الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله المتفرد «1» باسمه الأسمى «2» ، المختص بالعز «3» الْأَحْمَى «4»
الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ «5» مُنْتَهًى وَلَا وَرَاءَهُ مرمى «6» ، الظاهر»
لا تخيلا «8» ولا وهما، الباطن «9» تقدسا لاعدما «10» ، وسع «11» كل شيء
رحمة
__________
(1) - وفي نسخة- المتفرد المتوحد.
(2) - الاسمى- أفعل التفضيل من السمو وهو الارتفاع أي الممتاز عن المشاركة
في اسمه الأعلى.
(3) - الأعز- من العزة والعزيز الذي لا يحوم حوله ذل ولا مغلوبية.
(4) - الأحمى- أفعل التفضيل من حميته حماية، والمحمي المصون.
(5) - دونه- لها معان منها عند، وأمام، ووراء وهي هنا بمعنى فوق وأمام.
(6) - مرمى- المرمى هو الغرض الذي يرمى اليه وينتهي اليه السهم. فليس للعقل
وراء الايمان به ومعرفته متامس.
(7) - الظاهر- من أسمائه تعالى (وهو بمعنى الواضح الجلي، وهو هنا الظاهر
للفطرة والبصيرة في أياته. وتدبير حكمته. ولا يذكر ألا مقرونا باسمه تعالى
الباطن.
(8) - تخيلا- أي ظنا بالقوة الخيالية.
(9) - الباطن- باعتبار ذاته لا صفاته.
(10) - تقدسا- تفعلا من القدس وهو الطهارة والتنزه: (عدما) أي فقدا اذ لا
يقتضي عدم ظهوره نفي وجوده ونوره.
(11) - وسع- أحاط.
(1/25)
وَعِلْمًا، وَأَسْبَغَ «1» عَلَى
أَوْلِيَائِهِ نِعَمًا عُمًّا «2» ، وَبَعَثَ فيهم رسولا من أنفسهم «3»
أَنْفُسِهِمْ «4» عُرْبًا وَعُجْمًا، وَأَزْكَاهُمْ «5» مَحْتِدًا «6»
وَمَنْمًى «7» ، وَأَرْجَحَهُمْ عَقْلًا وَحِلْمًا «8» ، وَأَوْفَرَهُمْ
عِلْمًا وَفَهْمًا وَأَقْوَاهُمْ يَقِينًا «9» وعزما، وأشدهم بهم رأفة
ورحما، وزكاه رُوحًا وَجِسْمًا، وَحَاشَاهُ «10» عَيْبًا وَوَصْمًا «11» ،
وَآتَاهُ حِكْمَةً «12» وَحُكْمًا «13» وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا
«14» ، وَقُلُوبًا غُلْفًا «15» وَآذَانًا صُمًّا، فَآمَنَ بِهِ
وَعَزَّرَهُ «16» وَنَصَرَهُ مَنْ جعل الله له في مغنم
__________
(1) - أسبغ- أتم وأكمل، وهو في الأصل صفة للدرع وللثوب الطويل.
(2) - عما- جمع عميمه وهي التامة الشاملة.
(3) - أنفسهم- مشتقة من النفس من العرب أو من البشر لا من الملائكة.
(4) - أنفسهم- أشرفهم وأعظمهم. من النفيس.
(5) - أزكاهم- أظهرهم وأنماهم حسا ومعنى.
(6) - محتدا- الأصل وللطبع بكسر التاء.
(7) - منمى- اسم زمان أو مكان مصدر ميمي من النمو.
(8) - حلما- بكسر الحاء هو ضبط النفس عن هيجان الغضب.
(9) - اليقين- هو العلم الذي زال منه الريب تحقيقا.
(10) - حاشاه- فعل ماض بمعنى نزهه الله ويرأه.
(11) - عيبا ووصما- العيب والوصم شيء واحد الا أن الوصم أخص من العيب.
(12) - الحكمة المنع والحكيم من منع نفسه من شهواتها.
(13) - حكما- القضاء في الأحكام.
(14) - عميا- حسا ومعنى.
(15) - غلفا- جمع أغلف وهو ما وضع في غلاف.
(16) - عزره- عظمه ووقره.
