الشفا بتعريف حقوق المصطفى وحاشية الشمني

الباب الثالث (في تعظيم أمره ووجوب توقيره وبره)

قال الله تعالى (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) وقال (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا
__________
(قوله الثوار) بالمثلثة وتشديد الواو وفى آخره راء: أي الأبطال (قوله صعدت) بكسر العين (قوله ذروة) بكسر المعجمة وضمها (قولها فشكر الله لى) قال ابن قرقول في قوله فشكر الله: أي أثابه وقيل قبل عمله وقيل أثنى عليه بذلك وذكره لملائكته (قوله وتضريب) بالضاد المعجمة، في الصحاح التضريب بين الناس الإغراء (*)

(2/34)


بين يدى الله ورسوله، و: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الثلاث آيات وقال تعالى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) فأوجب تعالى تعذيره وتوقيره وألزم إكرامه وتعظيمه، وقال ابن عباس تعزروه تجلوه وقال المبرد تعزروه تبالغوا في تعظيمه، وقال الأخفش تنصرونه، وقال الطبري تعينونه، وقرئ تعززوه براءين من العز، ونهى عن التقدم بين يديه بالقول وسوء الأدب بسبقه بالكلام على قول ابن عباس وغيره هو اختيار ثعلب، قال سهل ابن عبد الله لا تقولوا قبل أن يقول وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا، ونهوا عن التقدم والتعجل بقضاء أمر قبل قضاء فيه وأن يفتاتوا بشئ في ذلك من قتال أو غيره من أمر دينهم إلا بأمره ولا يسبقوه به، وإلى هذا يرجع قوله الحسن ومجاهد والصحاك والسدى والثوري ثم
وعظهم وحذرهم مخالفة ذلك فقال (واتقوا الله إن الله سميع عليم) قال الماوردى اتقوه يعنى في التقدم، وقال السلمى اتقوا الله في إهمال حقه وتضييع حرمته إنه سميع لقولكم عليم بفعلكم، ثم نهاهم عن رفع الصوت فوق صوته والجهر له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض ويرفع صوته، وقيل كما ينادى بعضهم بعضا باسمه قال أبو محمد مكى أي لا تسابقوه بالكلام وتغلظوا له بالخطاب ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم
__________
قوله تعزيره) بالراء أي تعظيمه وتوقيره (*)

(2/35)


لبعض ولكن عظموه ووقروه ونادوه بأشرف ما يحب أن ينادى به: يا رسول الله يا نبى الله، وهذا كقوله في الآية الأخرى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) على أحد التأويلين وقال غيره لا تحاطبوه إلا مستفهمين، ثم حوفهم الله تعالى بحبط أعمالهم إن هم فعلوا ذلك وحذرهم منه، قيل نزلت الآية في وفد بنى تميم وقيل في غيرهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فنادوه يا محمد يا محمد أخرج الينا فذمهم الله تعالى بالجهل ووصفهم بأن أكثرهم لا يعقلون، وقيل نزلت الآية الأولى في محاورة كانت بين أبى بكر وعمر بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم واختلاف جرى بينهما حتى ارتفعت أصواتهما وقيل نزلت في ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم في مخافرة بنى تميم وكان في أذنيه صمم فكان يرفع صوته، فلما نزلت هذه الآية أقام في منزله وخشى أن يكون حبط عمله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله لقد خشيت أن أكون هلكت، نهانا الله أن نجهر بالقول وأنا امرؤ جهير الصوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا ثابت أما ترضى أن تعيش
حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ؟) فقتل يوم اليمامة، وروى أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال والله يا رسول الله لا أكلمك بعدها إلا كأخى السرار وأن عمر كان إذا حدثه حدثه كأخى السرار ما كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه فأنزل الله
__________
(قوله كأخى السرار) وهو بكسر السين المهملة النجوى، وقال ابن الأثير المساررة (*)

(2/36)


