ألفية
السيرة النبوية - نظم الدرر السنية الزكية أسماؤه الشّريفة صلّى الله عليه وسلّم
محمدٌ، معَ المُقفّي، أحمَدا ... الحاشرُ، العَاقِبُ، والمَاحي الرّدى
وهْوَ المسمَّى بنبيّ الرَّحمةِ ... في «مُسلمٍ» ، وبنبيّ التوبةِ «1»
وفيهِ أيْضًا: بنبيّ المَلْحَمَهْ «2» ... وفي رِوايةٍ: نبيّ المرحمه «3»
طه، وياسين، مَعَ الرَّسولِ ... كذاكَ عبدُ الله في التَّنْزيلِ
والمُتَوَكّلُ، النبيُّ الأمّي ... والرَّؤُفُ، الرَّحيمُ أيُّ رُحْمِ
وشاهِدًا، مُبَشّرًا، نَذيرَا ... كذا سِرَاجًا، صِلْ بِهِ منيرا
كذا به المزّمّل، المدّثّر ... وداعيا لله، والمذكّر
ورَحْمَةً، ونِعْمَةً، وهادي ... وغَيْرَها تَجِلُّ عن تَعدادِ
وقدْ وعَى ابنُ العربيّ «4» سَبعهْ ... مِنْ بعدِ ستّين، وقيل: تسعه
__________
(1) أخرجه مسلم (2355/ 126) .
(2) في النسخة المطبوعة من «صحيح مسلم» : (نبي الرحمة) ، ولم نجد «نبي
الملحمة» فيه، وقد ذكرها المزي في «تحفة الأشراف» (6/ 472) وعزاها لمسلم،
وهذه الرواية أخرجها الحاكم (2/ 604) ، وابن حبان (6314) ، وأحمد (4/ 395)
، وغيرهم.
(3) ذكرها النووي في «شرح مسلم» (14/ 106) ، والمناوي في «فيض القدير» (3/
45) حيث قال: (بميم أوله بخط المصنف) .
(4) هو الإمام القاضي أبو بكر محمد بن العربي المالكي، ذكر ذلك في «عارضة
الأحوذي» .
(1/30)
مِنْ بعدِ تسعينَ ولابنِ دِحْيةِ «1» ...
الفَحْصَ يُوفِيها ثلاث مئة
وكونها ألفا ففي «العارضة» «2» ... ذكره عن بعض ذي الصّوفيّة «3»
__________
(1) هو العلامة المحدث أبو الخطاب عمر بن حسن بن محمد الكلبي الداني
المتوفى سنة (632 هـ) .
(2) وهو كتاب «عارضة الأحوذي» .
(3) كل هذه الكثرة في الأسماء ليست بغريبة إذا كان التوسع فيها على سبيل
الصفة.
(1/31)
ذكر نسبه الزّكيّ الطّيّب الطّاهر صلّى
الله عليه وسلّم
وهْو ابنُ عبدِ الله، عبدُ المطلبْ ... أبوهُ، وهْوَ: شَيبَةَ الحَمْدِ
نُسِبْ «1»
أبُوهُ عمرٌو هاشِمٌ، والجدُّ ... عبدُ مَنافِ بنُ قُصَيّ زَيْدُ «2»
ابنُ كِلابٍ «3» ؛ أي: حكيمٍ يا أُخَيْ ... وهْوَ ابنُ مُرَّةَ بنِ كعْبِ
بنِ لُؤَيْ
وهْوَ ابنُ غالبٍ؛ أي: ابنِ فِهْرِ «4» ... وهْوَ ابنُ مالكٍ؛ أي: ابنِ
النضْرِ
وأبُهُ «5» كِنانةٌ ما أبْرَكَهْ ... والده خزيمة بن مدركه
__________
(1) في (ب) وهامش (أ) : (نسخة:
وهو ابن عبد الله والأب انتسب ... لشيبة الحمد اسم عبد المطّلب)
وبعض أجداده الكرام يعرف باسمين، ولعل أحدهما اسم، والثاني لقب؛ كعبد
المطلب؛ فإنه يقال له: شيبة الحمد.