(1/26)
السَّعَادَةِ قِسْمًا، وَكَذَّبَ بِهِ
وَصَدَفَ «1» عَنْ آيَاتِهِ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّقَاءَ
حَتْمًا، وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أعمى «2»
صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَشْرَقَ اللَّهُ قَلْبِي وَقَلَبَكَ بِأَنْوَارِ
الْيَقِينِ وَلَطَفَ لِي «3» وَلَكَ بِمَا لطف بأوليائه الْمُتَّقِينَ،
الَّذِينَ شَرَّفَهُمُ اللَّهُ بِنُزُلِ «4» قُدْسِهِ، وَأَوْحَشَهُمْ مِنَ
الْخَلِيقَةِ بِأُنْسِهِ، وَخَصَّهُمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَمُشَاهَدَةِ
عَجَائِبِ مَلَكُوتِهِ «5» وَآثَارِ قُدْرَتِهِ بِمَا مَلَأَ قُلُوبَهُمْ
حَبْرَةً «6» ، وَوَلَّهَ «7» عُقُولَهُمْ فِي عَظَمَتِهِ حَيْرَةً،
فَجَعَلُوا هَمَّهُمْ بِهِ وَاحِدًا، وَلَمْ يَرَوْا فِي الدَّارَيْنِ غيره
مشاهدا.
__________
(1) - صدف: أعرض.
(2) - الاسراء آية 73.
(3) - لطف لي: المشهور تعدية لطف بالباء كقوله تعالى الله لطيف بعباده وجاء
تعديه باللام في قوله (ان ربي لطيف لما يشاء.. وفي نسخة صحيحه (بما لطف
لأوليائه) فما موصوله.. وفي نسخة (بعباده) .
(4) - نزل: ما يهيأ للضيف من مكان.
(5) - الملكوت: باطن الملك. أو العالم العلوي (وكذلك نري ابراهيم ملكوت
السماوات..)
(6) - حبرة: من الحبور وهو السرور (فهم في روضة يحبرون) .
(7) - وله: الوله الحزن أو ذهاب العقل الناشيء منه من باب تعب والوله لغة
نفس الحبرة.
(1/27)
فَهُمْ بِمُشَاهَدَةِ جَمَالِهِ
وَجَلَالِهِ يَتَنَعَّمُونَ «1» .
وَبَيْنَ آثَارِ قُدْرَتِهِ وَعَجَائِبِ عَظَمَتِهِ يَتَرَدَّدُونَ.
وَبِالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ يَتَعَزَّزُونَ
لَهِجِينَ «2» بِصَادِقِ قَوْلِهِ «قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي
خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «3» فَإِنَّكَ كَرَّرْتَ عَلَيَّ السُّؤَالَ فِي
مَجْمُوعٍ «4» . يَتَضَمَّنُ التَّعْرِيفَ بِقَدْرِ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ تَوْقِيرٍ وَإِكْرَامٍ،
وَمَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يُوَفِّ وَاجِبَ عَظِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ أَوْ
قَصَّرَ فِي حَقِّ مَنْصِبِهِ الْجَلِيلِ قُلَامَةَ»
ظُفْرٍ، وَأَنْ أَجْمَعَ لَكَ مَا لِأَسْلَافِنَا وَأَئِمَّتِنَا فِي
ذَلِكَ مِنْ مَقَالٍ، وَأُبَيِّنَهُ بِتَنْزِيلِ، «6» صُوَرٍ وَأَمْثَالٍ.
فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّكَ حَمَّلْتَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا
إِمْرًا «7» ، وَأَرْهَقْتَنِي «8» فِيمَا نَدَبْتَنِي «9» إِلَيْهِ
عُسْرًا، وَأَرْقَيْتَنِي «10» بِمَا كَلَّفْتَنِي مُرْتَقًى صَعْبًا
مَلَأَ قلبي رعبا.
__________
(1) - وفي أصل التلمساني (يتمتعون) .
(2) - لهجين: مواظبين ومداومين على ذكر الله.
(3) - الانعام 91.
(4) - مجموع: أي في مصنف مجموع.
(5) - قلامة: وهو ما يسقط من الظفر.
(6) - بتنزيل صور: أي بتصوير صور.
