الفصول
في السيرة كتاب النكاح
وفيه عامة أحكام التخصيصات النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام،
ولنذكرها مرتبةً على الأقسام التي ذكرها الأصحاب، ليكون ذلك أخصر لها،
وأسهل تناولاً.
(1/325)
القسم الأول ـ وهو
ما وجب عليه دون غيره
مسألة:
أمره الله تعالى بتخيير أزواجه فقال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن
كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن
كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا
عظيما} وقد أخرجا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ذكر هذا التخيير، وأن
الله أمره بذلك.
واختلف الأصحاب، هل كان ذلك واجباً عليه أو مستحباً؟ على وجهين صحح النووي
وغيره الوجوب.
واختلف الأصحاب: هل كان يجب جوابهن على الفور أو على التراخي؟ على وجهين،
قال ابن الصباغ ما معناه: ولا خلاف أنه خير عائشة على التراخي بقوله: «فلا
عليك أن تستأمري أبويك» .
قالوا: فلما اخترنه، فهل كان حرم عليه طلاقهن؟ على وجهين، وصححوا أنه لا
يحرم.
إلا أن الله تعالى حرم عليه النساء غيرهن مكافأة لصنيعهن، ثم أباحه له
لتكون له المنة في ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: ما مات رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى أبيح له النساء.
رواه الشافعي.
(1/326)
القسم الثاني ـ ما
حرم عليه من النكاح دون غيره
مسألة:
قالوا: كان يحرم عليه إمساك من اختارت فراقه على الصحيح، بخلاف غيره ممن
يخير امرأته، فإنها لو اختارت فراقه لما وجب عليه فراقها، والله تعالى
أعلم.
وقال بعضهم: بل كان يفارقها تكرماً.
مسألة:
هل كان يحل له نكاح الكتابية؟ على وجهين: صحح النووي الحرمة، وهو اختيار
ابن سريج والإصطخري وأبي حامد المروروذي، واستدل الشيخ أبو نصر بن الصباغ
لهذا الوجه فقال: لقوله صلى الله عليه وسلم: «زوجاتي في الدنيا زوجاتي في
(1/327)
الآخرة» ، ثم حكى الوجه الآخر وهو الإباحة
وكأنه مال إليه، ثم قال: والخبر لا حجة فيه، لجواز أن من تزوج به منهن
أسلمن.
قلت: وهذا الحديث ليس له أصل يعتمد عليه في رفعه، وإنما هو من كلام بعض
الصحابة، وقال أبو إسحاق المروزي: ليس بحرام.
وفي جواز تسريه بالأمة الكتابية، وتزوجه بالأمة المسلمة ثلاثة أوجه أصحها
أنه يباح له تسري الكتابية، ولا يباح له نكاح الأمة المسلمة، بل يحرم.
وأما الأمة الكتابية: فقطع الجمهور بتحريم نكاحها عليه، وطرد الحناطي فيها
وجهين، وهما ضعيفان جداً.
وفرعوا هنا فروعاً فاسدة تركها أولى من ذكرها.
وهذا النوع من الخصائص الذي زجر عنه ابن خيران والإمام وهما مصيبان في ذلك،
والله أعلم.
القسم الثالث ـ ما أبيح له من النكاح دون غيره
مسألة:
مات صلوات الله وسلامه عليه عن تسع نسوة، واتفقوا على إباحة تسع، واختلف
أصحابنا في جواز الزيادة، فالصحيح أنه كان له ذلك، ودليله ما في
(1/328)
البخاري عن بندار، عن معاذ بن هشام، عن
أبيه، عن قتادة، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على
نسائه في الساعة الواحدة من ليل او نهار، وهن إحدى عشرة.
قلت لأنس: هل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، وفي رواية
أربعين.
ثم رواه البخاري من حديث سعيد، عن قتادة، عن أنس: وعنده تسع.
[وقال أنس: تزوج صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة،
واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع] وقال قتادة أيضاً.
