السيرة
النبوية وأخبار الخلفاء الجزء الثاني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
استخلاف أبي بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله
عنه
قال الشيخ أبو حاتم محمدبن حبان بن أحمد التميمي: واسمه عبد الله ولقبه
عتيق، واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة
ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن
مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأم أبي بكر أم الخير بنت
صخر بن عامر بن كعب- أخو عمرو بن كعب- بن سعد بن تيم بن مرة بن لؤي بن
غالب.
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان ثنا محمد بن المتوكل ثنا عبد
الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس
قال: كنت عند عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر بن الخطاب، فلما كان في آخر
حجة حجها عمر أتاني عبد الرحمن بن عوف في منزلي عشاء فقال: لو شهدت أمير
المؤمنين اليوم وجاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إني سمعت فلانا يقول: لو
مات أمير المؤمنين لبايعت فلانا، فقال عمر: إني لقائم العشية في الناس
ومحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا المسلمين أمرهم، فقلت: يا
أمير المؤمنين:
إن الموسم يجمع «1» رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك،
وإني أخشى أن تقول فيهم اليوم مقالة لا يعونها ولا يضعونها مواضعها، وأن
يطيروا بها كل مطير، ولكن أمهل يا أمير المؤمنين حتى تقدم المدينة فإنها
دار السنة ودار
__________
(1) من المسند، وفي الأصل: يجمع.
(2/419)
الهجرة فتخلص بالمهاجرين والأنصار وتقول ما
قلت متمكنا فيعون «1» مقالتك ويضعونها مواضعها، قال عمر: أما والله لأقومن
به في أول مقام أقومه بالمدينة! قال ابن عباس: فلما قدمنا المدينة وجاء يوم
الجمع هجّرت لما حدثني عبد الرحمن ابن عوف فوجدت سعيد بن زيد بن نفيل قد
سبقني بالهجرة «2» جالسا إلى جنب المنبر فجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته،
فلما زالت الشمس خرج علينا عمر فقلت وهو مقبل: أما والله ليقولن اليوم أمير
المؤمنين على هذا المنبر مقالة لم يقل [عليه أحد] «3» قبله، قال: فغضب سعيد
بن زيد فقال: وأيّ مقال يقول لم يقل قبله؟ فلما ارتقى عمر المنبر أخذ
المؤذن في أذانه فلما فرغ من أذانه قام عمر فحمد الله وأثنى عليه بما هو
أهله ثم قال: أما بعد! فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها، [لا
أدري لعلها بين يدي أجلى، فمن عقلها ووعاها] «3» فليحدث بها حيث تنتهي به
راحلته، [و] «3» من خشى أن لا يعيها فإني لا أحل لأحد أن يكذب عليّ: إن
الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم [بالحق] «3» وأنزل عليه الكتاب، «4»
وكان «4» مما أنزل عليه آية الرجم [فقرأناها ووعيناها] «3» فرجم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، وإني خائف أن يطول بالناس زمان فيقول
قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا! وإن
الرجم على من أحصن إذا زنى وقامت عليه البينة أو كان الحمل أو الاعتراف، ثم
إنا قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن آبائكم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا:
عبد الله ورسوله» . ثم إنه بلغني أن فلانا منكم يقول: لو قد مات أمير
المؤمنين لقد بايعت فلانا، فلا يغتر امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت
فلتة، فقد كانت كذلك، ألا وإن الله وقى شرها ودفع عن الإسلام والمسلمين
ضرها، وليس فيكم
__________
(1) من المسند، وفي الأصل: يفيعوا.
(2) كذا، وليس في المسند.
(3) زيد من المسند.
(4- 4) من المسند، وفي الأصل: فكان.
(2/420)
من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر وإنه كان
من خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن عليا والزبير ومن
تبعهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار في سقيفة بني ساعدة،
واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت: يا أبا بكر! انطلق بنا إلى إخواننا من
الأنصار، فانطلقنا نؤمهم فلقينا رجلين صالحين من الأنصار شهدا بدرا فقالا
«1» : أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء الأنصار،
قالا: فارجعوا فامضوا أمركم بينكم، فقلت: والله لنأتينهم! فأتيناهم فإذا هم
مجتمعون في سقيفة بني ساعدة بين أظهرهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا:
سعد بن عبادة، قال: قلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع»
، فقام خطيب الأنصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد!
فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر قريش رهط منا وقد دفت إلينا
دافة منكم وإذا هم يريدون أن يختزلونا «3» [من] «4» أصلنا ويحضنونا «5»
بأمر دوننا، وقد كنت زورت في نفسي مقالة أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر
وكنت أدارىء من أبي بكر بعض الحد وكان أوقر مني وأحلم، فلما أردت الكلام
قال: على رسلك! فكرهت أن أغضبه، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ووالله ما
ترك كلمة قد كنت زورتها إلا جاء بها أو بأحسن منها في بديهته ثم قال: أما
بعد! وأما ما ذكرتم فيكم من خير يا معشر الأنصار فأنتم له أهل ولم تعرف «6»
العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب دارا ونسبا، ولقد
رضيت لكم أحد هذين «7» الرجلين فبايعوا أيهما «8» شئتم، وأخذ بيدي
__________
(1) في الأصل: فقال، والتصحيح من مسند الإمام أحمد 1/ 56.
(2) من المسند، وفي الأصل: رجع.
(3) من صحيح البخاري- الحدود، وفي الأصل: يختزلون، وفي المسند: يخزلونا.
(4) زيد من المسند.
(5) من المسند، وفي الأصل: يختصوا.
(6) من المسند، وفي الأصل: لن تعرف.
(7) من المسند، وفي الأصل: هذه.
(8) من المسند، وفي الأصل: أيها.
(2/421)
ويد أبي عبيدة بن الجراح، فوالله ما كرهت
مما قال شيئا غير هذه الكلمة؛ كنت لأن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى
إثم أحب إليّ «1» من أن أتأمر «1» على قوم فيهم أبو بكر «2» ، فلما قضى أبو
بكر مقالته قام «3» رجل من الأنصار فقال: أنا جذيلها «4» المحكك وعذيقها
«5» المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش وإلا أجلنا «6» الحرب فيما
بيننا وبينكم خدعة، قال معمر: فقال قتادة: قال عمر: فإنه لا يصلح سيفان في
غمد، ولكن منا الأمراء ومنكم الوزراء، قال معمر عن الزهري في حديثه:
فارتفعت الأصوات بيننا وكثر اللغط حتى أشفقت الاختلاف فقلت: يا أبا بكر!
ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعته وبايعه «7» المهاجرون وبايعه «7»
الأنصار، قال: ونزونا «8» على سعد بن عبادة حتى قال قائل [منهم] «9» :
قتلتم سعدا، قال قلت: قتل الله سعدا! وأنا والله ما رأينا فيما حضرنا أمرا
كان أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم أن يحدثوا بعدنا بيعة،
فأما أن نتابعهم «10» على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فسادا فلا
يغرن امرأ يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقد كانت كذلك إلا أن الله وقى
شرها وليس فيكم من يقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، فمن بايع رجلا من غير
مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع «11» هو ولا الذي بايعه بعده؛ قال الزهري:
وأخبرني عروة أن الرجلين اللذين
__________
(1- 1) من المسند، وفي الأصل: ممن أوتر.
(2) زيد في المسند: إلا أن تغير نفسي عند الموت.
(3) في الأصل: فقام.
(4) من المسند، وفي الأصل: جذيدها.
(5) من المسند، وفي الأصل: عريقها.
(6) وفي رواية سفيان: أعدنا- راجع فتح الباري- كتاب الحدود.
(7) من المسند، وفي الأصل: بايعت.
(8) من المسند، وفي الأصل: يزوا- كذا.
(9) زيد من المسند والصحيح.
(10) من المسند، وفي الأصل: نبايعهم.
(11) زيد بعده في الأصل: ألا، ولم تكن الزيادة في الصحيح فحذفناها.
(2/422)
لقياهما «1» من الأنصار عويم «2» بن ساعدة
ومعن «3» بن عدي، والذي قال «أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب» الحباب بن
المنذر.
قال أبو حاتم: نظر المسلمون إلى أعظم أركان الدين وعماد الإسلام للمؤمنين
فوجدوها الصلاة المفروضة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولّى أبا بكر
إقامتها في الأوقات المعلومات، فرضي المسلمون للمسلمين ما رضي لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه طائعين في سائر الأركان، وبايعوه في السر
والإعلان.
فلما كان اليوم الثاني قام عمر بن الخطاب على المنبر فتكلم قبل أبي بكر «4»
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس! إني قد قلت لكم
بالأمس مقالة ما كانت [إلا] «5» مني وما وجدتها «6» في كتاب الله ولا كانت
عهدا عهده إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني قد كنت أرى [أن] «7»
رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأمرنا بقول يكون آخرنا، وإن الله قد أبقى
فيكم كتابه الذي به هدى «8» رسوله، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان قد
هدى به أهله، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم: صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وثاني اثنين [إذ هما] «7» في الغار فقوموا إليه فبايعوه، فبايع
الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة.
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها
الناس! فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت
__________
(1) من المسند، وفي الأصل: لغياهم- كذا.
(2) في المسند: عويمر.
(3) في المسند: معمر.
(4) في الأصل: أبو بكر.
