الفصول
في السيرة فصل ـ الإخبار
بالغيوب المستقبلة
وقد أخبر بالغيوب المستقبلة المطابقة لخبره، كما أخبر الله عز وجل في كتابه
من إظهار دينه، وإعلاء كلمته، واستخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات من
أمته في الأرض، وكذلك كان.
وأخبر بغلبة الروم فارس في بضع سنين، فكان كذلك.
وأخبر صلى الله عليه وسلم قومه الذين كانوا معه في الشعب أن الله قد سلط
على الصحيفة الأرضة فأكلتها إلا ما كان من ذكر الله، وكان كذلك.
وأخبر يوم بدر قبل الوقعة بيوم بمصارع القتلى واحداً واحداً، فكان كما أخبر
سواء بسواء.
(1/236)
وأخبر أن كنوز كسرى وقيصر ستنفق في سبيل
الله، فكان كذلك.
وبشر أمته بأن ملكهم سيمتد في طول الأرض، فكان كذلك.
وأخبر أنه لا تقوم الساعة حتى تقاتل أمته قوماً صغار الأعين ذلف الأنوف كأن
وجوههم المجان المطرقة، وهذه حلية التتار، فكان كذلك.
وأخبر بقتال الخوارج، ووصف لهم ذا التدية فوجد كما وصف سواء بسواء وأخبر أن
الحسن بن علي رضي الله عنهما سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
فكان كذلك.
وأخبر بأن عماراً ستقتله الفئة الباغية، فقتل يوم صفين مع علي رضي الله
عنهما
(1/237)
وأخبر بخروج نار من أرض الحجاز تضيء لها
أعناق الإبل ببصرى، وكان ظهور هذه في سنة بضع وخمسين وستمائة، وتواتر
أمرها، وأخبرت عمن شاهد إضاءة أعناق الإبل ببصرى، فصلى الله على رسوله كلما
ذكره الذاكرون.
وأخبر بجزيئات كانت وتكون بين يدي الساعة يطول بسطها، وفيما ذكرنا كفاية،
إن شاء الله، وبه الثقة.
فصل ـ بشارةالكتب السماوية المتقدمة برسول الله
صلى الله عليه وسلم
وفي الكتب المتقدمة البشارة به، كما أخبر الله تعالى أن ذلك في التوراة
والإنجيل مكتوب، وكما أخبر عن نبيه عيسى عليه السلام أنه قال: {ومبشرا
برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} ، وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو أنه وجد
صفته في التوراة صلى الله عليه وسلم وذكرها.
وفي التوراة اليوم التي يقر اليهود بصحتها في السفر الأول أن الله تعالى
تجلى
(1/238)
لإبراهيم وقال له ما معناه: [فاسلك في
الأرض طولاً وعرضاً لولدك تعظيماً] .
ومعلوم أنه لم يملك مشارق الأرض ومغاربها إلا محمد صلى الله عليه وسلم كما
جاء في الصحيح عنه أنه قال: «إنه زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ
ملك أمتي ما زوي لي منها» .
وفيه أيضاً: [إن الله تعالى قال لإبراهيم: إن إسحاق يكون لك منه نسل وأما
إسماعيل فإني باركته وكثرته وعظمته، وجعلت ذريته بنجوم السماء ...
] إلى أن قال: [وعظمته بماذ ماذ ـ أي بمحمد، وقيل: بأحمد ـ وقيل: جعلته
عظيماً عظيماً وجعل حذاً] .
وفيه: [إن الله وعد إبراهيم أن ولده إسماعيل تكون يده عالية على كل الأمم،
فكل الأمم تحت يده، وبجميع مساكن إخوته يسكن] ، وقد علم أهل الكتاب وغيرهم
أن إسماعيل لم يدخل قط الشام ولا علت يده على إخوته، وإنما كان هذا لولده
محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ملك الشام ومصر من العرب أحد قبل أمة محمد
صلى الله عليه وسلم، فإن فتحهما كان في خلافة الصديق والفاروق رضي الله
عنهما.
وفي السفر الرابع من التوراة التي بأيديهم اليوم ما معناه: [نبي أقيم لهم
من أقاربهم من أخيهم مثلك يا موسى، أجعل نطقي بفيه] .
