الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الخوف
من الله والطّاعة له وشدّة العبادة
وَأَمَّا خَوْفُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَطَاعَتُهُ لَهُ، وَشِدَّةُ عبادته، فعلى
قدر علمه بربه.
عن «1» أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»
.
زَادَ «2» فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي عِيسَى «3» التِّرْمِذِيِّ. رفعه
إلى
__________
(1) أخرجه البخاري في الدقائق. وروى احمد والبخاري ايضا ومسلم والترمذي
والنسائي وابن ماجه عن أنس، وزاد الحاكم عن أبي ذر (ولما ساغ لكم الطعام
ولا الشراب) . ورواه الطبراني والحاكم والبيهقي عن أبي الدرداء بزيادة
«ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون الى الله تعالى.. لا تدرون تنجون أو لا تنجون»
وأبو هريرة تقدمت ترجمته في ص «31» رقم «5» .
(2) زاد شيخنا أو بعض مشايخنا.
(3) تقدمت ترجمته في ص «181» رقم «4» .
(1/284)
أَبِي «1» ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «2»
.
«إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أطّت «3»
السماوات، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ. مَا فِيهَا مَوْضِعُ أربع أَصَابِعَ
إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ. وَاللَّهِ لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا،
وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى
الصُّعْدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ. لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ
تُعَضَدُ» .
رُوِيَ هَذَا الْكَلَامُ «وَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ» مِنْ قَوْلِ
أَبِي ذَرٍّ نَفْسِهِ «4» ، وَهُوَ أَصَحُّ.
وَفِي حَدِيثِ «5» الْمُغِيرَةِ «6» : صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى انتفخت قدماه.
__________
(1) هو جندب بن جنادة ابن سكن كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئه اذا حضر ويفتقده اذا غاب. وكان يقول في حقه «ما
أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر» وقال أيضا في حقه رضي
الله عنه «يرحم الله ابا ذر يعيش وحده ويموت وحده ويحشر وحده، توفي بالربدة
سنة 31 هـ.
(2) مرفوعا كما صرح به الترمذي في الزهد وقال: حسن غريب. ويروى عن أبي ذر
موقوفا. واخرج ابن ماجه فيه نحوه، ورواه محمد بن حميد الرازي ورفعه أيضا.
(3) اطت: أحدثت صوتا لقوة ما فوقها من ثقل.
(4) فهو كلام مدرج.
(5) رواه الشيخان وغيرهما.
(6) المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي اسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها
وبيعة الرضوان وهو من دهاة العرب ويقال له مغيرة الرأي توفي سنة 5 هـ.
.
(1/285)
وَفِي رِوَايَةٍ «1» : كَانَ يُصَلِّي
حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ
لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟!
قَالَ: «أفلا أكون عبدا شكورا» !!
وعن «2» أبي سلمة «3» وأبي هريرة «4» رضي الله عنهما نحوه.
وَقَالَتْ «5» عَائِشَةُ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ عَمَلُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيمَةً. وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ
مَا كَانَ يُطِيقُ؟
وَقَالَتْ «7» : كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ
حَتَّى نقول: لا يصوم.
وعن «8» ابن عباس «9» وأم سلمة «10» وأنس «11» رضي الله عنهم نحوه.
__________
(1) أي لهما عنه.
(2) الذي في الشمائل للترمذي: عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
(3) أبو سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف الزهري التابعي أحد الفقهاء السبعة في
المدينة.
(4) تقدمت ترجمته في ص «31» رقم «5» .
(5) رواه الشيخان.
(6) تقدمت ترجمتها في ص «146» رقم «5» .
(7) فيما روياه عنها أيضا.
(8) حديث ابن عباس أخرجه الشيخان، وحديث أم سلمة أخرجه الترمذي والنسائي،
وحديث أنس أخرجه البخاري والترمذي.
(9) تقدمت ترجمته في ص «52» رقم «6» .
(10) أعقل نساء النبي صلّى الله عليه وسلم كانت تحت أبي سلمة بن عبد الاسد
المخزومي وتزوجها بعده الرسول صلّى الله عليه وسلم وهي آخر أمهات المؤمنين
وفاة وذلك في إمارة يزيد..