تعالى فيهم (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) وقيل نزلت (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) في غير بنى تميم نادوه باسمه، وروى صفوان بن عسال بينا النبي صلى الله عليه وسلم في سفر إذ ناداه أعرابي بصوت له جهورى أيا محمد أيا محمد أيا محمد فقلنا له اغضض من صوتك فإنك قد نهيت عن رفع الصوت، وقال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) قال بعض المفسرين هي لغة كانت في الأنصار نهوا عن قولها تعظيما للنبى صلى الله عليه وسلم وتبجيلا له لأن معناها ارعنا نرعك فنهوا عن قولها إذ مقتضاها كأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم بل حقه أن يرعى على كل حال وقيل كانت اليهود تعرض بها للنبى صلى الله عليه وسلم بالرعونة فنهى المسلمون عن قولها قطعا للذريعة ومنها للتشبه بهم في قولها لمشاركة اللفظة.
وقيل غير هذا
فصل في عادة الصحابة في تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله حدثنا القاضى أبو على الصدفى وأبو بحر الأسدى بسماعي عليهما في آخرين قالوا حدثنا أحمد بن عمر حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا محمد بن
__________
(قوله ابن عسال) بالعين والسين المشددة المهملتين (قوله جهورى) أي: شديد عال نسبة إلى جهور بفتح الجيم وسكون الهاء وفتح الواو، في الصحاح جهر بالقول رفع به وجهور وهو رجل جهورى الصوت وجهير الصوت (*)

(2/37)


عيسى حدثنا إبراهيم بن سفيان حدثنا مسلم حدثنا محمد بن مثنى وأبو معن الرقاشى وإسحاق بن منصور قالوا حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا حيوة بن شريح حدثنى يزيد بن أبى حبيب عن ابن شماسة المهرى قال حضرنا عمرو بن العاص فذكر حديثا طويلا فيه عن عمرو قال وما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عينى منه وما كنت أطيق أن أملا عينى منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأنى لم أكن أملأ عينى وروى الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ويتبسمان إليه ويتبسم لهما، وروى أسامة بن شريك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رؤسهم الطير، وفى حديث صفته إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير، وقال عروة بن مسعود حين
__________
(قوله حيرو بن شريح) بالشين المعجمة المضمومة وفى آخره حاء مهملة (قوله عن أبى شماسة) بضم المعجمة وفتحها وتخفيف الميم بعدها ألف فسين مهملة (قوله المهرى) بفتح الميم وسكون الهاء (قوله وفى حديث صفته) بكسر الصاد المهملة وفتح الفاء بعدها مثناة فوقية وهاء للضمير وهو الحديث المتقدم الذى رواه الحسن بن على بن أبى طالب عن هند بن أبى هالة وفى بعض النسخ صفية بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد المثناة التحتية اسم امرأة وهو تصحف لأن الصفاة ثلاث أم المؤمنين وبنت الزبير وبنت شبية العبدرية (*)

(2/38)


وجهته قريش عام القضية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى وأنه لا يتوضا إلا ابتدروا وضوئه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا ولا يتخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له فلما رجع إلى قريش قال يا معشر قريش إنى جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشى في ملكه وإنى والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه، وفى رواية إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم محمد أصحابه، وقد رأيت قوما لا يسلمونه أبدا، وعن أنس لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يرويدن أن تقع شعرة إلا في يد رجل ومن هذا لما أذنت قريش لعثمان في الطواف بالبيت حين وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في القضية أبى وقال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى حديث طلحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
وليس لواحدة منهن في هذا شئ (قوله عام القضية) يريد العام الذى جرت فيه القضية أي الصلح وهو عام الحديبية ولا يريد عام القضاء لأن عام القضاء في السنة السابعة بعد الحديبية بسنة (قوله والحلاق يحلقه) الذى حلق له عليه السلام في عمرة الجعرانة أبو هند وهو حلق له في حجة الوداع في شرح مسلم للنووي المشهور أنه معمر بن عبد الله العدوى وقيل اسمه خراش بن أمية بن ربيعة الكليبي بضم الكاف منسوب إلى كليب بن حبيشة (قوله في القضية) أي قضية صلح الحديبية لأنه إنما (*)

(2/39)


قالوا لأعرابي جاهل سله عمن قضى نحبه، وكانوا يهابونه ويوقرونه، فسأله فأعرض عنه إذ طلع طلحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(هذا ممن قضى نحبه، وفى حديث قيلة: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا القرفصاء أرعدت من الفرق وذلك هيبة له وتعظيما، وفى حديث المغيرة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافر، وقال البراء بن عازب لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمر فاؤخر سنين من هيبته
فصل واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته وتعظيم أهل بيته وصحابته قال أبو إبراهيم التجيبى واجب على كل مؤمن متى ذكره أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر ويسكن من حركته ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ويتأدب بما أدبنا الله به، قال القاضى أبو الفضل وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح وأئمتنا الماضين رضى الله عنهم حدثنا القاضى أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن
__________
أرسله في عام الحديبية (قوله إذ طلع طلحة) هو بن عبد الله بن عثمان أحد العشرة وفى الصحابة أيضا طلحة بن عبيد الله لكن اسم جده شافع (قوله وعترته) بمثناة فوقية وعترة الرجل أهله الأدنون (*)

