السيرة
النبوية وأخبار الخلفاء استخلاف عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه
وهو عمر بن الخطاب بن نفيل «10» بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط
ابن رزاح «11» بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن
كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو
حفص العدوي، وأم عمر حنتمة1»
بنت هشام «13» بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت أبي جهل بن
هشام.
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: في.
(2) زيد بعده في الأصل: ابن، ولم تكن الزيادة في الطبري ولا في الإصابة
فحذفناها.
(3) زيد من الطبري.
(4) من الطبري، وفي الأصل: عاص.
(5) زيد لاستقامة العبارة.
(6) زيد من الطبري 4/ 36.
(7) من الطبري، وفي الأصل: حمية.
(8) من الطبري والإصابة، وفي الأصل: الأرقم.
(9) من الطبري والإصابة، وفي الأصل: كليب.
(10) من الطبري 5/ 14 والإصابة، وفي الأصل: نوفل.
(11) من الطبري والإصابة، وفي الأصل: رباح- كذا.
(12) من الطبري والإصابة، وفي الأصل: حتفة- كذا.
(13) في الطبري والإصابة: هاشم- كذا.
(2/452)
حدثنا محمد بن القاسم الدقاق بالمصيصة: ثنا
يوسف بن سعيد بن مسلم «1» ثنا هارون بن زياد «2» الحنائي ثنا الحارث بن
عمير عن حميد عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين
من بعدي: أبي بكر «3» وعمر» .
قال أبو حاتم: فلما حانت «4» منية أبي بكر رحمة الله عليه اغتسل قبلها يوم
الإثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يوما باردا فحم «2» خمسة عشر يوما
«5» حتى قطعته العلة عن حضور الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلي
بالناس، وكان الناس يعودونه وهو في منزله الذي أقطع له النبي صلى الله عليه
وسلم وجاه «6» دار عثمان بن عفان اليوم، فبينا هو في ليلة من الليالي عند
نسائه أسماء بنت عميس وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير «7» وبناته
أسماء وعائشة وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر إذ قالت عائشة: أتريد أن تعهد
إلى الناس عهدا؟ قال: نعم، قالت: فبين للناس حتى يعرفوا الوالي «8» بعدك،
[قال] «9» : نعم، قالت عائشة: إن أولى الناس بهذا الأمر بعدك عمر، وقال
«10» عبد الرحمن بن أبي بكر: إن قريشا تحب ولاية عثمان بن عفان، وتبغض
ولاية عمر لغلظه، فقال أبو بكر: نعم الوالي عمر، وما هو بخير له أن يلي أمر
أمة محمد، أما إنه لا يقوى عليهم غيره، إن عمر رآني لينا فاشتد «11» ، ولو
كان واليا للان لأهل اللين واشتد «11» على أهل الريب، فلما أصبح دعا نفرا
من
__________
(1) من التهذيب، وفي الأصل: سلم.
(2) من الأنساب. (الحنائي) ، وفي الأصل: رباد.
(3) من سمط النجوم 2/ 321، وفي الأصل: أبو بكر.
(4) في الأصل: حالت.
(5- 5) من الطبري 3/ 47، وفي الأصل: الناس.
(6) من الطبري، وفي الأصل: لجد.
(7) في الأصل: أبي زهيرة- خطأ.
(8) في الأصل: اللوالي.
(9) زيد ولا بد منه.
(10) في الأصل: قالت.
(11) في الأصل: فاشتر.
(2/453)
المهاجرين والأنصار يستشيرهم في عمر، منهم
عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقال لعبد
الرحمن بن عوف:
يا أبا محمد! أخبرني عن عمر، فقال: [يا] «1» خليفة رسول الله! هو والله
أفضل من رأيك فيه من رجل [ولكن] «1» فيه غلظة «2» ، فقال لعبد الرحمن بن
عوف:
ذلك لأنه رآني لينا فاشتد، ولو آل إليه الأمر لترك كثيرا مما هو عليه
اليوم، إني إذا غضبت على الرجل أراني الرضا عنه وإذا لنت له أراني الشدة
عليه، لا تذكر يا [أبا] «1» محمد مما ذكرت لك شيئا، [قال: نعم] «1» ، ثم
دعا عثمان بن عفان فقال:
يا أبا عبد الله! أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبر به، فقال أبو بكر: فعليّ
ذلك، قال: إن علمي أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، قال:
يرحمك الله يا أبا عبد الله! لا تذكر مما ذكرت لك شيئا، [قال: أفعل، فقال
له أبو بكر] «1» : لو «3» تركته ما عدوتك، و [ما أدري] «1» لعلي تاركه،
والخيرة له أن لا يلي أمركم، ولوددت «4» أني خلو من أمركم، وأني كنت فيمن
مضى من سلفكم؛ ثم قال لعثمان: اكتب: هذا ما عهد عليه أبو بكر بن [أبي] «5»
قحافة إلى المسلمين، أما بعد؛ ثم أغمي عليه [فذهب عنه] «5» فكتب عثمان: أما
بعد، فقد استخلفت «6» عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا، ثم أفاق أبو بكر
فقال «7» : اقرأ عليّ، فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر فقال: جزاك الله عن
الإسلام خيرا! ثم رفع أبو بكر يديه فقال: اللهم! وليته بغير أمر نبيك، ولم
أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت «8»
__________
(1) زيد من الطبري 4/ 51.
(2) من الطبري، وفي الأصل: غلظ.
(3) من الطبري، وفي الأصل: ولو.
(4) من الطبري، وفي الأصل: لودرت.
(5) زيد من الطبري 4/ 52.
(6) من طبقات ابن سعد ج 3 ق 1/ 142، وفي الأصل: استخلف.
(7) من الطبقات، وفي الأصل: ثم قال.
(8) من الطبقات وفي الأصل: خفق.
(2/454)
عليهم الفتنة فعملت «1» فيهم بما أنت أعلم
[به] «2» ، وقد حضر من أمري ما قد حضر، فاجتهدت لهم الرأي «3» فوليت «4»
عليهم خيرهم لهم وأقواهم عليهم وأحرصهم «5» على رشدهم، ولم أرد محاباة عمر،
فاجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي «5» الرحمة «6» وهدى الصالحين بعده
وأصلح له رعيته «7» ، وكتب بهذا العهد [إلى] الشام إلى المسلمين إلى أمراء
الأجناد أن قد وليت عليكم خيركم ولم آل لنفسي ولا للمسلمين خيرا.
وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس «8» ، ثم نادى عمر بن الخطاب فقال له:
إني مستخلفك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عمر: إن لله حقا
في الليل «9» لا يقبله في النهار، وحقا في النهار لا يقبله في الليل، وإنها
لا تقبل نافلة حتى تؤدى «10» الفريضة، يا عمر! إنما ثقلت موازين من ثقلت
موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه
«11» غير الحق «11» أن يكون ثقيلا، يا عمر! إنما خفت موازين من خفت موازينه
يوم القيامة باتباعهم الباطل، وحق لميزان لا يوضع فيه 1»
غير الباطل 1»
أن يكون خفيفا، يا عمر! إنما نزلت آية الرخاء «13»
__________
(1) من الطبقات، وفي الأصل: فعلمت.
(2) زيد من الطبقات.
(3) في الطبقات: رأيي.
(4) من الطبقات، وفي الأصل: وليت.
(5) في الأصل بياض عبأناه من الطبقات.
(6) من الطبقات، وفي الأصل: برحمة.
(7) من الطبقات، وفي الأصل: من نوعيته.
(8) راجع أيضا الكامل لابن الأثير 2/ 204.
(9) في الأصل: الله، ومبنى التصحيح على الكامل 2/ 208.
(10) من الكامل، وفي الأصل: تودوا.
(11- 11) في الكامل: غدا ألا حق.
(12- 12) في الأصل: غير الحق، وفي الكامل: إلا باطل.
(13) من الكامل، وفي الأصل: الرجاء.
(2/455)
مع آية الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء «1»
ليكون المؤمن راغبا راهبا، فلا ترغب رغبة فتتمنى على الله فيها ما ليس لك،
ولا ترهب رهبة تلقى فيها يديك، يا عمر! إنما ذكر الله أهل النار بأسوإ
أعمالهم ردا «2» عليهم ما كان من خير «3» ، فإذا ذكرتهم قلت: لأرجو أن [لا]
«4» أكون منهم، وإنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنه تجاوز لهم عما كان
من سيء «5» ، فإذا ذكرتهم قلت: أي عمل من أعمالهم أعمل! فإن حفظت وصيتي فلا
يكونن «6» غائب أحب «7» إليك [من الحاضر] «4» من الموت ولست بمعجزه.
وتوفي أبو بكر رضي الله عنه ليلة الإثنين لسبع عشرة خلت من جمادى الآخرة
«8» ، وله يوم مات اثنتان وستون سنة «9» ، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر
واثنان وعشرون يوما، وكان مرضه خمس عشرة ليلة، وغسلته أسماء بنت عميس، وكفن
في ثلاثة أثواب «10» ، ونزل [في] «11» قبره عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان
وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر، ودفن ليلا بجنب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأراد ابن عمر أن ينزل قبر أبي بكر مع أبيه فقال له عمر:
قد كفيت، وكان أبو قحافة
__________
(1) من الكامل، وفي الأصل: الرجاء.
(2) في الأصل: رد.
(3) في الأصل: حسيرة.
(4) زيد من الكامل.
(5) من الكامل، وفي الأصل: مسي.
(6) من الكامل، وفي الأصل: لا يكونن.
(7) من الكامل، وفي الأصل: اكره.
(8) والمراجع التي بأيدينا تصرح بأنه كان توفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان
ليال بقين من جمادى الآخرة، وابن الأثير يؤكد على صحة هذا التاريخ.
(9) وفي الطبقات ج 3 ق 1/ 144: وتوفي رحمه الله وهو ابن ثلاث وستين سنة
مجمع على ذلك في الروايات كلها.
(10) راجع الطبقات للعثور على ما ورد من الاختلاف في ذلك.
(11) من الطبقات ج 3 ق 1/ 148.
(2/456)
بمكة [فسمع الهائعة] «1» فقال: ما هذا؟
فقيل: مات ابنك، فقال: رزء جليل، فإلى من عهد؟ قالوا: لعمر، قال: صاحبه؛
وورثه أبو قحافة السدس، وكان من عمال أبي بكر يوم توفي عتاب بن أسيد «2»
على مكة «2» ، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، والعلاء بن الحضرمي على
البحرين، ويعلى بن أمية «3» [على خولان، ومهاجر بن أبي أمية] «4» على
صنعاء، وزياد بن لبيد على حضر موت، وعمرو بن العاص على فلسطين، وعلى الشام
أربعة نفر «5» من الأجناد: خالد بن الوليد، و [أبو] «4» عبيدة بن الجراح،
وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان «6» ؛ ومات أبو كبشة مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي دفن فيه أبو بكر «7» .
ثم قام عمر بن الخطاب في الناس خطيبا وهي أول خطبة خطبها بعد ما استخلف،
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس! إني لا أعلمكم من
نفسي شيئا تجهلونه، أنا عمر بن الخطاب وقد علمتم من هيئتي وشأني، وإن بلاء
الله عندي في الأمور كلها حسن، وقد فارقني رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو عني راض بحمد الله، ولم يجد عليّ في شيء «8» من خلقي «8» وأنا «9» أسعد
[الناس] «10» بذلك إن شاء الله، وقمت «11» لخليفته من بعده بحق الطاعة
وأحسنت له المؤازرة، ولم
__________
(1) زيد بناء على رواية الطبقات 3 ق 1/ 149.
(2- 2) من الطبري 4/ 50، وفي الأصل: عمل بمكة.
(3) من الطبري، وفي الأصل: منبه.
(4) زيد طبقا لنص الطبري.
(5) في الأصل: نفرا.
(6) وورد في الطبري والكامل زيادة عمرو بن العاص وأن كل رجل منهم على جند
وعليهم خالد بن الوليد.
(7) كما ذكره في تاريخ الإسلام 2/ 2.
(8- 8) في الأصل: في خلق.
(9) من سمط النجوم 2/ 360، وفي الأصل: رآنا.
(10) زيد من السمط.
(11) في الأصل: قعت- كذا.
(2/457)
أحرص على القيام عليكم كالذي حرص عليّ «1»
ولكن خليفتكم المتوفى أوصى إليّ بالخلافة عليكم برضى منكم، وآلوه «2»
الهمة، ذلكم وإياكم، ولولا الذي أرجو أن يأجرني الله في قيامي عليكم لم أقم
عليكم و «3» لنحيته عن نفسي «3» ووليته غيري، وقد كنت أرى فيكم أمورا على
عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم كدت أكرهها، ويسوءني منكم، فقد رأيتم تشددي
فيها، والأمر «4» الذي أمر به من فوقي، أريد طاعة الله وإقامة الدين
فأطعتكم، قد علمتم- أو من علم ذلك منكم- أني قد كنت أفعل ذلك وليس لي عليكم
من سلطان وأكن أهن في شيء منه، وقد ولّاني الله اليوم أمركم ولقد علمت
[أني] «5» أنفع بحضرتكم لكم، فإني أسأل الله ربي أن يعينني عليه وأن يحرسني
عندما بقي كما حرسني عند غيره، وأن يلقنني «6» العقل في قسمكم كالذي أمر
به، ثم إني مسلم وعبد من عبيده «7» ضعيف إلا ما أعان الله، ولن «8» يغير
الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله، وإنما العظمة لله، ليس
للعباد منها شيء فلا يقولن أحد منكم: إن عمر بن الخطاب تغير لما ولي أمر
المسلمين، فمن ظلمته مظلمة فإني أعطيه الحق من نفسي وأتقدم عليكم وأبين لكم
أمري، أيما رجل كانت له حاجة إلى أمير المؤمنين أو ظلم بمظلمة أو عتب علينا
في حق فليؤذني، فإنما أنا امرؤ منكم، ولم يحملني سلطاني الذي أنا عليه أن
أتعظم عليكم، وأغلق بابي دونكم، وأترك مظالمكم بينكم، وإذا منع الله أهل
الفاقة منكم اليوم شيئا [ ... ] »
بعد اليوم فإنما هو فيء الله الذي أفاءه عليكم، لست وإن كنت أمير
__________
(1) في الأصل: عنى.
