الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ الْحَيَاءُ وَالْإِغْضَاءُ
وَأَمَّا الْحَيَاءُ وَالْإِغْضَاءُ
- فَالْحَيَاءُ: رِقَّةٌ تَعْتَرِي وَجْهَ الْإِنْسَانِ عِنْدَ فِعْلِ مَا يَتَوَقَّعُ كَرَاهِيَتَهُ، أَوْ مَا يَكُونُ تَرْكُهُ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ.
- وَالْإِغْضَاءُ: التَّغَافُلُ عَمَّا يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ بِطَبِيعَتِهِ.
- وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً، وَأَكْثَرَهُمْ عَنِ العورات إغضاء.
قال الله تعالى: «إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ» «1» الآية..
عَنْ «2» أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) «وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» الأحزاب «53» .
(2) كما رواه أبو داوود ...
(3) تقدمت ترجمته في ص «63» رقم «1» .

(1/241)


أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَطِيفَ الْبَشَرَةِ، رَقِيقَ الظَّاهِرِ، لَا يُشَافِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُهُ، حَيَاءً، وَكَرَمَ نَفْسٍ.
وَعَنْ «1» عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ أَحَدٍ مَا يَكْرَهُهُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا وَلَكِنْ يَقُولُ:
«مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَصْنَعُونَ أَوْ يَقُولُونَ كَذَا» يَنْهَى عَنْهُ، وَلَا يُسَمِّي فَاعِلَهُ.
وَرَوَى «3» أَنَسٌ «4» رضي الله عنه: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا- وَكَانَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ- فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: «لَوْ قُلْتُمْ لَهُ يَغْسِلُ هَذَا» وَيُرْوَى يَنْزِعُهَا.
قَالَتْ «5» عائشة رضي الله عنها فِي الصَّحِيحِ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
__________
(1) كما في الصحيحين وأخرجه الترمذي في الشمائل وابن ماجه في الزهد.
(2) تقدمت ترجمتها في ص «146» رقم «5» .
(3) كما رواه ابو داوود.
(4) تقدمت ترجمته في ص «47» رقم «1» .
(5) كما رواه الترمذي.

(1/242)


فحّاشا، ولا متفحشا، ولا صخابا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.
وَقَدْ حُكِيَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ عن التوراة، من رِوَايَةِ ابْنِ سَلَامٍ «1» وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ «2» عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ «3» : أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَيَائِهِ لَا يُثَبِّتُ بَصَرَهُ فِي وَجْهِ أَحَدٍ وَأَنَّهُ كَانَ يُكَنِّي عَمَّا اضْطَرَّهُ الْكَلَامُ إِلَيْهِ مما يكره «4» .
وَعَنْ «5» عَائِشَةَ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط ...
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «73» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ص «72» رقم «3» .
(3) أي عن النبي صلّى الله عليه وسلم في الاحياء وقال العراقي لم أعرف وروده في الأنباء.
(4) قال السيوطي: حديث أنه كان يكني عما اضطره الكلام إليه معلوم من أحواله وأقواله في الأحاديث المشهورة.
(5) رواه الترمذي في الشمائل.
(6) تقدمت ترجمتها في ص «146» رقم «5» .

(1/243)