(2/40)


الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقى الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه قالو أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث قال حدثنا أبو الحسن على بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبى إسرائيل حدثنا ابن
حميد قال ناظرا أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية، ومدح قوما فقال (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) الآية، وذم قوما فقال (إن الذين ينادونك) الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عيه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله قال الله تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) الآية وقال مالك - وقد سئل عن أيوب السختيانى - ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه، قال وحج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غيرا أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبى صلى الله وسلم كتبت عنه، وقال مصعب بن عبد الله
__________
(قوله السختيانى) قال ابن قرقول هو بفتح السين ومنهم من يضمها، وبكسر المثناة الفوقية، كان يبيع السختيان وهى الجلود (*)

(2/41)


كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحنى حتى يصعب ذلك على جلسائه فقيل له يوما في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم على ما ترون ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد سأله عن حديث أبدا إلا يبكى حتى نرحمه ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم أصفر وما رأته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال إما مصليا وإما صامتا وإما يقرأ القرآن ولا يتكلم فيما لا يعنيه وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل، ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنت آتى عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع، ولقد رأيت الزهري وكان من أهنإ الناس وأقربهم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته، لقد كنت آتى صفوان بن سليم وكان من المتعبدين
__________
(قوله الدعابة) بالدال المهملة المضمومة هي المزاح (قوله ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم) يعنى ابن محمد بن أبى بكر الصديق ولد زمن عائشة كان أفصل أهل زمانه (قوله تزف) بضم النون وكسر الزاى (قوله وقد جف) بفتح الجيم من الجفاف (قوله وكان من أهنإ) بنون وهمزة في آخره من غير مد (قوله صفوان بن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام هو الامام القوة يقال إنه لم يضع حنه إلى الأرض أربعين سنة (*)

(2/42)


المجتهدين فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى فلا يزال يبكى حتى يقوم الناس عنه ويتركوه، وروى عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أحذه العويل والزويل ولما كثر على مالك الناس قيل له لو جعلت مستمليا يسمعهم، فقال قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) وحرمته حيا وميتا سواء، وكان ابن سيرين ربما يضحك فإذا ذكر عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم خشع وكان عبد الرحمن بن مهدى إذا قرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالسكوت وقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) وبتأول أنه
يجيب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله
فصل في سيرة السلف في تعظيم رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته
حدثنا الحسين بن محمد الحافظ حدثنا أبو الفضل بن خيرون حدثنا أبو بكر البرقانى وغيره حدثنا أبو الحسن الدارقطني حدثنا على بن مبشر حدثنا أحمد بن سنان القطان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا المسعودي عن مسلم البطين عن عمرو بن ميمون قال اختلفت إلى ابن
__________
(قوله أخذه العويل والزويل) العويل بفتح المهملة وكسر الواو رفع الصوت، والزويل بفتح الزاى وكسر الواو، قال ابن الأثير القلق والانزعاج بحيث لا يستقر على مكان، وهو والزوال بمعنى (قوله البطين) بفتح الموحدة وكسر الطاء المهملة هو ابن عمران الكوفى (*)

(2/43)


مسعود سنة فما سمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه حدث يوما فجرى على لسانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم علاه كرب حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته ثم قال هكذا إن شاء الله أو فوق ذا أو ما دون ذا أو ما هو قريب من ذا، وفى رواية فتربد وجهه وفى رواية وقد تغرغرت عيناه وانفخت أوداجه: وقال إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضى المدينة مر مالك ابن أنس على أبى حازم وهو يحدث فجازه وقال إنى لم أجد موضعا أجلس فيه فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم وقال مالك جاء رجل إلى ابن المسيب فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس وحدثه فقال له الرجل وددت أنك لم تتعن فقال
إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع * وروى عن محمد بن سيرين أنه قد يكون يضحك فإذا ذكر عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم خشع * وقال أبو مصعب كان مالك بن أنس لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو على وضوء إجلالا له * وحكى مالك ذلك عن جعفر بن محمد، وقال مصعب ابن عبد الله كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه
__________
(قوله فتربد) بفتح المثناة الفوقية والراء وتشديد الموحدة بعدها دال مهملة أي تغير (قوله ابن قريم) بضم القاف وفتح الراء (قوله على أبى حازم) بالحاء المهملة والزاى هو الإمام سلمة بن دينار (*)