(2) عمرو: هو الجد الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم، وهاشم لقب له، ولقّب
بذلك لأنه كان يهشم الثريد للضيف. وعبد مناف: والد هاشم، اسمه المغيرة،
وعبد مناف لقب له. وقصي: والد عبد مناف، اسمه زيد. وانظر في ذلك «سبل الهدى
والرشاد» للعلامة الصالحي، و «الصرح الممرد» للعلامة عمر بن علوي الكاف
رحمه الله؛ فإنهما من أجمع ما كتب في أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) كلاب: لقب لحكيم، وهو والد قصي، ولقب بذلك لمحبته الاصطياد بالكلاب،
وقيل: لمكالبته الأعداء في الحرب.
(4) الفهر: حجر طويل ناعم صلب، يسحق به الصيدليّ الأدوية، ولقّب بذلك لشبهه
به من حيث الطول والصلابة، واسمه قريش، وهو الجد الجامع لهم على الأصح،
انظر «الصرح الممرد» (ص 108) .
(5) أبه: أبوه على لغة النقص، كقول رؤبة بن العجاج:
بأبه اقتدى عديّ في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم
(1/32)
وهْوَ ابنُ إلْياسَ؛ أيِ: ابْنِ مُضَرا ...
إبنِ نزارِ بْنِ مَعَدٍّ لا مِرا «1»
وهو ابن عدنانَ، وأهلُ النسبِ ... قدْ أجْمعوا إلى هُنا في الكتُبِ
وبعدَهُ خُلْفٌ كثيرٌ جَمُّ ... أصحُّهُ حواه هذا النّظم
عدنان في القول الأصحّ ابنُ أُدَدْ ... وبعضُهُمْ يزيدُ أُدًّا في العَدَدْ
بَينَهُما، وأُدَدٌ والدُهُ ... مُقَوَّمٌ، ناحورُ بعدُ جَدُّهُ
وهْوَ ابنُ تَيْرَحٍ؛ أيِ: ابنِ يَعْرُبا ... وأنَّ يعربا هوَ ابنُ
يَشجُبَا
وهْو ابنُ نابِتٍ، وإسماعيلُ ... أب له، وجدّه الخليل
إبراهيم بن تارح؛ أي: آزر ... وهو ابن ناحور، وهذا آخر «2»
وهو ابن شاروح بنِ أرْغو، فالَخْ ... أبٌ له، ابنُ عَيْبرَ بنِ شالَخْ «3»
وهْو ابنُ أرْفَخْشَذْ، أبوهُ سامُ ... أبوه نوح صائم قوّام
__________
(1) لامرا: لا شك، فإن نسبه الشريف إلى عدنان مجمع عليه بين أهل النسب،
وأخرج ابن سعد في «الطبقات» (1/ 56) بسنده: (أن النبي ص كان إذا انتسب.. لم
يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد، ثم يمسك ويقول: «كذب النسابون، قال
الله عز وجل: وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) .
(2) قوله: (تارح؛ أي: آزر) أي: أن تارح هو نفسه آزر، وهو قول ابن إسحاق كما
نقل ابن هشام (1/ 2) . وقوله: (وهذا آخر) أي: غير ناحور المتقدم.
(3) في هامش (ب) : (شالخ: قيده بعض مشايخي فقال: كهاجر وغالب؛ لما رأيت في
النسخة التي قرئت على مؤلف هذه: فالخ مكسور اللام، بالقلم، وإذا كان كذلك..
فشالخ مكسور اللام أيضا عنده، والله أعلم. وقد رأيت عن ابن بري في حواشي
«المقرب» في الكلام على «لام» فالخ، قال: وهو على وزن أفعل أو فاعل مثل
شالخ، فهذا صريح في أن لامه مفتوحة، والله أعلم) .
(1/33)
وهو ابن لامك بن متّوشلخا ... إبن خنوخ،
وهْو فيما وُرِّخا «1»
إدريسُ- فيما زعموا- يَرْدٌ أبُهْ ... وهو ابنُ مَهْليلَ بنِ قَيْنن
يَعْقِبُهْ
يانش شيث أبه ابن آدما ... صلَّى عليه ربُّنا وسلَّما
أمَّا قريشٌ.. فالأصحُّ فهر «2» ... جماعها، والأكثرون: النّضر «3»
وأمّه آمنة، والدُها ... وَهْبٌ، يَلي عبدُ منافٍ جَدُّها
وهْوَ ابنُ زُهْرةَ يلي كِلابُ ... وفيهِ مَعْ أبيهِ الانتساب
__________
(1) ورّخا: تسهيل من أرّخا، من التأريخ.