(5) زيد من تاريخ الطبري 3/ 203.
(6) في الأصل: وجدبها، والتصحيح من الطبري.
(7) زيد من تاريخ الطبري 3/ 203.
(8) زيدت الواو بعده في الأصل: ولم تكن في الطبري فحذفناها.
(2/423)
فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة،
والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح «1» عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم
ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله
إلا ضربهم بالبلاء «2» ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء،
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم؛
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
فلما فرغ الناس من بيعة أبي بكر وهو يوم الثلاثاء أقبلوا على جهازه صلى
الله عليه وسلم فاختلفوا في غسله فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه، فلما
اختلفوا ألقى الله عليهم السبات «3» حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره، ثم
كلمهم متكلم من ناحية البيت- لا يدرى «4» من هو- أن اغسلوا «5» رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا فغسلوه وعليه قميصه، فأسنده عليّ
إلى صدره، فكان العباس والفضل والقثم يقلبونه، وكان أسامة بن زيد وشقران
«6» مولياه يصبان عليه الماء وعليّ يغسله ويدلكه من ورائه لا يفضي بيده إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: بأبي أنت وأمي! ما أطيبك حيا
وميتا! ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية
ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيها إدراجا. ثم دخل الناس يصلون عليه
أرسالا، بدأ به الرجال حتى إذا فرغوا أدخل»
النساء ثم أدخل «8» الصبيان ثم أدخل العبيد، ولم يؤم الناس على رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحد. وكان أبو عبيدة بن الجراح يحفر كحفر أهل مكة، وكان
أبو طلحة زيد
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: ارتح.
(2) في الأصل: البلاء، وفي الطبري: بالذل.
(3) في الطبري: السنة- بنفس المعنى الذي هنا.
(4) من الطبري، وفي الأصل: لا يدروا.
(5) من الطبري، وفي الأصل: اغتسلوا.
(6) من الطبري، وفي الأصل: سقران.
(7) من الطبري 3/ 204، وفي الأصل: شيئا.
(8) من الطبري، وفي الأصل: دخل.
(2/424)
ابن سهل يحفر كحفر أهل المدينة وكان يلحد،
فدعا العباس بن عبد المطلب رجلين فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة، وقال
للآخر: اذهب إلى أبي طلحة، فقال:
اللهم! خر لرسولك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله
صلى الله عليه وسلم. وكان المسلمون اختلفوا في دفنه فقائل يقول: ندفنه في
مسجده «1» ، وقائل يقول: ندفنه مع أصحابه؛ فقال أبو بكر: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: «ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض» ، فرفع فراش رسول
الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه، فحفر أبو طلحة تحته. ثم دفن صلى
الله عليه وسلم ليلة الأربعاء حين زاغت الشمس، ونزل في قبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطرح تحته قطيفة «2» ، وكان آخرهم عهدا
به قثم بن العباس، وكان المغيرة بن شعبة يقول: لا بل أنا، وكان يحكي قصة
«3» .
ثم قام أبو بكر في الناس خطيبا بعد خطبته الأولى فقال: الحمد لله أحمده
وأومن بوحدانيته وأستعينه على أمركم كله سره وعلانيته، ونعوذ بالله مما
يأتي به الليل والنهار، وترتكب عليه السر والجهار، وأشهد أن لا إله إلا
الله حافظا ونصيرا، وأن محمدا عبده ورسوله بالحق بشيرا ونذيرا قدام الساعة،
فمن أطاعه رشد، ومن عصاه هلك وشرد، فعليكم أيها الناس بتقوى الله! فإن أكيس
الكيس التقوى، وإن أحمق الحمق الفجور، فاتبعوا كتاب الله واقبلوا نصيحته،
واقتدوا بسنة رسوله وخذوا «4» شريعته، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو
عن السيئات، وهو الحكيم العليم، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ
بَعْدِ ما قَنَطُوا «5» - الآية،
__________
(1) من الطبري 3/ 205، وفي الأصل: مسجد.
(2) زيد في الطبري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها
فقذفها في القبر وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك أبدا.
(3) وهي أنه كان يقول: أخذت خاتمي فألقيته في القبر وقلت: إن خاتمي قد سقط،
وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون آخر الناس به
عهدا- كما في الطبري.
(4) في الأصل: خذو.
(5) راجع سورة 42 آية 28.
(2/425)
واحذروا «1» الخطايا التي لكل بني آدم فيها
نصيب، وتزودوا للآخرة فإن المصير إليها قريب، ولكن خيركم من اتبع طاعة الله
واجتنب معصيته، فاحذروا يوما لا ينفع فيه من حميم ولا شفيع، ولا حميم يطاع،
وليعمل عامل ما استطاع من عمل يقربه إلى ربه، واعملوا من قبل أن لا تقدروا
على العمل، وإنّ الله لو شاء لخلقكم سدى، ولكن جعلكم أئمة هدى، فاتبعوا ما
أمركم الله به واجتنبوا ما نهاكم عنه، واعملوا الخير فإن قليله كثير نام
«2» مبارك، واتقوا الله حق تقاته، واحذروا ما حذركم في كتابه، وتوقوا
معصيته خشية من عقابه، فليس فيها رغبة لأحد، واستعفوا عما حرم الله وأمر
باجتنابه، وإياكم والمحقرات فإنها تقرب إلى الموجبات، واعملوا قبل أن لا
تعملوا، وتوبوا من الخطايا التي لا يغسلها إلا الله برحمته، وصلوا على
نبيكم كما أمركم ربكم؛ ثم قال: أيها الناس! إن الذي رأيتم مني لم يكن على
حرص على ولايتكم، ولكني خفت الفتنة والاختلاف فدخلت فيها، وهأنذا «3» وقد
رجع الأمر إلى أحسنه وكفى الله تلك الثائرة «4» ، وهذا أمركم إليكم تولوا
من أحببتم من الناس وأنا أجيبكم على ذلك، وأكون كأحدكم، فأجابه الناس:
رضينا بك قسما وحظا إذ أنت ثاني اثنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال أبو بكر:
اللهم! صل على محمد والسلام على محمد ورحمة الله وبركاته، اللهم! إنا
نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع من يكفرك.
ثم نزل واستقام له الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه الناس
ورضوا به وسموه «خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم» إلا شرذمة مع علي بن
أبي طالب، تخلفوا عن بيعته.
وكان أسامة بن زيد يقول: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغير صباحا
على أهل
__________
(1) في الأصل: احذر.
(2) في الأصل: نامي.
(3) في الأصل: هاندا.
(4) في الأصل: النائرة.
(2/426)
أبني «1» ثم أمر أبو بكر أن يبعثوا بعث
أسامة بن زيد فقال له الناس: إن العرب قد انتقضت عليك، وإنك لا تصنع بتفرق
المسلمين عنك شيئا، قال: والذي نفس أبي بكر بيده! لو ظننت أن السباع أكلتني
بهذه القرية لأنفذت هذا البعث الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإنفاذه، ثم قال أبو بكر لأسامة: إن تخلف معي عمر بن الخطاب فافعل، فأذن له
أسامة فتخلف عمر مع أبي بكر ومضى أسامة حتى أوطأهم، ثم رجع فسمع به
المسلمون فخرجوا مسرورين بقدومه ولواءه معقود حتى دخل المسجد فصلى ركعتين
ثم دخل بيته ولواءه معقود، ويقال: إنه لم يحل اللواء حتى توفي [و] «2» وضعه
في بيته «3» .
ثم كتب أبو بكر الصديق كتابا إلى معاذ بن جبل يخبره بموت رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وبعثه مع عمار بن ياسر، وقد كان معاذ أتى اليمن فبينا هو
ذات ليلة على فراشه إذا هو بهاتف يهتف عند رأسه: يا معاذ! كيف يهنئك العيش
ومحمد في سكرات الموت؟ فوقف فزعا، ما ظن إلا أن القيامة قد قامت، فلما رأى
السماء مصحية «4» والنجوم ظاهرة استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم نودي
الليلة الثانية: يا معاذ! كيف يهنئك العيش ومحمد بين أطباق الثرى؟ فجعل
معاذ يده على رأسه وجعل يتردد في سكك صنعاء وينادي بأعلى صوته: يا أهل
اليمن! ذروني لا حاجة لي في جواركم، «5» فما شر «5» الأيام يوم جئتكم «6»
وفارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم! فخرج الشبان من الرجال والعواتق من
النساء وقالوا: يا معاذ! ما الذي دهاك؟ فلم يلتفت إليهم وأتى
__________
(1) في معجم البلدان: أبني: موضع بالشام من جهة البلقاء جاء ذكره في قول
النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حيث أمره بالمسير إلى الشام وشن
الغارة على أبني.
(2) زيد لاستقامة العبارة.
(3) وقال الزهري: كان أسامة بن زيد يدعى بالأمير حتى مات، يقولون: بعثه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزعه حتى مات- راجع مجمع الزوائد 9/
286.
(4) أي بلا غيم، وفي الأصل: مصيحة- كذا.
(5- 5) في الأصل: فاسر- كذا.
(6) في الأصل: جاءتكم.
