السيرة
النبوية وأخبار الخلفاء وفي السنة الرابعة
والثلاثين
مات مسطح بن أثاثة من أهل بدر «1» . وغزا عبد الله بن سعد بن أبي [سرح] «2»
الصواري من أرض مصر، وقاتل «3» منهم مقتلة عظيمة، وذلك أن المسلمين وعدوهم
جميعا كانوا في البحر، فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا من غير رمي بالسهم ولا
طعن بالرمح، إنما كان الضرب بالسيف أو «4» الطعن بالخنجر حتى قتل من أرض
الروم خلق كثير، وهزم الله الروم منكوبين، وانصرف المسلمون غانمين. ومات
عبادة بن الصامت بالرملة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة «5» . ومات عاقل بن
البكير من بني سعد بن الليث من أهل «6» بدر. ومات أبو عبس بن «6» جبر
بالمدينة وهو من أهل بدر. وحج عثمان بالناس «7» .
وفي السنة الخامسة والثلاثين
خرج جماعة من أهل مصر إلى عثمان يشكون ابن أبي سرح ويتكلمون منه، فكتب إليه
عثمان كتابا وهدده فيه، فأبى ابن [أبي] «8» السرح أن يقبل من عثمان وضرب
بعض من أتاه من قبل عثمان متظلما وقتل رجلا من المتظلمة، فخرج من أهل مصر
سبعمائة رجل فيهم أربعة من الرؤساء: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وعمرو بن
الحمق الخزاعي، وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي، وسودان «9» بن
__________
(1) راجع أيضا تاريخ الإسلام 2/ 119 والطبري 5/ 98.
(2) زيد من الطبري 5/ 69.
(3) في الأصل: قتل.
(4) في الأصل: أما- كذا.
(5) راجع تاريخ الإسلام 2/ 118.
(6) راجع الطبري 5/ 98.
(7) من الطبري، وفي الأصل: حبر.
(8) زيد من سمط النجوم 2/ 411، والسياق أقرب إليه، وراجع أيضا تاريخ
الإسلام 2/ 137 وتاريخ الخلفاء 61.
(9) من المراجع، وفي الأصل: سوار.
(2/512)
حمران المرادي؛ فساروا حتى قدموا المدينة
ونزلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوا إلى أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم [في] «1» مواقيت الصلاة ما صنع بهم ابن أبي سرح؛ فقام «2» طلحة
بن عبيد الله إلى عثمان بن عفان وكلمه الكلام الشديد، وأرسلت إليه عائشة:
قدم عليك أصحاب محمد وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت ذلك بواحدة، و [هذا قد]
«3» قتل منهم رجلا، فأنصفهم من عاملك؛ وكان عثمان يحب قومه. ثم دخل عليه
عليّ بن أبي طالب فقال: سألوك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله «4» دما،
فاعزله عنهم واقض بينهم، فإن وجب عليه حق فأنصفهم [منه] «3» ، فقال لهم
عثمان: اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس «5» عليه بمحمد «5» بن
أبي بكر، فقالوا لعثمان: استعمل علينا محمد بن أبي بكر، فكتب عهده وولاه
مصر، فخرج محمد بن أبي بكر واليا على مصر بعهده ومعه عدة من المهاجرين
والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبي سرح، فلما «6» بلغوا مسيرة
ثلاثة ليال من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير له، يخبط البعير خبطا،
كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقالوا له: ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب؟
قال: أنا غلام أمير المؤمنين، وجهني إلى عامل مصر، قالوا: هذا عامله معنا،
قال: ليس هذا أريد- ومضى؛ فأخبر محمد بن أبي بكر بأمره «7» ، فبعث في طلبه
أقواما فردوه، فلما جاءوا به قال له محمد: غلام من أنت؟ فأقبل مرة يقول:
أنا غلام أمير المؤمنين، ومرة يقول: أنا غلام مروان، فعرفه رجل منهم أنه
لعثمان، فقال له محمد بن أبي بكر:
لمن أرسلت؟ قال: إلى عامل مصر، قال: بماذا؟ قال: برسالة، [قال] «3» : أمعك
__________
(1) زيد من تاريخ الخلفاء 61.
(2) من السمط، وفي الأصل: فقال.
(3) زيد من تاريخ الخلفاء.
(4) في السمط: فتكه، وفي تاريخ الخلفاء وتاريخ الإسلام كما هنا.
(5- 5) من السمط؛ وفي الأصل: عليهم لمحمد.
(6) والسياق من ههنا أقرب إلى تاريخ الخلفاء وكتاب الفتوح 2/ 210.
(7) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: بمكانه.
(2/513)
كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معه
كتابا، وكان معه إداوة قد يبست وفيها شيء يتقلقل «1» ، فحركوه ليخرج فلم
يخرج، فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمد
بن أبي بكر من كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ثم فك الكتاب بحضرتهم
فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان [وفلان] «2» فاحتل لقتلهم، وأبطل
كتابه، وقر على عملك، واحبس من يجيء إليّ «3» يتظلم منك حتى يأتيك رأيي في
ذلك إن شاء الله، فلما قرأوا الكتاب فزعوا وأزمعوا «4» ورجعوا إلى المدينة،
وختم محمد بن أبي بكر الكتاب بخواتم جماعة من المهاجرين معه، ودفع الكتاب
إلى رجل منهم وانصرفوا إلى المدينة، فلما قدموها جمع محمد بن أبي بكر عليا
وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم فك الكتاب بحضرتهم عليه خواتم من معه من المهاجرين، وأخبرهم بقصة
الغلام، فلم يبق أحد من المدينة إلا حنق «5» على عثمان، وقام أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلحقوا بمنازلهم «6» ، وما منهم أحد إلا هو مغتم
«7» ؛ وكانت هذيل وبنو زهرة في قلوبها ما فيها على عثمان لحال ابن مسعود،
وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر، وكانت بنو غفار
وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها، وأجلب عليه محمد بن أبي بكر
من بني تيم «8» ، وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله وعائشة، فلما رأى ذلك
عليّ وصح عنده الكتاب بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول
__________
(1) من تاريخ الخلفاء والفتوح، وفي الأصل: مقلقل.
