الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الثامن زواجه صلّى الله عليه وسلّم وما يتعلّق به
أَمَّا النِّكَاحُ. فَمُتَّفَقٌ فِيهِ شَرْعًا وَعَادَةً. فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْكَمَالِ وَصِحَّةِ الذُّكُورِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلِ التَّفَاخُرُ بِكَثْرَتِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالتَّمَادُحُ بِهِ سِيرَةٌ مَاضِيَةٌ.
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَسُنَّةٌ مَأْثُورَةٌ.
وَقَدْ قَالَ ابن «1» عباس «2» رضي الله عنهما: أفضل هذه الأمة أكثرها نساء ...
مشيرا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا، فَإِنِّي مباه بكم
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «52» رقم «6» .
(2) كما رواه البخاري.
(3) كما ذكر ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر مرفوعا بسند ضعيف وذكر مثله الطبراني في الأوسط.

(1/190)


الأمم «1» ، وَنَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ «2» . مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قَمْعِ الشَّهْوَةِ، وَغَضِّ الْبَصَرِ، اللَّذَيْنِ نَبَّهَ عَلَيْهِمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بِقَوْلِهِ «3» : «مَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» .
- حَتَّى لَمْ يَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِمَّا يَقْدَحُ فِي الزُّهْدِ.
قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «4» : قَدْ حُبِّبْنَ إِلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، فَكَيْفَ يُزْهَدُ فيهن؟!!
ولابن عيينه «5» نحوه ...
وَقَدْ كَانَ زُهَّادُ الصَّحَابَةِ «6» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- كثيري الزوجات والسراري، كثيري النكاح.
__________
(1) وفي نسخة زيادة (يوم القيامة) .
(2) كما رواه الشيخان.
(3) كما رواه الطبراني، وأخرجه الشيخان بلفظ: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... » .
(4) تقدمت ترجمته في ص «58» رقم «6» .
(5) هو سفيان بن عينية بن عمران الكوفي، أحد الأئمة الأعلام الامام الحافظ الذي أخرج أصحاب الكتب الستة، وهو من تابعي التابعين، أدرك منهم ستة وثمانين وكان يسكن مكة.. ولد سنة 107 وتوفي سنة 198 هـ.
(6) كعلي وابنه الحسن وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

(1/191)


وَحُكِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ «1» ، وَالْحَسَنِ «2» ، وَابْنِ عُمَرَ «3» ، وَغَيْرِهِمْ غَيْرُ شَيْءٍ ...
وَقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ النِّكَاحُ، وَكَثْرَتُهُ مِنَ الْفَضَائِلِ، وَهَذَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا «4» - عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَدْ أَثْنَى الله تعالى عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ عَمَّا تَعُدُّهُ فَضِيلَةً!!!.
- وَهَذَا عِيسَى «5» بن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَبَتَّلَ مِنَ النِّسَاءِ ... وَلَوْ كان كما قررته لنكح ...
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «54» رقم «4» .
(2) هو أبو محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب، سط رسول الله صلّى الله عليه وسلم وريحانته، أمير المؤمنين ولد سنة 3 من الهجرة.. وفي الحديث: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» وفي الحديث أيضا: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» توفي في المدينة سنة 50 هـ ودفن بالبقيع.
(3) ابن عمر: تقدمت ترجمته في ص «182» رقم «1» .
(4) يحيى بن زكريا: نبي الله عليه الصلاة والسلام، وهو ابن خالة عيسى وأكبر منه وكان عمره مائة وعشرون سنة. أما سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام فنبي أيضا وهو من ذرية سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام، وكان آخر من بعث من بني إسرائيل قبل عيسى عليه الصلاة والسلام وقد قتله بنو إسرائيل كما قتلوا ولده سيدنا يحيى عليهما أفضل الصلاة والسلام.
(5) عيسى بن مريم: آخر الأنبياء قبل سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم، أرسل إلى بني إسرائيل. فجحدوا ومكروا، وكان من معجزاته إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله.. ولما أراد بنو إسرائيل قتله رفعه الله تبارك وتعالى إليه «وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» .

