الشفا
بتعريف حقوق المصطفى وحاشية الشمني الشفا
بتعريف حقوق المصطفى
القاضي عياض
ج 1
(1/)
الشفا بتعريف
حقوق المصطفى
للعلامة القاضي أبي الفضل عياض اليحصبي 544 هـ
مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء
للعلامة أحمد بن محمد بن محمد الشمنى 873
الجزء الأول
دار الفكر الطباعة والنشر والتوزيع
(1/1)
جميع حقوق
إعادة الطبع محفوظة
للناشر 1409 هـ - 1988 م
دار الفكر بيروت لبنان
{ المكاتب: البناية المركزية - هاتف: 244739 -
ص ب: 7061 / 11 المطابع والمعمل: حارة حريك - شارع عبد النور -
هاتف: 390663 (838202 - 837898) برقيا: فكسى.
تلكس: 41392 فكر 41392 LE FIKR
(1/2)
كلمة الناشر:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى
يوم الدين.
أما بعد: فلما كان نشر العلم فضيلة وكانت السنة الشريفة من أجل علوم
الشريعة وأرفعها قدرا) وكان على المسلم أن يتخذ من أقوال وأفعال رسول
الله (ص) نورا وضياء ينير له الطريق لفهم دينه وأحكامه، ومحركا لسلوكه
في عاجلته وذخرا لآخرته، فقد اهتمت دار الفكر منذ تأسيسها بطبع كتب
السنة المحمدية والحديث الشريف، مثل: صحيح البخاري وشرحه فتح الباري
وصحيح مسلم وشروحاته وتصنيفاته، والموطأ وكافة كتب الصحاح وشروحا إلى
جانب أعظم تفاسير القرآن الكريم وأنفعها مثل: الدر المنثور في التفسير
بالمأثور ومعالم التنزيل في التفسير والتأويل للبغوي، والتفسير الكبير
للفخر الرازي، وجامع اليبان عن تأويل آي القرآن للطبري وغير ذلك من
أمهات الكتب في التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه على مختلف المذاهب
والتاريخ واللغة وسائر العلوم والفنون الاسلامية.
وتقدم اليوم احياء للسنة المحمدية كتاب: شفاء القاضي عياض المسمى:
الشفا بتعريف حقوق المصطفى في طبعة جديدة ومصححة ومتقنة، واتماما
للفائدة أضفنا للكتاب كحاشية له.
درة مفيدة هي: حاشية العلامة الشمنى المسماة: مزيل الخفاء عن ألفاظ
الشفاء التي لم تطبع قبل الآن.
وفيما يلي نبذة يسيرة للتعريف بمؤلفي الكتاب والحاشية:
(1/1)
ترجمة القاضى عياض
(1)
هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد
بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي، الإمام العلامة، يكنى أبا الفضل،
ستى الدار والميلاد: أندلسى الأصل.
قال ولده محمد: كان أجدادنا في القديم بالأندلس، ثم انتقلوا إلى مدينة
فاس وكان لهم استقرار بالقيروان لا أدرى قبل حلولهم بالأندلس أو بعد
ذلك.
وانتقل عمرون إلى سبتة بعد سكنى فاس.
وكان القاضى أبو الفضل إمام وقته في الحديث وعلومه، عالما بالتفسير
وجميع علومه، فقيها أصوليا عالما بالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم
وأنسابهم، بصيرا بالأحكام، عاقدا للشروط، بصيرا حافظ لمذهب مالك رحمه
الله تعالى، شاعرا مجيدا ويا نا من علم الأدب، خطيبا بليغا صبورا حليما
جميل العشرة، جوادا سمحا كثير الصدقة، دؤوبا على العمل، صلبا في الحق.
رحل إلى الأندلس سنة تسع وخمسمائة طالبا العلم، فأخذ بقرطبة عن القاضى
أبى عبد الله محمد بن على بن حمدين، وأبى الحسين بن سراج، وعن أبى محمد
بن عتاب وغيرهم وأجاز له أبو على الغساني، وأخذ بالمشرق عن القاضى أبى
على حسين بن محمد الصدفى وغيره، وعنى بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، وأخذ
عن أبى عبد الله المازينى: كتب إليه يستجيزه، وأجاز له الشيخ أبو بكر
الطرطوشى.
ومن شيوخه.
القاضى أبو الوليد بن رشد.
قال صاحب الصلة البشكوالية: وأظنه سمع عن أبى زيد، وقد إجتمع له من
الشيوخ بين من سمع منه وبين من أجاز له مائة شيخ وذكر ولده محمد منهم:
أحمد بن بقى، وأحمد بن محمد بن محمد ابن مكحول، وأبو الطاهر أحمد بن
محمد السلفي، والحسن بن محمد بن سكره، والقاضى أبو بكر بن العربي،
والحسن بن على بن طريف، وخلف بن إبراهيم بن النحاس، ومحمد بن أحمد بن
الحاج القرطبى، و عبد الله بن محمد الخشنى وغيرهم ممن يطول ذكرهم.
__________
(1) نقلت هذه الترجمة من كتاب الديباج الذهب في معرفة أعيان علماء
المذهب للعلامة برهان الدين ابن فرحون المالكى.