(2/44)


وسلم توضأ وتهيأ ولبس ثيابه ثم يحدث قال مصعب فسئل عن ذلك فقال إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطرف كان إذا أتى الناس مالكا خرجت إليهم الجارية فتقول لهم يقول لكم الشيخ تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا المسائل خرج إليهم وإن قالوا الحديث دخل مغتسله واغتسل وبطيب ولبس ثيابا جددا ولبس ساجه وتعمم ووضع على رأسه رداءه وتلقى له مصة فيخرج فيجلس عليها وعليه الخشوع ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غيره ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن أبى أويس فقيل لمالك في ذلك فقال أحب أن أنظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا، قال وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم أو مستعجل وقال أحب أن أفهم
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ضرار بن مرة كانوا يكرهون أن يحدثوا على غير وضوء ونحوه عن قتادة وكان الأعمش
__________
(قوله قال مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة (قوله جددا) بضم الجيم والمهملة الأولى جمع جديد كسرير وسرر (قوله ولبس ساجه) الساج بالسين المهملة والجيم الطيلسان، وفى القاموس الطيلسان الأخضر والأسود (قوله منصة) بكسر الميم وفتح النون وتشديد الصاد المهملة سرير العروس، قاله ابن الأثير، وفى القاموس والعروس أقعدها على المنصد بالكسر وهى ما ترفع عليه فانتصت (قوله ان يحدث) بكسر الدال المشددة (قوله أن أفهم) بضم الهمزة وفتح الفاء وتشديد الهاء (قوله إلى العقيق) هو واد على ثلاثة أميال وقيل على ميلين من المدينة عليه مال من أموال أهلها وهما عقيقان أحدهما عقيق المدينة الذى عق عن حربها أي قطع وهو العقيق الأصفر وفيه بئر رومية والعقيق الأحمر أكبر من هذا وفيه بئر عروة (*)

(2/45)


إذا حدث وهو على غير وضوء تيمم، قال عبد الله بن المبارك كنت عند مالك وهو يحدثنا فلدغته عقرب ست عشرة مرة وهو يتغير لونه ويصفر ولا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من المجلس وتفرق عنه الناس قلت له يا أبا عبد الله لقد رأيت منك اليوم عجبا قال نعم إنما صبرت إجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مهدى مشيت يوما مع مالك إلى العقيق فسألته عن حديث فاتتهرنى وقال لى كنت في عينى أجل من أن تسأل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، وسأله جرير ابن عبد الحميد القاضى عن حديث وهو قائم فأمر بحبسه، فقيل له إنه قاض، قال: القاضى أحق من أدب، وذكر أن هشام بن الغازى
سأل مالكا عن حديث وهو واقف فضربه عشرين سوطا ثم أشفق عليه فحدثه عشرين حديثا فقال هشام وددت لو زادني سياطا ويزيدني حديثا، قال عبد الله بن صالح كان مالك والليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران، وكان قتادة يستحب أن لا يقرأ أحاديث
__________
(قوله وذكر أن هشام بن العازى) قال الحافظان الرشيد العطار والمزى: الصواب هشام بن عمار الدمشقي لأن هشام بن الغازى لا يعرف له رواية عن مالك لأنه توفى سنة ست وخمسين ومائة قبل وفاة مالك وقد ذكر هذه الحكاية جماعة من المؤرخين عن هشام بن عمار الدمشقي (قوله وددت) بكسر الدال الأولى (*)

(2/46)


النبي صلى الله عليه وسلم إلا على وضوء ولا يحدث إلا على طهارة، وكان الأعمش إذا أراد أن يحدث وهو على غير وضوء تيمم
فصل ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وبره بر آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه كما حض عليه صلى الله عليه وسلم وسلكه السلف الصالح رضى الله عنهم قال الله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) الآية: وقال تعالى (وأزواجه أمهاتهم) * أخبرنا الشيخ أبو محمد بن أحمد العدل من كتابه وكتبت من أصله حدثنا أبو الحسن المقرى الفرغانى حدثتني أم القاسم بنت الشيخ أبى بكر الخفاف قالت حدثنى أبى حديثا حاتم هو ابن عقيل حدثنا يحيى هو ابن إسماعيل حدثنا يحيى هو الحمانى حدثنا وكيع عن أبيه عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم رضى الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنشدكم الله أهل بيتى - ثلاثا -) قلنا لزيد من أهل بيته ؟ قال آل على وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، وقال صلى الله عليه وسلم (إنى تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتى، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) وقال صلى الله عليه وسلم معرفة آل محمد صلى الله عليه وسلم براءة
__________
(قوله الحمانى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم (قوله عن يزيد بن حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية (*)