(2) زيد من تاريخ الخلفاء.
(3) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: أتى.
(4) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: ارمعوا.
(5) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: أحنق.
(6) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: منازلهم.
(7) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: مقيم.
(8) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: تميم.
(2/514)
الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون، ثم
جاء معهم حتى دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير، فقال له: هذا
الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك؟ قال:
نعم، قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله أنه ما كتب هذا
الكتاب ولا أمر به، فقال له علي: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم، قال علي: فكيف
يخرج غلامك على بعيرك بكتاب عليه خاتمك لا تعلم به؟ فحلف عثمان بالله: ما
«1» كتبت [هذا الكتاب] «2» ولا أمرت به، ولا وجهت هذا الغلام قط إلى مصر؛
وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان، فلما شكوا في أمر عثمان سألوه أن يدفع
إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار وكان خشي عليه القتل؛ فخرج من
عنده عليّ وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا أن عثمان لا يحلف
باطلا، «3» ثم قالوا «3» : لا نسكت إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحث
ونتعرف منه ذلك الكتاب، وكيف يؤمر «4» بقتل رجل من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم بغير حق! فإن يك عثمان كتب ذلك عزلناه، وإن يك مروان كتبه
على لسان عثمان نظرنا ما يكون في أمر مروان، ولزموا بيوتهم، وفشا الخبر في
المسلمين من أمر الكتاب، وفقد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
عثمان، وخرج من الكوفة عدي بن حاتم الطائي والأشتر «5» مالك بن الحارث
النخعي في مائتي رجل، وخرج من البصرة حكيم بن جبلة العبدي في مائة رجل، حتى
قدموا المدينة يريدون خلع عثمان، وحوصر عثمان قبل هلال»
ذي القعدة بليلة، وضيق عليه المصريون والبصريون وأهل الكوفة بكل حيلة ولم
يدعوه يخرج، ولا يدخل إليه أحد إلا أن يأتيه المؤذن فيقول: الصلاة! وقد
منعوا المؤذن
__________
(1) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: بما.
(2) زيد من تاريخ الخلفاء.
(3- 3) وفي تاريخ الخلفاء: إلا أن قوما قالوا.
(4) في تاريخ الخلفاء: يأمر.
(5) زيد بعده في الأصل: بن، فحذفنا هذه الزيادة لأجل أن الأشتر هو لقب
لمالك بن الحارث ولا غير. وراجع أيضا طبقات ابن سعد 2/ 1/ 49 ومروج الذهب
1/ 440.
(6) وقع في الأصل: هلاك- خطأ.
(2/515)
أن يقول: يا أمير المؤمنين، فكان إذا جاء
وقت الصلاة بعث أبا هريرة يصلي بالناس، وربما أمر ابن عباس بذلك «1» ، فصعد
يوما عثمان على السطح فسمع بعض الناس يقول: ابتغوا إلى قتله سبيلا، فقال:
والله ما أحل الله ولا رسوله قتلي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث:
كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل «2» نفس بغير نفس «2» » ؛ وما
فعلت من ذلك شيئا؛ ثم قال: لا أخلف «3» رسول الله صلى الله عليه وسلم في
أمته بإراقة محجمة دم حتى ألقاه، يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم! أحبكم إليّ من كف عنا لسانه وسلاحه «4» ؛ ثم أشرف عليهم فقال: أفيكم
عليّ؟ قالوا: لا، قال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا، فقال: أذكركم «5» بالله هل
تعلمون أن رومة لم يكن يشرب «6» منها أحد «7» إلا بشيء، فابتعتها من مالي
وجعلتها للغني والفقير وابن السبيل، فقالوا: نعم، قال:
فاسقوني منها، ثم قال: ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليا، فبعث
إليه بثلاث قرب مملوءة، فما كادت تصل إليه حتى خرج «8» في سببها عدة من بني
هاشم وبني أمية حتى وصل الماء إليه؛ ثم قال عثمان: والله! لو كنت في أقصى
داري ما طلبوا غيري، ولو كنت أدناهم ما جاوزوني «9» إلى غيري، سنجتمع نحن
وهم عند الله، وسترون بعدي أمورا تتمنون أني عشت «10» فيهم، ضعف أمري،
والله، ما
__________
(1) وراجع أيضا الطبري 5/ 149.
(2- 2) من مروج الذهب 1/ 441، وفي الأصل: النفس بالنفس.
(3) في الأصل: لا أحلف، والتصحيح بناء على تاريخ الإسلام 2/ 134- راجع
رواية الأوزاعي فيه.
(4) وراجع أيضا رواية عبد الله بن عامر في الطبقات 3/ 1/ 48.
(5) في الأصل: ذكركم، وهذا الخبر مذكور في المراجع جميعها ولكن بسياق آخر.
(6) في الأصل: أشرف.
(7) في الأصل: أحدا.
(8) في تاريخ الإسلام 2/ والسمط 2/ 409: جرح، وفي مروج الذهب كما هنا.
(9) من الطبري 5/ 123، وفي الأصل: جاوز.
(10) في الأصل: غشت.
(2/516)
أرغب في إمارتهم، ولولا قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم لي «إذا «1» ألبسك الله قميصا وأرادوك على خلعه فلا تخلعه»
لحبست في بيتي وتركتكم وإمارتكم، ووالله! لو فعلت ما تركوني وإنهم قد خدعوا
وغروا، والله! لو أقتل لمت، لقد كبر سني، ورق «2» عظمي وجاوزت أسنان أهل
بيتي، وهم على هذا لا يريدون تركي، اللهم «3» ! فشتت أمرهم وخالف بين
كلمتهم وانتقم لي منهم واطلبهم لي طلبا حثيثا. وقد استجيب دعاءه في كل ذلك.
ثم أمر عثمان بن عفان عبد الله بن عباس على الحج فحج بالناس «4» فأمّره.
