الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الثامن والعشرون أخباره وصفاته وعلامات رسالته عند أحبار ورهبان وعلماء ذلك الزّمان
ومن دلائل نبوته وعلامات رسالاته مَا تَرَادَفَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنِ الرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ وعلماء أهل الكتب عن صِفَتِهِ وَصِفَةِ أُمَّتِهِ وَاسْمِهِ وَعَلَامَاتِهِ ... وَذِكْرِ الْخَاتَمِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَمَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ «1» مِنْ شِعْرِ تُبَّعٍ «2» والأوس «3»
__________
(1) أي العرب المتألهين قبل بعثته صلّى الله تعالى عليه وسلم العالمين بما في الكتب السماوية القديمة.
(2) تبع بضم التاء وتشديد الباء الموحدة اسم لملك اليمن وجمعه تبابعة سمي به لكثرة اتباعه المنقادين له وأصل معناه الظل ولا يسمى تبعا الا اذا ملك حمير وحضرموت واشتهر منهم اثنان تبع الأكبر وهو الاول وتبع الثاني هو الذي أراد تخريب المدينة واستئصال اليهود لما شكر له الانصار منهم لأنهم من اليمن نزلوا عندهم فقال له رجل معمر، الملك أجل من أن يطريه فرق او يستخفه غضب، وأمره أعظم من ان يضيق حلمه او يحزم صفحه وهذه البلدة مهاجر بلدة نبي يبعث بدين ابراهيم عليه الصلاة والسلام
(3) هو ابن ثعلبة العنقا بن عمرو بن مزيقيا بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الازد بن الغوث والاوس في اللغة الذئب او العطية سمي به وله تنسب الانصار وكان أوس من عدة ناس في الفترة هداهم الله تعالى للتوحيد ولم يعبدوا الاصنام وكانوا يعاشرون أهل الكتاب فيخبرونهم بما في كتبهم من ذكر النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فيذكرونه في خطبهم وأشعارهم ولاوس شعر فيه وهو سيد جواد طائي كان صديقا لحاتم الطائي.

(1/715)


بْنِ حَارِثَةَ وَكَعْبِ بْنِ «1» لُؤَيٍّ وَسُفْيَانَ «2» بْنِ مجاشع. وقس «3» بن ساعدة..
__________
(1) هو اول من جمع يوم الجمعة وسماها جمعة وكانت تسمى عروبة في الجاهلية فكان يخطب فيه الناس ويبشر بالنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وفيما نقل من كلامه نظما ونثرا انه قال في خطبة له اما بعد فاسمعوا وتعلموا وافهموا واعلموا ليل ساج ونهار ضاج والارض مهاد والسماء بناء والجبال اوتاد والنجوم اعلام، الى قوله الدار امامكم والظن غير ما تقولون حرمكم زينوه وعظموه. فسيأتي له بناء عظيم، وسيخرج منه نبي كريم. وينشد:
نهار وليل كل يوم بحادث ... سواء علينا ليلها ونهارها
منونان بالاحداث حتى تناوبا ... وبالنعم الضافي علينا ستورها
على غفلة يأتي النبي محمد ... فيخبر اخبارا صدوقا خبيرها
(2) التميمي الدارمي المجاشعي جد الفرزدق دقه والاقرع بن حابس وكان احتمل عن قومه ديات فخرج لحي من تميم فاذا هم مجتمعون عند كاهنة فاتاهم وجلس عندهم فسمع الكاهنة تقول: العزيز من والاه. والذليل من خالاه. والموفور من والاه. والموثور من عالاه. فقال سفيان من تذكرين لله ابوك فقالت: صاحب هدى وعلم، وبطش وحلم، وحرب وسلم. ورأس رؤوس ورابض شموس، وماجن بؤوس وماهد زعوس وناعس ومنعوس فقال سفيان لله أبوك من هو قالت: نبي مؤيد قد أتي حين يوجد. ودنا أوان يولد. يبعث الى الاحمر والاسود، بكتاب لا يفند. اسمه محمد. قال سفيان لله أبوك عربي هو أم عجمي فقالت: أما والسماء ذات العنان، والشجر ذات الافنان إنه لمن معد بن عدنان. فأمسك عن سؤالها ثم ان سفيان ولد له ولد فسماه محمدا لرجاء أن يكون هو النبي المذكور.
(3) الإيادي نسبة الى إياد حي من معد، وكان من الحكماء الزهاد كعمه وخاله منقطعا للعبادة في برية وآمن بالنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم قبل مبعثه ورآه النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم مرتين بسوق عكاظ ولذا عده ابن شاهين وغيره في الصحابة رضي الله عنهم، وعمر حتى قيل انه عاش ست مائة او سبع مائة سنة وأدرك الحواريين فكان على دين عيسى عليه الصلاة والسلام قيل وكانت السباع تدور عنده ولا تؤذيه وربما ضربها بعصاه وهو خطيب مطلق يضرب به المثل وروي له أشعار كثيرة فيها ذكره صلّى الله تعالى عليه وسلم.

