتيه.
(9) زيد من المسند.
(10) زيد بعده في الأصل: إن، ولم تكن الزيادة في المسند فحذفناها.
(1/361)
قال: فأتيت غلاما له أسود فقلت: استأذن
لعمر، فدخل الغلام ثم خرج إليّ وقال:
قد ذكرتك به ولم يقل شيئا، فانطلقت حتى أتيت المسجد فإذا قوم حول «1»
المنبر جلسوا يبكي «2» بعضهم إلى بعض، قال: فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد
فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليّ وقال: قد ذكرتك له فصمت،
فرجعت ثم جلست إلى المنبر، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت: استأذن
لعمر، فدخل ثم خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فسكت، فوليت مدبرا فإذا الغلام
يدعوني ويقول: ادخل، قد أذن لك، فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإذا هو متّكىء على رمل حصير قد أثر بجنبه فقلت: أطلقت يا رسول الله
صلى الله عليه وسلم نساءك؟ قال: فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» ، فقلت: الله
أكبر! لو رأيتنا يا رسول الله و «3» كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا
المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبت
على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني، فأنكرت ذلك عليها فقالت لي: أتنكر أن
أراجعك! فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن
اليوم إلى الليلة «4» ! قال: فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر! أتأمن
إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب «5» رسوله فإذا هي قد هلكت! قال: فتبسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقلت: يا رسول الله! فدخلت على حفصة فقلت
لها: لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما
بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم منك، قال: فتبسم رسول الله أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله؟ قال:
«نعم» ، قال: فجلست فرفعت رأسي في البيت فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد
البصر إلا أهبة ثلاثة، فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يوسع على أمتك فقد
__________
(1) من الدر المنثور، وفي الأصل: حر- كذا.
(2) من المسند: وفي الأصل: يبكين.
(3) من المسند 1/ 34: وفي الأصل: لو.
(4) في المسند: الليل.
(5) من المسند، وفي الأصل: بغضب.
(1/362)
وسع الله على فارس والروم وهم لا يعبدونه،
قال: فاستوى جالسا ثم قال: «أوفي شك أنت يا ابن الخطاب! أولئك قوم عجلت لهم
طيباتهم في الحياة الدنيا» ، فقلت: استغفر لي يا رسول الله! وكان أقسم أن
لا يدخلن «1» عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله.
قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة قالت: فلما مضى «2» تسع وعشرن [ليلة]
«3» دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ بي، فقلت: يا رسول الله!
إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت [من] «3» تسع وعشرين أعدهن،
فقال: «إن الشهر تسع وعشرون» ، ثم قال: «يا عائشة! إني ذاكر لك أمرا فلا
أراك أن تعجلي «4» فيه حتى تستأمري أبويك» ! قلت: ثم قرأ عليّ الآية يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ
الدُّنْيا وَزِينَتَها- إلى قوله: عَظِيماً «5» قالت عائشة: قد علم والله
أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه، فقلت: أفي «6» هذا أستأمر أبويّ فإني
أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
قال: في أول هذه السنة هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا، وكان
السبب في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح ذبحا فأمر عائشة أن تقسم
بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب [بنت] «7» جحش نصيبها فردته، قال: «زيديها»
«8» ، فزادتها ثلاثا، كل ذلك ترده، فقالت عائشة: قد أقمأت «9» وجهك. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتن أهون على
__________
(1) في المسند: لا يدخل.
(2) في المسند 6/ 163: مضت.
(3) زيد من المسند.
(4) من المسند، وفي الأصل: تعجل.
(5) سورة 33 آية 28.
(6) من المسند: وفي الأصل: في.
(7) زيد ولا بد منه.
(8) في الأصل: زيدها- كذا.
(9) أي أذلت؛ وفي الأصل: أقمت، والتصحيح من سنن ابن ماجه واللفظ فيها هكذا:
إنما آلي لأن
(1/363)
الله من أن تغضبن، لا أدخل عليكن شهرا» !
فدخل عليهن بعد مضي تسع وعشرين يوما.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز «1» في صفر إلى الحبشة
فانصرف ولم يلق كيدا.
وفي هذه السرية أمر علقمة «2» أصحابه أن يوقدوا نارا عظيما ثم أمرهم أن
يقتحموا فيها، فتحرزوا «3» وأبوا ذلك؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من
أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه» .
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بلى في ربيع الأول، ونزل على
رويفع بن ثابت البلوي «4» .
وقدم وفد بني ثعلبة بن منقذ «5» . وفيها [وفد] «6» سعد «7» هذيم.
__________
زينب ردت عليه هديته فقالت عائشة: لقد أقمأتك! فغضب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فآلى منهن- راجع باب الإيلاء من كتاب الطلاق.
(1) من الإصابة، وفي الأصل: محرز: وألم بهذه البعثة في طبقات بن سعد- القسم
الأول من الجزء الثاني 117، وفي المغازي 3/ 983، وفي سيرة بن هشام 3/ 92،
وفي الصحيح للبخاري- كتاب المغازي باختلاف حول التاريخ والسبب.
(2) كذا وجميع المراجع تتفق على نسبة هذه الواقعة إلى عبد الله بن حذافة
السهمي وألفاظها المتقاربة: حتى إذا كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش
واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكانت فيه دعابة فلما كان ببعض الطريق أوقد نارا- ثم يطّرد
الحديث كما هنا، وذكر البخاري في تفسير «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الأمر منكم» ، قول ابن عباس: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ
بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية.
(3) في الأصل: فيحرم- كذا، وما أثبتناه ينسجم مع صورة اللفظ والسياق.
(4) ذكره في الطبري 3/ 139 كما هنا، وذكره في إنسان العيون 3/ 327 بأكثر
مما هنا وقال: وفد بني بلى على وزن على مكبرا وهو حي من قضاعة.
(5) من الطبري 3/ 155، وفي الأصل: سعد.
(6) زيد من الطبري 3/ 155 وإنسان العيون 3/ 321.