ومعلوم لهم ولكل أحد أن الله عز وجل لم يبعث من نسل إسماعيل سوى محمد صلى
الله عليه وسلم، بل لم يكن في بني إسرائيل نبي يماثل موسى إلا عيسى عليه
السلام، وهم لا يقرون بنبوته، ثم
(1/239)
ليس هو من إخوتهم، بل هو منتسب إليهم بأمه
صلوات الله وسلامه عليه، فتعين ذلك في محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك ما ختمت به التوراة في آخر السفر الخامس ما معناه: [جاء الله من
سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلى من جبال فاران] .
ومعنى هذا أن الله جاء شرعه ونوره من طور سيناء الذي كلم موسى عليه، وأشرق
من ساعير وهو الجبل الذي ولد به عيسى عليه السلام وبعث فيه، واستعلى من
جبال فاران وهي مكة، بدليل أن الله أمر إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يذهب
بإسماعيل إلى جبال فاران.
وقد استشهد بعض العلماء على صحة هذا بأن الله سبحانه أقسم بهذه الأماكن
الثلاثة فترقى من الأدنى إلى الأعلى في قوله تعالى {والتين والزيتون * وطور
سينين * وهذا البلد الأمين} ، ففي التوراة ذكرهن بحسب الوقوع، الأول
فالأول، وبحسب ما ظهر فيهن من النور.
وفي القرآن لما أقسم بهن ذكر منزل عيسى ثم موسى ثم محمد، صلاة الله وسلامه
عليهم أجمعين، لأن عادة العرب إذا أقسمت ترقت من الأدنى إلى الأعلى.
وكذا زبور داود عليه السلام والنبوءات الموجودة الآن بأيدي أهل الكتاب،
فيها البشارات به صلى الله عليه وسلم كما يخبر بذلك من أسلم منهم قديماً
وحديثاً.
وفي الإنجيل ذكر ـ الفارقليط ـ موصوفاً بصفات محمد صلى الله عليه وسلم سواء
بسواء.
(1/240)
وأما كلام أشعيا وأرميا فظاهر جداً لكل من
قرأه.
ولله الحمد والمنة والحجة البالغة.
فصل ـ أولاده
تقدم ذكر أعمامه وعماته عند ذكر نسبه المطهر صلى الله عليه وسلم.
فأما أولاده فذكورهم وإناثهم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، إلا
إبراهيم فمن مارية القطبية، وهم:
القاسم، وبه كان يكنى لأنه أكبر أولاده، ثم زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم
فاطمة.
ثم بعد النبوة: عبد الله، ويقال له: الطيب والطاهر، لأنه ولد في الإسلام.
وقيل: الطاهر غير الطيب.
وصحح ذلك بعض العلماء.
ثم إبراهيم من مارية، ولد له صلى الله عليه وسلم بالمدينة في السنة
الثامنة، وتوفي عن
(1/241)
سنة وعشرة أشهر، فلهذا قال صلى الله عليه
وسلم: «أن له مرضعاً في الجنة» .
وكلهم مات قبله، إلا فاطمة رضي الله عنها فإنها توفيت بعده بيسير، قيل: ستة
أشهر على المشهور.
وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: سبعون يوماً، وقيل: خمسة وسبعون يوماً.
وقيل: ثلاثة أشهر، وقيل: مائة يوم.
وقيل: غير ذلك.
وصلى عليها علي، وقيل: أبو بكر.
وهو قول غريب.
وقد ورد في حديث أنها اغتسلت قبل موتها بيسير، وأوصت ألا تغسل بعد موتها،
وهو غريب جداً، وروي أن علياً والعباس وأسماء بنت عميس زوجة الصديق وسلمى
أم رافع وهي قابلتها غسلوها، وهذا هو الصحيح.
(1/242)
فصل ـ زوجاته
في زوجاته رضي الله عنهن:
أول من تزوج صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
فكانت وزير صدق له لما بعث، وهي أول من آمن به على الصحيح.
وقيل: أبو بكر.
وهو شاذ.
ولم يتزوج في حياتها بسواها لجلالها وعظم محلها عنده.
واختلف أيها أفضل هي أو عائشة رضي الله عنهما؟ فرجح فضل خديجة جماعة من
العلماء.