(7) - إمرا: شديدا وعظيما.
(8) - أرهقتني: الارهاق والرهق تكليف ما لا يطاق (ولا ترهقني من أمري عسرا)
(9) - ندبتني: طلبته مني.
(10) - أرقيتني: الجأتني الى صعوده.
(1/28)
فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ يَسْتَدْعِي
تَقْرِيرَ أُصُولٍ، وَتَحْرِيرَ «1» فُصُولٍ، وَالْكَشْفَ عَنْ غَوَامِضَ
وَدَقَائِقَ مِنْ عِلْمِ الْحَقَائِقِ «2» مِمَّا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُضَافُ إِلَيْهِ أَوْ يَمْتَنِعُ
أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَمَعْرِفَةَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ
وَالرِّسَالَةِ، وَالنُّبُوَّةِ والمحبة والخلة «3» ، وخصائص هذه الدرجة
العلية.
وههنا مَهَامَهُ «4» فِيحٌ «5» تَحَارُ فِيهَا الْقَطَا «6» ، وَتَقْصُرُ
بِهَا الخطا، وَمَجَاهِلُ تَضِلُّ فِيهَا الْأَحْلَامُ إِنْ لَمْ تَهْتَدِ
بِعَلَمِ «7» عِلْمٍ وَنَظَرِ سَدِيدٍ وَمَدَاحِضُ «8» تَزِلُّ بِهَا
الْأَقْدَامُ إِنْ لَمْ تَعْتَمِدْ عَلَى تَوْفِيقٍ مِنَ اللَّهِ
وَتَأْيِيدٍ، لَكِنِّي لِمَا رَجَوْتُهُ لِي وَلَكَ فِي هَذَا السُّؤَالِ
وَالْجَوَابِ مِنْ نَوَالٍ «9» وَثَوَابٍ بِتَعْرِيفِ قَدْرِهِ الْجَسِيمِ،
وَخُلُقِهِ الْعَظِيمِ وَبَيَانِ خَصَائِصِهِ الَّتِي لَمْ تَجْتَمِعْ
قَبْلُ فِي مَخْلُوقٍ، وَمَا يدان «10» الله تعالى به من
__________
(1) - تحرير: تهذيب.
(2) - الحقائق: هي الأمور الثابتة من الأدلة النقلية والعقلية.
(3) - الخلة: بالضم ضرب من المحبة.
(4) - مهامه: جمع مهمه كجعفر وهو القفر والمفازة البعيدة سميت بذلك لانها
مخوفة يقول فيها الانسان لصاحبه مه مه أي اسكت.
(5) - فيح: الواسعة:
(6) - القطا: طائر يوصف بالسرعة في الطيران والاهتداء في الظلمات والتبكير.
(7) - علم علم: علامة يعلم بها.
(8) - مداحض: مزالق.
(9) - نوال: عطاء.
(10) - يدان: يطاع.
(1/29)
حَقِّهِ الَّذِي هُوَ أَرْفَعُ الْحُقُوقِ
لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ اوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايمانا «1» .
وَلِمَا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ وَلِمَا حَدَّثَنَا به ابو
الوليد «2» هشام ابن أحمد الفقيه رحمه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ «3» بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا ابو عمرو النمري «4»
حدثنا أبو محمد «5» بن عبد المؤمن، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
بَكْرٍ «6» ، حَدَّثَنَا سليمان بن الاشعث «7» ، حدثنا موسى بن
__________
(1) - المدثر: 31.
(2) - أبو الوليد هشام ابن أحمد هو الامام القرطبي الزاهد المحدث المعروف
بابن العواد أحد شيوخ المصنف مهر في النحو والعربيه. ووصفه تلميذه القاضي
عياض بالدقة في الاتقان والضبط. وتوسع في المعارف ولد سنة 452 هـ وتوفي سنة
509 هـ.
(3) - الحسين بن محمد حافظ مشهور له كتب مفيدة توفي 498 هـ.
(4) - أبو عمر بن عبد البر النمري. حافظ المغرب وشيخ الاسلام صاحب
الاستيعاب ولد سنة 368 هـ وتوفي في شاطبة سنة 463 هـ.