(1/716)


وَمَا ذُكِرَ عَنْ سَيْفِ بْنِ «1» ذِي يَزَنَ وَغَيْرِهِمْ.
وَمَا عَرَّفَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ زَيْدُ بن «2» عمرو بن نفيل وورقة «3» ابن نوفل وعثكلان «4» الحميري وعلماء يهود «5» وشامول «6»
__________
(1) من ملوك حمير وقصته مشهورة في التواريخ والسير وكان ظهر على اليمن وظفر بالحبشة بعد مولد النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم بسنتين فاتته وفود العرب تهنئه وتمدحه فاتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب وأمية بن عبد شمس وخويلد بن أسد وغيرهم من وجوه قريش واستأذنوا عليه فاذن لهم وهو معطر بالمسك والعنبر وحوله أبناء الملوك فقال لعبد المطلب إن كنت ممن يتكلم بين الملوك فتكلم، فتكلم عبد المطلب كلاما بليغا ثم قال له الملك يا عبد المطلب إني مفض اليك بسر لو يكون غيرك لم أبح به ولكن وجدتك معدنه فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فان الله بالغ أمره. إني أجد في الكتاب المكنون، والسر المخزون، الذي اخترناه لانفسنا دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس كافة ولرهطك عامة ولك خاصة اذا ولد بتهامة. غلام به علامة بين كتفيه شامة. كانت له الامامة ولكم به الزعامة الى يوم القيامة.
(2) ابن عبد العزى بن رباح العدوي الذي قال فيه رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم انه يبعث أمة وحده لانه كان يطلب دين ابراهيم ويكره الشرك وأهله ويوحد الله واجتمع بالنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم قبل نبوته وتوفي قبل مبعثه وقال شاعت اليهودية والنصرانية فكرهتهما وكنت بالشام فأتيت راهبا فقصصت عليه فقال أراك تريد دين ابراهيم يا أخا أهل مكة انك لتطلب دينا لا يوجد اليوم وهو دين ابيك ابراهيم فالحق ببلدك فان الله يبعث لك من يأتي بدين ابراهيم الحنيفية وهو اكرم الخلق على الله تعالى.
(3) تقدمت ترجمته في ص «232» رقم «6» .
(4) بفتح العين المهملة وسكون المثلثة وكاف ولام والف ونون والحميري نسبة لحمير قبيلة باليمن وقال الشراح لم نقف على قصة عثكلان وان كان قد ذكر في الخصائص ان ابن عساكر ذكر قصته اجتماع عبد الرّحمن بن عوف بعثكلان في بلاد اليمن قبل أن يؤمن عبد الرّحمن بالله ورسوله فذكر له اقتران ظهور نبي في مكة.
(5) وفي نسخة وعلماء يهود وكلاهما صحيح كما بينه سيبويه في باب العلم فانه يكون علما لهذه القبيلة فيمنع من الصرف ولا تدخله الالف واللام.
(6) من علماء اليهود وممن بشر ببعثة النبي صلّى الله عليه وسلم.