(7) زيد بعده في الأصل: بن، ولم تكن الزيادة في الطبري والإنسان فحذفناها.
(1/364)
وقدم الداريون «1» من لخم عشرة أنفس: هانىء
«2» بن حبيب «2» والفاكه «3» بن النعمان وحبلة بن مالك وأبو هند «4» بن بر
وأخوه الطيب بن بر وتميم بن أوس ونعيم ابن أوس ويزيد «5» بن قيس وعروة «6»
بن مالك وأخوه مرة «7» بن مالك، وأهدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
راوية خمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد حرم الخمر» ،
فأمروا ببيعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الذي حرم شربها حرم
بيعها» «8» .
وقدم وفد بني أسد فقالوا: يا رسول الله! قدمنا عليك قبل أن ترسل إلينا
رسولا، فنزلت هذه الآية يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا «9» .
وقدم عروة بن مسعود بن [معتب] «10» الثقفي على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأسلم، ثم استأذن أن يرجع إلى قومه فيدعوهم إلى الإسلام، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «هم قاتلوك» «11» ! قال: أنا أحب إليهم من أبكار
أولادهم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى قومه ودعاهم إلى
الإسلام وأذن بالصبح على غرفة «12» ، فرماه رجل من بني ثقيف بسهم فقتله.
__________
(1) في الأصل: الدارميون- خطأ، وذكر هذا الوفد في الطبري 3/ 139.
(2- 2) من ترجمته في الإصابة، وفي الأصل: بنت خبيب.
(3) من ترجمته في الإصابة، وفي الأصل: الفاكة.
(4) من ترجمته في الإصابة، وفي الأصل: أبو هيد.
(5) من ترجمته في الإصابة، وفي الأصل: زيد.
(6) كذا في الإصابة، وسماه في المغازي: عزيز، وفي السيرة: عرفة، ويقال: عزة
بن مالك.
(7) في السيرة: مران بن مالك، قال ابن هشام: مروان بن مالك، وذكر وفادتهم
في المغازي 2/ 695 وفي السيرة 2/ 195.
(8) وروي معناه في مسند الإمام أحمد 4/ 227.
(9) سورة 49 آية 17، وقد ذكرت هذه الوفادة في الطبري 3/ 139 وفي الطبقات-
القسم الثاني من الجزء الأول ص 39.
(10) زيد من الإصابة.
(11) زيد في الطبري 3/ 140 والسيرة 3/ 46: وعرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم، وتعرض له في المغازي 3/ 960
ولكن ليس فيها هذه الزيادة.
(12) من المغازي، وفي الأصل: عرفة.
(1/365)
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك
بن سفيان الكلابي إلى القرطاء «1» سرية فأصابهم بغدير الزج «2» ، وكتب
إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فأبوا ورقعوا «3» كتابهم بأسفل دلوهم
«4» .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب سرية إلى الفلس «5» من
بلاد طيء في ربيع الآخر، فأغار عليهم وسبى منهم نساء فيهن أخت عدي بن حاتم
«6» .
ثم نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي للناس في رجب وقال: «صلوا على
صاحبكم» ، فقام فصلى هو وأصحابه وصفوا خلفه، وكبر عليه أربعا «7» .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ
لغزوة الروم «8»
في شدة الحر وجدب «9» [من] «10» البلاد حين طاب الثمار وأحبت «11» الظلال،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورّى «12» بغيرها
غير غزوة تبوك هذه، فإنه أمر التأهب لها لبعد الشقة وشدة الزمان؛ وحض رسول
الله صلى الله عليه وسلم أهل
__________
(1) من المغازي 3/ 982، وفي الأصل: ملك، مع بياض قبله قدر كلمة.
(2) من المغازي، وفي الأصل: البزج.
(3) من المغازي، وفي الأصل: رفعوا.
(4) ذكرت هذه البعثة في المغازي وإنسان العيون 3/ 283.
(5) من إنسان العيون 3/ 285، وفيه: الفلس- بضم الفاء وسكون اللام: صنم طيء،
وفي الأصل: اللقيس.
(6) راجع أيضا الطبري 3/ 148 والمغازي 3/ 984.
(7) ألم به في الطبري 3/ 154 وفي صحيح البخاري- باب الصفوف على الجنازة من
كتاب الجنائز.
(8) وقد ألم بها في الطبري 3/ 142، والسيرة 3/ 36، وإنسان العيون 3/ 182،
والمغازي 3/ 989 وغيرها.
(9) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: حرب.
(10) زيد من الطبري والسيرة.
(11) من الطبري، وفي الأصل: احبة- كذا.
(12) من المغازي 3/ 990، وفي الأصل: وراء- كذا.
(1/366)
الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله
ورغبهم في ذلك، وحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا «1» ، وأنفق عثمان بن عفان
في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم من نفقته، ثم إن رجالا من المسلمين
أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤن [وهم] «2» سبعة نفر،
فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة، فقال: لا أَجِدُ
ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ وجاء المعذرون من
الأعراب ليؤذن لهم فاعتذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذرهم وهم
بنو غفار، وقد كان نفر من المسلمين أبطأبهم النية عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك أخو بني
سلمة مرارة بن الربيع أخو بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بني «3» واقف
وأبو خيثمة أخو «3» بني سالم، وكانوا نفر صدق ولا يتهمون في إسلامهم، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وضرب معسكره على ثنية الوداع،
وضرب عبد الله بن أبي بن سلول معسكره أسفل منه، وخلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، واستخلف على
المدينة سباع بن عرفطة أخا بني غفار، فقال المنافقون: والله ما خلفه «4»
علينا إلا استثقالا له، فلما سمع ذلك عليّ أخذ سلاحة ثم خرج حتى لحق رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف وقال: يا نبي الله! زعم المنافقون
أنك إنما خلقتني استثقالا؟
فقال: «كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك!
ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» ! فرجع
عليّ إلى المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلف عنه عبد الله
بن أبي فيمن تخلف من المنافقين، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالحجر استقى الناس من بئرها، فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «لا تشربوا من مائها شيئا ولا تتوضأوا منه للصلاة،
__________
(1) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: جلسوا.