(2/427)
منزله وشد على راحلته وأخذ جرابا فيه سويق
وأداوة من ماء ثم قال: لا أنزل عن ناقتي هذه إن شاء الله إلا لوقت صلاة حتى
آتي المدينة، فبينا هو على ثلاثة مراحل من المدينة إذ لقيه عمار فعرفه
بالبعير، قال: اعلم يا معاذ أن محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا، فقال
معاذ: يا أيها الهاتف في هذا الليل القار من أنت يرحمك الله! قال: أنا عمار
بن ياسر، قال: وأين تريد؟ قال: هذا كتاب أبي بكر إلى معاذ يعلمه أن محمدا
قد مات وفارق الدنيا، قال معاذ: فإلى من المهتدى «1» والمشتكى؟ فمن لليتامى
والأرامل والضعفاء؟ ثم سار ورجع عمار معه وجعل يقول: نشدتك بالله كيف أصحاب
محمد قال: تركتهم «2» كنعم بلا راع «3» ، قال: كيف تركت المدينة، قال:
تركتها وهي أضيق على أهلها من الخاتم، فلما كان قريبا من المدينة سمعت
عجوزا وهي تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقالت: يا عبد
الله! لو رأيت ابنته فاطمة وهي تبكي وتقول: يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه «4»
! يا أبتاه! انقطع عنا أخبار السماء، ولا ينزل الوحي إلينا من عند الله
أبدا، فدخل معاذ المدينة ليلا وأتى باب عائشة فدق عليها الباب فقالت: من
هذا الذي يطرق بنا ليلا؟ قال: أنا معاذ بن جبل، ففتحت الباب فقال: يا
عائشة! كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند شدة وجعه؟
قالت: يا معاذ! لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفار مرة ويحمار
أخرى، يرفع يدا ويضع أخرى لما هنأك العيش طول أيام الدنيا! فبكى معاذ حتى
خشى أن يكون الشيطان قد استفزه ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأتى
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم ظهر طليحة في أرض بني أسد ومالت «5» فزارة فيها «6» عيينة بن حصن بن «6»
__________
(1) في الأصل: الهادي.
(2) في الأصل: تركتم.
(3) في الأصل: راعي.
(4) من إنسان العيون 3/ 468، وفي الأصل: المنعا.
(5) في الأصل: قالت.
(6- 6) في الأصل: بحينة بن حصين من- كذا خطأ.
(2/428)
بدر مرتدين عن الإسلام وبايعه بنو عامر على
مثل ذلك، وتربصوا ينظرون الوقعة بين المسلمين وبين بني أسد وفزارة. وقد كان
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم على الصدقات قد جمعوا ما كان
على الناس منها، فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما عدي بن
حاتم فتمسك بالإسلام وبقي في يده الصدقات، وكذلك الزبرقان بن بدر، وأما
مالك بن نويرة فأرسل ما في يده وقال لقومه: قد هلك هذا الرجل فشأنكم
بأموالكم، وقد كانت طيء وبنو سعد كلمهما «1» عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر
فقالا «2» - وهما كانا «3» أحزم رأيا وأفضل في الإسلام رغبة من مالك بن
نويرة- لقومهما: لا تعجلوا فإنه ليكونن لهذا الأمر قائم، فإن كان ذلك كذلك
ألقاكم ولم تبدلوا دينكم ولم تعزلوا أمركم، وإن كان الذي «4» تطلبون فلعمري
إن ذلك أموالكم بأيديكم، لا يغلبنكم عليها أحد غيركم، وسكناهم «5» بذلك حتى
أتاهم خبر الناس واجتماعهم على أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبيعة المسلمين إياه فبعثا ما بأيديهم من الصدقة إلى أبي بكر، فلم يزل أبو
بكر يعرف فضلهما «6» على من سواهما من المسلمين.
وجاء العباس وفاطمة إلى أبي بكر يلتمسان ميراثهما من النبي صلى الله عليه
وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما أبو بكر: إني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث «7» ما تركناه «7» صدقة.
إنما يأكل محمد من هذا المال، وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته فيه. فهرجته فاطمة ولم تكلمه حتى ماتت.
__________
(1) في الأصل: كله.
(2) في الأصل: قتالا.
(3) في الأصل: كان.
(4) في الأصل: الذين.
(5) في الأصل: سكتوهم- كذا.
(6) في الأصل: فضلهم، وراجع أيضا الاستيعاب ترجمة عدي بن حاتم والطبري 3/
236 و 237.
(7- 7) من إنسان العيون 3/ 477، وفي الأصل: ما تركنا.
(2/429)
ثم جهز أبو بكر الجيش ليقاتل من كفر من
العرب، فترك إعطاء الصدقات وارتد «1» عن الإسلام، فقال له عمر: كيف تقاتل
الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» ، فقال أبو بكر:
والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والذي نفس أبي بكر بيده! لو
منعوني عقالا أو عناقا- كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقاتلتهم عليه حتى آخذها، قال عمر: فلما رأيت شرح صدر أبي بكر لقتالهم علمت
أنه الحق «2» . فأمر أبو بكر على الناس خالد بن الوليد وأمر ثابت بن قيس بن
شماس على الناس الأنصار»
وجمع «4» أمر الناس إلى خالد بن الوليد، ثم أمرهم أن يسيروا وسار معهم
مشيعا حتى نزل ذا القصة «5» من المدينة على بريد وأميال فضرب معسكره وعبأ
جيشه ثم تقدم إلى خالد بن الوليد وقال: إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم
أذانا للصلاة فأمسكوا عنها «6» حتى تسألوهم ما الذي يعلمون، وإن لم تسمعوا
الأذان فشنوا الغارة واقتلوا وحرقوا، ثم أمر خالد بن الوليد أن يصمد «7»
لطليحة وهو على ماء من مياه بني أسد؛ وكان طليحة يدعي النبوة وينسج «8»
للناس الأكاذيب والأباطيل ويزعم أن جبريل يأتيه، وكان يقول للناس: أيها
الناس! إن الله لا يصنع بتعفير «9» وجوهكم وقبح أدباركم شيئا، واذكروا الله
«10» قعودا و «10» قياما، وجعل يعيب
__________
(1) في الأصل: الارتداد.
(2) والحديث أشهر من أن يحال عليه.
(3) وراجع أيضا تاريخ الإسلام للذهبي 1/ 350.
(4) في الأصل: جماع.
(5) وفي الأصل: الفضة، والتصحيح بناء على الطبري وتاريخ الإسلام.
(6) في الأصل: عنهما.
(7) من تاريخ الطبري 3/ 228 وتاريخ الإسلام، وفي الأصل: يضمرا- كذا.
(8) في الأصل: ينسخ كذا.
(9) في البدء والتاريخ 5/ 158: تعفير.
(10- 10) من فتوح ابن اعثم 1/ 12، وفي الأصل: اعفه.
(2/430)
الصلاة ويقول: إن الصريح تحت الرغوة «1» ،
وكان أول ما ابتلى من الناس طليحة أنه أصلب هو وأصحابه العطش في منزلهم
فيه، فقال طليحة فيما شجع لهم من أباطيله: اركبوا علالا يعني فرسا، واضربوا
أميالا «2» تجدوا قلالا «3» ؛ ففعلوا فوجدوا ماء، فافتتن الأعراب به، ثم
قال أبو بكر لخالد بن الوليد: لآتيك «4» من ناحية خيبر إن شاء الله فيمن
بقي من المسلمين، وأراد بذلك أبو بكر [أن] «5» يبلغ الخبر الناس بخروجه
إليهم، ثم ودع خالدا «6» ورجع إلى المدينة. ومضى خالد بالناس وكانت بنو
فزارة وأسد يقولون: والله! لا نبايع أبا الفصيل «7» - يعنون أبا بكر، وكانت
طيء على إسلامها، لم تزل عنه مع عدي بن حاتم ومكنف بن زيد الخيل، «8» فكانا
يكالبانها ويقولان «8» لبني فزارة: والله! لا نزال نقاتلكم إن شاء الله،
فلما قرب خالد بن الوليد من القوم وبعث عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم «9»
أخا بني العجلان طليعة أمامه، وخرج طليحة بن خويلد المتنبىء وأخوه سلمة بن
خويلد أيضا طليعة لمن وراءهما فالتقيا عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم «10»
فانفرد طليحة بعكاشة، وسلمة بن [خويلد] «11» بثابت، فأما سلمة فلم يلبث
«12» ثابتا أن قتله؛ ثم صرخ طليحة وقال: يا سلمة! أعني على الرجل فإنه
قاتلي، فاكتنفا عكشاة
__________
(1) في البدء والتاريخ: الرعوة، وفي الأصل: الدعوة.
(2) من الفتوح 1/ 13، وفي الأصل: لا- كذا.
(3) من الفتوح، وفي الأصل: بلالا.
(4) في الأصل: لاياتك، ومبني التصحيح على الطبري 3/ 227.
(5) زيد لاستقامة العبارة.
(6) في الأصل: خالد.
(7) من الفتوح والطبري 3/ 229، وفي الأصل: أبا الفضل.
(8- 8) في الأصل: فكاذبك البانها ويقولا- كذا.
(9) في الأصل: أرقم، وفي جميع المراجع ما أثبتناه.
(10) في الأصل: سلمة، والصواب ما أثبتناه.
(11) زيد من المراجع.
(12) في الأصل: فلم يلث.