(5) - أبو محمد بن عبد المؤمن: هو من قدماء شيوخ ابن عبد البر. كان تاجرا
صدوقا لقي كبار العلماء إلا أنه لم يكن جيد الضبط. كما ذكر الذهبي في ميزان
الاعتدال.
(6) - أبو بكر محمد بن بكر: المعروف بابن داسه من مشايخ الحديث المشهورين
أحد رواه سنن أبي داود. وقد روى عنه بالاجازة أبو نعيم الأصبهاني.
(7) - سليمان بن الأشعث: هو الامام الحافظ أبو داوود السجستاني من مشايخه
احمد بن حنبل وقد أراه كتابه فاستحسنه. ومناقبه معروفة وقيل عنه: الين
الحديث لأبي داود كما ألين الحديد لداود عليه الصلاة والسلام ولد سنة 202
هـ وتوفي سنة 275 هـ بالبصرة.
(1/30)
اسماعيل «1» حدثنا حماد «2» اخبرنا عَلِيُّ
بْنُ الْحَكَمِ «3» عَنْ عَطَاءٍ «4» ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ
بِلِجَامٍ مِنْ نار يوم القيامة «6» .
فبادرت الى نكت «7» سافرة «8» عن وجه الغرض، مؤديا من ذلك
__________
(1) - موسى بن اسماعيل: من المحدثين روى عنه البخاري وأبو داود وقال عباس
الدوري: كتبنا عنه خمسة وثلاثين الف حديث، ثقة ثبت. أخرج له الجماعة اصحاب
الكتب الستة وتوفي سنة 223 هـ.
(2) - حماد: روى عنه شعبة ومالك وغيرهما صدوق يغلط وليس هو في قوة مالك
وأخرج له مسلم والأربعة توفي سنة 199.
(3) - علي بن الحكم: البناني البصري روى عن أنس وأبي عثمان الهندي وطائفة
منهم نافع. أخرج له البخاري والأربعة توفي سنة 131 هـ.
(4) - عطاء بن أبي رباح: روى عن عائشة وأبي هريرة وجابر وابن عباس وزيد بن
أرقم وروى عنه الأوزاعي وابن جريج وأبو حنيفة والليث وأمم. أخرج له الأئمة
الستة. وهو من كبار التابعين المتفق على توثيقه وجلالته توفي وله ثمانون
سنة 103 هـ.
(5) - أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر قيل أن النبي صلّى الله عليه وسلم كناه
بها لما رآه يحمل هرة في كمه أسلم عام خيبر وشهدها ولازم مجلس النبي صلّى
الله عليه وسلم صابرا زاهدا ولذا عد من أحفظ الصحابة رضي الله عنهم وروى
عنه ما لم يرو غيره وفي البخاري عنه أنه قال: لم يحفظ أحد أكثر مني ألا عبد
الله بن عمرو بن العاص فانه كان يكتب وانا لا أكتب وكان النبي صلّى الله
عليه وسلم قد دعا له بالحفظ فلم ينس شيئا سمعه بعد. مات بالمدينة.
(6) - أسنده المصنف رحمه الله من طريق أبي داوود وأخرجه الترمذي وحسنه،
وابن حبان والحاكم وابن ماجه بسند صحيح من طريق محمد بن سيرين.
(7) - نكت- نكت في الأرض طعنها وهي هنا ما خفي من الامر حتى يفتقر الى
تفكر.
(8) - وفي نسخة (مسفرة) وفي نسخة (سافرة مسفرة) بالجمع بينهما، وهو الكشف
مطلقا.
(1/31)
الْحَقَّ الْمُفْتَرَضَ، اخْتَلَسْتُهَا
«1» عَلَى اسْتِعْجَالٍ لِمَا الْمَرْءُ بصدده»
من شغل البدن والبال، بما قلده «3» مِنْ مَقَالِيدِ الْمِحْنَةِ الَّتِي
ابْتُلِيَ بِهَا فَكَادَتْ تَشْغَلُ عَنْ كُلِّ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَتَرُدُّ
بَعْدَ حُسْنِ التَّقْوِيمِ إِلَى أَسْفَلِ سُفْلٍ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ
بِالْإِنْسَانِ خَيْرًا لَجَعَلَ شُغْلَهُ وَهَمَّهُ كُلَّهُ فيما يحمد غدا
أو يُذَمُّ مَحَلُّهُ، فَلَيْسَ ثَمَّ سِوَى نَضْرَةِ «4» النَّعِيمِ. أَوْ
عَذَابِ الْجَحِيمِ، وَلَكَانَ عَلَيْهِ بِخُوَيْصَّتِهِ «5»
وَاسْتِنْقَاذِ مُهْجَتِهِ «6» ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ يَسْتَزِيدُهُ، وَعِلْمٍ
نَافِعٍ يُفِيدُهُ أَوْ يَسْتَفِيدُهُ.