وبعث إلى الأشتر فدعاه فقال: يا أشتر! ما يريد الناس؟ قال: ثلاث «5» ليس من
إحداهن بد، إما أن تخلع أمرهم وتقول: هذا أمركم فاختاروا له من شئتم، وإما
أن تقص من نفسك، فإن أبيتهما «6» فالقوم قاتلوك؛ قال عثمان: أما أن أخلع
«7» لهم أمرهم، فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله، [والله] «8» «9» لأن
أقدم «9» فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أخلع «10» أمة محمد صلى الله عليه وسلم
بعضها على بعض، وأما أن أقص «11» من نفسي، فو الله لقد علمتم أني لم آت
شيئا يجب عليّ القصاص فيه، وأما أن تقتلوني، فو الله إن تقتلوني لا تتحابون
بعدي! ولا تقاتلون بعدي «12» عدوا جميعا،
__________
(1) في الأصل: إذ، وهذا الحديث وارد في جميع المراجع.
(2) من الطبري 5/ 123، وفي الأصل: دق.
(3) في الأصل: إليهم- كذا.
(4) في الأصل: الناس، وراجع أيضا الطبري 5/ 139.
(5) من البداية والنهاية 7/ 184، وفي الطبري 5/ 118: ثلاثا، ووقع في الأصل:
قلت- كذا محرفا.
(6) في الأصل: أبيتها، والتصحيح بناء على الطبري.
(7) من الطبري، وفي الأصل: تخلع.
(8) زيد من الطبري.
(9- 9) من الطبري، وفي الأصل: لا أن أقوم.
(10) زيد بعده في الأصل: أمر، ولم تكن الزيادة في الطبقات 3/ 1/ 50
فحذفناها.
(11) من الطبري، وفي الأصل: انقص.
(12) من الطبري، وفي الأصل: بعد.
(2/517)
ولتختلفن «1» حتى تصيروا «1» [هكذا] «2» ،
يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ
قَوْمَ نُوحٍ «3» - الآية، ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام فجاءه فقال:
الكف الكف «4» ! ثم جاءه زيد بن ثابت فقال «5» : يا أمير المؤمنين! هذه
الأنصار بالباب، فقال عثمان: إن شاءوا أن يكونوا أنصار الله منكم وإلا «6»
فلا؛ ثم جاءه عبد الله بن «7» الزبير فقال: يا أمير المؤمنين! اخرج
فقاتلهم، فإن معك من قد نصر الله بأقل منهم «8» ، فلم يعرج على قول ابن
الزبير، ثم قال: ائتوني برجل منهم أقرأ عليه كتاب الله، فأتوه بصعصعة بن
صوحان «9» وكان شابا فقال: ما وجدتم أحدا تأتوني به غير هذا الشاب! فتكلم
صعصعة بكلام، فقال عثمان: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ 1»
لَقَدِيرٌ؛ فلما اشتد بعثمان الأمر أصبح صائما يوم الجمعة وقال: إني رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: «يا عثمان! إنك تفطر عندنا
«11» الليلة» ؛ ثم قال عليّ للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقفا على باب
عثمان ولا تدعا أحدا يصل إليه «12» ، وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه،
وبعث عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن
يدخلوا على عثمان «13» ؛
__________
(1- 1) من الطبقات 3/ 1/ 49، وفي الأصل: على بصيرة- كذا.
(2) زيد من الطبقات، وفيها بعده: وشبك بين أصابعه ثم قال.
(3) سورة 11 آية 89.
(4) راجع تاريخ الإسلام 2/ 131.
(5) من الطبقات 3/ 1/ 48، وفي الأصل: ثم قال.
(6) راجع رواية ابن سيرين في الطبقات أيضا.
(7) موضعه في الأصل بياض.
(8) راجع أيضا الطبقات 3/ 1/ 49.
(9) من الاستيعاب، وفي الأصل: صرحان.
(10) سورة 22 آية 39.
(11) راجع الطبقات 3/ 1/ 52 والسمط 2/ 408.
(12) راجع الطبري 5/ 126.
(13) كما في تاريخ الإسلام 2/ 138.
(2/518)
ورماه الناس بالسهام حتى [خضب] «1» الحسن
بالدماء، وتخضب «2» محمد بن طلحة، وشج قنبر «3» مولى عليّ؛ ثم أخذ محمد بن
أبي بكر بيد جماعة وتسور الحائط من غير أن يعلم به أحد من دار رجل من
الأنصار حتى دخلوا على عثمان وهو قاعد والمصحف في حجره ومعه امرأته والناس
فوق السطح لا يعلم أحد بدخولهم، فقال عثمان لمحمد بن أبي بكر «4» : والله
لو رآك أبوك لساءه «5» مكانك مني! فرجع محمد، وتقدم إليه سودان بن رومان
«6» المرادي ومعه مشقص فوجأه «7» حتى قتله وهو صائم، ثم خرجوا هاربين من
حيث دخلوا، وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة مضت من ذي الحجة «8» ، وكان
تمام حصاره خمسة وأربعين يوما «9» ، وكانت امرأته تقول: إن شئتم قتلتموه،
وإن شئتم تركتموه! فإنه كان يختم القرآن كل ليلة في ركعة «10» . ثم صعدت
إلى الناس تخبرهم وهمر «11» الناس عليه فدخلوا، وأول من دخل عليه الحسن
والحسين فزعين وهما «11» لا يعلمان بالكائنة «12» وكانا مشغولين «12» على
الباب ينصرانه ويمنعان الناس عنه؛ فلما «13» دخلوا وجدوا عثمان مذبوحا،
فانكبوا عليه يبكون، ودخل الناس فوجا
__________
(1) زيد من تاريخ الخلفاء 62.
(2) في الأصل: نخضب- كذا، وفي تاريخ الخلفاء: خضب.
(3) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: قنبره.
(4) حينما أخذ بلحيته- كما صرح به في تاريخ الخلفاء والسياق له.
(5) من تاريخ الخلفاء، وفي الأصل: لأساءه.
(6) هذا كما ورد في البداية والنهاية 7/ 185 وإلا فالمشهور: سودان بن
حمران.