(1/717)


عَالِمُهُمْ صَاحِبُ تُبَّعٍ مِنْ صِفَتِهِ وَخَبَرِهِ وَمَا أُلْفِيَ «1» مِنْ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِمَّا قد جمعه العلماء وبيّنوه ونقله عنهما ثقات ممن «2» أَسْلَمَ مِنْهُمْ مِثْلُ: ابْنِ سَلَامٍ «3» وَبَنِي سَعْيَةَ «4» وابن «5» يا مين ومخيريق «6»
__________
(1) ألفي: بهمزة مضمومة ولام ساكنة وفاء مكسورة وياء مثناة تحتية مبني للمجهول بمعنى وجد وأما ما وجد في نسخة بالقاف عوضا عن الفاء فهو تصحيف بمعنى ما وجد.
(2) وفي نسخة ثقات من أسلم بالاضافه.
(3) تقدمت ترجمته في ص «73» رقم «3» .
(4) بني جمع ابن وسعية بسين مفتوحة وعين مهملتين ساكنة ومثناة تحتية وقيل صوابه النون بدل المثناة التحتية بل قيل النون أكثر وأشهر وهم ثعلبة وأسيد بالتصغير والتكبير وفتح الهمزة وزيد وسبب اسلامهم انه قدم عليهم رجل من أهل الشام يقال له ابن الهيبان اقام عندهم وكان عالما يتبركون به ويستسقون فيسقون فلما حضرته الوفاة قال يا معشر يهود انما اقدمني هذه البلدة خروج بني قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجرة وقد كنت أرجو ان ادركه فاتبعه فلما بعث رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وهاجر وحاصر بني قريظة قال لهم بنو سعية وهم احداث والله انه هو الذي عهد اليكم فيه ابن الهيبان فقالوا ليس به قالوا بل هو بصفتة فنزلوا وأسلموا واحرزوا أهلهم وأموالهم ودماءهم.
(5) هو ابن عمير بن عمرو بن كعب بن جحاش من بني النضير وقيل انه بنيامين ويقال بنيامين باللام وهو أحد الحبرين اللذين قدما من اليمن مع تبع واسم الآخر سخيت كما مر وكأنه تصغير سخت كما قاله التلمساني.
(6) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والياء الساكنة وكسر الراء المهملة والياء الساكنة وقاف بصيغة المصغر كان عالما حبرا من أحبار اليهود كثير المال والخيل وكان يعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم بصفته إلا انه غلبه الف دينه فلما كان أحد يوم السبت قال يا معشر يهود انكم لتعلمون ان نصر محمد لحق عليكم فقالوا اليوم يوم السبت فقال إنكم لا سبت لكم ثم أخذ سلاحه وخرج حتى أتى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه باحد وعهد الى قومه ان قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد يصنع بها ما رآه ثم قاتل حتى قتل فجعل ماله صدقة بالمدينة وكان صلّى الله تعالى عليه وسلم يقول مخيريق خير يهود.

(1/718)


وَكَعْبٍ «1» وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاءِ يَهُودَ وبحيراء «2» ونصطور «3» الْحَبَشَةِ وَصَاحِبِ «4» بُصَرَى وَضَغَاطِرَ «5» وَأُسْقُفِ «6» الشَّامِ وَالْجَارُودِ «7»
__________
(1) ابن مانع وهو كعب الاحبار التابعي المشهور ادرك زمنه صلّى الله عليه وسلم وأسلم في خلافة ابي بكر رضي الله عنه وقيل في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وتوفي في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه سنة اثنتين وثلاثين ودفن بحمص وروى عنه آثار كثيرة في صفاته صلّى الله تعالى عليه وسلم في التوراة.
(2) عطفه على علماء اليهود لانه ليس منهم فانه كان نصرانيا وبحيرا بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة ومثناة تحتية وراء مهملة والف مقصورة على المشهور إلا ان البرهان قال ان راءه ممدودة وقصته صحيحة مشهورة في السير وهو راهب كان منقطعا للعبادة بصومعة له عند محل يقال له بصرى في طريق الشام.
(3) احترز به عن نسطور الشام وغيره ونسطور معرب ويقرأ بالسين والصاد ونسطور الشام قصته مذكورة في السير وهي قريبة من قصة بحيرا.
(4) بضم الباء كحبلى بلدة بالشام وهي بين المدينة والشام وصاحبها ملكها الذي أرسل اليه النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم دحية بكتابه وهو الحارث بن ابي شمر الغساني كما قاله ابن حجر وقال إنه مات عام الفتح.
(5) بضاد وغين معجمتين مفتوحتين بعدهما الف وطاء وراء مهملتان ويقال ضغاطن بنون وبغاطر بموحدة تحتية مفتوحة وفاء وهو أسقف من كبار الروم أسلم على يد دحية رضي الله تعالى عنه لما أرسله رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم الى هرقل وغير لباسه وأظهر اسلامه فقتلوه كما ذكره الذهبي وكان ذلك في سنة ست من الهجرة.
(6) وفي نسخة أساقفة الشام ويعني بهم صاحب إيليا وهرقل وابن الناطور وغيرهم واسقف بضم الهمزة وسكون السين المهملة وضم القاف وتشديد الفاء.
(7) هو ابن عمرو بن العلاء او ابن العلاء ويكنى أبا غياث او ابا عتاب واسمه بشر وكان سيد عبد القيس على دين النصرانية وقد وفد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة تسع فعرض عليه الاسلام ورغبه فيه فاسلم هو وأصحابه وحسن اسلامه وكان متصلبا في دينه وادرك الردة ولما ارتد قومه دعاهم الى الحق وقال اشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله وكفر من لم يشهد وسكن بالبصرة وقيل بفارس وقيل بنهاوند سنة احدى وعشرين وسمي الجارود لانه غار على بكر بن وائل فجردهم وقيل لانه فر بابله وبها داء الى اخو له بني شيبان ففشا الداء في ابلهم حتى اهلكها نهو فاعول من الجرد بالجيم وهو الاستئصال.