(1/192)


فَاعْلَمْ: أَنَّ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يَحْيَى، بِأَنَّهُ حَصُورٌ، لَيْسَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ هَيُوبًا «1» ، أَوْ لَا ذَكَرَ لَهُ ... بَلْ قَدْ أَنْكَرَ هَذَا حُذَّاقُ «2» الْمُفَسِّرِينَ وَنُقَّادُ الْعُلَمَاءِ، وقالوا:
هذه نقيصة وعيب، ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام.
- وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ لَا يَأْتِيهَا. كَأَنَّهُ حُصِرَ عَنْهَا.
وَقِيلَ: مَانِعًا نفسه من الشهوات.
وقيل: ليست له شهوة في النساء.
- فقد بان لك مِنْ هَذَا، أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى النِّكَاحِ نَقْصُ.
- وَإِنَّمَا الْفَضْلُ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةٌ ثُمَّ قَمْعُهَا، إِمَّا بِمُجَاهَدَةٍ كَعِيسَى «3»
عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ بِكِفَايَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَيَحْيَى»
عَلَيْهِ السَّلَامُ، فضيلة زائدة لكونها مشغلة فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، حَاطَّةٌ إِلَى الدُّنْيَا.
__________
(1) هيوبا: المراد هنا جبانا عن النكاح.
(2) حذاق: ج حاذق وهو الماهر.
(3) تقدمت ترجمته قبل قليل.
(4) تقدمت ترجمته أيضا قبل قليل.

(1/193)


- ثُمَّ هِيَ فِي حَقِّ مَنْ أُقْدِرَ عَلَيْهَا وَمَلَكَهَا، وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِيهَا وَلَمْ تَشْغَلْهُ عَنْ رَبِّهِ دَرَجَةً عَلْيَاءَ، وَهِيَ دَرَجَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَمْ تَشْغَلْهُ كَثْرَتُهُنَّ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، بَلْ زَادَهُ ذَلِكَ عِبَادَةً لِتَحْصِينِهِنَّ، وَقِيَامِهِ بِحُقُوقِهِنَّ، وَاكْتِسَابِهِ لَهُنَّ، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُنَّ.
- بَلْ صَرَّحَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حُظُوظِ دُنْيَاهُ هُوَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُظُوظِ دُنْيَا غَيْرِهِ.
فقال عليه الصلاة والسلام: «حبّب إليّ من دنياكم «1» » .
فدلّ أَنَّ حُبَّهُ لِمَا ذَكَرَ مِنَ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ، اللذين هما من أمر دُنْيَا غَيْرِهِ، وَاسْتِعْمَالِهِ لِذَلِكَ لَيْسَ لِدُنْيَاهُ، بَلْ لِآخِرَتِهِ، لِلْفَوَائِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي التَّزْوِيجِ، وَلِلِقَاءِ الْمَلَائِكَةِ فِي الطِّيبِ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا مِمَّا يَحُضُّ عَلَى الْجِمَاعِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَيُحَرِّكُ أَسْبَابَهُ.
- وَكَانَ حُبُّهُ لِهَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَقِمْعِ شَهْوَتِهِ. وكان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدة جَبَرُوتَ مَوْلَاهُ، وَمُنَاجَاتِهِ.
وَلِذَلِكَ مَيَّزَ بَيْنَ الْحُبَّيْنِ، وفصل بين الحالين.
__________
(1) كما رواه الحاكم والنسائي وبقيته: «النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة» . وليس زيادة «ثلاث» في صحيح الروايات.

(1/194)


فَقَالَ: وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» .
- فَقَدْ سَاوَى يَحْيَى «1» وَعِيسَى «2» فِي كِفَايَةِ فِتْنَتِهِنَّ، وَزَادَ فَضِيلَةً بِالْقِيَامِ بِهِنَّ.
- وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أُقْدِرَ عَلَى الْقُوَّةِ فِي هَذَا، وَأُعْطِيَ الْكَثِيرَ مِنْهُ، وَلِهَذَا أُبِيحُ لَهُ مِنْ عَدَدِ الْحَرَائِرِ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِ.
وَقَدْ روينا «3» عن أنس «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ «5» .
قَالَ أَنَسٌ «6» : وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ رجلا.
أخرجه النسائي «7»
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «192» رقم «4» .
(2) تقدمت ترجمته في ص «192» رقم «5» .
(3) كما في البخاري والنسائي.
(4) تقدمت ترجمته في ص «47» رقم «1» .
(5) وهن إحدى عشرة.. كذا في البخاري من حديث أنس رضي الله عنه. وقال ابن خزيمة: لم يقل أحد من أصحاب قتادة بأنهن إحدى عشرة إلا معاذ بن هشام عن أبيه. وعن أنس رواية أخرى في البخاري أنهن تسع ويجمع بينهما..
(6) أخرجه النسائي، وهو هكذا في صحيح البخاري.
(7) هو أبو عبد الرّحمن أحمد بن شعيب النسائي، ولد سنة 225. أخذ من الأئمة الحفاظ العلماء، مقدما على كل من يذكر بهذا العلم في زمانة وكان شافعي المذهب، له مناسك ألفها على مذهب الشافعي وكان ورعا متحريا توفي في مكة سنة 303 ودفن بها.