(7) وأما مراجعنا فتتفق على أن الذي اجترأ عليه بالوجأ كان كنانة بن بشر.
(8) وهذا هو المشهور- راجع البداية والنهاية 7/ 190.
(9) والمشهور أربعون يوما- راجع البداية والنهاية.
(10) راجع رواية ابن سيرين في الطبقات 3/ 1/ 53.
(11) في الأصل: هم.
(12- 12) في الأصل: كان مشاغيل.
(13) في الأصل: فما.
(2/519)
فوجا، وبلغ الخبر علي بن أبي طالب وطلحة
والزبير وسعدا فخرجوا مذهلين، كادت عقولهم تذهب لعظم الخبر الذي أتاهم، حتى
دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا واسترجعوا، وقال عليّ لابنيه: كيف قتل أمير
المؤمنين وأنتما على الباب؟
قالا «1» : لم نعلم، قال: فرفع يده ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم «2»
محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير، ثم خرج وهو غضبان يسترجع، فلقيه طلحة بن
عبيد الله فقال: مالك يا أبا الحسن؟ فقال علي: يقتل أمير المؤمنين رجل من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من غير أن تقوم عليه بينة ولا حجة! فقال له
طلحة «3» : لو دفع مروان إليهم لم يقتلوه، فقال علي: لو خرج مروان إليكم
لقتلتموه قبل أن يثبت عليه حكومة! ثم أتى علي منزله يسترجع، فاشتغل الناس
بعضهم ببعض وفزعوا ولم يتوهموا بأن هذه الكائنة تكون؛ ثم حمل على سريره بين
المغرب والعشاء، وصلى عليه جبير بن مطعم، ودلته في قبره نائلة بنت الفرافصة
وأم البنين بنت عيينة «4» بن حصن بن بدر الفزاري، ودفن ليلة السبت لاثنتي
عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة؛ وكانت خلافته «5» اثنتي عشرة «5» سنة إلا اثني
عشر يوما «6» .
وقتل يوم قتل عثمان من قريش عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي، وعبد الله ابن
عبد الرحمن بن العوام، والمغيرة بن الأخنس بن شريق «7» الثقفي، وقتل معهم
غلام لعثمان أسود- أربعة أنفس.
وكان عمال عثمان حين «8» قتل: على البصرة عبد الله بن عامر بن
__________
(1) في الأصل: قال.
(2) من السمط 2/ 411، وفي الأصل: شئتم.
(3) راجع مروج الذهب 1/ 441.
(4) من المراجع، وفي الأصل: ثعلبة.
(5- 5) في الأصل: اثني عشر.
(6) راجع التفاصيل في الطبري والطبقات.
(7) من البداية والنهاية 7/ 188، وفي الأصل: شديد.
(8) في الأصل: حيث.
(2/520)
كريز «1» ، وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص
«2» ، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان، وعلى مصر محمد بن أبي حذيفة، وعلى
مكة عبد الله بن الحضرمي، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة «3» الثقفي، وعلى
صنعاء يعلى بن منبه، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة.
استخلاف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
ابن عبد المطلب بن هاشم «4» بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن
لؤي بن [غالب بن] «5» فهر بن مالك بن النضر «6» بن كنانة بن خزيمة بن مدركة
بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو الحسن الهاشمي، وأمه فاطمة
بنت أسد بن هشام بن عبد مناف، وهاشم أخو هشام، ومن زعم أنه أسد بن هاشم بن
عبد مناف فقد وهم.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حاتم بن إسماعيل عن
يزيد «7» بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي قد تخلف عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان به رمد فقال: أنا أتخلف»
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! فخرج فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم،
فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
__________
(1) من الطبري 5/ 148، وفي الأصل: كريزة.
(2) هذا ما هنا وأما الذي تتمخض منه مراجعنا فهو أن سعيد بن العاص كان إذ
ذاك يتقلد منصب الولاية العامة للكوفة، وكان أبو موسى على الصلاة، وجابر
المزني وسماك الأنصاري على خراج السواد، والقعقاع بن عمرو على حربها.
(3) من الطبري 5/ 148، وفي الأصل: أبي ربيعة.
(4) من البداية والنهاية 7/ 332، وفي الأصل: هشام.
(5) زيد من البداية والنهاية.
(6) من البداية والنهاية، وفي الأصل: النظر.
(7) من صحيح البخاري حيث ورد هذا الحديث بنفس الطريق التي هنا في مناقب علي
بن أبي طالب، وفي الأصل: بريد.
(8) من الصحيح، وفي الأصل: نتخلف.
(2/521)
«لأعطين الراية- أو ليأخذن الراية- غدا رجل
يحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه» ، فإذا نحن بعليّ وما نرجوه، فقالوا:
هذا عليّ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتح الله عليه.
قال أبو حاتم: لما كان من أمر عثمان ما كان قعد علي في بيته وأتاه الناس
يهرعون إليه. كلهم يقولون: أمير المؤمنين عليّ، حتى دخلوا عليه داره
وقالوا:
نبايعك، فإنه لا بد من أمير وأنت أحق، فقال عليّ: ليس ذلك إليكم «1» ، إنما
ذلك لأهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا
أتى عليا يطلبون البيعة وهو يأبى عليهم، فجاء الأشتر مالك بن الحارث النخعي
إلى عليّ فقال له: ما يمنعك أن تجيب هؤلاء إلى البيعة؟ فقال: لا أفعل إلا
[عن] «2» ملأ وشورى، وجاء أهل مصر فقالوا: ابسط يدك نبايعك، فو الله! لقد
قتل عثمان، وكان قتله لله رضى، فقال عليّ: كذبتم، والله ما كان قتله لله
رضى! لقد قتلتموه بلا قود ولا حد ولا غيره؛ وهرب مروان فطلب فلم يقدر عليه،
فلما رأى ذلك علي منهم خرج إلى المسجد وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه
بما هو أهله ثم قال: يا أيها الناس! رضيتم مني أن أكون عليكم أميرا؟ فكان
أول من صعد إليه المنبر طلحة فبايعه بيده، وكان إصبع طلحة شلاء فرآه أعرابي
يبايع فقال: يد شلاء وأمر لا يتم «3» ، فتطير علي منها وقال: ما أخلقه أن
يكون كذلك، ثم بايعه الزبير وسعد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم
بلغ عليا أن سعدا وابن عمر ومحمد بن مسلمة يذكرون هنات، فقام علي خطيبا
فحمد الله وأثنى عليه فقال: أيها الناس! إنكم بايعتموني على ما بايعتم عليه
أصحابي، فإذا بايعتموني فلا خيار لكم عليّ، وعلى الإمام الاستقامة، وعلى
الرعية التسليم «4» ، وهذه بيعة عامة، فمن [ردها] «1» رغب
__________
(1) راجع أيضا تاريخ الإسلام 2/ 139.
