الشفا بتعريف حقوق المصطفى وحاشية الشمني

الباب الرابع ففيما أظهره الله تعالى على يديه من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات

قال القاضى أبو الفضل: حسب المتأمل أن يحقق أن كتابنا هذا لم نجمعه لمنكر نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولا لطاعن في معجزاته فنحتاج إلى نصب البراهين عليها وتحصين حوزتها حتى لا يتوصل المطاعن إليها وتذكر شروط المعجز والتحدى وحده وفساد قول من أبطل نسخ الشرائع ورده، بل ألفناه لأهل ملته الملبين لدعوته المصدقين لنبوته ليكون تأكيدا في محبتهم له ومنماة لأعمالهم وليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، ونيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ومشاهير آياته لتدل على عظيم قدره عند ربه وأتينا منها بالمحقق والصحيح الإسناد وأكثره مما بلغ القطع أو كاد وأضفنا إليها بعض ما وقع في مشاهير كتب الأئمة، وإذا تأمل المتأمل
__________
(قوله حوزتها) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها زاى (قوله والتحدى) يفتح المثناة الفوقية وفتح الحاء وتشديد الدال المهملتين هو طلب المعارضة.
(*)

(1/246)


المنصف ما قدمناه من جميل أثره وحميد سيره وبراعة علمه ورجاحة عقله وحلمه وجملة كماله وجميع خصاله وشاهد حاله وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به فروينا عن الترمذي وابن قانع وغيرهما بأسانيدهم أن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت
أن وجهه ليس بوجه كذاب، حدثنا به القاضى الشهيد أبو على رحمه الله قال حدثنا أبو الحسين الصيرفى وأبو الفضل بن خيرون عن أبى يعلى البغدادي عن أبى على السنجى عن ابن محبوب عن الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب الثقفى ومحمد بن جعفر وابن أبى عدى ويحيى بن سعيد عن عوف بن أبى جميلة الأعرابي عن زرارة ابن أوفى عن عبد الله بن سلام الحديث، وعن أبى رمثة التيمى: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعى ابن لى فأريته فلما رأيته قلت هذا نبى الله، وروى مسلم وغيره أن ضمادا لما وفد عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا
__________
(قوله ابن أبى جميلة) بالجيم المفتوحة (قوله أبى رمثة) بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة، والرمث ضرب من النبات (قوله ضماد) بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الميم وفى آخره دال مهملة هو ابن ثعلبة الأزدي أزد شنوءة كان صديقا للنبى صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، أسلم أول الإسلام وكان يتطيب ويرقى ويطلب العلم (قوله أن الحمد لله) بفتح الهمزة وكسر النون المخففة لا لتقاء الساكنين.
(*)

(1/247)


مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال له أعد على كلماتك هؤلاء فلقد بلغان قاموسي البحر هات يدك أبايعك) وقال جامع بن شداد كان رجل منا يقال له طارق فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال هل معكم شئ تييعونه قلنا هذا البعير قال بكم قلنا بكذا وكذا وسقا من تمر فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا من رجل لا ندرى من هو ومعنا ظعينة فقالت أنا ضامنة
لثمن البعير رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس بكم فأصبحنا فجاء رجل بتمر فقال أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا، وفى خبر الجلندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله
__________
(قوله قاموس البحر) بالقاف والميم قال ابن قرقول عند السجزى قاموس البحر وعند العذري قاعوس البحر وذكره الدمشقي قاموس البحر وهو الذى يعرفه أهل اللغة ورواه أبو داود قاموس أو قابوس على الشك في الميم والباء قال والمعول من هذا كله على قاموس أو قاعوس وقال أبو عبيدة قاموس البحر وسطه وقال أبو الحسين بن سراج: قاعوس البحر الصحيح كأنه من القصس وهو دخول الظهر وتعمقه أي إن كلماتك بلغت عمقه ولجته الداخلة (قوله هات) بكسر المثناة الفوقية (قوله ظعينة) أي امرأة وأصله الهودج الذى يكون فيه المرأة ثم سميت به المرأة قيل ولا يقال للمرأة ظعينة إلا إذا كانت راكبة (قوله لا يخيس) بالخاء المعجمة مضارع خاس أي غدر، ويقال أيضا يخوس (قوله الجلندى) بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون بعدها دال مهملة، في الصحاح جلندا بضم الجيم مقصورا اسم ملك عمان بضم العين وتخفيف الميم، وفى القاموس وجلندى بضم أوله اسم ملك عمان ووهم الجوهرى فقصره.
(*)

(1/248)


عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام قال الجلندى والله لقد دلنى على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ولا ينهى عن شئ إلا كان أول تارك له وأنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر ويفى بالعهد وينجز الموعود وأشهد أنه نبى وقال نفطويه في قوله تعالى (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة
لو لم تكن فيه آيات مبينة * لكان منظره ينبيك بالخبر وقد آن أن نأخذ في ذكر النبوة والوحى والرسالة وبعده في معجزة القرآن وما فيه من برهان ودلالة.
(فصل) اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجيمع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء كما حكى عن سنته في بعض الأنبياء وذكر بعض أهل التفسير في قوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) وجائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلغهم كلامه وتكون تلك الواسطة إما من غرى البشر كالملائكة مع الأنبياء أو من جنسهم كالأنبياء مع الأمم ولا مانع لهذا من دليل العقل وإذا جاز هذا ولم يستحل وجاءت الرسل بما دل على صدقهم من معجزاتهم وجب نصديقهم في جميع ما أتوا به لأن المعجز مع التحدي من النبي صلى الله عليه وسلم

(1/249)


قائم مقام قول الله صدق عبدى فأطيعوه واتبعوه وشاهد على صدقه فيما يقوله وهذا كاف والتطويل فيه خارج عن الغرض فمن أراد تتبعه وجده مستوفى في مصنفات أئمتنا رحمهم الله فالنبوة في لعة من همز مأخودة من النبأ وهو الخبر وقد لا يهمز على هذا التأويل تسهيلا والمعنى أن الله تعالى أطلعه على غيبه وأسلمه أنه نبيه فيكون نبى منبأ فعيل بمعنى مفعول أو يكون مخبرا عما بعثه الله تعالى به ومنبئا بما أطلعه الله عليه فعيل بمعنى فاعل ويكون عند من لم يهمزه من النبوة وهو ما ارتفع من الأرض معناه أن له رتبة شريفة ومكانه نبيهة عند مولاه منيفة قالو صفان في حقه مؤتلفان وأما الرسول فهو المرسل ولم يأت
فعول بمعنى مفعل في اللغة إلا نادرا وإرساله أمر الله له بالإبلاغ إلى من أرسله إليه واشتقاقه من التتابع ومنه قولهم جاء الناس أرسالا إذا تبع بعضهم بعضا فكأنه ألزم تكرير التبليغ أو ألزمت الأمة اتباعه واختلف العلماء هل النبي والرسول بمعنى أو بمعنيين فقيل هما سواء وأصله من الأنباء وهو الإعلام واستدلوا بقوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى) فقد أثبت لهما الإرسال معا، قال ولا يكون النبي إلا رسولا ولا الرسول إلا نبيا وقيل هما مفترقان من وجه إذ قد اجتمعا في النبوة التى هي الإطلاع على الغيب والأعلام بخواص النبوة أو الرفعة لمعرفة ذلك وحوز درجتها وافترقا في زيادة الرسالة للرسول وهو الأمر بالإنذار والإعلام

(1/250)


كما قلنا وحجتهم من الآية نفسها التفريق بين الاسمين ولو كانا شيئا واحدا لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ قالوا والمعنى وما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبى وليس بمرسل إلى أحد وقد ذهب بعضهم إلى أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ ومن لم يأت به نبى غير رسول وإن أمر بالإبلاغ والإنذار والصحيح والذى عليه الجماء الغفير أن كل رسول نبى وليس كل نبى رسولا وأول الرسل آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وفى حديث أبى ذر رضى الله عنه أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبى وذكر أن رسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر أولهم آدم عليه السلام، فقد بان لك معنى النبوة والرسالة وليستا عند المحققين ذاتا للنبى ولا وصف ذات خلافا للكرامية في تطويل لهم وتهويل ليس عليه تعويل وأما
__________
(قوله الجماء الغفير) في الصحاح قولهم جاؤا جما غفيرا والجماء الغفير وجماء الغفير بالمد في الجماء أي جاؤا بجماعتهم الشريف والوضيع ولم يتخلف أحد منهم وكان فيهم كثرة (قوله الكرامية) نسبه إلى محمد بن كرام بفتح الكاف وتشديد الراء كذا قيده ابن ماكولا والسمعاني وغير واحد وهو الجارى على الألسنة وأنكره محمد بن الهيضم وغيره من الكرامية وحكى فيه ابن الهيضم وجهين أحدهما التخفيف وفتح الكاف وذكر أنه المعروف في ألسنة مشايخهم وزعم أنه بمعنى كريم أو بمعنى كرامة والثانى التخفيف وكسر الكاف على لفظ جمع كريم وحكى هذا عن أهل سجستان قال ابن الصلاح ولا يعول على الأول وهو ما رواه السمعاني في الأنساب قال وكان والده يحفظ الكرم فقيل له كرام قال الذهبي وفيما قاله السمعاني نظر فإن كلمة كرام علم على والد محد سواء (*)

(1/251)


الوحى فأصله الإسراع فلما كان النبي يتلقى ما يأتيه من ربه بعجل سمى وحيا وسميت أنواع الإلهامات وحيا تشبيها بالوحى إلى النبي وسمى الخط وحيا لسرعة حركة يد كاتبه ووحى الحاجب واللحظ سرعة إشراتهما ومنه قوله تعالى (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) أي أومأ ورمز وقيل كتب ومنه قولهم الوحا الوحا أي السرعة السرعة وقيل أصل الوحى السر والإخفاء ومنه سمى الألهام وحيا ومنه قوله تعالى (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) أي يوسوسون في صدورهم ومنه قوله (وأوحينا إلى أم موسى) أي ألقى في قلبها وقد قيل ذلك في قوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) أي ما يلقيه في قلبه دون واسطة.
(فصل) اعلم أن معنى تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة هو أن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها وهى على ضربين ضرب هو من نوع قدرة البشر فعجزوا عنه فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه كصرفهم عن تمنى الموت وتعجيزهم عن الإتيان بمثل القرآن
__________
عمل في الكرم أو لم يعمل، وأقول هذا لا يضر السمعاني لجواز أن يكون صار علما عليه بالغلبة لعمله في الكرم وهو صبى وهجر ما وضع علما عليه بعيد الولادة وكان ابن كرام سجن بنيسابور ثمانية أعوام لأجل بدعته ثم أخرج فسار إلى بيت المقدس ومات بالشام في صفر سنة خمس وخمسين ومائتين (قوله الوحا) بفتح الواو والحاء المهملة في الصحاح والوحا السرعة تمد وتقصر، ويقال الوحا الوحا بمعنى البدار (*)

(1/252)


على رأى بعضهم ونحوه وضرب هو خارج عن قدرتهم فلم يقدروا على الإتيان بمثله كإحياء الموتى وقلب العصا حية وإخراج ناقة من صخرة وكلام شجرة ونبع الماء من الأصابع وانشقاق القمر مما لا يمكن أن يفعله أحد إلا الله فيكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الله تعالى وتحديه من يكذبه أن يأتي بمثله تعجيز له.
واعلم أن المعجزات التى ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وبراهين صدقه من هذين النوعين معا وهو أكثر الرسل معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا كما سنبينه وهى في كثرتها لا يحيط بها ضبط فإن واحدا منها وهو القرآن لا يحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجز عنها، قال أهل العلم وأقصر السور (إنا أعطيناك الكوثر) فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة ثم فيها نفسها معجزات على ما سنفصله فيما انطوى عليه من المعجزات ثم معجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين قسم منها علم قطعا ونقل إلينا متواتر كالقرآن فلا مرية ولا خلاف بمجئ النبي به وظهوره من قبله واستدلاله بحجته وإن أنكر هذا معاند جاحد فهو كإنكاره وجود محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا وإنما جاء اعتراض الجاحدين في الحجة به فهو في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة ووجه إعجازه معلوم ضرورة ونظرا كما سنشرحه، قال بعض أئمتنا (*)

(1/253)


ويجرى هذا المجرى على الجملة أنه قد جرى على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغا واحد منها معينا القطع فيبلغها جميعها فلا مرية في جريان معانيها على يديه ولا يختلف مؤمن ولا كافر أنه جرت على يديه عجائب وإنما خلاف المعاند في كونها من قبل الله وقد قدمنا كونها من قبل الله وأن ذلك بمثابة قوله صدقت فقد علم وقوع مثل هذا أيضا من نبينا ضرورة لا نفاق معانيها كما يعلم ضرورة جود حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف لإتفاق الأخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم هذا وشجاعة هذا وحلم هذا وإن كان كل خبر بنفسه لا يوجب العلم ولا يقطع بصحته والقسم الثاني ما لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين نوع مشتهر منتشر رواه العدد وشاع الخبر به عند المحدثين والرواة ونقلة السير والإخبار كنبع الماء من بين الأصابع وتكثير الطعام ونوع منه اختص به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير ولم يشتهر اشتهار غيره لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى وأجتمعا على الإتيان بالمعجز
__________
(قوله حاتم) هو والد عدى بن حاتم هلك عن كفره وقدم ابنه عدى سنة تسع في شعبان وكان نصرانيا فأسلم (قوله عنترة) هو ابن معاوية بن شداد العبسى كان شديد السواد وأما زبيبة كانت أمه سوداء لأبيه، كان من أشهر فرسان العرب وأشدهم بأسا (قوله الأحنف) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح النون
بعدها فاء هو ابن قيس أبو بحر التميمي اسمه الضحاك وقيل صخر، أسلم في زمنه عليه السلام ودعا له عليه السلام ولم تتفق له رواية (*)

(1/254)


كما قدمناه قال القاضى أبو الفضل وأنا أقول صدعا بالحق إن كثيرا من هذه الآيات المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم معلومة بالقطع أما انشقاق القمر قالقرآن نص بوقوعه وأحبر عن وجوده ولا يعدل عن ظاهر إلا بدليل وجاء برفع إحتماله صحيح الأخبار من طرق كثيرة ولا يوهن عزمنا خلاف أحرق منحل عرى الدين ولا يلتفت الى سخافة مبتدع يلقى الشك على قلوب ضعفاء للمؤمنين بل نرغم بهذا أنفه ونئبذ بالعراء سخفه وكذلك قصة نبع الماء ونكثير الطعام رواها الثقات والعدد الكثير عن الجماء الغفير عن العدد الكثير من الصحابة ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصلا عمن حدث بها من جملة الصحابة وأخيارهم أن ذلك كان في موطن اجتماع الكثير منهم في يوم الخندق وفى غزوة بواط وعمرة الحديبية وغزوة تبوك وأمثالها من
__________
(قوله أخرق) بالخاء المعجمة ضد الرفيق (قوله سخافة) بفتح السين المهملة والخاء المعجمة المخففة، يقال سخف الرجال بالضم سخفا وسخافة أي رق عقله (قوله نرغم) بضم أوله يقال أرغم الله أنفه ألصقه بالرغام بفتح الراء وهو التراب (قوله العراء) بفتح العين المهمة وتخفيف الراء والمد هو الفضاء لاستر به (قوله سخفه) بضم السين المهملة (قوله في يوم الخندق) قال ابن اسحاق كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس وقال أبو سعيد في ذى القعدة وقال ابن عقبة سنة أربع (قوله بواط) بظم الموحدة وتخفيف الواو وفى آخره طاء مهملة جبل من جبال جهينة (قوله عمرة الحديبية) كانت في السنة السادسة سن الهجرة خرج لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذى القعدة وقال ابن سعد خرج إليها يوم الاثنين بهلال ذى القعدة (قوله وغزوة تبوك) كانت في السنة التاسعة (*)

(1/255)


محافل المسلمين ومجمع العساكر ولم يؤثر عن أحد من الصحابة مخالفة للراوى فيما حكاه ولا إنكار عما ذكر عنهم أنهم رأوه، كما رواه فسكوت الساكت منهم كنطق، الناطق، إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل والمداهنة في كذب وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم ولو كان ما سمعوه منكرا عندهم وغير معروف لديهم لأنكروه كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رواها من السنن والسير وحروف القرآن وخطأ بعضهم بعضا ووهمه في ذلك مما هو معلوم فهذا النوع كله يلحق بالقطعي من معجزاته لما بيناه وأيضا فإن أمثال الأخبار التى لا أصل لها وبنيت على باطل لابد مع مرور الأزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف ضعفها وخمول ذكرها كما يشاهد في كثير من الأخبار الكاذبة والأراجيف الطارئة وأعلام نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الواردة من طريق الآحاد لا تزداد مع مرور الزمان إلا ظهورا ومع تداول الفرق وكثرة طعن العدو وحرصه على توهينها وتضعيف أصلها وإجهاد الملحد على إطفاء نورها إلا قوة وقبولا ولا للطاعن عليها إلا حسرة وغليلا وكذلك إخباره عن الغيوب وإنباؤه بما يكون وكان، معلوم من آياته على الجملة بالضرورة وهذا حق لا غطاء عليه وقد قال به من أئمتنا القاضى والأستاذ أبو بكر وغيرهما رحمهم الله وما عندي أوجب قول القائل.
__________
(قوله يلحق) بفتح أوله (قوله وإخباره عن العيوب) بكسر الهمزة (*)

(1/256)


إن هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إلا قلة مطالعته للأخبار
وروايتها وشغله بغير ذلك من المعارف وإلا فمن اعتنى بطرق النقل وطالع الأحاديث والسير لم يرتب في صحة هذه القصص المشهورة على الوجه الذى ذكرناه ولا يبعد أن يحصل العلم بالتواتر عند واحد ولا يحصل عند آخر فإن أكثر الناس يعلمون بالخبر كون بغداد موجودة وأنها مدينة عظيمة ودار الإمامة والخلافة وآخاد من الناس لا يعلمون اسمها فضلا عن وصفها وهكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة وتواتر النقل عنه أن مذهبه إيجاب قراءة أم القرآن في الصلاة للمنفرد والإمام وإجزاء السية في أول ليلة من رمضان عما سواه وأن الشعافعى يرى تجديد النية كل ليلة والاقتصار في المسح على بعض الرأس وأن مذهبهما القصاص في القتل بالمحدد وغيره وإيجاب النية في الوضوء واشتراط الولى في النكاح وأن أبا حنيفة يخالفهما في هذه المسائل وغيرهم ممن لم يشتغل بمذاهبهم ولا روى أقوالهم لا يعرف هذا من مذاهبهم فضلا عمن سواه وعند ذكرنا آحاد هذه المعجزات نزيد الكلام فيها ببانا إن شاء الله تعالى.
__________
(قوله بغداد) يجوز في داليه الإعجام والإهمال، قال صاحب القاموس بغداد بمهلتين ومعجمتين وتقديم كل منهما وبغدان وبغدين ومغدان مدينة دار السلام وهى عمرت في زمن أبى جعفر المنصور العباسي أخى السفاح سنة خمس وأربعين ومائة وكانت قبل ذلك مبقلة وسبب تسميتها بغداد أن كسرى أقطعها لخصى له وكان ذلك الخصى يعبد صنما في الشرق يقال له بعد فسماها ذلك الخصى بغدادا أي عطية ذلك الصنم (*)

(1/257)


فصل في إعجاز القرآن اعلم وفقنا الله وإياك أن كتاب الله العزيز منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أواعها في أربعة وجوه: أولها
حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته لخارقة عادة العرب وذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشان وفرسان الكلام قد خصوا من البلاغة والحكم ما لم يخص به غيرهم من الأمم وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب جعل الله لهم ذلك طبعا وخلقه وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب ويدلون به إلى كل سبب فيخطبون بديها في المقامات وشديد الخطب ويرتجزون به بين الطعن والضرب ويمدحون ويقدحون ويتوسلون ويتوصلون ويرفعون ويضعون فيأتون من ذلك بالسحر الحلال ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللال فيخدعون الألباب ويذللون الصعاب ويذهبون الإحن ويهجون الدمن ويجرؤن الجبان ويبسطون يد الجعد
__________
(قوله ذرابة اللسان) بفتح الذال المعجمة والراء المخففة والباء الموحدة أي حذقه (قوله يقيد) بمثناة تحية مضمومة وقاف مفتوحة بعدها مثناة تحتية مشددة مكسورة (قوله ويدلون) بضم أوله وسكون ثانيه (قوله ويطوقون) بضم أوله وتشديد الواو المكسورة بعدها قاف (قوله من سمط) بكسر السين المهملة، في الصحاح: الخيط مادام فيه الخزف سمط وإلا فهو سلك (قوله الإحن) بكسر الهمزة وفتح المهملة جمع إحنة بكسر الهمزة وسكون المهملة وهى الحقد (قوله ويهيجون) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه مشدد ويجوز فتح أوله وكسر ثانيه وسكون ثالثه يقال هاج الشئ وهاجه غيره وهيجته وهاجه (قوله والدمن) بكسر المهملة وفتح الميم جمع دمنة بكسرها وسكون الميم وهى الحقد (قوله الجعد البنان) الجعد بفتح الجيم وسكون العين (*)

(1/258)


البنان ويصيورن الناقص كاملا ويتركون النبيه خاملا منهم البدوى ذو اللفظ الجزل والقول المصل والكلام الفخم والطبع الجوهرى والمنزع القوى ومنهم الحصرى ذو البلاغة البارعة والألفاظ الناطعة والكلمات الجامعة والطبع السهل والتصرف في القول القليل الكلفة الكثير الرونق الرقيق الحاشية وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة والقوة الدامغة والقدح الفالج والمهيع الناهج لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم والبلاغة ملك فيادهم قد حووا فنونها واستنبطوا عيوبها ودخلوا من كل باب من أبوابها وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في الخطير والمهين وتفننوا في الغث والسمين وتقاولوا في القل والكثر وتساجلوا في النظم والنثر
__________
المهملة، في الصحاح يقال الكريم من الرجال جعد، فأما إذا قيل فلان جعد اليدين أو جعد الأنامل فهو البخيل وربما لم يذكروا معه اليد، والبنان بفتح الموحدة وتخفيف النون أطراف الأصابع جمع بنانة (قوله النبيه) هو خلاف الخامل (قوله الجزل) بفتح الجيم وسكون الزاى خلاف الركيك (قوله والقول الفصل) بالصاد المهملة بمعنى المفصول أي الذى يتبينه من يخاطب به ولا يلتبس عليه أو بمعنى الفاصل أي الذى يفصل بين الحق والباطل والصواب والخطأ (قوله الناصعة) بالنون والصاد والعين المهملتين أي الخالصة (قوله والقدح الفالج) القدح بكسر القاف وسكون الدال بعدها حاء مهملة: السهم قبل أن يراش ويجعل فيه نصل والفالج بالفاء واللام المكسورة والجيم: الفائز - بالزاى (قوله المهيع) بفتح الميم وسكون الخاء وفتح المثناة التحتية: الطريق، والناهج - بالنون: السالك (قوله صرحا) الصرح القصر وكل بناء عال (قوله في الغث) بفتح الغين المعجمة بعدها مثلثة مشددة أي المهزول (قوله في القل والكثر بضم أول كل منهما (قوله وتسالجوا) بالسين المهملة والجيم أي تفاخروا والمساجلة المفاخرة بأن يصنع مثل صنيعه في جرى أو سقى وأصله من السجل وهو الدلو، ومنه قولهم الحرب سجال، كذا في الصحاح (*)

(1/259)


فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أحكمت آياته وفصلت كلماته وبهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول وتظافر إيجازه وإعجازه وتظاهرت حقيقته ومجازه وتبارت في الحسن مطالعه ومقاطعه وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه واعتدل مع إيجازه حسن نظمه وانطبق على كثرة فوائده مختار لفظه وهم أفسح ما كانوا في هذا الباب مجالا وأشهر في الخطابة رجالا وأكثر في السجع والشعر سجالا وأوسع في الغريب واللغة مقالا بلغتهم التى بها يتحاورون ومنازعهم التى عنها يتناضلون صارخا بهم في كل حين ومقرعا لهم بعضا وعشرين عاما على رؤس الملإ أجمعين (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين، وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) إلى قوله (ولن تفعلوا) و (قل لئن اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن) الآية و (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) وذلك أن المفترى
__________
(قوله راعهم) أي أفزعهم (قوله وتبارت) بمثناة فوقية فموحدة، في الصحاح فلان يبارى فلانا أي يعارضه (قوله في السجع) بالسين المهملة يحتمل أن تكون مصدرا وهو توافق الألفاظ الواقعة في أواخر الفقر وأن يكون جمع سجعة وهى الكلمة الأخيرة من الفقرة بإعتبار كونها موافقة للكلمة الأخيرة من الفقرة الأخرى وهى في الأصل هدير الحمام ونحوها (قوله بضعا) بكسر الموحدة وفتحها (قوله المفترى) بفتح الراء والمختلق بفتح اللام (*)

(1/260)


أسهل ووضع الباطل والمختلق على الاختيار أقرب واللفظ إذا تبع المعنى الصحيح كان أصعب ولهذا قيل فلان يكتب كما يقال له وفلان يكتب
كما يريد وللأول على الثاني فضل وبينهما شأو بعيد فلم يزل يقرعهم صلى الله عليه وسلم أشد التقريع ويوبخهم غاية التوبيخ ويسفه أحلامهم ويحط أعلامهم ويشتت نظامهم ويذم آلهتهم وإياهم ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته محجمون عن مماثلته يخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب والإغراء بالافتراء وقولهم: إن هذا إلا قول البشر، إن هذا إلا سحر يؤثر، وسحر مستمر وإفك افتراه، وأساطير الأولين.
والمباهنة والرضى بالدنيئة كقولهم قلوبنا غلف، وفى أكة مما تدعونا إليه وفى آداننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب: ولا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون.
والإدعاء مع العجز بقولهم (لو نشاء لقلنا مثل هذا) وقد قال لهم الله (ولن تفعلوا) فما فعلوا ولا قدروا ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عوارة لجميعهم وسلبهم الله ما ألفوه من فصيح كلامهم وإلا فلم يخف على أهل الميز منهم أنه ليس من نمط فصاحتهم ولا جنس بلاغتهم بل ولوا عنه مدبرين وأتوا مذعنين من بين مهتدى وبين مفتون
__________
(قوله محجمون) بسكون المهملة وكسر الجيم أي متأخرون (قوله بالدنيئة) بالهمزة وقد تسهل أي الخصلة الخبيثة يقال دنأ دنوءا خبث فعله ولؤم قوله (قوله عواره) في الصحاح العوار العيب، يقال سلعة ذات عوار بفتح العين وقد تضم عند أبى زيد.
انتهى وعن ديوان الأدب إن الضم أفصح (*)

(1/261)