(*)
(1/2)
قال صاحب
الصلة: وجمع من الحديث كثيرا وله عناية كبيرة به واهتمام بجمعه وتقييده
وهو من أهل التفنن في العلم واليقظة والفهم، وبعد عودته من الأندلس
أجله أهل سبتة للناظرة عليه في المدونة وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف
عنها، ثم أجلس للشورى ثم ولى قضاء بلده مدة طويلة حمدت سيرته فيها، ثم
نقل إلى قضاء غرناطة في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ولم يطل أمره بها،
ثم ولى قضاء سبتة ثانيا.
قال صاحب الصلة: وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه بعض ما عنده.
قال الخطيب: وبنى الزيادة الغربية في الجامع الأعظم وبنى في جانب
المينا
الراتبة الشهيرة وعظم صيته.
ولما ظهر أمر الموحدين بادر إلى المسابقة بالدخول في طاعتهم ورحل إلى
لقاء أميرهم بمدينة سلا، فأجزل صلته، وأوجب بره، إلى أن اضطربت أمور
الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة فتلاشت حاله، ولحق بمراكش مشردا
به عن وطنه فكانت بها وفاته.
وله التصانيف المفيدة البديعة منها كمال المعلم: في شرح صحيح مسلم،
ومنها كتاب الشفا: بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أبدع فيه كل
الإبداع، وسلم له أكفاؤه كفاءته فيه ولم ينازعه أحد في الانفراد به ولا
أنكروا مزية السبق إليه بل تشوفوا للوقوف عليه، وأنصفوا في الاستفادة
منه، وحمله الناس عنه، وطارت نسخه شرقا وغربا، وكتاب مشارق الأنوار في
تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم وضبط الألفاظ والتنبيه على
مواضع الأوهام والتصحيفات وضبط أسماء الرجال وهو كتاب لو كتب بالذهب أو
وزن بالجوهر لكان قليلا في حقه، وفيه أنشد بعضهم: مشارق أنوار تبدت
بسبتة * ومن عجب كون المشارق بالغرب وكتاب التنبيهات المستنبطة على
الكتب المدونة: جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل، وكتاب
ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك وكتاب الإعلام
بحدود قواعد الإسلام، وكتاب الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع،
وكتاب بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، وكتاب الغنيمة في
شيوخه، وكتاب المعجم في شيوخ ابن سكره، وكتاب نظم البرهان على حجة جزم
الأذان، وكتاب مسألة الأهل المشروط بينهم التزاور، ومما لم يكمله:
المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان، وكتاب العيون الستة في أخبار سبتة،
وكتاب غنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور
(1/3)
والترسل، وكتاب
الأجوبة المحبرة على الأسئلة المتخيرة، وكتاب أجوبة القرطبيين، وكتاب
أجوبته عما نزلت في أيام قضائه من نوازل الأحكام في سفر، وكتاب سر
السراة في أدب القضاة، وكتاب خطبه وكان لا يخطب إلا بإنشائه، وله شعر
كثير حسن رائق فمنه قوله:
يا من تحمل عنى غير مكترث * لكنه للضنى والسقم أوصى بى
تركتني مسهام القلب ذا حرق * أخا جوى وتباريح وأوصاب
أراقب النجم في جنح الدجى سمرا * كأننى راصد للنجم أو صابى
وله رحمه الله تعالى:
الله يعلم أنى منذ لم أركم * كطائر خانه ريش الجناحين
ولو قدرت ركبت الريح نحوكم * فإن بعدكم عنى جنى حينى
وله من أبيات:
إن البخيل بلحظه أو لفظه * أو عطفه أو رفقه لبخيل وله في خامات الزرع
بينها شقائق النعمان هبت عليها أرياح: انظر إلى الزرع وخاماته * تحكى
وقد ماست أمام الرياح كتيبة خضراء مهزومة * شقائق النعمان فيها جراح
وله غير ذلك.
كان مولد القاضى عياض بسبتة في شهر شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة،
وتوفى بمراكش في شهر جمادى الأخيرة وقيل في شهر رمضان سنة أربع وأربعين
وخمسمائة، وقيل إنه مات مسموما سمه يهودى.
ودفن رحمه الله تعالى بباب إيلان داخل المدينة.
و (عياض) بكسر العين المهملة وفتح الياء المثناة التحتية وبعد الألف
ضاد معجمة و (اليحصبى) بفتح الياء المثناة التحتية وسكون الحاء المهملة
وضم الصاد المهملة وفتحها وكسرها وبعدها ياء موحدة نسبة إلى يحصب بن
مالك قبيلة من حمير، وسبتة مدينة مشهورة، وغرناطة: مدينة بالأندلس وهى
بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ثم نون مفتوحة بعدها ألف وبعد
الألف طاء مهملة ثم هاء ويقال فيها أغرناطة بألف قبل الغين.