وقد ماتت قبل الهجرة [بسنة ونصف] .
ثم تزوج سودة بنت زمعة القرشية العامرية، بعد موت خديجة بمكة، ودخل بها
هناك، ثم لما كبرت أراد صلى الله عليه وسلم طلاقها، فصالحته على أن وهبت
يومها لعائشة وقيل: له، فجعله لعائشة.
وفيها نزل قوله تعالى: {وإن امرأة
(1/243)
خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} الآية.
وتوفيت في آخر أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقيل: تزوج عائشة قبل سودة، ولكنه لم يبن بها إلا في شوال من السنة الثانية
من الهجرة، ولم يتزوج بكراً سواها، [ولم يأته الوحي في لحاف امرأة من نسائه
سواها] ولم يحب أحد من النساء مثلها، وقد كانت لها مآثر وخصائص ذكرت في
القرآن والسنة، ولا يعلم في هذه الأمة امرأة بلغت من العلم مبلغها، وتوفيت
سنة [سبع وقيل] ثمان وخمسين.
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الثالثة من الهجرة،
وقد طلقها صلى الله عليه وسلم، ثم راجعها، وتوفيت سنة إحدى وأربعين.
وقيل: وخمسين.
وقيل: سنة خمس وأربعين.
(1/244)
ثم أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية ـ
واسمه حذيفة ـ ويقال: سهيل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،
القرشية، بعد وفاة زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد
الله بن مخزوم، مرجعه من بدر، فلما انقضت عدتها خطبها صلى الله عليه وسلم،
وهذا يقتضي أن ذلك أول السنة الثالثة، وقد كان ولي عقدها ابنها عمر، كما
رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن ابن عمر بن أبي سلمة
عن أبيه عن أم سلمة.
وقد جمعت جزءاً في ذلك، وبينت أن عمر المقول له في هذا الحديث إنما هو عمر
بن الخطاب رضي الله
(1/245)
عنه، لأنه كان الخاطب لها على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الوقدي وغيره أن وليها كان ابنها سلمة، وهو
الصحيح إن شاء الله.
وقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها بغير ولي، والله تعالى أعلم.
قال الواقدي: توفيت سنة تسع وخمسين.
وقال غيره في خلافة يزيد بن معاوية سنة اثنتين وستين.
ثم تزوج زينب بنت جحش في سنة خمس من ذي القعدة، وقيل: سنة ثلاث، وهو ضعيف.
وفي صبيحة عرسها نزل الحجاب، كما أخرجاه في الصحيحين عن أنس، وأنه حجبه
حينئذ وقد كان عمره لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عشراً،
فدل على أنه كان قد استكمل خمس عشرة سنة،.
والله أعلم.
وقد كان وليها الله سبحانه وتعالى دون الناس، قال الله تعالى: {فلما قضى
زيد منها وطرا زوجناكها} وروى
(1/246)
البخاري في صحيحه بسند ثلاثي أنها كانت
تفخر على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني
الله في السماء، وكانت أول أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاة، قال
الواقدي: توفيت سنة عشرين، وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية، وذلك أنه لما غزا قومها
في سنة ست، بالماء الذي يقال له: المريسيع، وقعت في سهم ثابت بن قيس بن
شماس، وكاتبها، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها
فاشتراها وأعتقها وتزوجها.
فقيل: إنها توفيت سنة خمسين.
وقال الواقدي: سنة ست وخمسين.
ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية الهارونية النضرية ثم الخيبرية
رضي الله تعالى عنها، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم اصطفاها من مغانم خيبر،
وقد كانت في أوائل سنة سبع، فأعتقها وجعل ذلك صداقها، فلما حلت في أثناء
الطريق بنى بها، وحجبها، فعلموا أنها من أمهات المؤمنين.
قال الواقدي: توفيت سنة خمسين، وقال غيره: سنة ست وثلاثين، والله أعلم.
وفي هذه السنة، وقيل: في التي قبلها ـ سنة ست ـ تزوج أم حبيبة، واسمها رملة
بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية.
خطبها عليه عمرو بن أمية الضمري، وكانت بالحبشة، وذلك حين توفي عنها زوجها
عبيد الله بن جحش، فولي عقدها منه خالد بن سعيد بن العاص،
(1/247)
وقيل: النجاشي، والصحيح الأول.