(2) زيد لاستقامة العبارة، وراجع أيضا الطبري 5/ 57 وكتاب الفتوح 2/ 243.
(3) راجع أيضا الطبري 5/ 153 و 157.
(4) من الأخبار الطوال 1400، وفي الأصل: ذلك.
(2/522)
عن دين المسلمين واتبع غير سبيلهم، ولم
[تكن] «1» بيعته إياي فلتة «2» ، وليس أمري وأمركم واحدا، أريد الله
وتريدونني لأنفسكم، وأيم الله! لأنصحن الخصم ولأنصفن المظلوم.
وقد أكثر الناس في قتل عثمان، فمنهم من قد زعم أنه قتل ظالما، ومنهم من قد
زعم أنه قتل مظلوما، وكان الإكثار «3» في ذلك على طلحة والزبير، قالت قريش:
أيها الرجلان! إنكما قد وقعتما في ألسن الناس في أمر عثمان فيما وقعتما
فيه، فقام طلحة في الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله
عليه وسلم ثم قال: أيها الناس! ما قلنا في عثمان أمس إلا نقول لكم فيه
اليوم مثله أنه خلف الدنيا بالتوبة، ومال عليه قوم فقتلوه، وأمره إلى الله؛
ثم قام الزبير فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله
عليه وسلم ثم قال: يا أيها الناس! إن الله اختار من كل شيء شيئا، واختار من
الناس محمدا صلى الله عليه وسلم، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله ولو كره المشركون، واختار من الشهور رمضان وأنزل فيه القرآن وفرض فيه
الصيام، واختار من الأيام يوم الجمعة فجعله عيدا لأهل الإسلام، واختار من
البلدان هذين الحرمين: مكة والمدينة، فجعل بمكة البيت الحرام، وجعل
بالمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل ما بين قبره ومنبره روضة
من رياض الجنة، واختار من الشورى التسليم «4» كما اختار هذه الأشياء،
فأذهبت الشورى بالهوى والتسليم بالشك، وقد تشاورنا فرضينا عليا، وأما إن
قتل عثمان فأمره إلى الله.
فلما رأى علي اختلاف الناس في قتل عثمان صعد المنبر «5» فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: أيها الناس! أقبلوا عليّ بأسماعكم «6» وأبصاركم، إن الناس
__________
(1) زيد من الأخبار الطوال.
(2) من الأخبار الطوال، وفي الأصل: ملتمه- كذا.
(3) في الأصل: الأكثال.
(4) في الأصل: السليم، والتصحيح بناء على ما يأتي.
(5) زيدت الواو بعده في الأصل: ولم تكن منسجمة مع السياق فحذفناها.
(6) في الأصل: بأسمائكم- كذا.
(2/523)
بين حق وباطل، فلئن علا أمر الباطل لقديما
ما فعل، وإن يكن الحق قد غاب فلعل «1» ، وإني أخاف أن أكون أنا وأنتم قد
أصبحنا في فتنة، وما علينا فيها إلا الاجتهاد، الناس اثنان وثلاثة لا سادس
لهم: ملك طار بجناحيه، أو نبي أخذ الله بيده، أو عامل مجتهد، أو مؤمل يرجو،
أو مقصر «2» في النار؛ وإن الله أدب «3» هذه الأمة بأدبين «4» : بالسيف «5»
والسوط، لا هوادة عند السلطان فيهما، «6» فاستتروا واستغفروا الله «6»
فأصلحوا ذات بينكم.
ثم نزل وعمد إلى بيت المال وأخرج ما فيه وفرقه على المسلمين، ثم «7» بعث
إلى سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة فقال: لقد بلغني عنكم
هنات، فقال سعد: صدقوا! لا أبايعك، ولا أخرج معك حيث تخرج حتى تعطيني سيفا
يعرف المؤمن من الكافر، وقال له ابن عمر: أنشدك الله والرحم أن تحملني على
ما لا أعرف، والله! لا أبايع حتى يجتمع المسلمون «8» على من جمعهم الله
عليه، وقال محمد بن مسلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني إذا
اختلف أصحابه ألا أدخل فيما بينهم، وأن أضرب بسيفي صخر «9» أحد، فإذا انقطع
أقعد في بيتي حتى تأتيني يد خاطئة أو منية قاضية، وقد فعلت ذلك؛ ثم دعا
عليّ أسامة بن زيد وأراده على البيعة فقال أسامة: أما البيعة فإنني أبايعك،
أنت أحب إليّ وآثرهم «10» عندي، وأما القتال فإني عاهدت رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن لا أقاتل رجلا يشهد أن لا إله إلا الله،
__________
(1) راجع أيضا شرح نهج البلاغة للحديدي 1/ 52.
(2) من الشرح وفي الأصل: مقصر- كذا.
(3) في الأصل: أحب، وفي الشرح: داوي.
(4) في الشرح: بدوائين.
(5) في الأصل: بالصيف، والتصحيح بناء على الشرح.
(6- 6) في الأصل: فاستبر ولم يستغفر والله، وفي الشرح: استتروا في بيوتكم.
(7) راجع لذلك أيضا الأخبار الطوال 142 و 143.
(8) في الأصل: المسلمين.
(9) من الأخبار الطوال، وفي الأصل: خرص، وراجع أيضا طبقات ابن سعد 3/ 2/ 19
و 20.
