الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الفصل العاشر في ما أَظْهَرَهُ اللَّهُ
تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ كرامته عليه ومكانته عنده وما خصّه
به من ذلك سوى ما تقدّم
- من ذلك ما قصه «1» تعالى، من قصة الإسراء، في سورة «سبحان» «2» و «النجم»
«3» ، وَمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ، مِنْ عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ،
وقربه، ومشاهدته ما شاهد من العبائب..
- ومن ذلك، عصمته من الناس» .
«وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» «4» .
__________
(1) وفي نسخة «ما نصه» .
(2) «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» : الاسراء
رقم «1» .
(3) والمراد هنا قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ
سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، إِذْ يَغْشَى
السِّدْرَةَ ما يَغْشى، ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ
آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» سورة النجم «13- 18» .
(4) «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» المائدة رقم
«67» .
(1/129)
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِذْ يَمْكُرُ
بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» «1» الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ» «2» .
- وما دفع اللَّهُ بِهِ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، مِنْ أَذَاهُمْ
بَعْدَ تَحَرِّيِهِمْ «3» لَهُلْكِهِ، وَخُلُوصِهِمْ نَجِيًّا «4» فِي
أَمْرِهِ، وَالْأَخْذِ عَلَى أَبْصَارِهِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِمْ،
وذهو لهم عَنْ طَلَبِهِ فِي الْغَارِ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذلك من الآيات،
وَنُزُولِ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ، وَقِصَّةِ «سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ» «5»
، حسبما ذَكَرَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ»
، فِي قِصَّةِ الْغَارِ، وحديث الهجرة «7» .
__________
(1) «لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ
وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» الأنفال رقم «30» .
(2) «إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي
الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ
تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ
اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» التوبة «40»
(3) وفي نسخة «تحزبهم» .
(4) مصدر أو وصف أريد به معنى الجمع ومعناه: متناجين متشاورين.
(5) سراقة بن مالك هو: الصحابي الحجازي رضي الله تعالى عنه، كانت هذه القصة
قيل إسلامه، وأسلم في غزوة الطائف، بعد فتح مكة، ومات في سنة أربع وعشرين
هـ، وكان شاعرا.
(6) السير: جمع سيرة بمعنى الطريقة والخصلة، ثم خص بغزوات النبي صلّى الله
عليه وسلم، وأسفاره المفردة بالتدوين.
(7) الهجرة: الانتقال من دار لأخرى، وهي هنا للعهد، أي هجرته صلّى الله
عليه وسلم إلى المدينة المنورة.
(1/130)
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «إِنَّا
أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ» «1» .
أعلمه الله تعالى بما أعطاه.
و «الكوثر» حَوْضُهُ
وَقِيلَ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ
وَقِيلَ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ «2»
وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ
وَقِيلَ: الْمُعْجِزَاتُ الْكَثِيرَةُ
وَقِيلَ: النُّبُوَّةُ
وَقِيلَ: الْمَعْرِفَةُ.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ عَدُوَّهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ.
فَقَالَ تَعَالَى: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» «3» .
أي عدوّك، ومبغضك.
__________
(1) سورة الكوثر «1- 3» .
(2) وهو الأظهر لا أنه الحق.. وهو قول سعيد بن جبير.
(3) سورة الكوثر رقم «3» .
(1/131)
و «الْأَبْتَرُ» : الْحَقِيرُ الذَّلِيلُ،
أَوِ الْمُفْرَدُ الْوَحِيدُ أَوِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: «وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي
وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» «1» .
قيل «2» : «السَّبْعُ الْمَثَانِي» السُّوَرُ الطِّوَالُ الْأُوَلُ.
«وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» أُمُّ الْقُرْآنِ.
وَقِيلَ «3» : «السَّبْعُ الْمَثَانِي» أُمُّ الْقُرْآنِ.
«وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» سَائِرُهُ.
وَقِيلَ: «السَّبْعُ الْمَثَانِي» مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرٍ
وَنَهْيٍ، وَبُشْرَى وَإِنْذَارٍ، وضرب، وَإِعْدَادِ نِعَمٍ.