(1/195)


وروي «1» نحوه، عن أبي رافع «2» .
وعن طاووس «3» : «أعطي عليه الصلاة والسلام قوة أربعين رجلا في الجماع» «4» .
وعن صفوان «5» بن سليم مثله.
وَقَالَتْ سَلْمَى «6» مَوْلَاتُهُ: طَافَ «7» النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً عَلَى نِسَائِهِ التِّسْعِ، وَتَطَهَّرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأُخْرَى وَقَالَ:
«هَذَا أَطْيَبُ وَأَطْهَرُ» .
وَقَدْ قَالَ سُلَيْمَانُ «8» عليه السلام: «لأطوفن «9» الليلة على مئة إمرأة،
__________
(1) في سنن أبي داوود والبيهقي والنسائي ولفظه: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه في يوم أو ليلة واحدة وكان يغتسل عند هذه وهذه..»
(2) أبو رافع مولى النبي صلّى الله عليه وسلم، واسمه ابراهيم وقيل أسلم وقيل ثابت.
(3) هو الإمام عبد الرّحمن بن كيسان اليماني لقب بطاووس لأنه كان طاووس القراء، وهو من أبناء الفرس، أخرج له أصحاب السنن وغيرهم توفي بمكة 106 هـ.
(4) تقدم من رواه ...
(5) صفوان بن سليم: بالتصغير: إمام عابد تابعي، روى عنه أصحاب السنن توفي 132 هـ.
(6) سلمى: بفتح السين. خادمة النبي صلّى الله عليه وسلم، وقيل مولاة صفية عمته صلى الله عليه وسلم، وهي زوج أبي رافع مولدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها.. وهي التي أخبرت سيدنا حمزة بأن أبا جهل سب النبي صلّى الله عليه وسلم، فغضب وذهب اليه فشجه وكان ذلك سبب إسلامه.
(7) هذا حديث صحيح رواه أبو داوود كما قاله السيوطي....
(8) هو سليمان بن داوود، نبي من أنبياء الله تعالى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومن معجزاته بساط الريح وتسخير الجن وكثير من الخلق له، عليه الصلاة والسلام.
(9) على ما رواه الشيخان.

(1/196)


أو تسع وتسعين «1» » وإنه فعل ذلك.
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ «2» : كَانَ «3» فِي ظَهْرِ سُلَيْمَانَ مَاءُ مئة رجل، وكان له ثلثمائة امرأة، وثلثمائة سرية.
وحكى النقاش «4» وغيره: سبع «5» مئة إمرأة، وثلاث مئة سرية.
- وقد كان لداوود «6» عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى زُهْدِهِ وَأَكْلِهِ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَتَمَّتْ بِزَوْجِ أُورِيَّاءَ مئة «7» .
- وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
«إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتسعون نعجة» «8» .
__________
(1) على الشك من الراوي. وفي رواية على ستين وفي أخرى على تسعين ولمسلم على سبعين امرأة ...
(2) مرت ترجمته في ص «52» رقم «6» .
(3) كما رواه ابن جرير في تفسيره عنه موقوفا.
(4) تقدمت ترجمته في ص «90» رقم «1» .
(5) كذا رواه الحاكم عن محمد بن كعب.
(6) داوود عليه الصلاة والسلام نبي من الأنبياء، وهو قاتل جالوت كما ورد في سورة البقرة «وقتل داوود جالوت» ومن معجزاته أن ألان الله له الحديد.
(7) في المستدرك للحاكم في ترجمة عيسى ابن مريم.
(8) سورة ص رقم «23» .