(2) زيد من الطبري والسيرة.
(3- 3) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: واقد وأبو حشمة أحد- كذا.
(4) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: اخلف- كذا.
(1/367)
وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه «1» الإبل
ولا تأكلوا منه شيئا» «2» ؛ ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأرسل
الله السحاب فأمطر حتى ارتوى «3» الناس وتوضأوا. ثم إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نزل في بعض المنازل فضلت ناقته فخرج أصحابه في طلبها، فقال بعض
«4» المنافقين: أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم بخبر السماء وهو لا يدري
أين ناقته! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما أعلم إلا ما
علمني الله! وقد علمني أنها في الوادي بين شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة
بزمامها» ، قال: «فانطلقوا حتى تأتوا «5» بها» ، فذهبوا فجاءوا بها، ثم سار
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون:
والله يا رسول الله! تخلف فلان، فيقول: دعوه فإن يكن فيه [خير] «6» فسيلحقه
الله بكم، حتى قيل له: يا رسول الله! تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال:
دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، فلما أبطأ على أبي ذر بعيره أخذ
متاعه على ظهره وترك بعيره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، فنظر ناظر من
المسلمين فقال: يا رسول الله! رجل على الطريق يمشي وحده! فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «كن أبا ذر» ! فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله
هذا والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أبا ذر
يعيش «7» وحده، [ويموت وحده، ويبعث وحده] «6» » ؛ فانتهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى تبوك، فلما أتاها أتاه يحنة ابن رؤبة «8» صاحب أيلة،
وصالح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وأتاه أهل جرباء
وأذرح «9» فأعطوه الجزية، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل كتابا وهو
عندهم،
__________
(1) من الطبري 3/ 144 والسيرة 3/ 38، وفي الأصل- فاعلفوا.
(2) ووردت بعده في الطبري والسيرة زيادة فراجعهما.
(3) من الطبري 3/ 144 والسيرة 3/ 39، وفي الأصل: أتو- كذا.
(4) وهو زيد بن الصيب- كما في الطبري والسيرة.
(5) في الأصل: أتوا، والتصحيح من الطبري 3/ 145.
(6) زيد من الطبري والسيرة.
(7) في الطبري والسيرة: يمشي.
(8) من الطبري 3/ 146، وفي الأصل: وبهة- كذا.
(9) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: أدرج.
(1/368)
فكتب ليحنة بن رؤبة «بسم الله الرحمن
الرحيم- هذه «1» أمنة من الله ومن محمد النبي صلى الله عليه وسلم ليحنة بن
رؤبة وأهل بلده وسيارته في البر والبحر، فهم في ذمة الله و [ذمة] «2» محمد
النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معهم «3» من أهل الشام وأهل اليمن وأهل
البحر، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب «4» للناس
ممن أخذه، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه «5» ولا طريقا يريدونه «6» من
بر وبحر» وكتب جهيم بن الصلب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم «7» .
وكتب لأهل جرباء وأذرح «بسم الله الرحمن الرحيم- هذا كتاب من محمد النبي
صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح «8» أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن
عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان،
ومن لجأ إليهم من المسلمين «9» ؛ وقد كان [أبو] «10» خيثمة أحد بني سالم
رجع بعد أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى أهله في يوم
حار فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها
وبردت له فيه ماء وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل أبو خيثمة [قام] «11» على
باب العريشين ونظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الريح والحر وأبو خيثمة في ظلال باردة
وطعام مهيأ وامرأة
__________
(1) من السيرة، وفي الأصل: هذا.
(2) زيد من الطبري.
(3) من السيرة، وفي الأصل: معه.
(4) من السيرة، وفي الأصل: طيبة.
(5) من السيرة، وفي الأصل: يريدونه.
(6) في السيرة: يردونه.
(7) ساقه أيضا في المغازي 3/ 1031.
(8) من المغازي 3/ 1032، وفي الأصل: أدرج.
(9) وساقه أيضا في المغازي بزيادة يسيرة على ما هنا.
(10) زيد من الطبري 3/ 144 والسيرة 3/ 38.
(11) زيد من السيرة 3/ 38.
(1/369)
حسناء «1» في ماله مقيم! ما هذا بالنصف! ثم
قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه
وسلم! فهيأتا له زادا، ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى
الله عليه وسلم «2» ، فبينا أبو خيثمة يسير إذ لحقه عمير بن وهب الجمحي في
الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترافقا «3» حتى إذا دنوا «4»
من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبا، فلا عليك أن تخلف عني حتى
آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل عمير، ثم سار أبو خيثمة حتى إذا دنا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال «5» الناس: هذا راكب
على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا خيثمة» !
فقالوا: يا رسول الله! هو والله أبو خيثمة! فلما أناخ أقبل وسلم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم أخبره الخبر، فقال [له] «6» رسول الله صلى الله
عليه وسلم خيرا ودعا له بخير «7» ؛ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا
خالد بن الوليد وبعثه إلى أكيدر دومة «8» ، وهو أكيدر بن عبد الملك رجل من
كندة، وكان ملكا عليهم وكان نصرانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لخالد: «إنك ستجده يصيد بقر الوحش» ، فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من
حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته، فباتت
البقر تحك «9» قرونها بباب «9» القصر فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟
قال: لا والله! قالت: فمن يترك هذا؟ قال: لا أحد، فنزل أكيدر دومة وأمر
بفرسه فأسرج وركب
__________
(1) زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في الطبري ولا في السيرة فحذفناها.
(2) زيد في الطبري والسيرة: حتى أدركه حين نزل تبوك.
(3) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: فتوافقا.
(4) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: دنو- كذا.
(5) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: قالوا.
(6) زيد من الطبري والسيرة.
(7) وسياق هذه القصة أغلبه للطبري والسيرة، وقد ساقه في المغازي 3/ 998؛
وفي إنسان العيون 3/ 187 فراجعهما.