(2/431)
حتى قتلاه، وكرا «1» راجعين إلى من
وراءهما، فلما وصل خالد والمسلمون إلى ثابت بن أقرم «2» وعكاشة بن محصن
وهما قتيلان عظم ذلك على المسلمين وراءهم «3» ، ثم مضى خالد حتى نزل على
طيء في خللهم سلمى «4» ؛ فضرب معسكره وانضم إليه من كان من المسلمين في تلك
القبائل، ثم تهيأ للقتال وسار إلى طليحة وهو على مائة، والتقى معه طليحة في
سبعمائة رجل من بني فزارة، فاقتتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كساء له
بفناء بيت له من شعر، يتنبأ ويسجع، فهز عيينة بن حصن الحرب وشد القتال ثم
كر على طليحة فقال: هل «5» جاءك جبريل بعد؟ قال: لا، فرجع عيينة وقاتل حتى
إذا هزته الحرب كر عليه ثانيا وقال: لا أبا لك! هل جاءك جبريل بعد؟ قال:
نعم! قال: فماذا قال لك، قال:
[قال] «6» لي: إن لك رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه، قال عيينة: أظن الله أنه
قد علم أنه سيكون لك حديث «7» لا تنساه «8» يا بني فزارة «8» هكذا،
فانصرفوا فهذا والله كذاب، فانصرف وانصرفت معه فزارة وانهزم الناس، وكان
طليحة قد أعد فرسا له عنده وهيأ بعيرا لا مرأته النوار، ثم اجتمعت إليه
فزارة وهم مبارزون «9» فقالوا: ما تأمرنا فلما سمع منهم ذلك استوى على فرسه
وحمل امرأته على البعير ثم نجابها، وقال لهم: من استطاع منكم أن يفعل كما
فعلت وينجو بأهله فليفعل. ثم سلك الحوشية «10» حتى لحق بالشام وانصرفت
فزارة، وقتل منهم من قتل، ثم دخلت
__________
(1) في الأصل: كروا. كذا.
(2) في الأصل: أرقم، وفي جميع المراجع ما أثبتناه.
(3) ألم بهذه الوقعة في الطبري 3/ 228 كما هنا.
(4) جبل في ديار طيء- راجع معجم البلدان.
(5) من الطبري 3/ 229، وفي الأصل: هاه.
(6) زيد من الطبري.
(7) من الطبري، وفي الأصل: حديثا.
(8- 8) من الطبري، وفي الأصل: فازرة- كذا.
(9) في الأصل: مبارزين.
(10) من الطبري، وفي الأصل: الجرسية.
(2/432)
القبائل في الإسلام على ما كانوا عليه من
قبل.
فلما فرغ خالد من بيعتهم أوثق عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة بن سلمة وبعث
بهما إلى أبي بكر، فلما قدما عليه قال قرة: يا خليفة رسول الله! إني كنت
مسلما، وإن عند عمرو بن العاص من إسلامي شهادة، قد مر [بي] «1» فأكرمته
وقربته، وكان عمرو بن العاص هو الذي جاء بخبر الأعراب، وذلك أن عمرا كان
على عمان، فلما أقبل راجعا إلى المدينة مر بهوازن وقد انتقضوا وفيهم سيدهم
قرة بن هبيرة، فنزل عليه عمرو بن العاص فنحر له وأقراه وأكرمه؛ فلما أراد
عمرو الرحيل خلى به قرة بن هبيرة وقال: يا عمرو! إنكم معشر قريش إن أنتم
كففتم عن أموال الناس وتركتموها لهم- يريد الصدقات- فقمن أن يسمع لكم الناس
ويطيعوا، فإن أنتم أبيتم إلا أخذ أموالهم فإني والله ما أرى العرب مقرة
بذلك لكم ولا صابرة عليه حتى تنازعكم أمركم ويطلبوا ما في أيديكم، فقال
عمرو بن العاص: أبا العرب تخوفنا موعدك، أقسم بالله! لأوطئنه «2» عليك
الخيل. ثم مضى عمرو»
حتى قدم المدينة على أبي بكر وأخبره الخبر قبل خروج خالد إليهم، فتجاوز أبو
بكر عن قرة ابن هبيرة وعيينة بن حصن وحقن لهما دماءهما «4» .
ولما فرغ خالد بن الوليد من بيعة بني عامر وبني أسد قال: إن الخليفة قد عهد
إليّ أن أسير إلى أرض بني غانم، فسار حتى نزل بأرضهم وبث فيها السرايا فلم
يلق بها جمعا، وأتى بمالك بن نويرة في رهط من بني تميم وبني حنظلة فأمر بهم
فضربت أعناقهم وتزوج مكانه أم تميم «5» امرأة مالك بن نويرة، فشهد أبو
قتادة لمالك بن نويرة بالإسلام عند أبي بكر، ثم رجع خالد يؤم المدينة فلما
قدمها دخل
__________
(1) زيد من الطبري 3/ 231.
(2) من الطبري، وفي الأصل: لاوصيه.
(3) وقع في الأصل: عمر- خطأ.
(4) في الأصل: وما همان- كذا، والقصة مذكورة بالتفصيل في الطبري 3/ 231 و
232.
(5) من الطبري 3/ 242 والإصابة- ترجمة مالك بن نويرة، وفي الأصل: أم نعيم-
كذا.
(2/433)
المسجد وعليه درع معتجرا «1» بعمامة وعليه
قباء عليه صدأ الحديد، قد غرز في عمامته أسهما، فقام إليه عمر بن الخطاب
فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها «2» ثم قال: أقتلت امرأ مسلما مالك بن نويرة
ثم تزوجت امرأته؟ والله! لنرجمنك بأحجارك، وخالد بن الوليد لا يكلمه ولا
يظن إلا [أن] «3» رأى أبي بكر على مثل [رأى] «3» عمر حتى دخل على أبي بكر
فأخبره الخبر واعتذر إليه أنه لم يعلم، فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان
منه في «4» حربه تلك «4» ؛ فخرج خالد من عنده وعمر جالس في المسجد فقال:
هلم إليّ ابن أم شملة «5» ! فعرف أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه فقام
فدخل بيته.
ثم ماتت «6» فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبيها بستة أشهر
فدفنها عليّ ليلا ولم يؤذن به أبا بكر ولا عمر، وكان لعلي جهة من الناس
حياة فاطمة، [فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن عليّ، فلما رأى انصراف
الناس] «7» ضرع عليّ إلى مصالحة أبي بكر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا
تأتنا معك بأحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدته، فقال عمر: لا تأتهم
وحدك، فقال أبو بكر: والله! لآتينهم وحدي، وما عسى أن «8» يصنعوا بي «8» ؟
فانطلق أبو بكر وحده حتى دخل على عليّ وقد جمع بني هاشم عنده؛ فقام عليّ
وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد! فإنه لم يمنعنا أن
نبايعك إنكارا لفضيلتك ولا نفاسة عليك بخير «9» ساقه الله
__________
(1) من الطبري 3/ 243، وفي الأصل: معتجر.
(2) من الطبري، وفي الأصل: فحطها.
(3) زيد من الطبري.
(4- 4) من الطبري، وفي الأصل: جرجه مالك- كذا.
(5- 5) من الطبري، وفي الأصل: أبى سلمة.
(6) ألم بموتها رضي الله عنها في الطبري 3/ 202 و 220 و 221 وتاريخ الإسلام
1/ 360.
(7) زدناه بناء على الطبري 3/ 200 لتستقيم العبارة.
(8- 8) من الطبري، وفي الأصل: يصنعوني.
(9) من الطبري، وفي الأصل: لخير.
(2/434)
إليك، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا «1» حقا
فاستبددت «2» به علينا، ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحقهم، ولم يزل عليّ يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر، فلما صمت عليّ تشهد أبو بكر
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد! والله لقرابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي، وإني والله ما أعلم «3»
[في] «4» هذه الأمور التي كانت بيني وبين عليّ إلا الخير «5» ولكني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذه المال قوتا» . وإني
والله لا أدع أمرا صنع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته إن شاء
الله؛ ثم قال: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس
ثم عذر عليّا ببعض ما اعتذر به، ثم قام عليّ فعظم من حق أبو بكر وذكر
فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه، وأقبل الناس على عليّ فقالوا:
أصبت وأحسنت.
[ثم] «6» توفي عبد الله بن أبي بكر الصديق وكان أصابه سهم بالطائف مع النبي
صلى الله عليه وسلم رماه ابن محجن ثم دمل الجرح، فمات في شوال بعد الظهر،
ونزل حفرته عبد الرحمن بن أبي بكر وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله «7» ،
ودخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينصنصه فقال له عمر: يا خليفة رسول
الله صلى الله عليه وسلم! الله الله! فقال أبو بكر: هذا أوردني «8»
الموارد.
فلما دخل شهر ذي الحجة حج عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة، واشترى مولاه أسلم
في حجته تلك ثم رجع إلى المدينة.
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: هذه.
(2) في الأصل: استبدت، وفي الطبري: استبددتم.
(3) في الطبري: ألوت.
(4) زيد من الطبري.
(5) من الطبري، وفي الأصل: الحرة.
(6) زدناه لتنسيق العبارة.
(7) راجع أيضا ترجمته في الاستيعاب وراجع أيضا تاريخ الإسلام 1/ 363.
(8) من مجمع البحار- نصنص، وفي الأصل: أورد في.
(2/435)
ثم وجه أبو بكر خالد بن الوليد إلى اليمامة
وكان مسيلمة قد تنبأ بها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أمره
ضعيفا، ثم وفد «1» إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قومه فشهد رجال
بن عنفوة «2» لأهل اليمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشركه في
الأمر فعظم فتنته عليهم.