(1/197)


وفي حديث أنس «1» : عنه عليه الصلاة والسلام «2» : «فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِأَرْبَعٍ: بِالسَّخَاءِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَكَثْرَةِ الْجِمَاعِ، وَقُوَّةِ الْبَطْشِ» .
- وَأَمَّا الْجَاهُ فَمَحْمُودٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ عَادَةً، وَبِقَدْرِ جَاهِهِ عِظَمُهُ فِي الْقُلُوبِ.
وقد قال تَعَالَى فِي صِفَةِ عِيسَى «3» عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ «4» » .
لَكِنَّ آفَاتِهِ كَثِيرَةٌ، فَهُوَ مُضِرٌّ لِبَعْضِ النَّاسِ لِعُقْبَى الْآخِرَةِ، فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ مَنْ ذَمَّهُ، وَمَدَحَ ضِدَّهُ.
- وَوَرَدَ فِي الشَّرْعِ «5» مَدْحُ الْخُمُولِ «6» ، وَذَمُّ العلو»
في الأرض.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «47» رقم «1» .
(2) بسند جيد للطبراني في الأوسط.
(3) تقدمت ترجمته في ص «192» رقم «5» .
(4) سورة آل عمران رقم «45» .
(5) كحديث: «رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره» . وحديث: «إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا» .
(6) المقصود بالخمول كراهية الظهور.
(7) كما ورد في الحديث: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم، بأفسد لها من حب المال والجاه لدين المؤمن» . وفي رواية: «من حب الشرف والمال» .

(1/198)


- وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رُزِقَ مِنَ الْحِشْمَةِ، وَالْمَكَانَةِ فِي الْقُلُوبِ، وَالْعَظْمَةِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ وَبَعْدَهَا، وَهُمْ يُكَذِّبُونَهُ، وَيُؤْذُونَ أَصْحَابَهُ، وَيَقْصِدُونَ أَذَاهُ فِي نَفْسِهِ خِفْيَةً، حَتَّى إِذَا وَاجَهَهُمْ أَعَظَمُوا أَمْرَهُ، وَقَضَوْا حَاجَتَهُ. وَأَخْبَارُهُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ سَيَأْتِي بَعْضُهَا. وَقَدْ كَانَ يَبْهَتُ وَيَفْرَقُ لِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَمْ يَرَهُ.
كَمَا روي عن قبيلة «1» : أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُ أَرْعَدَتْ مِنَ الْفَرَقِ «2» ، فَقَالَ: «يَا مِسْكِينَةُ عَلَيْكِ السَّكِينَةُ» «3» .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مسعود «4» رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَرْعَدَ. فَقَالَ له: هوّن عليك فإنّي لست بملك ... » «5»
الحديث «6» .
__________
(1) وهي فيلة بنت محزمة العنبرية.
(2) وحديثها مذكور في شمائل الترمذي وفي سنن أبي داوود، وأخرجه ابن سعد بتمامه كما قاله السيوطي.
(3) وهذه زيادة ابن سعد.
(4) هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي الصحابي البدري كما في البخاري، خلافا لابنه عبد البر وغيره إذ قالوا إنه ليس ببدري، وإنما شهد العقبة الثانية، وسكن بدرا مات سنة 40 هـ.
(5) كما رواه البيهقي عن قيس مرسلا، وقال: هو المحفوظ. ورواه الحاكم وصححه.
(6) ولم يذكره كله لطوله.

(1/199)


- فأما عظيم قَدْرِهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَشَرِيفُ مَنْزِلَتِهِ بِالرِّسَالَةِ، وَإِنَافَةُ «1» رُتْبَتِهِ بِالِاصْطِفَاءِ وَالْكَرَامَةِ فِي الدُّنْيَا، فَأَمْرٌ هُوَ مَبْلَغُ النِّهَايَةِ. ثُمَّ هُوَ فِي الْآخِرَةِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ «2» . وَعَلَى مَعْنَى هَذَا الْفَصْلِ نَظَمْنَا هَذَا القسم بأسره.
__________
(1) أي رفعة رتبته وزبادتها أو ظهورها.
(2) كما في حديث البخاري.

(1/200)