(8) ساقه في الطبري 3/ 146 والسيرة 3/ 40 والمغازي 3/ 1025 وإنسان العيون
3/ 286.
(9- 9) في الطبري والسيرة: بقرنها باب.
(1/370)
في نفر من أهل بيته ومعه أخوه حسان، فلما
خرجوا بمطاردهم «1» تلقّتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم خالد بن
الوليد فقتلوا أخاه حسانا، وقد كان عليه قباء من ديباج مخوّص بالذهب
فاستلبه خالد وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» ، فلما قدم به
على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويعجبون
«3» منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من هذا! والذي نفس
محمد بيده! لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا» «4» ؛ ثم إن خالدا
قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على
الجزية ثم خلى سبيله، ورجع إلى قريته.
وافتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك فقال: «ما فعل كعب بن
مالك» ؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله! حبسه برداه والنظر في عطفيه،
فقال له معاذ بن جبل: بئس والله ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا منه
إلا خيرا! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم «5» . وأقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم [بتبوك] «6» بضع عشرة «7» ليلة يقصر الصلاة ولم يجاوزها؛ ثم
انصرف قافلا إلى المدينة، وكان في الطريق [ماء يخرج من وشل] «6» ما يروي
الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له: المشقق «8» ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى آتيه»
«9» ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده فيها «10» فجعل ينصب
في يده ما شاء الله أن ينصب ثم مجه فيه
__________
(1) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: بمكاردهم.
(2) مع عمرو بن أمية الضمري- كما صرح به في المغازي 3/ 1026.
(3) في جميع المراجع: يتعجبون.
(4) وقد تعرض له في كتب الأحاديث المتداولة أيضا.
(5) ألم به في مسند الإمام أحمد 3/ 457 وصحيح البخاري- كتاب المغازي
والسيرة 3/ 44.
(6) زيد من الطبري 3/ 147 والسيرة 3/ 41.
(7) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: عشر.
(8) من الطبري والسيرة، وفي الأصل: المنتفق.
(9) زيد بعده في الطبري والسيرة: فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما
فيه.
(10) وفي الطبري والسيرة مزيد تفصيل فراجعهما.
(1/371)
ودعا الله بما شاء أن يدعو فانخرق من
الماء، فشرب الناس واستقوا حاجتهم [منه] «1» ؛ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «لئن بقيتم- أو بقي منكم- «2» لتسمعن بهذا «2» الوادي وهو أخصب
ما بين يديه وما خلفه» ، وذلك الماء فوارة تبوك اليوم.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بعض المنازل ومات عبد الله ذو
البجادين «3» فحفروا له، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو
بكر وعمر يدليانه «4» إليه «5» وهو «5» يقول: «أدليا لي «6» أخاكما» ،
فأدلوه «7» إليه، فلما هيأه [لشقه] «8» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اللهم! إني [قد] «9» أمسيت عنه راضيا فارض عنه» ، فقال عبد الله بن مسعود:
يا ليتني كنت صاحب الحفرة «10» .
وكان المسلمون يقولون: لا جهاد بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «لا ينقطع الجهاد حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام» «11» ، وجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة مساجد في منازله معروفة
إلى اليوم، فأولها مسجد تبوك ومسجد بثنية مدران «12» ومسجد بذات الزراب
«13» ومسجد بالأخضر ومسجد بذات
__________
(1) زيد من الطبري 3/ 147 والسيرة 3/ 147.
(2- 2) من السيرة، وفي الأصل: ليسعى في هذا- كذا.
(3) من السيرة وحلية الأولياء للأصفهاني 1/ 122، وفي الأصل: النجادين- كذا.
(4) من السيرة والحلية، وفي الأصل: يدليان.
(5- 5) من السيرة والحلية، وفي الأصل: فهو.
(6- 6) في السيرة: أدنيا إلي، وفي الحلية مثل ما في الأصل.
(7) في الأصل: فادلوا، وفي السيرة: فدلياه، وفي الحلية: فدلوه.
(8) زيد من الطبري والحلية.
(9) زيد من السيرة والحلية.
(10) وراجع أيضا المغازي 3/ 1014.
(11) ذكره في المغازي 3/ 1057.
(12) من السيرة 3/ 43 والمغازي 3/ 999؛ وفي الأصل: مردان.
(13) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: الدراية- كذا.
(1/372)
الخطمى ومسجد بذات البتراء «1» ومسجد بالشق
«2» ومسجد بذي الجيفة «3» ومسجد بالصدر «4» ومسجد وادي القرى ومسجد الرقعة
ومسجد بذي مروة ومسجد بالفيفاء «5» ومسجد بذي خشب.
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان إذا قدم من سفر بدأ
بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاء المخلفون فيهم كعب
بن مالك ومرارة ابن الربيع «6» وهلال بن أمية وغيرهم، فجعلوا يعتذرون إليه
ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين «7» رجلا، فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقبل منهم على نيتهم ويكل «8» سرائرهم إلى الله حتى جاء كعب بن مالك
فسلم عليه، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم المغضب ثم قال: «تعال»
! فجاء كعب بن مالك يمشي حتى جلس بين يديه، فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم: «ما خلفك! ألم تكن ابتعت ظهرك» ؟ قال: بلى يا رسول الله! والله لو
جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من «9» سخطه بعذر «9» ولقد
أعطيت جدلا وإن لي لسانا، ولكن والله! لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا
كاذبا لترضين به عني «10» ، وليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديثا
صادقا تجد عليّ فيه، وإني لأرجو عقبى الله فيه، لا والله ما كان لي عذر!
والله ما كنت قط
__________
(1) من السيرة، وفي الأصل: التبيراء.
(2) أي شق تاراء- كما صرح به في السيرة والمغازي.
(3) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: الحليفة.
(4) أي صدر حوصى أو حوصاء- كما صرح به في السيرة والمغازي.
(5) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: بالقيقاء.
(6) من السيرة، وفي الأصل: ربيعة.