(11) تقدمت ترجمته ص «47» رقم «1» .
(1/286)
وقال: كنت لا تشاء أن تراه في اللَّيْلِ
مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا، وَلَا نَائِمًا إِلَّا
رَأَيْتَهُ نَائِمًا.
وَقَالَ «1» عَوْفُ بْنُ «2» مَالِكٍ رضي الله عنه: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَاسْتَاكَ، ثُمَّ
تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ مَعَهُ.
فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ، فَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ
إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ
فَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ:
«سُبْحَانَ ذِي الجبروت والملكوت والكبرباء والعظمة» ، ثم سجد، وقال قبل
ذَلِكَ. ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ، ثُمَّ سُورَةً سورة يفعل مثل ذلك.
وعن حذيفة «3» رضي الله عنه: مِثْلُهُ «4» وَقَالَ: سَجَدَ نَحْوًا مِنْ
قِيَامِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْهُ، وَقَالَ:
حَتَّى قَرَأَ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة.
__________
(1) رواه أبو داوود والنسائي.
(2) هو عبد الرّحمن الاشجعي الصحابي الجليل القدر رضي الله عنه سكن الشام
وتوفي أيام عبد الملك سنة 73 هـ..
(3) تقدمت ترجمته في ص «64» رقم «4» .
(4) مثل حديث عوف كما في مسلم.
(1/287)
وعن «1» عائشة رضي الله عنها قَالَتْ:
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ
الْقُرْآنِ لَيْلَةً.
وَعَنْ «2» عَبْدِ الله بن «3» الشّخير رضي الله عنه: أَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ
أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ.
قَالَ «4» ابن أبي هالة «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ
الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «6» «إني لأستغفر الله في اليوم مئة
مَرَّةٍ» وَرُوِيَ «7» «سَبْعِينَ مَرَّةً» . وَعَنْ «8» عَلِيٍّ «9»
رَضِيَ الله عنه قال: سألت
__________
(1) برواية الترمذي عن عائشة وأخرجه أحمد والنسائي بسند صحيح عن أبي ذر رضي
الله عنه وفسر الآية: إن تعذبهم فإنهم عبادك.
(2) رواه أبو داوود والترمذي والنسائي.
(3) ابن عوف بن كعب العامري الصحابي البصري المخضرم الذي أدرك الجاهلية
والاسلام روى له أصحاب الكتب الستة.
(4) رواه الطبراني والقضاعي. وقال ابن القيم كما سيأتي إنه لم يثبت. وفي
سنده من لا يعرف، ولا أعلم صحته
(5) تقدمت ترجمته في ص «146» رقم «6» .
(6) رواه مسلم وغيره.
(7) كما في البخاري والترمذي.
(8) هذا الحديث ذكره في الإحياء، وقال العراقي، إنه لا أصل له، وقال
السيوطي رحمه الله تعالى إنه موضوع، واثار الوضع لائحة عليه وهو يشبه كلام
الصوفية. والمؤلف ثقة حجة فحسن الظن به انه ما رواها الا عن بينة وان لم
تكن عندنا بينة.
(9) تقدمت ترجمته في ص «54» رقم «4» .
(1/288)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنّته.
فقال: «المعرفة رأس مالي، وَالْعَقْلُ أَصْلُ دِينِي، وَالْحُبُّ أَسَاسِي،
وَالشَّوْقُ مَرْكَبِي، وَذِكْرُ اللَّهِ أَنِيسِي، وَالثِّقَةُ كَنْزِي،
وَالْحُزْنُ رَفِيقِي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضاء غَنِيمَتِي،
وَالْعَجْزُ فَخْرِي، وَالزُّهْدُ حِرْفَتِي، وَالْيَقِينُ قُوَّتِي،
وَالصِّدْقُ شَفِيعِي، وَالطَّاعَةُ حَسْبِي، وَالْجِهَادُ خُلُقِي،
وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَثَمَرَةُ فُؤَادِي فِي ذِكْرِهِ، وَغَمِّي لِأَجْلِ
أُمَّتِي وَشَوْقِي إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.
(1/289)
|