(2/47)


من النار وحب آل محمد جواز على الصراط والولاية لآل محمد أمان من العذاب قال بعض العلماء معرفتهم هي معرفة مكانهم من النبي صلى الله عليه وسلم وإذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه * وعن عمر بن أبى سلمة لما نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) الآية - وذلك في بيت أم سلمة - دعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا * وعن سعد بن أبى وقاص لما نزلت آية المباهلة دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا وحسنا وحسينا وفاطمة وقال (اللهم هؤلاء أهلى) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في على (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) وقال فيه (لا يحبك إلا مومن ولا يبغضك إلا منافق) وقال للعباس (والذى نفسه بيده لا يدخل قلب رجل الأيمان حتى يحبك لله ورسوله ومن آذى عمى فقد آذانى، وإنما عم الرجل صنو أبيه) وقال للعباس (اغد على يا عم مع ولدك) فجمعهم وجللهم بملاءته وقال (هذا عمى وصنو
أبى وهؤلاء أهل بيتى فاسترهم من النار كسترى إياهم) فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت آمين آمين، وكان يأخذ بيد أسامة بن زيد والحسن
__________
(قوله فججلهم بالجيم وتشديد اللام الأولى (قوله صنو أبيه) بكسر الصاد المهملة وسكون النون بعدها واو: أي مثل (قوله بملاءته) بضم الميم وتخفيف اللام والمد (*)

(2/48)


ويقول (اللهم إنى أحبهما فأحبهما) وقال أبو بكر رضى الله عنه ارقبوا محمدا في أهل بيته، وقال أيضا والذى نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي، وقال صلى الله عليه وسلم (أحب الله من أحب حسنا) وقال (من أحبنى وأحب هذين - وأشار إلى حسن وحسين - وأباهما وأمهما كان معى في درجتي يوم القيامة) وقال صلى الله عليه وسلم (من أهان قريشا أهانه الله) وقال صلى الله عليه وسلم (قدموا قريشا ولا تقدموها) وقال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة (لا تؤذيني في عائشة) ومن عقبة بن الحارث رأيت أبا بكر رضى الله عنه وجعل الحسن على عنقه وهو يقول: بأبى شبيه بالنبي * ليس شبيها بعلى.
وعلى رضى الله عنه يضحك * وروى عن عبد الله بن حسن بن حسين قال أتيت عمر بن عبد العزيز في حاجة فقال لى إذا كان لك حاجة فأرسل إلى أو اكتب فإنى استحيى من الله أن يراك على بابى * وعن الشعبى
__________
(قوله ارقبوا محمدا) أي: ارعوه واحترموه (قوله بأبى شبيه بالنبي) قيل المشهور بالشبه للنبى صلى الله عليه وسلم جماعة الحسن بن على وجعفر بن أبى طالب وقثم بن العباس والسائب بن يزيد من أجداد الشافعي وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ويشبهه الحسن بن على بن أبى طالب بنصفه الأسفل ويشبه عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، ويشبهه كابس بن ربيعة بن مالك السامى بالسين المهملة رجل من أهل البصرة
وجه إليه معاوية وأقطعه قطيعة، ويشبهه أيضا عبد الله بن عامر بن كريز بضم الكاف وفتح الراء، ويشبهه أيضا مسلم بن مغيث في سيرة أبى الفتح اليعمرى ومن نظمه: بخمسة شبه المختار من مضر * يا حسن ما حولوا من شبهه الحسن بجعفر وابن عم المصطفى قثم * وسائب وأبى سفيان الحسن (4 - 2) (*)

(2/49)


