الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد (الجزء الأوّل)
(1/41)
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَعْظِيمِ
الْعَلِيِّ الْأَعْلَى لِقَدْرِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وفعلا
(1/43)
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
مُقَدِّمَةُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ
قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أبو الفضل رحمه الله «1» :
لاخفاء عَلَى مَنْ مَارَسَ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ خُصَّ بِأَدْنَى
لَمْحَةٍ «2» مِنَ الْفَهْمِ «3» ، بِتَعْظِيمِ اللَّهِ قَدْرَ نَبِيِّنَا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُصُوصِهِ إباه بِفَضَائِلَ
وَمَحَاسِنَ وَمَنَاقِبَ لَا تَنْضَبِطُ»
لِزِمَامٍ، وَتَنْوِيهِهِ «5» مِنْ عَظِيمِ «6» قَدْرِهِ بِمَا تَكِلُّ
عَنْهُ الْأَلْسِنَةُ وَالْأَقْلَامُ؛
فَمِنْهَا مَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى فِي كتابه، ونبّه به على جليل نصابه
«7» ،
__________
(1) - وفي نسخة (قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ
وَفَّقَهُ الله تعالى وسدده) .
(2) - اللمحة: النظرة الخفية وفي نسخة (لحظة) والمقصود هنا أقل قدر من
الفهم.
(3) - وفي نسخة: من فهم.
(4) - الزمام: هو ما يزم به والمقصود أنها لا تحصر في كتاب.
(5) - تنويهه: نوه به تنويها رفع ذكره وعظمه ومن كلام عمر بن الخطاب رضي
الله عنه: أنا أول من نوه بالعرب: أي رفع ذكرهم بالديوان والإعطاء.
(6) - وفي نسخة «من عظم» وفي أخرى «بعظيم» .
(7) - نصابه: منصبه.
(1/45)
وأثنى به عَلَيْهِ مِنْ أَخْلَاقِهِ
وَآدَابِهِ، وَحَضَّ الْعِبَادَ عَلَى التزامه «1» وتقّلد إيجابه «2» .
فَكَانَ جَلَّ جَلَالُهُ هُوَ الَّذِي تَفَضَّلَ وَأَوْلَى، ثُمَّ مَدَحَ
بِذَلِكَ وَأَثْنَى، ثُمَّ أَثَابَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، فَلَهُ
الْفَضْلُ بَدْءًا وَعَوْدًا، وَالْحَمْدُ أُولَى وَأُخْرَى «3» ...
وَمِنْهَا مَا أَبْرَزَهُ لِلْعِيَانِ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِ
الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَتَخْصِيصِهِ بالمحاسن الجميلة، والأخلاق
الحميدة، والمذاهب الْكَرِيمَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْعَدِيدَةِ،
وَتَأْيِيدِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، وَالْبَرَاهِينِ
الْوَاضِحَةِ، وَالْكَرَامَاتِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَاهَدَهَا مَنْ
عَاصَرَهُ «4» ، وَرَآهَا مَنْ أَدْرَكَهُ «5» ، وَعَلِمَهَا عِلْمَ
يَقِينٍ «6» مَنْ جاء بعده حتى انتهى علم حقيقة ذَلِكَ إِلَيْنَا،
وَفَاضَتْ أَنْوَارُهُ «7» عَلَيْنَا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «8» .
__________
(1) ويعني المصنف بهاتين العبارتين أن ما أمرنا به على قسمين: مستحب وأشار
اليه بقوله (حض العباد على التزامه) وواجب: وأشار اليه بقوله (وتقلد
إيجابه) والتقلد: وضع القلادة في الجيد استعير للالتزام على سبيل الاستعارة
التصريحية الأصلية ويجوز جعله مجازا مرسلا بمعنى أن نقيد أنفسنا بالتزام ما
أوجبه علينا كما تقيد القلادة العنق.
(2) ويعني المصنف بهاتين العبارتين أن ما أمرنا به على قسمين: مستحب وأشار
اليه بقوله (حض العباد على التزامه) وواجب: وأشار اليه بقوله (وتقلد
إيجابه) والتقلد: وضع القلادة في الجيد استعير للالتزام على سبيل الاستعارة
التصريحية الأصلية ويجوز جعله مجازا مرسلا بمعنى أن نقيد أنفسنا بالتزام ما
أوجبه علينا كما تقيد القلادة العنق.
(3) وفي نسخة: والحمد لله أولى وأخرى.. وهذا أولى وأحسن.
(4) - أي عاصر النبي صلّى الله عليه وسلم وفي نسخة (عاصرها) فعود الضمير
هنا على الكرامات.
(5) - وفي نسخة «من أدركها» .
(6) - وفي نسخة «اليقين» .
(7) - وفي نسخة «أنوارها» .
(8) - وفي نسخة (صلى الله عليه وسلم كثيرا) .
(1/46)
عَنْ أَنَسٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ
«2» لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا «3» مُسْرَجًا «4» فَاسْتَصْعَبَ «5»
عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟!! فَمَا
رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ ... قَالَ: «6» فَارْفَضَّ
«7» عرقا «8» .
__________
(1) هو أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي الصحابي رضي الله تعالى عنه، خدم
النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر أو ثمان ولازمه عشر سنين، وروى عنه
ألفي حديث ومائتين وستة، ودعاله صلّى الله عليه وسلم بالبركة في ماله وولده
وعمره والمغفرة، فكان رضي الله عنه من أكثر الناس مالا ودفن ولصلبه بضعة
وعشرون ومائة من الأولاد، وكان له بستان يحمل في السنة مرتين، وعاش حتى سئم
من الحياة، وتوفي سنة 93 هـ وله مائة سنة ودفن قرب البصره.
(2) البراق: سمي بذلك لسرعة سيره كالبرق وهو دابة دون البغل وفوق الحمار
يضع حافره عند منتهى طرفه كما في الصحيح.
(3) ملجما: أي موضوعا في فمه اللجام.
(4) مسرجا: أي شد عليه السرج.
(5) أي أنه صلّى الله عليه وسلم لما أراد ركوبه لم يستقر حتى يركبه.
(6) قال: النبي صلّى الله عليه وسلم أو أنس الراوي أو من كلام الراوي عن
أنس.
(7) أرفض: سال.
(8) هذا الحديث أسنده المصنف من طريق الترمذي.
(1/47)
|