(1/719)


وسلمان «1» وتميم «2» وَالنَّجَاشِيِّ «3» وَنَصَارَى الْحَبَشَةِ «4» وَأَسَاقِفِ «5» نَجْرَانَ «6» وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى.
وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ هرقل «7» وصاحب «8» رومة «9» عالما
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص «705» رقم «4» .
(2) الداري ينسب للدار وهم بطن باليمن من لخم هم ولد هانىء بن حبيب بن غارة ابن لخم ويكنى بابي رقية واسلم تميم سنة تسع وسكن المدينة ثم انتقل الى الشام بعد قتل عثمان وكان من أهل الكتاب عالما بكتبهم فقرأ فيها بعثة رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم والتبشير به فقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآمن به واقطعه اراضي بالقدس وقصته مشهورة افردها ابن حجر وكذا السيوطي بالتاليف.
(3) تقدمت ترجمته في ص «64» رقم «2» .
(4) هم قوم من نصارى الحبشة عرفوا صفته صلّى الله تعالى عليه وسلم في الانجيل وأخبروا بها.
(5) أساقفة: جمع أسقف وهو الرئيس وهم نصارى وفدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ستون راكبا من اشرافهم وكان لهم علم بالكتاب.
(6) نجران: بفتح النون وسكون الجيم وراء مهملة وألف ونون وهو موضع باليمن سمي بنجران فتح سنة عشر. كذا في القاموس.
(7) ملك الروم بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف وحكي اسكان الراء وكسر القاف وكان يعرف امره صلّى الله تعالى عليه وسلم في الكتب الآلهيه ولكن احب الملك فحكم بشقائه مالك الملك وقد مات على النصرانية وكان عالما بالكتاب وباحوال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما اخبر به دحية.
(8) اختلف فيه فقيل هو ابن الناطور وهو لفظ أعجمي معناه حارس الكروم وقيل هو ضغاطر الذي تقدم واعترض بانه أسلم فلا يناسبه قوله بعده انه ممن حمله الشقاء على البقاء على كفره.
(9) رومه: بضم الراء وسكون الواو وميم مخففة مفتوحة يليها هاء في أكثر النسخ وفي بعضها رومية بياء مخففة عند اهل اللغة كأنطاكية وغيرها وعدوا التشديد لحنا لأنه ليس بنسبة عربية وبعضهم يشددها.