(2) في هامش (ب) : (بني عليه قولان: الأول: وهو أن قريشا هو إلياس.
والثاني: أنه مضر تتمة أربعة فيه، والله أعلم. وحكي في المسألة قول شاذ،
رواه بعض مشايخي في «شرح المنهاج» أو «الغنية» أو هما، وقد ذكرته في تعليقي
عليه) .
(3) في (ب) : (جماعها، وقيل: ذاك النضر) . وكون قريش جماعها- أي: الجامع
لها- هو الأصح كما قال البيهقي وعزاه للجلّة، كذا نقل المناوي في «العجالة
السنية» (ص 39) ، وقصد بالأكثرين الإمام الشافعي وأكثر الفقهاء- كما نقل
ذلك صاحب «الصرح الممرد» (ص 108) والله أعلم.
(1/34)
ذكر مولده وإرضاعه صلّى الله عليه وسلّم
وَوُلِدَ النبيُّ عامَ الفيلِ ... أيْ في ربيعِ الأولِ الفَضيلِ
ليومِ الاثنينِ مُباركًا أتى ... لليلتينِ مِنْ ربيعٍ خَلتا
وقيلَ: بل ذاكَ لثنتيْ عَشْرَهْ ... وقيلَ: بعدَ الفيلِ ذا بفترهْ
بأربعينَ أو ثلاثينَ سنهْ ... ورُدَّ ذا الخُلْفُ وبعضٌ وهَّنَهْ «1»
وقَدْ رَأتْ إذ وَضَعَتْهُ نورا ... خرَجَ منها، رأت القُصورا
قصورَ بُصْرَى قَدْ أضاءتْ، ووُضِعْ ... بَصرُهُ إلى السماءِ مُرْتَفِعْ
ماتَ أبوهُ ولهُ عامانِ ... وثلُثٌ، وقيلَ بالنقصَانِ
عنْ قَدرِ ذا؛ بلْ صحَّ كانَ حَمْلا «2» ... وأرْضعَتْهُ حينَ كان طِفلا
معْ عمّهِ حمزةَ ليثِ القَومِ ... ومَعْ أبي سلمة المخزومي «3»
__________
(1) قال المناوي في «العجالة السنية» (ص 41) : (ردّ ابن الجزار على هذا
الخلاف وحكى الإجماع على أنه ولد عام الفيل) . وكونه في عام الفيل.. قال
الحافظ ابن كثير: (هو المشهور عند الجمهور) ، وقال إبراهيم بن المنذر شيخ
البخاري رحمهما الله: (لا يشك فيه أحد من العلماء، ونقل غير واحد فيه
الإجماع) . انظر «السيرة الحلبية» (1/ 59) . وانظر الأقوال في «طبقات ابن
سعد» (1/ 100) ، و «المنتظم» (1/ 245) ، و «سبل الهدى والرشاد» (1/ 401) .
(2) أخرج ذلك الحاكم (2/ 600) وصححه، ووافقه الذهبي.
(3) وهو عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، من السابقين الأولين إلى الإسلام،
كان من المهاجرين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، شهد بدرا وأحدا ومات سنة أربع
للهجرة من جرح أصابه يوم
(1/35)
ثويبة، وهي إلى أبي لهَبْ «1» ... أعتَقها،
وإنهُ حينَ انقَلبْ
هُلْكًا، رُئي نومًا بشرِّ حِيبهْ ... لكنْ سُقِي بعتقِهِ ثُويبهْ «2»
وبعدَها حَليمةُ السَّعدِيهْ ... فَظفِرتْ بالدُّرةِ السَّنِيَّهْ
نَالتْ بهِ خيرًا وأيَّ خَيرِ ... مِنْ سَعةٍ ورَغَدٍ وَمَيْرِ «3»
أقامَ في سَعدِ بنِ بكرٍ عندَها ... أربعةَ الأعوامِ تَجْني سَعْدَها
وحينَ شَقَّ صدرَهُ جبريلُ ... خَافتْ عليهِ حَدَثًا يَؤولُ «4»
ردَّتْهُ سَالمًا إلى آمنة ... وخرجت به إلى المدينة
__________
أحد. والمعروف أن ثويبة أرضعت حمزة، ثم أبا سفيان ابن عمه الحارث ثم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ثم أبا سلمة، ولا يلزم أن يكون الرضاع في وقت
واحد، بل كان في أزمنة مختلفة، لذلك قيل: كان حمزة أسنّ من رسول الله ص
بأربع سنين، وفي المسألة خلاف لا يهمّ. وانظر «السيرة الحلبية» (1/ 85) .