وذكره ابن الصباغ في شامله قال: وقال أبو عبيد: تزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثماني عشرة امرأة، واتخذ من الإماء ثلاثاً.
مسألة:
قالوا: وكان يصح عقده بلفظ الهبة، لقوله تعالى: {إن وهبت نفسها للنبي إن
أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} وإذا عقده بلفظ الهبة
فلا مهر بالعقد ولا بالدخول، بخلاف غيره.
وهل كان ينحصر طلاقه في الثلاث؟ فيه وجهان، أصحهما: نعم، لعموم الآية.
وقيل: لا، لأنه لما لم ينحصر نكاحه في الأربع، لم ينحصر طلاقه في الطلقات
الثلاث.
وهذا تعسف، لعدم التلازم.
(1/329)
مسألة:
وكان يباح له التزوج بغير ولي ولا شهود علىالصحيح، لحديث زينب بنت جحش أنها
كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن، وزوجني
الله من فوق سبع سموات.
رواه البخاري.
مسألة:
وهل كان يباح له التزوج في الإحرام؟ على وجهين:
أحدهما: لا، لعموم الحديث الذي في مسلم «عن عثمان، عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب» .
والمخاطب داخل في عموم متعلق خطابه عند الأكثرين.
وصححوا الجواز، لحديث ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو
محرم.
أخرجاه.
ولكن يعارضه ما رواه مسلم عن ميمونة نفسها: أنه تزوج بها وهما حلالان.
وصاحب القصة أعلم بها من الغير، والله أعلم.
مسألة:
وإذا رغب في نكاح امرأة وجب عليها إجابته على الصحيح عند الأصحاب، فيحرم
على غيره خطبتها.
(1/330)
مسألة:
هل كان يجب عليه أن يقسم لنسائه وإمائه؟ على وجهين: والذي يظهر من الأحاديث
الوجوب، لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض جعل يطوف عليهن وهو كذلك، حتى
استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يجب، لقوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي
إليك من تشاء} الآية.
فيكون من الخصائص.
وهذا كله تفريع على أن تزوجه: هل هو بمنزلة التسري في حقنا أو لا؟ على
وجهين.
مسألة:
وأعتق صفية وجعل عتقها صداقها، كما ثبت في الصحيحين عن أنس، فقيل: معنى ذلك
أنه أعتقها وشرط عليها أن تتزوج به، فوجب عليها الوفاء بالشرط، بخلاف غيره،
وقيل: جعل نفس العتق صداقاً، وصح ذلك بخلاف غيره، وهو اختيار الغزالي.
قلت: يشكل على هذا ما حكاه الترمذي عن الشافعي أنه جوز ذلك لآحاد الناس،
وهو وجه مشهور.
وقيل: أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر، لا في الحال ولا في المآل، وهو
(1/331)
المحكي عن أبي إسحاق، وقطع به الحافظ أبو
بكر البيهقي، وصححه ابن الصلاح والنووي.
قلت: ووجه الشيخ أبو عمرو قوله: وجعل عتقها صداقها.
يعني: أنه لم يمهرها، غبر أنه أعتقها، فيكون كقولهم: الجوع زاد من لا زاد
له.
وقيل: بل أمهرها جارية، كما رواه البيهقي بإسناد غريب لا يصح.
القسم الرابع ـ ما اختص به من الفضائل دون غيره
فمن ذلك أن أزواجه أمهات المؤمنين، قال الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} ومعنى هذه الأمومة: الاحترام، والطاعة، وتحريم
العقوق، ووجوب التعظيم، لا في تحريم بناتهن وجواز الخلوة بهن، ولا تنتشر
الحرمة إلى من عداهن.
وهل هن أمهات المؤمنات؟ على وجهين: صححوا المنع، وهو قول عائشة رضي الله
عنها، وهذا تفريع على أن جمع المذكر السالم هل يدخل فيه النساء؟ وهي مقررة
في الأصول.