(2) في الأصل: الده- كذا.
(3- 3) في الأصل: لننجينه عن نفسه.
(4) في الأصل: أمر.
(5) زيد لاستقامة العبارة.
(6) في الأصل: يلفني.
(7) في الأصل: عبيدة.
(8) في الأصل: إن.
(9) بياض في الأصل.
(2/458)
المؤمنين [ ... ] «1» ولن أخفى إبقاء، إن
كان بيني وبين أحد منكم خصومة «2» أقاضيه إلى أحدكم ثم أقنع بالذي يقضي
بيننا فاعلموا ذاك، وإنكم قوم مسلمون على شريعة الإسلام، ثم عليكم بتقوى
الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم التي حرم الله عليكم من دمائكم وأموالكم
وأعراضكم، وأعطوا الحق من أنفسكم، ولا يحملن بعضكم بعضا إلى أن يوقع إلى
السلطان شأنه، فليستعد بي «3» فإنه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة «4» ،
من منع من نفسه حقا واجبا عليه أو استحل من دماء المسلمين وأعراضهم
وأبشارهم فأنا أقتص «5» منه وإن كان يدلي [إليّ] «6» بقرابة قريبة، ثم
إنكم- معشر العرب- في كثير منكم جفاء في الدين وخرق في الأمور إلا من عصمه
الله برحمة، وإني قد جعلت بسبيل «7» أمانة عظيمة أنا مسؤول عنها، وإنكم-
أيها الناس- لن تغنوا «8» عني من الله شيئا، وإني حثيث «9» على صلاحكم،
عزيز عليّ ما عنتم، حريص عليّ معافاتكم وإقامة أموركم، وإنكم إناء من حصل
في سبيل الله، عامتكم أهل بلد لا زرع [فيها] «10» ولا «11» ضرع إلا ما جاء
الله به إليه، وإن الله قد وعدكم كرامة كبيرة ودنيا بسيطة لكم، وإني مسؤول
عن أمانتي و [ما] «12» أنا فيه، ولا أستطيع ما [بعد] «12» منها إلا
بالأمناء وأهل النصح منكم
__________
(1) بياض في الأصل.
(2) زيد بعده في الأصل، إن.
(3) في الأصل: فليستعدبني.
(4) في الأصل: هواده.
(5) في الأصل: اقتصر.
(6) زيد لاستقامة العبارة.
(7) في الأصل: بسيل.
(8) في الأصل: أن تفنوا- كذا.
(9) في الأصل: حيث.
(10) زيد من فتوح الشام 1/ 59.
(11) من الفتوح وفي الأصل: ألا.
(12) ليس في الأصل.
(2/459)
للشاهد والغائب، ولست أجعل أمانتي «1» إلى
أحد ليس لها بأهل، ولن أوليه ذلك ولا أجعله إلا من تكون رغبته في أداء
الأمانة والتوقير للمسلمين، أولئك أحق بها ممن سواهم؛ اللهم صلى على محمد
عبدك ورسولك- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولما ورد كتاب أبي بكر الشام على أمراء «2» الأجناد باستخلاف عمر بايعوه
وأطاعوه؛ ثم ساروا إلى فحل «3» من أرض الأردن وقد اجتمع بها الروم
والمسلمون عليهم الأمراء الأربعة وخالد بن الوليد على مقدمة الناس، فلما
نزلت الروم «4» بيسان بثقوا «4» أنهارها وهي أرض سبخة «5» [فكانت] «6» وحلة
فغشيها «7» المسلمون ولم يعلموا بما فعلت الروم، فزلقت فيها خيولهم، ثم
سلمهم الله، والتقوا هم والروم بفحل فاقتتلوا فهربت الروم ودخل المسلمون
فحلا، وانكشفت الروم إلى دمشق، وغنم المسلمون غنائم كثيرة.
وكتب خالد بن الوليد «8» إلى عمر أن الناس قد اجترأوا على الشراب، فاستشار
عمر أصحابه عليا وعثمان والزبير وسعدا فقال علي: إذا شرب سكر، وإذا سكر
افترى، وإذا افترى فعليه «9» ثمانون، فأثبت عمر الحد ثمانين.
ثم كانت وقعة الجسر «10» ، وذلك أن المثنى بن حارثة الشيباني قدم على عمر
__________
(1) في الأصل: أماتي.
(2) في الأصل: أمر.
(3) من الطبري 4/ 55، وفي الأصل: محل.
(4- 4) من الطبري، وفي الأصل: ببيسان نقبوا.
(5) من الطبري، وفي الأصل: سجنه.
(6) زيد من الطبري.
(7) في الأصل: فغيسها- كذا، ومبنى التصحيح على الطبري.
(8) وهذه المكاتبة حسب ما ورد في فتوح الشام 1/ 68 جرت بين أبي عبيدة وعمر
رضي الله عنهما، ولعل هذا راجع إلى طبيعة الاختلاف الذي تعرض له التاريخ
الإسلامي بشأن بعض الأحداث والوقائع.
(9) في الأصل: عليه.
(10) راجع أيضا الكامل 2/ 211 والبداية والنهاية 7/ 26 وتاريخ الإسلام 2/
5.
(2/460)
ابن الخطاب من العراق وقال: يا أمير
المؤمنين! إنا بأرض فارس قد نلنا منهم واجترأنا عليهم ومعي من قومي جماعة،
فابعث معي ناسا من المجاهدين والأنصار يجاهدون في سبيل الله، فقام عمر بن
الخطاب فحمد الله وأثنى عليه ثم دعا الناس إلى الجهاد ورغبهم فيه وقال:
إنكم- أيها الناس- قد أصبحتم في دار غير مقام بالحجاز، وقد وعدكم الله على
لسان نبيه كنوز كسرى وقيصر، فسيروا إلى أرض فارس، فسكت الناس لما ذكرت
فارس، فقام أبو عبيد «1» بن مسعود الثقفي فقال:
يا أمير المؤمنين! أنا «2» أول من انتدب من الناس، حتى اجتمعوا وأجمعوا على
المسير ثم قال: يا أمير المؤمنين! اجتمع الناس، أمر عليهم رجلا من
المهاجرين أو من الأنصار، فقال: لا أومر «3» عليهم إلا أول من انتدب منهم،
فأمر أبا عبيد «4» فقال: إنه لم يمنعني أن أستعمل عليهم سليط بن قيس إلا
أنه رجل فيه عجلة إلى القتال، فأخاف أن يوقع الناس موقعا يهلككم، فاستشره؛
ثم سار أبو عبيد «1» مع المثنى بن حارثة الشيباني والمسلمون معهما حتى
[إذا] «5» انتهى إلى بلاد قومه قام معه ربيعة فسار بهم وسار أبو عبيد «2»
بالناس حتى نزلوا باليمن وفيها مسلحة الأعاجم، فاقتتلوا بها قتالا شديدا،
فانهزمت العجم، ثم بعث أبو عبيد «6» بمن معه من المسلمين فالتقيا، فاقتتلوا
فهزم الجالنوس «7» وأصحابه، ودخل أبو عبيد باروسما «8» حصنا لهم، ونزل هو
وأصحابه فيه.
ثم بعث الأعاجم ذا الحاجب وكان رئيس الأعاجم رستم، فلما بلغ أبا
__________
(1) من الطبري 4/ 61، وفي الأصل: أبو عبيدة.
(2) في الأصل: اجتمع.
(3) من الطبري، وفي الأصل: لا آمر.
(4) في الأصل: أبو عبيدة.
(5) زيد لاستقامة العبارة.
(6) في الأصل: أبو عبيدة، وراجع الطبري 4/ 65 للعثور على تفصيل المبعوثين.
(7) من الطبري، وفي الأصل: جالوس.
(8) من الطبري، وفي الأصل: بارسما.
(2/461)
عبيد «1» مسيرهم إليه انحاز»
بالناس حتى عبر الفرات فنزل في المروحة، وأقبلت الأعاجم حتى نزلت خلف
الفرات، ثم إن أبا عبيد «1» حلف: ليقطعن إليهم الفرات، فناشده سليط بن قيس
وقال: أنشدك الله في المسلمين أن تدخلهم هذا المدخل! فإن العرب تفر وتكر،
فاجعل للناس مجالا، فأبي أبو عبيد «3» وقال:
جبنت والله يا سليط «4» ! قال: والله ما جبنت! ولكن قد أشرت «5» عليك
بالرأي، فاصنع بما بدا لك، فعمد أبو عبيد «3» إلى الجسر الذي عقد له ابن
صلوبا، فعبر عليه المسلمون فلما التقوا شد عليهم الفيل، فلما رأى أبو عبيد
ما يصنع [الفيل] «6» قال:
هل لهذه الدابة من مقتل؟ قالوا: نعم، إذا قطع مشفرها ماتت، فشد على الفيل
فضرب «7» مشفره فبرك عليه الفيل فقتله، وهرب المسلمون منهزمين فسبقهم عبد
الله ابن مرثد الخثعمي إلى الجسر فقطعه، فقال له الناس: لم فعلت هذا؟ قال:
لتقاتلوا «8» عن أميركم.
ولما قتل أبو عبيد «3» أخذ الراية المثنى بن حارثة فانحازوا ورجعت «9»
الفرس، ونزل المثنى بن حارثة أليّس «10» وتفرق الناس فلحقوا بالمدينة، فأول
من قدم المدينة بخبر الناس عبد الله «11» بن حصين الخطمي «12» ، فجزع
المسلمون من
__________
(1) في الأصل: أبا عبيدة.
(2) من الطبري 4/ 68، وفي الأصل: أجاز.
(3) في الأصل: أبو عبيدة.
(4) في الأصل: سليك.
(5) في الأصل: أشرته.
(6) زيد من الطبري 4/ 69.
(7) من الطبري، وفي الأصل: فشد.
(8) في الأصل: قاتلوا، والتصحيح بناء على الطبري.
(9) من الطبري، وفي الأصل: اجتمعت.
(10) من الطبري، وفي الأصل: باللميس- كذا.
(11) زيد في الطبري: بن زيد.
(12) من الطبري، وفي الأصل: الخثعمي.
(2/462)
المهاجرين والأنصار بالفرار، وكان عمر
يقول: لا تجزعوا! أنا فئتكم «1» إنما انحزتم إليّ «1» .
وكان ممن قتل بالجسر: أبو عبيد بن مسعود الثقفي، وابنه جبر «2» بن أبي
عبيد، وأسعد بن سلامة، وسلمة بن أسلم بن حريش، والحارث بن عدي بن مالك،
والحارث بن مسعود بن عبدة «3» ، ومسلم بن أسلم، وخزيمة بن أوس، «4» وأنيس
بن أوس بن عتيك بن عامر «4» وعمر بن أبي اليسر، وسلمة «5» بن قيس، وزيد بن
سراقة بن كعب، والمنذر «6» بن قيس، وضمرة بن غزية «7» بن عمرو، وسهل بن
عتيك، وثعلبة بن عمرو بن محصن؛ وحج بالناس عمر بن الخطاب السنة الرابعة
[عشرة] «8» .
فلما دخلت السنة الرابعة عشرة سار المسلمون إلى دمشق وخالد بن الوليد على
مقدمة الناس، وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال له باهان بدمشق، فعزل عمر
بن الخطاب خالد بن الوليد وأمر أبا عبيدة بن الجراح على جميع الناس، فاستحى
أبو عبيدة أن «9» يقرى خالدا «9» الكتاب وقال: أصبر حتى يفتح الله دمشق،
فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم الروم وتحصنوا، فرابطها المسلمون حتى فتحت
صلحا، وأعطوا الجزية، وكان قد أخذ الأبواب عنوة، وجرى الصلح على
__________
(1- 1) من الطبري، وفي الأصل: إلى جزعتم إلى.
(2) من الطبري، وفي الأصل: جمر.
(3) من الإصابة وتاريخ الإسلام 2/ 7، وفي الأصل: عبيد.
(4- 4) في الأصل: أنيس بن أوس وعتيك بن عامر، وفي تاريخ الإسلام: أوس بن
أوس بن عتيك، وفي الإصابة: أنيس بن عتيك بن عامر- فتحرر الخلاف.
(5) الأصل: سلية- كذا.
(6) من الإصابة، وفي الأصل: المقدر.
(7) من الإصابة، وفي الأصل: عزية.
(8) زيد ولابد منه، وراجع أيضا الطبري 4/ 82 و 152.
(9- 9) في الأصل والطبري 4/ 55: يقرأ خالدا، وفي تاريخ الإسلام نقلا عن
الطبري: يقرأ خالد.
(2/463)
يدي خالد «1» ، وكتب الكتاب باسمه، ولحق
باهان بهرقل، وكان ذلك في رجب، ومدة حصاره دمشق ستة أشهر، فلما فرغ
المسلمون من دمشق أقرأ أبو عبيدة خالدا «2» الكتاب، فانصرف خالد إلى
المدينة، وقد قيل: إن الصلح جرى على يد أبي عبيدة.
