الشفا بتعريف حقوق المصطفى وحاشية الشمني

الشفا بتعريف حقوق المصطفى - القاضي عياض ج 2ي
الشفا بتعريف حقوق المصطفى
القاضي عياض ج 2

(2/)


الشفا بتعريف حقوق المصطفى العلامة القاضى أبى الفضل عياض اليحصبى 544 ه مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء للعلامة أحمد بن محمد بن محمد الشمني 873 ه الجزء الثاني دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

(2/1)


بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الثاني (فيما يجب على الأنام من حقوقه صلى الله عليه وسلم)

قال القاضى أبو الفضل وفقه الله وهذا قسم لخصنا فيه الكلام في أربعة أبواب على ما ذكرناه في أول الكتاب ومجموعها في وجوب تصديقه واتباعه في سنته وطاعته ومحبته ومناصحته وتوقيره وبره وحكم الصلاة عليه والتسليم وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم.

(الباب الأول) (في فرض الإيمان به ووجوب طاعته واتباع سنته)

إذا تقرر بما قدمناه ثبوت نبوته وصحة رسالته وجب الإيمان به وتصديقه فيما أتى به * قال الله تعالى: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا)، وقال: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، لتؤمنوا بالله ورسوله) وقال (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي) الآية، فالإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم واجب متعين لا يتم إيمان إلا به ولا يصح إسلام إلا معه قال تعالى: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا

(2/2)


للكافرين سعيرا) * حدثنا أبو محمد الخشنى الفقيه بقراءتي عليه حدثنا إمام أبو على الطبري حدثنا عبد الغافر الفارسى حدثنا ابن عمرويه حدثنا ابن سفيان حدثنا أبو الحسين حدثنا أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلا إلا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) * قال القاضى أبو الفضل وفقه الله، والإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديق نبوته ورسالة الله له وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك باللسان تم الإيمان به والتصديق له كما ورد في هذا الحديث نفسه من رواية عبد الله بن عمر رضى الله عنهما (أمرت) أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وقد زاده وضوحا في حديث جبريل إذ قال أخبرني عن الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وذكر أركان الإسلام ثم سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) الحديث، فقد قرر أن الإيمان به محتاج إلى العقد بالجنان والإسلام به مضطر إلى النطق باللسان
__________
(قوله ابن بسطام) بكسر الموحدة وفتحها.
(*)

(2/3)


وهذه الحالة المحمودة التامة، وأما الحال المذمومة فالشهادة باللسان دون تصديق القلب وهذا هو النفاق، قال الله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) أي كاذبون في قولهم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم وهم لا يعتقدونه فلما لم تصدق ذلك ضمائرهم لم ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فخرجوا عن اسم الإيمان ولم يكن لهم في الآخرة حكمه إذ لم يكن معهم إيمان ولحقوا بالكافرين في الدرك الأسفل من النار وبقى عليهم حكم الإسلام بإظهار شهادة اللسان في أحكام الدنيا المتعلقة بالأئمة وحكام المسلمن الذين أحكامهم على الظواهر بما أظهروه من علامة الإسلام إذ لم يجعل للبشر سبيل إلى السرائر ولا أمروا بالبحث عنها بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التحكم عليها وذم ذلك وقال (هلا شققت عن قلبه ؟) والفرق بين القول والعقد ما جعل في حديث جبريل: الشهادة من الإسلام والتصديق من الإيمان، وبقيت حالتان أخريان بين هذين إحداهما: أن يصدق بقلبه ثم يخترم قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه فاحتلف فيه فشرط بعضهم من تمام الإيمان القول والشهادة به وراه بعضهم مؤمنا مستوجبا للجنة لقوله صلى الله عليه وسلم (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فلم يذكر سوى ما في القلب وهذا مؤمن بقلبه غير عاص ولا مفرط بترك غيره وهذا هو الصحيح في هذا الوجه.
الثانية
__________
(قوله ثم يخترم) بضم أوله وسكون المعجمة مبنى للمفعول.
(*)

(2/4)