ولكن أمهرها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار،
وجهزها، وأرسل بها إليه رضي الله عنه.
فأما ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار اليماني «عن أبي زميل
سماك بن الوليد عن ابن عباس أن أبا سفيان لما أسلم قال في حديث لرسول الله
صلى الله عليه وسلم: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان
أزوجكما..» الحديث.
فقد استغرب ذلك من مسلم رحمه الله، كيف لم يتنبه لهذا؟ لأن أبا سفيان، إنما
أسلم ليلة الفتح، وقد كانت بعد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة
بسنة وأكثر، وهذا مما لا خلاف فيه.
وقد أشكل هذا على كثير من العلماء: فأما ابن حزم فزعم أنه موضوع وضعف عكرمة
بن عمار، ولم يقل هذا أحد قبله ولا بعده.
وأما محمد بن طاهر المقدسي فقال: أراد أبو سفيان أن يجدد العقد لئلا يكون
تزوجها بغير إذنه غضاضة عليه، أو أنه توهم أن بإسلامه ينفسخ نكاح ابنته،
وتبعه على هذا أبو عمرو بن الصلاح وأبو زكريا النووي في شرح مسلم، وهذا
بعيد جداً، فإنه لو كان كذلك لم يقل: عندي أحن العرب وأجمله، إذ رآها رسول
الله صلى الله عليه وسلم منذ سنة فأكثر، وتوهم فسخ نكاحها بإسلامه بعيد
جداً، والصحيح في هذا أن أبا سفيان لما رأى صهر رسول الله صلى الله عليه
وسلم
(1/248)
شرفاً أحب أن يزوجه ابنته الأخرى وهي عزة،
واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، كما أخرجا في الصحيحين «عن أم حبيبة أنها
قالت: يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان، قال: أوتحبين ذلك؟ قالت:
نعم..» الحديث.
وفي صحيح مسلم أنها قالت: يا رسول الله، انكح أختي عزة بنت أبي سفيان..
الحديث.
وعلى هذا فيصح الحديث الأول، ويكون قد وقع الوهم من بعض الرواة في قوله:
وعندي أحسن العرب وأجمله: أم حبيبة.
وإنما قال: عزة.
فاشتبه على الراوي، أو أنه قال الشيخ: يعني ابنته، فتوهم السامع أنها أم
حبيبة، إذ لم يعرف سواها.
ولهذا النوع من الغلط شواهد كثيرة قد أفردت سرد ذلك في جزء مفرد لهذا
الحديث ولله الحمد والمنة.
وتوفيت أم حبيبة رضي الله عنها سنة أربع وأربعين فيما قاله أبو عبيد، وقال
أبو بكر بن أبي خيثمة: سنة تسع وخمسين قبل أخيها معاوية بسنة.
ثم تزوج في ذي القعدة من هذه السنة ميمونة بنت الحارث الهلالية واختلف هل
كان محرماً أو لا؟ فأخرج صاحبا الصحيح عن ابن عباس أنه كان
(1/249)
محرماً.
فقيل: كان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لما رواه مسلم «عن عثمان أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب»
واعتمد أبو حنيفة على الأول، وحمل حديث عثمان على الكراهة، وقيل: بل كان
حلالاً كما رواه مسلم عن ميمونة أنها قالت: تزوجها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو حلال، وبنى بها وهو حلال.
وقد قدم جمهور العلماء هذا الحديث على قول ابن عباس، لأنها صاحبة القصة فهي
أعلم.
وكذا أبو رافع أخبر بذلك كما رواه الترمذي عنه، وقد كان هو السفير بينهما.
وقد أجيب عن حديث ابن عباس بأجوبة ليس هذا موضعها.
وماتت بسرف حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من عمرة
القضاء، وكان موتها سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة ثلاث، وقيل: ست وستين، وصلى
عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
فهؤلاء التسع بعد خديجة اللواتي جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم
مات عنهن وفي رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى عشرة، والأول أصح.
(1/250)
وقد قال قتادة بن دعامة أنه صلى الله عليه
وسلم تزوج خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، ومات عن
تسع.