جَبَرَ «7» اللَّهُ تَعَالَى صَدْعَ «8» قُلُوبِنَا، وَغَفَرَ عَظِيمَ
ذُنُوبِنَا، وَجَعَلَ جَمِيعَ اسْتِعْدَادِنَا لِمَعَادِنَا «9» ، وتوفر
دواعينا) فيما ينجينا ويقربنا اليه
__________
(1) - وفي نسخة (اختلسها) بالمضارع المتكلم، وفي نسخة (اختلسوها) وهو خطأ
ظاهر.
(2) - بصدده: بسبيله.
(3) - قلده: بالمجهول، وفي نسخة (طوقه) والمعنى واحد أي كلفه.
(4) - نضرة: الحسن، وفي نسخة (حضرة) اشارة الى حضوره.
(5) - خويصته: تصغير خاصته، وهو الأمر الذي يختص به.
(6) - مهجته: روحه.
(7) - جبر: أصلح.
(8) - صدع: كسر.
(9) - معادنا: مرجعنا.
(1/32)
زلفى «1» وَيُحْظِينَا «2» بِمَنِّهِ «3»
وَرَحْمَتِهِ.
وَلَمَّا نَوَيْتُ تَقْرِيبَهُ وَدَرَّجْتُ «4» تَبْوِيبَهُ، وَمَهَّدْتُ
تَأْصِيلَهُ وَخَلَّصْتُ «5» تَفْصِيلَهُ وَانْتَحَيْتُ «6» حَصْرَهُ
وتحصيله ترجمته «7» بالشفا «8» بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى.
وَحَصَرْتُ الْكَلَامَ فِيهِ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ «9» .
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ:) فِي تَعْظِيمِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى لِقَدْرِ
هَذَا النَّبِيِّ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَتَوَجَّهَ «10» الكلام فِيهِ فِي
أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ.
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي ثَنَائِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهِ
عَظِيمَ قَدْرِهِ لَدَيْهِ وفيه عشرة فصول.
__________
(1) - زلفى: مصدر أو حال من تزلف تقرب (وأزلفت الجنة للمتقين) .
(2) - يحظينا: يرفع قدرنا ويخصنا بالمنزلة العلية.
(3) - بمنه: بسبب امتنانه.
(4) - درجت: رتبت ومنه الدرج أي درجة درجة.
(5) - خلصت: بينت وعينت.
(6) - انتحيت: قصدت وفي نسخة (انتخبت) من التصفية وهو لا لا معنى له هنا.
(7) - ترجمته: سميته. واصل معنى الترجمة التعبير من لغة لأخرى، أو تبليغ
الكلام الخفي. (ان الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي الى ترجمان) .
(8) - الشفا: هي الشفاء فقد اجازوا للناثر لمراعاة فاصلة السجع ما يجوز
للشاعر كقوله: «لا بد من صنعا وأن طال السفر» ،
(9) - وفي نسخة (في أقسام اربعة) .
(10) - توجه» انحصر.
(1/33)
الْبَابُ الثَّانِي: فِي تَكْمِيلِهِ
تَعَالَى لَهُ الْمَحَاسِنَ خَلْقًا وَخُلُقًا وَقِرَانِهِ «1» جَمِيعَ
الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فِيهِ نَسَقًا «2» وَفِيهِ
سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَصْلًا «3» .
الْبَابُ الثَّالِثُ: فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ
وَمَشْهُورِهَا بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَمَنْزِلَتِهِ، وَمَا
خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَفِيهِ اثْنَا
عَشَرَ فَصْلًا «4» .