قال صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ثم قربت له بغلته ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله فقال هكذا نفعل بالعلماء فقبل زيد يد ابن عباس وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، ورأى ابن عمر محمد بن أسامة بن زيد فقال ليت هذا عبدى فقيل له هو محمد بن أسامة، فطأطأ ابن عمر رأسه ونقر بيده الأرض وقال لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه، وقال الأوزاعي دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر بن عبد العزيز ومعها مولى لها يمسك بيدها فقام لها عمر ومشى إليها حتى جعل يديها بين يديه ويداه في ثيابه ومشى بها حتى أجلسها على مجلسه وجلس بين يديها وما ترك لها حاجة إلا قصاها ولما فرص عمر بن الخطاب لابنه عبد الله في ثلاثة آلاف ولأسامة بن زيد في ثلاثة آلاف وخمسمائة
__________
(قوله عبدى) قال ابن قرقول بالياء من العبودية للبيهقي وللكافة بالنون، والأول أوجه (قوله على مجلس) قال ابن برى في كتاب الفروق، المسجد، اسم الميت الذى يسجد فيه، والموضع الذى يوضع فيه الجبهة المسجد بفتح الجيم ومثله المجاس بكسر اللام البيت، وبفتحها موضع التكرمة وهو الذى نهى الشارع عن الجلوس فيه بغير إذن
صاحبه (قوله ولما فرض عمر بن الخطاب لابنه عبد الله) في ثلاثة آلاف قيل ما الجمع بين هذا وبين ما رواه البخاري في الهجرة عن نافع أن عمر كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرض لابن عمر ثلاث آلاف وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته عن أربعة آلاف ؟ قال إنما هاجر به أبواه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه ؟ وأجيب بأن ابن عمر فرض له مرتان أو لها ثلاثة آلاف والأخرى (*)

(2/50)


قال عبد الله لأبيه لم فضلته فو الله ما سبقني إلى مشهد ؟ فقال له لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وأسامة أحب إليه منك فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبى * وبلغ معاوية أن كابس بن ربيعة يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه من باب الدار قام عن سريره وتلقاه وقبل بين عينيه وأقطعه المرعاب لشبهه صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم * وروى أن مالكا رحمه الله لما ضربه جعفر بن سلميان ونال منه ما نال وحمل مغشيا عليه دخل عليه الناس فأفاق فقال أشهدكم أنى جعلت ضاربي في حل، فسئل بعد ذلك فعال خفت أن أموت فألقى النبي صلى الله عليه وسلم فأستحيى منه أن يدخل بعض آله النار بسببي.
وقيل إن المنصور أفاده من جعفر فقال له أعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو بكر بن عياش لو أتانى أبو بكر وعمر
__________
ثلاث آلاف وخمسمائة فان قيل كيف قال هاجر به أبواه وأمه زينب بنت مظعون ماتت بمكة قبل أن يهاجر ؟ وأجيب بأن المراد بالأبوين هنا الأب وزوجة الأب (قوله فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبى) بضم الحاء وكسرها في الموضعين
(قوله وأقطعه المرعاب) بكسر الميم وسكون الراء وتخفيف العين المهملة في آخره موحدة (قوله لما ضربه جعفر) هو ابن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس فهو ابن عم أبى جعفر المنصور، نقلوا له عن مالك أنه لا يرى الأيمان ببيعتهم لازمة لأنه يرى أن يمين المكره ليست بلازمة (قوله أقاده) أي طلب أن يقتص له، في الصحاح أقدت القاتل بالفتيل أي: طلبته به (قوله وقال أبو بكر بن عياش) آخره شين معجمة ابن سالم الأسدى الخياط المقرئ أحد الأعلام (*)

(2/51)


وعلى لبدأت بحاجة على قبلهما لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقدمه عليهما، وقيل لابن عباس ماتت فلانة - لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - فسجد فقيل له أتسجد هذه الساعة ؟ فقال أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم آية فاسجدوا) ؟ وأى آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وكان أبو بكر وعمر يزوران أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقولان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ولما وردت حليمة السعدية على النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه وقضى حاجتها، فلما توفى وفدت على أبى بكر وعمر فصنعا بها مثل ذلك.
فصل ومن توقيره وبره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم ومعاداة من عاداهم والإضراب عن أخبار المؤرخين وجهله الرواة وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم وأن يلتمس لهم فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن أحسن التأويلات ويخرج لهم أصوب المخارج إذ هم أهل ذلك ولا يذكر
__________
(قوله عما شجر بينهم) أي عما اختلف بينهم يقال شجر بين القوم إذا اختلف الأمر بينهم (*)

(2/52)


أحد منهم بسوء ولا يغمص عليه أمر بل نذكر حسناتهم وفضائلهم وحميد سيرهم ويسكت عما وراء ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) قال الله تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) إلى آخر السورة، وقال (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) الآية وقال تعالى (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) وقال (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) الآية.
حدثنا القاضى أبو على حدثنا أبو الحسين وأبو الفضل قالا حدثنا أبو يعلى حدثنا أبو على السنجى حدثنا محمد بن محبوب حدثنا الترمذي حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا سفيان بن عيينة عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن ربعى بن حراش عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقتدا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر) وقال (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا به) وقال (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن
__________
(قوله ولا يغمص) بسكون الغين المعجمة بعدها صاد مهملة أي يعاب (قوله الحسين بن الصباح) هو البزار - بالراء في آخره (قوله عن ربعى بن حراش)
ربعى بكسر الراء وسكون الموحدة وحراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وفى آخره شين معجمة (*)