ولهذا لما سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية قال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر ما يقول هذا بشر، وذكر أبو عبيد
أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ (فاصدع بما تؤمر) فسجد وقال سجدت لفصاحته، وسمع آخر رجلا يقرأ (فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا فقال أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام وحكى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يوما نائما في المسجد فإذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق فاستخبره فأعلمه أنه من بطارقة الروم ممن يحسن كلام العرب وغيرها وأنه سمع رجلا من أسرى المسلمين يقرأ آية من كتابكم فتأملتها فإذا قد جمع فيها ما أنزل الله على عيسى
__________
(قوله الوليد بن المغيرة) وكذا رواه البيهقى في الشعب في حديث ابن عباس وذكره ابن اسحاق في السيرة وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب من غير إسناد والغزالي في الإحياء في أدب تلاوة القرآن أن خالد بن عقبة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث (قوله لطلاوة) بضم الطاء المهملة وفتحها أي لحسنا وقبولا (قوله وإن أسفله لمغدق) لفظ ابن اسحاق وإن أصله لعذق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة، والعذق النخلة بحملها ولفظ ابن هشام: لغدق بفتح الغين المعجمة وكسر الدال المهملة من الغدق وهو الماء الكثير قال السهيلي ورواية ابن اسحاق أفصح لأن بها آخر الكلام يشبه أوله (قوله وذكر أبو عبيد) هو الإمام الحافظ القاسم بن سلام بتشديد اللام البغدادي أخذ عن الشافعي الفقيه كان أبوه سلام عبدا روميا لرجل من أهل هراة روى عنه ابن أبى الدنيا وغيره.
توفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قوله من بطارقة) بفتح الموحدة جمع بطريق بكسرها قال ابن الجواليقى هو بلغه الروم القائد أي مقدم الجيوش وأميرها (*)

(1/262)


ابن مريم من أحوال الدنيا والآخره وهى قوله (ومن يطع الله ورسوله ويحش الله ويتقه) الآية، وحكى الأصمعى أنه سمع كلام جارية فقام
لها: قاتلك الله ما أفصحك ؟ فقالت أو يعد هذا فصاحة بعد قول الله تعالى (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) الآية فجمع في الآية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين فهذا نوع من إعجازه منفرد بذاته غير مضاف إلى غيره على التحقيق والصحيح من القولين وكون القرآن من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أتى به معلوم ضرورة وكونه صلى الله عليه وسلم متحديا به معلوم ضرورة وعجز العرب عن الإتيان به معلوم ضرورة وكونه في فصاحته خارقا للعادة معلوم ضرورة للعالمين بالفصاحة ووجوه البلاغة وسبيل من ليس من أهلها علم ذلك بعجز المنكرين من أهلها عن معارضته واعتراف المقرين بإعجاز بلاغته وأنت إذا تأملت قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) وقوله (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) وقوله (ادفع بالتى هي أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم) وقوله: (وقيل يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعى) الآية، وقوله (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) الآية وأشباهها من الآى بل أكثر القرآن حققت ما بينته من إيجاز
__________
(قوله وحكى الأصمعى) هو عبد الملك بن قريب - بضم القاف وفتح الراء - ابن أصمع ولد سنة ثلاث وعشرين ومائة وتوفى سنة ست وعشرة ومائتين (*)

(1/263)


ألفاظها وكثرة معانيها وديباجة عبارتها وحسن تأليف حروفها وتلاؤم كلمها وأن تحت كل لفظة منها جملا كثيرة وفصولا جمة وعلوما زواخر ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها وكثرت المقالات في المستنبطات عنها ثم هو في سرد القصص الطوال وأخبار القرون السوالف
التى يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلام ويذهب ماء البيان آية لمتأمله من ربط الكلام بعضه ببعض والتئام سرده وتناصف وجوهه كقصة يوسف على طولها ثم إذا ترددت قصصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حتى تكاد كل واحدة تنسى في البيان صاحبتها وتناصف في الحسن وجه مقابلتها ولا نفور للنفوس من ترديدها ولا معاداة لمعادها.
(فصل) الوجه الثاني من إعجازه صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذى جاء عليه ووقفت مقاطع آيه وانتهت فواصل كلمات إليه ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له ولا استطاع أحد مماثلة شئ منه بل حارت فيه عقولهم وتدلهت دونه أحلامهم ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر ولما سمع كلامه صلى الله عليه وسلم الوليد بن المغيرة وقرأ عليه القرآن رق فجاءه أبو جهل منكرا عليه قال والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار منى والله ما يشبه الذى يقول شيئا من هذا، وفى خبره الآخر حين جمع قريشا عند حضور
__________
(قوله وتدلهت) بفتح الدال المهملة واللام المشددة من التدلى، وهو ذهاب العقل من الهوى (*)

(1/264)


الموسم وقال إن وفود العرب ترد فأجمعوا فيه رأيا لا يكذب بعضكم بعضا فقالوا نقول كاهن قال والله ما هو بكاهن ما هو بزمزمته ولا سجعه قالوا مجنون قال ما هو بمجنون ولا بخنقه ولا وسوسته قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومبسوطه ومقبوضه ما هو بشاعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر ولا نفثه ولا عقده قالوا: فما نقول قال ما أنتم بقائلين من هذا
شيئا إلا وأنا أعرف أنه باطل وإن أقرب القول أنه ساحر فإنه سحر يفرق بين المرء وابنه والمرء وأخيه والمرء وزوجه والمرء وعشيرته فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس فأنزل الله تعالى في الوليد (ذرنى ومن خلقت وحيدا) الآيات وقال عتبة بن ربيعة حين سمع القرآن: يا قوم قد علمتم أنى لم أترك شيئا إلا وقد علمته وقرأته وقلته والله لقد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، وقال النضر بن الحارث نحوه وفى حديث إسلام أبى ذر
__________
(قوله ما هو بزمزمته) الزمزمة صوت خفى لا يكاد يفهم (قوله ولا بخنقه) في الصحاح الخنق بكسر النون مصدر خنقه يخنقه وفى مطالع ابن قرقول أنه بفتح النون وإسكانها (قوله ولا نفثه ولا عقده) كان الساحر يعقد خيطا ثم ينفث عليه (قوله ولا بالكهانة) الكاهن الذى يخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى معرفه الأسرار ويزعم أن له تابعا من الجن وراميا يلقى إليه الأخبار وأما من يزعم أنه يعرف الأمور بأسباب يستدل بها من كلم من سأله أو فعله أو حاله مثل أن يدعى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة فهذا يخصونه باسم العراف (*)

(1/265)


ووصف أخاه أنيسا فقال والله ما سمعت بأشعر من أخى أنيس لقد ناقض اثنى عشر شاعرا في الجاهلية أنا أحدهم وأنه انطلق إلى مكة وجاء إلى أبى ذر بخبر النبي صلى الله عليه وسلم قلت فما يقول الناس قال يقولون شاعر كاهن ساحر لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم وما يلتئم على لسان أحد بعدى أنه شعر وإنه لصادق وإنهم لكاذبون، والأخبار في هذا صحيحة كثيرة والإعجاز بكل واحد من النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها والأسلوب الغريب بذاته
كل واحد منهما نوع إعجاز على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما إذ كل واحد خارج عن قدرتها مباين لفصاحتها وكلامها، وإلى هذا ذهب غير واحد من أئمة المحققين وذهب بعض المقتدى بهم إلى أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب وأتى على ذلك بقول تمجه الأسماع وتنفر منه القلوب والصحيح ما قدمناه والعلم بهذا كله ضرورة وقطعا ومن تفنن في علوم البلاغة وأرهف خاطره ولسانه أدب هذه الصناعة لم يخف عليه ما قلنا وقد اختلف أئمة أهل السنة في وجه عجزهم عنه فأكثرهم يقول إنه مما جمع في قوة جزالته ونصاعة ألفاظه وحسن نظمه وإيجازه وبديع تأليفهم وأسلوبه لا يصح أن يكون في
__________
(قوله ناقض) بالضاد المعجمة على وزن فاعل من نقض البناء أي هدمه (قوله أقراء الشعر) بفتح الهمزة وسكون القاف والمد أي طرقه وأنواعه قاله الهروي (قوله وأرهف) أي رفق (*)

(1/266)


مقدور البشر وأنه من باب الخوارق الممتنعة عن اقدار الخلق عليها كإحياء الموتى وقلب العصا وتسبيح الحصا وذهب الشيخ أبو الحسن إلى أنه مما يمكن أن يدخل مثله تحت مقدور البشر ويقدرهم الله عليه ولكنه لم يكن هذا ولا يكون فمنعهم الله هذا وعجزهم عنه وقال به جماعة من أصحابه وعلى الطريقين فعجز العرب عنه ثابت وإقامة الحجة عليهم بما يصح أن يكون في مقدور البشر وتحديهم بأن يأتوا بمثله قاطع وهو أبلغ في التعجيز وأحرى بالتقريع والاحتاج بمجئ بشر مثلهم بشئ ليس من قدرة البشر لازم وهو أبهر آية وأقمع دلالة وعلى كل حال فما أتوا في ذلك بمقال
بل صبروا على الجلاء والقتل وتجرعوا كاسات الصغار والذل وكانوا من شموخ الأنف وإباءة الضيم بحيث لا يؤثرون ذلك اختيارا ولا يرضونه إلا اضطرارا وإلا فالمعارضة لو كانت من قدرهم والشغل بها أهون عليهم وأسرع بالنجح وقطع العذر وإفحام الخصم لديهم وهم ممن لهم قدرة على الكلام وقدوة في المعرفة به لجميع الأنام وما منهم إلا من جهد جهده واستنفذ ما عنده في إخفاء ظهوره وإطفاء نوره فما جلا في ذلك خبيثة من بنات شفاههم ولا أتوا بنطفة من معين مياههم *
__________
قوله على الجلاء) بفتح الجيم والمد: أي الخروج من البلد (قوله الأنف) بهمزة ونون مضمومتين جمع أنف بفتح الهمزة وسكون النون (قوله من قدرهم) بضم القاف وفتح الدال جمع قدرة (قوله بنطفة) بالطاء المهملة والفاء أي بشئ يسير (*)

(1/267)


مع طول الأمد وكثرة العدد وتظاهر الوالد وما ولد بل أبلسوا فما نبسوا ومنعوا فانقطعوا فهذان النوعان من إعجازه.
(فصل) الوجه الثالث من الإعجاز ما انطوى عليه من الأخبار بالمغيبات وما لم يكن ولم يقع فوجد كما ورد على الوجه الذى أخبر كقوله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقوله تعالى (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) وقوله (ليظهره عليه الدين كله) وقوله (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) الآية وقوله (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخرها فكان جميع هذا كما قال فغلبت الروم فارس في بضع سنين، ودخل الناس في الإسلام أفواجا فما مات صلى الله عليه وسلم وفى بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام واستخلف الله المؤمنين في الأرض ومكن فيها دينهم وملكهم إياها من أقصى المشار إلى أقصى المغارب كما قال صلى الله عليه وسلم ذويت لى الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى ما روى لى منها وقوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) لكان كذلك لا يكاد يعد من سعى في تغييره وتبديل محكمه من الملحدة والمعطلة لا سيما القرامطة فأجمعوا كيدهم وحولهم وقوتهم اليوم نيفا
__________
(قوله نبسوا) بنون وموحدة مخففة ومشددة مفتوحتين وسين مهملة في الصحاح يا نبس بكلمة أي ما تكلم (قوله زويت) بالزاى المضمومة أي جمعت (قوله لقرامطة) هم أتباع حمدان القرمطى (قوله نيفا) النيف بفتح النون وسكون المثناة التحتية أو كسرها وتشديدها: الزيادة (*)

(1/268)


على خمسمائة عام فما قدروا على إطفاء شئ من نوره ولا تغيير كلمة من كلامه ولا تشكبك المسلمين في حرف من حروفه والحمد لله منه قوله (سيهزم الجمع، يولون الدبر) وقوله (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) الآية وقوله (هو الذى أرسل رسوله بالهدى) الآية وقوله (لن يضروكم إلا أذى إن يقاتلوكم) الآية فكان كل ذلك وما فيه من كشف أسرار المنافقين واليهود ومقالهم وكذبهم في حلفهم وتقريعهم بذلك كقوله (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبا الله مما نقول) وقوله (يخفون في أنفسهم مالا يبدون لك) لآية وقوله (من الذين هادوا سماعون للكذب) الآية، وقوله (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه - إلى قوله - في الدين) وقد قال مبديا ما قدره الله واعتقده المؤمنون يوم بدر (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ومنه قوله تعالى (إنا كفيناك المستهزئين) ولما نزلت بشر النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك أصحابه بأن الله كفاه إياهم وكان المستهزؤن نفرا بمكة ينفرون الناس عنه ويؤذونه فهلكوا، وقوله (والله يعصمك من الناس) فكان كذلك على كثرة من رام ضره وقصد قتله والأخبار بذلك معروفة صحيحة.
(فصل) الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ
__________
(قوله إلا الفذ) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة.
أي الفرد (*)

(1/269)


من أخبار أهل الكتاب الذى قطع عمره في تعلم ذلك فيورده النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه ويأتى به على نصه فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه وأن مثله لم ينله بتعليم وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولا مثافنة ولم يغب عنهم ولا جهل حاله أحد منهم وقد كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألونه صلى الله عليه وسلم عن هذا فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرا كقصص الأنبياء مع قومهم وخبر موسى والخضر ويوسف وإخوته
__________
(قوله ولا مثافنة) بالمثلثة والفاء والنون في الصحاح ثافنت فلانا جالسته ويقال اشتقاقه من الثفنة، واحدة ثقنات البعير وهو ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ وغلظ كالركبتين كأنك ألصقت ثفنة ركبتك بثفنة ركبته (قوله الخضر) بفتح أوله وكسر ثانيه ويجوز كسر أوله وسكون ثانيه سمى خضرا لأنه جلس على فروة فإذا هي تهتز خلفه خضراء والفروة الحشيش اليابس وقيل لأنه إذا جلس اخضر ما حوله، واختلف هل كان وليا أو نبيا والقاتلون بأنه نبى
اختلفوا هل كان رسولا أم لا قال الثعلبي نبى على جميع الأقوال معمر محجب عن الأبصار، قال ابن الصلاح وهو حى عند جماهير العلماء والصالحين والعامة وقال البخاري وطائفة منهم القاضى أبو بكر بن العربي إنه مات قبل انقضاء المائة لقوله صلى الله عليه وسلم أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد والجواب أن هذا الحديث عام فيمن يشاهده الناس ويخالطونه لا فيمن ليس كذلك كالخضر بدليل أن الدجال خارج عن هذا الحديث لما روى مسلم من حديث الجساسة الدالة على وجود الدجال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بقائه إلى زمن ظهوره مع أن مسلما روى عن ابن عمر أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد انخرام ذلك القرن (*)

(1/270)


وأصحاب الكهف وذى القرنين ولقمان وابنه وأشباه ذلك من الأنباء وبدء الخلق وما في التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى مما صدقه فيه العلماء بها ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها بل أذعنوا لذلك فمن موفق آمن بما سبق له من خير ومن شقى معاند حاسد ومع هذا لم يحك عن واحد من النصارى واليهود على شدة عداوتهم له وحرصهم على تكذيبه وطول احتجاجه عليهم بما في كتبهم وتقريعهم بما انظوت عليه مصاحفهم وكثرة سؤالهم له صلى الله عليه وسلم وتعنيتهم إياه عن أخبار أنبيائهم وأسرار علومهم ومستودعات سيرهم وإعلامه لهم بمكتوم شرائعهم ومضمنات كتبهم مثل سؤالهم عن الروح وذى القرنين وأصحاب الكهف وعيسى وحكم الرجم وما حرم إسرائيل على نفسه وما حرم عليهم من الأنعام ومن طيبات كانت أحلت لهم فحرمت عليهم ببغيهم وقوله ذلك مثلهم
في التوراة ومثلهم في الإنجيل وغير ذلك من أمورهم التى نزل فيها القرآن
__________
(قوله وذى القرنين) روى الحاكم في المستدرك أنه عليه السلام سأل عن ذى القرنين فقال لا أدرى هو نبى أم لا وقيل في قوله تعالى (وآتيناه من كل شئ سببا) أي علما ينفعه في قوله تعالى (فأتبع سببا) أي طريقة موصلة وقال ابن هشام في غير السيرة السبب حبل من نور كان ملك يمشى به بين يديه فيتبعه، وروى عن أبى الطفيل عامر بن واثلة) قال سأل ابن الكوا على بن أبى طالب فقال أرأيت ذا القرنين أنبيا كان أم ملكا فقال: لانبياء كان ولا ملكا ولكن كان عمدا صالحا دعا قومه إلى عبادة الله فضربوه على قرنى رأسه ضربتين وفيكم مثله يعنى نفسه انتهى وقيل كانت له ضفيرتان من شعر العرب فسمى الضفيرة من الشعر قرنا (*)

(1/271)


فأجابهم وعرفهم بما أوحى إليه من ذلك أنه أنكر ذلك أو كذبه بل أكثرهم صرح بصحة نبوته وصدق مقالته واعترف بعاده وحسده إياه كأهل بحران وابن صوريا وابنى أخطب وغيرهم ومن باهت في ذلك بعض المباهتة وادعى أن فيما عندهم من ذلك لما حكاه مخالفة دعى إلى إقامة حجته وكشف دعوته فقيل له (قل فأتوا بالتوراة قاتلوها إن كنتم صادقين) إلى قوله (الظالمون) فقرع وونخ ودعا إلى إحظار ممكن غير ممتنع فمن معترف بما جحده ومتواقح يلقى على فضيحته من كتابه يده ولم يؤثر أن واحدا منهم أظهر خلاف قوله من كتبه ولا أبدى صحيحا ولا سقيما من صحفه قال الله تعالى (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير) الآيتين.
(فصل) هذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينة لا نزاع فيها ولا مرية ومن الوجوه البينة في إعجازه من غير هذه الوجوه آى وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك كقوله لليهود (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة) الآية قال أبو إسحاق الزجاج في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة الرسالة لأنه قال لهم فتمنوا الموت وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا فلم يتمنه واحد منهم وعن النبي صلى الله عليه وسلم

(1/272)


والذى نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه يعنى يموت مكانه فصرفهم الله عن تمنيه وجزعهم ليظهر صدق رسوله وصحة ما أوحى إليه إذ لم يتمنه أحد منهم وكانوا على تكذيبه أحرص لو قدروا ولكن الله يفعل ما يريد فظهرت بذلك معجزته وبانت حجته: قال أبو محمد الأصيلي من أعجب أمرهم أنه لا يوجد منهم جماعة ولا واحد من يوم أمر الله بذلك نبيه يقدم عليه ولا يجيب إليه وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم، وكذلك آية المباهلة من هذا المعنى حيث وفد عليه أساقفه نجران وأبوا الإسلام فأنزل الله تعالى عليه آية المباهلة بقوله (فمن حاجك فيه) الآية قامتنعوا منها ورضوا بأداء الجزية وذلك أن العاقب عظيمهم قال لهم قد علمتهم أنه نبى وأنه مالا عن قوما نبى قط فبقى كبيرهم ولا صغيرهم ومثله قوله (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) إلى قوله (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) فأخبرهم أنهم لا يفعلون كما كان وهذه الآية أدخل في باب الإخبار عن الغيب ولكن فيها من التعجيز ما في التى قبلها.
(فصل) ومنها الروعة التى تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه والهيبة التى تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله وإنامة خطره وهى
__________
(قوله إلا غص) بالغين المعجمة والصاد المهملة (قوله أساقفة نجران) الأساقفة جمع أسقف بضم الهمزة وتشديد الفاء وهو رئيس دين النصارى وقاضيهم (قوله ونجران) بفتح النون وسكون الجيم منزل للنصارى بين مكة واليمن على سبع مراحل من مكة (18 - 1) (*)

(1/273)


على المكذبين به أعظم حتى كانوا يستثقلون سماعه ويزيدهم نفورا كما قال تعالى ويودون انقطاعه لكراهتهم له ولهذا قال صلى الله عليه وسلم إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم وأما المؤمن فلا تزال روعته به وهيبته إياه مع تلاوته توليه انجذابا وتكسبه هشاشة لميل قلبه إليه وتصديقه به قال الله تعالى (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) وقال (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) الآية ويدل على أن هذا شئ خص يه أنه يعترى من لا يفهم معانيه ولا يعلم تفاسيره كما روى عن نصراني أنه مر بقارئ فوقف يبكى فقيل له مم بكيت قال للشجا والنظم وهذه الروعة قد اعترت جماعة قبل الإسلام وبعده فمنهم من أسلم لها لأول وهلة وآمن به ومنهم من كفر، فحكى في الصحيح عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون) إلى قوله (المصيطرون) كاد قلبى أن يطير للإسلام، وفى رواية وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبى، وعن عتبة بن ربيعة أنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليهم (حم) فصلت إلى قوله (صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده
__________
(قوله هشاشة) في الصحاح هي الارتياح والخفة للمعروف (قوله للشجا) يقال شجاه يشجوه إذا أحزنه، وفى المجمل شجاني أطر بنى (*)

(1/274)


الرحم أن يكف وفى رواية فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره معتمد عليهما حتى انتهى إلى السجدة فسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقام عتبة لا يدرى بم يراجعه ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم وقال والله لقد كلمتي بكلام والله ما سمعت أذناى بمثله قط فما دريت ما أقول له، وقد حكى عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة وهيبة كف بها عن ذلك فحكى أن ابن المقفع طلب ذلك ورامه وشرع فيه فمر بصبى يقرأ (وقيل يا أرض ابلعى ماءك) فرجع فمحى ما عمل وقال أشهد أن هذا لا يعارض وما هو من كلام البشر وكان من أفصح أهل وقته وكان يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمنه فحكى أنه رام شيئا من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها وينسج بزعمه على منوالها قال فاعترتني منه خشية ورفة حملتني على التوبة والإنابة.
(فصل) ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله تعالى بحفظه فقال (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقال (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) الآية وسائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها فلم يبق إلا
__________
(قوله ابن المقفع) ضبطه ابن ماكولا بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء بعدها مهملة ولم يتعرض لحركة الفاء (قوله الغزال) بفتح الغين المعجمة والزاى مخففة
(قوله الأندلس) المشهور فيه فتح الهمزة والدال ويقال أيضا بضمها (*)

(1/275)


خبرها والقرآن العزيز الباهرة آياته الظاهرة معجزاته على ما كان عليه اليوم مدة خمسمائة عام وخمس وثلاثين سنة لأول نزوله إلى وقتنا هذا حجته قاهرة ومعارضته ممتنعة الأعصار كلها طافحة بأهل البيان وحملة علم اللسان وأئمة البلاغة وفرسان الكلام وجهابذة البراعة والملحد فيهم كثير والمعادى للشرح عتيد فما منهم من أتى بشئ يوثر في معارضته ولا ألف كلمتين في مناقضته ولا قدر فيه على مطعن صحيح ولا قدح المتكلف من ذهنه في ذلك إلا بزند شحيح بل المأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه والنكوص على عقيبه
(فصل) وقد عد جماعة من الأئمة ومقلدي الأمة في إعجازه وجوها كثيرة منها أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة وترديده يوجب له محبة لا يزال غضا طريا وغيره من الكلام ولو بلغ في الحسن والبلاغة مبلغه يمل مع الترديد ويعادي إذا أعيد وكتابنا يستلذ به في الخلوات ويؤنس بتلاوته في الأزلمات وسواء من الكتب لا يوجد فيها ذلك حتى أحدث أصحابها لها لحونا وطرقا
__________
(قوله إلا بزند) بفتح الزاى وسكون النون، في الصحاح وهو موصل طرف الذراع في الكف وهما زندان الكوع والكرسوع، والزند أيضا العود الذى يقدح به النار وهو الأعلى والزندة السفلى فيها ثقب وهى الأنثى انتهى (قوله في الأزمات) الأزمة بفتح الهمزة وسكون الزاى: الشدة (*)

(1/276)


يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عبره ولا تفنى عجائبه، هو الفصل ليس بالهزل لا يشبع منه العلماء ولا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة هو الذى لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد) ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد العرب عامة ولا محمد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته خاصة بمعرفتها ولا القيام بها ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم فجمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجج العقليات والرد على فرق الأمم ببراهين قوية وأدلة بينة سهلة الألفاظ موجزة المقاصد رام المتحذلقون بعد أن ينصبوا أدلة مثلها فلم يقدروا عليها كقوله تعالى (أو ليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ؟ بلى) و (قل يحييها الذى أنشأها أول مرة) و (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) إلى ما حواه من علوم السير وأنباء الأمم والمواعظ والحكم وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الآداب والشيم قال الله جل اسمه (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ)، (ولقد
__________
(قوله لا يخلق) بفتح أوله وضم ثالثة أو بضم أوله وكسر ثالثه، في الصحاح خلق الثوب بالضم خلوقة أي بلى وأخلق الثوب مثله وأخلقته أنا يتعدى ولا يتعدى (قوله المتحذلقون) بالحاء المهملة يقال حذلق الرجل وتحذلق إذا أظهر الحذلق وادعى أكثر مما عنده.
(*)

(1/277)


ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل هذا القرآن آمرا وزاجرا وسنة خالية ومثلا مضروبة فيه نبؤكم
وخبر ما كان قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم لا يخلقه طول الرد ولا تنقضي عجائبه، هو الحق ليس بالهزل من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به فلج ومن قسم به أقسط ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدى إلى صراط مستقيم ومن طلب الهدى من غيره أضله الله ومن حكم بغيره قصمه الله، هو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم وحبل الله المتين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد، ونحوه عن ابن مسعود وقال فيه ولا يختلف ولا يتشان، فيه نبأ الأولين والآخرين، وفى الحديث قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (إنى منزل عليك توراة حديثة تفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب)
__________
(قوله فلج) بفتح الفاء واللام وبعدهما جيم، في الصحاح الفلج الظفر والفوز (قوله أقسط) أي عدل وأما قسط فمعناه جار وحكى يعقوب في كتاب الأضداد أنه يأتي أيضا بمعنى عدل (قوله وحبل الله المتين) من المتانة وهى القوة وقال ابن الأثير حبل الله نور هداه وقيل عهده وأمانه الذى يؤمن من العذاب والحبل العهد والميثاق انتهى (قوله ولا يتشان) بشين معجمة وفى آخره نون مخفف من الشنآن بفتحج النون وإسكانها مهموز وهو البغض: شنأه أبغضه، قال الهروي وابن الأثير وفى حديث ابن مسعود في صفة القرآن ولا يتشان معناه لا مخلق على كثرة الرد، مأخوذ من الشن (*)

(1/278)