الْبَابُ الرَّابِعُ: فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ
مِنَ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ
وَالْكَرَامَاتِ وَفِيهِ ثَلَاثُونَ «5» فَصْلًا.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ «6» من حقوقه عليه
الصلاة والسلام. ويترتب القول فيه في أربعة أبواب.
__________
(1) - قرانه: مقارنته وجمعه.
(2) - نسقا: متتابعا.
(3) - بل هي ستة وعشرون فصلا.
(4) - هكذا في كل النسخ والذي في هذا الباب خمسة عشر فصلا ولعله قصد
بالاثنى عشر فصولا مهمة وبزيادة الثلاثة مكملة.
(5) - الذي فيه من الفصول تسعة وعشرون ولعله عد ما صدر من الباب الى الفصل
فصلا.
(6) - الأنام: الخلق او الانس والجن، أو كل ما على وجه الارض والمناسب هنا
الثاني.
(1/34)
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي فَرْضِ
الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَفِيهِ
خَمْسَةُ فُصُولٍ «1» .
الْبَابُ الثَّانِي: فِي لُزُومِ مَحَبَّتِهِ وَمُنَاصَحَتِهِ وَفِيهِ
سِتَّةُ فصول «2»
الباب الثاني: فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَلُزُومِ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ
وَفِيهِ سَبْعَةُ «3» فُصُولٍ.
الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ
وَفَرْضِ ذَلِكَ وَفَضِيلَتِهِ وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ «4»
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) فِيمَا يَسْتَحِيلُ «5» فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ وَيَصِحُّ «6»
مِنَ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ يضاف اليه، وهذا القسم
__________
(1) - بل هي أربعة والعذر ما تقدم.
(2) - بل هي خمسة.
(3) - بل ستة.
(4) - بل تسعة.
(5) - عقلا ونقلا.
(6) - أي وما يصح.
(1/35)
أَكْرَمَكَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ سِرُّ
الْكِتَابِ وَلُبَابُ ثَمَرَةِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ «1» وَمَا قَبْلَهُ
لَهُ كَالْقَوَاعِدِ وَالتَّمْهِيدَاتِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى مَا نُورِدُهُ
فِيهِ مِنَ النُّكَتِ الْبَيِّنَاتِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ عَلَى مَا بَعْدَهُ
وَالْمُنْجِزُ «2» مِنْ غَرَضِ هَذَا التَّأْلِيفِ وَعْدَهُ، وَعِنْدَ
التقصي لموعدته»
والتفصي «4» عَنْ عُهْدَتِهِ «5» يَشْرَقُ «6» صَدْرُ الْعَدُوِّ
اللَّعِينِ، وَيُشْرِقُ قلب المؤمن باليقين، وتملأ انواره جوانح «7»
صَدْرِهِ وَيَقْدُرُ الْعَاقِلُ «8» النَّبِيَّ حَقَّ قَدْرِهِ،
وَيَتَحَرَّرُ «9» الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابَيْنِ.
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِيمَا يختص بالأمور الدينية ويتشبث «10» بِهِ
الْقَوْلُ فِي الْعِصْمَةِ، وَفِيهِ سِتَّةَ عَشَرَ فصلا «11» .
__________
(1) - أي أبواب منا القسم أو أبواب الكتاب كله وهو الأولى.
(2) - المنجز: الموفي.
(3) - لموعدته: بمعنى الموعد.
(4) - التفصي: التخلص والتفلت.
(5) - عهدته: التزامه وتحمله.
(6) - يشرق: بفتح الياء والراء يضيق لوقوف الشراب ونحوه في الحلق والغصة
مثله ألا أن استعمالها في غير المائعات اكثر.
(7) - جوانح: جمع جانحة وهي اضلاعه التي تحت الترائب مما يلي الصدر كالضلوع
مما يلي الظهر.
(8) - (العاقل) وفي نسخة (الغافل) .
(9) - يتحرر: يتلخص.
(10) - يتشبث: يتعلق.
(11) - عدد الفصول هنا مضبوط.
(1/36)
الْبَابُ الثَّانِي: فِي أَحْوَالِهِ
الدُّنْيَوِيَّةِ وَمَا يَجُوزُ طُرُوُّهُ «1» عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْرَاضِ
«2» الْبَشَرِيَّةِ، وَفِيهِ تِسْعَةُ فُصُولٍ «3» .