(10) في الأصل: آثارهم- كذا.
(2/524)
فلما رآهم علي مختلفين قال: أخرجوني من هذه
البيعة واختاروا لأنفسكم من أحببتم، فسكتوا وقاموا وخرجوا، فدخل عليه
المغيرة بن شعبة «1» فقال: يا أمير المؤمنين! إني مشير عليك بخلال ثلاث
فافعل أيها شئت، فقال: ما هي يا أعور؟
فقال: إني أرى من الناس بعض التثاقل فيك؛ فأرى أن تأتي بحمل ظهر فتركبه
وتركض في الأرض هاربا من الناس، فإنهم إذا رأوا ذلك منك ابتاعوا جمالا أظهر
من جمالك وخيولا، ثم ركضوا في أثرك حتى يدركوك حيث ما كنت ويقلدوك هذا
الأمر على اجتماع منهم شئت أو أبيت، فإن لم تفعل هذا فأقرّ «2» معاوية على
الشام كله واكتب إليه كتابا بذلك تذكر فيه من شرفه وشرف آبائه وأعلمه أنك
ستكون له خيرا من عمر وعثمان، واردد عمرو بن العاص على مصر، واذكر في كتابك
شرفه وقدمه، فإنه رجل يقع الذكر منه موقعا، فإذا ثبت الأمر أذنت لهما حينئذ
في القدوم عليك تستخبر هما عن البلاد والناس، ثم تبعث بعاملين وتقرهما «3»
عندك؛ فإن أبيت فاخرج من هذه البلاد فإنها ليست ببلاد كراع وسلاح.
فقال علي: أما ما ذكرت من فراري من الناس فكيف أفر منهم وقد بايعوني، وأما
أمر معاوية وعمرو بن العاص فلا يسألني الله عن إقرارهما ساعة واحدة في
سلطاني وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً، وأما خروجي من هذه
البلاد إلى غيرها فإني ناظر في ذلك. فخرج من عنده المغيرة ثم عاد وهو عازم
على الخروج إلى الشام واللحوق بمعاوية، فقال له: يا أمير المؤمنين! أشرت
عليك بالأمس في رأيي بمعاوية وعمرو، إن الرأي أن تعاجلهم بالنزع، «4» فقد
عرف السامع من غيره، وتستقبل «4» أمرك، ثم خرج من عنده فلقيه ابن عباس
خارجا وهو داخل، فلما انتهى إليه قال: رأيت المغيرة خارجا من عندك، فيم
جاءك؟ قال: جاءني أمس برأي
__________
(1) راجع أيضا الطبري 5/ 159.
(2) في الأصل: فاقدر.
(3) في الأصل: تفرهما.
(4- 4) وفي الطبري: فيعرف السامع من غيره ويستقبل.
(2/525)
واليوم برأي، وأخبره بالرأيين، فقال ابن
عباس: أما أمس فقد نصحك، وأما اليوم فقد غشك «1» ، قال: فما الرأي؟ قال ابن
عباس: كان الرأي قبل اليوم، قال علي:
عليّ ذلك! قال: كان الرأي أن تخرج إلى مكة حتى تدخلها وتدخل دارا من دورها
وتغلق عليك بابك، فإن الناس لم يكونوا ليدعوك «2» ، وإن قريشا كانت تضرب
الصعب والذلول في طلبك، لأنها لا تجد غيرك، فأما اليوم فإن بني أمية
يستحسنون الطلب بدم صاحبهم، ويشبهون «3» على الناس أن يلزموك شعبة «4» من
أمره ويلطخونك من ذلك ببعض اللطخ. فهمّ علي بالنهوض إلى الشام ليزور «5»
أهلها وينظر «6» ما رأى معاوية وما هو صانع، فجاءه أبو أيوب الأنصاري فقال
له: يا أمير المؤمنين! لو أقمت بهذه البلاد! لأنها الدرع الحصينة ومهاجرة
للنبي صلى الله عليه وسلم، وبها قبره ومنبره ومادة «7» الإسلام، فإن
استقامت لك العرب كنت فيها كمن كان، وأن تشعب»
عليك [قوم] «9» رميتهم بأعدائهم، وإن ألجئت «10» حينئذ إلى المسير سرت وقد
أعذرت، فقال علي: إن الرجال والأموال بالعراق، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله
لنا، ثم أخذ بما أشار عليه أبو أيوب الأنصاري وعزم على المقام بالمدينة؛
وبعث العمال على الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف على البصرة أميرا، وعمارة بن
حسان ابن شهاب على الكوفة، وعبيد الله بن عباس على اليمن، وقيس بن سعد على
مصر، وسهل بن حنيف على الشام؛ فأما سهل بن حنيف فإنه خرج حتى إذا كان
__________
(1) من الطبري، وفي الأصل: خشك- كذا.
(2) في الأصل: يدعوك.
(3) من الطبري، وفي الأصل: يشتهون.
(4) من الطبري، وفي الأصل: شعبه.
(5) في الأصل: ليزوراء، والتصحيح من الفتوح 2/ 267.
(6) من الفتوح، وفي الأصل: ينظروا.
(7) في الأصل: ماذاة.
(8) من الفتوح 2/ 268، وفي الأصل: شتت.
(9) زيد من الفتوح.
(10) في الأصل: الحيث.
(2/526)
بتبوك لقيه خيل من أهل الشام فقالوا له: من
أنت؟ قال: أمير، قالوا «1» : على أي شيء؟ قال: على الشام، قالوا: إن كان
عثمان بعثك فحي هلا بك، وإن كان بعثك غيره فارجع، قال: ما سمعتم بالذي كان؟
قالوا: بلى، ولكن ارجع إلى بلدك، فرجع إلى علي وإذا القوم أصحاب.