ثم خرج عمر على الناس فقال: إني وجدت من عبيد الله ابني ريح شراب وإني سائل
عنه، فإن كان مسكرا جلدته، قال السائب بن يزيد: فشهدته «3» بعد ذلك «3»
يحده، وكان الذي حده عبد الرحمن بن عبد ثم ضرب أبا محجن الثقفي وربيعة بن
أمية بن خلف المخزومي، وحدهم في الخمر.
ثم أمر عمر «4» من كان بالبلدان التي افتتحت أن يصلوا فيها التراويح في شهر
رمضان، وصلى بالناس بالمدينة كذلك.
ثم قدم جرير بن عبد الله البجلي من اليمن على عمر في ركب من بجيلة فقال لهم
عمر: إنكم قد علمتم ما كان من المصيبة في إخوانكم بالعراق، فسيروا إليهم
وأنا أخرج لكم من كان منكم في قبائل العرب، قالوا: نفعل يا أمير المؤمنين،
فأخرج إليهم «5» قيسا وكندة «5» وعرينة، وأمر عليهم جرير بن عبد الله
البجلي، فسار بهم إلى الكوفة، فلما بلغ قريبا من المثنى بن حارثة كتب له
المثنى: أقبل إليّ إنما أنت لي مدد، فكتب إليه جرير: إني لست فاعلا إلا أن
يأمرني بذلك أمير المؤمنين:
أنت أمير وأنا أمير! ثم سار جرير نحو الجسر فلقيه «6» مهران بن باذان «6»
عند النخيلة فاقتتلوا قتالا شديدا، وشد المنذر بن حسان [على مهران] «7»
فطعنه فوقع عن
__________
(1) وراجع في البداية وفي النهاية 7/ 23 اختلاف العلماء في دمشق هل فتحت
صلحا أو عنوة.
(2) في الأصل: خالد.
(3- 3) من فتح الباري- باب الباذق من الأشربة، وفي الأصل: كالفر- كذا.
(4) ألم به في الكامل 2/ 241، وفي مروج الذهب 1/ 426.
(5- 5) وفي الطبري 4/ 77: قيس كبة وسحمة.
(6- 6) من الطبري 4/ 78، وفي الأصل: بحران بن بازان.
(7) زيد من الطبري.
(2/464)
دابته، واقتحم عليه «1» جرير بن عبد الله
فاحتز رأسه، فاشتركا جميعا في سلبه.
ثم إن عمر بن الخطاب أمر سعد بن أبي وقاص على العراق ومعه ستة آلاف رجل،
وكتب إلى المثنى بن حارثة وجرير بن عبد الله أن اجتمعا إلى سعد، فسار سعد
بالمسلمين، وسار المنذر وجرير إليه، حتى نزل سعد «2» بشراف وشتا «2» بها
واجتمع إليه الناس، وتزوج سعد امرأة [المثنى سلمى بنت] «3» حفصة «4» ؛ ثم
حج بالناس عمر بن الخطاب «5» .
فلما دخلت السنة الخامسة»
عشرة كان فيها وقعة اليرموك، وذلك أن الروم سار بهم هرقل حتى نزل أنطاكية
ومعه من المستعربة «7» لخم وجذام «8» وبلقين وبلى وعاملة وغسان، ومن معه من
أهل أرمينية بشر كثير، فأقام بأنطاكية، وسار أبو عبيدة بن الجراح في
المسلمين إليهم في أربعة [و] «9» عشرين ألفا، وكان الروم مائة ألف، فالتقوا
باليرموك «10» فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كانت نساء قريش يضربن بالسيوف،
وكان أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد، فجعل ينادي في المعركة: يا نصر
الله! اقترب «11» ، حتى أنزل الله نصره وهزم الروم، فقتل من الروم
__________
(1) زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في الطبري فحذفناها.
(2- 2) من الطبري، وفي الأصل: بسراف ونبنا- كذا.
(3) زيد بناء على ما ورد في الطبري 4/ 136: ومات المثنى بن حارثة وتزوج سعد
بن أبي وقاص امرأته سلمى.
(4) في الإصابة كما هنا، وفي الطبري: خصفة، وفي البداية والنهاية 7/ 44:
حفص.
(5) راجع الطبري 4/ 152.
(6) في الأصل: خامس.
(7) من الطبري 4/ 136، وفي الأصل: المسعرية- كذا.
(8) من الطبري، وفي الأصل: جزام.
(9) زيد من الطبري.
(10) وهذا في رجب، كما صرح به في الطبري.
(11) راجع لذلك تاريخ الإسلام 2/ 10.
(2/465)
ومن معه من أهل أرمينية والمستعربة سبعون
ألفا، وقتل [الله] «1» «2» الصقلار وباهان «2» رئيسين لهم.
ثم بعث أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم في طلبهم، فسلك الأعماق حتى بلغ
ملطية «3» ، فصالح أهلها على الجزية، فسمع هرقل بذلك فبعث إلى ملطية «4»
فساق «5» من فيها من المقاتلة وأمر بها «6» فأحرقت.
وكان ممن قتل باليرموك من المسلمين: عمرو بن سعيد «7» بن العاص، وأبان ابن
سعيد «7» بن العاص، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد، وسعيد بن الحارث بن
قيس.
ولما حسر عن سعد بن أبي وقاص الشتاء «8» سار بالمسلمين يريد القادسية، وكتب
إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستمده، فبعث [إليه] «9» عمر المغيرة بن
شعبة في أربعمائة رجل مددا «10» لسعد من المدينة، وكتب [إلى] «9» أبي عبيدة
«11» بن الجراح أن أمد «12» سعدا بألف رجل من عندك، ففعل أبو عبيدة ذلك
وأمر عليهم عياض بن غنم الفهري؛ وسمع بذلك رستم فخرج بنفسه مع من عنده «13»
من
__________
(1) زيد من الطبري 4/ 137.
(2- 2) من الطبري، وفي الأصل: السقلان وهامان.
(3) من الطبري وفي الأصل: ملكية.
(4) في الأصل: مليكه.
(5) من الطبري، وفي الأصل: نصاق.
(6) في الأصل: من فيها، والتصحيح بناء على الطبري.
(7) من الطبري، وفي الأصل: سعد.
(8) من الطبري، وفي الأصل: الستا- كذا.
(9) زيد من الطبري 4/ 137.
(10) من الطبري، وفي الأصل: بردا- كذا.
(11) من الطبري، وفي الأصل: أبو عبيدة.
(12) من الطبري، وفي الأصل: أمر.
(13) في الأصل: عمد.
(2/466)
الأعاجم يريد سعدا، وحج عمر بالناس.
فلما كانت السنة السادسة «1» عشرة أراد عمر بن الخطاب أن يكتب التأريخ،
فاستشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم من قال: من النبوة، ومنهم من
قال: من الهجرة، ومنهم من قال: من الوفاة «2» ، فأجمعوا على الهجرة، وكتب
التأريخ لسنة ست عشرة من الهجرة.
فلما وصل إلى سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شعبة سار بالمسلمين إلى رستم حتى
نزل قادس «3» [قرية] «4» إلى جنب العذيب، وأقبل رستم في ستين ألفا من
المجموع ممن أحصى [في] «5» ديوانه سوى التبع والرقيق حتى نزل القادسية [و]
«5» بينهم وبين المسلمين جسر القادسية، وسعد في منزله وجع قد خرج به قرح
شديد، فبعث رستم إلى سعد أن ابعث إليّ رجلا جلدا أكلمه «6» ، فبعث إليه
المغيرة ابن شعبة، ففرق المغيرة رأسه أربع فرق ثم عقص شعره ولبس برديه «7»
، وأقبل حتى انتهى إلى رستم من وراء الجسر مما يلي العراق والمسلمون من
الناحية الأخرى مما يلي الحجاز، فلما دخل عليه المغيرة قال له رستم: إنكم
معشر العرب! كنتم أهل شقاء وجهد وكنتم تأتوننا من بين تاجر وأجير ووافد،
فأكلتم من طعامنا وشربتم من شرابنا واستظللتم بظلالنا فذهبتم فدعوتم
أصحابكم وجئتم تؤذوننا، وإنما مثلكم مثل رجل له حائط «8» من عنب «8» فرأى
فيه أثر ثعلب فقال: وما
__________
(1) في الأصل: السادس.
(2) في الأصل: الوفات، وكتابة التأريخ هذه قد ألم بها في الطبري 4/ 188.
(3) من الطبري 4/ 138، في الأصل: قارس.
(4) زيد من الطبري.
(5) زيد من الطبري.
(6) من الطبري، وفي الأصل: لكلمة.
(7) في الطبري، بردا له.
(8- 8) من الطبري 4/ 138، وفي الأصل: مر فيه- كذا. وراجع أيضا الطبري 4/
110.
(2/467)
بثعلب «1» واحد! فانطلق ذلك الثعلب حتى دعا
الثعالب «2» كلها إلى ذلك الحائط، فلما اجتمعن «3» فيه جاء صاحب الحائط
فرآهن، فسد الجحر الذي دخلن منه ثم قتلهن جميعا، وأنا أعلم إنما حملكم على
هذا- معشر العرب! الجهد الذي أصابكم، فارجعوا عنا عامكم هذا، فإنكم
شغلتمونا عن عمارة بلادنا ونحن نوقر «4» لكم ركائبكم «5» قمحا وتمرا «5»
ونأمر لكم بكسوة فارجعوا عنا، فقال المغيرة بن شعبة: لا يذكر منا جهد إلا
وقد كنا في»
مثله أو أشد»
، أفضلنا في أنفسنا [عيشا] «7» الذي يقتل ابن عمه ويأخذ [ماله] «7» فيأكله،
نأكل الميتة والدم والعظام، فلم نزل على ذلك حتى بعث الله فينا نبينا وأنزل
عليه الكتاب، فدعانا إلى الله وإلى ما بعثه به، فصدقه به منا مصدق وكذبه به
منا مكذب، فقاتل من «8» صدقه من كذبه حتى دخلنا في دينه من بين موقن ومقهور
حتى استبان لنا أنه صادق وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن
نقاتل من خالفنا، وأخبرنا أن من قتل منا على ذلك «9» فله الجنة، ومن عاش
ملك وظهر على من خالفه، ونحن ندعوك إلى أن تؤمن بالله وبرسوله وتدخل في
ديننا، فإن فعلت كانت لك بلادك، ولا يدخل «10» عليك فيها إلا من أحببت،
وعليك الزكاة والخمس، وإن أبيت [ذلك] «7» فالجزية، وإن أبيت ذلك قاتلناك
حتى يحكم الله بيننا وبينك.
قال [له] «7» رستم: ما كنت أظن أن أعيش حتى أسمع هذا منكم معشر
__________
(1) في الطبري: ثعلب.
(2) من الطبري، وفي الأصل: ذلك الثعاليب.
(3) من الطبري، وفي الأصل: اجتمعنا.
(4) من الطبري، وفي الأصل: نوف.
(5- 5) من الطبري، وفي الأصل: فمخا وثمرا.
(6- 6) من الطبري، وفي الأصل: مثلها وأشر- كذا.
(7) زيد من الطبري.
(8) من الطبري، وفي الأصل: عن.
(9) في الطبري 4/ 139: دينه.
(10) من الطبري، وفي الأصل: لا ندخل.
(2/468)
العرب! لا أمسي غدا حتى أفرغ منكم وأقتلكم
كلكم؛ ثم أمر بالمعبر «1» أن يسكر «2» فبات ليلته يسكر بالزرع والقصب
والتراب حتى أصبح وقد تركه جسرا، وعبأ سعد ابن أبي وقاص الجيش، فجعل خالد
بن عرفطة على جماعة الناس، وجعل على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي، وعلى
الميسرة قيس بن مكشوح المرادي، وزحف إليهم رستم وزحف إليه المسلمون، وكان
سعد في الحصن، معه أبو محجن الثقفي محبوس، حبسه سعد في شرب الخمر، فاقتتل
المسلمون قتالا شديدا والخيول تجول، وكان مع سعد أم ولده «3» فقال لها أبو
محجن وسعد في رأس الحصن ينظر إلى الجيش كيف يقاتلون: أطلقيني «4» ولك عهد
الله وميثاقه لئن لم أقتل لأرجعن إليك حتى تجعلي «5» الحديد في رجليّ!
فأطلقته «6» وحملته على فرس لسعد بلقاء وخلت سبيله، فجعل أبو محجن يشد على
العدو ويكر وسعد ينظر فوق الحصن يعرف فرسه وينكره.
وكان عمرو بن معد يكرب مع المسلمين فجعل يحرض الناس على القتال ويقول: يا
معشر المسلمين! كونوا أسودا، إن الفارسي تيس، وكان في الأعلاج رجل [لا
يكاد] «7» يسقط له نشابة فقيل لعمرو بن معد يكرب: يا أبا ثور! اتق ذلك
الفارسي فإنه لا تسقط له نشابه، فقصد نحوه وجاءه الفارسي ورماه بنشابة،
فأصابت ترسه «8» ، وحمل عليه عمرو فاعتنقه «9» وذبحه، فاستلبه سوارين من
ذهب
__________
(1) في الأصل: بالعبور، وفي الطبري: بالعتيق، والمراد منه الجسر العتيق.
(2) يقال: سكر النهر- إذا جعل له سدا.
(3) اسمها زبراء- كما صرح به في الطبري.
(4) من الطبري، وفي الأصل: أطلقني.