(1/720)


وهم رئيسا النصارى وَمُقَوْقِسُ «1» صَاحِبُ مِصْرَ وَالشَّيْخُ «2» صَاحِبُهُ وَابْنُ صُورِيَا «3» وابن أخطب «4» وأخوه 5، وكعب «6» بن
__________
(1) أي ملكها وهو الذي اهدى الى النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم قدحا من قوارير وجاريته مارية ولم يسلم وغلظ من عده من الصحابة كيف وهو لم يلاق النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وما زال نصرانيا على الاصح واسمه جريح بن سينا كما قاله الدارقطني ولهم مقوقس آخر عد في الصحابة قال الذهبي ولعله الاول وهو ملك القبط وصاحب الاسكندرية وارسل له النبي صلّى الله عليه وسلم كتابا يدعوه فيه الى الاسلام فاجابه بما هو معلوم في كتب الحديث والسير.
(2) أي صاحب المقوقس قال البرهان وغيره وهذا الشيخ لا نعرفه إلا أن المسعودي ذكره وذكر له قصة في كتاب العجائب أحال عليها في مروج الذهب.
(3) بضم الصاد المهملة وواو ساكنة يليها راء مهملة مكسورة ومثناة تحتية والف مقصورة وقيل انها ممالة وهو عبد الله بن صوريا الاعور اليهودي ولم يكن في زمانه أعلم منه بالتوراة وقال النقاش انه اسلم وقيل اسلم ثم ارتد ولم يذكر ابن اسحاق اسلامه وعده في الاصابة من الصحابة وفي معالم التنزيل انه الذي نزل فيه قوله تعالى «من كان عدوا لجبريل» وكلام المصنف رحمه الله مبني على عدم اسلامه.
(4) - (5) بزنة أفعل من الخطبة وهو حيي ابو أم المؤمنين صفية رضي الله تعالى عنها. وياسر أخو حيي بن أخطب، قتل وأخوه كافرين، وكانا يهوديين وكانا يعلمان امر النبي صلّى الله عليه وسلم وما في التوراة من ذكره بصفته ومع ذلك كانا أشد الناس عداوة له كما ذكرت ذلك صفية لرسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم بعد ما أسلمت وقالت لما قدم رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم الى المدينة غدا اليه أبي وعمي ثم جاءا بالعشي فسمعت عمي يقول لأبي أهو هو قال نعم. فقال له عمي ياسر وما في صدرك منه قال: العداوة له ما بقيت.
(6) من بني قريظة وهو صاحب عقدهم وقال لهم لما حاصرهم رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يا معشر يهود إنكم ترون ما نزل بكم من الامر فقالوا نتابعه ونصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وانه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على نسائكم واموالكم واهلكم فقالوا لا نفارق حكم التوراة ولا نستبدل به غيره الى آخر القصة وما فيها من نقضهم العهد وقتلهم ويقال إن اسم كعب بفتحتين وكاف ومثناة فوقية ودال مهملة.

(1/721)


أَسَدٍ وَالزُّبَيْرُ «1» بْنُ بَاطِيَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ مِمَّنْ حَمَلَهُ الْحَسَدُ «2» وَالنَّفَاسَةُ «3» عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الشَّقَاءِ.
وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ لَا تَنْحَصِرُ وَقَدْ قَرَّعَ «4» أَسْمَاعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ أَصْحَابِهِ.. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ صُحُفُهُمْ «5» .. وَذَمَّهُمْ بِتَحْرِيفِ ذَلِكَ وَكِتْمَانِهِ وَلَيِّهِمْ «6» ألسنتهم ببيان أمره.. ودعوتهم إلى
__________
(1) الزبير هنا بفتح الزاي المعجمة وهو من يهود بني قريظة ايضا قتل كافرا في وقعة بني قريظة وهو جد عبد الرّحمن بن الزبير بضم الزاي وقيل انه بفتحها كاسم جده قيل والصحيح انه بالضم كما في تاريخ البخاري والزبير هذا قتله ثابت بن قيس بن شماس يوم بني قريظة وكان من أعلم اليهود روى عنه ابنه انه كان يقول اني وجدت سطرا كان ابي يختمه فيه ذكر احمد نبي يخرج بارض القرظ صفته كذا وكذا فتحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم لم يبعث، وباطيا بموحدة والف تليها طاء مهملة ومثناة تحتية والف مقصورة.
(2) الحسد: هو ارادة زوال النعمة عن الناس. وكان من هؤلاء ابن سلول.
(3) النفاسة: بفتح النون بمعنى المنافسة من نفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره يستأهله أنفة.
(4) قرع: بالبناء للفاعل والتخفيف والتشديد. والقرع الضرب بما يسمع له صوت فاذا شدد كان مبالغة فيه ويكون بمعنى التوبيخ والتعيير فاذا خفف فهو استعارة للمبالغة في الجهر حتى كأنه يضرب أسماعهم فاذا شدد فالمراد به توبيخهم بما ذكر.
(5) صحف: بفتحتين وتسكن تخفيفا جمع صحيفة وهي الكتاب والاكثر جمعه على صحائف لان فعيله لا تجمع على فعل الا نادرا.
(6) ليهم: أصل اللي: قتل الحبل ونحوه فاستعير لصرف السنتهم عن الصدق الى الكذب.