أن يصدق بقلبه ويطول مهله، وعلم ما يلزمه من الشهادة فلم ينطق بها
جملة ولا استشهد في عمره ولا مرة، فهذا اختلف فيه أيضا فقيل هو مؤمن لأنه مصدق والشهادة من جملة الأعمال فهو عاص بتركها غير مخلد، وقيل ليس بمؤمن حتى يقارن عقده شاهدة اللسان، إذ الشهادة إنشاء عقد والتزام إيمان وهى مرتبطة مع العقد ولا يتم التصديق مع المهلة إلا بها وهذا هو الصحيح وهذا نبذ يفضى إلى متسع من الكلام في الإسلام والإيمان أبوابهما وفى الزيادة فيهما والنقصان، وهل التجزى ممتنع على مجرد التصديق لا يصح فيه جملة وإنما يرجع إلى ما زاد عليه من عمل، أو قد يعرض فيه لاختلاف صفاته وتباين حالاته من قوة يقين وتصميم اعتقاد ووضوح معرفة ودوام حالة وحضور قلب ؟ وفى بسط هذا خروج عن غرض التأليف وفيما ذكرنا غنية فيما قصدنا إن شاء الله تعالى
__________
(قوله مهله) المهل بفتح الميم والهاء النؤدة (قوله مع المهلة) بضم الميم وإسكان الهاء هي الاسم من أمهله إذا أنظره (قوله وهذا نبذ) بفتح النون وسكون الموحدة بعدها ذال معجمة أي شئ يسير وفى بعض النسخ وهذه نبذ بضم النون وفتح الموحدة جمع نبذة وهى القطعة (قوله أو قد يعرض فيه) في الصحاح عرض له أمر كذا يعرض أي ظهر وعرض العود على الإناء والسيف على فخذه يعرضه ويعرضه أيضا فهذه وحدها بالضم وعرضت له القول وعرضت أيضا بالكسر يقال مرنى فلان فما عرضت وما عرضت ولا يعرض له ولا يعرض له لغتان جيدتان (*)

(2/5)


فصل وأما وجوب طاعته: فإذا وجب الإيمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله) وقال (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وقال: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) وقال (وإن تطيعوه تهتدوا) وقال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال (ومن يطع الله والرسول فأولئك) الآية، وقال (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) فجعل تعالى طاعة رسوله طاعته وقرن طاعته بطاعته ووعد على ذلك بجزيل الثواب وأوعد على مخالفته بسوء العقاب وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه، قال المفسرون والأئمة طاعة الرسول في التزام سنته والتسليم لما جاء به وقالوا: ما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه وقالوا من يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه، وسئل سهل بن عبد الله عن شرائع الإسلام فقال (وما آتاكم الرسول فخذوه): وقال السمرقندى يقال: أطيعوا الله في فرائضه والرسول في سنته وقيل: أطيعوا الله فيما حرم عليكم والرسول فيما بلغكم ويقال: أطيعوا الله بالشهادة له بالربوبية، والنبى بالشهادة له بالنبوة * حدثنا أبو محمد بن عتاب بقراءتي عليه حدثنا حاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن على بن محمد بن خلف حدثنا محمد بن

(2/6)


يوسف حدثنا البخاري حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى ومن عصى أميرى فقد عصاني) فطاعة الرسول من طاعة الله، إذ الله أمر بطاعته، فطاعته امتثال لما أمر الله به وطاعة له * وقد حكى الله عن الكفار في دركات جهنم (يوم
تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) فتمنوا طاعته حيث لا ينفعهم التمنى، وقال صلى الله عليه وسلم (إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم (كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال: (من أطاعنى دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) وفى الحديث الآخر الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قوما فقال يا قوم إنى رأيت الجيش بعينى وإنى أنا النذير العريان فالنجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت
__________
(قوله وأنى أنا النذير العريان) هذا مثل ضربه عليه السلام مبالغة في صدق النذارة لأن النذير إذا كان عريانا كان أبين وقيل كان النذير يجرد ثيابه ويلوح بها ليجتمع إليه (قوله فالنجاء) بالمد (قوله فأدلجوا) في القاموس الدلجة بالضم والفتح السير من أول الليل وقد أدلجوا إذا ساروا من آخره فادلجوا بالتشديد (قوله على مهلهم) بفتح الميم والهاء أي تؤدتهم.
(*)

(2/7)


طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعنى واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق) وفى الحديث الآخر في مثله: كمثل من بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فالدار الجنة والداعى محمد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمد فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس).
فصل وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهدية فقد قال الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) وقال (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) وقال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم - إلى قوله - تسليما) أي ينقادوا لحكمك، يقال سلم واستسلم وأسلم إذا انقاد.
وقال تعالى (لقد كان لكم في رسول
__________
(قوله واجتاحهم) بالجيم في أوله والحاء المهملة في آخره أي استأصلهم (قوله مأدبة) بضم الدال المهملة وفتحها، في القاموس: هي طعام صنع لدعوى أو عرس (قوله فرق بين الناس) بإسكان الراء أي يفرق بين المؤمنين والكافرين بالإيمان من المؤمنين وعدمه من الكافرين (قوله بهدية) بفتح الهاء وسكون الدال أي بطريقه ومذهبه.
(*)

(2/8)


الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الآية، قال محمد بن على الترمذي: الأسوة في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل وقال غير واحد من المفسرين بمعناه وقيل هو عتاب للمتخلفين عنه وقال سهل في قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) قال بمتابعة السنة فأمرهم تعالى بذلك ووعدهم الاهتداء باتباعه لأن الله تعالى أرسله بالهدى ودين الحق ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط فمستقيم ووعدهم محبته تعالى في الآية الأخرى ومغفرته إذا اتبعوه وآثروه على أهوائهم وما تجنح إليه نفوسهم وأن صحة إيمانهم بانقيادهم له ورضاهم بحكمه وترك الاعتراض عليه، وروى عن
الحسن أن أقواما قالوا يا رسول الله إنا نحب الله فأنزل الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله) الآية، وروى أن الآية نزلت في كعب بن الأشرف وغيره وأنهم قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ونحن أشد حبا لله، فأنزل الله الآية، وقال الزجاج معناه (إن كنتم تحبون الله) أن تقصدوا طاعته فافعلوا ما أمركم به، إذ محبة العبد لله والرسول طاعته لهما ورضاه بما أمرا ومحبة الله لهم عفوه عنهم وإنعامه عليهم برحمته، ويقال الحب من الله عصمة وتوفيق ومن العباد طاعة، كما قال القائل: تعصى الإله وأنت تظهر حبه ؟ * هذا لعمري في القياس بديع !

(2/9)


لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع ! ويقال محبة العبد لله تعظيمه له وهيبته منه ومحبة الله له رحمته له وإرادته الجيل له وتكون بمعنى مدحه وثنائه عليه، قال القشيرى فإذا كان بمعنى الرحمة والإرادة والمدح كان من صفات الذات وسيأتى بعد في ذكر محبة محبة العبد غير هذا بحول الله تعالى حدثنا أبو إسحاق إبراهيم ابن جعفر الفقيه قال حدثنا أبو الأصبغ عيسى بن سهل وحدثنا أبو الحسن يونس بن مغيث الفقيه بقراءتي عليه قالا حدثنا حاتم بن محمد قال حدثنا أبو حفص الجهنى حدثنا أبو بكر الآجرى حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزى حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو الأسلمي وحجر الكلاعى عن العرباض بن سارية في حديثه في موعظة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) زاد
__________
(قوله الجوزى) بالجيم المفتوحة والزاى المكسورة إبراهيم بن موسى كذا ذكره ابن ماكولا وغيره (قوله عن عبد الرحمن بن عمرو الأسلمي) كذا في بعض النسخ وصوابه السلمى بضم السين المهملة وفتح اللام كما في سنن أبى داود وجامع الترمذي وأطراف المزى وكتب الأسماء (قوله بالنواجذ) بالذال المعجمة قال النووي هي الأنياب وقيل الأضراس وفى النهاية أن النواجذ مشتهرة بأواخر الأسنان وفى الصحاح الناجذ آخر الأضراس، ولإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرجاء ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل.
(*)

(2/10)