(1/4)
ترجمة العلامة
الشمني (1) صاحب الحاشية
هو أحمد بن محمد بن محمد حسن بن على بن يحيى بن محمد التقى السكندرى
المولد القاهرى المنشأ الحنفي ويعرف بالشمنى بضم المعجمة والميم ثم نون
مشددة نسبة لمزرعة ببلاد المغرب أو لقرية بها ولد في العشر الأخير من
رمضان سنة إحدى وثمانمائة واشتغل أولا مالكيا ثم تحول حنفيا لكون
البساطى فيما قيل قدم عليه بعض من هو دونه من رفقائه وبرع في الفقه
والأصلين والعربية والمعاني والبيان والمنطق والصرف والهندسة والهيئة
والحساب وسمع الحديث على جماعة وبحث على شيخنا دروسا من شرح ألفية
العراقى ولازمه بعد والده فأحسن إليه وساعده في استخلاص مبلغ ممن وثب
عليه في بعض وظائف أبيه وزاد إقبالا عليه حين وقع السؤال عن حكمة
الترقي من الذرة إلى الحبة إلى الشعيرة في حديث ومن أظلم ممن ذهب يخلق
كخلق فليخلقوا ذرة الحديث.
وأجاب التقى بديهة بأن صنع الأشياء الدقيقة فيه صعبوة والأمر بمعنى
التعجيز فناسب التدلى من الأعلى إلى الأدنى فاستحسنه شيخنا فزاد في
إكرامه والتعريف بفضيلة وتصدى للإقراء، وصنف حاشية على المغنى لخصها من
حاشية الدماميني وزاد عليها أشياء نفيسة سماها المنصف من الكلام على
مغنى ابن هشام، وتعليقا لطيفا في ضبط ألفاظ الشفاء لخصه من شرح البرهان
الحلبي وأتى بتتمات يسيرة فيها تحقيقات دقيقة سماه (مزيل الخفاء عن
ألفاظ الشفاء) وغير ذلك وأقراء في العقليات بدون ملاحظة كراس ولا حاشية
وقد اتفق دخول اثنين من فضلاء العجم الجمالية فوجداه يقرئ في المطول
بدون كراس فجلسا عنده وبحثا معه واستشكلا عليه فلم ينقطع منهما بل
أفحمهما بحيث امتلأت أعينهما من جلالته وصرحا بعد انفصالهما عنه لبعض
أخصائه بأنهما لم يظنا أن في أبناء العرب من ينهض فحكاه للشيخ فتبسم
وقال بذلك قد أقرأته اثنى عشر مرة بغير مطالعة وكان إماما علامة سنيا
متين الديانة ممن ينسب إلى التصوف لم يتدنس بما يحط مقداره وقد عم
النفع به حتى بقى جل الفضلاء من سائر المذاهب من اهل مصر بل وغيرها من
تلامذته
__________
من البدر الطالع المنتخب من الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.
(*)
(1/5)
واشتدت رغبتهم
في الأخذ عنه وتزاحموا عليه وهرعوا صباحا ومساء إليه، وامتدحه من
الشعراء: الشهاب المنصوري وغيره كل ذلك من الشهامة وحسن الشكالة
والأبهة وبشاشة الوجه ومحبة الحديث وأهله وقد حضرت كثيرا من دروسه
وتقنعه بخلوة في الجمالية يسكنها وأمة سوداء لقضاء وطره وغير ذلك وقد
استقر به قانباى الجركسى في خطابة تربته ومشيخة الصوفية بها وتحول
إليها ولم يكن يحابى في الدين أحدا بحيث التمس منه بعض الشبان من ذوى
البيوت إذنه له في التدريس بعد أن أهدى إليه شيئا فبادر لرد الهدية
وامتنع من الإذن وربما كتب فيما لا يرتضيه لقصد جميل ككتابته على كراس
من تفسير البقاعي الذى سماه المناسبات فإنه قال لى حين عاتبتة على ذلك
إنما كتبت لصونه عما رام تمريغا أن يوقعه به ووالله ما طالعته وليس هو
عندي في زمرة العلماء ولم تكن له رغبة في الكتابة على الفتوى مع سؤالهم
له ولا في حضور عقود المجالس وقد خطبه الشهاب ابن العينى أيام ضخامته
للحضور عنده وأح عليه وكان قرره متصدرا فيما جده بمدرسة جده فلم يجد
بدا من إجابته وجاء العبادي ليجلس فوقه بينه وبين الحنفي فما مكنه
الشهاب وحول العبادي إلى جهة يمينه، بل خطب لقضاء الحنفية فأبى بعد مجئ
كاتب السر إليه وإخباره بأنه إن لم يجب نزل إليه السلطان فصمم وقال
الاختفاء ممكن فقال له كاتب السر فبماذا تجيب إذا سألك الله تعالى عن
امتناعك بعد تعينه عليك فقال يفتح الله تعالى حينئذ بالجواب ولم يزل
على وجاهته إلى أن تعلل ومات في ليلة الأحد سابع عشر ذى الحجة سنة
اثنين وسبعين وثمانمائة بمنزل سكنه من التربة المشار إليها وصلى عليه
عند بابها ودفن بها وخلف ذكرين وأنثى من جارية وألف دينار وحفظت جهاته
لولديه رحمه الله تعالى وإيانا.
(1/6)
بسم الله
الرحمن الرحيم اللهم صلى على محمد وآله وسلم.