(1) قوله: (وهي إلى أبي لهب) أي: منسوبة؛ إذ كانت رقيقة لأبي لهب وأعتقها.
وخبر عتق ثويبة أخرجه البخاري مرسلا، وقد تكلمنا عنه بتوسّع في رسالتنا
الموجزة عن المولد النبوي الشريف: «حول الاحتفال» .
(2) في هامش (ب) : (الذي رآه هو العباس أخوه، رآه في النوم) . وحيبة- بكسر
المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة-: حالة، قال الحافظ ابن حجر في «فتح
الباري» (9/ 145) : (5101) وانظر تعليق الحافظ ابن حجر على هذه المسألة
ففيها فوائد مهمة، والله أعلم.
(3) الميرة: الطعام الذي يدخره الإنسان.
(4) هذا هو الشق الأول لصدره الشريق، والثابت: أن الشق كان أربع مرات:
فالأولى: كان في بني سعد، وهو هذا، وأما المرّة الثانية: فقد شق صدره
الشريف ص وهو ابن عشر سنين، وأما المرّة الثالثة: فقد شق صدره الشريف عند
مجيء جبريل عليه السلام بالوحي حين نبّىء، وأما المرّة الرابعة: فهي ليلة
الإسراء كما ورد في «الصحيحين» . وانظر «تاريخ الحوادث» (12- 13) .
(1/36)
تزور أخوالا له، فمرضت ... راجعة، وقبضت،
فدفنت «1»
هناك بالأبواءِ «2» ، وهْوَ عمُرُهْ ... ستُّ سنينَ معَ شيء يقدره
ضابطه بمئة أيّاما ... وقيلَ: بلْ أربعَةٌ «3» أعوَاما
وحينَ ماتَتْ حملتْهُ برَكَهْ «4» ... لجدِهِ بمكةَ المُبَارَكهْ
كَفَلَهُ إلى تمام عمره ... ثمانيا، ثمّ مضى لقبره
__________
(1) في (ب) : (فقبضت ودفنت) .
(2) الأبواء- بالفتح وسكون الموحّدة تحت، وفتح الواو، وبعد ألف ممدودة-:
وهي تقع شرق مستورة على يمين الذاهب إلى المدينة المنورة من الخط القديم،
وهي محافظة تابعة للمدينة المنورة من أعمال الفرع، تسمى اليوم بالخريبة،
بينها وبين رابغ (43) كيلومترا، وبينها وبين مكة المكرمة (200) كيلومترا
تقريبا، فيها قبر السيدة آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) قال الأجهوري في «حاشيته على الألفية» : (قوله: «بل أربعة» عطف على «ست
سنين» فهو مرفوع، لا على «بمئة» ) .
(4) بركة: هي بركة بنت ثعلبة، وهي المعروفة بأم أيمن، مولاة النبي صلى الله
عليه وسلم وحاضنته، وكانت لأم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أم أيمن أمي بعد أمي» ، أعتقها رسول الله ص
حين تزوج خديجة رضي الله عنها، وتزوج عبيد بن زيد من بني الحارث بن الخزرج
أم أيمن، فولدت له أيمن. انظر «الإصابة» (4/ 432) .