في حديث جابر بمعناه (وكل ضلالة في النار) وفى حديث أبى رافع عنه صلى الله عليه وسلم (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) وفى حديث عائشة رضى الله عنها صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم قال (ما بال قوم يتنزهون عن الشئ أصنعه ؟ فو الله إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (القرآن صعب مستصعب على من كرهه، وهو الحكم، فمن استمسك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن، ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة، أمرت أمتى أن يأخذوا بقولى ويطيعوا أمرى ويتبعوا سنتى، فمن رضى بقوله فقدر رضى بالقرآن) قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه) الآية وقال صلى الله عليه وسلم (من اقتدى بى فهو منى ومن رغب عن سنتى فليس منى) وعن أبى هريرة رضى الله عنه
__________
(قوله وفى حديث أبى رافع) هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل اسمه إبراهيم
وقيل ثابت وقيل هرمز (قوله لا ألفين) بضم الهمزة وكسر الفاء وفتح المثناة التحتية وتشديد النون أي لا أجدن (قوله على أريكته) الأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر ولا يسمى السرير منفرد أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة قاله ابن الأثير، وفى الصحاح الأريكة سرير مزين في قبة أو بيت وإذا لم يكن فيه سرير فهو حجد والجمع الأرائك (قوله مستصعب) بكسر العين من استصعب الأمر بمعنى صعب (قوله وهو الحكم) بفتح الحاء والكاف.
(*)

(2/11)


عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رصي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم (العلم ثلاثة فما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة) وعن الحسن بن أبى الحسن رحمهما الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة) وقال صلى الله عليه السلام وسلم (إن الله تعالى يدخل العبد الجنة بالسنة تمسك بها) وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتمسك بسنتى عند فساد أمتى له أجر مائة شهيد) وقال صلى الله عليه وسلم (إن بنى اسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن أمتى تفترق على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة) قالوا ومن هم يا رسول الله ؟ قال (الذى أنا عليه اليوم وأصحابي) وعن أنس، قال صلى الله عليه وسلم (من احيا سنتى فقد أحيانى ومن أحيانى كان معى في الجنة) وعن عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث (من أحيا سنة من سنتى قد أميتت بعدى فإن له من الأجر مثل
__________
(قوله وخير الهدى) بفتح الهاء وسكون الدال بمعنى السمت والطريقة، أو بضم الهاء وفتح الدال ضد الضلال (قوله أو فريضة عادلة) قال ابن الأثير أراد العدل في القسمة أي معدلة على السهام المذكور في الكتاب والسنة من غير جور، ويحتمل أن يريد أنها مستنبطة من الكتاب والسنة فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخر عنها انتهى (قوله وعن الحسن بن أبى الحسن) هو البصري.
(*)

(2/12)


من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا)
(فصل) وأما ورد عن السلف والأئمة من اتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته فحدثنا الشيخ أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبى تليد الفقيه سماعا عليه قال حدثنا أبو عمر الحافظ حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة قالا حدثنا محمد بن وضاح حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال ابن عمر رضى الله عنهما يا ابن أخى إن الله بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا وإنما نفعل كما رأيناه يفعل، وقال عمر بن عبد العزيز سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق بكتاب الله واستعمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأى من خالفها، من اقتدى بها فهو مهتد ومن انتصر بها فهو منصور ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا، وقال الحسن بن أبى الحسن: عمل قليل في سنة خير من
__________
(قوله خالد بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة.
(*)

(2/13)


عمل كثير في بدعة، وقال ابن شهاب بلغنا عن رجال من أهل العلم قالوا: الاعتصام بالسنة نجاة، وكتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عماله بتعلم السنة والفرائض واللحن أي اللغة وقال إن ناسا يجادلونكم - يعنى بالقرآن - فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله، وفى خبره حين صلى بذى الحليفة ركعتين فقال أصنع كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، وعن على حين قرن فقال له عثمان ترى أنى أنهى الناس عنه وتفعله ؟ قال لم أكن أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس، وعنه: ألا إنى لست بنبى ولا يوحى إلى ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما استطعت، وكان ابن مسعود يقول: القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة، وقال ابن عمر: صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر، وقال أبى بن كعب عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله أبدا، وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهى كذلك إذ
__________
(قوله واللحن) بإسكان الحاء المهملة (قوله بذى الحليفة) ماء من مياه بنى جشم على ستة أميال وقيل سبعة من المدينة (قوله القصد في السنة) أي الوسط بين الطرفين الإفراط والتفريط (قوله من خالف السنة كفر) أي من خالفها مستحلا مخالفتها أو المراد بالكفر كفر النعمة.
(*)