وعن كعب (عليكم بالقرآن فإنه فهم العقول ونور الحكمة) وقال تعالى (إن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون) وقال (هذا بيان للناس وهدى) الآية، فجمع فيه مع وجازة ألفاظه
وجوامع كلمه أضعاف ما في الكتب قبله التى ألفاظها على الضعف منه مرات * ومنها جمعه فيه بين الدليل ومدلوله وذلك أنه احتج بنظم القرآن وحسن وصفه وإيجازه وبلاغته وأثناء هذه البلاغة أمره ونهيه ووعده ووعيده فالتالي له يفهم موضع الحجة والتكليف معا من كلام واحد وسورة منفردة * ومنها أن جعله في حيز المنظوم الذى لم يعهد ولم يكن في حيز المنثور لأن المنظوم أسهل على النفوس وأوعى للقلوب وأسمع في الآذان وأحلى على الأفهام فالناس إليه أميل والأهواء إليه أسرع * ومنها تيسيره تعالى حفظه لمتعلميه وتقريبه على متحفظيه قال الله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر) وسائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم فكيف الجماء على مرور السنين عليهم والقرآن ميسر حفظه للغلمان في أقرب مدة * ومنها مشاكلة بعض أجزائه بعضا وحسن ائتلاف أنواعها والتيئام أقسامها وحسن التخلص من قصة إلى أخرى والخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه وانقسام السورة الواحدة إلى أمر ونهى وخبر واستخبار ووعد ووعيد وإثبات نبوة وتوحيد وتفريد وترغيب وترهيب إلى غير ذلك من فوائده دون خلل يتخلل فسوله، والكلام الفصيح إذا اعتوره مثل هذا ضعفت قوته

(1/279)


ولانت جزالته وقل رونقه وتقلقلت ألفاظه: فتأمل أول (ص) وما جمع فيها من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم وما ذكر من تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتعجبهم مما أتى به والخبر، عن اجتماع ملئهم على الكفر وما ظهر من الحسد في كلامهم وتعجيزهم وتوهينهم ووعيدهم بخزى الدنيا والآخرة وتكذيب الأمم قبلهم وإهلاك الله لهم ووعيد هؤلاء مثل مصابهم وتصبير النبي صلى الله عليه وسلم على أذاهم وتسليته بكل ما تقدم ذكره ثم أخذ في ذكر داود وقصص الأنبياء، كل هذا في أوجز كلام وأحسن نظام ومنه الجملة الكثيرة التى انطوت عليها الكلمات القليلة وهذا كله وكثير مما ذكرنا أنه ذكر في أعجاز القرآن إلى وجوه كثيرة ذكرها الأثمة لم نذكرها إذ أكثرها داخل في باب بلاغته فلا.
نحب أن يعد فنا منفردا في إعجازه إلا في باب تفصيل فنون البلاغة وكذلك كثير مما قدمنا ذكره عنهم يعد في خواصه وفضائله لا في إعجازه، وحقيقة الإعجاز الوجوه الأربعة التى ذكرنا فليعتمد عليها وما بعدها من خواص القرآن وعجائبه التى لا تنقضي والله ولى التوفيق
فصل انشقاق القمر وحبس الشمس قال الله تعالى (أقتربت الساعة وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا

(1/280)


ويقولوا سحر مستمر) أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي وإعراض الكفرة عن آياته وأجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه: أخبرنا الحسين بن محمد الحافظ من كتابه حدثنا القاضى سراج بن عبد الله حدثنا الأصيلي حدثنا المروزى حدثنا الفربرى حدثنا البخاري حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبى معمر عن ابن مسعود رضى الله عنه قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا، وفى رواية مجاهد ونحن مع النبي صلى الله عليه
وسلم وفى بعض طرق الأعمش بمنى ورواه أيضا عن ابن مسعود الأسود وقال حتى رأيت الجبل بين فرجتى القمر ورواه عنه مسروق أنه كان بمكة وزاد فقال كفار قريش سحركم ابن أبى كبشة فقال رجل منهم إن محمدا إن كان سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا فأتوا فسألوهم
__________
(قوله مسدد) قال ابن الجوزى هو ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن ارندل ابن سرندل بن عرندل بن ماسك بن المستورة الأسدى (قوله عن أبى معمر) بفتح الميم وسكون العين المهملة عبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة (قوله فرجتى القمر) يقال بينهما فرجة بضم الفاء أي انفراج وأما بفتح الفاء فالتفصى عن الهم (قوله عن ابن ابى كبشة) قيل أبو كبشة رجل تأله قديما وفارق دين الجاهلية وعبد الشعرى فشبهت المشركون النبي صلى الله عليه وسلم به وقيل كانت له عليه السلام أخت من الرضاعة تسمى كبشة وكان أبوه من الرضاعة يكنى بها وقيل كان (*)

(1/281)


فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك وحكى السمرقندى عن الضحاك نحوه وقال فقال أبو جهل هذا سحر فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا أرأوا ذلك أم لا فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا فقالوا يعنى الكافر هذا سحر مستمر ورواه أيضا عن ابن مسعود علقمة فهؤلاء الأربعة عن عبد الله وقد رواه غير ابن مسعود كما رواه ابن مسعود منهم أنس وابن عباس وابن عمر وحذيفة وعلى وجبير بن مطعم فقال على من رواية أبى حذيفة الأرحبى انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم * وعن أنس سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين حتى رأوا حراء بينهما، وراه عن أنس قتادة * وفى رواية معمر وغيره عن قتادة عنه أراهم القمر مرتين انشقاقه
فنزلت (اقتربت الساعة وانشق القمر) ورواه عن جبير بن مطعم ابنه محمد وابن ابنه جبير بن محمد ورواه عن ابن عباس عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواه عن ابن عمر مجاهد ورواه عن حذيفة أبو عبد
__________
في أجداده لأمه من يكنى بذلك (قوله الأرحبى) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الحاء المهملة بعدها باء موحدة وباء للنسبة إلى قبيلة من همدان، وقيل إلى مكان (قوله حراء) بكسر المهملة تمد وتقصر وتذكر وتأنث جبل على ثلاثة أميال من مكة (قوله مرتين) قال ابن قيم الجوزية في كتابه إغائة اللهفان أن المرات مراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى وأكثر ما يستعمل في الأفعال، وأما الأعيان فكما جاء في الحديث انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أي فلقتين ولما خفى هذا على من لم يحط به علما زعم أن الانشقاق وقع مرة بعد مرة في زمانين ولم يقع (*)

(1/282)


الرحمن السلمى ومسلم بن أبى عمران الأزدي وأكثر طرق هذه الأحاديث صحيحة والآية مصرحة ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول بأنه لو كان هذا لم يخف عل أهل الأرض إذ هو شئ ظاهر لجميعهم إذ لم ينقل لنا عن أهل الأرض رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق ولو نقل إلينا عمن لا يجوز تمالؤهم لكثرتهم على الكذب لما كانت علينا به حجة إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض فقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على الآخرين وقد يكون من قوم بضد ما هو من مقابلهم من أقطار الأرض أو يحول بين قوم وبينه سحاب أو جبال ولهذا نجد الكسوفات في بعض البلاد دون بعض وفى بعضها جزئية وفى بعضها كلية وفى بعضها لا يعرفها إلا المدعون لعلمها، ذلك تقدير العزيز العليم، وآية القمر كانت ليلا والعادة من الناس بالليل الهدو والسكون وأيجاف الأبواب وقطع التصرف ولا يكاد يعرف من
أمور السماء شيئا إلا من رصد ذلك واهتبل به ولذلك ما يكون الكسوف القمرى كثيرا في البلاد وأكثرهم لا يعلم به حتى يخبر وكثيرا ما يحدث الثقات بعجائب يشاهدونها من أنوار ونجوم طوالع عظام تظهر في الأحيان بالليل في السماء ولا علم عند أحد منها * وخرج الطحاوي في
__________
الانشقاق إلا مرة واحدة (قوله وإيجاف) بكسر الهمزة وسكون المثناة التحتية وتخفيف الجيم مصدر أوجف أو أغلق (قوله واهتبل) بمثناة فوقية مفتوحة (*)

(1/283)


مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجر على فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصليت يا على قال لا فقال اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ووقفت على الجبال والأرض وذلك بالصهباء في خيبر قال وهذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات * وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كان يقول لا ينبغى لمن سبله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من علامات النبوة * وروى يونس بن بكير في زيادة المغازى روايته عن ابن إسحق لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التى في العير قالوا متى تجئ قال يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت
__________
بعدها موحدة مفتوحة أي تخيل (قوله عن أسماء بنت عميس) بضم العين المهملة وفى آخره سين مهملة قال ابن الجوزى في الموضوعات حديث رد الشمس في قصة على موضوع بلا شك (قوله بالصهباء) ممدودة موضع على مرحلة من خير (قوله في العير) بكسر العين المهملة هي القافلة من الإبل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارات ولا يسمى عيرا إلا إذا كانت كذلك (قوله يوم الأربعاء) بتثليث الموحدة
والأجود كسرها كذا في المحكم وقد حبست الشمس ليوشع وللنبى صلى الله عليه وسلم في صبيحة ليلة الإسراء وفى يوم من أيام الخندق كما ذكره المصنف في غير الشفاء وفى قصة على في حديث أسماء وحبست لداود كما ذكره الخطيب في كتاب النجوم، وضعف رواية ثقله عنه مغلطاى في سبرته وحبست لسلمان كما ذكره البغوي في سورة ص (*)

(1/284)


قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجئ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وفحبست عليه الشمس.
فصل في نبع الماء من بين أصابعه وتكثير ببركته أما الأحاديث في هذا فكثيرة جدا روى حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه رحمه الله بقراءتي عليه حدثنا القاضى عيسى بن سهل حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد حدثنا أبو عمر ابن الفخار حدثنا أبو عيسى حدثنا يحيى حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبى طلحة عن أنس بن مالك رضى الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده وأمر الناس أن يتوضؤا منه قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم، ورواه أيضا عن أنس قتادة وقال بإناء فيه ماء يغمر أصابعه أو لا يكاد يغمر قال كم كنتم قال زهاء ثلاثمائة وفى رواية عنه وهم بالزوراء
__________
(قوله ثنا أبو عيسى ثنا يحيى) الصواب حدثنا أبو عيسى ثنا أبو عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى لأن أبا عيسى إنما يروى عن عبيد الله بن يحيى عن أبيه (قوله بوضوء) بفتح
الواو وقد تضم (قوله ينبع) بتثليث الموحدة (قوله زهاء) بضم الزاى والمد أي قدر (قوله بالزوراء) بالفتح والمد مكان قريب من المسجد قال الداودى مرتفع كالمنار (*)

(1/285)


عند السوق ورواه أيضا حميد وثابت والحسن عن أنس وفى رواية حميد قلت كم كانوا قال ثمانين رجلا ونحوه عن ثابت عنه وعنه أيضا وهم نحو من سبعين رجلا * وأما ابن مسعود ففى الصحيح من رواية علقمة عنه بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس.
معنا ماء فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلبوا من معه فضل ماء فأتى بماء فصبه في إناء ثم وضع كفه فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم * وفى الصحيح عن سالم بن أبى الجعد عن جابر رضى الله عنه عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها وأقبل الناس نحوه وقالوا ليس عندنا ماء إلا ما في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون وفيه فقلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا: كنا خمس عشرة مائة، وروى مثله عن أنس عن جابر وفيه أنه كان بالحديبية * وفى رواية الوليد بن عبادة بن الصامت عنه في حديث مسلم الطويل في ذكر غزوة بواط قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جابر ناد الوضوء وذكر الحديث بطوله وأنه لم يجد إلا قطرة في عزلاء شجب
__________
(قوله في عزلاء شجب) العزلاء بفتح العين المهملة وسكون الزاى والمد فم المزادة الأسفل والجمع عزاى بكسر اللام وفتحها، والشجب بفتح الشين المعجمة وسكون الجيم وفى آخره موحدة: ما قدم من القرب مثل الشن (*)

(1/286)


فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فغمزه وتكلم بشئ لا أدرى ما هو وقال ناد بجفنة الركب فأتيت فوضعتها بين يديه وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط يده في الجفنة وفرق أصابعه وصب جابر عليه وقال بسم الله قال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ثم فارته الجفنة واستدارت حتى امتلأت وأمر الناس بالاستقاء فاستقوا حتى رووا فقلت هل بقى أحد له حاجة فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهى ملأى * وعن الشعبى أتى النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بإداوة ماء وقيل ما معنا يا رسول الله ماء غيرها فسكبها في ركوة ووضع إصبعه وسطها وغمسها في الماء وجعل الناس يجيئون ويتوضؤن ثم يقومون، قال الترمذي وفى الباب عن عمران بن حصين ومثل هذا في هذه المواطن الحفلة والجموع الكثيرة لا تتطرق التهمة إلى المحدث به لأنهم كانوا أسرع شئ إلى تكذيبه لما جبلت عليه النفوس من ذلك ولأنهم كانوا ممن لا يسكت على باطل، فهؤلاء قد رووا هذا وأشاعوه ونسبوا حضور الجماء الغفير له ولم ينكر أحد من الناس عليهم ما حدثوا به عنهم أنهم فعلوه وشاهدوه فصار كتصديق جميعهم له
(فصل) ومما يشبه هذا من معجزاته تفجير الماء ببركته وابتعاثه بمسه ودعوته * فيما روى مالك في الموطأ عن معاذ بن جبل في قصة غزوة
__________
(قوله ثم فارت الجفنة واستدارت) في صحيح مسلم ثم قارب الجفنة ودارت (قوله بإداوة) بكسر الهمزة وتخفيف الدال المهملة أي مطهرة (*)

(1/287)


تبوك وأنهم وردوا العين وهى تبض بشئ من ماء مثل الشراك فغرفوا
من العين بأيديهم حتى اجتمع في شئ ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه وأعاده فيها فجرت بماء كثير فاستقى الناس قال في حديث ابن اسحاق فانخرق من الماء ماله حس كحس الصواعق ثم قال: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا * وفى حديث البراء وسلمة بن الأكوع وحديثه أتم في قصة الحديبية وهم أربع عشرة مائة وبئرها لا تروى خمسين شاة فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها قال البراء وأتى بدلوا منا فبصق فدعا وقال سلمة فإما دعا وإما بصق فيها فجاشت فأرووا أنفسهم وركابهم وفى غير هاتين الروايتين في هذه القصة من طريق ابن شهاب في الحديبية فأخرج سهما من كنانته فوضعه في قعر قليب ليس فيه ماء فروى الناس حتى ضربوا بعطن * وعن أبى قتادة وذكر أن الناس شكوا الى رسول الله صلى الله عليه
__________
(قوله تبص) من البصيص بالصاد المهملة وهو البريق واللمعان وبالضاد المعجمة القطر والسيلان القليل (قوله خمسين شاة) قال المزى المعروف عند أهل الحديث خمسين أشاة والأشاة النخلة الصغيرة (قوله على جباها) بفتح الجيم وتخفيف الموحدة والقصر أي ما حول فمها (قوله فجاشت) بالجيم والشين المعجمة أي فارت وارتفعت (قوله حتى ضربوا بعطن) أي رووا ورويت إبلهم حتى بركت لأن عطن الابل مباركها وذلك حول الماء حتى تعاد إلى الشرب (*)

(1/288)


وسلم العطش في بعض أسفاره فدعا بالميضأة فجعلها في ضبنه ثم التقم فمها فالله أعلم نفث فيها أم لا فشرب الناس حتى رووا وملوا كل إناء معهم فخيل إلى أنها كما أخذها منى وكانوا اثنين وسبعين رجلا، وروى
مثله عمران بن حصين وذكر الطبري حديث أبى قتادة على غير ما ذكره أهل الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بهم ممدا لأهل مؤتة عند ما بلغه قتل الأمراء وذكر حديثا طويلا فيه معجزات وآيات للنبى صلى الله عليه وسلم وفيه إعلامهم أنهم يفقدون الماء في غد وذكر حديث الميضأة قال والقوم زهاء ثلثمائة وفى كتاب مسلم أنه قال لأبى قتادة احفظ على ميضأتك فإله سيكون لها نبا وذكر نحوه ومن ذلك حديث عمران بن حصين حين أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عطش في بعض أسفارهم فوجه رجلين من أصحابه وأعلمها أنهما يجدان امرأة بمكان كذا معها بغير عليه مزادتان الحديث فوجداها وأتيابها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في إناء من مزادتيها
__________
(قوله بالميضأة) بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وفتح الضاد المعجمة وهمزة: هي آلة الوضوء (قوله ضبنه) بكسر الضاد المعجمة وسكون الموحدة بعدها نون فهاء للضمير، والضبن ما بين الكشح إلى الإبط قاله الخطابى في غريب الحديث (قوله نفث) أي نفخ لا ريق معه (قوله لأهل مؤتة) بضم الميم وسكون الهمزة وقد تبدل واوا (قوله والقوم زهاء) قال المزى: الوجه نصب زهاء ولكن أهل الحديث يرفعونه (قوله وجه رجلين) هما عمير بن حصين وعلى بن أبى طالب (قوله مزادتان) المزادة بفتح الميم وتخفيف الزاى أكبر من القربة قال ابن قرقول وقيل ما زيد فيه جلد ثالث بين جلدين لتبيع (19 - 1) (*)

(1/289)


وقال فيه ما شاء الله أن يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم فتحت عزاليهما وأمر الناس فملؤا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئا إلا ملؤه قال عمران ويخيل إلى أنهما لم تزداد إلا امتلاء ثم أمر فجمع للمرأة من الأزواد حتى ملأ ثوبها وقال الذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا ولكن الله سقايا - الحديث بطوله - وعن سلمة بن الأكوع: قال نبى الله صلى الله عليه وسلم هل من وضوء فجاء رجل بإداوة فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة وفى حديث عمر في جيش العسرة وذكر ما أصابهم من العطش حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه فرغب أبو بكر رضى الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فانسكبت فملؤا ما معهم من آنية ولم تجاوز العسكر وعن عمرو بن شعيب أن أبا طالب قال للنبى صلى الله عليه وسلم وهو رديفه بذى المجاز عطشت وليس عندي ماء فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بقدمه الأرض فخرج الماء فقال اشرب والحديث في هذا الباب الكثير ومنه الإجابة بدعاء الاستسقاء وما جالسه.
__________
(قوله فيها نطفة) أي شئ يسير (قوله ندغفقه) من الدغفقة بالدال المهملة فالغين المعجمة والفاء فالقاف وهى الصب الشديد (قوله في جيش العسرة) يعنى غزوة تبوك (قوله بذى المجاز) بالميم المفتوحة والجيم المخففة والزاى سوق عند عرفة من أسواق الجاهلية (*)

(1/290)


فصل ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه حدثنا القاضى الشهيد أبو على رحمه الله حدثنا العذري حدثنا الرازي حدثنا الجلودى حدثنا ابن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا سلمة ابن شبيب حدثنا الحسن بن أعين حدثنا معقل عن أبى الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم * ومن ذلك حديث أبى طلحة المشهور وإطعامه صلى الله عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلا من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت يده أي إبطه فأمر بها فقتت وقال فيها ما شاء الله أن يقول، وحديث جابر في إطعامه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير وعناق وقال جابر فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في العجين والبرمة وبارك، رواه عن جابر سعيد بن ميناء وأيمن وعن ثابت مثله عن رجل من الأنصار وامرأته ولم يسمهما قال وجئ بمثل الكف فجعل
__________
(قوله ابن مينا) بكسر الميم والمد أو القصر (قوله وأيمن) هو أيمن الحبشى المكى والد عبد الواحد بن أمين مولى ابن أبى عمرة المخزومى وفى كتاب ابن حيان إنه أيمن بن أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد بأن أيمن بن أم أيمن قتل في حنين (*)

(1/291)


رسول الله صلى الله عليه وسلم يبسطها في الإناء ويقول ما شاء الله فأكل منه من في البيت والحجرة والدار وكان ذلك قد امتلأ ممن قدم معه صلى الله عليه وسلم لذلك وبقى بعد ما شبعوا مثل ما كان في الإناء، وحديث أبى أيوب أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر من الطغام زهاء ما يكفيهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ادع ثلاثين من أشراف الأنصار فدعاهم فأكلوا حتى تركوا ثم قال ادع ستين فكان مثل ذلك ثم قال ادع سبعين فأكلوا حتى تركوه وما خرج منهم أحد
حتى أسلم وبايع قال أبو أيوب فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا، وعن سمرة بن جندب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لخم فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون، ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبى بكر كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة وذكر في الحديث أنه عجن صاع من طعام وصنعت شاة فشوى سواد بطنها قال وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له حزة من سواد بطنها ثم جعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون وفضل في القصعتين
__________
(قوله بقصعة) بفتح القاف (قوله سواد بطنها) هو الكبد وقيل حشوا البطن كله (قوله حزة) بضم الحاء المهملة وتشديد الزاى: القطعة المحزوزة وبفتح الحاء المرة من الحز (قوله وفضل) قال الصنمرى فضل يفضل بفتح العين في المعاضى وضمها في المستقبل من الفضل وهو السؤدد وبالكسر في الماضي والفتح في المستقبل من الفضلة وهى بقية الشئ وفى الصحاح فضل منه شئ مثل دخل يدخل وفيه لغة أخرى فضل يفضل مثل حذر يحذر (*)

(1/292)


فحملته على البعير، ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبى عمرة الأنصاري عن أبيه ومثله لسلمة بن الأكوع وأبى هريرة وعمر بن الخطاب رضى الله عنه فذكروا مخمصة أصابت الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فدعا ببقية الأزواد فجاء الرجل بالحثية من الطعام وفوق ذلك وأعلاهم الذى أتى بالصاع من التمر فجمعه على نطع قال سلمة فحزرته كربضة العنز ثم دعا الناس بأوعيتهم فما بقى في الجيش وعاء إلا ملؤوه وبقى منه قدر ما جعل وأكثر ولو ورده أهل الأرض لكفاهم وعن أبى هريرة أمرنى النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعوا له
أهل الصفة فتتبعتهم حتى جمعتهم فوضعت بين أيدينا صحفة فأكلنا ما شئنا وفرغنا وهى مثلها حين وضعت إلا أنا فيها أثر الأصابع، وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب وكانوا أربعين منهم قوم يأكلون الجذعة ويشربون الفرق فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا وبقى كما هو ثم دعا
__________
(قوله مخمصة) أي مجاعة (قوله بالحثية) بفتح الحاء المهملة من حثى يحثا (قوله على نطع) يجوز فيه فتح النون وكسرها مع سكون الطاء وفتحها فهذه أربع لمات أفضحها كسر النون وفتح الطاء (قوله كربضة) بفتح الراء وسكون الموحدة قال ابن دريد بكسر الراء يقال ربضت الغنم تربض بالكسر وربوضا وهو من البقر والعم والفرس والكلب مثل البروك من الإبل والجثوم من الطير (قوله أهل الصفة) في صحيح البخاري من حديث أبى هريرة لقد رأيت سبعين من أهل الصفة وعد أبوهم في الحليلة منهم مائة ونيفا وفى عوارف المعارف السهروردى إنهم كانوا نحو أربعمائة (*)

(1/293)


بعص فشربوا حتى رووا وبقى كأنه لم يشرب منه وقال أنس إن النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب أمره أن يدعو له قوما سماهم وكل من لقيت حتى امتلأ البيت والحجرة وقدم إليهم تورا فيه قدر مد من تمر جعل حيسا فوضعه قدامه وغمس ثلاث أصابعه وجعل القوم يتغدون ويخرجون وبقى التور نحوا مما كان وكان القوم أحدا أو اثنين وسبعين وفى رواية أخرى في هذه القصة أو مثلها إن القوم كانوا زهاء ثلثمائة وإنهم أكلوا حتى شبعوا وقال لى ارفع فلا أدرى حين وضعت كانت أكثر أم حين رفعت وفى حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن على رضى الله عنه أن فاطمة طبخت قدرا لغدائهما ووجهت عليا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتغدى معهما فأمرها فغرفت منها لجميع نسائه صحفة صحفة ثم له صلى الله عليه وسلم ولعلى ثم لها ثم رفعت القدر وإنها لتفيض قالت فأكلنا منها ما شاء الله * وأمر عمر بن الخطاب
__________
(قوله بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين هو قدح ضخم (قوله ابتنى) ترتيب المعروف إن ذلك لما ابتنى بصفية وفى شرح مسلم للمصنف إن الراوى أدخل قصة في قصة (قوله تور) بالمثناة الفوقية وهو إناء شبه قدح من حجارة (قوله حيسا) بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها سين مهملة هو تمر وسمن وأقط وقال ابن الصلاح هو التمر ينزع نواه ويخلط بالسويق (قوله يتغدون) من الغداء بفتح الغين المعجمة والدال المهملة والمد هو الطعام نفسه خلاف العشاء لما في صحيح مسلم فدعا بعد ارتفاع النهار وأما الغذاء بكسر الغين وبالذال المعجمتين والمد هو ما يتغذى به من الطعام والشراب (*)

(1/294)


أن يزود أربعمائة راكب من أحمس فقال يا رسول الله ما هي إلا أصوع قال أذهب فذهب فزودهم منه وكان قدر الفصيل الرابض من التمر وبقى بحاله من رواية دكين الأحمسى ومن رواية جرير ومثله من رواية النعمان بن مقرن الخبر بعينه إلا أنه قال أربعمائة راكب من مزينة ومن ذلك حديث حابر في دين أبيه بعد موته وقد كان بذل لغرماء أبيه أصل ماله فلم يقبلوه ولم يكن في ثمرها سنتين كفاف دينهم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمره بحدها وجعلها بيادر في أصولها فمشى فيها ودعا فأوفى منه جابر غرماء أبيه وفضل مثل ما كانوا يجدون كل سنة وفى رواية مثل ما أعطاهم قال وكان الغرماء يهود فعجبوا من ذلك) وقال أبو هريرة رضى الله عنه أصاب الناس
مخمصة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من شئ قلت نعم شئ من التمر في المزود قال فأتني به فأدخل يده.
فأخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة ثم قال ادع عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم عشرة كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا قال خذ ما جئت به وأدخل
__________
(قوله أصوع) بضم الواو جمع صاع وفى الصحاح وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة (قوله دكين) بضم الدال المهملة وفتح الكاف هو ابن سعيد بفتح السين ويقال بضمها ويقال ابن سعد له صحبة وحديث في أبى داود في الأدب (قوله يجدها) بالجيم والدال المهملة أي قطعها ومنه ثوب جديد بمعنى مجدود كأنه حين جده الجائد أي قطعه (قوله في المزود) بكسر الميم وسكون الزاى ما يجعل فيه الزاد (قوله بقبضة) بفتح القاف: المرة، وبضمها: الشئ المقبوض (*)

(1/295)


يدك واقبض منه ولا تكبه فقبضت على أكثر مما جئت به فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر إلى أن قتل عثمان فانتهب منى فذهب وفى رواية فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك وأن التمر كان بضع عشرة تمرة ومنه أيضا حديث أبى هريرة حين أصابه الجوع فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح قد أهدى إليه وأمره أن يدعو أهل الصفة قال فقلت ما هذا اللبن فيهم كنت أحق أن أصيب منه شربة أتقوى بها فدعوتهم وذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم له أن يسقيهم فجعلت أعطى الرجل فيشرب حتى يروى ثم يأخذه الآخر حتى روى جميعهم قال فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم القدح وقال بقيت أنا وانت اقعد فاشرب فشربت ثم قال اشرب وما زال يقولها واشرب حتى قلت لا والذى بعثك بالحق ما أجد له
مسلكا فأخذ القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة وفى حديث خالد بن عبد العزى أنه أجزر النبي صلى الله عليه وسلم شاة وكان عيال خالد كثيرا
__________
(قوله إلى أن قتل عثمان) كان في سنة خمس وثلاثين (قوله أجزر النبي صلى الله عليه وسلم شاة) بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الزاى بعدها راء قال ابن السكيت يقال أجزرت القوم إذا أعطيتهم شاة يذبحونها نعجة أو كبشا أو عنزا قال ولا يكون الجزوة إلا من الغنم ولا يقال أجزرتهم ناقة لأنها قد تصلح لغير الذبح (*)