(5) من الطبري، وفي الأصل: تجعل.
(6) من الطبري، وفي الأصل: وأطلقته.
(7) زيد من الطبري.
(8) من البداية والنهاية 7/ 45، وفي الأصل: فرسه، وفي الطبري: قوسه.
(9) من الطبري، وفي الأصل: فاعتقه.
(2/469)
ومنطقة من ذهب ويلمقا «1» من ديباج، وحمل
رستم على المسلمين فقصده هلال بن «2» علقمة التميمي «2» ، فرماه رستم
بنشابة فأصاب قدمه فشكها إلى ركاب سرجه، وحمل عليه هلال بن علقمة فضربه
فقتله واحتز «3» رأسه، وولت الفرس واتبعتهم المسلمون يقتلونهم، فلما رأى
أبو محجن الهزيمة رجع إلى القصر وأدخل رجليه في قيده، فلما نزل سعد من رأس
الحصن رأى فرسه قد عرقت «4» فعرف أنها قد ركبت، فسأل أم ولده عن ذلك،
فأخبرته خبر أبي محجن فخلى سبيله؛ ونهض سعد بالمسلمين خلفهم وانتهى الفرس
إلى دير قرة فنزل عليهم سعد بالمسلمين ووافى عياض بن غنم في مدده «5» من
أهل الشام وهم ألف رجل فأسهم «6» له سعد ولأصحابه من المسلمين مما أصابوا
بالقادسية، وكان الناس قد أجبنوا «7» سعدا وقالوا: أجبنت عن محاربة
الأعداء، فاعتذر إلى الناس وأراهم ما به من القروح في فخذيه حتى سكت الناس.
ثم أنهزم الفرس من دير قرة إلى المدائن، وحملوا ما معهم من الذهب والفضة
والحرير والديباج والسلاح وخلوا ما سوى ذلك، فبعث سعد [خالد] «8» بن عرفطة
في طلبهم معه أصحابه، وأردفه بعياض بن غنم في أصحابه، وجعل على مقدمة الناس
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله البجلي، وعلى
ميسرتهم زهرة بن حوية التميمي، وتخلف عنهم بنفسه لما به من الوجع، ثم أفاق
سعد من وجعه وبرىء واتبع الناس بمن معه من المسلمين فأدركهم دون دجلة
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: يلمق؛ واليلمق: القباء.
(2- 2) في الطبري: علفة التيمي، وفي البداية والنهاية 7/ 46 كما في أصلنا.
(3) من الطبري، وفي الأصل: اختر.
(4) في الأصل: عرق، ومبنى التصحيح على الطبري 4/ 139.
(5) من الطبري 4/ 140، وفي الأصل: مرده.
(6) من الطبري، وفي الأصل: فاسهل.
(7) في الأصل: وبنوا- كذا، ويقال: أجبنه: نسبه إلى الجبن.
(8) زيد من الطبري 4/ 141.
(2/470)
على بهرسير «1» ، فطلبوا «2» المخاضة فلم
يهتدوا لها «2» ، فقال علج من أهل المدائن لسعد: أنا أدلكم على مخاضة «3»
تدركونهم قبل أن يمعنوا «4» السير، فخرج بهم على مخاضة، فكان أول من خاض
المخاضة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص [في رجله] «5» ، فلما جاز تبعه خيله «6»
، ثم أجاز عياض بن غنم بخيله، ثم تتابع الناس فخاضوا حتى جاوزوا، ويقال: إن
تلك المخاضة لم تعرف إلى الساعة، فبلغ المسلمون إلى ساباط طويل مظلم، وخشوا
أن يكون فيه كمين للعدو فأخذوا يتجابنون، فكان أول من دخله بجيشه «7» هاشم
بن عتبة بن أبي وقاص، فلما جاز لاح للناس بسيفه فعرفوا أنه ليس فيه شيء
يخافونه «8» ، ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيله، ثم لحق سعد بالناس حتى انتهوا
إلى جلولاء وبها جماعة من الفرس، وكانت بها وقعة جلولاء وهزم الله الفرس
وأصاب المسلمون بها من الغنائم أكثر مما أصابوا بالقادسية.
وكتب سعد إلى عمر بن الخطاب يخبر بفتح الله على المسلمين، فكتب إليه عمر أن
قف مكانك ولا تطلب غير ذلك، فكتب إليه سعد إنما هي سربة «9» أدركناها
والأرض بين أيدينا، فكتب إليه عمر: أقم مكانك ولا تتبعهم، وأعد للمسلمين
دار هجرة ومنزل جهاد، ولا تجعل بيني وبين المسلمين بحرا، فنزل سعد بالأنبار
__________
(1) من الطبري ومعجم البلدان، وفي الأصل: نهر مسرين، وفي البداية والنهاية
7/ 61: نهرشير، وفي الكامل 2/ 250: بهرشير.
(2- 2) من الطبري، وفي الأصل: المخاض فلم يتهبوا له- كذا.
(3) في الطبري: طريق.
(4) من الطبري، وفي الأصل: يمنعوا.
(5) زيد من الطبري 4/ 141.
(6) من الطبري، وفي الأصل: جبلة.
(7) من الطبري، وفي الأصل: بجيشة.
(8) في الأصل: تخافون.
(9) من الطبري، وفي الأصل: سرية.
(2/471)
فاجتووها وأصابهم بها الحمى، فكتب إلى عمر
يخبره بذلك، فكتب إلى سعد أنه لا يصلح العرب «1» إلا حيث يصلح البعير»
والشاء في منابت العشب، فانظر فلاة إلى جنب بحر فأنزل المسلمين «3» بها
واجعلها دار هجرة، فسار سعد حتى نزل بكويفة «4» فلم يوافق الناس الكون بها
من كثرة الذباب والحمى، فبعث سعد عثمان ابن حنيف فارتاد «5» لهم موضع
الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالناس وخط مسجدها، واختط «6» فيها للناس «7»
الخطط وكوّف «8» الكوفة، واستعمل سعد على المدائن رجلا من كندة يقال له «9»
شرحبيل بن السمط «9» .
ثم كتب عمر إلى سعد أن ابعث إلى أرض الهند- يريد البصرة- جندا لينزلوها،
فبعث إليها سعد عتبة بن غزوان «10» في ثمانمائة رجل حتى نزلها، وهو الذي
بصر البصرة واختط المنازل، وبنى مسجد الجامع بالقصب «11» ، وكان فتح البصرة
صلحا. وافتتح عتبة بن غروان الأبلة والفرات وميسان، ومن سبي ميسان والد
الحسن «12» وأرطبان جد ابن عون «13» .
ثم خرج عتبة حاجا، وأمر المغيرة بن شعبة [أن] «14» يصلي بالناس إلى أن
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: للعرب.
(2) من الطبري، وفي الأصل: للبعير.
(3) في الأصل: المسلمون.
(4) في الأصل: بكونيه، ومبني التصحيح على الطبري.
(5) من الطبري 4/ 142، وفي الأصل: فاردتاد- كذا.
(6) في الأصل: اتخذ، وفي الطبري: خط.
(7) من الطبري، وفي الأصل: الناس.
(8) في الأصل: كونه.
(9- 9) من الطبري، وفي الأصل: بسيط بن شرحبيل.
(10) من الطبري 4/ 148، وفي الأصل: غزفان.
(11) من الكامل 2/ 340، وفي الأصل: بقصب.
(12) البصري- كما صرح به في الطبري 4/ 152.
(13) عبد الله بن عون- كما صرح به في الطبري.
(14) زيد من الطبري 4/ 151.
(2/472)
يرجع، فحج ورجع فمات في الطريق قبل أن يصل
إلى البصرة، فأقر عمر المغيرة ابن شعبة على الصلاة، وولد عبد الرحمن بن أبي
بكرة «1» بالبصرة، وهو أول مولود ولد بها.
وخرج عمر بن الخطاب وخلف عثمان بن عفان «2» على المدينة، فلما قدم الشام
نزل بالجابية فقام فيها خطيبا لهم، ثم أراد عمر الرجوع إلى الحجاز فقال له
رجل من اليهود: يا أمير المؤمنين! لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله [عليك]
«3» إيلياء، فبينا عمر كذلك إذ «4» نظر إلى كردوس خيل مقبل، فلما دنوا من
المسلمين سلوا السيوف فقال عمر: هم قوم يستأمنون [فآمنوهم، فأقبلوا] «3»
وإذا هم أهل إيلياء، فصالحوه على الجزية وفتحوها له، وكتب لهم عمر كتاب عهد
بذلك، ورجم بالجابية امرأة أقرت «5» على نفسها بالزنا.
ثم رجع إلى المدينة ودون لهم الديوان، وغرب «6» أبا محجن الثقفي [إلى باضع]
«3» ، وتزوج عمر صفية بنت أبي عبيد على مهر أربعمائة «7» درهم، وحج بالناس
عمر استخلف على المدينة زيد بن ثابت «8» .
فلما دخلت السنة السابعة عشرة «9» كتب عمر إلى البلدان بمواقيت الصلاة،
ووضع ما بين مكة والمدينة مياها للسابلة «10» ، واتخذ دارا بالمدينة وجعل
فيها
__________
(1) من الكامل 2/ 240، وفي الأصل: أبي بكر.
(2) وفي الطبري 4/ 159 أنه خلف عليا.
(3) زيد من الطبري 4/ 158.
(4) من الطبري، وفي الأصل: إذا.
(5) في الأصل: قرت.
(6) من الطبري 4/ 188، وفي الأصل: غرف.
(7) في الأصل: أربعة مائة، ولم يرد في الطبري ذكر المهر.
(8) من الطبري وفي الأصل: أبي ثابت.
(9) زيد بعده في الأصل: السابعة عشر سنة، فحذفنا هذه الزيادة لكونها
تكرارا.
(10) في الأصل: السائلة، والسابلة: الطريق المسلوكة.
(2/473)
الدقيق والسويق للمنقطع والضيف إذا نزل.
وولى عمر المغيرة على البصرة فسار «1» المغيرة إلى الأهواز فصالحوه على
ألفي ألف درهم وثمانمائة ألف درهم، ثم ارتدوا، فغزاهم «2» بعد ذلك أبو موسى
الأشعري إلى أن افتتحها، يقال: عنوة، وقد قيل: صلحا.
وبعث أبو عبيدة بن الجراح عمرو بن العاص إلى قنسرين «3» فصالح أهل حلب
ومنبج «4» وأنطاكية، وافتتح سائر أرض قيصر «5» عنوة، ويقال: إن في هذه
السنة افتتح أبو موسى الأشعري الرهاء وسميساط صلحا.
ثم أراد عمر الخروج إلى الشام فخرج حتى [إذا] «6» بلغ سرغ «7» لقيه أمراء
الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة،
وأخبروه أن الأرض وبية، فقال عمر لابن عباس: اجمع [إليّ] «7» المهاجرين
الأولين، فجمعهم له واستشارهم، فاختلفوا عليه، فمنهم القائل: خرجت لوجه
تريد فيه الله والدار الآخرة، ولا نرى أن «8» نصدك عنه «8» ، ومنهم من
يقول: لا نرى أن تقدم عليه وتقدم الناس، فلما اختلفوا عليه قال: قوموا
[عني] «9» . ثم جمع الأنصار واستشارهم فسلكوا طريق المهاجرين فلما اختلفوا
عليه قال: قوموا [عني] 1»
، ثم جمع مهاجرة الفتح فاستشارهم فلم يختلف عليهم منهم اثنان، قالوا
__________
(1) في الأصل: فصار، ومبنى التصحيح على تاريخ الإسلام 3/ 17.
(2) في الأصل: فعزلهم، ومبنى التصحيح على تاريخ الإسلام.
(3) من تاريخ الإسلام 2/ 20، وفي الأصل: قيصر.
(4) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: منيح.
(5) في تاريخ الإسلام: قنسرين.
(6) زيد من الطبري 4/ 199.
(7) من الطبري، في الأصل: صريخ- كذا.
(8- 8) في الطبري: يصدك عنه بلاء.
(9) زيد من الطبري 4/ 200.
(10) في الأصل: فصرفوا، ومبنى التصحيح على الطبري.
(2/474)
جميعا: ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء، فقال
عمر لابن عباس: أخبر الناس أن أمير المؤمنين يقول: إني مصبح على ظهر
فاصبحوا عليه، فأصبح عمر على ظهر وأصبح الناس عليه فقال: أيها الناس! إني
راجع فارجعوا، فقال [له أبو] «1» عبيدة بن الجراح: يا أمير المؤمنين!
أفرارا من قدر الله؟ قال: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، لو غيرك
قالها يا أبا عبيدة! أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدوتان: إحداهما خصبة،
والأخرى جدبة. أليس يرعى من يرعى الجدبة بقدر الله، ويرعى من يرعى الخصبة
بقدر الله؟ ثم خلا به بناحية دون الناس، فبينا الناس على ذلك إذ لحقهم عبد
الرحمن بن عوف وكان متخلفا ولم يشهد معهم يومهم الأمس فقال: ما شأن الناس؟
فأخبره الخبر فقال: عندي من هذا علم، فقال عمر: ما عندك؟ فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا
تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه» [لا يخرجنكم إلا
ذلك] «1» ، فقال عمر؛ فلله الحمد فانصرفوا أيها الناس! فانصرف بهم. ورجع
أمراء الأجناد إلى أعمالهم.
ثم اعتمر عمر في رجب، وأمر بتوسيع المسجد وتجديد أنصاب الحرم «2» ، وتزوج
بمكة بنت حفص بن المغيرة فأخبر أنها عاقر فطلقها قبل أن يدخل بها، وأقام
بمكة عشرين ليلة ورجع إلى المدينة.
وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع فصالحه أهل بعلبك «3» ،
ثم خرج أبو عبيدة يريد حمص، وقدم خالدا «4» أمامه فقاتلوا قتالا شديدا، ثم
هزمت الروم حتى دخلوا مدينتهم فحاصرهم «5» المسلمون، فسألوه
__________
(1) زيد من الطبري 4/ 200.
(2) راجع أيضا الطبري 4/ 206 والكامل 2/ 264.
(3) راجع أيضا فتوح الشام 1/ 68 وما بعده.
(4) في الأصل: خالد.
(5) في الأصل: فحاصروهم.
(2/475)
الصلح عن أموالهم وأنفسهم وكنائسهم، فصالح
المسلمون حمص «1» على مائة ألف دينار وسبعين ألف دينار، وأخذ سائر مدائن
حمص عنوة.
وبعد موت عتبة بن غزوان وإلي البصرة أمر عمر على البصرة «2» أبا موسى
الأشعري، وكان المغيرة على الصلاة بها «3» ، فشهد أبو بكرة وشبل بن معبد
البجلي ونافع بن كلدة «4» وزياد على المغيرة بما شهدوا. فبعث عمر إلى أبي
موسى الأشعري أن أشخص إليّ المغيرة، ففعل ذلك أبو موسى.
ثم تزوج عمر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وهي من فاطمة، ودخل بها في شهر
ذي القعدة، ثم حج واستخلف على المدينة زيد بن ثابت «5» .
فلما دخلت السنة «6» الثامنة عشرة أصاب الناس مجاعة شديدة، فاستسقى لهم عمر
وأخذ بيد العباس وقال: اللهم إنا نستسقي بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فما زال العباس قائما إلى جنبه وعيناه تهملان وعمر يلح في الدعاء حتى سقوا؛
فسمى هذه السنة سنة الرمادة «7» ، وأجرى عمر الأقوات على المسلمين، وكان
يرزق «8» الضعفاء القوت، ونهى عن الحكرة حاطبا وغيره.
وكان طاعون عمواس فتفانى «9» الناس فيه، فكتب عمر إلى أبي عبيدة: إنك أنزلت
الناس أرضا عميقة «10» فارفعهم إلى أرض مرتفعة، فسار أبو عبيدة بالناس
__________
(1) في الأصل: حمصا.
(2) زيدت الواو بعده في الأصل فحذفناها لاستقامة العبارة.
(3) راجع الطبري 4/ 151 و 206.
(4) من الطبري 4/ 206 والكامل 2/ 266، وفي الأصل: عتبة.
(5) راجع لكل ذلك الطبري 4/ 206.
(6) في الأصل: الثامن.
(7) راجع الطبري 4/ 222 والكامل 2/ 273.
(8) في الأصل: يزق.
(9) من الطبري 4/ 201، وفي الأصل: فتفان.
(10) من الطبري، وفي الأصل: عمقة.
(2/476)
حتى نزل بالجابية، ثم «1» قام أبو عبيدة
خطيبا فقال: أيها الناس! إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين
قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه، فمات من يومه، واستخلف
على الناس معاذ بن جبل، فقام معاذ خطيبا بعده فقال: أيها الناس! إن هذا
الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، إن معاذا يسأل الله أن
يقسم له حظه ثم لأهل بيته، فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ فمات، ثم طعن معاذ
في راحته فكان يقبل ظهر كفه وكان يقول: ما أحب أن لي بما فيك من الدنيا
شيئا، ثم مات، واستخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام فيهم خطيبا فقال:
أيها الناس! إن هذا الوجع إذا وقع يشتعل «2» [اشتعال] «3» النار فارتفعوا
عنه في الجبال.
فمات في طاعون عمواس: يزيد بن أبي سفيان، والحارث بن هشام بن المغيرة،
وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل.
فلما بلغ عمر بن الخطاب موت أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان أمّر
معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها، وأمر شرحبيل بن حسنة على جند
الأردن وخراجها «4» ، وغرّب عمر بن ربيعة بن أمية إلى خيبر، ولحق بأرض
الروم وتنصّر، فلم يغرب عمر بعد ذلك رجلا في شيء من عمله.
ولا عن عمر بين رجل وامرأته ورجم ساحرا بالبقيع، ثم حج عمر بالناس، فلما
تقدم بمكة أخر المقام مقام إبراهيم- وكان ملصقا بالبيت- في موضعه الذي هو
فيه اليوم، ورجع إلى المدينة.
فلما دخلت السنة التاسعة «5» عشرة كتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص أن
__________
(1) راجع أيضا الطبري 4/ 202.
(2) من الطبري 4/ 202، وفي الأصل: يشقل.
(3) زيد من الطبري.
(4) راجع الطبري 4/ 202.
(5) في الأصل: التاسع.
(2/477)
ابعث من عندك «1» جندا إلى الجزيرة، وأمر
عليهم أحد الثلاثة «2» : خالد بن عرفطة، أو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، أو
عياض بن غنم؛ فلما قرأ سعد الكتاب قال: لم يؤخر أمير المؤمنين عياض بن غنم
آخر الثلاثة إلا أن له فيه هوى، فولاه جيشا وبعث معه عمر بن سعد وعثمان بن
أبي العاص، فخرج عياض بن غنم إلى الجزيرة ونزل بجنده على الرهاء وصالح
أهلها على الجزيرة، وصالحت حرّان حين صالحه الرهاء، ووجه عياض عمر بن سعد
إلى رأس العين وسار بنفسه في بقية الناس إلى دارا ونصيبين فنزل عليهما «3»
حتى افتتحهما «4» ، ثم افتتح الموصل، صالحه عليها أهلها.
وزاد عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد فيه من ناحية دار
مروان وأدخل فيه دار العباس، وسوى أعمدته وسقفه.
وبعث سعد «5» جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان فافتتحها عنوة، وافتتح
هاشم بن عتبة ماسبذان «6» عنوة. وفي هذه السنة فتح أبو موسى جنديسابور
والسوس صلحا «7» ، ثم أمر عمر أبا موسى بجرير بن عبد [الله] «8» فافتتحوا
رامهرمز صلحا، ثم سار أبو موسى إلى التستر حتى فتحها، وافتتح قم وقاشان «9»
. ثم افتتح معاوية بن أبي سفيان قيسارية والرملة وما بينهما، فأقره عمر
«10» عليهما. وحج «10»
__________
(1) من الطبري 4/ 196، وفي الأصل: جندك.
(2) زيد بعده في الأصل: عمرو، ولم تكن الزيادة في الطبري فحذفناها.
(3) في الأصل: عليها.
(4) في الأصل: افتتحها، وفي الطبري 4/ 197 صراحة بأن الأخير كان افتتح على
يد أبي موسى الأشعري.
(5) زيد بعده في الأصل: ابن، ولم تكن في تاريخ الإسلام 2/ 22 فحذفناها.
(6) في الأصل: ما سيدان، وراجع الطبري 4/ 187.
(7) راجع تاريخ الإسلام 2/ 22.
(8) زيد ولا بد منه.
(9) من معجم البلدان، وفي الأصل: قشان.
(10- 10) في الأصل: عليها واحج.
(2/478)
بالناس عمر. وفي هذه السنة افتتحت تكريت.
فلما دخلت سنة عشرين رجفت المدينة بالزلزلة. وشكى أهل الكوفة سعدا وزعموا
أنه لا يحسن يصلي «1» ، فاستقدمه عمر وسأله فقال: إني أركن»
في الأوليين «3» وأحذف في الآخرتين، فقال: كذلك الظن فيك يا أبا إسحاق. ثم
عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين، [و] «4» دخل أبو بحرية «5» الكندي عبد
الله بن قيس بلاد الروم وأغار، وهو أول من [دخلها] «6» . [و] «4» افتتح مصر
[و] «4» الإسكندرية عمرو بن العاص عنوة- وقد فتحت سنة إحدى وعشرين- وغنم
بها غنائم كثيرة ثم رجع، فلما بلغ بلهيب «7» قرية من قرى الريف «8» أرسل
صاحب الإسكندرية إلى عمرو بن العاص أني قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض
إليّ منكم: فارس والروم، فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد عليّ من
السبي فعلت، فبعث إليه عمرو بن العاص أن من ورائي أميرا «9» لا أستطيع أن
أنفذ أمرا دونه، فإن شئت «10» أن أمسك «10» عنك وتمسك «11» عني حتى أكتب
إليه بالذي عرضت عليّ فعلت، فإن قبل ذلك قبلته، وإن أمرني بغير ذلك مضيت
لأمره، فقال: نعم، فكتب عمرو إلى عمر، فكتب إليه عمر: أما بعد «12» فقد
جاءني كتابك
__________
(1) راجع الطبري 4/ 231.
(2) في تاريخ الإسلام 2/ 283: أركد.
(3) في الأصل: الأولتين، والتصحيح من تاريخ الإسلام.
(4) زيد لاستقامة العبارة.
(5) من الطبري 4/ 231، وفي الأصل: أبو عربة- كذا.
(6) زيد من الطبري.
(7) من الطبري 4/ 226، وفي الأصل: بلهيت.
(8) من الطبري، وفي الأصل: الريق.
(9) من الطبري، وفي الأصل: أمير.
(10- 10) من الطبري، وفي الأصل: امسكت.
(11) من الطبري، وفي الأصل: امسكت.
(12) من الطبري 4/ 227، وفي الأصل: هذا.
(2/479)
تذكر فيه أن صاحب الإسكندرية عرض عليك
الجزية على أن ترد عليه ما أصبت من سبي أرضه، ولعمري لجزية قائمة [تكون]
«1» لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إليّ من فيء يقسم [ثم] «1» كأنه لم
يكن، فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك الجزية على أن تخيروا «2» من في
أيديكم من سبيهم بين الإسلام وبين [دين] «1» قومهم، فمن اختار الإسلام فهو
من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن اختار دين قومه وضع عليه من
الجزية ما يوضع على أهل دينه، وأما من تفرق من سبيهم فبلغ المدينة ومكة
واليمن فأنا لا نقدر على ردهم، فلا نحب أن نصالحهم على ما لا نفي به؛ فبعث
عمرو بن العاص إلى صاحب الإسكندرية يعلمه بالذي كتب أمير المؤمنين، فقال:
قد قبلت، فجمعوا ما بأيديهم من السبي، واجتمعت النصارى، فكانوا يخيرون
الرجل بين الإسلام والنصرانية، فإن اختار الإسلام كبر المسلمون وانحاز
إليهم، وإن اختار النصرانية نخرت «3» النصارى ثم حازوه «4» إليهم؛ ووضعوا
عليه الجزية.
ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر: أما بعد يا أمير المؤمنين! فإنا قدرنا على
البحر وإن شئت «5» أن تركبه ركبت، فكتب إليه عمر أن صف لي كيف حاله وحال من
ركبه، فكتب إليه عمرو بن العاص أنه خلق شديد؛ يحل فيه خلق ضعيف، دود على
عود، إن استمسك به فزع «6» وإن خر غرق، فكتب إلى عمرو بن العاص: ما كان
الله ليسألني عن أمري من المسلمين [الذين] حملتهم «7» فيه، لا حاجة لنا به
«8» .
__________
(1) زيد من الطبري.
(2) من الطبري، وفي الأصل: يخيروا.
(3) من الطبري، وفي الأصل: فخرت- كذا.
(4) من الطبري، وفي الأصل: جاوزه.
(5) في الأصل: شيئا كذا.
(6) في الأصل: فزعوا.
(7) في الأصل: حملته.
(8) وراجع أيضا طبقات ابن سعد 3/ 1/ 204.
(2/480)
وتوفي بلال بن رباح «1» مؤذن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بدمشق ودفن في المقبرة عند باب الصغير؛ ثم أخرج عمر يهود
الحجاز من نجران إلى الكوفة وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لئن
عشت لأخرجن اليهود من جزيرة العرب» ؛ ثم قال لهم: من كان [له] «2» منكم عهد
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت بعهده حتى ننفذه، ومن لم يكن له عهد
فإني أجليه «3» ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقركم ما أقركم الله»
، وقد أذن الله بإجلائكم إلا أن يأتي رجل منكم بعهد أو بينة من النبي صلى
الله عليه وسلم أنه أقره فأقره، وقد فعلتم «4» بمظهر ابن رافع الحارثي ما
فعلتم؛ وذلك أن مظهر بن رافع خرج بأعلاج له من الشام حتى إذا كان بخيبر دخل
قوم من اليهود وأعطوا غلمانه السلاح وحرضوهم «5» على قتله فقتلوه، فأجلى
عمر اليهود من الحجاز، وقسم خيبر على ثمانية عشر سهما. ثم بعث إلى فدك أبا
حبيبة «6» الحارثي ومضى إلى وادي القرى، وأنفذ ظعن خيبر [و] «2» وادي القرى
على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها إلا أنه فرقها، وصارت في
أيدي أهلها تباع وتورث؛ بدأ «7» بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففرض لكل
امرأة منهن اثني عشر ألفا، وفرض لأهل بدر صبيهم وحليفهم ومولاهم خمسة آلاف
«8» خمسة آلاف، «8» ، وفرض للأنصار صبيهم وحليفهم ومولاهم أربعة آلاف أربعة
آلاف.
ثم مات أسيد بن حضير في شعبان ودفن بالبقيع «9» .
__________
(1) راجع أيضا تاريخ الإسلام 2/ 31.