وخرج خالد بن الوليد بالمهاجرين والأنصار حتى إذا دنا من اليمامة نزل واديا
من أوديتهم فأصاب في ذلك الوادي مجاعة بن مرارة في عشرين رجلا منهم كانوا
خرجوا يطلبون رجلا من بني تميم «3» وكان أصاب لهم دما في الجاهلية فلم
يقدروا عليه فباتوا «4» بذلك الوادي فلم ينبههم إلا خيل المسلمين قد وقفت
عليهم فقالوا: من القوم؟ فقالوا: بنو «5» حنيفة، قال: فلا أنعم لكم علينا،
ثم نزلوا فاستوثقوا منهم، فلما «6» أصبح دعاهم خالد بن الوليد فقال: يا بني
حنيفة! ما تقولون؟ فقالوا: منا نبىء ومنكم نبىء، فعرضهم خالد على السيف حتى
بقي سارية ابن عامر ومجاعة بن مرارة. فقال له سارية: يا أيها الرجل! إن كنت
تريد هذه القرية فاستبق هذا الرجل، وأوثق مجاعة في الحديد ودفعه إلى أم
تميم امرأته وقال:
استوصي به خيرا، وضرب عنق سارية بن عامر، ثم سار بالمسلمين حتى نزل على
كثيب «7» مشرف على اليمامة وضرب معسكره هناك، وخرج أهل اليمامة مع مسيلمة،
وتصاف الناس، وكان خالد جالسا على سريره ومجاعة مكبل عنده والناس على
مصافهم إذ رأى بارقة في بني حنيفة فقال خالد: أبشروا يا معشر المسلمين! قد
__________
(1) في الأصل: وفدا.
(2) من الطبري 3/ 247، وفي الأصل: عبقرة.
(3) من الطبري 3/ 246، وفي الأصل: نمير.
(4) في الأصل: فياتو- كذا.
(5) في الأصل: بني.
(6) وراجع أيضا الطبري 3/ 247.
(7) من الطبري 3/ 247، وفي الأصل: كتيب.
(2/436)
كفاكم الله عدوكم واختلف القوم، فكر «1»
مجاعة إليه وهو مكبل فقال: كلا والله إنها الهندوانية «2» خشوا من «3»
تحطمها فأبرزوها «3» للشمس لتلين «4» لهم، فكان كما قال، فلما التقى الناس
كان أول من خرج رجّال بن عنفوة «5» فقتل؛ واقتتل المسلمون قتالا شديدا حتى
انهزم المسلمون، وخلص أصحاب مسيلمة إلى الرحال ودخلوا فسطاط خالد بن الوليد
وفيه مجاعة مكبلا»
عند أم تميم امرأة خالد، فحمل عليها رجل بالسيف فقال مجاعة: أنا لها جار
فنعمت الحرة، عليكم بالرجال، فرحبلوا الفسطاط بالسيف، [ثم إن المسلمين
تداعوا] «7» فقال ثابت بن قيس بن شماس: بئسما عودتم أنفسكم يا معشر
المسلمين، اللهم «8» إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء المسلمون، ثم أخذ سيفه
حتى جالد به حتى قتل، ورأى زيد بن الخطاب انكشاف المسلمين عن رحالهم فتقدم
فقاتل حتى قتل؛ وقام البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان البراء- فيما
يقال- إذا حضر البأس أخذه انتفاض «9» حتى يقعد عليه الرجال ثم يبول في
سراويله، فإذا بال صار مثل السبع، فلما رأى ما صنع المسلمون «10» من
الانكشاف وما رأى من أهل اليمامة أخذه الذي كان يأخذه حتى قعد «11» عليه
الرجال، فلما بال وثب فقال: أين يا معشر المسلمين؟ أنا البراء بن مالك،
هلموا إليّ فاجتمع عنده جماعة من المسلمين فقاتل القوم قتالا شديدا حتى
__________
(1) في الأصل: فبكر، وفي الطبري 3/ 248: فنظر.
(2) من الطبري: وفي الأصل: الهندوانيها.
(3- 3) من الطبري، وفي الأصل: يحطمها فابزوها.
(4) من الطبري، وفي الأصل: ليليني.
(5) من الطبري، وفي الأصل: عبقرة.
(6) في الأصل: مكبل- كذا.
(7) زيد من الطبري.
(8) زيد في الطبري: اللهم إني أبرأ إليك مما يعبد هؤلاء- يعني أهل اليمامة.
(9) أي انتفاض الحمى.
(10) في الأصل: المسلمين.
(11) من الطبري، وفي الأصل: عقد.
(2/437)
خلصوا إلى محكم اليمامة، وهو محكم بن
الطفيل «1» ، فلما بلغه القتال قال: يا معشر بني حنيفة! الآن والله تستحقب
«2» الكرائم غير رضيات «3» وينكحن غير حظيات «4» ، فما كان عندكم من حسب
فأخرجوه، ثم تقدم فقاتل قتالا شديدا فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر بسهم
فوضعه في نحره فقتله، وزحف المسلمون حتى ألجأوهم إلى الحديقة وفيها «5»
مسيلمة، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين! ارموني عليهم في الحديقة،
فقال الناس: لا تفعل يا براء! فقال: والله أفعل فاحتمل حتى أشرف على الجدار
فاقتحم فقاتلهم حتى فتحها الله للمسلمين، ودخل عليهم المسلمون، وقتل
مسيلمة، اشترك وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار في قتله،
فرماه وحشي بحربته وضربه الأنصاري بسيف، فكان «6» وحشي يقول: [ربك] «7»
أعلم أينا قتله! قتلت: خير الناس وشر الناس.
فلما فرغ المسلمون من مسيلمة، وأتى خالدا الخبر فخرج «8» بمجاعة في الحديد
«9» يرسف معه «9» ليدله على مسيلمة، وكان يكشف القتلى حتى مر بمحكم بن
الطفيل، وكان رجلا جسيما وسيما فقال خالد: هذا صاحبكم، فقال مجاعة: لا! هذا
والله خير منه وأكرم، هذا محكم اليمامة، ثم دخلوا الحديقة وقلبا «10»
القتلى فإذا رويجل أصيفر أخينس «11» فقال مجاعة: إنه والله ما جاءك إلا
سرعان الناس
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: الكفيل.
(2) من الطبري، وفي الأصل: يستحقب.
(3) من الطبري، وفي الأصل: وضيات.
(4) من الطبري، وفي الأصل: حضيات.
(5) من الطبري، وفي الأصل: فيهم.
(6) من الطبري، وفي الأصل: فقلل.
(7) زيد من الطبري.
(8) من الطبري، وفي الأصل: خرج.
(9- 9) من الطبري 3/ 251، وفي الأصل: يوسف له.
(10) في الأصل: اقلبا، وفي الطبري: قلب له.
(11) من الطبري، وفي الأصل: حنيس- كذا.
(2/438)
وإن جماهير الناس في الحصون، قال: ويلك ما
تقول؟ قال: والله إن ذلك لحق، فهلم أصالحك على قومي «1» ، فصالحه خالد بن
الوليد على الصفراء والبيضاء [والحلقة] «2» ونصف السبي، ثم قال لمجاعة: امض
إلى القوم فاعرض ما صنعت، فانطلق إليهم ثم قال للنساء: البسن الحديد ثم
أشرفن على الحصون، ثم انتهى إلى خالد قال: إنهم لم يرضوا على مصالحتك عليه،
ولكن إن شئت شيئا صنعت وعرضت على القوم! [قال: ما هو؟ قال] «2» : تأخذ ربع
السبي ربعا «3» ، قال خالد:
قد فعلت! قال: قد صالحتك، فلما فرغا دخلوا الحصن فإذا ليس «4» رجل واحد «4»
رماهم [إلا] «5» النساء والصبيان، فقال خالد لمجاعة: خدعتني، قال: قومي «6»
.
ثم بعث أبو بكر إلى خالد بن الوليد بسلمة بن سلامة بن وقش يأمره أن لا
يستبقي من بني حنيفة رجلا قد أنبت، فأتاه سلمة وقد فرغ خالد من الصلح.
ثم إن خالدا قد بعث وفدا «7» من بني حنيفة إلى أبي بكر فقدموا عليه فقال
أبو بكر: ويحكم! ما هذا الرجل الذي استزل «8» منكم [ما استزل] ، قالوا: يا
خليفة رسول الله! قد كان الذي بلغك، وكان امرءا لم يبارك الله له ولا
لعشيرته «9» فيه قال أبو بكر:
على ذلك ما دعاكم إليه؟ «10» قالوا: كان «10» يقول: يا ضفدع نقي نقي! لا
الشراب «11»
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: قومك.
(2) زيد من الطبري 3/ 252.
(3) من الطبري، وفي الأصل: رجعا.
(4- 4) في الأصل: وحن واحدا- كذا.
(5) زيد من الطبري 3/ 252.
(6) زيد في الطبري: ولم أستطع إلا ما صنعت.
(7) من الطبري 3/ 254، وفي الأصل: وا- كذا.
(8) من الطبري، وفي الأصل: استنزل.
(9) من الطبري، وفي الأصل: بغيره- كذا.
(10- 10) من الطبري، وفي الأصل: قال وفان- كذا.
(11) في الطبري: الشارب.
(2/439)
تمنعين «1» [ولا الماء تكدرين] «2» ، لنا
نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا «3» قوم يعتدون، فقال أبو بكر:
سبحان الله سبحان الله.