(1/296)


يذبح الشاة فلا تبد عياله عظما وإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هذه الشاة وجعل فضلتها في دلو خالد ودعا له بالبركة فنثر ذلك لعياله فأكلوا وأفضلوا ذكر خبره الدولابى وفى حديث الآجرى في إنكاح النبي صلى الله عليه وسلم لعلى فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بقصعة من أربعة أمداد أو خمسة ويذبح جوزرا لوليتها قال فأتيته بذلك فطعن في رأسها ثم أدخل الناس رفقة رفقة يأكلون منها حتى فرغوا وبقيت منها فضلة فبرك فيها وأمر بحملها إلى أزواجه وقال كلن وأطعمن من غشيكن وفى حديث أنس رضى الله عنه تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضعه وادع لى فلانا وفلانا ومن لقيت فدعوتهم ولم أدع أحدا لقيته إلا دعوته وذكر أنهم كانوا زهاء ثلثمائة حتى ملؤوا الصفة والحجرة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم تحلقوا عشرة عشرة ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على الطعام فدعا فيه وقال ما شاء الله أن يقول فأكلوا حتى شبعوا كلهم فقال لى ارفع فما أدرى حين وضعت كانت
اكثر أم حين رفعت وأكثر أحاديث هذه الفصول الثلاثة في الصحيح وقد اجتمع على معنى حديث هذا الفضل بضعة عشر من الصحابة رواه
__________
(قوله تبد) بضم المثناة الفوقية وكسر الموحدة، في الصحاح والتبدة بالكسر النصيب يقول منه أتبدهم العطاء أي أعطى كل واحد منهم تبده أي نصيبه (*)

(1/297)


عنهم أضعافهم من التابعين ثم من لا ينعد بعدهم وأكثرها في قصص مشهورة ومجامع مشهودة ولا يسكت الحاضر لها على ما أنكر منها
فصل (في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته) قال حدثنا أحمد بن محمد بن غلبون الشيخ الصالح فيما أجازينه عن أبى عمرو الطلمنكى عن أبى بكر بن المهندس عن أبى القاسم البغوي حدثنا أحمد بن عمران الأخلمى حدثنا أبو حيان التيمى وكان صدوقا عن مجاهد عن ابن عمر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فدنا منه أعرابي فقال يا أعرابي أين تريد قال إلى أهلى قال هل لك إلى خير قال وما هو قال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال من يشهد لك على ما تقول قال هذه الشجرة السمرة وهى بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها
__________
(قوله فيما أجازنيه) هذه لغة حكاها ابن فارس والمعروف أجازه لى (قوله عن أبى القاسم البغوي) هو الحافظ الكبى المسند، البغوي الأصل مولده سنة أربع عشرة وعاش مائة وثلاث سنين (قوله أبو حيان) بفتح الحاء المهملة بعدها مثناة تحتية مشددة وعن البزى إنه سقط بين أحمد بن عمران الأحنسى وبين أبى حيان التيمى رجل ولعله يكون محمد بن فضيل ثم قال بل هو محمد بن فضيل فانه يرويه عنه وأما الأحنسى
فلم يدرك أبا حيان (قوله السمرة) بضم الميم شجرة من شجر الطلح (قوله تخد) بضم الخاء المعجمة أي تشق (*)

(1/298)


ثلاثا فشهدت أنه كما قال ثم رجعت إلى مكانها، وعن بريدة سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم آية فقال له قل لتلك الشجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك قال فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها فتقطعت عروقها ثم جاءت تخد الأرض تجر عروقها مغبرة حتى وقفت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت السلام عليك يا رسول الله قال الأعرابي مرها فلترجع إلى منبتها فرجعت فدلت عروقها فاستوت فقال الأعرابي ائذن لى أسجد لك قال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها قال فأذن لى أن أقبل يديك ورجليك فأذن له، وفى الصحيح في حديث جابر بن عبد الله الطويل ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته فلم ير شيئا يستتر به فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادى على بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذى يصانع قائده وذكر أنه فعل بالأخرى مثل ذلك حتى إذا كان بالمنصف بينهما قال التئما على بإذن الله فالتأمتا وفى رواية أخرى فقال يا جابر قل لهذه الشجرة يقول لك رسول الله
__________
(قوله المخشوش) بخاء وشينين معجمات هو البعير يجعل في أنفه الخشاش بكسر الخاء المعجمة وهو عود يربط عليه حبل ويدخل في عظم أنف البعير لينقاد (قوله بالمنصف في الصحاح والمصنف بالفتح نصف الطريق والمنصف بالكسر: الخادم، هذا قول الأصمعى.
(*)

(1/299)


صلى الله عليه وسلم الحقى بصاحبتك حتى اجلس خلفكما فزحفت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفها فخرجت أحضر وجلست أحدث نفسي فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا والشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة فقال برأسه هكذا يمينا وشمالا وروى أسامة بن زيد نحوه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه هل يعنى مكانا لحاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن الوادي ما فيه مواضع بالناس فقال هل ترى من نخل أو حجارة قلت أرى نخلات متقاربات قال انطلق وقل لهن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل للحجارة مثل ذلك فقلت ذلك لهن فو الذى بعثه بالحق لقد رأيت النخلات يتقاربن حتى اجتمعن والحجارة يتعاقدن حتى صرن ركاما خلفهن فلما قضى حاجته قال لى قل لهن يفترقن فو الذى نفسي بيده لرأيتهن والحجارة يفترقن حتى عدن إلى مواضعتهن * وقال يعلى بن سباية كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير وذكر نحوا من هذين الحديثين وذكر فأمر
__________
(قوله أحضر) هو بضم الهمزة وكسر الضاد مضارع أحضر بفتحها إذا عدى قال في الصحاح يقال أحضر الفرس والغلام إحضارا واحتضر أي عدوا واستحضرته أي أعديته (قوله يعلى بن سيابة) بفتح السين المهملة وتخفيف التحتية وهو ابن مرة أبو المرازم وسيابة أمه ولهم أيضا بعلى بن أمية التيمى وهو يعلى بن منية ومنية أمه وهو أيضا صحابي (*)

(1/300)


وديتين فانضمتا وفى رواية أشاءتين وعن غيلان بن سلمة الثقفى مثله في شجرتين وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في غزاة حنين وعن يعلى بن مرة وهو ابن سيابة أيضا وذكر أشياء رآها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أن طلحة أو سمرة جاءت فأطافت به ثم رجعت إلى منبتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها استأذنت أن تسلم على، وفى حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه آذنت النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا له شجرة وعن مجاهد عن ابن مسعود في هذا الحديث أن الجن قالوا من يشهد لك قال هذه الشجرة تعالى يا شجرة فجاءت تجر عروقها لها قعاقع وذكر مثل الحديث الأول أو نحوه قال القاضى أبو الفضل فهذا ابن عمر وبريدة وجابر وابن مسعود ويعلى بن مرة وأسامة بن زيد وأنس بن مالك وعلى بن أبى طالب وابن عباس وغيرهم قد اتفقوا على هذه القصة نفسها أو معناها ورواها عنهم من التابعين أضافعهم فصارت في انتشارها من القوة حيث هي، وذكر ابن فورك أنه صلى الله عليه وسلم سار
__________
(قوله وديتين) الودية بفتح الواو وسكون الدال المهملة وفتح المثناة التحتية تثنية ودية وهى الصغيرة من الفسيل وهو صغار النخل (قوله أشاءتين) تثنية أشاءة بفتح الهمزة وفتح الشين المعجمة والمد وهى النخلة الصغيرة (قوله غيلان) بفتح المعجمة، توفى آخر خلافة عمر بن الخطاب قال المزى ليس في الرواة عيلان بالمهملة إنما هو بالمعجمة ولا يقال بالمهملة إلا في نسب مضر بن عيلان (قوله أن طلحه) هي واحدة الطلح وهو شجر عظم من شجر العضاء (قوله قعاقع) بقافين وعينين مهملتين حكاية صوت الصلاح (*)

(1/301)


في غزوة الطائف ليلا وهو وسن فاعترضته سدرة فانفرجت له نصفين حتى جاز بينهما وبقيت على ساقين إلى وقتنا هي هناك معروفة معظمة * ومن ذلك حديث أنس رضى الله عنه أن جبريل عليه السلام قال للنبى صلى الله عليه وسلم ورآه حزينا أتحب أن أريك آية قال نعم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شجرة من وراء الوادي فقال ادع تلك الشجرة فجاءت تمشى حتى قامت بين يديه قال مرها فلترجع فعادت إلى مكانها، وعن على نحو هذا ولم يذكر فيها جبريل قال اللهم أرنى آية لا أبالى من كذبني بعدها فدعا شجرة مثله وذكر، وحزنه صلى الله عليه وسلم لتكذيب قومه وطلبه الآية لهم لا له وذكر ابن اسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى ركانة مثل هذه الآية في شجرة دعاها فأتت حتى وقفت بين يديه ثم قال ارجعي فرجعت وعن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم شكى إلى ربه من قومه وأنهم يخوفونه وساله آية يعلم بها أن لا مخافة عليه فأوحى إليه أن ائت وادى كذا فيه شجرة فادع غصنا
__________
(قوله في غزوة الطائف) كانت في السنة الثامنة بعد الفتح وبعد حنين (قوله وسن) بفتح الواو وكسر السين المهملة أي نعسان (قوله وحزنه صلى الله عليه وسلم لتكذيب قومه) فان قلت قد سبق في حديث هند بن أبى هالة أن ابن القيم قال إنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يكون حزنه على الكفار لأن الله تعالى قد نهاه عنه قلت لعل الحزن الذى في الحديث المفسر هنا قبل النهى عن حزنه على الكفار على أن حزنه لتكذيب قومه لا يلزم أن يكون حزنا عليهم لجواز أن يكون لما نسبوه إليه مما هو معصوم منه وهو الكذب (*)

(1/302)


منها يأتك ففعل فجاء يخط الأرض خطا حتى انتصب بين يديه فحبسه
ما شاء الله ثم قال له ارجع كما جئت فرجع فقال يا رب علمت أن لا مخافة على * ونحو منه عن عمر وقال فيه أرنى آية لا أبالى من كذبني بعدها وذكر نحوه وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أنى رسول الله قال نعم فدعاه فجعل ينقز حتى أتاه فقال ارجع فعاد إلى مكانه وخرجه الترمذي وقال هذا حديث صحيح.
فصل في قصة حنين الجذع ويعضد هذه الأخبار حديث أنين الجذع وهو في نفسه مشهور منتشر والخبر به متواتر قد خرجه أهل الصحيح ورواه من الصحابة بضعة عشر منهم أبى بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسهل بن سعد وأبو سعيد الخدرى وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبى وداعة كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث قال الترمذي وحديث أنس صحيح قال جابر بن عبد الله كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
__________
(قوله العذق) بكسر العين المهملة بعدها ذال معجمة: الكناسة وهو التمر بمنزلة العنقود من العنب كذا في الصحاح (قوله ينقز) بالقاف المضمومة والزاى أي ينبت صعدا (*)

(1/303)


خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار.
وفى رواية أنس حتى ارتج المسجد بخواره وفى رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا به.
وفى رواية المطلب وأبى حتى تصدع وانشق حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده
عليه فسكت، زاد غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا بكى لما فقد من الذكر وزاد غيره والذى نفسي بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر كذا في حديث المطلب وسهل ابن سعد وإسحاق عن أنس وفى بعض الروايات عن سهل فدفنت تحت منبره أو جعلت في السقف.
وفى حديث أبى فكان إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى إليه فلما هدم المسجد أخذه أبى فكان عنده إلى أن أكلته الأرض وعاد رفاتا.
وذكر الاسفرائنى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى نفسه فجاءه يخرق الأرض فالتزمه ثم أمره فعاد إلى مكانه.
وفى حديث بريدة فقال يعنى النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت اردك إلى الحائط الذى كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك
__________
(قوله العشار) بكسر العين المهملة وتخفيف الشين المعجمة هي النوق الحوامل واحدها عشراء بضم العين وفتح الشين والمد، وقال ابن دريد هي التى أتى لحملها عشرة أشهر (قوله بخواره) هو بضم المعجمة وتخفيف الواو.
الصوت للشاء والظى والبقر وبضم الجيم وفتح الهمزة صوت البقر والناس (*)

(1/304)


ويجدد لك خوص وثمرة وإن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك، ثم اصغي له النبي صلى الله عليه وسلم يستمع ما يقول فقال: بل تغرسني في الجنة فيأكل منى أولياء الله وأكون في مكان لا أبلى فيه فسمعه من يليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلت ثم قال اختار دار البقاء على دار الفناء فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى وقال يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه فأنتم
أحق أن تشتاقوا إلى لقائه، رواه عن جابر حفص بن عبيد الله ويقال عبد الله بن حفص وأيمن وأبو نضرة وابن المسيب وسعيد بن أبى كرب وكريب وأبو صالح ورواه عن أنس بن مالك الحسن وثابت وإسحاق بن أبى طلحة ورواه عن ابن عمر نافع وأبو حية ورواه أبو نضرة وأبو الوداك عن أبى سعيد وعمار بن أبى عمار عن ابن عباس وأبو حازم وعباس بن سهل عن سهل بن سعد وكثير بن زيد عن المطلب وعبد الله بن بريدة عن أبيه والطفيل بن أبى عن أبيه قال القاضى أبو الفضل وفقه الله فهذا
__________
(قوله وأيمن) هو أيمن الحبشى مولى ابن أبى عمرة المخزومى (قوله وأبو نضرة) بالنون والضاد المعجمة: اسمه المنذر بن مالك ولا نعلم أبو بصرة - بالموحدة والمهملة - إلا جميل الغفاري الصحابي وليس له شئ عن جابر (قوله وأبو حية) بفتح الحاء المهملة بعدها مثناة تحتية: الكلبى الكوفى (قوله وأبو حازم) بالحاء المهملة والزاى هو سلمة بن دينار الأعرج المدينى أحد الأعلام (قوله وعباس) بالموحدة والسين المهملة (قوله وكثير) بفتح الكاف وكسر المثلثة (قوله وعبد الله بن بريدة هو قاضى مرو وعاملها (قوله والطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء المخففة (20 - 1) (*)

(1/305)


حديث كما تراه خرجه أهل الصحة من ذكرنا وغيرهم من التابعين ضعفهم إلى من لم نذكره وبدون هذا العدد يقع العلم لمن اعتنى بهذا الباب والله المثبت على الصواب.
فصل ومثل هذا في سائر الجمادات حدثنا القاضى أبو عبد الله محمد بن عيسى التيمى حدثنا القاضى أبو عبد الله محمد بن المرابط حدثنا المهلب حدثنا أبو القاسم حدثنا أبو الحسن القابسى حدثنا المروزى حدثنا الفربرى حدثنا البخاري حدثنا محمد
بن المثنى حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، وفى غير هذه الرواية عن ابن مسعود كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه، وقال أنس أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من حصى فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت التسبيح ثم صبهن في يد أبى بكر رضى الله عنه فسبحن ثم في أيدينا فما سبحن * وروى مثله أبو ذر وذكر أنهن سبحن في كف عمر وعثمان رضى الله عنهما وقال على كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى بعض نواحيها فما استقبله
__________
(قوله أبو أحمد الزبيري) بضم الزاى وفتح الموحدة وهو محمد بن عبد الله بن الزبير نسب إلى جده (قوله إسرائيل) هو ابن يونس بن أبى اسحاق السبيعى الكوفى (*)

(1/306)


شجرة ولا جبل إلا قال له السلام عليك يا رسول الله * وعن جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على، قيل إنه الحجر الأسود * وعن عائشة رضى الله عنها لما استقبلني جبريل عليه السلام بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله.
وعن جابر بن عبد الله لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.
وفى حديث العباس إذا اشتمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بنيه بملاءة ودعا لهم بالستر من النار كستره إياهم بملاءته فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت آمين آمين.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه مرض النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم
فسبح.
وعن أنس صعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان أحدا فرجف بهم فقال اثبت أحد فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان ومثله عن أبى هريرة في حراء وزاد معه وعلى وطلحة والزبير وقال فإنما عليك نبى أو صديق أو شهيد والخبر في حراء أيضا عن عثمان قال ومعه عشرة من أصحابه أنا فيهم وزاد عبد الرحمن وسعدا قال ونسيت الاثنين.
وفى حديث سعيد ابن زيد أيضا مثله وذكر عشرة وزاد نفسه
__________
(قوله قيل إنه الحجر الأسود) قال السهيلي روى في بعض المسندات أنه الحجر الأسود (قوله بملاءة) بضم الميم والمد: الملحفة والجمع ملا (قوله أسكفة الباب) أي عتبته ويقال أسكوفة أيضا (*)

(1/307)


وقد روى أنه حين طلبته قريش قال له ثير اهبط يا رسول الله فإنى أخاف أن يقتلوك على ظهرى فيعذبين الله فمال حراء إلى يا رسول الله.
وروى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر (وما قدروا الله حق قدره) ثم قال يمجد الجبار نفسه يقول أنا الجبار أنا الجبار أنا الكبير المتعال فرجف المنبر حتى قلنا ليخرن عنه وعن ابن عباس كان حول البيت ستون وثلثمائة ضم مثبتة الأرجل بالرصاص في الحجارة فأما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد عام الفتح جعل يشير بقضيب في يده إليها ولا يمسها ويقول (جاء الحق وزهق الباطل) الآية فما أشار إلى وجه صنم إلا وقع لقفاه ولا لقفاه إلى وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم، ومثله في حديث ابن مسعود وقال فجعل يطعنها ويقول جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد، ومن ذلك حديثه مع الراهب في ابتداء أمره إذ خرج تاجرا مع عمه وكان الراهب لا يخرج إلى أحد فخرج وجعل
__________
(قوله ثبير) بمثلثة مفتوحة فموحدة مكسورة: جبل المزدلفة وللعرب جبال أربعة أخرى
حجازية كل منها يسمى ثبيرا (قوله يطعنها) بضم العين المهملة وقد تفتح (قوله مع الراهب) هو بحيرى بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة والقصر قال الذهبي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قبل المبعث وآمن به ذكره ابن منده وأبو نعيم في الصحابة وقال السيهلى وقع في سيرة الزهري إنه كان حبرا من يهود تيما وفى المسعودي إنه كان من عبد القيس واسمه جرجس إذ خرج تاجرا مع عمه، قيل لم يخرج عليه السلام في هذه المرة تاجرا وإنما خرج تاجرا بعد ذلك مع ميسرة غلام خديجة وفى هذه الخرجة لقى نسطور الراهب، ويمكن الجواب بأن (تاجرا) حال من عمه لا من الضمير المستتر في خرج (*)

(1/308)


بتخللهم حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا سيد العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش ما علمك فقال إنه لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا له ولا يسجد إلا لنبى وذكر القصة ثم قال وأقبل صلى اقله عليه وسلم وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم سبقوه إلى فئ الشجرة فلما جلس مال الفئ إليه
فصل في الآيات في ضروب الحيوانات حدثنا سراج بن عبد الملك أبو الحسين الحافظ حدثنا أبى حدثنا القاضى أبو يونس حدثنا أبو الفضل الصقلى حدثنا ثابت بن قاسم بن ثابت عن أبيه وجده قالا حدثنا أبو العلاء أحمد بن عمران حدثنا محمد ابن فضيل حدثنا يونس بن عمرو حدثنا مجاهد عن عائشة رضى الله عنها قالت كان عندنا داجن فإذا كان عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قر وثبت مكانه فلم يحئ ولم يذهب وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وذهب، وروى عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي قد صاد ضبا فقال من هذا قالوا
نبى الله فقال واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب وطرحه بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(قوله داجن) بالدال المهملة والجيم المكسورة: ما يألف البيت من الحيوان، يقال دجن فيه بيته إذا ألزمه (قوله في محفل) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الفاء.
أي مجتمع (*)

(1/309)


له ياضب، فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعا لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة، قال من تعبد ؟ قال الذى في السماء عرشه وفى الأرض سلطانه وفى البحر سبيله وفى الجنة رحمته وفى النار عقابه: قال فمن أنا ؟ قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين وقد أفلح من صدقك وخاب من كذبك.
فأسلم الأعرابي * ومن ذلك قصة كلام الذئب المشهورة عن أبى سعيد الخدرى: بينا راع يرعى غنما له عرض الذئب لشاة منها فأخذها منه فأقعى الذئب وقال للراعي ألا تتقى الله حلت بينى وبين رزقي قال الراعى العجب من ذئب يتكلم بكلام الانس، فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق، فأتى الراعى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم له قم فحدثهم، ثم قال صدق، والحديث فيه قصة وفى بعضه طول وروى حديث الذئب عن أبى هريرة وفى بعض الطرق عن أبى هريرة رضى الله عنه فقال الذئب أنت أعجب واقفا على غنمك وتركت نبيا لم يبعث الله نبيا قط أعظم منه عنده قدرا قد فتحت له أبواب الجنة وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم وما بينك وبينه إلا هذا الشعب فتصير في جنود الله، قال الراعى من لى بغنمي ؟ قال الذئب أنا أرعاها حتى ترجع فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى وذكر
__________
(قوله بين الحرتين) تثنة حرة بفتح المهملة، وهى أرض ذات حجارة سود (قوله الشعب) بكسر الشين المعجمة ما يفرج بين الجبلين (*)

(1/310)


قصته وإسلامه ووجوده النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عد إلى غنمك تجدها بوفرها فوجدها كذلك وذبح لذئب شاة منها، وعن أهبان بن أوس وأنه كان صاحب القصة والمحدث بها ومكلم الذئب وعن سلمة بن عمرو بن الأكوع وأنه كان صاحب هذه القصة أيضا وسبب إسلامه بمثل حديث أبى سعيد وقد روى ابن وهب مثل هذا أنه جرى لأبى سفيان بن حرب وصفوان بن أمية مع ذئب وجداه أخذ ظبيا فدخل الظبى الحرم فانصرف الذئب فعجبا من ذلك فقال الذئب أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار فقال أبو سفيان واللات والعزى لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفا، وقد روى مثل هذا الخبر وأنه جرى لأبى جهل وأصحابه وعن عباس بن مرداس لما تعجب من كلام ضمار صنمه وإنشاده الشعر الذى ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طائر سقط فقال يا عباس أتعجب من كلام ضمار ولا تعجب من نفسك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام وأنت جالس فكان سبب إسلامه، وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وهو على بعض حصون خيبر وكان في غنم
__________
(قوله خلوفا) بضم الخاء المعجمة واللام.
من قولهم حى خلوف إذا غاب رجالهم وبقى نساؤهم أو من خلوف الفم تغيره (قوله ضمار) بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الميم وفى آخره راء (*)

(1/311)


يرعاها لهم فقال يا رسول الله كيف بالغنم قال أحصب وجوهها فإن الله سيؤدى عنك أمانتك ويردها إلى أهلها ففعل فسارت كل شاة حتى دخلت إلى أهلها، وعن أنس رضى الله عنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائط أنصارى وأبو بكر وعمر ورجل من الأنصار رضى الله عنهم وفى الحائط غنم فسجدت له فقال أبو بكر نحن أحق بالسجود لك منها - الحديث - وعن أبى هريرة رضى الله عنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا فجاء بعير فسجد له وذكر مثله، ومثله في الجمل عن ثعلبة ابن مالك وجابر بن عبد الله ويعلى بن مرة وعبد الله بن جعفر قال وكان لا يدخل أحد الحائط إلا شد عليه الجمل فلما دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم دعاه فوضع مشفره على الأرض وترك بين يديه فخطمه وقال ما بين السماء والأرض شئ إلا يعلم أنى رسول الله إلا عاصي الجن والإنس ومثله عن عبد الله بن أبى أوفى وفى خبر آخر في حديث الجمل أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن شأنه فاخبروه أنهم أرادوا ذبحه وفى رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم إنه شكى كثرة العمل وقلة العلف، وفى رواية أنه شكى إلى أنكم
__________
(قوله عن ثعلبة) قال المزى هو ثعلبة بن مالك القرظى لا نعرف في الصحابة من إسمه ثعلبة بن مالك غيره، قدم من اليمن على دين اليهود فنزل في بنى قريظة فنسب إليهم ولم يكن منهم (قوله مشفره) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة، في الصحاح المشفر من البعير كالجحفلة، من الفرس والجحفلة للحافر كالشفة للإنسان (*)

(1/312)


أردتم ذبحه بعد أن استعملتموه في شاق العمل من صغره فقالوا
نعم وقد روى في قصة العضباء وكلامها للنبى صلى الله عليه وسلم وتعريفها له بنفسها ومبادرة العشب إليها في الرعى وتجنب الوحوش عنها وندائهم لها إنك لمحمد وأنها لم تأكل ولم تشرب بعد موته حتى ماتت، ذكره الإسفرائنى، وروى ابن وهب أن حمام مكة أظلت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتحها فدعا لها بالبركة وروى عن أنس وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمر الله ليلة الغار شجرة فنبتت تجاه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر حمامتين فوقفتا بفم الغار، وفى حديث آخر وأن العنكبوت نسجت على بابه فلما أتى الطالبون له ورأوا ذلك قالوا لو كان فيه أحد لم تكن الحمامتان ببابه والنبى صلى الله عليه وسلم يسمع كلامهم فانصرفوا، وعن عبد الله بن قرط قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست أو سبع لينحرها يوم
__________
(قوله وقد روى في قصة العضبا) قيل العضبا والقصوى والجذعا ثلاثة أسماء والمسمى واحد وقيل إنهن ثلاث، وقيل الجذعا والقصوى واحد والعضبا أخرى (قوله أمر الله شجرة) قال قاسم بن ثابت هي الراة، وقال أبو حنيفة رحمه الله الراة من أعلا الشجر ويكون مثل قامة الإنسان ولها خيطان وهو أبيض يحشى منه المخاد ويكون كالريش لخفته ولينه لأنه كالقطن (قوله عبد الله بن قرط) بضم القاف قال ابن عبد البر كان اسم عبد الله في الجاهلية شيطانا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله (*)

(1/313)