وقد روى الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي نحو هذا عن أنس في
كتابه المختارة فهذا هو المشهور.
وقد رأيت لبعض أئمة المتأخرين من المالكية وغيرهم في كتاب النكاح تعداد
زوجات لم يدخل بهن مع اللواتي دخل بهن ما ينيف على العشرين.
وقد كان له من السراري اثنتان.
وهما: مارية بنت شمعون القبطية، أم إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، أهداها له المقوقس صاحب إسكندرية ومصر، ومعها أختها شيرين وخصي يقال
له مابور وبغلة يقال لها: الدلدل، فوهب صلى الله عليه وسلم شيرين إلى حسان
بن ثابت فولدت له
(1/252)
عبد الرحمن.
وتوفيت مارية في محرم سنة ست عشرة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحشر
الناس لجنازتها بنفسه، وصلى عليها ودفنها بالبقيع رضي الله عنها.
وأما الثانية فريحانة بنت عمرو، وقيل: بنت زيد، اصطفاها من بني قريظة وتسرى
بها، ويقال: إنه تزوجها، وقيل: بل تسرى بها، ثم أعتقها فلحقت بأهلها.
وذكر بعض المتأخرين أنه تسرى أمتين أخريين، والله تعالى أعلم.
فصل ـ مواليه
في ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم على حروف المعجم رضي الله عنهم
أجمعين، وذلك حسبما أورده الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في أول تاريخه
وهم:
أحمر، ويكنى أبا عسيب، وأسود، وأفلح، وأنس، وأيمن بن أم أيمن، وباذام،
وثوبان بن بجدد، وذكوان ـ وقيل: طهمان، وقبل: كيسان.
(1/253)
وقيل: مروان.
وقيل: مهران ـ ورافع، ورباح، ورويفع، وزيد بن حارثة، وزيد جد هلال بن يسار،
وسابق، وسالم، وسعيد وسفينة، وسلمان الفارسي، وسليم ـ ويكنى بأبي كبشة، ذكر
فيمن شهد بدراً ـ وصالح [شقران] ، وضميرة بن أبي ضميرة، وعبيد الله بن
أسلم، وعبيد، وعبيد أيضاً ـ ويكنى بأبي صفية ـ وفضالة اليماني، وقصير،
وكركرة ـ بكسرهما، ويقال: بفتحهما ـ ومابور القبطي، ومدعم، وميمون، ونافع،
ونبيل، وهرمز، وهشام، وواقد، ووردان، ويسار [نوبي] ، وأبو أثيلة، وأبو
بكرة، وأبو الحمراء، وأبو رافع وأسمه أسلم ـ فيما قيل ـ وأبو عبيد.
فهؤلاء الذين حررهم أبو زكريا النووي رحمه الله تعالى في أول كتابه تهذيب
الأسماء واللغات، إلا أني رتبتهم على الحروف ليكون أسهل للكشف.
وأما إماؤه: فأمية، وبركة ـ أم أيمن، وهي أم أسامة بن زيد ـ وخضرة، ورضوى،
وريحانة، وسلمة ـ وهي أم رافع امرأة أبي رافع ـ وشيرين، وأختها مارية أم
إبراهيم عليه السلام، وميمونة بنت سعد، وأم ضميرة، وأم عياش.
قال أبو زكريا رحمه الله تعالى: ولم يكن ملكه صلى الله عليه وسلم لهؤلاء في
زمن واحد، بل في أوقات متفرقة.
(1/254)
فصل ـ خدمه
وقد التزم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بخدمته، كما كان عبد الله بن
مسعود صاحب نعليه، إذا قام ألبسه إياهما، وإذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى
يقوم، وكان المغيرة بن شعبة سيافاً على رأسه.
وعقبة بن عامر صاحب بغلته، يقود به في الأسفار.
وأنس بن مالك، وربيعة بن كعب، وبلال، وذو مخبر، ويقال: ذو مخمر ـ ابن أخي
النجاشي ملك الحبشة، ويقال: ابن أخته ـ وغيرهم.