(1/722)


المباهلة «1» على الكاذب فما منهم إلا نَفَرَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَإِبْدَاءِ مَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ كُتُبِهِمْ إِظْهَارَهُ وَلَوْ وَجَدُوا خِلَافَ قَوْلِهِ.. لَكَانَ إِظْهَارُهُ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَذْلِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَتَخْرِيبِ الدِّيَارِ وَنَبْذِ الْقِتَالِ
وَقَدْ قَالَ لَهُمْ «قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «2» » إِلَى مَا أَنْذَرَ بِهِ الْكُهَّانُ «3» مِثْلُ شَافِعِ «4» بْنِ كُلَيْبٍ وَشِقٍّ «5» وَسَطِيحٍ «6» وَسَوَادِ «7» بْنِ قَارِبٍ
__________
(1) أي قرع أسماعهم بدعوتهم الى المباهلة وكلها منهم كما وقع له صلّى الله عليه وسلم مع نصارى نجران اذ دعاهم الى المباهلة فاتوا وبذلوا الجزية والمباهلة؛ الملاعنة من البهل وهي اللعنة بأن يقول كل منهما لعنة الله على الظالم الكاذب منا.
(2) سورة آل عمران آية رقم «94» .
(3) الكهان: جمع كاهن وهو الذي كان يخبر بالامور قبل وقوعها ويدعي الاطلاع عليها.
(4) شافع بشين معجمة كاسم الفاعل من الشفاعة وكليب مصغر كلب وهو كاهن من كهان العرب اخبر تبعا يخبر النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وبمهاجرته الى المدينة.
(5) كاهن من كهان العرب بكسر الشين المعجمة هو شق بن صعب بن يشكر وجده الاعلى ربيعة بن المسار وكان بيد واحدة وعين واحدة وكانت العرب تأتيه فيخبرهم بما سيأتي.
(6) كاهن من كهان العرب بفتح السين وكسر الطاء المهملتين ومثناة تحتية ساكنة وحاء مهملة وهو ابن ربيعة بن مسعود بن مازن بن غسان قيل ان جسده لا عظم فيه غير جمجمة رأسه فكان يدرج كالثوب فاذا غضب انتفخ وقيل انه عاش ثلاثمائة سنة.
(7) هو سواد الدوسي الصحابي وكان كاهنا من كهان العرب له رئي من الجن يأتيه ويخبره بالمغيبات فبينما هو ذات ليلة اذ أتاه فضربه برجله وقال له قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي ان كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو الى الله تعالى والى عبادته ثم اتاه ليالي يقول له مثل مقالته فركب ناقته واتى المدينة واجتمع مع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وآمن به وأخبره بخبر رؤيته.

(1/723)