قال الفقيه القاضى الإمام الحافظ أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض
اليحصبى رحمة الله عليه:
الحمد لله المنفرد باسمه الأسمى، المختص بالعز الأحمى، الذى ليس دونه
منتهى ولا وراءه مرمى، الظاهر لا تخيلا ولا وهما، الباطن بسم الله
الرحمن الرحيم أما بعد حمد الله على إفضاله.
وصلواته على نبيه محمد وآله، فيقول الفقير إلى الله تعالى: أحمد بن
محمد بن محمد بن حسن الشمنى، ختم الله بالسعادة أغماله، وجعل الجنة
منقلبه ومآله: قد يسر الله تعالى عند إقرائي للشفاء شيئا من تفسير
مفرداته، ونبذا من فتح مغلقاته، وحل مشكلاته، فجمعت ذلك نفعا لطالبيه،
وإعانة لمحصليه وقارئيه، وسميته
بمزيل الخفاء عن الفاظ الشفاء
ومن الله أطلب التوفيق، والهداية إلى سواء الطريق.
(قوله المختص) أي المنفرد والممتاز (قوله ليس دونه منتهى) في الصحاح
دون نقيض فوق وهو تقصير عن الغاية، ويقال هذا دون ذاك أي أقرب منه
انتهى.
والمعنى هنا أنه تعالى ليس في جهة وحيز، ولا على مسافة وامتداد لأن كل
ذى جهة ومسافة للقرب منه نهاية، وليس للقرب منه تعالى نهاية، فليس في
جهة، فهو من باب نفى الشئ بنفى لازمه (قوله ولا ورائه مرمى) قال ابن
الأثير في النهاية: أي ليس بعد الله لطالب مطلب، فإليه انتهت العقول
فليس وراء معرفته والإيمان به غاية تقصد.
والمرمى في الأصل: الغرض الذى ينتهى إليه سهم الرامى (قوله الظاهر) أي
بالدلالة الدالة على وجوده قطعا ويقينا لا تخيلا ووهما (قوله الباطن)
أي بحقيقته فلا تدرك كنهه العقول.
(*)
(1/1)
تقدسا لا عدما،
وسع كل شئ رحمة وعلما، وأسبغ على أوليائه نعما عما، وبعث فيهم رسولا من
أنفسهم أنفسهم عربا وعجما، وأزكاهم محتدا ومنمى، وارجحهم عقلا وحلما،
وأوفرهم علما وفهما، وأقواهم يقينا وعزما، وأشدهم بهم رأفة ورحما، زكاه
روحا وجسما، وحاشاه
عيبا ووصما وآتاه حكمة وحكما، وفتح به أعينا عميا وقلوبا غلفا وآذانا
صما، فآمن به وعزره ونصره من جعل الله له في مغنم السعادة قسما، وكذب
به وصدف عن آياته من كتب الله عليه الشقاء حتما،
__________
(قوله تقدسا) أي تنزها وتعاليا (قوله عما) بضم المهملة وتشديد الميم
جمع عميمة أي تامة يقال نخلة عميمة ونخل عم إذا كانت طوالا وامرأة
عميمة تامة القوام والخلقة (قوله من أنفسهم أنفسهم) الأول بضم الفاء
جمع نفس بسكون الفاء، والثانى بفتحها من النفاسة أي أعلاهم وأشرفهم
(قوله عربا وعجما) العرب بضم المهملة وسكون الراء وبفتحهما جيل من
الناس وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصة والعجم بضم
المهملة وسكون الجيم وبفتحهما خلاف العرب (قوله وأزكاهم) أي أطهرهم
(قوله محتدا) هو بميم مفتوحة فمهملة ساكنة فمثناة فوقية مكسورة فدال
مهملة: الأصل والطبع كذا في القاموس (قوله ومنمى) هو بميم مفتوحة فنون
ساكنة مصدر ميمى بمعنى النمو (قوله وأوفرهم) أي أزيدهم (قوله رأفة) هي
أشد الرحمة (قوله ورحما) هو بضم الراء فسكون المهملة الرحمة قال الله
تعالى (وأقرب رحما) (قوله وحاشاه عيبا ووصما) يقال حاشيته بمعنى
استثنيته والمعنى أنه تعالى استثناه وأخرجه من العيب والوصم أي العار
(قوله وآتاه) بمد الهمزة أي أعطاه (قوله حكمة وحكما) الحكمة علم
الشرائع وقيل كل كلام وافق الحق والحكم بضم المهلة القضاء (قوله وعزره)
بمهملة مفتوحة فزاى مشددة فراء أي وقره وعظمه (قوله وصدف) بمهلتين
مفتوحتين ففاء: أي أعرض (قوله حتما) أي لازما (*)
(1/2)
(ومن كان في
هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) صلى الله عليه وسلم صلاة تنمو وتنمى،
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
(أما بعد) أشرق الله قلبى وقلبك بأنوار اليقين، ولطف لى ولك بما لطف
بأوليائه المتقين: الذين شرفهم الله بنزل قدسه، وأوحشهم من الخليفة
بأنسه، وخصهم من معرفته، ومشاهدة عجائب
__________
(قوله ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) أي من كان في الدنيا لا
يبصر رشده كان في الآخرة لا يرى طريق النجاة، وقيل أعمى الثاني للتفصيل
ولذلك عطف عليه أضل وأمال الأول ولم يمله أبو عمر ويعقوب لأن أفعل
التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم المتوسطة كما في أعمالهم (قوله
تنمو) كذا في غالب النسخ.