فصل ـ كتاب الوحي ـ
أما كتاب الوحي: فقد كتب له أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وأبي بن
كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن مسلمة، والأرقم بن أبي
الأرقم، وأبان بن سعيد بن العاص، وأخوه خالد، وثابت بن قيس، وحنظلة بن
الربيع الأسيدي الكاتب، وخالد بن الوليد
(1/255)
وعبد الله بن الأرقم، وعبد الله بن زيد بن
عبد ربه، والعلاء بن عتبة، والمغيرة بن شعبة، وشرحبيل بن حسنة، وقد أورد
ذلك الحافظ أبو القاسم في كتابه أتم إيراد، وأسند ما أمكنه عن كل واحد من
هؤلاء إلا شرحبيل بن حسنة، وذكر فيهم السجل، كما رواه أبو داود والنسائي عن
ابن عباس في قوله تعالى {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} قال: هو كاتب
كان للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أنكر هذا الحديث الإمام أبو جعفر بن جرير في تفسيره، وقال: لا يعرف في
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا في أصحابه أحد يسمى [سجلاً] .
قلت: وقد أنكره أيضاً غير واحد من الحفاظ، وقد أفردت له جزءاً، وبينت طرقه
وعلله، ومن تكلم فيه من الأئمة، ومن ذهب منهم إلى أنه حديث موضوع، والله
تعالى أعلم.
(1/256)
فصل ـ المؤذنون ـ
كان له صلى الله عليه وسلم مؤذنون أربعة: بلال بن رباح، وعمرو بن أم مكتوم
الأعمى ـ وقيل: اسمه عبد الله ـ وكانا في المدينة يتناوبان في الآذان.
وسعد القرظ بقباء، وأبو محذورة بمكة، رضي الله عنهم.
فصل ـ نوقه وخيوله ـ
وكان له صلى الله عليه وسلم من النوق: العضباء، والجدعاء، والقصواء، وروي
عن محمد ابن إبراهيم التيمي أنه قال: إنما كان له ناقة واحدة موصوفة بهذه
الصفات الثلاث، وهذا غريب جداً، حكاه النووي.
(1/257)
وكان له من الخيل السكب ـ وكان أغر محجلاً
طلق اليمين، وهو أول فرس غزا عليه ـ وسبحة، وهو الذي سابق عليه.
وهو الذي اشتراه من الأعرابي، وشهد فيه خزيمة بن ثابت.
وقال سهل بن سعد: كان له ثلاثة أفراس: لزاز والظرب، واللخيف، وقيل بالحاء
المهملة، وقيل النحيف، فهذه ستة، وسابعة وهي الورد، أهداها له تميم الداري.
وكانت له بغلة يقال لها الدلدل، أهداها له المقوقس، وحضر بها يوم حنين، وقد
عاشت بعده صلى الله عليه وسلم حتى كان يحسى لها الشعير لما سقطت أسنانها،
وكانت عند علي، ثم بعده عند عبد الله بن جعفر.
وكان له حمار يقال له: عفير، بالعين المهملة، وقيل بالمعجمة ـ قاله
(1/258)
عياض ـ قال النووي، واتفقوا على تغليطه في
ذلك.
قلت وأغرب من هذا كله رواية أبي القاسم السهيلي في روضه الحديث المشهور في
قصة عفير أنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال إنه من نسل سبعين حماراً
كل منها ركبه نبي، وأن اسمه يزيد بن شهاب، وأنه كان يبعثه النبي صلى الله
عليه وسلم في الحاجات إلى أصحابه.
فهذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيح ولا ضعيف إلا ما ذكره أبو محمد بن
أبي حاتم من طريق منكر مردود، ولا شك أهل العلم بهذا الشأن أنه موضوع، وقد
ذكر هذا أبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين، حتى ذكره القاضي عياض في
كتابه الشفاء استطراداً، وكان الأولى ترك ذكره لأنه موضوع.
سألت شيخنا أبا الحجاج عنه فقال: ليس له أصل وهو ضحكة.
وكان له صلى الله عليه وسلم في وقت عشرون لقحة، ومائة من الغنم.
(1/259)
فصل ـ سلاحه ـ
وكان له من آلات الحرب: ثلاثة أرماح، وثلاث أقواس، وستة أسياف، منها ذو
الفقار، تنفله يوم بدر، ودرع، وترس، وخاتم، وقدح غليظ من خشب، وراية سوداء
مربعة، ولواء أبيض، وقيل: أسود.