(1/332)
وهل يقال في إخوتهن: أخوال المؤمنين؟ فيه
نزاع، والنص جوازه.
وهل يطلق على بناتهن أخوات المؤمنين؟ نص الشافعي في المختصر على جوازه،
وجوزه بعض الأصحاب، ومنع منه آخرون، وقد أنكر ابن الصباغ وغيره ذلك على
وقالوا: غلط.
فرع:
وهل يقال له صلى الله عليه وسلم: أبو المومنين؟ نقل البغوي عن بعض الأصحاب
الجواز.
قلت: وهو قول معاوية، وقد قرأ أبي وابن عباس رضي الله عنهم {النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} .
ونقل الواحدي عن بعض الأصحاب المنع، لقوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من
رجالكم} ، ولكن المراد أباهم في النسب، وإلا فقد «روى أبو داود: إنما أنا
لكم مثل الوالد..» الحديث في الاستطابة.
مسائل متفرقة
مسألة:
وأزواجه أفضل نساء الأمة لتضعيف أجرهن، بخلاف غيرهن، ثم أفضلهن
(1/333)
خديجة وعائشة.
قال أبو سعيد المتولي: واختلف أصحابنا أيتهما أفضل من سائر الصحابة، حتى من
أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قول لم يسبقه إليه أحد، وهو أضعف الأقوال.
مسألة:
ويحرم نكاح زوجاته اللاتي توفي عنهن إجماعاً، وذلك لأنهن أزواجه في الجنة،
وإذا لم تتزوج المرأة بعد الموت زوجها فهي له في الأخرة، كما روي أن أبا
الدرداء قالت له زوجته عند الاحتضار: يا أبا الدرداء، إنك خطبتني إلى أهلي
فزوجوك، وإني أخطبك اليوم إلى نفسك، قال: فلا تزوجي بعدي.
فخطبها بعد موته معاوية ـ وهو أمير ـ فأبت عليه.
وروى البيهقي من حديث عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن
حذيفة، أنه قال لامرأته: إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي
فإن المرأة في
(1/334)
الجنة لآخر أزواجها في الدنيا.
فلذلك حرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أن ينكحن
بعده، لأنهم أزواجه الجنة.
واختلفوا فيمن طلقها في حال حياته على ثلاثة أوجه: ثالثها أن من دخل بها
تحرم على غيره ونص الشافعي على التحريم مطلقاً، ونصره ابن أبي هريرة، لقوله
تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} وعلى هذا ففي أمة يفارقها بوفاة أو غيرها بعد
الدخول وجهان.
وقيل: لم يكن أزواجه حراماً على غيره إلا أن يموت عنهن، والدليل على ذلك
آية التخيير، فإنه لو لم تخير للغير، لما كان في تخييره لهن فائدة، والله
أعلم.
مسألة:
ومن قذف عائشة أم المؤمنين قتل إجماعاً، حكاه السهيلي وغيره، ولنص القرآن
على براءتها.
وفيمن عداها من الزوجات قولان.
مسألة:
وكذلك من سبه صلى الله عليه وسلم قتل، رجلاً كان أو امرأة، للأحاديث
المتضافرة في ذلك، التي يطول ذكرها ها هنا، فمن ذلك حديث ابن عباس في
الأعمى الذي
(1/335)
قتل أم ولده لما وقعت في النبي صلى الله
عليه وسلم، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال «ألا اشهدوا أن دمها
هدر» .
وقال شعبة عن توبة العنبري، عن أبي السوار، عن أبي برزة: أن رجلاً سب أبا
بكر، فقلت: ألا ضربت عنقه؟ فقال: ما كانت لأحد بعد النبي صلى الله عليه
وسلم.
رواه النسائي والبيهقي.
وروى ابن عدي، من حديث يحيى بن إسماعيل الواسطي، حدثنا ابراهيم بن سعد، عن
الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا يقتل أحدكم بسب
أحد إلا بسب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد صنف في ذلك الشيخ الإمام أبو العباس بن تيمية كتابه الصارم المسلول،
على من سب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من أحسن الكتب المؤلفة في ذلك.