فلما فرغ خالد من الصلح نزل واديان من أودية اليمامة، فبينما هو قاعد إذ
دخل عليه رجل من بني حنيفة يقال له سلمة «4» بن عمير فقال لمجاعة»
: استأذن لي على الأمير، فإن لي إليه حاجة، فأتى عليه مجاعة، ثم قال مجاعة:
إني والله لأعرف الشر في وجهه، ثم نظر فإذا هو مشتمل على السيف فقال: ما لك
لعنك الله! أردت أن تستأصل بني حنيفة، والله لئن قتلته ما ترك في بني حنيفة
صغير ولا كبير إلا قتل، فانقلب الرجل ومعه سيفه، فوقع في حائط من «6» حوائط
اليمامة وحبس به المسلمون فدخلوا خلف الحائط فقتل.
وكان من استشهد من المسلمين يوم اليمامة من قريش ممن يحضرنا ذكرهم أبو
حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة، وشجاع بن وهب بن ربيعة،
ومالك بن عمرو، ويزيد بن قيس، وصفوان بن أمية بن عمرو، وأخوه مالك بن أمية،
والطفيل بن عمرو الدوسي، وجبير «7» بن مالك «8» وأمه بحينة «8» ، ويزيد بن
أوس، وحيي بن حارثة، والوليد بن عبد «9» شمس بن المغيرة، وحكيم بن حزام بن
أبي وهب، وزيد «10» بن الخطاب بن نفيل «11» ، وعبد الله بن عمرو بن بحرة،
وعبد
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: المعين.
(2) زيد من الطبري.
(3) من الطبري، وفي الأصل: قريش.
(4) من الطبري 3/ 253، وفي الأصل: سلامة.
(5) من الطبري، وفي الأصل: مجاعة.
(6) في الأصل: في.
(7) من تاريخ الإسلام 7/ 369، وفي الأصل: جر- كذا.
(8- 8) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: بن لحينة، وفي الإصابة: جبير بن
بحينة- منسوبا إلى أمه.
(9) من الإصابة، وفي الأصل: عوف.
(10) من الإصابة، وفي الأصل: يزيد.
(11) من الإصابة، وفي الأصل: ثقيل.
(2/440)
الله بن الحارث بن قيس، وأبو قيس بن
الحارث، وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى، وعبد الله بن سهيل «1» بن عمرو،
وسليط بن سليط «2» بن عمرو، وعمرو بن أوس بن سعد بن أبي سرح، وربيعة بن أبي
خرشة، ومنقذ بن عمرو بن عطية «3» ، وعبد الله بن الحارث بن رحضة «4» .
واستشهد من الأنصار يوم اليمامة ثابت بن قيس بن شماس، وعباد بن بشر ابن
وقش، ورافع بن سهل «5» ، وعبد الله بن عتيك «6» ، وحاجب بن زيد، وسهل بن
عدي، ومالك بن أوس ومعن موليان لهم، وفروة بن العباس، وكليب بن تميم، وعامر
بن ثابت، «7» وبشر بن عبد الله «7» ، وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن
سلول، وعبد الله بن عتبان، وثابت بن هزال، وأسيد «8» بن يربوع، وأوس بن
ورقة، وسعد بن حارثة «9» بن لوذان «10» ، وسماك بن خرشة «11» أبو دجانة،
وسعد بن حمار «12» ، وعقبة بن عامر بن نابي «13» ، وضمرة بن عياض، «14»
وعبد الله بن أنيس، و «14» مسعود بن سنان، وحبيب بن زيد، و «15» أبو حبة بن
غزية «15» بن عمرو،
__________
(1) من الإصابة، وفي الأصل: سهل.
(2) من الإصابة، وفي الأصل: سليك.
(3) من الإصابة، وفي الأصل: نعيط.
(4) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: رخصة.
(5) من الإصابة، وفي الأصل: سهيل.
(6) من الإصابة، وفي الأصل: عتيد.
(7- 7) من الإصابة، وفي الأصل: بسر بن عبيد الله.
(8) من الإصابة، وفي الأصل: اصعر.
(9) وأيضا ورد: جارية- راجع الإصابة.
(10) من الإصابة، وفي الأصل: لودان.
(11) من الإصابة، وفي الأصل: حرشة.
(12) من الإصابة، وفي الأصل: حمام.
(13) من الإصابة، وفي الأصل: أبي.
(14) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: بن.
(15- 15) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: أبو حيثمة ابن عذنة.
(2/441)
و «1» عمارة بن حزم «2» بن زيد، ويزيد «3»
بن ثابت بن الضحاك بن زيد «4» رمي بسهم «4» فمات في الطريق، وثابت بن خالد
بن عمرو بن خنساء، وفروة بن النعمان بن الحارث، و «5» عائذ بن ماعص الزرقي
«5» ، وحبيب بن عمرو بن محصن.
ثم انصرف خالد بن الوليد بالمسلمين حتى قدم المدينة على أبي بكر، وارتدت
ربيعة بالبحرين فيمن «6» ارتد من العرب إلا «7» الجارود بن عمرو [بن] «8»
«9» خنش بن معلى فإنه «9» ثبت على الإسلام فيمن تبعه من قومه، وقالت ربيعة
بعضها لبعض: نرد «10» الملك إلى المنذر بن ساوى 1»
، وكان المنذر ملكهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم العلاء «12» بن الحضرمي فأسلم المنذر، وأقام العلاء بها
إلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فملك «13» ربيعة المنذر بن
النعمان بن المنذر بن ساوى «12» وجمع جمعهم على الارتداد؛ فلما بلغ أبا بكر
خبرهم، بعث «14» إليهم العلاء بن الحضرمي وأمره بثمامة بن أثال الحنفي وكان
قد أسلم ثمامة وأسلم بنو سحيم معه، فلما مر العلاء بثمامة بن أثال معه من
«15» اتبعه من قومه
__________
(1) في الأصل: بن.
(2) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: حزام.
(3) من الإصابة، وفي الأصل مرثد.
(4- 4) من الاستيعاب، وفي الأصل: ومن سهم- كذا.
(5- 5) من الإصابة، وفي الأصل: عايد ماعس المرور- كذا.
(6) من الطبري 3/ 255، وفي الأصل: فمن.
(7) من الطبري، وفي الأصل: بن.
(8) زيد من الطبري.
(9- 9) من الطبري، وفي الأصل: أخنس بن يعلى بانه.
(10) من الطبري، وفي الأصل: يرد.
(11) من الطبري، وفي الأصل: شاوي.
(12) من الطبري، وفي الأصل: العجلي.
(13) في الأصل: فهلك.
(14) في الأصل: فبعث.
(15) في الأصل: فيمن.
(2/442)
من بني سحيم وسارت ربيعة إليهم فحاصروهم
بجواثا «1» - حصن بالبحرين، وأصاب المسلمون جهدا شديدا من الجوع حتى كادوا
أن يهلكوا فخرج عبد الله بن حذف «2» ليلة من الليالي يتجسس أخبارهم ويجيء
المسلمين بالخبر، فأتى الحصن واحتال في دخوله فوجدهم سكارى فرجع، فأخبر
المسلمين أن القوم سكارى لا غناء بهم، فبيتهم العلاء بن الحضرمي فيمن معه
من المسلمين وقاتلوهم قتالا شديدا حتى فتح الله على المسلمين حصنهم، وقسم
العلاء بن الحضرمي الغنيمة بالبحرين وجمع بها صلاة الجمعة.
وخرج الأسود بن كعب العنسي [في كندة] «3» فباع «4» الناس والمهاجر بن أبي
أمية أميرها، وسمعت كندة بذلك واتفقت أيضا مع من اتبع الأسود على نصره «5»
، وكان على حضر موت زياد بن لبيد البياضي، فلما رأى ذلك منهم بيتهم بالليل
وقتل منهم أربعة من الملوك في محاجرهم: «6» جمدا ومحوصا ومشرحا «6» وأبضعة،
ثم كتب المهاجر بن أبي أمية «7» إلى أبي بكر يخبره بانتفاض الناس و «8»
يستمد منه «8» ، فبعث أبو بكر عكرمة بن أبي جهل في جيش معه إلى المدينة،
وكانت قطعة من كندة- ثبتت على الإسلام- مع زياد بن لبيد وقطعة مع «9»
المهاجر بن أبي أمية وزياد بن أبي لبيد بالحرب، فلما اشتد عليهم الحصار نزل
إليهم الأشعث بن قيس وسألهم الأمان على دمه وأهله وماله حتى يقدموه «10»
على أبي بكر فيرى فيه رأيه
__________
(1) من الطبري 3/ 256، وفي الأصل: بجاتا.
(2) من الطبري 3/ 258، وفي الأصل: خلاف- كذا.
(3) زيد لاستقامة العبارة.
(4) في الأصل: فباعوا.
(5) في الأصل: قصره- كذا، وراجع أيضا الطبري 2/ 270 وما بعده.
(6- 6) من الطبري 3/ 273، وفي الأصل: حمر ونحوس ومشرح كذا.
(7) زيد فوقه: وزياد.
(8- 8) في الأصل: ما صورته هكذا «وتستمروا له» وعليه من الضرب والحك ما
يزيده غموضا وإبهاما.
(9) في الأصل: من.
(10) في الأصل: قدموه.