عيد فاردلفن إليه بايهن يبدأ وعن أم سلمة كان النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء فنادته ظبية يا رسول الله قال ما حاجتك قالت صادني هذا الأعرابي ولى خشفان في ذلك الجبل فأطلقني حتى أذهب فارضعهما وأرجع
قال: أو تفعلين ؟ قالت: نعم فأطلقها فذهبت ورجعت فأوثقها فانتبه الأعرابي وقال يا رسول الله ألك حاجة ؟ قال تطلق هذه الظبية، فاطلقها فخرجت تعدو في الصحراء وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ومن هذا الباب ما روى من تسخير الأسد لسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وجهه إلى معاذ باليمن فلقى الأسد فعرفه أنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه كتابه فهمهم وتنحى عن الطريق وذكر في منصرفه مثل ذلك وفى رواية أخرى عنه أن سفينة تكسرت به فخرج إلى جزيرة فإذا الأسد فقلت أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامنى على الطريق وأخذ عليه السلام بأذن شاة لقوم من عبد القيس بين إصبعيه ثم خلاها فصار لها ميسما وبقى ذلك الأثر فيها وفى نسلها بعد وما روى عن إبراهيم بن حماد بسنده من كلام الحمار الذى أصابه بخيبر وقال له اسمى يزيد بن شهاب فسماه النبي صلى الله عليه وسلم يعفورا وأنه كان يوجهه إلى دور اصحابه فيضرب
__________
(قوله فازدلفن) بالزاى والفاء: أي تقربن (قوله من كلام الحمار) في سيرة مغلطاى كان له صلى الله عليه وسلم من الحمير يعفر وعفير ويقال هما واحد وآخر أعطاه سعد بن عبادة (*)

(1/314)


عليهم الباب برأسه ويستدعيهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات تردى في بئر جزعا وحزنا فمات، وحديث الناقة التى شهدت عند النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبها أنه ما سرقها وأنها ملكه، وفى حديث العنز التى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكره وقد أصابهم عطش ونزلوا على غير ماء وهم زهاء ثلثمائة فحلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأروى الجند ثم قال لرافع أملكها وما أراك فربطها فوجدها قد انطلقت، رواه ابن قانع وغيره، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذى جاء بها هو الذى ذهب بها وقال لفرسه عليه السلام وقد قام إلى الصلاة في بعض أسفاره لا تبرح بارك الله فيك حتى نفرغ من صلاتنا وجعله قبلته فما حرك عضوا حتى صلى صلى الله عليه وسلم، ويلتحق بهذا ما رواه الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجه رسله إلى الملوك فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم، والحديث في هذا الباب كثير وقد جئنا منه بالمشهور وما وقع في كتب الأئمة.
__________
(قوله لفرسه) الخيل المتفق عليها لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الحافظ الدمياطي سبعة وقد نظمهما القاضى بدر الدين بن جماعة في بيت فقال والخيل سكب لجيف سبحة ظرب لزاز مرتجن ورد لها اسرار (*)

(1/315)


فصل في إحياء الموتى وكلامهم (وكلام الصبيان والمراضع وشهادتهم له بالنبوة صلى الله عليه وسلم) حدثنا أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه والقاضى أبو الوليد محمد بن رشد والقاضى أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي وغير واحد سماعا وإذنا قالوا حدثنا أبو على الحافظ حدثنا أبو عمر الحافظ حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا ابن الأعرابي حدثنا أبو داود حدثنا وهب بن بقية عن خالد هو الطحان عن محمد بن عمر وعن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى الله عنه أن يهودية أهدت للنبى صلى الله عليه وسلم بخيبر شاة مصلية سمتها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة فمات بشر بن البراء وقال للهيودية ما حملك على ما صنعت ؟ قالت: إن كنت نبيا لم بضرك الذى صنعت وإن كنت ملكا أرحت الناس منك قال فأمر بها فقتلت.
وقد روى هذا الحديث أنس وفيه قالت أردت قتلك فقال (ما كان الله ليسلطك على ذلك) فقالوا: تقتلها قال (لا) وكذلك
__________
(قوله عن أبى سلمة عن أبى هريرة) قال المزى في الأطراف هكذا وقع هذا الحديث في رواية أبى سعيد ابن الأعرابي عن أبى داود وعندنا في الرواة عن أبى سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس فيه عن أبى هريرة (قوله مصلية) بفتح الميم وسكون الصاد المهملة أي مشوبة (قوله بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة هو ابن البراء ابن معرور.
بفتح الميم وسكون العين المهملة (*)

(1/316)


روى عن أبى هريرة من رواية غير وهب قال فما عرض لها، ورواه أيضا جابر بن عبد الله وفيه أخبرتني به هذه الذراع قال ولم يعاقبها وفى رواية الحسن أن فخذها تكلمني أنها مسمومة، وفى رواية أبى سلمة ابن عبد الرحمن قالت إنى مسمومة، وكذلك ذكر الخبر ابن اسحاق وقال فيه فتجاوز عنها، وفى الحديث الآخر عن أنس أنه قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذى مات فيه (ما زالت أكلة خيبر تعادنى فالآن أوان قطعت أبهرى) وحكى ابن اسحاق إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة، وقال ابن سحنون أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قتل اليهودية التى سمته، وقد ذكرنا اختلاف الروايات في ذلك عن أبى هريرة وأنس وجابر وفى رواية ابن عباس رضى الله عنهما
__________
(قوله في لهوات) بثلاث فتحات جمع لهاة وهى في الأصل اسم اللحمة في أقصى الفم (قوله أكلة خيبر) بضم الهمزة (قوله تعادنى) بضم أوله ورابعه وتشديده أي يراجعني ويعاودني ألم سمها قال الداودى: الألم الذى حصل له صلى الله عليه وسلم من الأكلة هو نقص لذة ذوقه، قال ابن الأثير وليس مبين لأن نقص الذوق ليس بألم (قوله أبهرى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة عرق بكشف الصلب والقلب إذا انقطع مات صاحبه، فان قيل ما الجمع بين قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) وبين هذا الحديث المقتضى لعدم العصمة لأن موته عليه السلام بالسم لصادر من اليهودية والجواب أن الآية نزلت عام تبوك والسم كان بخيبر قبل ذلك (*)

(1/317)


أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلوها، وكذلك قد اختلف في قتله للذى سحره، قال الواقدي وعفوه عنه اثبت عندنا وقد روى عنه أنه قتله وروى الحديث البزار عن أبى سعيد فذكر مثله إلا أنه قال في آخره فبسط يده وقال كلوا بسم الله فأكلنا وذكر اسم الله فلم تضر منا أحدا قال القاضى أبو الفضل وقد خرج حديث الشاة المسمومة أهل الصحيح وخرجه الأئمة وهو حديث مشهور واختلف أئمة أهل النظر في هذا الباب فمن قائل يقول هو كلام يخلقه الله تعالى في الشاة الميتة أو الحجر أو الشجر وحروف وأصوات يحدثها الله فيها ويسمعها منها دون تغيير أشكالها ونقلها عن هيئتها وهو مذهب الشيخ أبى الحسن والقاضى أبى بكر رحمهما الله وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها أولا ثم الكلام بعده، وحكى هذا أيضا عن شيخنا أبى الحسن وكل محتمل والله
__________
(قوله عن شيخنا أبى الحسن) أي الأشعري وهو على بن اسمعيل ابن أبى بشر بن سالم بن اسمعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبى بردة بن أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعري، أخذ فقه الشافعي عن أبى إسحاق المروزى، كذا في طبقات السبكى، وبه رد على من قال أنه مالكى وكان في أول أمره بمعتزليا تلميذا للجبائي وكان صاحب نظر وإقدام على الخصوم وكان الجبائى صاحب تصنيف فكان الجبائى إذا عرضت له مناظرة يقول للأشعري نب عنى، وأقام الأشعري على الاعتزال أربعين سنة ثم إنه غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوما ثم خرج إلى الجامع وصعد المنبر وقال أيها الناس إنما تغيبت عنكم هذه المدة لأنى نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شئ على شئ فاستهديت الله تعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ودفع الكتب التى ألفها على مذهب أهل السنة للناس، ولد سنة ستين ومائتين وتوفى سنة ست وثلاثين وقبل سنة أربع وعشرين وثلاثمائة (*)

(1/318)


أعلم إذ لم يجعل الحياة شرطا لوجود الحروف والأصوات إذ لا يستحيل وجودها مع عدم الحياة بمجردها فأما إذا كانت عبارة عن الكلام النفسي فلا بد من شرط الحياة لها إذ لا يوجد كلام النفس إلا من حى خلافا للجبائي من بين سائر متكلمي الفرق في إحالة وجود الكلام اللفظى والحروف والأصوات إلا من حى مركب على تركيب من يصح منه النطق بالحروف والأصوات والتزم ذلك في الخصا والجذع والذراع وقال إن الله خلق فيها حياة وخرق لها فما ولسانه وآلة أمكنها بها من الكلام وهذا لو كان لكان نقله والتهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه أو حنينه ولم ينقل أحد من أهل السير والرواية شيئا من ذلك فدل على سقوط دعواه مع أنه لا ضرورة إليه في النظر والموفق الله،
وروى وكيع رفعه عن فهد بن عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبى قد شب لم يتكلم قط فقال من أنا فقال رسول الله، وروى عن معرض بن معيقيب رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجبا جئ بصبى يوم ولد فذكر مثله، وهو حديث مبارك اليمامة ويعرف
__________
(قوله للجبائي) هو أبو على محمد بن عبد الوهاب رئيس المعتزلة في عصره بالبصرة، قال الذهبي وابن خلكان: وجبى: مدينة ورستاق عريض مشتبك العماير والنخيل وقصب السكر وغيرها، مات سنة ثلاث وثلاثمائة (*)

(1/319)


بحديث شاصوته اسم راويه وفيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (صدقت بارك الله فيك) ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب فكان يسمى مبارك اليمامة، وكانت هذه القصة بمكة في حجة الوداع، وعن الحسن أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له أنه طرح بنية له في وادى كذا فانطلق معه إلى الوادي.
وناداها باسمها يا فلانة أجيبي بإذن الله فخرجت وهى تقول لبيك وسعديك فقال لها إن أبويك قد أسلما فإن أحببت أن أردك عليهما قالت لا حاجة لى فيهما وجدت الله خيرا لى منهما، وعن أنس أن شابا من الأنصار توفى وله أم عجوز عمياء فسجيناه وعزيناها فقالت مات ابني قلنا نعم قالت اللهم أن كنت تعلم أنى هاجرت إليك وإلى رسولك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملن على هذه المصيبة فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه فطعم وطعمنا وروى عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس وكان قتل باليمامة فسمعناه حين
أدخلناه القبر يقول: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان البر الرحيم فنظرنا فإذا هو ميت، وذكر عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خر ميتا في بعض أزقة المدينة فرفع وسجى إذ سمعوه
__________
(قوله أن زيد بن خارجة) بن زيد بن أبى زهير، قال أبو نعيم الأصبهاني خارجة بن زيد تكلم بعد الموت ثم قال الصحيح أن الذى تكلم بعد الموت زيد بن خارجة، كذا قال أبو عمرو قال الذهبي زيد بن خارجة المتكلم بعد الموت أبوه، وذلك وهم لأنه قتل يوم أحد (*)

(1/320)


بين العشاءين والنساء يصرخن حوله يقول أنصتوا أنصتوا فحسر عن وجهه فقال محمد رسول الله النبي الأمي وخاتم النبيين كان ذلك في الكتاب الأول ثم قال صدق صدق، وذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثم قال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم عاد ميتا كما كان
فصل في إبراء المرضى وذوى العاهات أخبرنا أبو الحسن على بن مشرف فيما أجازنيه وقرأته على غيره قال حدثنا أبو إسحاق الحبال حدثنا أبو محمد بن النحاس حدثنا أبو الورد عن البرقى عن ابن هشام عن زياد البكائى عن محمد بن اسحاق حدثنا ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة وجماعة ذكرهم بقضية أحد بطولها قال وقالوا قال سعد بن أبى وقاص إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليناولني السهم لا نصل له فيقول ارم به وقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قوسه حتى اندقت وأصيب يومئذ
__________
(قوله عن هشام) هو محمد بن عبد الملك بن هشام بن أيوب أصله من البصرة وتوفى بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين (قوله عن زياد البكائى) بفتح الموحدة وتشديد الكاف (قوله ابن هشاب) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الزهري ممن
يروى عنه ابن اسحاق وفى بعض النسخ ابن هشام وليس بصحيح (قوله لا نصل له) بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة (قوله وقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بقوسه) كان له عليه السلام قسى الروحاء والصفراء - من نبع وهو بنون فموحدة فمهملة شجر من شجر الجبال تتخذ منه القسى ومن أغصانه السهام - والبيضاء وشوحط أصابها من بنى قينقاع والزوراء والكتوم - لا نخفاض من صوتها إذا رمى عليها - قيل والسداد قال صاحب الهدى والتى انكسرت في إحدى الغزوات الكتوم (21 - 1) (*)

(1/321)


عين قتاده يعنى ابن النعمان حتى وقعت على وجنته فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه وروى قصة قتاده عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن عياض بن عمر بن قتاده ورواها أبو سعيد الخدرى عن قتادة وبصق على أثر سهم في وجه أبى قتادة في يوم ذى قرد قال فما ضرب على ولا قاح، وروى النسائي عن عثمان بن حنيف أن أعمى قال يا رسول الله ادع الله أن يكشف لى عن بصرى قال فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبى محمد نبى الرحمة يا محمد إنى أتوجه بك إلى ربك أن يكشف عن بصرى اللهم شفعه في قال فرجع وقد كشف الله عن بصره، وروى أن ابن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده حثوة من الأرض فتفل عليها ثم أعطاها رسوله فأخذها متعجبا يرى أن قد هزئ به فأتاه بها وهو على الشفا فشربها فشفاه الله،
__________
(قوله في يوم ذى قرد) بفتح القاف والراء ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر، قال ابن سعد كان يوم ذى قرد في ربيع الأول سنة ست وفى البخاري كان قبل
خيبر بثلاثة أيام (قوله قاح) بالقاف والحاء المهملة يقال قاح الجرح وقيح إذا حصل فيه المدة التى لا يخالطها دم (قوله وروى النسائي) هو الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب صاحب السنن توفى سنة عشرين وثلاثمائة ولم يتأخر بعد الثلاثمائة من أصحاب الكتب الستة إلا هو (قوله عثمان بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون شهد أحدا وما بعدها وتولى مسح سواد العراق لعمر (قوله على شفا) بفتح الشين المعجمة والقصر يقال أشفى المريض على الموت وما بقى منه إلا شفا أي قليل (*)

(1/322)


وذكر العقيلى عن حبيب بن فديك ويقال فريك أن أباه ابيضت عيناه فكان لا يبصر بهما شيئا فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين، ورمى كلثوم بن الحصين يوم أحد في نحره فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فبرا وتفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تمد، وتفل في عينى على يوم خيبر وكان رمدا فأصبح بارئا ونفث على ضربة بساق سلمة ابن الأكوع يوم خيبر فبرئت وفى رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف، إلى الكعب حين قتل ابن الأشرف فبرئت وعلى ساق على بن الحكم يوم الخندق إذ انكسرت فبرئ مكانه وما نزل عن فرسه واشتكى على بن أبى طالب فجعل يدعو فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اشفه أو عافه ثم ضربه برجله فما اشتكى ذلك الوجع بعد
__________
(قوله وذكر العقيلى) بضم العين المهملة هو الإمام الحافظ أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد المكى صاحب كتاب الضعفاء (قوله كلثوم بن الحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (قوله فبرأ) يقال برأ من المرض بفتح الراء وبرئ من
الدين بكسرها (قوله فلم تمد) بضم أوله وكسر ثانيه من أمد الجرح صار فيه مدة (قوله وفى رجل زيد بن معاذ) قيل لم يحضر هذه الواقعة أحد يسمى زيد بن معاذ بل ولا في الصحابة أحد يسمى زيد بن معاذ إلا أن يكون نسب إلى جد له أو إلى خلاف الظاهر والذى خرج في رجله أو في رأسه على الشك من الراوى في قتل كعب بن الأشرف إنما هو الحرث بن أوس بن معاذ بن النعمان وقيل الحرث ابن أوس بن النعمان وقيل هما واحد نسب في أحدهما إلى جده (*)

(1/323)


وقطع أبو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقها فلصقت، رواه ابن وهب * ومن روايته أيضا أن خبيب بن يساف أصيب يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربة على عاتقه حتى مال شقه فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفث عليه حتى صح، وأتته امرأة من خثعم معها صبى به بلاء لا يتكلم فأتى بماء فمضمض فاه وغسل يديه ثم أعطاها إياه وأمرها بسقيه ومسه به فبرأ الغلام وعقل عقلا يفضل عقول الناس * وعن ابن عباس جاءت امرأة بابن لها به جنون فمسح صدره فثع ثعة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فسعى، وانكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل فمسح عليه ودعا له وتفل فيه فبرأ لحينه وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلمة تمنعه القبض على السيف وعنان
__________
(قوله وقطع أبو جهل) قيل المعروف أن عكرمة بن أبى جهل فعل ذلك بمعاذ ابن عمرو بن الجموع حين ضرب أباه (قوله معوذ) بكسر الواو المشددة وفتحها.
صحابي معروف قتل يوم بدر (قوله خبيب بن إساف) خبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة المخففة وإساف بكسر الهمزة ويقال يساف بالمثناة التحتية شهد بدرا
وأحدا وما بعدهما كان نازلا بالمدينة فتأخر إسلامه حتى سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا فلحقه في الطريق فأسلم وشهد يدرا فضربه رجل على عاتقه يومئذ فمال شقه فتفل صلى الله عليه وسلم على شقه ولا يمه ورده فانطلق فقتل الذى ضربه ثم تزوج ابنه بعتد ذلك فكانت تقول لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح فيقول لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار (قوله فثع) بالمثلثة والعين المهملة المشددة أي قاء (قوله مثل الجرو) هو بتثليث الجيم ولد الكلب والسبع (قوله ابن حاطب) بالحاء والطاء المهملتين (قوله سلعة) بكسر السين المهملة زيادة تحدث في الجسد كالغدة تكون من قدر الحمصة إلى قدر البطيخة (*)

(1/324)


الدابة فشكاها للنبى صلى الله عليه وسلم فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها ولم يبق لها أثر وسألته جارية طعاما وهو يأكل فناولها من بين يديه وكانت قليلة الحياء فقالت إنما أريد من الذى في فيك فناولها ما في فيه، ولم يكن يسأل شيئا فيمنعه فلما استقر في جوفها ألقى عليها من الحياء ما لم تكن امرأة بالمدينة أشد حياء منها.
فصل في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم (وهذا باب واسع جدا) وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة بما دعا لهم وعليهم متواتر على الجملة معلوم ضرورة * وقد جاء في حديث حذيفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده وولد ولده * حدثنا أبو محمد العتابى بقراءتي عليه حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن القابسى حدثنا أبو زيد المروزى حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن أبى الأسود حدثنا
حرمى حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضى الله عنه قال قالت أمي يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له قال اللهم أكثر ما له وولده وبارك له فيما آتيته، ومن رواية عكرمة قال أنس فو الله إن مالى لكثير وإن ولدى
__________
(قوله يطحنها) بفتح الحاء المهملة مضارع طحن بفتحها أيضا (قوله العتابى) بفتح المهملة وتشديد الفوقية (قوله ومن رواية عكرمة) هو ابن حمار الحنفي اليماني يروى عن الهرماس وعن طاوس وطائفة، والهرماس له صحبة (*)

(1/325)


وولد ولدى ليعادون اليوم على نحو المائة، وفى رواية فما اعلم أحدا أصاب من رخاء العيش ما أصبت ولقد دفنت بيدى هاتين مائة من ولدى لا أقول سقطا ولا ولد ولد * ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة قال عبد الرحمن فلو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب تحته ذهبا وفتح الله عليه ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤس حتى مجلت فيه الأيدى وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا وكن أربعا وقيل مائة ألف وقيل بل صولحت إحداهن لأنه طلقها في مرضه على نيف وثمانين ألفا وأوصى بخمسين ألفا بعد صدقاته الفاشية في حياته وعوارفه العظيمة أعتق يوما ثلاثين عبدا وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير وردت عليه تحمل
__________
(قوله ليعادون) بضم المثناة التحتية وتخفيف العين وتشديد الدال المهملتين (قوله سقط) بتثليث السين المهملة والقاف الجنين الذى يسقط قبل تمامه (قوله ما به) في صحيح البخاري قال أنس وحدثتني ابنتى أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحاجاج البصرة عشرون ومائة انتهى، وكان مقدم الحجاج البصرة سنة خمس وسبعين وكانت وفاة أنس سنة ثلاث وتسعين وقد ولد له بعد مقدم الحجاج أولاد كثيرة ومن كثرة الأولاد ما قال ابن قتيبة وقع إلى الأرض من صلب المهلب بن أبى صفرة ثلاثمائة ولد وقال بن خلكان في ترجمة
تميم بن المعز بن باديس إنه خلف مائة ذكر وستين أنثى (قوله بالفؤوس) بهمزة مضمومة بعد الفاء جمع فأس بسكون الهمزة كرأس ورؤس وكأس وكؤس (قوله مجلت) بكسر الجيم وفتحها أي نفطت من العمل وحصل بين الجلد واللحم ماء (قوله وتصدق مرة بعير) بكسر العين المهملة روى الترمذي أن عبد الرحمن بن عوف أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف وقال عروة بن الزبير أوصى عبد الرحمن بن عوف بخمسين ألف دينار في سبيل الله وقال الزهري أوصى عبد الرحمن لمن بقى من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها وأخذها عثمان فيمن أخذ وأوصى بألف فرس في سبيل الله (*)

(1/326)


من كل شئ فتصدق بها وبما عليها وبأقتابها وأحلاسها ودعا لمعاوية بالتمكين فنال الخلافة، ولسعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أن يجيب الله دعوته فما دعا على أحد إلا استجيب له، ودعا لعز الإسلام بعمر رضى الله عنه أو بأبى جهل فاستجيب له في عمر، وقال ابن مسعود رضى الله عنه ما زلنا أعتزة منذ أسلم عمر، وأصاب الناس في بعض مغازيه عطش فسأله عمر الدعاء فدعا فجاءت سحابة فسقتهم حاجتهم ثم أقلعت ودعا في الاستسقاء فسقوا ثم شكوا إليه المطر فدعا فصحوا وقال لأبى قتادة أفلح وجهك اللهم بارك له في شعره وبشره فمات وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة، وقال للنابغة لا يفضض الله فاك فما سقطت له سن وفى رواية فكان أحسن الناس ثغرا إذا سقطت له سن نبتت له أخرى وعاش عشرين ومائة وقيل أكثر من هذا، ودعا لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل فسمى بعد الحبر.
وترجمان القرآن، ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه فما اشترى شيئا إلا ربح فيه، ودعا للمقداد بالبركة فكانت عنده غرائر من
المال ودعا بمثله لعروة بن أبى الجعد فقال فلقد كنت أقوم بالكناسة
__________
(قوله وقال النابغة) هو الجعدى واسمه قيس بن عبد الله وقيل بالعكس، قال الشعر ثم بقى ثلاثين سنة لا يقوله ثم نبغ فيه فسمى النابغة (قوله الحبر) بكسر الحاء المهملة وفتحها أي العالم (قوله ترجمان) بفتح المثناة الفوقية وضمها وضم الجيم وحكى الجوهرى فتح التاء مع فتح الجيم وهو المعبر عن لغة ثانية (قوله فلقد كنت أقوم بالكناسة) بضم الكاف وتخفيف النون مكان بالكوفة وأيضا الكناسة القمامة الحاصلة من الكنس (*)

(1/327)


فما أرجع حتى أربح أربعين ألفا، وقال البخاري في حديثه فكان لو اشترى التراب ربح فيه، وروى مثل هذا لغرقدة أيضا وندت له ناقة فدعا فجاءه بها إعصار ريح حتى ردها عليه، ودعا لأم أبى هريرة فأسلمت، ودعا لعلى أن يكفى الحر والقر فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف وفى الصيف ثياب الشتاء ولا يصيبه حر ولا برد، ودعا الله لفاطمة ابنته أن لا يجيعها قالت فما جعت بعد وسأله الطفيل بن عمرو آية لقومه فقال اللهم نور له فسطع له نور بين عينيه فقال يا رب أخاف أن يقولوا مثلة فتحول إلى طرف سوطه فكان يضئ في الليلة المظلمة فسمى ذا النور، ودعا على مضر فأقحطوا حتى استعطفته قريش فدعا لهم فسقوا، ودعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه فلم تبق له باقية ولا بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا ودعا على صبى قطع عليه الصلاة أن يقطع الله أثره فأقعد، وقال لرجل رآه يأكل بشماله كل بيمينك
__________
(قوله لغرقدة) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف والدال المهملة (قوله وندت) بفتح النون والدال المشددة المهملة أي نفرت (قوله ودعا لأم أبى هريرة) قال ابن الأثير وتبعه الذهبي اسمها ميمنة
وقيل ميمونة (قوله والقر) بالقاف المضمومة والراء المشددة البرد (قوله الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء هو ابن عمرو الدوسى يلقب ذا النور قتل يوم اليمامة، وأصحاب النور أسيد بضم الهمزة بن حضير بضم الحاء المهملة وعباد بن بشر وحمزة بن عمر الأسلمي وقتادة بن النعمان والطفيل بن عمر الدوسى (قوله ودعا على كسرى) هو أبرويز بن هرمز، كذا ذكره السهيلي وغيره (قوله وقال لرجل وآه يأكل بشماله) هو عبد الله بن بسر بضم الموحدة وسكون السين المهملة (*)

(1/328)


فقال: لا استطيع فقال: لا استطعت فلم يرفعها إلى فيه، وقال لعتبة ابن أبى لهب اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد، وقال لامرأة أكلك الأسد فأكلها، وحديثه المشهور من رواية عبد الله بن مسعود رضى الله عنه في دعائه على قريش حين وضعوا السلا على رقبته وهو ساجد مع الفرث والدم وسماهم وقال فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر، ودعا على الحكم بن أبى العاص وكان يختلج بوجهه ويغمز عند النبي صلى الله عليه وسلم أي لا.
فرآه فقال كذلك كن فلم يزل يختلج إلى أن مات، ودعا على محلم بن جثامة فمات لسبع فلفظته الأرض ثم وورى فلفظته مرات فألقوه بين صدين ورضموا عليه بالحجارة - الصد جانب الوادي
__________
(قوله وقال لعتبة) المشهور أن عتبة بن أبى لهب أسلم يوم الفتح وأخوه معتب ولم يهاجرا من مكة وأن عتيبة بن أبى لهب تصغير عتبة هو الذى دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يسلط الله عليه كلبا فأكله الأسد وبعضهم قال إن عتيبة هو الذى أسلم وعتبة هو الذى دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا بنى القاضى كلامه (قوله السلا) بفتح المهملة والقصر هو في الهائم كالمثيمة لبنى آدم وهى الجلدة الرقيقة التى يكون فيها الولد من المواشى إن شقت عن وجه الفضيل ساعة ولادته يفتح وإلا قتلته وكذلك
إذا انقطع السلا في البطن فإذا خرج السلا سلمت الناقد وسلم الولد وإن انقطع في بطنها هلكت وهلك الولد (قوله فلقد رأيتهم) أي معظمهم لأن عتبة بن أبى معيط لم يقتل ببدر وإنما حمل منها أسيرا ثم قتل وعمارة بن الوليد هلك على كفره بأرض الحبشة زمن عمر (قوله محلم بن جثامة) محلم بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد اللام المكسورة وجثامة بفتح الجيم وتشديد المثلثة قال السهيلي مات في حمص أيام ابن الزبير (قوله بين صدين) بضم الصاد المهملة وبفتحها وتشديد الدال المهملة أي جبلين (*)