وَخُنَافِرٍ «1» وَأَفْعَى «2» نَجْرَانَ وَجَذْلِ «3» بْنِ جَذْلٍ الْكِنْدِيِّ وَابْنِ خَلَصَةَ «4» الدَّوْسِيِّ وَسَعْدِ «5» بْنِ بِنْتِ كُرَيْزٍ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ «6» وَمَنْ لَا يَنْعَدُّ كَثْرَةً.
__________
(1) بضم الخاء المعجمة ونون والف بعدها فاء مكسورة وراء مهملة وهو كاهن من حمير له رئي من الجن اخبره ببعثة النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فاسلم على يد معاذ رضي الله تعالى عنه ولم ير النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فهو تابعي.
(2) هو ملك من ملوك نجران، كان كاهنا وهو الافعى بن الافعى الجرهمي وهو الذي حكم بين بني أولاد نزار لما تشاحنوا في ميراث ابيهم وهم مضر وربيعة وانمار وإياد وقال يا مضر أنت أبو النبي التهامي فانا نجد في الاثار انه من ولد نزار بن سعد بن عدنان واني لارى للنبوة بين عينيك نورا وأجلسه على سرير ملكه وجلس تحته.
(3) كاهن من كهان العرب أخبر بمبعثه صلّى الله عليه وسلم قديما من كندة وهي قبيلة معروفة لما ولدته أمه التمست ذكره فلم تجده من شدة البرد فظنته جارية فطرحته وزوجها في سكرات الموت فاشتغلت بموته ثم ذكرت بعد ثلاث رؤيا بشرت فيها بولد ذكر تسميه باسم أبيه فقامت وهي تظن انه مات فوجدت كلبة ترضعه فحملته وسمته باسم أبيه.
(4) بخاء معجمة ولام وصاد مهملة مفتوحات هو كاهن من كهان العرب بشر بالنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم والشراح لعدم وقوفهم على قصتها ظنوها كاهنا ذكرا وانما هي كاهنة فإن خلصة امرأة والكاهن ابنها.
(5) بضم الكاف وبالراء وآخره زاي معجمة وفي النسخ هنا اختلاف والصحيح ما ذكرناه وهي خالة عثمان بن عفان اخت أمه كانت في الجاهلية لها علم وكهانة فاخبرت عثمان ببعثة النبي وتزوجه بابنته رقية فصدقها وكان ذلك سبب إسلامه فلما أسلم كانت تنشد
هدى الله عثمانا بقولي الى التي ... بها رشده والله يهدي الى الحق.
(6) هي فاطمة بنت النعمان النجارية كان لها تابع من الجن وكان إذا جاء اقتحم عليها فلما بعث رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم اتى وقعد على حائط الدار فقالت له لم لا تدخل فقال قد بعث نبي يحرم الزنا فكان ذلك اول ما سمع بذكر النبي صلّى الله عليه وسلم بالمدينة وكانت في الجاهلية عالمة كاهنة ونعمان بضم النون هو نعمان بن فراد وقيل هو علي بن نعمان بن قراد وروى عن ابن عمرو وغيره فهو تابعي ونعمان اسم موضع.

(1/724)


إِلَى مَا ظَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَصْنَامِ «1» مِنْ نُبُوَّتِهِ وَحُلُولِ وَقْتِ رِسَالَتِهِ.. وَسُمِعَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ «2» وَمِنْ ذَبَائِحَ «3» النُّصُبِ «4» وَأَجْوَافِ الصُّوَرِ «5» وَمَا وُجِدَ مِنَ اسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ مَكْتُوبًا فِي الْحِجَارَةِ وَالْقُبُورِ بِالْخَطِّ الْقَدِيمِ مَا أَكْثَرَهُ مَشْهُورٌ «6»
وَإِسْلَامُ من أسلم بسبب ذلك معلوم مذكور.
__________
(1) أي من بيان حصول نبوته كقول صنم عمرو بن جبلة: «يا عصام يا عصام، جاء الاسلام، وذهب الأصنام» وقول صنم طارق من بني هند بن حرام «يا طارق، بعث النبي الصادق» .
(2) كسماع ذباب بن الحارث هاتفا منهم «يا ذياب يا ذياب، اسمع العجب العجاب، بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة فلا يجاب» .
(3) الذبائح: جمع ذبيحة وهي ما يذبح من بقر ونحوه.
(4) النصب: بضمتين جمع نصب بفتح فسكون وهو ما ينصب من الحجارة والأصنام للعبادة وهو مثل ما سمع عمر رضي الله تعالى عنه من عجل قربه رجل ليذبحه قربانا لصنم فقال «يا آل ذريح أمر نجيح، رجل فصبح، يقول لا إله إلا الله» .
(5) أي ما سمع من الأصنام التي كانوا يصور ونها فهو جمع صورة بمعنى جثة مصورة وهي التمثال والأجواف جمع جوف وهو داخل كل شيء.
(6) كما نقله ثقات المؤرخين في قصص لا تحصى وكما فسر ابن عباس قوله تعالى: «وكان تحته كنز لهما» بأنه قد وجد لوح من ذهب مكتوب فيه «عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب وعجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك وعجبا لمن يرى الدنيّا وتقلبها كيف يطمئن اليها أنا الله لا إله إلا أنا محمد عبدي ورسولي» .

(1/725)