فصل ـ رسله إلى الملوك ـ
في ذكر رسله إلى ملوك الآفاق.
أرسل صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي بكتاب، فأسلم رضي
الله عنه ونور ضريحه.
ودحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل عظيم الروم، فقارب وكاد ولم يسلم، وقال
بعضهم: بل أسلم، وقد روى سنيد بن داود في تفسيره حديثاً مرسلاً فيه ما يدل
على إسلامه، وروى أبو عبيد في كتاب الأموال حديثاً مرسلاً
(1/260)
أيضاً فيه تصريح بعدم إسلامه.
وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك الفرس، فتكبر ومزق كتابه صلى
الله عليه وسلم، فمزقه الله وممالكه كل ممزق بدعوة رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليه بذلك.
وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية ومصر، فقارب ولم يذكر له
إسلام، وبعث الهدايا إليه صلى الله عليه وسلم والتحف.
وعمرو بن العاص إلى ملكي عمان فأسلما، وخليا بين عمرو والصدقة والحكم بين
الناس، رضي الله عنهما.
وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة.
وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من الشام.
والمهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث الحميري.
والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين فأسلم.
وأرسل أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل كليهما إلى أهل اليمن فأسلم عامة
ملوكهم وسوقتهم.
(1/261)
فصل ـ صفته الظاهرة
في صفته الظاهرة، وقد صنف العلماء في هذا الباب، فأحسن من جمع في ذلك
الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي رحمه الله تعالى، أعني كتاب
الشمائل، وتبعه العلماء والأئمة.
وقد استوعى ذلك بأسانيد، وشرحه مطولاً الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه
الله تعالى، وشيخنا الإمام الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيب الكلام.
وقد ذكر الشيخ أبو زكريا النووي في تهذيبه فصلاً مختصراً فيه قال: كان صلى
الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا القصير، ولا الأبيض الأمهق، ولا
الآدم، ولا الجعد القطط ولا السبط.
وتوفي وليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء، وكان حسن الجسم بعيد ما بين
المنكبين، له شعر إلى منكبيه، وفي وقت إلى شحمة أذنيه.
وفي وقت إلى نصف أذنيه، كث اللحية، شثن الكفين، أي غليظ الأصابع، ضخم الرأس
والكراديس، في وجهه تدوير، أدعج العينين طويل أهدابهما، أحمر المآقي ذا
مشربة، وهي الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة، كالقضيب، إذا مشى تقلع كأنما
ينحط من صبب أي يمشي بقوة، والصبب: الحدور.
يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، كان وجهه كالقمر، حسن الصوت، سهل
الخدين، ضليع
(1/262)
الفم، سواء الصدر والبطن، أشعر المنكبين
والذراعين وأعالي الصدر، طويل الزندين رحب الراحة، أشكل العينين، أي طويل
شقهما، منهوس العقبين، أي قليل لحم العقب، بين كتفيه خاتم النبوة، كزر
الحجلة وكبيضة الحمامة.
وكان إذا مشى كأنما تطوى له الأرض، ويجدون في لحاقه وهو غير مكترث.
وكان يسدل شعر رأسه، ثم فرقه، وكان يرجله، ويسرح لحيته ويكتحل بالإثمد كل
ليلة، في كل عين ثلاثة أطراف عند النوم.
وكان أحب الثياب إليه القميص والبياض والحبرة، وهي ضرب من البرود فيه حمرة،
وكان كم قميصه صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ، ولبس في وقت حلة حمراء
وإزاراً ورداء، وفي وقت ثوبين أخضرين، وفي وقت جبة ضيقة الكمين، وفي وقت
قباء، وفي وقت عمامة سوداء، وأرخى طرفها بين كتفيه، وفي وقت مرطاً أسود أي
كساء، ولبس الخاتم والخف والنعل.
انتهى ما ذكره.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من
(1/263)
كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين
فما قال لي أف قط.
ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟ رواه
مسلم.
وقال عبد الله بن سلام: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل
الناس إليه، فلما نظرت إليه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، صلى الله عليه
وسلم صلاة دائمة إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. |