(7) من المغازي 3/ 1049، وفي الأصل: ثمانون، وأغلب السياق هنا للمغازي،
وراجع أيضا إنسان العيون 3/ 204 والسيرة 3/ 44.
(8) من المغازي والسيرة، وفي الأصل: يتكل.
(9- 9) من السيرة 3/ 44 والمغازي 3/ 1050، وفي الأصل: سخطته يعذر.
(10) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: على.
(1/373)
[أقوى و] «1» أيسر مني حين تخلفت عنك! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق «2» ، قم حتى يقضي الله
فيك» ، فقام وثار معه رجال من بني سلمة واتبعوه وقالوا: ما علمناك [كنت]
«1» أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما اعتذر إليه المخلفون، وقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول
الله صلى الله عليه وسلم [لك] «2» ، وجعلوا ينوبونه حتى أراد أن يرجع إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكذب نفسه ثم قال لهم: هل لقي هذا أحد غيري؟
قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت وقال لهما مثل ما قال لك، قال «3» : ومن
هما؟ قالوا مرارة بن الربيع «4» وهلال بن أمية الواقفي «5» .
ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلام هؤلاء الثلاثة؛ فأما مرارة
وهلال فقعدا في بيوتهما، وأما كعب بن مالك فكان أشب القوم وأجلدهم، وكان
يخرج ويشهد الصلاة مع المسلمين ويطوف في الأسواق ولا يكلمه أحد، ويأتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ويقول في
نفسه: هل حرك شفتيه برد السلام [عليّ] «6» أم لا! ثم يصلي قريبا منه
ويسارقه النظر، فإذا أقبل كعب على صلاته نظر إليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وإذا التفت نحوه أعرض عنه، حتى طال ذلك عليه من جفوة المسلمين.
ثم مركعب حتى تسور جدار أبي قتادة- وهو ابن عمه وأحب الناس إليه- فسلم
عليه، فلم يرد عليه السلام، فقال له: يا أبا قتادة! أنشدك الله هل تعلم أني
أحب الله ورسوله؟ فسكت فعاد ينشده فسكت فعاد ينشده، فقال: والله ورسوله
أعلم،
__________
(1) زيد من السيرة والمغازي.
(2) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: صدق.
(3) في الأصل: قالوا- والقصة في السيرة والمغازي مسوقة بالتكلم فلذا هناك:
قلت.
(4) من السيرة 3/ 44 والمغازي 3/ 1051، وفي الأصل: ربيعة.
(5) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: الواقعي.
(6) زيد من السيرة 3/ 45.
(1/374)
ففاضت عينا كعب ووثب فتسور الجدار ثم غدا
إلى السوق، فبينا هو يمشي [و] «1» إذا نبطي «2» من نبط الشام يسأل عنه ممن
قدم بالطعام يبيعه بالمدينة وهو يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فجعل الناس
يشيرون إليه حتى جاء كعبا فدفع إليه كتابا من ملك غسان في سرقة «3» حرير
فيه: أما بعد فإنه بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا
مضيعة فالحق بنا نواسك «4» ، فلما قرأ كعب الكتاب قال: وهذا من البلاء
أيضا، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن «5» طمع فيّ رجل من [أهل] «6» الشرك، ثم
عمد بالكتاب إلى تنور فسجره «7» به، ثم أقام على ذلك حتى [إذا] «6» مضى
أربعون ليلة أتاه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك! فقال كعب: أطلقها أم ماذا؟ قال:
بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى مرارة وهلال بمثل ذلك، فقال كعب لامرأته:
الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض، و «8» جاءت
امرأة هلال بن أمية فقالت:
يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له، أفتكره أن أخدمه،
قال: لا، ولكن لا يقربنك! قالت: والله يا رسول الله ما به من حركة إليّ!
والله ما زال يبكي منذ كان أمره ما كان إلى يومه هذا، والله لقد تخوفت على
بصره «9» ؛ فلبثوا بعد ذلك عشر ليال حتى كمل خمسون ليلة من حين نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم المسلمين «10» عن كلامهم، فصلى كعب بن مالك الصبح
على ظهر بيت من بيوته على الحال التي
__________
(1) زيد من السيرة 3/ 45.
(2) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: نبط.
(3) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: سرية- كذا.
(4) من السيرة والمغازي 3/ 1052، وفي الأصل: نواسيك.
(5) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: حتى.
(6) زيد من السيرة والمغازي.
(7) في الأصل: فسجر، ومبني التصحيح على السيرة والمغازي.
(8) وهنا في المغازي زيادة فراجعها.
(9) من السيرة والمغازي، وفي الأصل: بصر، وورد بعده زيادة يسيرة في السيرة
والمغازي.
(10) من السيرة والمغازي 3/ 1053، وفي الأصل: المسلمون.
(1/375)
ذكر الله منه: ضاقت عليه الأرض برحبها
وضاقت «1» عليه نفسه «1» ، إذ سمع صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته:
يا كعب بن مالك! أبشر، فخر كعب لله ساجدا وعرف أنه قد جاء الفرج، وأخبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليهم «2» حين صلى الصبح، ثم جاء
كعبا «3» الصارخ بالبشرى فنزع ثوبيه فكساهما إياه ببشارته، واستعار ثوبين
فلبسهما، ثم انطلق يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه الناس
يتهنأونه بالتوبة ويقولون: ليهنك توبة الله عليك! حتى دخل المسجد ورسول
الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إليه طلحة بن عبيد الله
فحياه وهنأه، فلما سلم «4» كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يبرق بالسرور: «أبشر بخير يوم مر عليك
منذ ولدتك أمك» ! فقال كعب: أمن عندك يا رسول الله أم [من] «5» عند الله؟
قال «بل من عند الله» ! ثم جلس بين يديه فقال: يا رسول الله! إن من توبتي
أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» ، فقال: إني ممسك سهمي الذي بخيبر،
ثم قال: يا رسول الله! [إن الله] «5» قد نجاني بالصدق، فإن توبتي إلى الله
أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ- إلى
قوله:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «6» .
