الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الْفَصْلُ الثَّانِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ إِذَا تَابَ
إِذَا قلنا بالاستتابة حيث تصح فالاختلاف عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ.. إِذْ لَا فرق بينهما وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وُجُوبِهَا وَصُورَتِهَا وَمُدَّتِهَا.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ. وَحَكَى ابْنُ «1» الْقَصَّارِ: أَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى تَصْوِيبِ قَوْلِ عُمَرَ «2» فِي الِاسْتِتَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ «3» ، وَعَلِيٍّ «4» ، وَابْنِ مَسْعُودٍ «5» . وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ «6» أبي رياح، والنخعي «7» ،
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «569» رقم «9» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «214» رقم «2» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «31» رقم «4» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «361» رقم «11» .

(2/555)


والثوري «1» ، ومالك «2» وأصحابه، والأوزاعي «3» ، والشافعي «4» وأحمد «5» ، وإسحق «6» ، وأصحاب الرأي «7» .
وذهب طاووس «8» ، وَعُبَيْدُ «9» بْنُ «10» عُمَيْرٍ، وَالْحَسَنُ «11» ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ.
وَقَالَهُ: عَبْدُ الْعَزِيزِ «12» بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُعَاذٍ «13» وَأَنْكَرَهُ سحنون «14» عن معاذ «15» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «186» رقم «3» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «155» رقم «8» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «474» رقم «8» .
(7) أصحاب الرأي: قال النووي: المراد بأصحاب الرأي في عرف أهل خراسان من الشافعية ابو حنيفة وأصحابه وهي عبارة غير لائقة ان قصدوا بها انهم يتبعون آراءهم ولا يتقيدون بنصوص الاحاديث. فان أريد بها شدة ذكائهم في استنباط الاحكام كما قال المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «648» رقم «5» .
(9) وزيد في نسخة (ومحمد بن الحسن) وهو من أصحاب أبي حنيفة.
(10) عبيد بن عمير: ابو قتادة الليثي يروي عن ابن عمر وعائشة، وعنه ابنه وابن أبي مليكة وعمرو بن دينار وآخرون وثقة ابو زرعة وجماعة، توفي سنة أربع وسبعين وأخرج له الستة.
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «60» رقم «8» .
(12) عبد العزيز بن أبى سلمة: الماجشون كان اماما معظما توفي سنة أربع وستين ومائة، أخرج له الائمة الستة روى عن الزهري وابن المنكدر ولم يدرك نافعا وليس بالمكثر
(13) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «379» رقم «3» .
(14) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم (3) .
(15) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (142) رقم (4) .

(2/556)


وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ «1» عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ «2» قَالُوا: وَتَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ، ولكن لا تدرأ الْقَتْلَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «من بدل دينه فاقتلوه» .
وحكي عن عطاء: أنه إِنْ كَانَ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُسْتَتَبْ وَيُسْتَتَابُ الْإِسْلَامِيُّ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْمُرْتَدَّةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ. وتسترقّ. قاله عَطَاءٌ «5» وَقَتَادَةُ «6» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ «7» عَبَّاسٍ: لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ فِي الرِّدَّةِ «8» وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «9» قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكُرُ وَالْأُنْثَى في ذلك سواء وأما مدتها
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (142) رقم (4) .
(2) أهل الظاهر أ؟؟؟ مذهب داود وابن حزم.
(3) رواه الشيخان عن ابن عباس.
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4»
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «30» رقم «4» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «62» رقم «3» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «52» رقم «6» .
(8) لما روى في الحديث عن النهي من قتل النساء.
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .

(2/557)


فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ «1» أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُحْبَسُ فِيهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ «2» وَقَوْلِ أَحْمَدَ «3» ، وَإِسْحَاقَ «4» وَاسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ «5» وَقَالَ: لَا يَأْتِي الِاسْتِظْهَارُ «6» إِلَّا بِخَيْرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ «7» بْنُ أَبِي زَيْدٍ: يريد من الِاسْتِينَاءِ «8» ثَلَاثًا
وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا: الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي الْمُرْتَدِّ قَوْلُ عُمَرَ: يُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «9» بْنُ الْقَصَّارِ: فِي تَأْخِيرِهِ ثَلَاثًا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ.. هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ.
وَاسْتَحْسَنَ الِاسْتِتَابَةَ وَالِاسْتِينَاءَ ثَلَاثًا أَصْحَابُ الرَّأْيِ «10» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «11» الصِّدِّيقِ: أَنَّهُ اسْتَتَابَ امْرَأَةً «12» فَلَمْ تَتُبْ فَقَتَلَهَا
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «113» رقم «4» .
(2) والقول الاخر انه يستتاب في الحال فان تاب والا قتل.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «165» رقم «1» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «474» رقم «8» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(6) الاستظهار هو الاحتياط بالتأخير والتثبت حتى يظهر الاولى.
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «479» رقم «5» .
(8) الاستيناء: التأخير
(9) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1»
(10) أهل القياس
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (156) رقم (6) .
(12) واسمها أم قرفة وهي من بني فزاره.