وفى بعضها تنمى بفتح المثناة الفوقية وكسر الميم (قوله تنمى) بضم
المثناة الفوقية وفتح الميم في الصحاح: نمى المال وغيره ينمى نماء
وربما.
قالوا ينمو نموا وأنماه الله قال الكسائي ولم أسمعه بالواو إلا من
أخوين من بنى سليم ثم سألت عنه بنى سليم فلم يعرفوه بالواو والمعنى
أنها تزيد عددا ويزيدها الله نوابا.
(قوله أما لعد) ذكر النووي في باب الجمعة من شرح مسلم أنه اختلف
العلماء في أول من تكلم بأما بعد: فقيل داود عليه السلام وقيل يعرب بن
قحطان وقيل قيس ابن ساعدة وقيل بعض المفسرين أو كثير منهم إنه فصل
الخطاب الذى أوتيه داود وقال المحققون فصل الخطاب: الفصل بين الحق
والباطل انتهى، وفي الكشاف ويدخل فيه يعنى في فصل الخطاب أما بعد فإن
المتكلم إذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق إليه فصل بينه وبين ذكر
الله تعالى بقوله أما بعد انتهى.
وفي غريب مالك لدار قطني بسند ضعيف أن يعقوب عليه السلام لما جاءه ملك
الموت قال كان من جملة كلامه أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء
وهذا يدل على أن أول من تكلم به يعقوب عليه السلام (قوله أشرق)
بالمعجمة والقاف أي أضاء (قوله ولطف لى) في الصحاح اللطف من الله
التوفيق والعصمة وفي المجمل: اللطف من الله الرأفة والرفق (قوله بنزل
قدسه) النزل بضم النون والزاى الطعام الذى يهيأ للضيف.
(*)
(1/3)
ملكوته وآثار
قدرته: بما ملأ قلوبهم حبرة، ووله عقولهم في عظمته حيرة، فجعلوا همهم
به واحدا، ولم يروا في الدارين غيره مشاهدا، فهم بمشاهدة جماله وجلاله
يتنعمون، وبين آثاري قدرته وعجائب عظمته يترددون، وبالانقطاع إليه
والتوكل عليه يتعززون، لهجين بصادق قوله قل اللهم ثم ذرهم في خوضهم
يلعبون، فإنك كررت على السؤال في مجموع يتضمن التعريف بقدر المصطفى
عليه الصلاة والسلام، وما يجب له من توقير وإكرام، وما حكم من لم يوف
واجب عظيم ذلك القدر، أو قصر في حق منصبه الجليل قلامة ظفر، وأن أجمع
لك ما لأسلافنا وأئمتنا في ذلك من مقال، وأبينه بتنزيل صور وأمثال،
فاعلم أكرمك الله أنك حملتني من ذلك أمرا إمرا، وأرهقتني فيما ندبتنى
إليه عسرا، وأرقيتني بما كلفتني مر تقى صعبا، ملأ قلى رعبا، فإن الكلام
في ذلك يستدعى تقدير
__________
قوله ملكوته) الملكوت فعلوت من الملك (قوله ملأ قلوبهم حبرة) الحبرة
بفتح المهملة وسكون الموحدة السرور، قال الله تعالى (فهم في روضة
يحبرون) أي ينعمون ويسرون (قوله في عظمته حيرة) الحيرة بالمهملة
والمثناة التحتية والراء: مصدر حار يحار (قوله قلامة ظفر) القلامة بضم
القاف: ما سقط من الظفر والعرب تكفى به عن الشئ الحقير.
قال أبو البقاء: الجمهور على ضم الظاء والفاء من ظفر ويقرأ بإسكان
الفاء، ويقرأ بكسر الظاء وإسكان الفاء (قوله أمرا إمرا) الأول بفتح
الهمزة بمعنى شئ والثانى بكسرها بمعنى شديد وقوله تعالى (لقد جئت شيئا
إمرا) أي منكرا ويقال عجبا كذا في الصحاح (قوله وأرهقتني) في الصحاح
أرهقه عسرا أي كلفه إياه (قوله وأرقيتني) أي أصعدتني.
