السيرة
النبوية وأخبار الخلفاء فلما دخلت السنة
السادسة والعشرون
قدم معاوية المدينة وافدا على عثمان، وبعث عثمان بن عفان عثمان بن أبي
العاص إلى فارس ففتح سائر الجنود، وغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح
الإفريقية ومعه العبادلة: عبد الله بن عمر «4» ، وعبد الله بن الزبير، وعبد
الله بن عمرو؛ فلقي جرجير «5» في مائتي ألف بموضع يقال له سبيطلة «6» على
سبعين ميلا من القيروان، فقتل جرجير «5» ، وسبوا وغنموا، فبلغ سهم الفارس
«7» ثلاثة آلاف مثقال ذهب، وسهم الراجل ألف مثقال، وصالحه أهل تلك المدن
إلى قيروان على مائة ألف رطل من ذهب.
واعتمر عثمان ودخل مكة ليلا وكان بين الصفا والمروة، وحل قبل أن يصبح، ثم
رجع إلى المدينة، وأمر بتوسعة المسجد الحرام وتجديد أنصاب الحرم «8» ؛
وتزوج عثمان بنت خالد بن أسيد «9» ، ثم اعتمر عثمان في رجب، وخرج معه عبد
الله بن جعفر والحسين بن علي فمرض الحسين بن علي، فأقام عبد الله بن
__________
(1) في الأصل: بردحه، وراجع الكامل 3/ 41.
(2- 2) في الأصل: نيسابور الأول، ومبني التصحيح على الكامل 3/ 42 والطبري
5/ 47.
(3) راجع الكامل 3/ 42.
(4) من تاريخ الإسلام 2/ 79، وفي الأصل: عمرو.
(5) في الأصل: جرير، والمراجع بحذافيرها تتفق على ما أثبتناه غير أن في
تاريخ اليعقوبي 2/ 165: جرجيس.
(6) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: بسيطلة.
(7) من تاريخ الإسلام، وفي الأصل: الفارسي.
(8) راجع الكامل 3/ 42.
(9) هذا مما لم نتأكد منه في المراجع الأخرى غير أن اليعقوبي ذكر في تاريخه
أن عثمان زوج ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد.
(2/502)
جعفر عليه بالسقيا «1» ، وبعث إلى علي
يخبره بذلك، فخرج علي في نفر من بني هاشم إلى السقيا، فلما دخلها دعا ببدنة
فنحرها وحلق رأسه، وأقام على الحسين يمرضه، فلما فرغ عثمان من «2» عمرته
كلموه بأن يحول الساحل إلى جدة، وكانوا قبل ذلك في الجاهلية يرسون بالشعيبة
«3» وقالوا: جدة أقرب إلى مكة وأوسع وأقرب من كل ناحية، فخرج عثمان إلى جدة
فرآها ورأى موضعها وأمرهم أن يجعلوها بمكان الشعيبة «4» ، فحول الساحل إلى
جدة ودخل البحر وقال: إنه مبارك، وقال لمن معه: ادخلوا، ولا يدخلها إلا
بمئزر، ثم خرج عثمان من جدة على طريق يخرجه إلى عسفان ثم مضى إلى الجار،
فأقام بها يوما وليلة، ثم انصرف فمر بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في
منصرفه وهو يمرض الحسين مع جماعة من بني هاشم، فقال عثمان: قد أردت المقام
عليه حتى تقدم، ولكن الحسين عزم عليّ وجعل يقول: امض لرهطك، فقال علي: ما
كان ذلك بشيء يفوتك «5» ، هل كانت إلا عمرة، إنما يخاف الإنسان فوت الحج،
فأما العمرة فلا، فقال عثمان:
إني أحببت أن أدرك عمرة في رجب، فقال علي بن أبي طالب: ما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب قط، وما اعتمر عمراته «6» الثلاث إلا في
ذي القعدة؛ ثم رجع عثمان إلى المدينة، ثم مضى علي مع الحسين إلى مكة ...
وافتتح عثمان بن أبي العاص سابور الثانية على ثلاثة آلاف [ألف] «7»
وثلاثمائة ألف صلحا، ودخل في صلحهم كازرون، وبعث عثمان بن أبي العاص
__________
(1) راجع معجم البلدان.
(2) في الأصل: في.
(3) من المعجم، والأصل: بالسعبية.
(4) في الأصل: الشعبية.
(5) في الأصل: بقولك.
(6) في الأصل: عمرته.
(7) زيد من تاريخ الإسلام 2/ 78 والبداية والنهاية 7/ 151.
(2/503)
هرم بن حيان العبدي إلى «1» قلعة بجرة «1» على ذلك، وهي يقال لها قلعة
الشيوخ، فافتتحها عنوة وسبى أهلها؛ وحج بالناس عثمان بن عفان «2» .
فلما دخلت السنة السابعة والعشرون
استشار عثمان بن عفان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إفريقية
فأشاروا عليه بذلك «3» ، وكان عثمان يكره ذلك لأن عمر كان يكرهه ويقول:
إنها لا تحمل واليا مقتصدا. فخرج عبد الله بن أبي سرح، وجلب عثمان إبلا
كثيرة من الربذة وسرف، وحمل عليها سلاحا كثيرا، وسار المسلمون معها يلحقون
بعبد الله بن سعد بن أبي سرح، فلما التقى المسلمون والمشركون ألقى الله في
قلوبهم الرعب وفض ذلك الجمع حتى طلبوا الصلح، فصالحهم عبد الله بن أبي سرح
على ألفي «4» ألف وخمسمائة ألف وعشرين ألفا.
فلما كان العيد خطبهم عثمان، وكان صادف العيد يوم الجمعة فقال: من كان من
أهل العالية «5» وأحب أن يجتمع «5» معنا فعل، وإلا فليجلس في موضعه. فافتتح
عثمان بن أبي العاص أرجان ودار ابجرد «6» ، وصالح أهلها على ألفي ألف ومائة
«7» . |