(2/443)
[وأن] «1» يفتح النجير «2» ، ففعلوا ذلك
وفتح النجير «2» ، واستنزلوا من فيه من الملوك وضربت أعناقهم، واستوثقوا من
الأشعث بن قيس وبعثوا به إلى أبي بكر مع السبي، وقتل الأسود بن كعب العنسي
في بيته، فلما قدم الأشعث على أبي بكر قال أبو بكر: فما تأمرني أن أصنع فيك
فإنك فعلت ما علمت؟ قال الأشعث: تمن عليّ وتفكني «3» من الحديد وتزوجني
أختك، فإني قد راجعت «4» وأسلمت، قال أبو بكر: قد فعلت، فزوجه أخته فروة
بنت أبي قحافة.
ثم قدم «5» أهل البحرين على أبي بكر يفتدون «6» سباياهم أربعمائة، فخطب أبو
بكر الناس فقال: أيها الناس! ردوا على الناس سباياهم، لا يحل لامرىء يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يغيب عنه «7» منهم أحد، ثم جاء جابر بن عبد الله أبا
بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جاءنا مال من البحرين
أعطيناك هكذا وهكذا» ، فحرز له أبو بكر «هكذا» خمسمائة درهم، فأعطاه من مال
البحرين ألفا وخمسمائة درهم. ثم اعتمر أبو بكر في رجب وخرج هو وعبد الرحمن
بن صبيحة على راحلتين واستخلف على المدينة عمر بن الخطاب، وقدما مكة ضحوة،
وخرج منها قبل الليل. ومات أبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب. وتزوج
عمر ابن الخطاب عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل.
ثم خرج أبو بكر سنة اثنتي عشرة، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، وخرج
لليلتين بقيتا «8» من ذي القعدة، وأحرم من ذي الحليفة، وقدم مكة لسبع
__________
(1) زيد لاستقامة العبارة.
(2) هو اسم حصن، ووقع في الأصل: البحر- خطأ.
(3) من الطبري 3/ 276، وفي الأصل: تكفني- كذا.
(4) من الطبري، وفي الأصل: راجعك.
(5) زيد بعده في الأصل: على.
(6) في الأصل: يعتدرون- كذا.
(7) في الأصل: عنهم.
(8) في الأصل: بقين.
(2/444)
خلون من ذي الحجة، وكان قد ساق «1» معه عشر
بدنات، فخطبهم قبل التروية بيوم في المسجد الحرام، وأمرهم بتقوى الله
ونهاهم عن معصيته وعظّم عليهم حرمة الإسلام وأمرهم بالقصد في مسيرهم
والترفق، وتلا عليهم آيات من القرآن، ثم قال: من استطاع منكم أن يصلي الظهر
بمنى غدا فليفعل، ثم حج لهم ونحر البدن ورمى الجمار ماشيا ذاهبا وجائيا.
ومات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة وكان «2» يسمى جرو «2» البطحاء وأوصى
«3» إلى الزبير بن العوام، فزوج الزبير ابنته علي بن أبي طالب.
ثم قفل أبو بكر من الحج إلى المدينة، فلما قدمها كتب إلى خالد بن الوليد
يريد العراق، وقد قيل: إنه قد قدم المدينة ثم خرج إلى العراق، فلما بلغ
خالد بن الوليد إلى قريات «4» من السواد «5» يقال لهن [بانقياء] «6»
باروسما «7» وأليبس صالح أهلها، وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا، فقبل
منهم الجزية وكتب له كتابا «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من خالد بن
الوليد لابن صلوبا السوادي «8» ومنزله بشاطىء «9» الفرات أنك آمن بأمان
الله ممن حقن دمه بإعطاء الجزية، وقد أعطيت عن نفسك ومن كان في قريتك ألف
درهم فقبلناها1»
، ورضي من معي من المسلمين بها عنك، فلك «11» ذمة الله وذمة محمد صلى الله
عليه وسلم وذمم المسلمين على ذلك،
__________
(1) في الأصل: سابق.
(2- 2) من تاريخ الإسلام 1/ 373، وفي الأصل: ساحر- كذا.
(3) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: أولى.
(4) من الطبري 4/ 3، وفي الأصل: قرنات.
(5) من الطبري، وفي الأصل: السوداء.
(6) زيد من الطبري.
(7) من الطبري، وفي الأصل: وسما.
(8) من الطبري، وفي الأصل: الشواي.
(9) من الطبري، وفي الأصل: شاطىء.
(10) في الطبري: فقبلتها.
(11) من الطبري، وفي الأصل: فلا.
(2/445)
وشهد هشام بن الوليد، ثم أقبل خالد حتى نزل
الحيرة وكان عليها قبيصة بن إياس بن حية الطائي أميرا «1» لكسرى فخرج إليه
بأشرافهم «2» ، فقال لهم خالد: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، فإن «3»
أجبتم إليه فأنتم من المسلمين، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، وإن أبيتم
فالجزية، فإن أبيتم [الجزية] «4» فقد أتيتك بأقوام «5» أحرص على الموت منكم
على الحياة، جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم، فقال له قبيصة بن إياس:
ما لنا بحربك من حاجة، بل نقيم على ديننا ونعطيك الجزية، فصالحهم على تسعين
ألف درهم كل سنة، فكانت أول جزية وقعت بالعراق هذه والتي صالح عليها ابن
صلوبا.
وبعث أبو بكر بعد قفوله من الحج الجنود إلى الشام فبعث عمرو بن العاص إلى
فلسطين فأخذ طريق المعرقة «6» على أيلة، وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة
ابن الجراح وشرحبيل بن حسنة إلى الشام وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على
البلقاء [من] «7» علياء [الشام] «7» ، وبعث خالد [بن] «7» سعيد بن العاص
على ربع من الأرباع، فلم يزل عمر بن الخطاب بأبي بكر حتى [عزله وأمّر] «8»
مكانه ابن أبي سفيان، وخرج أبو بكر مع يزيد بن أبي سفيان يوصيه «9» ويزيد
راكب «9» ، قال: أيها الأمير! إما أن تركب وإما أن أنزل! فقال: ما أنت «10»
بنازل ولا أنا براكب،
__________
(1) في الأصل: أمنو- كذا؛ وفي الطبري: وكان أمّره عليها.
(2) من الطبري، وفي الأصل: بأشراهم.
(3) من الطبري، وفي الأصل: وان.
(4) زيد من الطبري.
(5) من الطبري، وفي الأصل: بأقوامهم.
(6) من الطبري 4/ 28، وفي الأصل: العزبة.
(7) زيد من الطبري.
(8) من الطبري، وموضعه بياض في الأصل.
(9- 9) في الأصل: يزيدرا- كذا، وراجع فتوح الشام للواقدي 1/ 4.
(10) في الأصل: ابت.
(2/446)
أليست «1» خطاي هذه في سبيل الله! ثم قال:
يا يزيد! إنكم ستقدمون بلادا [فإذا أكلتم] «2» الطعام فسموا الله على أولها
واحمدوه على آخرها، وستجدون قوما حبسوا أنفسهم «3» في الصوامع فدعوهم وما
حبسوا «4» أنفسهم، وستجدون أقواما قد اتخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعد. يعني
الشمامسة «5» - فاضربوا تلك الأعناق، ولا تقتلن «6» كبيرا هرما «6» ولا
امرأة ولا وليدا ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع، ولا تخربن عمرانا، ولا تقطعن
«7» بحرا إلا لنفع، ولا تغل ولا تغدر ولا تخن «8» وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ
مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ أقرئك «9» السلام
وأستودعك الله! ثم انصرف أبو بكر ومضى يزيد بن أبي سفيان وتبعه شرحبيل بن
حسنة وأبو عبيدة بن الجراح «10» فردا فردا، ونزل «10» عمرو بن العاص في
قصره «11» بغمر العربات «11» ، ونزل الروم «12» بثنية جلق «12» بأعلى
فلسطين في سبعين ألفا عليهم تذارق «13» أخو هرقل «14» لأبيه وأمه «14» ،
فكتب عمرو بن العاص إلى أبي بكر يذكر له أمر الروم ويستمده، فكتب أبو بكر
__________
(1) في الأصل: نسيت- كذا.
(2) موضعه في الأصل: لولو- كذا.
(3) في الأصل: أيديهم له.
(4) في الأصل: جلسوا.
(5) في الأصل: السالسة، في لسان العرب؛ الشماس من رؤوس النصارى: الذي يحلق
وسط رأسه ويلزم البيعة والجمع شمامسة.
(6- 6) في الأصل: كثيرا هربا.
(7) في الأصل: لا تقتعن.
(8) في الأصل: لا نحون.
(9) من البداية والنهاية 7/ 3، وفي الأصل: أفديك.
(10- 10) في الأصل: مردا مرد وانزل- كذا.
(11- 11) من الطبري 4/ 39، وفي الأصل: بعير القريات- كذا.
(12- 12) من الطبري، وفي الأصل: يعنه خلق- كذا.
(13) من الطبري، وفي الأصل: بدراق.
(14- 14) من الطبري، وفي الأصل: لا وأبيه- كذا.