(2/14)


أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها إلا حط عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها، فإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة وموافقة بدعة، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهدا أو اقتصادا أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم * وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إلى عمر بحال بلده وكثرة لصوصه: هل يأخذهم بالظنة أو يحملهم على البينة وما جرت عليه السنة ؟ فكتب إليه عمر خذهم بالبينة وما جرت عليه السنة فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله، وعن عطاء في قوله تعالى (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) أي إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى اله عله وسلم، وقال الشافعي: ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها، وقال عمر ونظر إلى الحجر الأسود إنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله، رؤى عبد الله بن عمر يدبر ناقته في مكان فسئل عنه فقال لا أدرى إلا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ففعلته، وقال أبو عثمان الحيرى: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة، وقال
__________
(قوله فتحات) بالحاء المهملة أي فتناثر (قوله بالظنة) بكسر الظاء المعجمة المشالة وتشديد النون المفتوحة أي التهمة (قوله وقال أبو عثمان الحيرى) بحاء مهلمة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فراء وياء للنسبه إلى محلة بنيسابور تعرف بالحيرة هو شيخ الصوفية بنيسابور، ذكره القشيرى في الرسالة وذكر هذا الحديث عنه.
(*)

(2/15)


سهل التسترى أصول مذهبنا ثلاثة: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال، وجاء في تفسير قوله تعالى: (والعمل الصالح يرفعه) أنه الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكى عن أحمد بن حنبل قال كنت يوما مع جماعة تجردوا ودخلوا الماء فاستعملت الحديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر) ولم أتجرد فرأيت تلك الليلة قائلا لى يا أحمد أبشر فإن الله قد غفر لك باستعمالك السنة وجعلك إماما يقتدى بك، قلت من أنت ؟ قال: جبريل.
فصل ومخالفة أمره وتبديل سنته ضلال وبدعة متوعد من الله عليه بالخذلان والعذاق قال الله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) الآية، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أبى جعفر وعبد الرحمن بن عتاب بقراءتي عليهما قالا حدثنا أبو القاسم خاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن القابسى حدثنا أبو الحسين بن مسرور الدباغ حدثنا أحمد بن أبى سليمان حدثنا سحنون ابن سعيد حدثنا ابن القاسم حدثنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن

(2/16)


عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة وذكر الحديث في صفة أمته وفيه (فليذادن رجال عن حوضى كما يذاد البعير الضال فأناديهم ألا هلم ألا هلم فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول فسحقا فسحقا فسحقا) وروى أنس أنت النبي صلى الله عليه وسلم قال (فمن رغب عن سنتى فليس منى) وقال (من أدخل في أمرنا ما ليس
منه فهو رد) وروى ابن أبى رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) زاد في حديث المقداد (ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله) وقال صلى الله عليه وسلم وجئ بكتاب في كتف (كفى بقوم حمقا - أو قال ضلال - أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم) فنزلت (أو لم يكفهم أنا أنزنا عليك الكتاب يتلى عليهم) الآية، وقال صلى الله عليه وسلم (هل كالمتنطعون) وقال أبو بكر
__________
(قوله فيلذادن) كذا رواه أكثر الرواة عن مالك الموطأ ومعناه ليطردن ورواه يحيى وابن أبى نافع ومطرف فلا يذادن ومعناه فلا تفعلوا فعلا يوجب ذلك ومنه فلا ألفين أحدكم على رقبته بعير أي لا تفعلوا ما يوجب ذلك (قوله ألا هلم) أي تعالوا وأقبلوا لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث في لغة الحجازيين خلافا لنبى تميم وبلغة الأولين جاء القرآن قال الله تعالى (قل هلم شهداءكم) وقال تعالى (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) (قوله فسحقا) بإسكان الحاء المهملة وضمها أي فبعدا (قوله المتنطعون) قيل معناه المتعمقون المبالغون في الأمور.
(2 - 2) (*)

(2/17)


الصديق رضى الله عنه لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به ألا عملت به إنى أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