(2) زيد لاستقامة العبارة.
(3) في الأصل: يحمله- كذا.
(4) وراجع أيضا لهذا الحادث الاستيعاب 1/ 300.
(5) في الأصل: حرصوهم، ومبني التصحيح على الاستيعاب.
(6) من الطبري 4/ 231، وفي الأصل: أبا حممة- كذا.
(7) في الأصل: يدا، ومبني التصحيح على كتاب الأموال 223، وراجع أيضا الطبري
4/ 162 والكامل 2/ 247.
(8) من كتاب الأموال 225، وفي الأصل: ألف.
(9) راجع البداية والنهاية 7/ 101.
(2/481)
ومات هرقل ملك الروم وأقعد مكانه قسطنطين
«1» ؛ ثم أغارت الحبشة على أهل بلجة فأصابوهم، وقدم الصريخ على عمر فبعث
علقمة بن مجزز «2» المدلجي في عشرين مركبا إلى الحبشة فأغاروا عليهم؛ ولم
يحمل بعدها مسلما في البحر.
ثم عزل عمر أبا موسى عن البصرة وولاها عثمان بن أبي العاص وأمرهما أن
يطاوعا «3» ، فنزل عثمان توج «4» ومصرها، وبعث سوار بن همام»
العبدي إلى سابور فقتل «6» بعقبة الطين «7» .
ثم ماتت «8» زينب بنت جحش زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر: من
يغسلها؟
فقالت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: نحن نغسلها، فغسلنها، وصلى عليها
عمر وكبر أربعا، فلما أتى بسريرها أمر عمر بثوب فمد على قبرها، وأمر أسامة
بن زيد وابن أخيها محمد بن «9» عبد الله «9» بن جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد
الله فدخلوا قبرها ولحدوا لها، وقام عمر «10» على قبرها حتى سوى عليها، ورش
على قبرها الماء ثم انصرف. وحج عمر بالناس.
فلما دخلت السنة الحادية «11» والعشرون مات خالد بن الوليد بحمص وأوصى إلى
عمر بن الخطاب «12» .
__________
(1) راجع الكامل 2/ 280.
(2) من الطبري 4/ 231، وفي الأصل: مجرز.
(3) راجع أيضا تاريخ الإسلام 2/ 40.
(4) من تاريخ الإسلام 2/ 39، وفي الأصل: نوح.
(5) في تاريخ الإسلام: المثنى.
(6) في الأصل: فقيل.
(7) موضع بفارس.
(8) وراجع لتفصيل ذلك طبقات ابن سعد 8/ 78- 81.
(9- 9) من الطبقات، وفي الأصل: عبد.
(10) زيد بعده في الأصل: قائم، ولم تكن الزيادة منسجمة مع السياق فحذفناها.
(11) في الأصل: الحادي.
(12) راجع أيضا تاريخ الإسلام 2/ 42.
(2/482)
ثم كان فتح نهاوند [و] «1» أميرها النعمان
بن مقرن، وذلك أن أهل الري وأصبهان وهمذان «2» ونهاوند تعاقدوا وتعاهدوا
وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- نبي العرب الذي أقام لها دينها-
مات، وإن ملكهم من بعده ملك «3» يسيرا- يعني أبا بكر- ثم هلك، وإن عمر قد
طال ملكه ومكثه وتأخر أمره حتى جيش إليكم الجيوش في بلادكم، وليس بمنقطع
عنكم حتى تسيروا إليهم في بلادهم فتقتلوهم. فلما بلغ الخبر أهل الكوفة من
المسلمين كتبوا إلى عمر، فلما أخذ عمر الصحيفة مشى بها إلى منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو باك وجعل ينادي: أين المسلمون «4» ! أين المهاجرون
«5» والأنصار! من ههنا من المسلمين! فلم يزل ينادي حتى امتلأ عليه المسجد
رجالا؛ ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس!
فإن الشيطان قد جمع لكم جموعا كثيرة وأقبل بها عليكم، ألا! وإن أهل الريّ
وأصبهان وأهل همذان «6» وأهل نهاوند أمم مختلفة ألوانها وأديانها، ألا!
وإنهم تعاقدوا وتعاهدوا على أن يسيروا إليكم فيقتلوكم «7» ، ألا! وإن هذا
يوم له ما بعده من الأيام، ألا! فأشيروا عليّ برأيكم؛ فقام طلحة بن عبيد
الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين! فقد حنكتك
البلايا و «8» عجمتك التجارب «8» ، وقد ابتليت يا أمير المؤمنين واختبرت،
فلم ينكشف «9» شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن «10»
__________
(1) زيد لاستقامة العبارة.
(2) من تاريخ الإسلام 2/ 39، وفي الأصل: همزان.
(3) في الأصل: ملكا، وقد ورد هذا الكلام في البداية والنهاية 7/ 106 بسياق
مختلف عما هنا.
(4) في الأصل: المسلمين.
(5) في الأصل: المهاجرين.
(6) في الأصل همزان.
(7) في الأصل: فيقتلونكم.
(8- 8) في الأصل: أعجبتك البخارات، وراجع أيضا الطبري 4/ 238.
(9) من الطبري، وفي الأصل: فلم تنكشف.
(10) من الطبري، وفي الأصل: إن.
(2/483)
خيار، وأنت يا أمير المؤمنين ميمون النقيبة
«1» مبارك الأمر، «2» فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا «2» نركب، فأثنى عمر
على طلحة خيرا ثم جلس، فقام عثمان ابن عفان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا أمير المؤمنين! إني أرى أن تكتب إلى أهل الشام فيسيرون إليك من شامهم
«3» ، وتكتب إلى أهل اليمن فيسيرون من يمنهم، وتسير أنت بمن معك من [أهل]
«4» هذين الحرمين إلى هذين المصرين، فإنك لو فعلت ذلك كنت أنت الأعز
الأكبر، وإن هذا يوم له «5» ما بعده من الأيام، وأثنى عليه عمر فجلس؛ فقام
علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين!
فإنك إن تكتب إلى أهل الشام أن يسيروا إليك من شامهم إذا تسير الروم إلى
ذراريهم «6» فتسبيهم «7» ، وإن تكتب إلى أهل اليمن [أن] «8» يسيروا إليك من
يمنهم إذا تسير الحبشة إلى ذراريهم فتسبيهم، وإن سرت أنت بمن معك من [أهل]
«8» هذين الحرمين إلى هذين المصرين إذا والله انتقضت «9» عليك الأرض من
أقطارها وأكنافها، وكان والله يا أمير المؤمنين من تخلف وراءك من العورات
والعيالات أهم إليك مما «10» بين يديك من العجم، والله يا أمير المؤمنين!
لو أن العجم نظروا إليك عيانا إذا لقالوا: هذا عمر، هذا إريس «11» العرب
[و] «8» كان والله أشد لحربهم وجرأتهم عليك، وأما ما كرهت «12» من مسير
هؤلاء القوم فإن
__________
(1) من كتاب الفتوح 2/ 35، وفي الأصل: التقية.
(2- 2) من الطبري، وفي الأصل: قرنا.. عنا تحت تحملنا- كذا.
(3) من الطبري، وفي الأصل: بشامهم.
(4) زيد من الطبري.
(5) من الطبري، وموضعه في الأصل بياض.
(6) من الطبري، وفي الأصل: ديارهم.
(7) في الأصل: فتبسم.
(8) زيد لاستقامة العبارة.
(9) من الطبري، وفي الأصل: تعصب.
(10) من الطبري، وفي الأصل: ما.
(11) في الأصل: أرايس، وفي الأصل: أمير؛ وفي لسان العرب: الإرّيس: الأمير.
(12) في الطبري والكامل: ذكرت.
(2/484)
الله أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير
ما كره، وأما ما ذكرت من كثرتهم فإنا كنا ما نقاتل مع نبينا بالكثرة ولكنا
نقاتل معه بالنصرة من السماء، وأنا أرى يا أمير المؤمنين «1» رأيا من تلقاء
نفسي، رأيي أن تكتب إلى أهل البصرة فيفترقوا على ثلاث فرق: فرقة تقيم في
أهل عهودهم بأن لا ينتقضوا عليهم، وفرقة «2» تقيم من ورائهم في ذراريهم،
وفرقة تسير إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم، فطبق»
عمر ثم أهلّ مكبرا يقول: الله أكبر الله أكبر! هذا رأي هذا رأي! كنت أحب أن
أتابع صدق ابن أبي طالب، لو خرجت بنفسي لنقضت عليّ الأرض من أقطارها، ولو
أن العجم نظروا إليّ عيانا «4» ما زالوا عن العرص «4» حتى يقتلوني أو
أقتلهم، «5» أشر عليّ يا «5» علي بن أبي طالب برجل أولّيه هذا الأمر! قال:
مالي ولهم! هم أهل العراق وفدوا عليك ورأوك ورأيتهم وتوسمتهم وأنت أعلمنا
«6» بهم، قال عمر: إن شاء الله لأولين الراية غدا رجلا يكون لأول أسنة
يلقاها، وهو «7» النعمان بن مقرن المزني، ثم دعا عمر السائب بن الأقرع
الكندي فقال: يا سائب! أنت حفيظ على الغنائم بأن تقاسمها، فإن الله أغنم
هذا الجيش شيئا فلا تمنعوا أحدا حقا هو له، ثكلتك أمك يا سائب! وإن هذا
الجيش هلك فاذهب عني في عرض الأرض فلا أنظر إليك بواحدة، فإنك تجيئني بذكر
«8» هذا الجيش كلما رأيتك.
ثم كتب إلى أهل الكوفة: سلام عليكم، أما بعد فقد استعملت عليكم النعمان بن
مقرن المزني، فإن قتل النعمان فعليكم حذيفة بن اليمان العبسي، فإن
__________
(1) في الأصل: المسلمين.
(2) من الطبري، وفي الأصل: فرقتم.
(3) تكرر في الأصل.
(4- 4) في الأصل: ما راموا العرص، وفي الطبري: لا يفارقن العرصة.
(5- 5) ما بين الرقمين في الأصل بياض.
(6) في الأصل: أعلمهم.
(7) في الأصل: هم.
(8) في الأصل: ذكر.
(2/485)
قتل حذيفة فعليكم عبد الله بن قيس الأشعري
أبو موسى، فإن قتل أبو موسى فعليكم جرير بن عبد الله البجلي، فإن قتل جرير
فعليكم المغيرة بن شعبة الثقفي، فإن قتل المغيرة فعليكم الأشعث بن قيس
الكندي.
ثم كتب عمر إلى النعمان بن مقرن: فإن في جندك رجلين: «1» عمرو بن «1» معد
يكرب المدحجي، وطليحة بن خويلد الأسدي؛ فأحضرهما «2» وشاورهما في الحرب،
وإياك أن توليهما عملا فإن كل صانع أعلم بصناعته.
فلما ورد عليه الكتاب سار بالناس، فالتقى المسلمون والمشركون بنهاوند،
فأقبل المشركون يحمون أنفسهم وخيولهم ثلاثا، ثم نهض إليهم المسلمون يوم
الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى وفشت الجرحى والصرعى في
الفريقين جميعا، ثم حجز بينهما الليل ورجع الفريقان إلى عسكريهما، وبات
المسلمون ولهم أنين [من] «3» الجراحات، يعصبون بالخرق «4» ويبكون حول
مصاحفهم؛ وبات المشركون في «5» معازفهم وخمورهم.
ثم غدوا يوم الخميس فاقتتل المشركون وقاتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى
وفشت الجرحى في الفريقين جميعا، ثم حجز بينهما الليل ورجع الفريقان «6» إلى
عسكريهما، وبات المسلمون لهم أنين من الجراحات يعصبون بالخرق «7» ويبكون
حول مصاحفهم، وبات المشركون في معازفهم وخمورهم.
ثم غدا النعمان بن مقرن يوم الجمعة- وكان رجلا قصيرا أبيض- على
__________
(1- 1) تكرر ما بين الرقمين في الأصل، وراجع الإصابة والأخبار الطوال 135.
(2) زيد بعده في الأصل: الناس، ولم تكن الزيادة في الإصابة فحذفناها.
(3) زيد من الأخبار الطوال 136.
(4) في الفتوح 2/ 46: بالزيت والحراق.
(5) في الأصل «و» والتصحيح بناء على ما سيتقدم.
(6) في الأصل: الفريقين.
(7) في الأصل: بالخرق.
(2/486)
برذون «1» أبيض قد أعلم بالبياض، فجعل يأتي
راية راية يحرضهم على القتال ويقول: الله الله في الإسلام أن تخذلوه، فإنكم
باب بين المسلمين وبين المشركين، فإن كسر هذا الباب دخلوا على المسلمين «2»
، يا أيها الناس! إني هازّ لكم الراية مرة فليتعاهد الرجل الخيل في حزمها
«3» وأعنتها، ألا! وإني هازّ لكم الثانية فلينظر كل رجل منكم إلى موقف فرسه
ومضرب رمحه ووجه مقاتله، ألا! وإني هازّ لكم الثالثة ومكبر، فكبروا الله
واذكروه، ومستنصر فاستنصروه «4» ، ألا! فحامل «5» فاحملوا؛ فقال رجل: قد
سمعنا مقالتك وحفظنا وصيتك فأخبرنا بأيّ النهار يكون ذلك يكون ذلك حتى
يكونوا على آلة وعدة، قال النعمان: ليس يمنعني أن يكون ذلك من أول النهار
إلا شيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان إذا غزا فلم «6» يقاتل أول النهار لم «7» يعجل بالقتال حتى تزول
الشمس وتهب الرياح ويطيب القتال وتحضر «8» الصلاة، وينزل النصر من السماء
مع مواقيت الصلاة في الأرض «9» ؛ فمكث المسلمون ينظرون إلى الراية
ويراعونها حتى إذا زالت الشمس عن كبد السماء هزّ النعمان الراية هزة،
فانتزعوا المخالي عن الخيول وقرّطوها الأعنة، وأخذوا أسيافهم بأيمانهم
والأترسة بشمائلهم، وصلى كل رجل منهم ركعتين يبادر بهما؛ ثم هز النعمان
الراية ثانيا، فوضع كل رجل منهم رمحه بين أذني فرسه، ولزمت الرجال منهم
نحور الخيل، «10» وجعل كل رجل «10»
__________
(1) في الأصل: أبردون، والتصحيح بناء على الأخبار الطوال.