(*)
(1/4)
أصول، وتحرير
فصول، والكشف عن غوامض ودقائق، من علم الحقائق، مما يجب للنبى ويضاف
إليه، أو يمتنع أو يجوز عليه، ومعرفة النبي والرسول والرسالة والنبوة،
والمحبة والخلة وخصائص هذه الدرجة العلية، وههنا مهامه فيح تحار فيها
القطا، وتقصر بها الخطا، ومجاهل تضل فيها الأحلام إن لم تهتد بعلم علم
ونظر سديد) ومداحض تزل بها الأقدام إن لم تعتمد على توفيق من الله
وتأييد، لكنى لما رجوته لى ولك في هذا السؤال والجواب، من نوال وثواب،
بتعريف قدره الجسيم، وخلقه العظيم، وبيان خصائصه التى لم تجتمع قبل في
مخلوق، وما يدان الله تعالى به من حقه الذى هو أرفع الحقوق (ليستيقن
الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا)
__________
(قوله مهامه) جمع مهمه بميمين مفتوحتين بينهما هاء ساكنة وفى آخره هاء
وهى المفازة (قوله فيح) بكسر الفاء فالمثناة التحتية الساكنة فالمهملة
جمع فيحاء بفتح الفاء والمد بمعنى واسعة (قوله القطا) بالقاف والهملة
والقصر جمع قطاة: طائر يضرب به المثل في الهداية قال ابن ظفر القطا
يترك فراخه ثم يطلب الماء من مسيرة عشرة أيام وأكثر فيرده فيما بعد
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ثم يرجع فلا يخطئ لا صادرا ولا واردا (قوله
ومجاهل) بفتح الميم جمع مجهل وهو المفازة لا علامة فيها (قوله تضل)
بفتح الأول وكسر الثاني أي تضيع (قوله بعلم) بفتحتين العلامة والجبل
(قوله ومداحض) جمع مدحض اسم مكان من الدحض وهو الزلق (قوله لما رجوته)
بكسر اللام وتخفيف الميم وكذلك ما عطف عليه من قوله ولما أخذ الله،
وقوله لما حدثنا، وكل من اللامات الثلاث متعلق بمحذوف مؤخر أي لهذه
الأمور الثلاثة عزمت على ما ذكرت على السؤال فيه فبادرت (قوله الجسيم)
يقال جسم الرجل إذا عظم.
(*)
(1/5)
ولما أخذ الله
تعالى على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، ولما حدثنا
به أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه رحمه الله بقراءتي عليه، قال حدثنا
الحسين بن محمد حدثنا أبو عمر النمري حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن
حدثنا أبو بكر محمد بن بكر حدثنا سليمان ابن الأشعث حدثنا موسى بن
اسماعيل حدثنا حماد أخبرنا على بن الحكم عن عطاء عن أبى هريرة رضى الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سئل عن علم فكتمه ألجمه
الله بلجام من نار يوم القيامة، فبادرت إلى نكت سافرة عن وجه الغرض،
مؤديا من ذلك الحق المفترض، اختلستها على استعجال، لما المرء بصدده من
شغل البدن والبال، بما قلده من مقاليد المحنة التى ابتلى بها
__________
(قوله النمري) بفتح النون والميم نسبة إنى نمر بفتح النون كسر الميم أي
قبيلة، فتحوا ميمه في النسبة كراهية توالى الكسرات كذا في الصحاح (قوله
أبو بكر) هو ابن داسة بمهملتين أحد رواة أبى داود (قوله سليمان بن
الأشعث) هو الحافظ أبو داود صاحب السنن كانت وفاته يوم الجمعة سادس عشر
شوال سنة خمس وسبعين ومائتين وكان مولده فيما حكاه أبو بيدة الأجرى سنة
ثنتين ومائتين (قوله حدثنا حماد) هو أبو سلمة بن دينار أحد الأعلام
(قوله من سئل عن علم) المراد علم يلزم ويتعين تعليمه (قوله فبادرت) عطف
على ما قدرناه آنفا متعلقا للامات الثلاث (قوله والنكت) بضم النون وفتح
الكاف وبالمثناة الفوقية جمع نكتة بضم النون وسكون الكاف وهي كل نقطة
من بياض في سواد وعكسه، ونكت الكلام: لطائفه ودقائقه الى تفتقر إلى
تفكر ونكت في الأرض (قوله اختلستها) الاختلاس بالخاء المعجمة: اختطاف
الشئ بسرعة (قوله والبال) بالموحدة القلب والحال، والمراد الأول.
(*)
(1/6)
فكادت تشغل عن
كل فرض ونفل، وترد بعد حسن التقويم إلى أسفل سفل، ولو أراد الله
بالإنسان خيرا لجعل شغله وهمه كله، فيما يحمد غدا ولا يذم محله، فليس
ثم سوى نضرة النعيم أو عذاب الجحيم، ولكان عليه بخويصته، واستنقاذ
مهجته، وعمل صالح يستزيده، وعلم نافع يفيده أو يستفيد، جبر الله تعالى
صدع قلوبنا، وغفر عظيم ذنوبنا، وجعل جميع استعدادنا لمعادنا، وتوفر
دواعينا فيما ينجينا ويقربنا إليه زلفى، ويحظينا بمنه ورحمته.
ولما نويت تقريبه، ودجت تبويبه، ومهدت تأصيله وخلصت تفصيله، وانتحيت
حصره
__________
(قوله سفل) هو بضم المهملة وكسرها وسكون الفاء (قوله لجعل شغله وهمه
كله فيما يحمد غدا ولا يذم محله) بمعنى فيما يحمد بفعله واجبا كان أو
نفلا أو فيما يذم بتركه وهو الواجب وكل من يحمد ويذم مبنى للفاعل
وفاعله مستتر فيه عائد على العبد في قوله ولو أراد بعبد خيرا والظاهر
أن المراد بما يذم محله الحرام.