والله أعلم.
(1/336)
مسألة:
وكان من خصائصه أنه إذا سب رجلاً ليس بذلك حقيقاً، يجعل سب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كفارة عنه، ودليله ما أخرجاه في الصحيحين «عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني اتخذت عندك
عهداً لن تخلفه، إنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته، أو شتمته أو جلدته، أو
لعنته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة» ولهذا لما
ذكر مسلم في صحيحه في فضل معاوية، أورد أولاً هذا الحديث، ثم أتبعه بحديث
«لاأشبع الله بطناً..» فيحصل منهما مزية لمعاوية رضي الله عنه.
وهذا من جملة إمامة مسلم رحمه الله تعالى.
ومن الجهاد
مسألة:
وكان إذا لبس لأمة الحرب لم يجز له أن يقلعها حتى يقضي الله أمره، لحديث
يوم أحد لما أشار عليه جماعة من المؤمنين بالخروج إلى عدوه إلى أحد فدخل
فلبس لأمته، فلما خرج عليهم قالوا: يا رسول الله، إن رأيت أن ترجع؟ فقال:
«إنه لا ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب أن يرجع حتى
(1/337)
يقاتل» ، الحديث بطوله ذكره أصحاب المغازي،
فقال عامة أصحابنا: إن ذلك كان وا جباً عليه، وإنه يحرم عليه أن ينزعها حتى
يقاتل.
وفرعوا عليه أنه لو شرع في تطوع لزمه إتمامه على أحد الوجهين، وهو ضعيف،
لما قدمنا في الصوم.
والله أعلم.
وقد ضعف هذا التفريع أبو زكريا أيضاً.
مسألة:
وذكروا في خصائصه صلى الله عليه وسلم وجوب المشاورة، يعني أنه يشاور أصحابه
في أمور الحرب، قال الله تعالى: {وشاورهم في الأمر} .
قال الشافعي: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: قال أبو هريرة رضي
الله عنه: ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الحسن: لقد كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم غنياً عن المشاورة، ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده.
قلت: فعلى هذا لا يبقى من الخصائص.
مسألة:
قالوا: وكان يجب عليه مصابرة العدو وإن زا دوا على الضعف، وكأن ذلك
(1/338)
مأخوذ من حديث الحديبية، والله أعلم، «حيث
يقول عليه الصلاة والسلام لعروة في جملة كلامه: فإن أبوا فو الله لأقاتلهم
ـ يعني قريشاً ـ على هذا الأمر حتى تنفرد سفالتي» والحديث مخرج في صحيح
البخاري.
مسألة:
وقد قدمنا قوله صلى الله عليه وسلم: «إنه لم يكن لنبي خائنة الأعين» .
قالوا: وكان مع هذا يجوز له الخديعة في الحروب، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«الحرب خدعة» .
وكما فعل يوم الأحزاب من أمره نعيماً أن يوقع بين قريش وقريظة، ففعل حتى
فرق الله شملهم على يديه، وألقى بينهم العداوة وفل الله جموعهم بذلك
وبغيره، وله الحمد والمنة.
مسألة:
وقد كان له صلى الله عليه وسلم الصفي من المغنم، وهو أن يختار فيأخذ ما
يشاء: عبداً، أو أمةً، أو سلاحاً، أو نحو ذلك قبل القسمة، وقد دل على ذلك
أحاديث في السنن وغيرها.
(1/339)
وكذلك كان له خمس الغنيمة، وأربعة أخماس
الفيء، كما هو مذهبنا، لا خلاف في ذلك.
ومن الأحكام
مسألة:
قالوا: له أن يحكم بعلمه لعدم التهمة، وشاهده حديث هند بنت عتبة، حين اشتكت
من شح زوجها أبي سفيان، فقال: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك»
.
وهو في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها.