(2) راجع أيضا كتاب الفتوح 2/ 47.
(3) في الأصل: جرم، والتصحيح بناء على الأخبار الطوال.
(4) في الأصل: فانتصروه.
(5) في الأصل: فحاحل- كذا.
(6) من الطبري 4/ 234، وفي الأصل: قام.
(7) من الطبري، وفي الأصل: ثم.
(8) في الأصل: تحضروا، وراجع كتاب الفتوح 3/ 48 أيضا.
(9) والسياق من ههنا يقارب ما في الفتوح 2/ 49.
(10- 10) ما بين الرقمين بياض في الأصل.
(2/487)
يقول لصاحبه: أي فلان! تنح عني، لأوطئك
بفرسي، إني أرى وجه مقاتلي، إني غير راجع إن شاء الله حتى أقتل أو يفتح
الله عليّ؛ ثم هز الثالثة فكبر، فجعل الناس يكبرون الأول فالأول الأدنى
فالأدنى، وقذف الله الرعب في قلوب المشركين حتى أن أرجلهم كانت تخفق في
الركب، فلم يستطع منهم أحد أن يوتر قوسه، ثم ولوا مدبرين؛ وحمل النعمان
وحمل الناس فكان النعمان أول قتيل قتل من المسلمين، جاءه سهم فقتله، فجاء
أخوه معقل بن مقرن فغطى عليه بردا له «1» ، ثم أخذ الراية وإنها لتنضح دما
من دماء من قتله «2» بها النعمان قبل أن يقتل، فهزم الله المشركين وفتح على
المسلمين، وبايع الناس لحذيفة بن اليمان، فجمع السائب بن الأقرع الغنائم
كأنها الآكام، فجاءه دهقان من دهاقينهم «3» فقال: هل لك أن تؤمنني على دمي
ودم أهل بيتي ودم كل ذي رحم لي وأدلك على كنز عظيم؟
[قال: نعم] «4» ، قال: خذوا «5» المكاتل والمعاول فامشوا، فمشوا معه حتى
انتهى إلى مكان، قال: احفروا، فحفروا فإذا هم بصخرة، قال: اقلعوها، فقلعوا
فإذا هم بسفطين [من] «6» فصوص يضيء «7» ضوءها كأنها شهب تتلألأ، فأعطى
السائب كل ذي حق حقه من الغنائم، وحمل السفطين «8» حتى قدم بهما «9» على
عمر، فلما نظر عمر إلى السائب ولى باكيا، ثم أقبل يقول: يا سائب! ويحك! ما
وراءك؟ ما فعلت؟ ما فعل المسلمون؟ قال السائب: خير يا أمير المؤمنين! هزم
الله المشركين «1» راجع لذلك الطبري 4/ 235.
__________
(2) في الأصل: قتل.
(3) في الأصل: دهاقنهم، وراجع الطبري 4/ 233 و 243 والأخبار الطوال 137
والفتوح 2/ 59.
(4) زيد بناء على الطبري 4/ 233.
(5) في الأصل: خذ.
(6) زيد لاستقامة العبارة.
(7) في الأصل: قضى.
(8) في الأصل: الفلسطين.
(9) في الأصل: بها.
(2/488)
وفتح للمسلمين، قال: ويحك يا سائب! والله
ما أتت ليلة بعد ليلة بات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ميتا مثل
البارحة! لا والله ما بت «1» البارحة إلا تقديرا! فما فعل النعمان ابن
مقرن؟ قال: استشهد يا أمير المؤمنين، فبكى عمر ثم قال: يرحم الله النعمان-
ثلاثا، ثم قال: مه! قال: لا والذي أكرمك بالخلافة وساقها إليك! ما قتل بعد
النعمان أحد نعرفه، فبكى عمر بكاء شديدا ثم قال: الضعفاء لكن الله أكرمهم
بالشهادة وساقها إليهم»
، أدفنتم إخوانكم؟ لعلكم غلبتم على أجسادهم [و] «3» خليتم بين لحومهم
والكلاب والسباع! أخشى أن يكونوا أصيبوا بأرض مضيعة.
قال السائب: هون عليك يا أمير المؤمنين! فقد أكرمهم الله بالشهادة وساقها
إليهم، ثم قال عمر: أعطيت كل ذي حق حقه؟ فقال: نعم، فنفض عمر رداءه ثم ولى
باكيا فأخذ السائب بطرف ردائه ثم قال: اجلس يا أمير المؤمنين! فإن لي إليك
حاجة، قال: وما حاجتك «4» ؟ ألم تخبرني أنك أعطيت «5» كل ذي حق حقه؟ قال:
بلى، قال: فما حاجتك إليّ؟ فأبدى له عن السفطين فصوصهما «6» كأنها شهب
تتلألأ، فقال عمر: ما هذا؟ فأخبره السائب خبر الدهقان، فصعد فيها بصره
وخفضه «7» ثم قال: ادع لي عليا وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعبد الله بن
الأرقم، فلما اجتمعوا عنده «8» قال السائب: لم يكن لي هم [إلا] «9» أن
أنفلت «10»
__________
(1) في الأصل: بات.
(2) وراجع الطبري 4/ 233 والفتوح 2/ 61 أيضا.
(3) زيد لاستقامة العبارة.
(4) زيد بعده في الأصل: قال، ولم تكن الزيادة منسجمة بالسياق فحذفناها.
(5) في الأصل: أعطيك.
(6) في الأصل: فصوصها.
(7) في الأصل: حفظه- كذا.
(8) والظاهر أن هنا خرما في العبارة.
(9) زيد لاستقامة العبارة.
(10) في الأصل: نفلت.
(2/489)
من عمر، فركبت راحلة «1» لي وأتيت الكوفة،
فو الله ما «2» جفت بردعة «2» راحلتي [حتى] «3» أتاني كتاب عمر: عزمت عليك
إن كنت قاعدا لا قمت «4» وإن كنت قائما لا «5» قعدت إلا «5» على راحلتك، ثم
العجل العجل! فقلت للرسول: هل كان في الإسلام حدث؟ قال: لا، قلت: فما حاجته
إليّ؟ قال: لا أدري، فركبت راحلتي حتى أتيت عمر، فلما نظر إليّ، أقبل عليّ
بدرته يضربني بها حتى سبقته «6» إلى غيره «6» وهو يقول: ما لي ولك يا ابن
أم مليكة! أعن ديني تفارقني أم النار توردني؟ قلت:
دعني عنك يا أمير المؤمنين! لا تقتلني غما، قال عمر: فإنك لما خرجت من عندي
فأويت إلى فراشي جاءني ملائكة من عند ربي في جوف الليل؛ فرموني بسفطين «7»
هذين، فإذا حملتهما [فإذا] «3» نار توقد على جنبي، فجعلت أتأخر و «8» جعلوا
يدفعونني «8» إليهما، حتى تعاهدت ربي في «5» هذا: إن «5» هو تركني حتى أصبح
لأقسمن على من أفاء الله عليه، أخرج بهما «9» من عندي، لا حاجة لي بهما ...
«10» بعهما بعطية المقاتلة والذرية «11» ، فإن لم تصب إلا عطية أحد
الفريقين فبع ثم اقسمهما على من أفاء الله عليه، والله لئن شكا «12»
المسلمون قبل أن تقسم بينهم لأجعلنك نكالا لمن بعدك؛ قال السائب: فخرجت
بهما «13» من عنده
__________
(1) في الأصل: راحلتين.
(2- 2) في الأصل: جف برده ... كذا.
(3) زيد لاستقامة العبارة.
(4) في الأصل: لما قعت- كذا.
(5- 5) موضع الرقمين في الأصل بياض.
(6- 6) في الأصل: أغيروا.
(7) في الأصل: بسفطيط.
(8- 8) في الأصل: جعل يدفع بي- كذا.
(9) في الأصل: بها.
(10) في الأصل بياض بعده كلمتان لا تتضح صورتهما.
(11) في الأصل: الذربه- كذا، وراجع أيضا كتاب الأموال 252.
(12) في الأصل: شا- كذا مع آثار المحو والحك.
(13) في الأصل: بها.
(2/490)
حتى قدمت الكوفة فأخرجتهما «1» إلى الزحمة
«2» ، فأبديت عنهما فلاح «3» ضوءهما كأنهما «4» شهب تتلألأ، فجعل لا يأتي
«8» عليهما قوم «5» إلا صفقوا تعجبا منهما، حتى أتاني عمرو بن حريث «6» ،
فلما نظر إليهما استامني «7» بهما «8» فقلت: بعطية المقاتلة والذرية، فما
كلمني حتى صفق على يدي «9» وأوجبت له البيع، فخرج بهما «3» إلى الحيرة،
فباع أحدهما بعطية المقاتلة والذرية، واستفضل الآخر ربحا، فكان أول شيء
اعتقله «10» بالكوفة مالا.
ثم سار المغيرة1»
بالمسلمين «12» إلى مدينة آذربيجان «13» فصالحه أهلها على ثمانمائة ألف
درهم في كل سنة.
ثم غزا حذيفة بن اليمان الدينور فافتتحها عنوة، وكانت قبل ذلك فتحت لسعد
فانتقضت «14» ؛ ثم غزا حذيفة ماه سندان «15» فافتتحها عنوة، وكانت قبل ذلك
فتحت لسعد فانتقضت، ثم غزا حذيفة همذان فافتتحها عنوة.
__________
(1) في الأصل: فأخرجتها.
(2) في الأصل: الرحمة؛ والزحمة: الزحام.
(3) في الأصل: فلابت.
(4) في الأصل كأنها.
(5- 5) في الأصل: عليها قوما.
(6) من تاريخ الإسلام 2/ 41، وفي الأصل: حريت.
(7) استيام السلعة: سؤال تعيينها.
(8) في الأصل: بها.
(9) في الأصل: يدين.
(10) من الفتوح 2/ 62، وفي الأصل: اعتقره.
(11) في الأصل: معيده- كذا، والتصحيح بناء على تاريخ الإسلام 2/ 45.
(12) في الأصل: المسلمين.
(13) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: نهاوند.
(14) راجع تاريخ الإسلام 2/ 45.
(15) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: ما سبل- كذا.
(2/491)
ثم «1» ولى عمر عمار بن ياسر الكوفة على
الصلاة والحرب، وعبد الله بن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على
مساحة الأرض، فشكا أهل الكوفة عمارا وقالوا: رجل لا يعلم، فاستعفى عمار،
ودعا عمر جبير بن مطعم خاليا ليوليه «2» الكوفة وقال له: لا تذكره لأحد،
فبلغ المغيرة بن شعبة أن عمر قد خلا بجبير بن مطعم، فرجع إلى امرأته وقال
لها: اذهبي «3» إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها متاع السفر، فأتتها
«4» فعرضت عليها فاستعجمت عليها ثم قالت:
ائتيني به، فلما استيقن المغيرة بذلك جاء [إلى] «5» عمر وقال: بارك الله لك
فيمن وليت، وأخبره أنه ولى جبير بن مطعم، فقال عمر: لا أدري ما أصنع؟ قولى
«6» المغيرة بن شعبة الكوفة «7» فلم يزل عليها إلى أن مات عمر.
ثم مضى عمرو بن العاص إلى برقة طرابلس ففتحها، وصالح أهل برقة على اثني عشر
ألف دينار «8» ، وبعث عقبة بن نافع الفهري فافتتح لعمر زويلة بالصلح، وكان
بين برقة وزويلة «9» صلح للمسلمين.
وحج عمر بالناس، واستخلف على المدينة [زيد بن ثابت] «10» .
فلما دخلت السنة الثانية والعشرون فتح المغيرة بن شعبة آذربيجان صلحا
__________
(1) راجع لهذا الطبري 4/ 250 أيضا.
(2) في الطبري: فولاه.
(3) من الطبري، وفي الأصل: مرى.
(4) من الطبري، وفي الأصل: فانتهى.
(5) زيد من الطبري.
(6) من الطبري، وفي الأصل: قول.
(7) من الطبري، وفي الأصل: لكوفة.
(8) هذا وأما المراجع الأخرى فهي يحذا فيرها تتفق على أن هذه المصالحة تمت
على ثلاثة عشر ألف دينار- راجع تاريخ الإسلام 2/ 41 والكامل 3/ 13 والبداية
والنهاية 7/ 112.
(9) من الكامل 3/ 10، وفي الأصل: زويل؛ وراجع أيضا الطبري 4/ 250.
(10) زيد من الطبري.