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) فِي تَصَرُّفِ «4» وُجُوهِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَنْ
تَنَقَّصَهُ «5» أَوْ سَبَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَيَنْقَسِمُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابَيْنِ.
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حَقِّهِ سَبٌّ وَنَقْصٌ
مِنْ تَعْرِيضٍ «6» أَوْ نَصٍّ «7» وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ «8» .
الْبَابُ الثَّانِي: فِي حُكْمِ شانئه «9» ومؤذيه ومنتقصه «10» وعقوبته
__________
(1) - (طروه) وفي نسخة (طروؤه) أي وقوعه وحدوثه. وذكر صاحب القاموس مادة
طرأ مهموزة ومعتلة وعلى تقدير الهمز يجوز الابدال.
(2) - الأعراض: ما يعرض للانسان من مرض أو نسيان أو نحوهما.
(3) - بل ثمانية.
(4) - تصرف: تنوع.
(5) - تنقصه: عد فيه عيبا.
(6) - التعريض: ذكر الشتم بطريق الكناية أو التلويح كأنه يؤخذ من عرضه أي
جانبه.
(7) - نص: النص هنا التصريح، وله معان أخرى.
(8) - بل تسعة.
(9) - شانئه: مبغضه.
(10) - (منتقصه) وفي نسخة (متنقصه) بتقديم التاء على النون.
(1/37)
وَذِكْرِ اسْتِتَابَتِهِ وَالصَّلَاةِ «1»
عَلَيْهِ وَوِرَاثَتِهِ، وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ «2» وَخَتَمْنَاهُ
بِبَابٍ ثَالِثٍ جَعَلْنَاهُ تَكْمِلَةً لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،
وَوَصْلَةً لِلْبَابَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ
اللَّهَ تَعَالَى وَرُسُلَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَكُتُبَهُ وَآلَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبَهُ، وَاخْتُصِرَ الْكَلَامُ
فِيهِ فِي خَمْسَةِ فُصُولٍ «3» ، وَبِتَمَامِهَا يَنْتَجِزُ الْكِتَابُ،
وَتَتِمُّ الْأَقْسَامُ وَالْأَبْوَابُ، وَيَلُوحُ «4» فِي غُرَّةِ «5»
الْإِيمَانِ لُمْعَةٌ «6» مُنِيرَةٌ، وَفِي تَاجِ التَّرَاجِمِ دُرَّةٌ
خَطِيرَةٌ، تُزِيحُ كُلَّ لَبْسٍ «7» ، وَتُوَضِّحُ كُلَّ تَخْمِينٍ «8»
وَحَدْسٍ «9» ، وَتَشْفِي صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَتَصْدَعُ «10»
بِالْحَقِّ، وَتُعْرِضُ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى لَا إله
سواه أستعين.
__________
(1) - للجنازة.
(2) - كذا في أكثر النسخ وهو خطأ من الناسخ وصوابه (خمسة) كما صححه الشمني
في حواشيه.
(3) - والصواب في (عشرة كما في بعض النسخ وهو مطابق للواقع.
(4) - (يلوح) وفي نسخة (تلوح) فان كانت تلوح فتكون لمعة فاعلا وان كانت
يلوح فلمعة تمييز أو حال.
(5) - غرة: بياض الجبهة.
(6) - لمعة: قطعة.
(7) - لبس: اشكال.
(8) - تخمين: قول من غير تحقيق.
(9) - حدس: ما صدر عن ظن ووهم. واللفظ ساقط من أصل المؤلف كما قال بعضهم
ولكن لا بد من ذكره لتمام السجع.
(10) - تصدع: تجهر به وتظهره.
(1/38)
أيها الاخوة الاحبه:
قصرنا هذا العدد على موضوعات التقديم وبيان أهمية هذا الكتاب لنبدأ- باذن
الله تعالى- في العدد القادم مادة الكتاب مباشرة راجين من المولى تعالى
تسديد الخطى ومن القراء الكرام النصح والارشاد.
والله تعالى هو الموفق للخير وهو يهدي السبيل.
«المحققون»
(1/39)
|