(1/329)


وجحده رجل بيع فرس وهى التى شهد فيها خزيمة للنبى صلى الله عليه وسلم فرد الفرس بعد النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وقال اللهم إن كان كاذبا فلا تبارك له فيها فأصبحت شاصية برجلها - أي رافعة - وهذا الباب أكثر من أن يحاط به.
فصل في كرامته وبركاته وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أحمد بن محمد حدثنا أبو ذر الهروي إجازة وحدثنا القاضى أبو على سماعا والقاضى أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن وغيرهما قالوا حدثنا أبو الوليد القاضى حدثنا أبو ذر الهروي حدثنا أبو محمد وأبو إسحاق وأبو الهيثم قالوا حدثنا الفربرى حدثنا البخاري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبى طلحة كان يقطف أو به قطاف وقال غيره يبطا فلما رجع قال وجدنا فرسك بحرا فكان بعدلا يجارى
__________
(قوله شاصية) بالشين المعجمة والصاد المهملة أي رافعة (قوله حدثنا البخاري حدثنا يزيد بن زريع) كذا في كثير من النسخ وقد سقط واحد بين البخاري ويزيد لأن يزيد شيخ شيخ البخاري والسياقط هو عبد الأعلى بن حماد كذا ساقة البخاري في كتاب الجهاد
ووقع في بعض النسخ (قوله يقطف) بسكون القاف وضم الطاء المهملة أي ينطو في السير وأما يقطف العنب وغيره فبكسر الطاء قاله الزمخشري في مقدمته (قوله يبطأ) بضم (*)

(1/330)


ونخس جمل جابر وكان قد أعيا فنشط حتى كان ما يملك زمامه وصنع مثل ذلك بفرس لجعيل الأشجعي خفقها بمخفقة معه وبرك عليها فلم يملك رأسها نشاطا وباع من بطنها بأثنى عشر ألفا وركب حمارا قطوفا لسعد بن عبادة فرده هملاجا لا يساير وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد فلم يشهد بها قتالا إلا رزق النصر وفى الصحيح عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها أنها أخرجت جبة طيالسة وقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها وحدثنا القاضى أبو على عن شيخه أبى القاسم بن المأمون قال كانت عندنا قصة من قصاع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نجعل فيها الماء للمرضى فيستشفون بها وأخذ جهجاه الغفاري القضيب من يد عثمان رضى الله عنه ليكسره على ركبتيه فصاح الناس به فأخذته فيها الآكلة فقطعها ومات قبل الحول وسكب من فضل وضوئه في بئر قباء فما نزفت بعد وبزق في بئر كانت في دار أنس فلم يكن بالمدينة أعذب
__________
أوله وتشديد الطاء المهملة المفتوحة بعدها همزة (قوله فنشط) بكسر الشين المعجمة في الماضي وفتحها في المستقبل (قوله لجعيل) بضم الجيم وفتح العين المهملة قوله بمخففة) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء بعدها قاف هي الدرة التى يضرب بها (قوله هملاجا) بكسر الهاء وسكون الميم وفى آخره جيم، في الصحاح الهملاج من البراذين ومشيها الهملجة فارسي معرب (قوله حبة طيالسة) قال النووي هو بإضافة جبة إلى طيالسة جمع طيلسان بفتح اللام على الشهور (قوله جهجاه) بجيمين أولاهما
مفتوحة قال الطبري: المحدثون يزيدون في آخره هاء والصواب جهجا بدون هاء في آخره (*)

(1/331)


منها ومر ماء فسأل عنه فقيل له اسمه بيسان وماءه ملح فقال بل هو نعمان وماءه طيب فطاب وأتى بدلو من ماء زمزم فمج فيه فصار أطيب من المسك وأعطى الحسن والحسين لسانه فمصاه وكانا يبكيان عطشا فسكتا وكان لأم مالك عكة تهدى فيها للنبى صلى الله عليه وسلم سمنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نعصرها ثم دفعها إليها فإذا هي مملوءة سمنا فيأتيها بنوها يسألونها الأدم وليس عندهم شئ فتعمد إليها فتجد فيها سمنا فكانت تقسيم إدمها حتى عصرتها وكان يتفل في أفواه الصبيان المراضع فيجزههم ريقة إلى الليل ومن ذلك بركة يده فيما لمسه وغرسه لسلمان رضى الله عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة ودية يغرسها لهم كلها تعلق وتطعم وعلى أربعين أو قية من ذهب فقام صلى الله عليه وسلم وغرسها له بيده إلا واحدة غرسها غيره فأخذت كلها إلا تلك الواحدة فقلعها النبي صلى الله عليه وسلم وردها فأخذت وفى كتاب البزار فأطعم النخل من عامه إلا الواحدة فقلعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرسها فاطمعت من عامها وأعطاه مثل بيضة الدجاجة
__________
(قوله يتفل) بكسر الفاء وضمها (قوله أبو قية) بضم الهمزة على المشهور وبحذفها لغة وهى أربعون درهما والنش بفتح النون وسكون المعجمة عشرون درهما (قوله غرسها عمر) روى أبو عمر ابن عبد البر قصة سلمان وأن الذى غرس الواحدة عمر وروى البخاري في غير صحيحه أن الذى غبسها سلمان فإن قيل ما الجمع بين رواية ابن عبد البر ورواية البخاري ؟ أجيب بأن عمر وسلمان اشتركا في غرس واحدة فأضاف الراوى مرة غرسها لعمر ومرة لسلمان (*)

(1/332)


من ذهب بعد أن أدراها على لسانه فوزن منها لمواليه أربعين أوقية وبقى عنده مثل ما أعطاهم وفى حديث حنش بن عقيل سقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شربة من سويق شرب أولها وشربت آخرها فما برحت أجد شبعها إذا جعت وريها إذا عطشت وبردها إذا ظمئت وأعطى قتادة بن النعمان وصلى معه العشاء في ليلة مظلمة مطيرة عرجونا وقال انطلق به فإنه سيضئ لك من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا فإذا دخلت بيتك فسترى سوادا فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد فضربه حتى خرج ومنها دفعه لعكاشة جذل حطب وقال اضرب به حين انكسر سيفه يوم بدر فعاد في يده سيفا صار ما طويل القامة أبيض شديد المتن فقاتل به ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى أن استشهد في قتال أهل الردة وكان هذا السيف يسمى العون ودفعه لعبد الله بن جحش يوم أحد وقد ذهب سيفه عسيب نخل فرجع في يده سيفا ومنه بركته في دور الشياه الحوائل باللبن الكثير كقصة شاة أم معبد وأعنز معاوية ابن ثور وشاة أنس وغنم حليمة مرضعته وشارفها وشاة عبد الله بن مسعود
__________
(قوله حنش) بحاء مهملة ونون مفتوحتين بعدهما شين معجمة (قوله عرجونا) هو أصل العذق الذى يقطع منه الشماريخ فيمقى على النخل يابسا (قوله لعكاشة) بتشديد الكاف وتخفيفها (قوله وشارفها) الشارف بالشين المعجمة والفاء المسنة من النوق وقيل من الإبل (*)

(1/333)


وكانت لم ينز عليها فحل وشاة المقداد ومن ذلك تزيده أصحابه سقاء ماء بعد أن أوكاه ودعا فيه فلما حضرتهم الصلاة نزلوا فحلوه فإذا به
لبن طيب وزبدة في فمه من رواية حماد بن سلمة ومسح على رأس عمير بن سعد وبرك فمات وهو ابن ثمانين فما شاب وروى مثل هذه القصص.
عن غير واحد منهم السائب بن يزيد ومدلوك وكان يوجد لعتبة بن فرقد طيب يغلب طيب نسائه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بديه على بطنه وظهره وسلت الدم عن وجه عائذ بن عمرو وكان جرح يوم حنين ودعا له فكانت له غرة كغرة الفرس ومسح على رأس قيس بن زيد الجذامي ودعا له فهلك وهو ابن مائة سنة ورأسه أبيض وموضع كف النبي صلى الله عليه وسلم وما مرت يده عليه من شعره أسود فكان يدعى الأغر وروى مثل هذه الحكاية لعمرو بن ثعلبة الجهى ومسح وجه آخر فما زال على وجهه نور ومسح وجه قتادة بن ملحان فكان لوجهه بريق حتى كان ينظر في وجهه كما ينظر في المرآة ووضع يده على رأس حنظلة بن حذيم وبرك عليه فكان حنظلة يؤتى بالرجل قد ورم وجهه والشاة قد ورم ضرعها فيوضع على موضع كف النبي صلى الله عليه وسلم فيذهب الورم ونضح في وجه زينب بنت أم سلمة نضحة من ماء فما يعرف كان في وجه امرأة من الجمال ما بها ومسح على رأس
__________
(قوله لم ينز) يقال في الحافر والظلفف والسباع نزا ينزو نزوا ونزوانا (قوله أوكاه) بألف بعد الكاف يقال أوكى يوكى كما يقال أعطى يعطى (*)

(1/334)


صبى به عاهة فبرأ واستوى شعره ومثله روى في خبر المهلب بن قبالة وعلى غير واحد من الصبيان والمرضى والمجانين فبرؤا، وأتاه رجل به أدرة فأمره أن ينضحها بماء من عين مج فيه ففعل فبرأ * وعن طاوس لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم بأحد به مس فصك في صدره إلا ذهب المس
الجنون، ومج في دلو من بئر ثم صب فيها ففاح منها ريح المسك، وأخذا قبضة من تراب يوم حنين ورمى بها في وجوه الكفار وقال شاهت الوجوه فانصرفوا يمسحون القذى عن أعينهم، وشكا إليه أبو هريرة رضى الله عنه النسيان فأمره ببسط ثوبه وغرف بيده فيه ثم أمره بضمه ففعل فما نسى شيئا بعد، وما يروى في هذا كثير وضرب صدر جرير بن عبد الله ودعا له وكان ذكر له أنه لا يثبت على الخيل فصار من أفرس العرب وأثبتهم، ومسح رأس عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو صغير وكان دميما ودعا له بالبركة ففرع الرجال طولا وتماما
فصل (ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون) والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره ولا ينزف غمره وهذه
__________
(قوله أدرة) بضم الهمزة وسكون الدال المهملة هي نفخة في الخصية يقال رجل آدر بفتح الهمزة والدال (قوله فصك في صدره) أي ضرب (قوله قبضة) بضم القاف تراب مقبوض (قوله القذا) بفتح القاف والذال المعجمة والقصر هو ما يسقط في العين (قوله دميما) بالدال المهملة أي قبيحا (قوله ففرع) بالفاء والراء والعين المهملة أي طال (*)

(1/335)


المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع الواصل إلينا خبرها على التواتر لكثرة رواتها واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب * حدثنا الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الفهرى إجازة وقرأته على غيره قال أبو بكر حدثنا أبو على التسترى حدثنا أبو عمر الهاشمي حدثنا اللؤلؤي حدثنا أبو داود حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن
أبى وائل عن حذيفة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشئ فأعرفه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه ثم قال حذيفة ما أدرى أنسى أصحابي أم تناسوه والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه وقبيلته وقال أبو ذر لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما وقد خرج أهل الصحيح والأئمة ما أعلم به أصحابه صلى الله عليه وسلم عليه مما وعدهم به من الظهور على أعدائه وفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق وظهور الأمن حتى تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله
__________
(قوله جرير) بفتح الجيم وكسر الراء (قوله من الحيرة) بكسر الحاء المهملة مدينة معروفة عند الكوفة وأخرى عند نيسابور (*)

(1/336)


وأن المدينة ستغزى وتفتح خيبر على يدى على في غد يومه وما يفتح الله على أمته من الدنيا ومؤمنون من زهرتها وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر وما يحدث بينهم من الفتون والاختلاف والأهواء وسلوك سبيل من قبلهم افتراقهم على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها فرقة واحدة وأنها ستكون لهم أنماط ويغدو أحدهم في حلة ويروح في أخرى وتوضع بين يديه صحفة وترفع أخرى ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة ثم قال آخر الحديث وأنتم اليوم خير منكم يومئذ وأنهم إذا مشوا
المطيطاء وخدمتهم بنات فارس والروم رد الله باسهم بينهم وسلط شرارهم على خيارهم وقتالهم الترك والخزر والروم وذهاب كسرى وفارس حتى لا كسرى ولا فارس بعده وذهاب قيصر حتى لا قيصر بعده وذكر أن الروم ذات القرون إلى آخر الدهر وبذهاب الأمثل فالأمثل من الناس وتقارب الزمان وقبض العلم وظهور الفتن والهرج، وقال (ويل للعرب من شر قد اقترب) وأنه زويت له الأرض فأرى مشارفها ومغاربها وسيبلغ *
__________
(قوله وإن المدينة ستغزى) بالغين المعجمة والزاى، قال المزى إن الرواية في الحديث بضم الفوقية وبالعين المهملة والراء (قوله أنماط) بفتح الهمزة وسكون النون جمع نمط بفتح النون والميم وهو ضرب من البسط (قوله المطيطا) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وبعدها مثناة تحتية ساكنة وطاء مهملة قال ابن الأثير يمد ويقصر: مشية فيها تبختر ومد اليدين (قوله والخزر) بفتح الخاء المعجمة والزاى وبعدها راء: جنس من الناس (قوله والهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم: القتل (قوله زويت) أي ضمت وجمعت (22 - 1) (*)

(1/337)


ملك أمته ما زوى له منها ولذلك كان امتدت في المشارق والمغارب ما بين أرض الهند أقصى المشرق إلى نحر طنجة حيث لا عمارة وراءه وذلك ما لم تملكه أمة من الأمم ولم تمتد في الجنوب ولا في الشمال مثل ذلك (وقوله) لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ذهب ابن المدينى إلى أنهم العرب لأنهم المختصون بالسقى بالغرب وهى الدلو وغيره يذهب إلى أنهم أهل المغرب وقد ورد المغرب كذا في الحديث بمعناه * وفى حديث آخر من رواية أبى أمامة (لا تزال طائفة من أمتى ظاهر بن على الحق قاهرين لعدوهم حتى يأتيهم أمر الله وهم
كذلك، قيل يا رسول الله وأين هم ؟ قال ببيت المقدس) وأخبر بملك بنى أمية وولاية معاوية ووصاه، واتخاذ بنى أمية مال الله دولا، وخروج ولد العباس بالرايات السود وملكهم أضعاف ما ملكوا وخروج المهدى وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم وقتل على وأن أشقاها الذى يخضب هذه من هذه أي لحيته من رأسه وأنه قسيم النار يدخل أو لياؤه *
__________
قوله طنجة) بفتح الطاء المهملة وسكون النون بعدها جيم (قوله ابن المدينى) قال ابن الأثير: المدينى نسبة إلى المدينة المشرفة وأصله منها ثم انتقل إلى البصرة وقال إن الأكثر فيما ينسب إلى المدينة مدنى، وفى الصحاح المدنى نسبة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم والمديني نسبة إلى المدينة التى بناها المنصور (قولا دولا) بضم الدال المهملة وفتح الواو جمع دولة بضم الدال وسكون الواو ما يتدأل من المال (قوله وأن أشقاها) هو ابن ملجم - بضم الميم وسكون اللام وكسر الجيم - كذا ضبطه النووي في التهذيب (*)

(1/338)


الجنة وأعداؤه النار فكان فيمن عاداه الخوارج والناصبة وطائفة ممن ينسب إليه من الروافض كفروه وقال يقتل عثمان وهو يقرأ المصحف وأن الله عسى أن يلبسه قميصا وأنهم يريدون خلعه وأنه سيقطر دمه على قوله تعالى (فسيكفيكهم الله) وأن الفتن لا تظهر مادام عمر حيا وبمحاربة الزبير لعلى وبنباح كلاب الحوأب على بعض أزواجه وأنه يقتل حولها قتلى كثيرة وتنجو بعد ما كادت فنبحت على عائشة عند خروجها إلى البصرة وأن عمارا تقتله الفئة الباغية فقتله أصحاب معاوية وقال لعبد الله بن الزبير ويل للناس منك وويل لك من الناس وقال في قزمان وقد أبلى مع المسلمين أنه من أهل النار
فقتل نفسه، وقال في جماعة فيهم أبو هريرة وسمرة بن جندب وحذيفة آخركم موتا في النار فكان بعضهم يسأل عن بعض فكان سمرة آخرهم موتا هرم وخرف فاصطفى بالنار فاحترق فيها، وقال في حنظلة الغسيل (سلوا زوجته عنه فابى رأيت الملائكة تغسله) فسألوها فقالت إنه خرج جنبا وأعجله الحال عن الغسل قال أبو سعيد رضى الله عنه ووجدنا رأسه يقطر ماء، وقال (الخلافة في قريش ولن يزال هذا الأمر
__________
(قوله والناصبة) بالنون والصاد المهملة بعدها موحدة: طائفة يتعبدون ببغض على رضى الله عنه (قوله ونباح) بضم النون صوت الكلب (قوله الحوأب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة فموحدة قال ابن الأثير منزل بين البصرة ومكة، وفى الصحاح ماء من مياه العرب على طريق البصرة (قوله قزمان) بالقاف المضمومة والزاى الساكنة: هو الذى قاتل في وقعة أحد قتالا شديدا ثم قتل نفسه (*)

(1/339)


في قريش ما أفاموا الدين (وقال) يكون في ثقيف كذاب ومبير فرأوهما الحجاج والمختار، وأن مسيلمة يعقره الله، وأن فاطمة أول أهله لحوقا به، وأنذر بالردة وبأن الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون ملكا فكانت كذلك بمدة الحسن بن على (وقال إن هذا لأمر بدأ نبوة ورحمة ثم يكون رحمة وخلافة ثم يكون ملكا عضوضا ثم يكون عتوا وجبروتا وفسادا في الأمة) وأخبر بشأن أويس القرنى وبأمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها وسيكون في أمته ثلاثون كذابا فيهم أربع نسوة، وفى حديث آخر ثلاثون دجالا كذابا أحدهم الدجال الكذاب كلهم يكذب على الله ورسوله، وقال (يوشك
__________
(قوله كذاب ومبير) بضم الميم وكسر الموحدة وفى آخره راء: من أبار أي أهلك
وفى جامع الترمذي ويقال الكذاب المختار بن أبى عبيد والمبير الحجاج ابن يوسف ثم أسند إلى هاشم بن حسان قال أحصوا من قتل الحجاج صبرا فبلغ مائة ألف وعشرين ألف قتيل، وشرح مسلم اتفق العلماء على المراد بالكذاب المختار بن أبى عبيد وبالمبير الحجاج بن يوسف انتهى، وكان المختار واليا على الكوفة وكان يلقب بكسيان وإليه نسب الكيسانية وكان خارجيا ثم صار زيديا ثم صار شيعيا وكان يدعو إلى محمد بن الحنفية ومحمد يبرأ منه وكان أرسل ابن الأشتر بعسكر إلى ابن زياد وقاتل الحسين وقتله وقتل كل من كان في قتل الحسين ممن قدر عليه ولما ولى مصعب بن الزبير على البصرة من جهة عبد الله بن الزبير قاتل المختار بن عبيد وقتله (قوله ملكا عضوضا) الملك بضم الميم والعضوض بفتح العين المهملة وبالضاد المعجمة قال ابن الأثير أي يصيب الرعية منه عسف وظلم حتى كأنهم يعضون منه عضا (قوله عتوا) بضم العين المهملة وتشديد الواو (قوله جبروت) بفتح الجيم والموحدة (*)

(1/340)


أن يكثر فيكم العجم يأكلون فيئكم ويضربون رقابكم ولا تقوم الساعة حتى يسوق الناس بعصاه رجل من قحطان (وقال) خيركم قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذى يلونهم ثم يأتي بعد ذلك قوم يشهون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن (وقال) لا يأتي زمان إلا والذى بعده شر منه (وقال) هلاك أمتى على يدى أغيلمة من قريش وقال أبو هريرة راويه لو شئت سميتهم لكم بنو فلان وبنو فلان وأخبر بظهور القدرية والرافصة وسب آخر هذه الأمة أولها وقلة الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فلم يزل أمرهم يتبدد حتى لم يبق لهم جماعة، وأنهم سيلقون بعده أثره، وأخبر بشأن الخوارج وصفتهم والمخدج الذى فيهم وأن سيماهم التحليق وترى
__________
(قوله يأكلون) بمثناة تحتية فهمزة ساكنة (قوله فيئكم) بفاء مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فهمزة مفتوحة (قوله حتى يسوق الناس بعصاه رجل من قحطان) قال القرطبى في التذكرة لعله الجهجاه (قوله يشهدون) قيل معناه يشهدون الزور وقيل يحلفون، واليمين تسمى شهادة، ومنه قوله تعالى (فشهادة أحدهم) (قوله لا يأتي زمان إلا والذى بعده شر منه) قيل للحسن ما بال زمان عمر بن عبد العزيز بعد زمان الحجاج: فقال لا بد للناس من تنفيس يعنى أن الله تعالى ينفس عن عباده وقتا ما ويكشف العلاء فيه عنهم (قوله لو شئت سميتهم) قال القرطبى: منهم والله أعلم يزيد بن معاوية وعبيد الله ابن زياد ومن جرى مجراهم من أحداث ملوك بنى أمية (قوله أثرة) بضم الهمزة وإسكان المثلثة وبفتحهما، قال اليعمرى في سيرته كانت هذه الأثرة زمن معاوية (قوله والمخدج) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة بعدها دال مهملة وجيم أي الناقص وكان ناقص اليد (*)

(1/341)


رعاة الغنم رؤس الناس والعراة الحفاء يتبارون في البنيان وأن تلد الأمة ربتها وأن قريشا والأحزاب لا يغزونه أبدا وأنه هو يغزوهم، وأخبر بالموتان الذى يكون بعد فتح بيت المقدس وما وعد من سكنى البصرة وأنهم يغزون في البحر كالملوك على الأسرة وأن الدين لو كان منوطا بالثريا لنا له رجال من أبناء فارس وهاجت ريح في غزاته فقال هاجت لموت منافق فلما رجعوا إلى المدينة وجدوا ذلك، وقال لقوم من جلسائه ضرس أحدكم في النار أعظم من أحد قال أبو هريرة فذهب القوم يعنى ماتوا وبقيت أنا ورجل فقتل مرتدا يوم اليمامة، وأعلم بالذى غل خرزا من خرز يهود فوجدت في رحله وبالذي غل الشملة وحيث هي وناقته حين ضلت وكيف تعلقت بالشجرة بخطامها وبشأن كتاب حاطب إلى أهل
مكة وبقضية عمير مع صفوان حين ساره وشارطه على قتل النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء عمير النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا لقتله وأطلعه
__________
(قوله وأن تلد الأمة ربتها) أي سيتها، أراد به كثرة السرارى واتساع الأحوال، فإن ولد الأمة من سيدها كسيدها وقيل العقوق وأن الولد يغلظ على أمه ويستطيل كالسيد (قوله بالموتان) قال ابن الأثير هو على وزن بطلان، الموت الكثير: وقال المصنف ضم الميم لغة تميم وفتحها لغة غيرها (قوله البصرة) يجوز فيه تثليث الموحدة وفى النسب لا يجوز ضمها (قوله وبالذي غل الشملة) هو كركرة قال النووي يقال بفتح الكافين وبكسرهما (قوله وبشأن كتاب حاطب) قيل كان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو صار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده وقيل كان فيه إن محمدا قد نصر إما إليكم وإما إلى غيركم فعليكم الحذير، ذكرهما السهيلي (*)

(1/342)


رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمر والسر أسلم: وأخبر بالمال الذى تركه عمه العباس رضى الله عنه عند أم الفضل بعد أن كتمه فقال ما علمه غيرى وغيرهما فأسلم، وأعلمه بأنه سيقتل بأبى بن خلف وفى عتبة بن أبى لهب أنه يأكله كلب الله وعن مصارع أهل بدر فكان كما قال، وقال في الحسن (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين) ولسعد لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويستضر بك آخرون) وأخبر بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا وبينهم مسيرة شهر أو أزيد وبموت النجاشي يوم مات وهو بأرضه، وأخبر فيروز إذ ورد عليه رسولا من كسرى بموت كسرى ذلك اليوم فلما حقق فيروز القصة أسلم وأخبر أبا ذر رضى الله عنه بتطر يده كما كان ووجده في المسجد نائما فقال له كيف بك إذا أخرجت
منه قال أسكن المسجد الحرام قال فإذا أخرجت منه - الحديث - وبعيشه وحده وموته وحده وأخبر أن أسرع أزواجه به لحوقا أطولهن يدا فكانت زينب لطول يدها بالصدقة وأخبر بقتل الحسين بالطف، وأخرج بيده تربة وقال فيها مضجعه، وقال في زيد بن صوحان يسبقه عضو منه إلى الجنة فقطعت يده في الجهاد، وقال في الذين كانوا معه على حراء: اثبت
__________
(قوله عند أم الفضل) هي لبابة بنت الحرث زوج العباس أول امرأة أسلمت بعد خديجة وقيل بل أول امرأة أسلمت بعد خديجة فاطمة بنت الخطاب (قوله وبموت النجاشي) وذلك في السنة التاسعة (قوله فكانت زينب بنت جحش) توفيت سنة عشرين أو إحدى وعشرين (قوله بالطف) بتفح الطاء المهملة وتشديد الفاء موضع بناحية الكوفة (قوله ابن صوحان) بصاد مضمومة وحاء مهملتين (*)

(1/343)


فإنما عليك نبى وصديق وشهيد) فقتل على وعمر وعثمان وطلحة والزبير وطعن سعد رضى الله عنهم، وقال للسراقة كيف بك إذا لبست سوارى كسرى فلما أتى بهما عمر ألبسهما إياه وقال الحمد لله الذى سلبهما كسرى وألبسهما سراقة وقال تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة تجبى إليها خزائن الأرض يخسف بها يعنى بغداد، وقال سيكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو شر لهذه الأمة من فرعون لقومه وقال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة وقال لعمر في سهيل بن عمرو عسى أن يقوم مقاما يسرك يا عمر) فكان كذلك قام بمكة مقام أبى بكر يوم بلعهم موت النبي صلى الله عليه وسلم وخطب بنحو خطبته وثبتهم وقوى بصائرهم، وقال لخالد حين وجهه لأكيدر (إنك تجده يصيد البقر) فوجدت هذه الأمور كلها في حياته وبعد
__________
(قوله قال لسراقة) بضم السين المهملة ابن مالك بن جعشم بضم الجيم والشين المعجمة وهو في الأصل اسم للرجل القصير الغليظ مع شدة (قوله سوارى كسرى) السوار بضم السين المهملة وكسرها (قوله دجلة ودجيل وقطربل والصراة) دجلة بكسر الدال نهر بالعراق ودجيل بضم الدال وفتح الجيم نهر بالأهواز حفره أزدشير بن بابك أول ملوك ساسان وهم ملوك الفرس بالمدائن وقطربل بضم القاف وسكون الطاء المهملة وضم الراء والباء الموحدة المشددة موضع بالعراق، والصراة بفتح الصاد المهملة نهر بالعراق، وفى بعض الأصول: والهراة وهى بلدة معروفة (قوله لأكيدر) بضم الهمزة وفتح الكاف، قال الخطيب كان نصرانيا ثم أسلم وقيل بل مات نصرانيا، وقال ابن منده وأبو نعيم في كتابهما في معرفة الصحابة إن أكيدر هذا أسلم وأهدى للنبى صلى الله عليه وسلم جبة سيراء فوهبا لعمر قال ابن الأثير: الهدية والمصالحة (*)