(2/53)


يأخذه وقال لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقال من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وقال إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وقال في حديث جابر إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين واختار لى منهم أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا فجعلهم خير أصحابي وفى أصحابي كلهم خير) وقال (من أحب عمر فقد أحبنى ومن أبغض عمر فقد أبغضني وقال مالك بن أنس وغيره: من أبغض الصحابة وسبهم فليس له في فئ المسلمين حق ونزع بآية الحشر (والذين جاؤا من بعدهم) الآية، وقال: من غاظه أصحاب محمد فهو كافر قال الله تعالى (ليغيظ بهم الكفار) وقال عبد الله بن المبارك: خصلتان من كانتا فيه نجا: الصدق وحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال أيوب السختيانى: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق ومن انتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح وأخاف أن
__________
(قوله نصيفه) بفتح النون وكسر الصاد المهملة يقال نصف بكسر النون وضمها نصيف (قوله صرفا ولا عدلا) الصرف بفتح المهملة: التوبة، وقيل الحيلة والعدل بفتح العين المهملة.
وقيل الفريضة (*)

(2/54)


لا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه سليما * وفى حديث خالد بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيها الناس إنى راض عن أبى بكر فاعرفوا له ذلك أيها الناس إنى راض عن عمر وعن على وعن عثمان وطلحة والزبير وسعد سعيد وعبد الرحمن بن عوف فاعرفوا لهم ذلك أيها الناس إن الله غفر لأهل بدر والحديبية، أيها الناس احفظوني في أصحابي وأصهاري وأختانى لا يطالبنكم أحد منهم بمظلمة فإنها مظلمة لا توهب في القيامة غدا) وقال رجل للمعافى بن عمران: أين عمر بن عبد العزيز من معاوية فغضب وقال لا يقاس بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد: معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحى الله، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل فلم يصل عليه وقال (كان يغض عثمانا فابغضه الله، وقال صلى الله عليه وسلم في الأنصار (اعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم) وقال (احفظوني في أصحابي وأصهاري فإنه من حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله منه ومن تخلى الله منه يوشك أن يأخذه) وعنه صلى الله عليه وسلم (من حفظني في أصحابي كنت له حافظا يوم القيامة) وقال (من حفظني في
__________
(قوله خالد بن سعيد) قيل هو خالد بن عمرو بن سعيد بن العاصى، فسعيد جده، والحديث من روايته عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع المدينة صعد المنبر فحمد الله ثم قال: أيها الناس - إلى آخر الحديث (قوله بمظلمة) بكسر اللام وفتحها، في الصحاح ما نطلبه عند الظالم لك وهو اسم ما أخذ منك (*)

(2/55)


أصحابي ورد على الحوض ومن لم يحفظني في أصحابي لم يرد على الحوض ولم يرنى إلا من بعيد) قال مالك رحمه الله هذا النبي مؤدب الخلق الذى هدانا الله به وجعله رحمة للعالمين يخرج في جوف الليل إلى البقيع فيدعو لهم ويستغفر كالمودع لهم وبذلك أمره الله وأمر النبي بحبهم وموالاتهم ومعاداة من عاداهم، وروى عن كعب ليس أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا له شفاعة يوم القيامة، وطلب من المغيرة بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة قال سهل بن عبد الله التسترى: لم يؤمن بالرسول من لم يوقر أصحابه ولم يعز أوامره
فصل ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ومعاهده وما لمسه صلى الله عليه وسلم أو عرف به وروى عن صفية بنت نجدة قالت كان لأبى محذورة قصة في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الأرض فقيل له ألا تحلقها فقال لم أكن بالذى أحلقها وقد مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وكانت قلنسوة خالد بن الوليد شعرات من شعره صلى الله عليه وسلم فسقطت قلنسوته في بعض حروبه فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كثرة من قتل فيها فقال لم أفعلها بسبب القلنسوة بل لما تضمنته
__________
(قوله قصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة: ما على الجبهة من شعر الرأس (قوله في قلنسوة خالد) أي قبعته (*)

(2/56)