وَآتَيْنَاكَ نَبَأَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ أُمُّ الْقُرْآنِ «مَثَانِيَ» لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ «4» .
وَقِيلَ: بَلِ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَاهَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَخَرَهَا لَهُ، دون الأنبياء.
__________
(1) الحجر رقم «87» .
(2) وهو المحكي عن ابن عمر وابن مسعود والمنقول عن ابن عباس.
(3) وهو المحكي عن عمر وعلي والحسن البصري.
(4) ركعة: أي صلاة تسمية للشيء باسم جزئه.
(1/132)
وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ «مَثَانِيَ» لِأَنَّ
الْقَصَصَ تُثْنَى فِيهِ.
وَقِيلَ «1» : «السَّبْعُ الْمَثَانِي» أَكْرَمْنَاكَ بِسَبْعِ كَرَامَاتٍ،
الْهَدْيُ، وَالنُّبُوَّةُ، وَالرَّحْمَةُ، وَالشَّفَاعَةُ،
وَالْوِلَايَةُ، وَالتَّعْظِيمُ، وَالسَّكِينَةُ.
وَقَالَ تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ» «2» الآية.
وقال تعالى: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً
وَنَذِيراً» «3» .
وقال تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
جَمِيعاً» «4» الآية.
قال القاضي «5» : فَهَذِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» «6» .
__________
(1) أي عن الإمام جعفر الصادق.
(2) «..... لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ» النحل رقم «44» .
(3) «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» سبأ رقم «28» .
(4) «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ
الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ» الأعراف رقم «158» .
(5) تقدمت ترجمته في أول الكتاب.
(6) «.... فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» إبراهيم رقم «4» .
(1/133)
فَخَصَّهُمْ بِقَوْمِهِمْ، وَبَعَثَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى الخلق.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ إِلَى
الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» «1» .
وَقَالَ تَعَالَى: «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ،
وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» «2» .
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: «أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»
أَيْ:
مَا أَنْفَذَهُ فِيهِمْ مِنْ أَمْرٍ، فَهُوَ مَاضٍ عَلَيْهِمْ، كَمَا
يَمْضِي حُكْمُ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ.
وَقِيلَ: اتِّبَاعُ أَمْرِهِ أَوْلَى مِنَ اتِّبَاعِ رَأْيِ النَّفْسِ.
«وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» أَيْ: هُنَّ فِي الْحُرْمَةِ
كَالْأُمَّهَاتِ، حُرِّمَ نِكَاحُهُنَّ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ تَكْرِمَةً له
وخصوصية، ولأنهن له أزواج في الجنة «3» ...
وقد قرىء «4» : «وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ» وَلَا يُقْرَأُ بِهِ الْآنَ «5» ،
__________
(1) كما تقدم.
(2) «..... وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ
اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى
أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً» الأحزاب
رقم «6» .
(3) وفي نسخة «في الآخرة» .
(4) أي في الشواذ، قيل: وهي قراءة مجاهد ونسبت أيضا إلى أبي بن كعب أيضا.
(5) إذ أركان القراءة هي المطابقة الرسمية، والموافقة للعربية، والنقل
المتواتر الاجماعية، والأخيرة عمدة.
(1/134)
لِمُخَالَفَتِهِ الْمُصْحَفَ «1» ..
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ»
الآية «2» . «وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً»
«3» .
قِيلَ: «فَضْلُهُ الْعَظِيمُ» بِالنُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ: بِمَا سَبَقَ لَهُ فِي الْأَزَلِ.
وَأَشَارَ الْوَاسِطِيُّ «4» إِلَى أَنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى احْتِمَالِ
الرُّؤْيَةِ الَّتِي لَمْ يَحْتَمِلْهَا موسى عليه السلام.
__________
(1) المراد بالمصحف الإمام الذي نسخه عثمان رضي الله عنه وهو ما عليه بقية
المصاحف إلى يوم الدين.
(2) «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
عَظِيماً» النساء رقم «113» .
(3) النساء رقم «113» .
(4) تقدمت ترجمته في ص «91» رقم «4» .
(1/135)
|