ثم لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عويمر بن الحارث بن عجلان- وهو
الذي يقال له عاصم «7» - وبين امرأته بعد العصر في مسجد في شعبان، وذلك أنه
أتى رسول
__________
(1- 1) في الأصل: عليهم أنفسهم، ومبني التصحيح على السيرة والمغازي.
(2) في الأصل: عنهم، ومبني التصحيح على السيرة والمغازي.
(3) في الأصل: كعب، ومبني التصحيح على السيرة.
(4) في الأصل: سمع، ومبني التصحيح على السيرة والمغازي 3/ 1054.
(5) زيد من السيرة والمغازي.
(6) سورة 9 آية 117 و 118، وتوبة كعب هذه قد ألم بها في صحيح البخاري-
المغازي، وصحيح مسلم- التوبة، ومسند الإمام أحمد 3/ 456، وتفسير الطبري
سورة 9 آية 118.
(7) وقال ابن حجر في فتح الباري- باب اللعان ومن طلق بعد اللعان: وقع في
السيرة لابن حبان في
(1/376)
الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله! لو أحدنا رأى امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم!
وإن سكت [سكت] «1» على مثل ذلك! فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فلما كان بعد ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن
الذي سألتك عنه قد ابتليت به! فأنزل الله هذه الآيات وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْواجَهُمْ «2» - حتى ختم الآيات، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عاصما فتلا عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة،
فقال عاصم: لا والذي بعثك! ما كذبت عليها، ثم دعا بامرأته فوعظها وذكرها أن
عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا والذي بعثك بالحق! فبدأ بعاصم
فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن
كان من الكاذبين، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع «3» يده على فيه
عند الخامسة وقال: احذر فإنها موجبة! ثم ثنى «4» بامرأته فشهدت أربع شهادات
بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين؛
ثم فرق بينهما وألحق الولد بالأم «5» .
وماتت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان، وغسلتها صفية
بنت عبد المطلب، ونزل في حفرتها عليّ والفضل وأسامة «6» .
وورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير في رمضان مقرين
بالإسلام، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب جوابهم وبعثه مع
عمرو بن حزم «بسم الله
__________
حوادث سنة تسع: ثم لا عن بين عويمر بن الحارث العجلاني وهو الذي يقال له
عاصم وبين امرأته بعد العصر في المسجد وقد أنكر بعض شيوخنا قوله: وهو الذي
يقال له عاصم، والذي يظهر لي أنه تحريف وكأنه كان في الأصل: الذي سأل له
عاصم- والله أعلم.
(1) زيد من مسند الإمام أحمد 2/ 19.
(2) سورة 24 آية 6 وما بعدها.
(3) في الأصل: فوضعه- كذا.
(4) من المسند، وفي الأصل: فتا- كذا.
(5) وراجع أيضا باب اللعان من الصحيحين وتفسير الطبري حول آية 9 من سورة
النور.
(6) وراجع لمزيد التفصيل تاريخ الطبري 3/ 155 وسمط النجوم 1/ 423 و 424.
(1/377)
الرحمن الرحيم- من محمد رسول الله- صلى
الله عليه وسلم- إلى شرحبيل «1» بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل [ذي]
«2» رعين ومعافر [وهمدان] «2» ، أما بعد، فقد رفع «3» رسولكم، وأعطيتم من
المغانم خمس الله وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار، و «4» ما
سقت السماء إذا كان سيحا أو بعلا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، [وما سقى
بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق] «5» . وفي كل خمس من
الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعا وعشرين، فإذا زادت واحدة على أربع «6»
وعشرين ففيها ابنة مخاض فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ
خمسا وثلاثين، فإن زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى أن تبلغ
خمسا وأربعين، فإن زادت واحدة على خمس «7» وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل
إلى أن تبلغ ستين، فإن زادت على الستين واحدة ففيها جذعة إلى أن تبلغ خمسا
«8» وسبعين، فإن زادت واحدة «9» على خمس «1» وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى
أن تبلغ تسعين، فإن زادت [واحدة] «10» على التسعين ففيها حقتان طروقتا
الجمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة؛ فما زاد [على عشرين
__________
(1) من السنن الكبرى للبيهقي- باب كيف فرض الصدقة من كتاب الزكاة، وفي
الطبري 3/ 153 والسيرة 3/ 69: نعيم، ورواية البيهقي هي نفس الرواية التي
ساقها ابن حبان، وأوردها النسائي في سننه باختصار- راجع ذكر حديث عمرو بن
حزم في العقول من كتاب القسامة وراجع أيضا كتاب الأموال لأبي عبيد 358-
360.
(2) زيد من الطبري والسيرة والسنن.
(3) من السنن، وفي الأصل: رجع.
(4) سقط من السنن.
(5) زيد ما بين الحاجزين من السنن.
(6) من السنن، وفي الأصل: أربعة.
(7) من السنن، وفي الأصل: خمسة.
(8) من السنن، وفي الأصل: خمسة.
(9) تأخر في الأصل عن «خمس وسبعين» والترتيب من السنن.
(10) زيد من السنن.
(1/378)
ومائة] «1» ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل
خمسين حقة طروقة [الجمل] «1» وفي كل ثلاثين باقورة «2» [تبيع جذع أو جذعة،
وفي كل أربعين باقورة] «1» بقرة. وفي كل أربعين شاة سائمة [شاة] «1» إلى أن
تبلغ عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها شاتان إلى أن
تبلغ مائتين، فإن زادت واحدة فثلاث «3» إلى أن تبلغ ثلاثمائة «4» ، فإن
زادت ففي كل مائة شاة شاة. ولا تؤخذ في الصدقة بهرمة ولا عجفاء «5» ولا ذات
عوار ولا تيس الغنم. ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة،
وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية. وفي كل خمس «6» أواق
من الورق خمسة دراهم، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم، وليس فيما دون خمس
«6» أواق شيء. وفي كل أربعين دينارا دينار. و «7» إن الصدقة لا تحل لمحمد
ولا لأهل بيته، إنما هي الزكاة يزكى بها أنفعهم، «8» في فقراء «8» المؤمنين
وفي سبيل الله. وليس في رقيق ولا مزرعة ولا عمالها شيء إذا كانت تؤدى
صدقتها «9» من العشر، وليس في عبد المسلم ولا فرسه شيء. وإن أكبر الكبائر
عند الله يوم القيامة الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار
في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل
الربا، وأكل مال اليتيم. وإن العمرة هي الحج الأصغر. ولا يمس القرآن إلا
طاهر. ولا طلاق قبل إملاك، ولا عتاق «10» حتى يبتاع. ولا يصلين أحد منكم في
__________
(1) زيد من السنن.