من شعره صلى الله عليه وسلم لئلا أسلب بركتها وتقع في أيدى المشركين، ورؤى ابن عمر واضعا يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه، ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة
وكان يقول أستحيى من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة، وروى عنه أنه وهب للشافعي كراعا كثيرا كان عنده فقال الشافعي أمسك منها دابة فأجابه بمثل هذا الجواب وقد حكى أبو عبد الرحمن السلمى عن أحمد بن فضلويه الزاهد وكان من العزاة الرماة أنه قال: ما مسست القوس بيدى إلا على طهارة منذ بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القوس بيده، وقد أفتى مالك فيمن قال تربة المدينة ردية يضرب ثلاثين درة وأمر بحسبه وكان له قدر وقال ما أحوجه إلى ضرب عنقه: تربة دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنها غير طيبة ! وفى الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم في المدينة (من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) وحكى أن جهجاها الغفاري أخذ قضيب النبي صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضى الله عنه وتناوله ليكسره على ركبته
__________
(قوله من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا) قال ابن الأثير: الحدث الأمر المنكر الذى ليس بمعتاد ولا معروف في السنة، والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها فمعنى الكسر من نضر خائنا أو آواه وأجاره من خصمه، ومعنى الفتح.
الأمر المبتدع نفسه فيكون معنى الإيواء فيه الرضى والصبر عليه فإنه إذا رضى البدعة وأقر فاعلها ولم ينكرها عليه فقد آواه (*)

(2/57)


فصاح به الناس فأخذته الآكلة في ركبته فقطعها ومات قبل الحول وقال صلى الله عليه وسلم (من خلف على منبرى كاذبا فليتبوأ مقعد، من النار) وحدثت أن أبا الفضل الجوهرى لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا
ولما رأينا رسم من لم يدع لنا * فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة * لمن بان عنه أن نلم به ركبا وحكى عن بعض المريدين أنه لما أشرف على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أنشأ يقول متمثلا رفع الحجاب لنا فلاح لناظر * قمر تقطع دونه الأوهام وإذا المطى بنا بلعن محمدا * فظهورهن على الرحال حرام قربننا من خير من وطئ الثرى * فلها عليا حرمة وذمام وحكى عن بعض المشايخ أنه حج ماشى فقيل له في ذلك فقال العبد الآبق يأتي إلى بيت مولاه راكبا لو قدرت أن أمشى على رأسي ما مشيت على قدمى، قال القاضى وجدير لمواطن عمرت بالوحى والتنزيل وتردد بها جبريل وميكائيل وعرجت منها الملائكة والروح وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح واشتملت تربتها على جسد سيد البشر
__________
(قوله ولما رأينا) هذا البيتان لأبى طالب أحمد بن الحسين المتنبي (قوله رفع الحجاب) هذه الأبيات لأبى نواس الحكمى يمدح بها أمين الدولة (قوله فظهورهن على الرحال) هو بالمهملة جمع رحل، كذا رأيت بخط شيخنا كمال الدين الدميري الشافعي (*)

(2/58)


وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر مدارس آيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات ومناسك الدين ومشاعر المسلمين ومواقف سيد المرسلين ومتبوأ خاتم النبيين حيث انفجرت النبوة وأين فاض عبابها ومواطن طويت فيها لرسالة وأول أرض مس جلد المصطفى ترابها ان نعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها
وتقبل ربوعها وجدراتها يا دار خير المرسلين ومن به * هدى الأنام وخص بالآيات عندي لأجلك لوعة وصبابة * وتشوق متوقد الجمرات وعلى عهد أن ملأت محاجرى * من تلكم الجدرات والعرصات لأعفرن مصون شيبي بينها * من كثرة التقبيل والرشفات لولا العوادى والأعادي زرتها * أبدا ولو سحبا على الوجنات لكن سأهدى من حفيل تحيتي * لقطين تلك الدار والحجرات أزكى من المسك المفتق نفحة * تغشاه بالاصال والبكرات وتخصه بزواكى الصلوات * ونوامى التسليم والبركات
__________
(قوله عبابها) العباب بضم العين المهملة وبموحدتين: معظم السيل وارتفاعه وكثرته (قوله يا دار خير المرسلين) الظاهر أن هذه الأبيات للمصنف (قوله صبابة) هي رقة الشوق (قوله من حفيل) بفتح الحاء المهلمة وكسر الفاء أي جميع، في الصحاح حفل القوم واحتفلوا أي اجتمعوا (قوله لقطين) بفتح القاف وكسر الطاء المهملة: أي المقم (قوله المفتق) بتشديد المثناة الفوقية المتفوحة أي المستخرج الرائحة (*)

(2/59)