(2/492)
على ثمانمائة ألف درهم «1» ، ودخل معاوية
أرض الروم الصائفة «2» في عشرة آلاف، ثم اعتمر [عمر] «3» وساق معه عشر
بدنات ونحرها في منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من الصحابة عبادة
بن الصامت وأبو ذر وأبو أيوب وشداد بن أوس، وكان نافع بن عبد الحارث عامله
«4» على مكة فتلقاه نافع فقال عمر: من خلفت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى
رجل من الموالي «5» ، قال عمر: أمولى أيضا؟ قال: يا أمير المؤمنين! إنه
قارئ للقرآن عالم بالفرائض «6» ، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: «إن الله عز وجل يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين» .
[فلما دخلت] «7» السنة الثالثة والعشرون فتح معاوية عسقلان صلحا «8» ، وقد
قيل: إن الذي فتح في هذه السنة فتحها قرظة بن كعب الأنصاري لعمر، ولا يصح
عندي.
ثم كان [غزوة] «9» أصطخر الأولى، وذلك أن عثمان بن أبي العاص أقام بتوج
«10» ؛ وتوفي قتادة بن النعمان الظفري فصلى عليه عمر، ونزل حفرته أخوه لأمه
أبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والحارث بن خزمة «11» .
__________
(1) راجع تاريخ الإسلام 2/ 45.
(2) من تاريخ الإسلام 2/ 50، وفي الأصل: صائفة، وراجع لهذه المهمة الكامل
3/ 19 والطبري 4/ 259 و 5/ 42 أيضا.
(3) زيد ولا بد منه.
(4) في الأصل: عاملة.
(5) في الأصل: الوالي، وراجع أيضا لهذه الوقعة ترجمة نافع في الاستيعاب.
(6) في الأصل: للفرائض.
(7) زيد ما بين الحاجزين بناء على ما تقدم من الأسلوب.
(8) راجع الطبري 5/ 420.
(9) زيد ولا بد منه.
(10) هذا ويبدو أن العبارة هنا منقطعة بالرغم من اتصالها في المتن وراجع
لفتح أصطخر وتوج الطبري 5/ 2 و 3.
(11) من الطبقات 3/ 2/ 26، وفي الأصل: صرمة.
(2/493)
ثم حج بالناس عمر، وأذن لأزواج النبي صلى
الله عليه وسلم أن يحججن معه «1» ، فبينا هو بالأبطح إذ أقبل راكب يسأل عن
عمر فدل عليه، فلما رآه بكى وجعل يقول:
جزى الله خيرا «2» من أمير وباركت ... يد الله في ذاك «3» الأديم الممزّق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائج «4» في أكمامها لم تفتّق
أبعد قتيل «5» بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتز «6» العضاة بأسوق
فمن يسع»
أو «8» يركب جناحي نعامة «8» ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
فما كنت أخشى أن تكون «9» وفاته ... «10» بكفي سبنتي أزرق العين مطرق «10»
وكان جبير بن مطعم يقول: بينا أنا واقف مع «11» عمر بعرفات «11» إذ قال
رجل:
يا خليفة الله! فقال رجل خلفي: قطع الله لحيتك! والله لا يقف أمير المؤمنين
بعد هذا العام أبدا! قال جبير: فالتفت «12» فإذا هو رجل من لهب، ولهب بطن
من الأزد، وبينا نحن نرمي الجمار وإذا رمى إنسان فأصاب رأس عمر فشجه، فقال
رجل
__________
(1) راجع الطبري 5/ 12.
(2) من سمط النجوم 2/ 384، وفي الأصل: منا، وراجع أيضا الطبقات 3/ 1/ 241
وتاريخ الخلفاء 56 وصفة الصفوة 1/ 112.
(3) من السمط، وفي الأصل: ذلك.
(4) من الطبقات 3/ 1/ 272، وفي الأصل: لواقح، وفي المراجع: بوائق.
(5) من السمط؛ وفي الأصل: قيل.
(6) من السمط، وفي الأصل: يد.
(7) من السمط، وفي الأصل: يسعى.
(8- 8) من السمط، وفي الأصل: ير ... مة- كذا بالبياض موضع النقاط.
(9) من السمط، وفي الأصل: يكون.
(10- 10) من الطبقات 3/ 1/ 272 وكتاب البدء والتاريخ 5/ 194 وفي الأصل:
مكفى سنتي أزرق العين مصرق- كذا، وفي المراجع: بكفي سبنتي أهرت الشدق أزرق.
(11- 11) في الأصل: بين بعوفات- كذا، وراجع أيضا الطبقات 3/ 1/ 241.
(12) في الأصل: فالتففت.
(2/494)
خلفي: قطع «1» الله لحيتك «1» ! ما أرى
أمير المؤمنين إلا «2» سيقتل، قال جبير:
فالتفت فإذا هو ذلك اللهبي «3» . ثم رجع عمر من مكة إلى المدينة [و] «4»
قام في الناس فقال. إني رأيت كأن ديكا أحمر نقرني نقرنين، ولا أراه «5» إلا
«6» لحضور أجلي. ثم خرج يوما إلى السوق وهو متكئ على بد عبد الله بن الزبير
«7» إذ لقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال لعمر: ألا تكلم مولاي أن
يضع عني من خراجي؟
قال: وكم خراجك؟ قال: دينار «8» ، قال: ما أفعل! إنك لعامل وإن هذا لشيء
يسير، ثم قال له عمر: ألا تعمل لي «9» رحى؟ قال: بلى، فلما ولى عمر قال أبو
لؤلؤة: أعمل لك رحى يتحدث بها من بين المشرق والمغرب؛ قال ابن الزبير:
فوقع في قلبي قوله ذلك. فلما كان وقت النداء بالفجر خرج عمر إلى الصلاة،
وذلك يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة «10» ، واضطجع له أبو
لؤلؤة، فقام عمر فجعل يقول بين الصفوف: فاستووا استووا! فلما كبر طعنه أبو
لؤلؤة ثلاث طعنات في وتينه «11» ، فقال عمر: قتلني الخبيث! ثم أخذ بيد عبد
الرحمن فقدمه، فصلى عبد الرحمن بالناس الصبح وقرأ إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ثم دخل عبد الرحمن على عمر وعنده
علي وعثمان وسعد وابن عباس، فقال:
__________
(1- 1) موضع الرقمين في الأصل بياض.
(2- 2) في الأصل: ما رأى الأمير المؤمنين.
(3) وكان عائفا، كما صرح به في الطبقات.
(4) زيد لاستقامة العبارة.
(5) من السمط، وفي الأصل: لا أرى.
(6) من السمط، وفي الأصل: بياض.
(7) راجع لهذا السياق الطبقات 3/ 1/ 251.
(8) ويختلف هذا العدد من بين رواية إلى أخرى.
(9) في الأصل: في.
(10) راجع الطبري 5/ 14.
(11) في الأصل: تنيه، والوتين: عرق في القلب يجري منه الدم إلى العروق
كلها، وراجع رواية ابن سيرين في الطبقات 3/ 1/ 255.
(2/495)
يا ابن عباس: من قتلني؟ قال: أبو لؤلؤة،
قال عمر: الحمد لله الذي لم يجعل موتي برجل يدعي الإسلام، ثم سكت عمر
كالمطرق فقالوا: ألا ننبه للصلاة! فقيل! الصلاة يا أمير المؤمنين! فقال:
نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم صلى وجرحه يثعب «1» دما، ثم
أقبل على عليّ فقال: اتق الله يا علي! إن وليت من أمور الناس شيئا فلا
تحملن بني هاشم على رقاب «2» الناس، وأنت يا عثمان إن وليت من أمور الناس
شيئا فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب «2» الناس، وأنت يا زبير ويا سعد! إن
وليتما من أمر الناس [فلا تحملان أقاربكما على رقاب الناس] «3» ، ثم قال:
إني نظرت في أمر الناس فلم أر «4» عندهم شقاقا [إلا] «5» أن يكون فيكم، وإن
الأمر إلى الستة نفر: عثمان وعلي وعبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير، فتشاوروا
ثلاثا، وكان طلحة غائبا في مال له، فقال عمر: إني مصرت لكم الأمصار ودونت
لكم الدواوين، وإني تركتكم على الواضحة، إنما أتخوف أحد رجلين، إما رجل يرى
أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتله، أو رجل يتأول القرآن على غير تأويله،
وإني قرأت في كتاب الله «الشيخ والشيخة [إذا زنيا] «6» فارجموهما البتة
نكالا من الله والله عزيز حكيم» ألا! فلا تهلكوا عن آية الرجم، فقد رجم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه، ولولا أن يقول الناس: زاد عمر في
كتاب الله لكتبتها بيدي، فقد قرأناها بكتاب الله.
ثم دعا بكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى
الخليفة «7» من بعدي «7» : سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد فإني
__________
(1) في الأصل: ينبث، والتصحيح بناء على الطبقات 3/ 1/ 254.
(2) من الطبري 5/ 13، وفي الأصل: أرقاب.
(3) زيد بناء على الطبري.
(4) في الأصل: لم أر، والتصحيح بناء على الطبقات 3/ 1/ 249.
(5) زيد من الطبقات.
(6) زيد من الطبقات 3/ 1/ 242.
(7- 7) من الطبقات 3/ 1/ 245، وفي الأصل: إلا بعده.
(2/496)
أوصيك بتقوى الله وبالمهاجرين الَّذِينَ
أُخْرِجُوا «1» مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ- الآية، فتعرف فضيلتهم
وتقسم عليهم فيئهم، وأوصيك ب الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ
«2» - الآية، فهؤلاء الأنصار تعرف فضلهم وتقسم عليهم فيئهم، وأولئك
الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا «3» -
الآية» .
وخرج «4» أبو لؤلؤة على وجه يريد البقيع وطعن في طريقه اثني عشر رجلا، فخرج
خلفه عبيد الله بن عمر فرأى أبا لؤلؤة «5» [و] «6» الهرمزان وجفينة [وكان]
«6» نصرانيا وهم يتناجون بالبقيع، فسقط منهم خنجر «7» له رأسان ونصابه [في]
«5» وسطه، فقتل عبيد الله أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة ثلاثتهم. فجرى بين
سعد بن أبي وقاص وبين عبيد الله في شأن جفينة ملاحاة «8» ، وكذلك بين علي
بن أبي طالب وبينه في شأن الهرمزان حتى قال علي بن أبي طالب: إن وليت من
هذا الأمر شيئا قتلت عبيد الله بالهرمزان.
ثم أرسل عمر إلى عائشة يستأذنها في أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر، فأذنت له فقال عمر:»
أنا أخشى أن يكون ذلك»
لمكان السلطان مني، فإذا مت فاغسلوني «10» فكفنوني ثم قفوا بي على بيت
عائشة وقولوا: أيلج عمر؟ فإن قالت:
نعم، فأدخلوني، وإن أبت فادفنوني بالبقيع.
__________
(1) راجع سورة 59 آية 8، وفي الأصل: خرجوا.
(2) راجع سورة 59 آية 9.
(3) راجع سورة 59 آية 10.
(4) وراجع أيضا الطبقات 3/ 1/ 258 وسمط النجوم 2/ 391 والطبري 5/ 41- 43.
(5) في الأصل: أبو لولوة.
(6) زيد لاستقامة العبارة.
(7) في الأصل: خنجرا.
(8) في الأصل: ملاحلة- كذا.
(9- 9) من الطبقات 3/ 1/ 264، وفي الأصل بياض.
(10) في الأصل: فاغتسلوني.
(2/497)
ثم أرسل «1» عمر فجيء بلبن، فشربه فخرج من
جرحه، فعلم أنه الموت، فقال لعبد الله بن عمر: انظر ما عليّ من الدين
فاحسبه، فقال: ستة وثمانون ألفا، فقال: إن «2» وفى لها مال آل عمر فأدها
«3» عني من أموالهم، وإلا فسل [بني] «4» عدي بن كعب، فإن لم تف «5» من
أموالهم «6» فسل قريشا ولا «7» تعدهم إلى غيرهم وأدها عني.
فتوفي عمر رضي الله عنه وله خمسة وستون سنة «8» ، وفعل به ما أمر فأذنت له
عائشة، وصلى عليه صهيب، ودخل حفرته عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر «9» ،
وكانت الخلافة عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال «10» .
وكان له من العمال وقت ما توفي: على الكوفة المغيرة بن شعبة، وعلى البصرة
أبو موسى، وعلى حمص وأعمالها عمير بن سعد الضمري، وعلى دمشق معاوية بن أبي
سفيان، وعلى صنعاء يعلى بن منية «11» ، وعلى الجند عبد الله [بن] «12» أبي
ربيعة، وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي، وعلى مكة نافع بن عبد الحارث
«13» ، وعلى مصر عمرو بن العاص- رحمهم الله تعالى أجمعين آمين!
__________
(1) وراجع أيضا الطبقات 3/ 1/ 244.
(2) زيد بعده في الأصل: لي، ولم تكن الزيادة في الطبقات فحذفناها.
(3) من الطبقات، وفي الأصل: فنادها- كذا.
(4) زيد من الطبقات.
(5) من الطبقات، وفي الأصل: بقي.
(6) زيد بعده في الأصل: وإلا، ولم تكن الزيادة في الطبقات فحذفناها.
(7) من الطبقات، وفي الأصل: إلا.
(8) وراجع للاختلاف في ذلك الطبقات 3/ 1/ 265 وما بعده.
(9) راجع أيضا الطبقات 3/ 1/ 268.
(10) مع الاختلاف في ذلك كما في الطبقات.
(11) من الطبري 5/ 42، وهو يعلى بن أمية، ومنية أمه ويقال جدته- راجع تهذيب
التهذيب؛ وفي الأصل: يعلى بن منبه.
(12) زيد من الطبري.
(13) من الطبري، وفي الأصل: الحارث.
(2/498)
|