(2/558)


وقال الشافعي «1» : مرة «2» فقال: إن لم يتب مكانه قتل وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُزَنِيُّ «3» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ «4» : يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ «6» يُسْتَتَابُ أَبَدًا- وَبِهِ أَخَذَ الثَّوْرِيُّ «7» - مَا رُجِيَتْ تَوْبَتُهُ.
وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ «8» عَنْ أَبِي «9» حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثِ جُمَعٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ جمعة مرة.
وفي كتاب محمد «10» عن ابن «11» الْقَاسِمِ يُدْعَى الْمُرْتَدُّ إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.. فإن أبى ضربت عنقه.
واختلف في هَذَا هَلْ يُهَدَّدُ، أَوْ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ أَيَّامَ الاستتابة ليتوب أم لا.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (155) رقم (8) .
(2) أي يستتاب مرة.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (154) رقم (1) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «251» رقم «4» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (54) رقم (4) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (361) رقم (11) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (186) رقم (3) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «141» رقم «1» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (144) رقم «2» .
(11) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «153» رقم «6»

(2/559)


فَقَالَ مَالِكٌ «1» : «مَا عَلِمْتُ فِي الِاسْتِتَابَةِ تَجْوِيعًا وَلَا تَعْطِيشًا..
وَيُؤْتَى مِنَ الطَّعَامِ بِمَا لَا يَضُرُّهُ» .
وَقَالَ أَصْبَغُ «2» : «يُخَوَّفُ أَيَّامَ الِاسْتِتَابَةِ بِالْقَتْلِ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ» . وَفِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ «3» الطَّابِثِيِّ: «يُوعَظُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَيُذَكَّرُ بِالْجَنَّةِ ويخوّف بالنار» .
وقال أَصْبَغُ: «وَأَيُّ الْمَوَاضِعِ حُبِسَ فِيهَا مِنَ السُّجُونِ مَعَ النَّاسِ أَوْ وَحْدَهُ إِذَا اسْتُوثِقَ مِنْهُ سَوَاءٌ، وَيُوقَفُ مَالُهُ إِذَا خِيفَ أَنْ يُتْلِفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُطْعَمُ مِنْهُ وَيُسْقَى. وَكَذَلِكَ يُسْتَتَابُ أبدا كلما رجع وارتد» .
وَقَدِ اسْتَتَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» نَبْهَانَ «5» الَّذِي ارْتَدَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ خمسا.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(3) ابو الحسن الطابثي: نسبة لطابث وهي قربة قريبة من البصرة وهو من جملة العلماء المشهورين
(4) وقد رواه البيهقي بسند مرسل وقال: «استتاب رجلا ارتد اربع مرات اسمه نبهان» .
(5) نبهان: قال الحلبي: في الصحابة نبهان التمار أبو مقبل، ونبهان أبو سعد. ونبهان الانصاري. وجزم التلمساني أنه نبهان التمار روي أنه أتنه امرأة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها ان هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فذهب بها الى البيت فضمها الى نفسه وقبلها فقالت له: اتق الله فتركها وانصرف فأتى النبي صلّى الله عليه وسلم فأخبره فنزل قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ

(2/560)


قال ابْنُ «1» وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يُسْتَتَابُ أَبَدًا كُلَّمَا رَجَعَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ «2» ، وَأَحْمَدَ «3» ، وَقَالَهُ ابْنُ القاسم، وقال إسحق «4» :
«يُقْتَلُ فِي الرَّابِعَةِ» .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: «إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الرَّابِعَةِ قُتِلَ دُونَ اسْتِتَابَةٍ وَإِنْ تَابَ ضُرِبَ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ خُشُوعُ التَّوْبَةِ» .
قَالَ ابْنُ «5» الْمُنْذِرِ: «وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَدَبًا إِذَا رَجَعَ» . وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ «6» ، وَالشَّافِعِيِّ «7» ، وَالْكُوفِيِّ «8» .
هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ عُدُولٍ لَمْ يدفع فيهم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (332) رقم (1) .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (155) رقم (8) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (165) رقم (1) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (474) رقم (8) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (143) رقم (3) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (341) رقم (7) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (155) رقم (8) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (499) رقم (6) .

(2/561)