(2/447)
إلى خالد بن الوليد وهو يأمره أن يمد أهل
الشام فيمن [معه] «1» من أهل القوة «2» ويستخلف على ضعفة الناس [رجلا] «3»
منهم، فلما أتاه كتاب أبي بكر قال خالد:
هذا عمل الأعيسر «4» ابن أم شملة «5» - يعني عمر بن الخطاب- حسدني «6» أن
يكون فتح العراق على يدي، فسار خالد بأهل القوة من الناس، ورد الضعفاء
والنساء إلى»
المدينة، وأمّر عليهم عمير «8» بن سعد الأنصاري، واستخلف على [من أسلم] «9»
بالعراق من ربيعة «10» وغيرهم المثنى بن حارثة «11» الشيباني، فلما بلغ
خالد بمن معه عين النمر أغار على أهلها فأصاب منهم، ورابط حصنا بها فيه
مقاتلة لكسرى حتى استنزلهم وضرب أعناقهم وسبى منهم سبايا كثيرة، وكان من
«12» تلك السبايا «12» أبو عمرة والد عبد الأعلى [بن] «13» أبي عمرة، ويسار
جد محمد بن إسحاق، وحمران بن أبان مولى عثمان، و [أبو] «13» عبيد مولى
المعلى، وخير «14» مولى أبي داود الأنصاري، وأبو عبد الله مولى زهرة.
فأراد خالد المسير والتمس دليلا فدل على رافع بن عميرة «15» الطائي فقال له
__________
(1) زيد من الطبري 4/ 44.
(2) من الطبري، وفي الأصل: القرد.
(3) من الطبري، وفي الأصل موضعه بياض.
(4) من الطبري، وفي الأصل: المعيسر.
(5) من الطبري، وفي الأصل: شهده.
(6) من الطبري، وفي الأصل: حسبه.
(7) من الطبري، وفي الأصل: على.
(8) من الطبري، وفي الأصل: عميرة.
(9) زيد من الطبري 4/ 44.
(10) من الطبري، وفي الأصل: العرب.
(11) من الطبري وفي الأصل: خارجة.
(12- 12) من الطبري، وفي الأصل: ذلك السبى.
(13) زيد من الطبري 4/ 44.
(14) من الطبري، في الأصل: بحمير- كذا.
(15) من الطبري، وفي الأصل: عمير.
(2/448)
خالد: «1» انطلق بالناس «1» ، فقال له
رافع: إنك لا تطيق ذلك بالجنود «2» والأثقال، والله إن الراكب المفرد
ليخافها على نفسه وما يسكلها إلا مغررا! إنها لخمس ليال جياد ولا يصاب «3»
فيها ماء [مع مضلتها] «4» ، قال له خالد: ويحك! «5» ألا بدلي «5» منها؟ إنه
قد أتاني من الأمير عزمة بذلك، فمر بأمرك، فقال رافع: استكثروا من الماء،
من استطاع [منكم] «6» أن يصر أذن ناقته على ماء فليفعل «7» ، فإنها المهالك
«8» إلا ما دفع الله «9» ، فتأهب المسلمون وسار خالد بمن معه، فلما بلغوا
آخر يوم من المفازة قال خالد لرافع بن عميرة «10» : ويحك يا رافع! ما عندك؟
قال:
أدركت الري «11» - إن شاء الله! فلما دنا «12» من العلمين «13» قال رافع
للناس: انظروا [هل ترون شجيرة من عوسج كقعدة الرجل] «14» فلم يروا شيئا،
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! هلكتم والله إذا وهلكت «15» ! انظروا
فاطلبوها، [فطلبوا] «14» فوجدوها قد قطعت وبقي منها بقية، فلما رآها
المسلمون كبروا وكبر رافع بن عميرة، ثم قال: احفروا في أصلها، فحفروا
فاستخرجوا عينا فشربوا حتى روي الناس، ثم
__________
(1- 1) من الطبري، وفي الأصل: ما عندك.
(2) في الأصل: والجنود، وفي الطبري: بالخيل.
(3) من الطبري، وفي الأصل: لا تصيب.
(4) من الطبري، وفي الأصل موضعه بياض.
(5- 5) في الطبري 4/ 45: إن لي بد.
(6) زيد من الطبري.
(7) من الطبري، وفي الأصل: فعل.
(8) من الطبري، وفي الأصل: المهلك.
(9) وهنا في الطبري مزيد تفصيل فراجعه.
(10) من الطبري، وفي الأصل: عمير.
(11) من الطبري، وفي الأصل: الراي.
(12) من الطبري، وفي الأصل: دكى.
(13) من الطبري، وفي الأصل: العالمين.
(14) زيد من الطبري.
(15) من الطبري، وفي الأصل: هلكتم.
(2/449)
اتصل بعد ذلك لخالد المنازل فقال رافع:
فوالله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة! وردتها مع أبي وأنا غلام، فلما
بلغ الخالد والمسلمون إلى سوي «1» أغار على أهله «2» وهم بهراء «2» قبيل
الصبح وإذا جماعة منهم يشربون الخمر في جفنة لهم قد اجتمعوا عليها «3»
ومغنيهم يقول:
ألا عللاني «4» قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب «5» ولا ندري «6»
فقتلهم خالد بن الوليد وقتل مغنيهم وسال دمه في تلك الجفنة «7» ، ثم سار
خالد حتى أغار على غسان بمرج راهط حتى نزل على قناة «8» بصرى وعليها أبو
عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان؛ وخرج خالد بن سعيد
ابن العاص بمرج الصفر في يوم مطير يستمطر [فيه] »
فتعاوى «10» عليه أعلاج «11» الروم فقتلوه؛ واجتمع خالد بن الوليد «12»
وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان معهم حتى صالحته بصرى على الجزية
وفتحها الله للمسلمين، فكانت تلك أول مدينة فتحت بالشام، ثم ساروا جميعا
إلى فلسطين مددا «13» لعمرو بن العاص وعمرو مقيم بالعربات «14» من غور
فلسطين وسمع الروم باجتماع المسلمين لعمرو
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: سواد.
(2- 2) من الطبري، وفي الأصل: هو ما نهر- ووقع بعد «إلى؟؟ رى» .
(3) من الطبري، وفي الأصل: عليه.
(4) من الطبري، وفي الأصل: علاني.
(5) من الطبري، وفي الأصل: منايا.
(6) من الطبري، وفي الأصل: لا يدري.
(7) من الطبري، وفي الأصل: الحقبة.
(8) من الطبري، وفي الأصل: فناء.
(9) زيد من الطبري 4/ 39.
(10) من الطبري، وفي الأصل: فتعاوو- كذا.
(11) من الطبري، وفي الأصل: علاج.
(12) والعبارة من «وخرج خالد» إلى هنا متكررة في الأصل.
(13) من الطبري 4/ 45، وفي الأصل: مدا.
(14) من الطبري، وفي الأصل: بالقربات.
(2/450)
ابن العاص فانكشفوا عن جلق «1» إلى أجنادين
«2» ، وأجنادين «8» [بلد] «3» بين الرملة وبيت «4» جبرين من أرض فلسطين «5»
وسار المسلمون إلى أجنادين «6» وكان «6» الأمراء أربعة والناس أرباعا إلا
عمرو بن العاص كان يزعم أنه جميعهم ... «7» .
فلما اجتمعت العساكر وتدانت، بعث صاحب الروم «8» رجلا عربيا «8» [ليأتي]
«9» بخبر المسلمين، فخرج الرجل ودخل مع المسلمين وأقام فيهم يوما وليلة لا
ينكر، ثم «10» أتى الروم فقالوا له: ما وراءك؟ فقال: أما بالليل فرهبان،
وأما بالنهار ففرسان، «11» ولو سرق ابن «11» ملكهم قطعوا يده، ولو زنى
رجموه، لإقامة الحق فيهم.
ثم تزاحف الناس فاقتتلوا «10» قتالا شديدا فقال صاحبهم «12» لهم: لفوا رأسي
في ثوب، قالوا له: ولم؟ قال: يوم موقف البئيس «4» «13» لا أحب أن أراه، ما
رأيت في الدنيا أشد منه، وكانت الهزيمة «14» على الروم، فلقد قتل صاحبهم و
«15» إنه لملفف «15»
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: الجلق.
(2) من الطبري، وفي الأصل: أجناد.
(3) زيد من الطبري 4/ 45.
(4) من الطبري، وفي الأصل: بين بعيت وبين- كذا.
(5) من الطبري، وموضعه في الأصل بياض.
(6- 6) موضعه بياض في الأصل.
(7) موضع النقاط بياض في الأصل.
(8- 8) من الطبري 4/ 46، وموضعه في الأصل بياض.
(9) زيد لاستقامة العبارة.
(10) من الطبري، وموضعه بياض في الأصل.
(11- 11) من الطبري، وموضعه في الأصل بياض.
(12) في الأصل: صاحب.
(13) زيد قبله في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في الطبري فحذفناها.
(14) في الأصل: العزيمة.
(15- 15) من الطبري، وفي الأصل: انطلقت- كذا.
(2/451)
في ثوبه؛ وكان لليلتين بقيتا من «1» جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، فقتل
بأجنادين من المسلمين: نعيم بن عبد الله «2» النحام، وهشام [بن] «3» العاصي
«4» بن وائل [و] «5» عمرو بن [عكرمة و] «6» الطفيل بن عمرو الدوسي، وعبد
الله بن عمرو حليف لهم، وجندب بن عمرو بن حممة «7» الدوسي [و] «5» ضرار بن
الأزور «8» وطليب «9» بن عمرو بن وهب، وسلمة بن هشام بن المغيرة، وهبار بن
سفيان بن الأسود، والحارث بن الحارث، والحجاج بن الحارث وقيس بن صخر، [و]
«5» نعيم بن عامر. |