وأما قيس بن سعد فإنه انتهى إلى إيلة فلقيه طلائع فقالوا له: من أنت؟ فقال:
أنا من الأصحاب الذين قتلوا وشردوا من البلاد، فأنا أطلب مدينة آوي إليها،
فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا قيس بن سعد بن عبادة «2» ، فقالوا: امض بنا،
فمضى قيس حتى دخل مصر وأظهر لهم حاله. وأخبرهم أنه ولي على مصر، فافترق
عليه أهل مصر فرقا «3» : فرقة دخلت في الجماعة وبايعت، وفرقة أمسكت
واعتزلت، وفرقة قالت: إن قيد من قتلة عثمان فنحن معه وإلا فلا، فكتب قيس بن
سعد بجميع ما رأى من أهل مصر إلى علي.
وأما عبيد الله بن عباس فإنه خرج منطلقا إلى اليمن، لم يعانده أحد ولم
يصدّه عنها صاد حتى دخلها فضبطها لعلي، وأما عمارة بن حسان بن شهاب فإنه
أقبل عامدا إلى الكوفة حتى إذا كان بزبالة «4» لقيه طليحة بن «5» خويلد
الأسدي وهو خارج إلى المدينة يطلب دم عثمان، فقال طليحة: من أنت؟ قال: أنا
عمارة بن حسان بن شهاب، قال: ما جاء بك؟ قال: بعثت إلى الكوفة أميرا، قال:
ومن بعثك؟ قال: أمير المؤمنين علي، قال: الحق بطيّتك، فإن القوم لا يريدون
بأميرهم أبي موسى الأشعري بدلا، فرجع عمارة إلى علي وأخبره الخبر، وأقام
طليحة بزبالة.
__________
(1) من الطبري 5/ 161، وفي الأصل: قال.
(2) في الأصل: عباد.
(3) من الطبري، وفي الأصل: فرقتان.
(4) من الطبري 5/ 162، وفي الأصل: بزياله.
(5) في الأصل «و» .
(2/527)
وأما عثمان بن حنيف فإنه مضى يريد البصرة
وعليها عبد الله بن عامر بن كريز، وبلغ أهل البصرة قتل عثمان، فقام ابن
عامر فصعد المنبر وخطب وقال: إن خليفتكم قتل مظلوما، وبيعته في أعناقكم،
ونصرته ميتا كنصرته حيا، «1» واليوم ما كان أمس «1» ، وقد بايع الناس عليا
ونحن طالبون بدم عثمان، فأعدوا للحرب عدتها، فقال له حارثة بن قدامة: يا
ابن عامر! إنك لم تملكنا عنوة وقد قتل عثمان بحضرة المهاجرين والأنصار
وبايع الناس عليا، فإن أقرك أطعناك، وإن عزلك عصيناك، فقال ابن عامر: موعدك
الصبح، فلما أمسى تهيأ للخروج وهيأ مراكبه وما يحتاج إليه، واتخذ الليل
جملا يريد المدينة، واستخلف عبد الله بن عامر الحضرمي على البصرة، فأصبح
الناس يتشاورون في ابن عامر وأخبروا بخروجه، فلما قدم ابن عامر المدينة أتى
طلحة والزبير فقالا له: لا مرحبا بك ولا أهلا! تركت العراق والأموال، وأتيت
المدينة خوفا من علي، ووليتها غيرك، واتخذت الليل جملا، فهلا أقمت حتى «2»
يكون لك بالعراق فئة «2» ، قال ابن عامر: فأما إذا قلتما هذا فلكما عليّ
مائة ألف سيف وما أردتما من المال.
ثم أتت أم كلثوم بنت علي أباها وكانت تحت عمر بن الخطاب، فقالت له:
إن عبد الله «3» بن عمر رجل صالح، وأنا أتكفل ما يجيء منه لك، فلما كان من
قدوم ابن عامر المدينة جاء ابن عمر إليها فقال: يا أماه! إنك قد كفّلت فيّ
وأنا أريد الخروج إلى العمرة الساعة، ولست «4» بداخل في شيء يكرهه أبوك غير
أني ممسك حتى يجتمع الناس، فإن شئت فأذني، وإن شئت فابعثيني إلى أبيك،
قالت: لا، بل اذهب في حفظ الله وتحت كنفه، فانطلق ابن عمر معتمرا.
فلما أصبح الناس أتوا عليّا فقالوا: قد حدث البارحة حدث «5» هو أشد من
__________
(1- 1) وفي الفتوح 2/ 269: ولى عليكم اليوم ما كان لي بالأمس.
(2- 2) في الفتوح 2/ 271: وافيناك بها.
(3) في الأصل: عبيد الله.
(4) في الأصل: ليست.
(5) في الأصل: حدثا، والتصحيح من الطبري 5/ 164.
(2/528)
طلحة والزبير ومعاوية، قال علي: وما ذاك؟
قالوا: خرج ابن عمر إلى الشام، فأتى علي السوق وجعل «1» يعد طلابا «1» ليرد
ابن عمر، فسمعت أم كلثوم بذلك فركبت بغلتها حتى أتت أباها فقالت: إن الأمر
على غير ما بلغك، وحدثته بما ذكر لها ابن عمر، فطابت نفس علي بذلك، فما
انصرفوا من السوق حتى جاءهم بعض القدام من العمرة وأخبروه أنهم رأوا ابن
عمر وآخر معه على حمارين محرمين بكساءين.
ثم كتب علي إلى معاوية: «بسم الله الرحمن الرحيم- من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك! فإني أحمد إليك الله الذي لا
إله إلا هو، أما بعد! فإنه قد بلغك ما كان من مصاب عثمان وما اجتمع الناس
عليه من بيعتي فادخل في السلام كما دخل الناس وإلا فأذن بحرب كما يؤذن أهل
الفرقة- والسلام. وبعث كتابه مع سبرة الجهني والربيع «2» بن سبرة، فلما قدم
سبرة بكتاب علي ودفعه إلى معاوية جعل يتردد في الجواب مدة، فلما طال ذلك
عليه دعا معاوية رجلا من عبس يدعى قبيصة «3» فدفع إليه طومارا مختوما
عنوانه «من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب» وقال له: إذا دخلت
المدينة فاقبض على أسفل الطومار وأبرزه- وأوصاه بما يقول، وبعثه مع سبرة
رسول علي فقدما المدينة، فرفع العبسي الطومار كما أمر معاوية، فخرج الناس
ينظرون إليه وعلموا حينئذ أن [معاوية] «4» معترض معاند؛ فلما دخلا على علي
دفع إليه العبسي الطومار ففض عن خاتمه فلم يجد في جوفه شيئا، فقال لسبرة:
ما وراءك؟ قال: تركت قوما لا يرضون إلا بالقود، وقد تركت ستين ألف شيخ
يبكون تحت قميص عثمان، فقال علي: أمني يطلبون دم عثمان.