فإن قيل: كيف يكون شغل العبد الذى يريد به خيرا في الحرام، أجيب بأن
الشغل أعم من الشغل بالفعل والشغل بالترك فشغل العبد الذى يريد الله به
خيرا فيما يحمد محله بفعله وشغله فيما يذم محله بتركه (قوله بخوبصة)
بضم المعجمة وتشديد الصاد المهملة تصغير خاصة والمراد هنا نفسه أو
الأمر الذى يختص به (قوله واستنقاذ) بالقاف والذال المعجمة أي تخليص،
والمهجة الروح والدم (قوله ويحظينا) بضم المثناة التحتية وسكون المهملة
وكسر المعجمة أي يفضلنا (قوله ولما نويت) لما هذه بفتح اللام وتشديد
الميم (قوله ودرجت) بفتح الدال المهملة وتشديد الراء، وفى الصحاح: درجه
إلى كذا واستدرجه.
أي أدناه منه على التدريج (قوله وانتحيت) بالحاء المهملة بعدها مثناة
تحتية بمعنى قصدت.
(*)
(1/7)
وتحصيله.
ترجمته (بالشفا بتعريف حقوق المصطفى) وحصرت الكلام فيه في أربعة أقسام:
(القسم الأول) في تعظيم العلي الأعلى، لقدر هذا النبي قولا وفعلا
وتوجه الكلام فيه في أربعة أبواب:
الباب الأول: في ثنائه تعالى عليه وإظهاره عظيم قدره لديه، وفيه عشرة
فصول.
الباب الثاني: في تكميله تعالى له المحاسن خلقا وخلقا وقرانه جميع
الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقا، وفيه سبعة وعشرين فصلا.
الباب الثالث: فيما ورد من صحيح الأخبار ومشهورها بعظيم قدره عند ربه
ومنزلته وما خصه الله به في الدارين من كرامته ، وفيه اثنا عشر فصلا.
الباب الرابع: فيما أظهره الله تعالى على يديه من الآيات والمعجزات
وشرفه به من الخصائص والكرامات، وفيه ثلاثون فصلا.
(القسم الثاني) فيما يجب على الأنام من حقوقه عليه الصلاة والسلام
ويترتب القول فيه في أربعة أبواب:
الباب الأول: في فرض الإيمان به ووجوب طاعته واتباع سنته، وفيه خمسة
فصول.
الباب الثاني: في لزوم محبته ومناصحته، وفيه ستة فصول.
الباب الثالث: في تعظيم أمره ولزوم توقيره وبره، وفيه سبعة فصول
(1/8)
الباب الرابع:
في حكم الصلاة عليه والتسليم وفرض ذلك وفضيلته، وفيه عشرة فصول.
(القسم الثالث) فيما يستحيل في حقه صلى الله عليه وسلم وما يجوز عليه
وما يمتنع ويصح من الأمور البشرية أن يضاف إليه
وهذا القسم - اكرمك الله تعالى - هو سر الكتاب، ولباب ثمرة هذه
الأبواب، وما قبله له كالقواعد والتمهيدات، والدلائل على ما نورده فيه
من النكت البينات، وهو الحاكم على ما بعده، والمنجز من غرض هذا التأليف
وعده، وعند التقصى لموهدته، والتفصى عن عهدته، يشرق صدر العدو اللعين،
ويشرق قلب المؤمن باليقين، وتملأ أنواره جوانح صدره، ويقدر العاقل
النبي حق قدره، ويتحرر الكلام فيه في بابين:
الباب الأول: فيما يختص بالأمور الدينية ويتشبث به القول في العصمة
وفيه ستة عشر فصلا.
__________
(قوله وعند التقصى لموعدته والتفصى عن عهدته) كلاهما بالصاد المهملة
والأول بالقاف يقال استقصى فلان في المسألة وتقصى بمعنى والثانى بالفاء
يقال تفصى عن كذا أي تخلص عنه (قوله يشرق) بفتح أوله وثالثه يقال شرق
صدره بكذا بكسر الراء أي ضاق به حسدا (قوله ويشرق) بضم أوله وكسر ثالثه
أي يضئ (قوله جوانح صدره) الجوانح جمه جانحة وهى الأضلاع التى تحت
الترائب مما يلى الصدر كالضلوع مما يلى الظهر، والترائب عظام الصدر ما
بين الترقوة إلى السرة، كذا في الصحاح (قوله ويقدر) بفتح أوله وضم
ثالثه.
(*)
(1/9)
الباب الثاني:
في أحواله الدنيوية وما يجوز طروه عليه من الأعراض البشرية، وفيه تسعة
فصول.
(القسم الرابع) في تصرف وجوه الأحكام على من تنقصه أو سبه
صلى الله عليه وسلم، وينقسم الكلام فيه في بابين:
الباب الاول: في بيان ما هو في حقه سب ونقص من تعريض أو نص وفيه عشرة
فصول.