(1/344)


موته كما قال صلى الله عليه وسلم إلى ما أحبر به جلساءه من أسرارهم وبواطنهم وأطلع عليه من أسرار المنافقين وكفرهم وقولهم فيه وفى المؤمنين حتى إن كان بعضهم ليقول لصاحبه اسكت فو الله لو لم يكن عنده من يخبر لأخبرنه حجارة البطحاء، وإعلامه بصفة السحر الذى سحره به لبيد بن الأعصم وكونه في مشط ومشافة في جف طلع نحلة ذكر وأنه ألقى في بئر ذروان فكان كما قال ووجد على تلك الصفة وإعلامه قريشا بأكل الأرضة ما في صحيفتهم التى تظاهروا بها على بنى هاشم وقطعوا بها رحمهم وأنها أبقت فيها كل اسم لله فوجدوها كما قال ووصفه لكفار قريش بيت المقدس حين كذبوه في خبر الإسراء ونعته إياه نعت من عرفه وإعلامهم بعيرهم التى مر عليها في طريقه وإنذارهم بوقت وصولها فكان كله كما قال الى ما أخبر به من الحوادث التى تكون ولم
__________
صحيحان أما الإسلام فغلطا فيه فإنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير ولما صالحه عليه السلام عاد إلى حصنه وبقى فيه، ثم إن خالدا حاصره زمن أبى بكر فقتله مشركا لنقضه العهد (قوله في مشط) بضم الميم وكسرها وسكون الشين المعجمة (قوله ومشاقة) بالقاف عند أبى زيد وهى ما يمشط من الكتان، وبالطاء المهملة عند غيره وهى ما يسقط من الشعر عند التسريح بالمشط، ويقوى هذا أن السحر يكون في شئ من أثر المسحور وذلك هنا ظاهر في المشاطة دون المشاقة وما أخرجه الدارقطني في السنن أن النبي (ص) كان عنده صبى يهودى يخدمه وأن لبيد بن الأعصم توصل به إلى شئ من أسنان مشط النبي صلى الله عليه وسلم ومشاطة شعره وسحر في ذلك (قوله في جف) بضم الجيم وتشديد: الفاء وعاء الطلع، ويروى في جب بالموحدة أي في داخل (قوله الأرضة) لفتح الهمزة دويبة تأكل الخشب (*)

(1/345)


تأت بعد منها مظهرت مقدماتها كقوله (عمران بيت المدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية) ومن أشراط الساعة وآيات حلولها وذكر النشر والحشر وأخبار الأبرار والفجار والجنة والنار وعرصات القيامة.
وبحسب هذا الفصل أن يكون ديوانا مفردا يشتمل على أجزاء وحده وفيما أشرنا إليه من نكت الأحاديث التى ذكرناها كفاية وأكثرها في الصحيح وعند الأئمة.
فصل في عصمة الله تعالى له من الناس وكفايته من آذاه
قال الله تعالى (والله يعصمك من الناس) وقال تعالى (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) وقال (أليس الله بكاف عبده) قيل بكاف محمدا صلى الله عليه وسلم أعداءه المشركين وقيل غير هذا وقال (إنا
كفيناك المستهزئين) وقال (وإذ يمكر بك الذين كفروا) الآية * أخبرنا القاضى الشهيد أبو على الصدفى بقراءتي عليه والفقيه الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله المعافرى قالا حدثنا أبو الحسين الصيرفى قال حدثنا أبو يعلى البغدادي حدثنا أبو على السنجى حدثنا أبو العباس المروزى حدثنا
__________
(قوله القسطنطينية) قال ابن قرقول هي بضم الطاء الأولى كذا قيدناه عن أهل هذا الشأن (قوله وبحسب هذا) باسكان السين المهملة (قوله المعافرى) بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء حى من اليمن، قاله المصنف (قوله حدثنا أبو الحسين) تصغير حسن وهو المبارك بن عبد الجبار (*)

(1/346)


أبو عيسى الحافظ حدثنا عبد بن حميد حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحارث ابن عبيد عن سعيد الجريرى عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضى الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم (يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني ربى عز وجل) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة يقيل تحتها فأناه أعرابي فاحترط سيفه ثم قال من يمنعك منى ؟ فقال: الله عز وجل، فرعدت يد الأعرابي وسقط سيفه وضرب برأسه الشجرة حتى سال دماغه فنزلت الآية، وقد رويت هذه القصة في الصحيح وأن غورث بن الحارث صاحب هذه القصة وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عفا عنه فرجع إلى قومه وقال جئكم من عند خير الناس وقد حكيت مثل هذه الحكاية أنها جرت له يوم بدر وقد انفرد من أصحابه لقضاء حاجته فتبعه رجل من المنافقين وذكر مثله وقد
روى أنه وقع لها مثلها في غزوة غطفان بذى أمر مع رجل اسمه دعثور
__________
(قوله الجريرى) بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد (قوله فرعدت) بضم الراء وكسر العين المهملة مبنى للمفعول لم يسمع إلا كذلك وفى بعض النسخ فأرعدت (قوله بذى أمر) بفتح الهمزة والميم بعدها راء موضع من ديار غطفان خرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمع محارب قاله ابن الأثير (قوله اسمه دعثور) قال اليعمرى في سيرته وقد تقدم في غزوة ذى أمر خبر لرجل يقال له دعثور بن الحارث من بنى محارب نسبة هذا الخبر إلى أن قال والظاهر أن الخبرين واحد انتهى وقال الذهبي في تجريد الصحابة دعثور بن الحارث الغطفانى في حديث عجيب الإسناد، والأشبه أن غورث (*)

(1/347)


ابن الحارث وأن الرجل أسلم فلما رجع إلى قومه الذى أغروه وكان سيدهم وأشجعهم قالوا له أين ما كنت تقول وقد أمكنك فقال إنى نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري وسقط السيف فعرفت أنه ملك وأسلمت، قيل وفيه نزلت (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم) الآية * وفى رواية الخطابى أن غورث بن الحارث المحاربي أراد أن يفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم يشعر به إلا وهو قائم على رأسه منتضيا سيفه فقال اللهم اكفنيه بما شئت فانكب من وجهه من زلحة زلخها بين كتفيه وندر سيفه من يده (والزلخة) وجع الظهر وقيل في قصته غير هذا، وذكر أن فيه نزلت (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم) الآية وقيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا فلما نزلت هذه الآية استلقى ثم قال من شاء فليخذلني * وذكر عبد بن حميد قال كانت حمالة الحطب
تضع العضاه وهى جمر على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما
__________
(قوله أن غورث) المشهور أنه بالمعجمة المفتوحة غير مصغر ورواه الخطابى بالتصغير والشك في إعجام الغين وإهمالها (قوله أراد أن يفتك) بالفاء وضم المثناة الفوقية وكسرها أي يأخذ على غرة (قوله منتضبا) بالضاد المعجمة من نضا سيفه وأنضاه أي سله (قوله من زلخة) بضم الزاى وتشديد اللام المفتوحة بعدها خاء معجمة قال الخطابى وجع يأخذ في الظهر حتى لا يتحرك معه الإسان، وقال السهيلي وجع يأخذ الصلب (قوله زلخها) بضم الزاى وكسر اللام مبنى للمفعول (قوله العصاة) بكسر العين المهملة كل شجر يعظم وله شوك (*)

(1/348)


يطؤها كثيبا أهيل، وذكر ابن إسحاق عنها أنها لما بلغها نزول (تبت يدا أبى لهب) وذكرهما بما ذكرها الله مع زوجها من اللم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ومعه أبو بكر وفى يدها فهر من حجارة فلما وقفت عليهما لم تر إلا أبا بكر وأخذ الله تعالى ببصرها عن نبيه صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر أين صاحبك فقد بلغني أنه يهجوني والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، وعن الحكم ابن أبى العاصى قال تواعدنا على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا رأيناه سمعنا صوتا خلفنا ما ظننا أنه بقى بتهامة أحد فوقعنا مغشيا علينا فما أفقنا حتى قضى صلاته ورجع إلى أهله ثم تواعدنا ليلة أخرى فجئنا حتى إذا رأيناه جاءت الصفا والمروة فحالت بيننا وبينه، وعن عمر رضى الله عنه تواعدت أنا وأبو جهم ابن حذيفة ليلة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا منزلة فسمعنا له فافتتح وقرأ (الحاقة ما الحاقة) إلى (فهل ترى لهم من باقية) فضرب أبو جهم
على عضد عمر وقال انج وفرا هاربين فكانت من مقدمات إسلام عمر رضى الله عنه، ومنه العترة المشهورة والكفاية التامة عند ما أخافته قريش وأجمعت على قتله وبيتوه فخرج عليهم من بيته فقام على رؤسهم وقد ضرب الله تعالى على أبصارهم وذر التراب على رؤسهم وخلص
__________
(قوله أهيل) أي سائلا يقال أهيل الرمل وانهال إذا سال (قوله فهر) بكسر الفاء هو الحجر مل ء الكف وقيل الحجر مطلقا (*)

(1/349)


منهم وحمايته عن رؤيتهم في الغار بما هيأ الله له من الآيات ومن العنكبوت الذى نسج عليه حتى قال أمية بن خلف حين قالوا ندخل الغار ما أربكم فيه وعليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه قبل أن يولد محمد ووقفت حمامتان على فم الغار فقالت قريش لو كان فيه أحد لما كانت هناك الحمام، وقصته مع سراقة بن مالك بن جعشم حين الهجرة وقد جعلت قريش فيه وفى أبى بكر الجعائل فأنذر به فركب فرسه واتبعه حتى إذا قرب منه دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه فخر عنها واستقسم بالأزلام فخرج له ما يكره ثم ركب ودنا حتى سمع قراءة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر رضى الله عنه يلتفت وقال للنبى صلى الله عليه وسلم أتينا فقال لا تحزن إن الله معنا فساخت ثانية إلى ركبتها وخر عنها فزجرها فنهضت ولقواءمها مثل الدخان فناداهم بالأمام فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم أمانا كتبه ابن فهيرة وقيل أبو بكر وأحبرهم بالأخبار
__________
(قوله ما أربكم فيه) أي ما حاجتكم (قوله فركب فرسه) كان اسم هذا الفرس العود قيل وكانت أنثى لقوله في بعض طرق الصحيح فرفعتها تقرب بى (قوله فساخت)
بالسين المهلمة والخاء المعجمة أي غاصت في الأرض (قوله بالأزلام) جمع زلم بفتح الزاى واللام وبضم الزاى وفتح اللام وهى القداح بكسر القاف جمع قدح بكسرها أيضا وهو عود السهم قبل أن يراش ويركب نصله فإذا فعل ذلك فهو سهم، كانوا يكتبون على زلم افعل وعلى آخر لا تفعل فما خرج لهم عملوا به (قوله ابن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية قيل كتابه صلى الله عليه وسلم نيف وأربعون = = وأكثرهم ملازمة له زيد بن ثابت ومعاوية بن أبى سفيان بعد الفتح وقيل أبو بكر، وجمع بين القولين بأن ابن فهيرة كتب أولا وكتب الصديق آخرا (*)

(1/350)


وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يترك أحدا يلحق بهم فانصرف يقول للناس كفيتم ماهها وقيل بل قال لهما أراكما دعوتما على فادعوا لى فنجا ووقع في نفسه ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وفى خبر آخر أن راعيا عرف خبرهما فخرج يشتد يعلم قريشا فلما ورد مكة ضرب على قلبه فما يدرى ما يصنع وأنسى ما خرج له حتى رجع إلى موضعه وجاء، فيما ذكر ابن إسحاق وغيره أبو جهل بصخرة وهو ساجد وقريش ينظرون ليطرحها عليه فلزقت بيده ويبسته يداه إلى عنقه وأقبل يرجع القهقرى إلى خلفه ثم سأله أن يدعو له ففعل فانطلقت يداه وكان قد تواعد مع قريش بذلك وحلف لئن رآه ليدمغنه فسألوه عن شأنه فذكر أنه عرض لى دونه فحل ما رأيت مثله قط هم بى أن يأكلني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل لو دنا لأخذه، وذكر السمرقندى أن رجلا من بنى المغيرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليقتله فطمس الله على بصره فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم وسمع قوله فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه
وذكر أن في هاتين الفضتين نزلت (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) الآيتين، ومن ذلك ما ذكره ابن إسحاق في قصته إذ خرج لى بنى قريظة
__________
(قوله يشتد) أي يعدو (قوله القهقرى) هو الرجوع إلى خلف (قوله إذ خرج إلى بنى قريظة) الذى ذكره ابن اسحاق وابن عقبة وابن سعد وغيرهم من أهل السير أن ذلك كان في بنى النضير وهو سبب غزوهم وأما غزوة بنى قريظة فسبها غزوة الخندق (*)

(1/351)


في أصحابه فجلس إلى جدار بعض آطامهم فانبعث عمرو بن جحاش احدهم ليطرح عليه وحى فقام النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف إلى المدينة وأعلمهم بقصتهم وقد قيل إن قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم) في هذه القصة نزلت، وحكى السمرقندى أنه خرج إلى بنى النضير يستعين في عقل الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية فقال له حيى بن أخطب اجلس يا أبا القاسم حتى نطعمك ونعطيك ما سألتنا فجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وتوامر حيى معهم على قتله فأعلم جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقام كأنه يريد حاجته حتى دخل المدينة وذكر أهل التفسير معنى الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه أن أبا جهل وعد قريشا لئن رأى محمدا يصلى ليطأن رقبته فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم أعلموه فأقبل فلما قرب منه ولى هاربا ناكصا على عقبيه متقيا بيديه فسئل فقال لما دنوت منه أشرفت على خندق مملوء نارا كدت أهوى فيه وأبصرت هولا عظما وخفق أجنحة قد ملأت الأرض فقال صلى الله عليه وسلم
__________
(قوله ابن جحاش) بجيم مفتوحة وحاء مهملة مشددة وفى آخره شين معجمة قتل كافرا (قوله حيى) بحاء مضمومة مهملة فمثناة تحتية مفتوحة فأخرى مشددة (*)

(1/352)


تلك الملائكة لو دنا لاختطفته عضوا عضوا ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم (كلا إن الإنسان ليطغى) إلى آخر السورة، ويروى أن شيبة بن عثمان الحجبى أدركه يوم حنين وكان حمزة قد قتل أباه وعمه فقال اليوم أدرك ثارى من محمد فلما اختلط الناس أتاه من خلفه ورفع سيفه ليصبه عليه قال فلما دنوت منه ارتفع إلى شواظ من نار أسرع من البرق فوليت هاربا وأحس بى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فوضع يده على صدري وهو أبغض الخلق إلى فما رفعها إلا وهو أحب الخلق إلى وقال لى ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي وأقيه بنفسى ولو لقيته أبى تلك الساعة لأوقعت به دونه، وعن فضالة بن عمرو قال أردت قتل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح هو يطوف بالبيت فلما دنوت منه قال: أفضالة ؟ قلت نعم، قال (ما كنت تحدث به نفسك ؟) قلت: لا شئ، فضحك واستغفر لى ووضع يده على صدري فسكن قلبى، فو الله ما رفعها حتى ما خلق الله شيئا أحب إلى منه، ومن مشهور ذلك خبر عامر بن الطفيل وأربد بن قيس حين وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم وكان عامر قال له أنا أشغل عنك وجه محمد فاضربه أنت فلم يره فعل
__________
(قوله الحجبى) بفتح الحاء المهملة والجيم بعدها موحدة وياء النسبة إلى حجب الكعبة ويقع في بعض النسخ جمحى وهو غلط (قوله ثارى) أصله بالهمزة وخفف (قوله وأربد) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الموحدة بعدها دال مهملة، هو أخو لبيد بن ربيعة لأمه، بعث الله عليه صاعقة فأحرقته كافرا، ولبيد صحابي
(23 - 1) (*)

(1/353)


شيئا فلما كله في ذلك قال له والله ما هممت أن أضربه إلا وجدتك بينى وبينه أفأضربك ؟ ومن عصمته له تعالى أن كثيرا من اليهود والكهنة أنذروا به وعينوه لقريش وأخبروهم بسوطته بهم وحضوهم على قتله فعصمه الله تعالى حتى بلغ فيه أمره، ومن ذلك نصره بالرعب أمامه مسيرة شهر كما قال صلى الله عليه وسلم
فصل ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم وخصه به من الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين ومعرفته بأمور شرائعه وقوانين دينه وسياسة عباده ومصالح أمته وما كان في الأمم قبله وقصص الأنبياء والرسل والجبابرة والقرون الماضية من لدن آدم إلى زمنه وحفظ شرائعهم وكتبهم ووعى سيرهم وسرد أنبائهم وأيام الله فيهم وصفات أعيانهم واختلاف آرائهم والمعرفة بمددهم وأعمارهم وحكم حكمائهم ومحاجة كل أمة من الكفرة ومعارضة كل فرقة من الكتابيين بما في كتبهم وإعلامهم بأسرار ومخبآت علومها وإخبارهم بما كتموه من ذلك وغيروه إلى الاحتواء على لغات العرب وغريب ألفاظ فرقها والإحاطة بضروب فصاحتها والحقظ لأيامها وأمثالها وحكمها ومعانى أشعارها والتخصيص بجوامع كلمها إلى المعرفة بضرب الأمثال الصحيحة والحكم البينة
__________
(قوله بمددهم) بضم الميم: جمع مدة (*)

(1/354)


لتقريب التفهيم للغامض والتبيين للمشكل إلى تمهيد قواعد الشرع
الذى لا تناقض فيه ولا تخاذل مع اشتمال شريعته على محاسن الأخلاق محامد الآداب وكل شئ مستحسن مفصل لم ينكر منه ملحد ذو عقل سليم شيئا إلا من جهة الخذلان بل كل جاحد له وكافر من الجاهلية به إذا سمع ما يدعو إلى صوبه واستحسنه دون طلب إقامة برهان عليه ثم ما أحل لهم من الطيبات وحرم عليهم من الخبائث وصان به أنفسهم وأعراضهم وأموالهم من المعاقبات والحدود عاجلا والتخويف بالنار آجلا مما لا يعلم علمه ولا يقوم به ولا ببعضه إلا من مارس الدرس والعكوف على الكتب ومثافنة بغض هذا إلى الاحتواء على ضروب العلم وفنون المعارف كالطب والعبارة والفرائض والحساب والنسب وغير ذلك من العلوم مما اتخذ أهل هذه المعارف كلامه صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وأصولا في علمهم كقوله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا لأول عابر وهى على رجل طائر) وقوله (الرؤيا ثلاث رؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان) وقوله (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا
__________
(قوله والعبارة) بكسر العين هي تعبير الرؤيا (قوله وهى على رجل طائر رجل بكسر الراء وسكون الجيم، قال الهروي أي علاى قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وقال ابن الأثير هو من قولهم اقتسموا دارا فطار سهم فلان إلى ناحية كذا يعنى أن الرؤيا وهى التى يعبرها المعبر الأول فكأنها سقطت ووقعت حيث عبرت كما يسقط الذى يكون على رجل الطائر بأدنى حركة وقال ابن قتيبة أراد أنها غير مستقرة يقال للشئ إذا لم يستقر هو على رجل طائر وبين مخالب طائر وعلى قرن ظبى (قوله إذا تقارب الزمان) قيل هو اقتراب الساعة وقيل تقارب الليل والنهار من الاعتدال (*)

(1/355)


المؤمن تكذب) وقوله (أصل كل داء البردة) وما روى عنه في حديث أبى هريرة رضى الله عنه من قوله (المعدة حوض البدن والعروق إليها
واردة) وإن كان هذا حديثا لا نصحهه لضعفه وكونه موضوعا تكلم عليه الدارقطني، وقوله (خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشى وخير الحجامة يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين وفى العود الهندي سبعة أشفية منها ذات الجنب) وقوله (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن - إلى قوله - فإن كان لا بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس وقوله وقد سئل عن سبإ أرجل هو أم امرأة أم أرض ؟ فقال (رجل ولد عشرة نيا من منهم ستة وثشأم أربعة) الحديث بطوله، وكذلك جوابه في نسب قضاعة وغير ذلك مما اضطرت العرب على شغلها بالنسب إلى سؤاله عما اختلفوا فيه من ذلك، وقوله
__________
(قوله البردة) بفتح الموحدة والراء وبالدال المهملة وهى التخمة وثقل الطعام على المعدة لأن ذلك يبرد المعدة (قوله السموط) بفتح السين المهملة ما يجعل في الأنف من الأدوية (قوله واللدود) بفتح اللام وبدالين مهملتين بينهما واو هو الدواء الذى يصب في أحد جانبى الفم، قاله الجوهرى (قوله والمشى) بفتح الميم وكسر الشين المعجمة بعدها ياء مشددة هو الدواء المسهل لأنه يحمل شاربه على المشى والتردد إلى الخلاء، قاله ابن الأثير (قوله وفى العود الهندي) قيل هو القسط البحري وقيل العود الذى يتبخر به، قاله ابن الأثير (قوله حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح المثناة التحتية (*)

(1/356)


(حمير رأس العرب ونابها ومذحج هامتها وغلصمتها والأزد كاهلها وجمجمتها وهمدان غاربها وذروتها) وقوله (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض) وقوله (في الحوض زواياه سواء) وقوله في حديث الذكر (وإن الحسنة بعشر أمثالها، فتلك مائة
وخمسون على اللسان وألف وخمسمائة في الميزان وقوله وهو بموضع (نعم موضع الحمام هذا) وقوله (ما بين المشرق والمغرب قبلة) وقوله لعيينة أو الأقرع أنا أفرس بالخيل منك) وقوله لكاتبه (ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للممل) هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولكنه أوتى علم كل شئ حتى قد وردت آثار بمعرفته حروف الخط وحسن تصويرها كقوله (لا تمدوا باسم الله الرحمن الرحيم) رواه أن شعبان من طريق ابن عباس، وقوله في الحديث الآخر الذى يروى عن معاوية أنه كان يكتب بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال له
__________
(قوله مذحج) بسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة، في الصحاح مذحج على وزن مسجد أبو قبيلة من اليمن وهو مذحج بن يحاص بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، قال سيبويه: الميم من نفس الكلمة، وفى القاموس كمجلس: أكمه، ولدت مالكا وطيبا أم هما عندها فسموا مذحجا (قوله وغلصمتها) الغلصمة بفتح الغين المعجمة وسكون اللام رأس الحلقوم وهو الموضع الثاني في الحلق (قوله كاهلها) الكاهل من الإنسان ما بين كتفيه (قوله وهمدان) بسكون الميم (قوله غاربها) الغارب ما بين السنام والعنق (قوله وذروتها) بضم الذال المعجمة وكسرها.
أي أعلاه (*)

(1/357)


(ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم) وهذا وإن لم تصح الرواية أنه صلى الله عليه وسلم كتب فلا يبعد أن يرزق علم هذا ويمنع الكتابة والقراءة * وأما علمه صلى الله عليه وسلم بلغات العرب وحفظه معاني أشعارها فأمر مشهور قد نبهنا على بعضه أول الكتاب وكذلك حفظه لكثير من لغات الأمم كقوله في الحديث (سنه سنه) وهى حسنة
بالحبشية، وقوله (ويكثر الهرج) وهو القتل بها، وقوله في حديث أبى هريرة (أشكنب درد) أي وجع البطن بالفارسية إلى غير ذلك مما لا يعلم بعض هذا ولا يقوم به ولا ببعضه إلا من مارس الدرس والعكوف على الكتاب ومثافنة أهلها عمرة وهو رجل كما قال الله تعالى أمي لم يكتب ولم يقرأ ولا عرف بصحبة من هذه صفته ولا نشأ بين قوم لهم علم ولا قراءة لشئ من هذه الأمور ولا عرف هو قبل بشئ منها قال الله تعالى (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك)
__________
(قوله ألق الذوة) بفتح الهمزة وكسر اللام، أي: أصلح مدادها (قوله ولا تعور الميم) بضم المثناة الفوقية، وفتح العين المهملة وتشديد الواو المكسورة (قوله سنه سنه) قال ابن الأثير: وفى رواية سنا سنا بتخفيف نونهما وتشديدهما، وفى أخرى سناه سناه بالتشديد والتخفيف فيهما (قوله الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم (قوله أشكنب درد) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الكاف بعدها نون ساكنة فموحدة كذلك فدالين مهملتين أولهما مفتوحة وبينهما راء وأشكنب معناه بالفارسية: البطن، ودرد: الوجع (قوله مثافنة بمثلثة وفاء ونون تقدم تفسيره (*)

(1/358)


الآية: إنما كانت غاية معارف العر بالنسب وأخبار أوائلها والشعر والبيان وإنما حصل ذلك لهم بعد التفرق لعلم ذلك والاشتغال بطلبه ومباحثة أهله عنه، وهذا الفن نقطة من بحر علمه صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى جحد الملحد لشئ مما ذكرناه ولا وجد الكفرة حيلة في دفع ما نصصناه إلا قولهم (أساطير الأولين) (وإنما يعلمه بشر) فرد الله قولهم بقوله (لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربي مبين) ثم ما قالوه مكابرة العيان فإن الذى نسبوا تعليمه إليه إما سلمان
أو العبد الرومي وسلمان إما عرفة بعد الهجرة ونزول الكثير من القرآن وظهور ما لا ينعد من الآيات، وأما الرومي فكان أسلم وكان يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في اسمه وقيل بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عنده عند المروة وكلاهما أعجمى اللسان وهم الفصحاء اللد والخطباء اللسن قد عجزوا عن معارضة ما أتى به والإتيان بمثله بل عن فهم وصفه وصورة تأليفه ونظمه فكيف بأعجمى ألكن ؟ نعم وقد كان سلمان أو بلعام الرومي أو يعيش أو جبر ويسار على اختلافهم في اسمه بين أظهرهم يكلمونهم مدى أعمارهم فهل حكى عن واحد منهم شئ من مثل ما كان يجئ به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهل عرف
__________
(قوله اللد) جمع ألد وهو الشديد الخصومة (قوله اللسن) بضم اللام وإسكان السين المهملة جمع لسن بفتح اللام وكسر المهملة (قوله ألكن) الكنة العجمة في اللسان والعى في الكلام (*)

(1/359)


