الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الثالث حكم المرتد إذا اشتبه ارتداده
قال القاضي أبو الفضل: هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ عُدُولٍ لَمْ يُدْفَعْ فِيهِمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ أَوِ اللَّفِيفُ مِنَ النَّاسِ، أَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ لَكِنِ احْتُمِلَ وَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَكَذَلِكَ إِنْ تَابَ..- عَلَى الْقَوْلِ «1» بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ-
فَهَذَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ، وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا، وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ عَنْهُ، وصورة حاله من التهمة في الدين، والنّبز «2» بِالسَّفَهِ وَالْمُجُونِ.
فَمَنْ قَوِيَ أَمْرُهُ أَذَاقَهُ مِنْ شديد النكال من التضييق في السجن
__________
(1) المنقول عن مالك برواية الوليد بن مسلم.
(2) النبز: من الدعاء والنداء بلقب السوء.

(2/562)


وَالشَّدِّ فِي الْقُيُودِ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ منتهى طاقته مما لَا يَمْنَعُهُ الْقِيَامُ لِضَرُورَتِهِ، وَلَا يُقْعِدُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ لَكِنْ وُقِفَ عَنْ قَتْلِهِ لِمَعْنًى أَوْجَبَهُ، وَتُرُبِّصَ بِهِ لِإِشْكَالٍ وَعَائِقٍ اقْتَضَاهُ أَمْرُهُ، وَحَالَاتُ الشِّدَّةِ فِي نَكَالِهِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِهِ
وَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ «1» عَنْ مَالِكٍ «2» وَالْأَوْزَاعِيِّ «3» أَنَّهَا رِدَّةٌ.
فَإِذَا تَابَ نُكِّلَ.
وَلِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ «4» مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ «5» إِذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ سُحْنُونٌ «6» .
وَأَفْتَى أَبُو «7» عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ- عُدِّلَ أَحَدُهُمَا- بِالْأَدَبِ الْمُوجِعِ وَالتَّنْكِيلِ وَالسَّجْنِ الطَّوِيلِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ.
وَقَالَ الْقَابِسِيُّ «8» فِي مِثْلِ هَذَا: وَمَنْ كَانَ أَقْصَى أَمْرِهِ الْقَتْلَ
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «475» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(3) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «111» رقم «6» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «144» رقم (2) .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (154) رقم (2) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (3) .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (483) رقم (5) .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (188) رقم (1) .

(2/563)


فَعَاقَ عَائِقٌ أَشْكَلَ فِي الْقَتْلِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُطْلَقَ مِنَ السِّجْنِ، وَيُسْتَطَالُ سِجْنُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مِنَ الْمُدَّةِ مَا عَسَى أَنْ يُقِيمَ، وَيُحْمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَيْدِ مَا يُطِيقُ.
وَقَالَ فِي مِثْلِهِ مِمَّنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ: يُشَدُّ فِي الْقُيُودِ شَدًّا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي السِّجْنِ حَتَّى يُنْظَرَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا: وَلَا تُهْرَاقُ الدِّمَاءُ إِلَّا بالأمر الواضح، في الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنِ نَكَالٌ لِلسُّفَهَاءِ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً.
فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ سِوَى شَاهِدَيْنِ فَأُثْبِتَ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا، أَوْ جَرْحَتِهِمَا مَا أَسْقَطَهُمَا عَنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَأَمْرُهُ أَخَفُّ لِسُقُوطِ الْحُكْمِ عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يشهد عليه إلا أن يكون ممن يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ التَّبْرِيزِ «1» فَأَسْقَطَهُمَا بِعَدَاوَةٍ.
فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَا يَدْفَعُ الظَّنُّ صِدْقَهُمَا وَلِلْحَاكِمِ هُنَا فِي تَنْكِيلِهِ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ.
وَاللَّهُ ولي الإرشاد «2» .
__________
(1) التبريز: الظهور.
(2) وروي (الرشاد) وهو الصواب والسداد.

(2/564)