(2) من السنن، وفي الأصل: ما فورة.
(3) في الأصل: فثلاثة، وفي السنن: ففيها ثلاث.
(4) من السنن، وفي الأصل: أربعمائة.
(5) من السنن، وفي الأصل: عجف.
(6) من السنن، وفي الأصل خمسة.
(7) من السنن، وفي الأصل: أو.
(8- 8) في السنن: والفقراء.
(9) من السنن، وفي الأصل: صدقها.
(10) من السنن، وفي الأصل: عتق.
(1/379)
ثوب واحد ليس على منكبيه شيء، ولا يحتبين
في ثوب واحد [ليس بين فرجه وبين السماء شيء، ولا يصلين أحدكم في ثوب واحد]
«1» وشقه باد، ولا يصلين أحد منكم عاقصا شعره. وإن من اعتبط «2» مؤمنا قتلا
عن بينة فهو قود إلا أن يرضى «3» أولياء المقتول. وإن في النفس «4» الدية
مائة من الإبل، [و] «1» في الأنف إذا أوعب جدعه «5» الدية، وفي اللسان
الدية، وفي الشفتين «6» الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي
المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، و [في] «7» الرجل الواحدة نصف
الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية «8» ، وفي المنقلة خمس «9» عشرة
من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل. وإن الرجل
يقتل بالمرأة. وعلى أهل الذهب ألف دينار» فقرئ الكتاب على أهل اليمن.
ثم بعث «10» رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وذكر أنه
صلى الله عليه وسلم صلى الغداة ثم أقبل على الناس بوجهه فقال: يا معشر
المهاجرين والأنصار! أيّكم ينتدب إلى اليمن؟ فقام عمر بن الخطاب فقال: أنا
يا رسول الله! فسكت عنه ثم قال: «يا معشر المهاجرين والأنصار» ! أيّكم
ينتدب إلى اليمن» ؟ فقام معاذ بن جبل فقال: أنا يا رسول الله! فقال: «يا
معاذ أنت لها! يا بلال ائتني بعمامتي» ! فأتاه بعمامته فعمم
__________
(1) زيد من السنن.
(2) من السنن، وفي الأصل: اغتبط، والاعتباط: القتل ظلما بدون قصاص.
(3) من السنن، وفي الأصل: يوصي.
(4) من السنن، وفي الأصل: نفس.
(5) من السنن، وفي الأصل: جدعة.
(6) من هامش السنن الكبرى وسنن النسائي- ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول من
كتاب القسامة، وفي الأصل: السنتين.
(7) زيد من سنن البيهقي وسنن النسائي.
(8) وهنا تقديم وتأخير بالنسبة إلى سنن البيهقي وسنن النسائي.
(9) من سنن البيهقي وسنن النسائي، وفي الأصل: الخمس.
(10) ذكره في السيرة 3/ 70 في غاية من الاختصار.
(1/380)
بها رأسه، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمهاجرون «1» والأنصار يشيعون معاذا وهو راكب ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يمشي إلى جانب راحلته «2» ، ثم قال: «يا معاذ! أوصيك بتقوى الله،
وصدق الحديث، وأداء الأمانة وترك الخيانة، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وخفض الجناح، وحفظ الجار، ولين الكلام ورد السلام، والتفقه في
القرآن، والجزع من الحساب، وحب الآخرة على الدنيا؛ يا معاذ! لا تفسد أرضا،
ولا تشتم مسلما، ولا تصدق كاذبا ولا تكذب صادقا، ولا تعص إماما، وإنك تقدم
على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا
الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات «3» في يومهم وليلتهم فإذا
فعلوا ذلك فأخبرهم أن [الله تعالى قد] «4» فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم
فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس «5» ؛
يا معاذ «6» ! إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لها؛ يا معاذ! إذا
أحدثت ذنبا فأحدث له توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية؛ يا معاذ! يسر
ولا تعسر، واذكر الله عند [كل] «7» حجر ومدر «8» يشهد لك يوم القيامة؛ يا
معاذ! عد المريض، وأسرع في حوائج الأرامل والضعفاء، وجالس المساكين
والفقراء، وأنصف الناس من نفسك، وقل الحق حيث كان، ولا يأخذك في الله لومة
لائم، والقني على الحال التي فارقتني عليها» . فقال معاذ: بأبي وأمي أنت يا
رسول الله! لقد حملتني أمرا
__________
(1) وقع في الأصل: المهاجرين- خطأ.
(2) ذكر هذا التفصيل في منتخب كنز العمال- راجع مسند الإمام أحمد 4/ 191-
193 وفي حلية الأولياء للأصفهاني 1/ 240 و 241 بسياق قريب مما هنا مع تقديم
وتأخير، وراجع أيضا هامش إنسان العيون 2/ 446.
(3) من صحيح البخاري- باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس من كتاب الزكاة، وفي
الأصل: صلوة.
(4) زيد من الصحيح.
(5) والقصة من «وإنك تقدم» إلى هنا مسوقة في صحيح البخاري كما هنا.
(6) والسياق من هنا لمنتخب كنز العمال.
(7) زيد من المنتخب.
(8) في المنتخب: شجر.