الباب الثاني: في حكم شانئه ومؤذيه ومنتقصه وعقوبته وذكر استتابته
والصلاة عليه ووراثته، وفيه عشرة فصول
وختمناه بباب ثالث جعلناه تكملة لهذه المسألة ووصلة للبابين اللذين
قبله في حكم من سب الله تعالى ورسله وملائكته وكتبه وآل النبي صلى الله
عليه وسلم وصحبه، واختصر الكلام فيه في خمسة فصول
وبتمامها ينتجز الكتاب، وتتم الأقسام والأبواب، ويلوح في غرة الإيمان
لمعة
__________
(قوله وما يجوز طروه) قال ابن القطاع طرأ على القوم طروا قدم وطرا طروا
بلا هنز كذلك (قوله والصلاة عليه ووراثته وفيه عشرة فصول) كذا في الأصل
وصوابه خمسة فصول لأنا لم نر فيما يأتي إلا خمسة فصول (قوله واختصر
الكلام فيه في خمسة فصول) كذا في الأصل وصوابه عشرة فصول لأنه فيما
يأتي ذكر عشرة (قوله ينتجز) بالجيم والزاى مطاوع نجزت الحاجة قضيتها
(قوله في غرة الإيمان) الغرة في الأصل بياض في وجه الفرس فوق الدرهم
والفرجة في وجه الفرس دون الدرهم ثم استعيرت الغرة للشرف والاشتهار حتى
صار ذلك عند العرب على الحقيقة ويقال أيضا الأغر للأبيض.
(*)
(1/10)
منيرة أو في
تاج التراجم درة خطيرة، تزيح كل لبس، وتوضح كل تخمين وحدس: وتشفى صدور
قوم مؤمنين وتصدع بالحق وتعرض عن الجاهلين، وبالله تعالى - لا إله سواه
- أستعين.
القسم الأول (في تعظيم العلى الأعلى لقدر
النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا)
قال الفقيه القاضى الإمام أبو الفضل وفقه الله تعالى وسدده: لاخفاء على
من مارس شيئا من العلم، أو خص بأدنى لمحة من الفهم: بتعظيم الله قدر
نبينا صلى الله عليه وسلم وخصوصه إياه بفضائل ومحاسن ومناقب لا تنضبط
لزمام: وتنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة والأقلام، فمنها ما
صرح به تعالى في كتاب: ونبه به على جليل
__________
(قوله خطيرة) بمعجمة مفتوحة بعدها مهملة مكسورة أي ذات خطر وقدر (قوله
تزيح) بالزاى والحاء المهملة أي تذهب واللبس الاختلاط (قوله تخمين
وحدس) التخمين بالمعجمة القول بالحدس والحدس مصدر حدس بفتح الدال
المهملة يحدث بكسرها: قال شيئا برأيه.
(القسم الأول) (قوله لمحة) بفتح اللام هي النظرة الخفيفة (قوله لزمام)
أي لضابط استعير من زمام النعل وهو ما يشد به شسع النعل أو استعير من
زمام الناقة وهو الخيط الذى يشد في البرة بضم الموحدة وفتح الراء
الخفيفة وهى حلقة من نحاس تجعل في أنف البعير أو يشد في الخشاش بكسر
الخاء المعجمة وبشينين معجمتين بينهما ألف حلقة من حديد تجعل في أنف
البعير.
(*)
(1/11)
نصابه، وأثنى
به عليه من اخلاقه وآدابه، وحض العباد على التزامه وتقلد إيجابه: فكان
جل جلاله هو الذى تفضل وأولى.
ثم طهر وزكى، ثم مدح بذلك وأثنى، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى، فله
الفضل بدأ وعودا، والحمد أولى وأخرى، ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه
على أتم وجوه الكمال والجلال، وتخصيصه بالمحاسن الجميلة والأخلاق
الحميدة والمذاهب الكريمة والفضائل العديدة وتأييده بالمعجزات الباهرة
والبراهين الواضحة والكرامات البينة: التى شاهدها من عاصره، ورآها من
أدركه، وعلمها علم يقين من جاء بعده، حتى انتهى علم حقيقة ذلك إلينا،
وفاضت أنواره علينا: صلى الله عليه وسلم كثيرا * حدثنا القاضى الشهيد
أبو على الحسين بن محمد الحافظ قراءة منى عليه، قال حدثنا أبو الحسين
المبارك بن عبد الجبار وأبو الفضل أحمد بن خيرون، قالا حدثنا أبو يعلى
البغدادي، قال حدثنا أبو على السنجى، قال حدثنا محمد بن أحمد بن محبوب،
قال حدثنا أبو عيسى بن سورة الحافظ.
قال حدثنا إسحاق بن منصور،
__________
(قوله نصابه) بكسر أوله أي منصبه (قوله من خلقه) هو بفتح المعجمة وسكون
اللام (قوله الباهرة) أي العالية (قوله القاضى الشهيد) هو ابن سكرة
الأندلسى (قوله أبو يعلى البغدادي) هو المعروف بزوج الحرة (قوله أبو
على السنجى) هو بكسر المهملة وسكون النون وبالجيم نسبة إلى سنج مرو
(قوله ابن سورة) بفتح المهملة وسكون الواو وفتح الراء الترمذي الضرير
صاحب الجامع: قيل ولد أكمه توفى بترمذ سنة تسع وسبعين ومائتين قاله ابن
ماكولا في الإكمان وترمذ بفتح = (*)
(1/12)
حدثنا عبد الرزاق.
أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس رضى الله عنه: أن النبي صلى الله عليه
وسلم أتى بانبراق ليلة أسرى به ملجما مسرجا، فاستصعب عليه، فقال له
جبرئيل: أبمحمد تفعل هذا، فما ركبك أحد أكرم على الله منه ؟ قال فافرض
عرقا. |