الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الْفَصْلُ الثَّامِنُ حُكْمُ سَبِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ، أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا أَتَوْا بِهِ، أَوْ أَنْكَرَهُمْ وَجَحَدَهُمْ.. حُكْمُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَسَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ. «1» » الْآيَةَ
وَقَالَ تَعَالَى: «قُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ. «2» » الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ «لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «3» »
وَقَالَ: «كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «4» »
__________
(1) «وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً» . الاية: 150 سورة النساء
(2) الايات 137 سورة البقرة.
(3) الايات 137 سورة البقرة.
(4) الاية: 286 سورة البقرة.

(2/641)


قَالَ مَالِكٌ «1» فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ «2» وَمُحَمَّدٍ «3» ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «4» وَابْنُ الْمَاجِشُونِ «5» ، وَابْنُ «6» عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَصْبَغُ «7» وَسُحْنُونٌ «8» فِيمَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ تَنَقَّصَهُ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ. وَمَنْ سَبَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
وَرَوَى سُحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: «من سب الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ» .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي هَذَا الْأَصْلِ.. وَقَالَ الْقَاضِي بِقُرْطُبَةَ سَعِيدُ بْنُ «9» سُلَيْمَانَ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ: «مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ قُتِلَ» .
وَقَالَ سُحْنُونٌ «10» : «مَنْ شَتَمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَعَلَيْهِ القتل» .
__________
(1) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «341» رقم «7» .
(2) تقدمت ترجمته في ج 2 ص (153) رقم (1) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(5) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «556» رقم «12» .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «628» رقم «5» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «3» .
(9) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «584» رقم «9» .
(10) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .

(2/642)


وَفِي النَّوَادِرِ «1» عَنْ مَالِكٍ «2» : «فِيمَنْ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْيِ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ عَلِيَّ بْنَ «3» أَبِي طَالِبٍ. اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ» .
وَنَحْوُهُ عَنْ سُحْنُونٍ. وَهَذَا قَوْلُ الْغُرَابِيَّةِ «4» مِنَ الرَّوَافِضِ..
سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ بِعَلِيٍّ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ»
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «5» وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: «مَنْ كَذَّبَ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ تنقّص أحدا منهم أو برىء مِنْهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ» .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «6» الْقَابِسِيُّ: فِي الَّذِي قَالَ لِآخَرَ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ «7» الْغَضْبَانِ.. لَوْ عُرِفَ أَنَّهُ قَصَدَ ذَمَّ الْمَلَكِ قُتِلَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو «8» الْفَضْلِ: وَهَذَا كُلُّهُ فيمن تكلم فيهم بما قلناه
__________
(1) النوادر: كتاب لابن أبي زيد.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «340» رقم (7) .
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «54» رقم «4» .
(4) الغرابية: فرقة من الرافضة قالوا علي أشبه بمحمد من الغراب بالغراب. والذباب بالذباب.
(5) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (499) رقم (6) .
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (76) رقم (2) .
(7) مالك خازن النار.
(8) أبو الفضل القاضي عياض مؤلف الكتاب

(2/643)


عَلَى جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ، أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِمَّنْ حَقَّقْنَا كَوْنَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ مِمَّنْ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ حَقَّقْنَا عِلْمَهُ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمُشْتَهِرِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ، كَجِبْرِيلَ «1» وَمِيكَائِيلَ وَمَالِكٍ، وَخَزَنَةِ الْجَنَّةِ، وَجَهَنَّمَ وَالزَّبَانِيَةِ وَحَمَلَةِ الْعَرْشِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ سُمِّيَ فِيهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَعِزْرَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ وَرِضْوَانَ، وَالْحَفَظَةِ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ «2» مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِ الْخَبَرِ بِهِمَا.. فَأَمَّا مَنْ لم تثبت الأخبار بتعيينه كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَالْخَضِرِ «3» وَلُقْمَانَ «4» وَذِي الْقَرْنَيْنِ «5» وَمَرْيَمَ «6» وَآسِيَةَ «7» وَخَالِدِ بْنِ «8» سِنَانَ (الْمَذْكُورِ أنه نبي أهل
__________
(1) جبريل: إيل بالعبرانية اسم من أسماء الله ومعنى جبرائيل عبد الله.
(2) ورد ذكرهما في الصحيحين، وقال السيوطي إن حديث ملكي السؤال متواتر.
(3) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (923) رقم (1) .
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (187) رقم (6) .
(5) ذو القرنين: كان في زمن الخليل عليه الصلاة السلام.
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص (209) رقم (4) .
(7) آسية: إمرأة فرعون وكانت مؤمنة صالحة.
(8) خالد بن سنان: روي تصته الحاكم في مستدركه وله طرق أخرى تقتضي أنه غير موضوع وكان هو وقومه يسكنون عدن فخرجت نار عظيمة فالتجأ إليه قومه فطردها بعصاه ثم أوصى قومه بوصايا فيها خير فلم ينفذوها.

(2/644)


الرس) وزرادشت «1» الذي تدعي المجوس والمؤرخون نُبُوَّتَهُ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِي سَابِّهِمْ وَالْكَافِرِ بِهِمْ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ قَدَّمْنَاهُ.. إِذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ.. وَلَكِنْ يُزْجَرُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ وَآذَاهُمْ، ويؤدب بقدر حال المقول فيه، لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَتْ صِدِّيقِيَّتُهُ وَفَضْلُهُ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُ.
وَأَمَّا إِنْكَارُ نُبُوَّتِهِمْ، أَوْ كَوْنِ الْآخَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا. فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ تحته عمل لأهل العلم، فكيف للعامة!
__________
(1) زرادشت: تدعي المجوس نبوته، وقيل إنه كان نبيا ولكن قومه حرفوا شريعته بعده.

(2/645)