(1/381)
عظيما فادع الله لي على ما قلدتني عليه،
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودعه؛ وانصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى المدينة وأصحابه. ثم أردفه بأبي موسى الأشعري، فلما قدم
صنعاء صعد منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم عهده ثم نزل، فأتاه
صناديد صنعاء فقالوا: يا معاذ! هذا نزل قد هيأناه لك وهذا منزل فرغناه «1»
لك، قال: بهذا أوصاني حبيبي، أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» أن
لا تأخذك «3» في الله لومة لائم، وخلع رسول الله صلى الله عليه وسلم «4»
معاذ بن جبل «4» [من] «5» ماله لغرمائه حيث اشتدوا عليه وبعثه إلى اليمن
وقال: «لعل الله يجبرك» «6» !.
وقدم وفد كلاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر «7» نفرا فيهم
لبيد بن ربيعة.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية مع جماعة من العرب ليس فيهم من
المهاجرين أحد ولا من الأنصار إلى بني تميم «8» . فأغار عليهم وسبى منهم
النساء والولدان، وأخذ منهم عشرين رجلا فقدم بهم المدينة، فوضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم لحسان منبرا فقام عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «إن الله يؤيد حسانا بروح القدس» ، فقال القوم:
شاعرهم أشعر من شاعرنا وخطيبهم أخطب من خطيبنا «9» .
__________
(1) في الأصل: فدعناه- كذا.
(2) والعبارة من هنا إلى «صلى الله عليه وسلم» قد تكررت في الأصل.
(3) في الأصل: لا تأخذ- كذا.
(4- 4) في الأصل: كعب بن مالك، والتصحيح من الطبقات- القسم الثاني من الجزء
الثالث 123 حيث سيق هذا الأمر وقد سيقت القصة في الحلية 1/ 231 عن طريق كعب
بن مالك أيضا.
(5) زيد من الطبقات.
(6) من الطبقات، وفي الأصل: يحرك- كذا.
(7) في الأصل: ثلاثة عشرة، والتصحيح من ترجمته في الإصابة، وقد ذكرت وفادته
مع قومه في الاستيعاب أيضا- راجع ترجمته فيه.
(8) من إنسان العيون 3/ 278، وفي الأصل: نعيم، وذكرت هذه القصة أيضا في
السيرة بعضها في قدوم وفد بني تميم وبعضها في غزوة عيينة بن حصن، وقد صرح
في إنسان العيون أن الوفد جاءوا في إثر المحبوسين.
(9) وقد ألم بهذه المفاخرة في الطبري 3/ 150- 152 والسيرة 3/ 58- 60.
(1/382)
وقدم وفد الطائف «1» ونزلوا دار المغيرة بن
شعبة وطلبوا الصلح، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص
أن يكتب لهم كتاب الصلح.
ومرض «2» عبد الله بن أبي بن سلول في ليال بقين من شوال، ومات في ذي
القعدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فلما مات جاء ابنه إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أعطني قميصك أكفنه فيه،
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، وأتى قبره فصلى عليه فنزلت
الآية وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى
قَبْرِهِ «3» .
وقدم وفد بني فزارة «4» وهم بضعة [عشر] «5» رجلا فيهم خارجة بن حصن «6» .
وقدم وفد بني عذرة «7» ثلاثة عشر رجلا، ونزلوا على المقداد بن عمرو.
وفرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا، فبعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبا بكر يحج بالناس من المدينة في ثلاثمائة نفس، وبعث معه عشرين
بدنة مفتولة قلائدها، ففتلها عائشة بيدها وقلدها وأشعرها، وساق أبو بكر
لنفسه خمس بدنات، وحج معه عبد الرحمن بن عوف، فلما بلغ العرج وثوب «8»
بالصبح سمع أبو بكر خلفه رغوة وأراد أن يكبر الصلاة فوقف عن التكبير وقال:
هذه رغوة ناقة رسول
__________
(1) وقد ذكرت قصتهم في إنسان العيون 2/ 299 وفي السيرة النبوية بهامش
الإنسان 3/ 8 بأطول مما هنا، ووفد الطائف نفس وفد الثقيف، وراجع أيضا
السيرة لابن هشام 3/ 46.
(2) ذكره في الطبري 3/ 153 مختصرا، وراجع للتفصيل جامع البيان للطبري تفسير
آية 84 من التوبة.
(3) سورة 9 آية 84.
(4) ذكره في الطبري 3/ 154 بمثل ما هنا، واستوعبه في إنسان العيون 3/ 322.
(5) زيد من الطبري.
(6) من الطبري وإنسان العيون، وفي الأصل: خضن.
(7) من إنسان العيون 3/ 326، وفي الأصل: بني غزوة، وذكره في الطبري 3/ 154
وسماه: وفد بهراء، وكلاهما واحد- راجع من جمهرة الأنساب بني بهراء وبني
عذرة.
(8) من سنن النسائي- باب الخطبة قبل يوم التروية من المناسك، وفي الأصل:
تب، وراجع أيضا الطبري 3/ 154.
(1/383)
الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء، لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
في الحج، فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي «1» معه! فإذا
عليّ عليها فقال أبو بكر: أمير أم رسول؟ فقال: [لا] «2» ، بل رسول الله صلى
الله عليه وسلم أرسلني ببراءة أقرأها على الناس في مواقف الحج، فقدموا مكة
فقرأ على الناس سورة براءة حتى ختمها، فلما كان يوم عرفة قام أبو بكر فخطب
الناس وعرفهم مناسكهم، حتى إذا فرغ قام عليّ فقرأها على الناس حتى ختمها،
فلما كان يوم النحر خطب أبو بكر الناس وحدثهم «3» عن إفاضتهم ونحرهم
ومناسكهم، فلما فرغ قام عليّ فقرأ على الناس براءة حتى ختمها «4» لينبذ «5»
إلى كل ذي حق حقه [وذي] «6» عهد عهده و [أن] «7» لا يحج بعد هذا العام مشرك
ولا يطوف بالبيت عريان؛ فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر وخطب الناس
وحدثهم كيف ينفرون [و] «8» كيف يرمون فعلمهم «9» مناسكهم، فلما فرغ قام علي
فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم رجعوا إلى المدينة «10» . |