وفي حكم غيره بعلمه خلاف مشهور حاصله ثلاثة أقوال، ثالثها: يحكم في غيره
حدود الله.
قالوا: وعلى هذا فيحكم لنفسه وولده، ويشهد لنفسه وولده، وتقبل شهادة من
يشهد له، لحديث خزيمة بن ثابت، وهو حديث حسن مبسوط في
(1/340)
غير هذا الموضع، والله تعالى أعلم.
مسألة:
قالوا: ومن استهان بحضرته أو زنى، كفر.
وقال الشيخ أبو زكريا النووي: وفي الزنى نظر.
والله أعلم.
مسألة:
يجوز التسمي باسمه بلا خلاف، وفي جواز التكني بكنية أبي القاسم ثلاثة أقوال
للعلماء:
أحدها: المنع مطلقاً، وهو مذهب الشافعي، حكاه عنه البيهقي، والبغوي، وأبو
القاسم بن عساكر الدمشقي: لحديث ورد فيه «عن جابر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» أخرجاه، ولهما عن أبي هريرة
مثله.
والثاني: وهو مذهب مالك، واختيار النووي ـ رحمهما الله تعالى ـ إباحته
مطلقاً، لأن ذلك كان لمعنى في حال حياته زال بموته صلى الله عليه وسلم.
(1/341)
الثالث: يجوز لمن ليس اسمه محمداً، ولا
يجوز لمن اسمه محمد، لئلا يكون قد جمع بين اسمه وكنيته، وهذا اختيار أبي
القاسم عبد الكريم الرافعي.
مسألة:
وذكروا في الخصائص: أن أولاد بناته ينتسبون إليه، استناداً إلى ما رواه
البخاري «عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: رأيت الحسن بن علي رضي الله عنهما
عند النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو ينظر إليه مرة وإلى الناس
أخرى، فيقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من
المسلمين» .
مسألة:
ومن الخصائص أن كل نسب وسبب ينقطع نفعه وبره يوم القيامة إلا نسبه وسببه
وصهره صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب
بينهم يومئذ ولا يتساءلون} .
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عبد الله بن جعفر،
حدثتنا أم بكر بنت المسور بن محرمة، «عن عبد الله بن أبي رافع، عن المسور،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فاطمة بضعة مني يغيظن ويبسطن ما
يبسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري» .
هذا الحديث في الصحيحين عن المسور
(1/342)
بغير هذا اللفظ، وبدون هذه الزيادة.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وقد روى جماعة هذا الحديث بهذه الزيادة عن عبد
الله بن جعفر هذا، وهو الزهري، عن أم بكر بنت المسور بن مخزمة، عن أبيها،
ولم يذكر ابن أبي رافع، فالله أعلم.
«وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما خطب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب
رضي الله عنه، فقال له علي: إنها صغيرة، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» ، فأحببت
أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب، فزوجه علي رضي الله
عنهما.
رواه البيهقي من حديث سفيان بن وكيع، وفيه ضعف.
وعن روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن ابن أبي ملكية، عن حسن بن حسن، عن أبيه،
أن عمر ...
فذكره.
قال أصحابنا: قيل: معناه أن أمته ينتسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر
الأنبياء لا تنتسب إليهم.
وقيل: ينتفع يومئذ بالانتساب إليه، ولا ينتفع بسائر الأنساب.
وهذا أرجح من الذي قبله، بل ذلك ضعيف، قال الله تعالى: {ويوم نبعث في كل
أمة شهيدا عليهم من أنفسهم} .
وقال تعالى: {ولكل
(1/343)
أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط
وهم لا يظلمون} ، في آي كثيرة دالة على أن كل أمة تدعى برسولها الذي أرسل
إليها.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قد تمت هذه النسخة المباركة في يوم الأربعاء من شهر جمادى الآخرة من سنة
إحدى ومائة وألف على يد أضعف العباد وأحوجهم: حسن بن الحاج رمضان الخطيب
الأيوبي غفر الله له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه.
(1/344)
|