ثم كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على الكوفة «بسم الله الرحمن الرحيم-
__________
(1- 1) في الأصل: يود كلابا- كذا، وبمنى التصحيح على الطبري.
(2) لم يذكره في الطبري، ولعله: والد الربيع بن سبرة.
(3) راجع أيضا الطبري 5/ 162.
(4) زيد من الطبري.
(2/529)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد
الله بن قيس الأشعري، سلام عليك! فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد! فإنه قد بلغك ما كان من مصاب عثمان وما اجتمع الناس عليه من
بيعتي، فادخل فيما دخل فيه الناس ورغب أهل ملكك «1» في السمع والطاعة،
واكتب إلي بما كان منك ومنهم إن شاء الله- والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته» . وبعث الكتاب مع عبد الأسلمي، فلما قدم معبد الكوفة دعا أبو موسى
الأشعري الناس إلى طاعة علي فأجابوه طائعين، وكتب إلى علي بن أبي طالب «بسم
الله الرحمن الرحيم- لعبد الله علي أمير المؤمنين من عبد الله بن قيس، سلام
عليك! فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد! فقد قرأت كتابك
ودعوت من قبلي المسلمين فسمعوا وأطاعوا- والسلام عليك ورحمة الله وبركاته»
ودفع كتابه إلى معبد.
وكانت «2» عائشة خرجت معتمرة، فلما قضت عمرتها نزلت على باب المسجد واجتمع
إليها الناس فقالت: أيها الناس! إن الغوغاء من أهل الأمصار وعبيد أهل
المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول بالأمس ظلما، واستحلوا البلد الحرام
وسفكوا الدم الحرام. فقال عبد الله ابن عامر: ها أنا ذا أول طالب بدمه،
فكان أول من انتدب لذلك.
ولما كثر الاختلاف بالمدينة استأذن طلحة والزبير عليا في العمرة، فقال
لهما: ما العمرة تريدان، وقد قلت لكما قبل بيعتكما لي: أيكما شاء بايعته،
فأبيتما إلا بيعتي، وقد أذنت لكما، فاذهبا راشدين «3» ، فخرجا إلى مكة
وتبعهما عبد الله بن عامر بن كريز فلما لحقهما قال لهما: ارتحلا فقد
بلغتكما حاجتكما، فاجتمعوا مع عائشة بمكة وبها جماعة من بني أمية.
ثم جمع معاوية أهل الشام على محاربة علي والطلب بالقود من دم عثمان،
__________
(1) في الأصل: ملك.
(2) راجع أيضا الطبري 5/ 165.
(3) راجع أيضا الفتوح 2/ 275 و 276.
(2/530)
واحتال في قيس بن سعد بن عبادة وكان واليا
على مصر، وكتب إلى علي كتابا «1» يمرغ فيه معاوية، فلما قرأ علي الكتاب عزل
قيسا وولى عليها محمد بن أبي بكر «2» .
وخرج قسطنطين بن هرقل بالمراكب «3» يريد المسلمين، فسلط «4» الله عليهم «5»
ريحا قاصفا فغرقهم، ونجا قسطنطين بن هرقل حتى انتهى إلى سقلية «6» ، فصنعت
الروم حماما، فلما دخله «7» قتلوه فيه وقالوا له: قتلت رجالنا.
ثم حج بالناس عبد الله بن عباس، أمره علي على الحج، فلما انصرف أجمع طلحة
والزبير [على] «8» المسير بعائشة، فقال طلحة: ما لنا أمر أبلغ في استمالة
الناس إلينا من شخوص ابن عمر معنا، وكان من أمره في عثمان وخلافه له على ما
يعلمه «9» من يعلمه «9» ، فأتاه طلحة فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن عائشة
قصدت الإصلاح بين الناس فاشخص معنا فإن لك بنا أسوة، فقال ابن عمر:
أتخدعونني [لتخرجوني] «10» كما تخرج «11» الأرنب [من] «12» جحرها! إن الناس
إنما يخدعون بالوصيف 1»
__________
(1) في الأصل: كتاب.
(2) هذا السياق قد يعتوره قدر من الغموض، وراجع الطبري 5/ 229- 231 للعثور
على الاحتيال الذي قام به معاوية لأجل إقصاء قيس عن ولاية مصر.
(3) في الأصل: المراكب، وفي الطبري 5/ 161: في ألف مركب.
(4) من الطبري، وفي الأصل: فسلك.
(5) من الطبري، وفي الأصل: عليه.
(6) من الطبري، وفي الأصل: سقيلة.
(7) من الطبري، وفي الأصل: دخلها.
(8) زيد لاستقامة العبارة.
(9- 9) في الأصل: أيعلمه.
(10) زيد بناء على الفتوح 2/ 278.
(11) في الأصل: تخدع، والتصحيح بناء على الفتوح.
(12) زيد من الفتوح 2/ 279.
(13) في الأصل: الوصيف.
(2/531)
والوصيفة والدنانير والدراهم، ولست من أولئك، قد تركت هذا الأمر عيانا وأنا
أدعى إليه «1» في عافية، فاطلبوا لأمركم غيري، فقال طلحة: يغني الله عنك.
وقدم «2» يعلى بن أمية من اليمن [وقد كان] «3» عاملا عليها بأربعمائة من
الإبل، فدعاهم إلى الحملان، فقال له الزبير: دعنا من إبلك هذه، ولكن أقرضنا
من هذا المال، فأعطاه ستين ألف دينار، وأعطى طلحة أربعين ألف دينار،
فتجهزوا وأعطوا [من خف معهم] «4» . |