واحد منهم بمعرفة شئ من ذلك وما منع العدو حينئذ على كثرة عدده دؤوب طلبه وقوة حسده أن يجلس إلى هذا فيأخذ عنه أيضا ما يعارض به ويتعلم منه ما يحتج به على شيعته كفعل النضر بن الحارث بما كان يمخرق به من أخبار كتبه ولا غاب النبي صلى الله عليه وسلم عن قومه ولا كثرت اختلافاته إلى بلاد أهل الكتاب فيقال إنه استمد منهم بل لم يزل بين أظهرهم يرعى في صغره وشبابه على عادة أنبيائهم ثم لم يخرج عن بلادهم إلا في سفرة أو سفرتين لم يطل فيهما مكثه مدة يحتمل فيها تعليم القليل فكيف الكثير ؟ بل كان في سفره في صحبة قومه ورفاقة وعشيرته لم يغب عنهم ولا خالف حاله مدة مقامه بمكة
من تعليم واختلاف إلى حبر أو قس أو كاهن بل لو كان هذا بعد كله لكان مجئ ما أتى به في معجز القرآن قاطعا لكل عذر ومدحضا لكل حجة ومجليا لكل أمر
فصل ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم وكراماته وباهرآياته إنباؤه
__________
(قوله كفعل النضر بن الحارث) قتل كافرا صبرا في توجيهه عليه السلام بعد بدر إلى المدينة (قوله يمخرق) بضم أوله وفتح ثانيه وسكون الخاء المعجمة بعدها راء مكسورة وقاف في الصحاح أما المخرقة فكلمة مولدة (قوله بين أظهرهم) أي بينهم (قوله إلى حبر) بفتح الحاء المهملة وكسرها (قوله أو قس) بفتح القاف وكسرها وتشديد السين، في الصحاح هو رئيس من رؤس النصارى في الدين والعلم وكذلك القسيس (*)

(1/360)


مع الملائكة والجن وإمداد الله له بالملائكة وطاعة الجن له ورؤية كثيرا من أصحابه لهم * قال الله تعالى (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل) الآية وقال (إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا) وقال (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم) الآيتين، وقال (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن الآية * حدثنا سفيان بن العاص الفقيه بسماعي عليه حدثنا أبو الليث السمرقندى قال حدثنا عبد الغافر الفارسى حدثنا أبو أحمد الجلودى حدثنا ابن سفيان نا مسلم حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا أبى حدثنا شعبة عن سلمان الشيباني سمع زر بن حبيش عن عبد الله قال (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال رأى جبريل عليه السلام في صورته له ستمائة جناح، والخبر في محادثته مع جبريل وإسرافيل وغيرهما من الملائكة وما شاهده من كثرتهم وعظم صور بعضهم ليلة الإسراء مشهور وقد رآهم بحضرته جماعة من أصحابه في مواطن مختلفة فرأى أصحابه جبريل عليه السلام في صورة رجل يسأله عن الإسلام والإيمان ورأى ابن عباس وأسامة بن زيد وغيرهما عند جبريل في صورة دحية ورأى سعد على يمينه ويساره جبريل وميكائيل في صورة رجلين عليهما ثياب بيض ومثله
__________
(قوله ابن حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وفى آخره شين معجمة هو أبو مريم الأسدى (قوله دحية) بكسر الدال المهملة وفتحها (*)

(1/361)


عن غير واحد، وسمع بعضهم زجر الملائكة خيلها يوم بدر وبعضهم رأى تطاير الرؤس من الكفار ولا يرون الضارب ورأى أبو سفيان بن الحارث يومئذ رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما يقوم لها شئ وقد كانت الملائكة تصافح عمران بن حصين وأرى النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة جبريل في الكعبة فخر مغشيا عليه ورأى عبد الله بن مسعود الجن ليلة الجن وسمع كلامهم وشبههم برجال الزط، وذكر ابن سعد أن مصعب بن عمير لما قتل يوم أحد أخذ الراية ملك على صورته فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له (تقدم يا مصعب) فقال له الملك لست بمصعب فعلم أنه ملك، وقد ذكر غير واحد من المصنفين عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل شيخ بيده عصا فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه وقال صلى الله عليه وسلم (نغمة الجن، من أنت ؟ قال أنا هامة بن الهيم بن لاقس بن إبليس) فذكر أنه لقى نوحا ومن
بعده في حديث طويل وأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه سورا من القرآن، وذكر الواقدي قتل خالد عند هدمه العزى للسوداء التى
__________
(قوله زجر الملائكة) بفتح الزاى وسكون الجيم، في الصحاح الزجر المنع والنهى، وزجر البعير ساقه (قوله برجال الزط) بضم الزاى وتشديد الطاء المهملة قوم من السودان طوال (قوله وأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه سورا من القرآن) في الميزان: وفى حديثه المذكور أنه عليه السلام علمه المرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت والمعوذتين وقل هو الله أحد (*)

(1/362)


خرجت له ناشرة شعرها عريانة فجزلها بسيفه وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له تلك العزى.
وقال صلى الله عليه وسلم (إن شيطانا تفلت البارحة ليقطع على صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن 7 أربطه إلى سارية من سوارى المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخى سليمان (رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى) فرده الله خاسئا، وهذا باب واسع فصل ومن دلائل نبوته وعلامات رسالته ما ترادفت به الأخبار عن الرهبان والأحبار وعلماء أهل الكتب من صفته وصفة أمته واسمه وعلاماتاه وذكر الخاتم الذى بين كتفيه وما وجد من ذلك في أشعار الموحدين المتقدمين من شعر تبع والأوس بن حارثة وكعب بن لؤى وسفيان بن مجاشع وقس بن ساعدة وما ذكر عن سيف بن ذى يزن وغيرهم وما عرف به من أمره زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعثكلان الحميرى وعلماء يهود وشامول عالمهم
__________
(قوله فجزلها) بالجيم والزاى المفتوحتين: أي قطعها (قوله ولؤي بن كعب وفى بعض النسخ كعب بن لؤى وهو الصواب (قوله وقس) بضم القاف وتشديد السين المهملة والإيادى بكسر الهمزة، وإياد حى، وفى الصحاح وقس بن ساعدة الإيادى أسقف نجران وكان أحد حكام العرب (قوله عثكلان) بفتح العين المهملة وسكون المثلثة (*)

(1/363)


صاحب تبع من صفته وخبره وما ألفى من ذلك في التوراة والإنجيل مما قد جمعه العلماء وبينوه ونقله عنهما ثقات من أسلم منهم مثل ابن سلام وابنى سعية وابن يامين ومخيريق وكعب وأشباههم ممن أسلم من علماء يهود وبحيراء ونسطور الحبشة وصاحب بصرى وضغاطر وأسقف الشام والجارود وسلمان والنجاشى ونصارى الحبشة وأساقف نجران غيرهم ممن أسلم من علماء النصارى وقد اعترف بذلك هرقل وصاحب رومة عالما النصارى ورئيساهم ومقوقس صاحب مصر والشيخ صاحبه وابن صويا وابن أخطب وأخوه وكعب بن أسد والزبير بن باطيا وغيرهم من علماء اليهود ممن حمله الحذ والنفاسة على البقاء على الشقاء
__________
(قوله وشامول) بالشين المعجمة والميم المضمومة وفى آخره لام (قوله وما ألفى) بضم الهمزة وكسر الفاء (قوله وابنى سعية) ابني بسكون الموحدة تثنية ابن، وسعية بفتح السين وسكون العين المهملتين بعدهما مثناة تحتية وفى بعض النسخ بنى سعية بفتح الموحدة جمع ابن وفى سيرة اليعمرى قال ابن اسحاق ثم إن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من هذيل ليسوا من قريظة ولا النضر نسبهم فوق ذلك وهم بنوعم القوم أسلموا تلك الليلة التى نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله ومخيرق) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة (قوله ونسطور الحبشة
احترز به عن نسطور الشام الذى رآه في رحلته صلى الله عليه وسلم تاجرا إلى الشام لخديجة (قوله وضغاطر) بالضاد والغين المعجمتين المفتوحتين بعدها ألف وطاء مهملة وراء هو الأسقف رومى، أسلم على يد دحية الكلبى وقت الرسلية فقتلوه، ذكره الذهبي في تجريد الصحابة (قوله والزبير) بفتح الزاى وكسر الموحدة هو والد عبد الرحمن الذى قلت امرأته بنت وهب إنما معه مثل هدبة الثوب (قوله بن باطيا) بموحدة فألف فطاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية، وفى غير الشفاء بالطاء بلا مد ولا همز (*)

(1/364)


والأخبار في هذا كثيرة لا تنحصر وقد قرع أسماع اليهود والنصارى بما ذكر أنه في كتبهم من صفته وصفة أصحابه واحتج عليهم بما انطوت عليه من ذلك صحفهم وذمهم بتحريف ذلك وكتمانه وليهم ألسنتهم ببيان أمره ودعوتهم إلى المباهلة على الكاذب فما منهم إلا من نفر عن معارضته وإبداء ما ألزمهم من كتبهم إظهاره ولو وجدوا خلاف قوله لكان إظهاره أهون عليهم من بذل النفوس والأموال وتخريب الديار ونبذ القتال وقد قال لهم (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) إلى ما أنذر به الكهان مثل شافع بن كليب وشق وسطيح وسواد بن قارب وخنافر وأفعى نجران وجذل بن جذل الكندى وابن خلصة الدوسى وسعد بن بنت كريز وفاطمة بنت النعمان ومن لا ينعد كثرة إلى ما ظهر على ألسنته الأصنام من نبوته وحلول
__________
(قوله وشق) بكسر المعجمة وتشديد القاف: كاهن من كهان العرب كان شق إنسان: يدا واحدة ورجلا واحدة وعينا واحدة (قوله وسطيح) بفتح السين المهملة وكسر الطاء المهملة بعدها مثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة: كاهن بنى ذئب وقال غير واحد ما كان فيه عظم سوى رأسه، وقال محمد بن حبيب النسابة كان سطيح جسدا يلقى لا جوارح له فيما يذكرون ولا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب انتفخ فجلس (قوله
وخنافر) بضم الخاء المعجمة وتخفيف النون وكسر الفاء أحد كهان حمير أسلم على يد معاذ (قوله وأفعى) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح العين المهملة (قوله وجدل) بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة (قوله وابن خلصة) بفتح المعجمة واللام والصاد المهملة (قوله النعمان) قال المزى كل اسم على هذه الصيغة فهو بضم النون إلا نعمان بن قراد فإنه بفتحها (*)

(1/365)


وقت رسالته وسمع من هواتف الجان ومن ذبائح النصب وأجواف الصور وما وجد من اسم النبي صلى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا في الحجارة والقبور بالخط القديم ما أكثره مشهور وإسلام من أسلم بسبب ذلك معلوم مذكور
فصل ومن ذلك ما ظهر من الآيات عند مولده وما حكته أمه ومن حضره من العجائب وكونه رافعا رأسه عندما وضعته شاخصا ببصره إلى السماء وما رأته من النور الذى خرج معه عند ولادته وما رأته إذ ذاك أم عثمان ابن أبى العاص من تدلى النجوم وظهور النور عند ولاته حتى ما تنظر إلا النور وقول الشفا أم عبد الرحمن بن عوف: لما سقط صلى الله عليه وسلم على يدى واستهل سمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاء لى ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى قصور الروم.
وما تعرفت به حليمة وزوجها ظئراه من بركته ودرور لبنيها له ولبن شارفها وخصب غنمها وسرعة شبابة وحسن نشأته وما جرى من العجائب ليلة مولده من ارتجاج إيوان كسرى وسقوط شرفاته وغيض بحيرة طبرية وخمود نار
__________
(قوله وقول الشفا) بكسر الشين المعجمة بعدها فاء وألف مقصورة هي بنت عوف ابن
عبد الزهرية من المهاجرات (قوله شرفاته) بضم الشين المعجمة وضم الراء فتحها وإسكانها جمع شرفة بضم الشين وإسكان الراء (قوله وغيض بحيرة طبرية) الغيض مصدر غاض يغيض أي قل، وطبرية مدينة معروفة بالشام ذات حصن في ناحية الأردن (*)

(1/366)


فارس وكان لها ألف عام لم تخمد وأنه كان إذا أكل مع عمه أبى طالب وآله وهو صغير شبعوا ورووا فإذا غاب فأكلوا في غيبته لم يشبعوا وكان سائر ولد أبى طالب يصبحون شعثا ويصبح صلى الله عليه وسلم صقلا دهينا كحيلا قالت أم أيمن حاضنته: ما رأيته صلى الله عليه وسلم شكى جوعا ولا عطشا صغيرا ولا كبيرا * ومن ذلك حراسة السماء بالشهب وقطع رصد الشياطين ومنعهم استراق السمع وما نشأ عليه من بغض الأصنام والعفة عن أمور الجاهلية وما خصه الله به من ذلك وحماه حتى في ستره في الخير المشهور عند بناء الكعبة إذ أخذ إزاره ليجعله على عاتقه ليحمل عليه الحجارة وتعرى فسقط إلى الأرض حتى رد إزاره عليه فقال له عمه ما بالك ؟ فقال (إنى نهيت عن التعري) ومن ذلك إظلال الله وهى داخلة في الأرض المقدسة بينها وبين بيت المقدس مرحلتين وبحيرتها معروفة والمعروف بالغيض إنما هو بحيرة ساوة كما هو في بعض النسخ إلا أن يريد المصنف عند خروج يأجوج ومأجوج فإنه ورد أن أوائل يأجوج ومأجوج يشرب بحيرة طبرية ويجئ آخرهم فيقول لقد كان بها ماء (قوله لم يخمد) يجوز فيه ضم الميم وفتحها فإنه ورد من باب نصر ينصر وباب علم يعلم (قوله وكان سائر ولد أبى طالب) قال الحريري في درة الغواص في أوهام الخواص ومن أوهامهم الفاضحة وأغلاطهم الواضحة أنهم يستعملون سائر بمعنى الجميع وهو في كلام العرب بمعنى الباقي انتهى، وقال أبو عمرو ابن الصلاح لا يلتفت إلى قول صاحب الصحاح سائر الناس جميعهم فانه لا يقبل ما يتفرد
به، وقال النووي إن سائر بمعنى جميع لغة صحيحة لم يتفرد بها صاحب الصحاح بل ذكرها الجواليقى في شرح أدب الكاتب (قوله حتى في ستره) بفتح السين المهملة وسكون المثناة الفوقية (*)

(1/367)


له بالغمام في سفره.
وفى رواية أن خديجة ونساءها رأينه لما قدم وملكان يظلانه فذكرت ذلك لميسرة فأخبرها أنه رأى ذلك منذ خرج معه في سفره، وقد روى أن حليمة رأت غمامة نظله وهو عندها، وروى ذلك عن أخيه من الرضاعة * ومن ذلك أنه نزل في بعض أسفاره قبل مبعثه تحت شجرة يابسة فاعشوشب ما حولها وأينعت هي فأشرقت وتدلت عليه أغصانها بمحضر من رآه وميل فئ الشجرة إليه في الخير الآخر بحتى أظلته وما ذكر من أنه كان لا ظل شخصه في شمس ولا قمر لأنه كان نورا وأن الذباب كان لا يقع على جسده ولا ثيابه * ومن ذلك تحبيب الخلوة إليه حتى أوحى إليه.
ثم إعلامه بموته ودنو أجله وأن قبره في المدينة وفى بيته وأن بين بيته وبين منبره روضة من رياض الجنة وتخيير الله له عند موته وما اشتمل عليه حديث الوفاة من كراماته وتشريفه وصلاة الملائكة على جسده على ما رويناه في بغضها واستئذان ملك الموت عليه ولم يستأذن على غيره قبله وندائهم الذى سمعوه أن لا تنزعوا القميص عنه عند غسله وما روى من تعزية الخضر والملائكة أهل بيته عند موته إلى ما ظهر على أصحابه من كرامته وبركته في حياته وموته كاستسقاء عمر بعمه وتبرك غير واحد بذريته.
__________
(قوله وأينعت) أي أدركت بموتها ونضجت (*)

(1/368)


فصل قال القاضى أبو الفضل رحمه الله قد أتينا في هذا الباب على نكت من معجزاته واضحة وجمل من علامات نبوته مقنعة في واحد منها الكفاية والغنية وتركنا الكثير سوى ما ذكرنا واقتصرنا من الأحاديث الطوال على عين الغرض وفص المقصد ومن كثير الأحاديث وغريبها على ما صح واشتهر إلا يسيرا من غريبه مما ذكره مشاهير الأئمة وحذفنا الإسناد في جمهورها طلبا للاختصار وبحسب هذا الباب لو تقصى أن يكون ديوانا جامعا يشتمل على مجلدات عدة * ومعجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر من سائر معجزات الرسل بوجهين أحدهما كثرتها وأنه لم يؤت نبى معجزة إلا وعند نبينا مثلها مو ما هو أبلغا منها وقد نبه الناس على ذلك فإن أردته فتأمل فصول هذا الباب ومعجزات من تقدم من الأنبياء تقف على ذلك إن شاء الله، وأما كونها كثيرة فهذا القرآن، وكله معجز وأقل ما يقع الإعجاز فيه عند بعض أئمة المحققين سورة (إنا أعطيناك الكوثر) أو آية في قدرها وذهب بعضهم إلى أن كل آية منه كيف كانت معجزة وزاد آخرون أن كل جملة منتظمة منه معجزة وإن كانت من كلمة أو كلمتين والحق ما ذكرناه أولا لقول تعالى (فأتوا بسورة من مثله) فهو أقل ما تحداهم به مع ما ينصر هذا من نظر وتحقيق يطول بسطه وإذا كان هذا ففى القرآن من الكلمات نحو
__________
(قوله وفص) بالفاء والصاد المهملة واحد الفصوص، ذكر ابن مالك وغيره أنه مثلث الفاء (قوله وبحسب) بإسكان السين المهملة أي يكفى (24 - 1) (*)

(1/369)


من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف على عدد بعضهم وعدد (إنا أعطيناك الكوثر) عشر كلمات فتجزئ القرآن على نسبة عدد كلمات (إنا أعطيناك الكوثر) أزيد من سبعة آلاف جزء كل واحد منها معجز في نفسه، ثم إعجازه كما تقدم بوجهين: طريق بلاغته وطريق نظمه فصار في كل جزء من هذا العدد معجزتان فتضاعف العدد من هذا الوجه ثم فيه وجوه إعجاز أخر من الإخبار بعلوم الغايب فقد يكون في السورة الواحدة من هذه التجزئة الخبر عن أشياء من الغيب كل خبر منها بنفسه معجز فتضاعف العدد كرة أخرى ثم وجوه الإعجاز الأخر التى ذكرناها توجب التضعيف، هذا في حق القرآن فلا يكاد يأخذ العد معجزاته ولا يحوى الحصر براهينه، ثم الأحاديث الواردة والأخبار الصادرة عنه صلى الله عليه وسلم في هذه، الأبواب وعما دل على أمره مما أشرنا إلى جمله يبلغ نحوا من هذا * الوجه الثاني وضوح معجزاته صلى الله عليه وسلم فإن معجزات الرسل كانت بقدر همم أهل زمانهم وبحسب الفن الذى سما فيه قرنه فلما كان زمن موسى غاية علم أهله السحر بعث إليهم موسى بمعجزة تشبه ما يدعون قدرتهم عليه فجاءهم منها ما خرق عادتهم ولم يكن في قدرتهم وابطل سحرهم، وكذلك زمن عيسى أغنى ما كان الطب وأوفر ما كان أهله فجاءهم أمر لا يقدرون عليه وأتاهم ما لم يحتسبوه من إحياء الميت وإبراء الأكمه والأبرص دون معالجة ولا طب وهكذا سائر معجزات الأنبياء، ثم إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وجملة معارف العرب وعلومها

(1/370)


أربعه: البلاغة والشعر والخبر والكهانة فأنزل الله عليه القرآن الخارق لهذه الأربعة فصول من الفصاحة والإيجاز والبلاغة الخارجة عن نمط
كلامهم ومن النظم الغريب والأسلوب العجيب الذى لم يهتدوا في المنظوم إلى طريقه ولاعلموا في أساليب الأوزان منهجه ومن الأخبار عن الكوائن والحوادث والأسرار والمخبات والضمائر فتوجد على ما كانت ويعترف المخبر عنها بصحة ذلك وصدقه وإن كان أعدى العدو فأبطل الكهانة التى تصدق مرة وتكذب عشرا ثم اجتثها من أصلها برجم الشهب ورصد النجوم وجاء من الأخبار عن القرون السالفة وأنباء الأنبياء والأمم البائدة والحوادث الماضية ما يعجز من تفرغ لهذه العلم عن بعضه على الوجوه التى بسطناها وبينا المعجز فيها ثم بقيت هذه المعجزة الجامعة لهذه الوجوه إلى الفصول الأخر التى ذكرناها في معجزات القرآن ثابتة إلى يوم القيامة بينة الحجة لكل أمة تأتى لا يخفى وجوه ذلك على من نظر فيه وتأمل وجوه إعجازه إلى ما أخبر به من الغيوب على هذه السبيل فلا يمر عصر ولا زمن إلا ويظهر في صدقه بظهور مخبره على ما أخبر فيتجدد الإيمان ويتظاهر البرهان وليس الخبر كالعيان، وللمشاهدة زيادة في اليقين والنفس أشد طمأنينة إلى عين اليقين منها إلى علم اليقين وإن كان كل عندها حقا وسائر معجزات الرسل انقرضت
__________
(قوله والكهانة) في الصحاح يقال كهن يكهن كهانة مثل كتب يكتب كتابة قال وإذا أردت أنه صار كاهنا قلت كهن بالضم كهانة بالفتح (قوله ثم اجتثها) بجيم فمثناة فوقية فمثلثة أي اقتلعها من أصلها) (قوله مخبرة) بسكون المعجمة وفتح الموحدة (*)

(1/371)


بانقراضهم وعدمت بعدم ذواتها ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تبيد ولا تنقطع وآياته تتجدد ولا تضمحل ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله فيما حدثنا القاضى الشهيد أبو على حدثنا القاضى أبو الوليد
حدثنا أبو ذر حدثنا أبو محمد وأبو إسحاق وأبو الهيثم قالوا حدثنا الفربرى حدثنا البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا الليث عن سعيد عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من الأنبياء نبى إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذى أوتيت وحيا أوحاه الله إلى فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) هذا معنى الحديث عند بعضهم وهو الظاهر والصحيح إن شاء الله وذهب غير واحد من العلماء في تأويل هذا الحديث وظهور معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى معنى آخر من ظهورها بكونها وحيا وكلاما لا يمكن التخيل فيه ولا التحيل عليه ولا التشبيه فإن غيرها من معجزات الرسل قد رام المعاندون لها بأشياء طمعوا في التخبيل بها على الضعفاء كألقاء السحرة حبالهم وعصيهم وشه هذا مما يخيله الساحر أو يتحيل فيه، والقرآن كلام ليس للحيلة ولا للسحر في التخييل فيه عمل فكان من هذا الوجه عندهم أظهر من غيره من المعجزات كما لا يتم لشاعر ولا خطيب أن يكون شاعرا أو خطيبا بضرب من الحيل والتمويه، والتأويل الأول أخلص وأرضى وفى هذا التأويل الثاني ما يغمض عليه الجفن
__________
(قوله ولا يضمحل) يقال اضمحل السحاب أي تقشع (قوله ما يغمض) بضم المثناة التحتية وتشديد الميم المفتوحة، والجفن بفتح الجيم (*)

(1/372)


ويغضى * وجه ثالث على مذهب من قال بالصرفة وأن المعارضة كانت في مقدور البشر فصرفوا عنها أو على أحد مذهبي أهل السنة من أن الإتيان بمثله من جلس مقدورهم ولكن لم يكن ذلك قبل ولا يكون بعد لأن الله تعالى لم يقدرهم ولا يقدرهم عليه وبين المذهبين فرق بين وعليهما
جميعا فترك العرب الإتيان بما في مقدورهم أو ما هو من جنس مقدورهم ورضاهم بالبلاء والجلاء والسباء والإذلال وتغيير الحال وسلب النفوس والأموال والتقريع والتوبيخ والتعجيز والتهديد والوعيد أبين آية للعجز عن الإتيان بمثله والنكول عن معارضته وأنهم منعوا عن شئ هو من جنس مقدورهم، وإلى هذا ذهب الإمام أبو المعالى الجوينى وغيره قال وهذا عندنا أبلغ في خرق العادة بالأفعال البديعة في أنفسهما كقلب العصا حية ونحوها فإنه قد يسبق إلى بال الناظر بدارا أن ذلك من اختصاص صاحب ذلك بمزيد معرفة في ذلك الفن وفضل علم إلى أن يرد ذلك صحيح النظر وأما التحدي للخلائق المئين من السنين بكلام من جنس كلامهم ليأتوا بمثله فلم يأتوا فلم يبق بعد توفر الداعي على المعارضة ثم عذمها إلا أن منع الله الخلق عنها بمثابة ما لو قال نبى آيتى أن يمنع الله القيام عن الناس مع مقدرتهم عليه وارتفاع الزمانة عنهم فلو كان ذلك وعجزهم الله تعالى عن القيام لكان ذلك من أبهر آية وأظهر دلالة وبالله التوفيق، وقد غاب عن بعض العلماء وجه ظهور آيته على سائر آيات الأنبياء حتى احتاج للعذر عن
__________
(قوله والجلاء) بفتح الجيم والمد أي الخروج من البلد (قوله مقدرتهم) بضم الدال وفتحها أي قدرتهم (*)

(1/373)


ذلك بدقة أفهام العرب وذكاء ألبابها ووفور عقولها وأنهم أدركوا المعجزة فيه بفطنتهم وجاءهم من ذلك بحسب إدراكهم، وغيره من القبط وبنى إسرائيل وغيرهم لم يكونوا بهذه السبيل بل كانو من الغباوة وقلة الفطنة بحيث جوز عليهم فرعون أنه ربهم وجوز عليهم السامري ذلك في العجل بعد إيمانهم وعبدوا المسيح مع إجماعهم على صلبه (وما قتله وما صلبوه ولكن شبه لهم)، فجاءتهم من الآيات الظاهرة البينة للأبصار بقدر غلظ أفهامهم ما لا يشكون فيه ومع هذا فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ولم يصبروا على المن والسلوى واستبدلوا الذى هو ادنى بالذى هو خير، والعرب على جاهليتها أكثرها يعترف بالصانع وإنما كانت تتقرب بالأصنام إلى الله زلفى ومنهم من آمن بالله وحده من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل عقله وصفاء لبه، ولما جاءهم الرسول بكتاب الله فهموا حكمته وتبينوا بفضل إدراكهم لأول وهلة معجزته فآمنوا به وازدادوا كل يوم إيمانا ورفضوا الدنيا كلها في صحبته وهجروا ديارهم وأموالهم وقتلوا آباءهم وابناءهم في نصرته، وأتى في معنى هذا بما يلوح له رونق ويعجب منه زبرج لو احتيج إليه وحقق، لكنا قدمنا من بيان معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم وظهورها ما يغنى عن ركوب بطون هذه المسالك وظهورها وبالله استعين وهو حسبى ونعم الوكيل
__________
(قوله من الغباوة) بفتح الغين المعجمة عدم الفطنة (قوله السامري) كان اسمه موسى بن ظفر وكان من عظماء بنى إسرائيل (قوله زبرج) بكسر الزاى بعدها موحدة ساكنة فراء مكسورة فجيم هي الزينة من وشى أو جوهر أو ذهب ثم بحمد الله الجزء الأول، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني (*)

(/)