(1/37)
ذكر كفالة أبي طالب له صلّى الله عليه
وسلّم
أوْصَى بهِ جَدُّهُ عبدُ المُطلِبْ ... إلى أبي طالبٍ الحَامي الحَدِبْ «1»
يَكفُلُهُ بعدُ، فكانَتْ نَشْأتُهْ ... طاهرةً مَأمونةً غائِلتُهْ
فكانَ يُدعى بالأمينِ، ورَحَلْ ... معْ عَمهِ للشَّامِ حتى إذْ وصَلْ
بُصرى.. رأى منه بَحِيرا، الراهبُ ... ما دلَّ أنه النبيُّ العاقِبُ
محمدٌ نبيُّ هذي الأمَّهْ ... فرَدَّهُ؛ تَخَوفًا مِنْ ثَمَّهْ
مِنْ أنْ يَرَى بعضُ اليهودِ أمرَهْ ... وعمْرهُ إذ ذاك ثِنتا عشْرهْ
ثمَّ مضَى للشَّامِ مَعْ مَيْسرةِ ... في مَتجرٍ، والمَالُ منْ خَديجةِ
مِنْ قَبلِ تزويجٍ بها، فبلغا ... بصرى فباع وتقاضى ما بغى «2»
وقدْ رأى ميسرةُ العَجَائبَا ... منهُ وما خُصَّ بهِ مواهِبا «3»
وحدَّثَ السيدةَ الجَليلَهْ ... خديجةَ الكُبرى «4» فأحصَتْ قِيلَهْ
ورغِبَتْ، فخطبَتْ محمَّدا ... فيَا لها من خطبة ما أسعدا
__________
(1) الحدب: العطوف.
(2) تقاضى: طالب بثمن ما باعه. وما بغى: اشترى الذي طلب، أو: اشترى ولم
يتعد ويظلم في بيعه وشرائه على أصل العصمة له صلّى الله عليه وسلّم.
(3) لم تثبت رواية صريحة بأن ميسرة بقي إلى البعثة.
(4) في (ب) : (خديجة الفضلى) ، وفي هامشها: (نسخة: الكبرى) .
(1/38)
وكان إذا زُوّجَها «1» ابنَ خمسِ ... منْ
بعدِ عشرينَ بغيرِ لبس «2»
__________
(1) زوّجها: بالبناء للمفعول.
(2) في هامش (أ) : (بلغ الشيخ شهاب الدين أحمد بن عثمان بن الكلوتاتي نفع
الله به قراءة عليّ والجماعة سماعا. كتبه مؤلفه) . وفي هامش (ب) : (في سنه
عليه الصلاة والسلام لما تزوج خديجة أقوال، هذا أحدها، وهو الذي ذكره غير
واحد من أهل العلم، و [الثاني] : قال ابن عبد البر: خرج عليه الصلاة
والسلام إلى الشام في تجارة لخديجة سنة خمس وعشرين، وتزوج خديجة بعد ذلك
بشهرين وخمسة وعشرين يوما في عقب صفر سنة ست وعشرين، و [الثالث] : قال
الزهري: كانت سنه عليه الصلاة والسلام يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة، و
[الرابع] : قال أبو عمر ابن عبد البر: وقال أبو بكر بن عثمان وغيره: كان
يومئذ ابن ثلاثين سنة. و [الخامس] : قال بعضهم: وقال ابن جريج: وله سبع
وثلاثون سنة، و [السادس] : قال البرقي: تسع وعشرون) اه
(1/39)
قصّة بناء الكعبة
وإذْ بَنَتْ قريشٌ البيتَ، اختلَفْ ... ملاؤهُمْ «1» تنازعًا، حتى وقَفْ
أمرُهمُ فيمنْ يكونُ يَضَعُ ... ألحجرَ الأسودَ حيثُ يُوضعُ
إذْ جاءَ قالوا كلُّهُمْ: رَضِينا ... لوضعِهِ محمدَ الأمينَا
فحُطَّ في ثوبٍ وقال: يَرْفعُ ... كلُّ قبيلٍ طرَفًا، فرفَعُوا
ثُمَّتَ أودَعَ الأمينُ الحَجَرا ... مكانَهُ، وقد رضُوا بما جرى
__________
(1) ملاؤهم: أغنياؤهم أو رؤساؤهم.
(1/40)
بدء الوحي
حتى إذا مَا بَلَغَ الرسولُ ... الأربعينَ.. جَاءهُ جبريلُ «1»
وهْوَ بغارٍ بحِرَاءٍ مُختَلي ... فجاءهُ بالوحيِ منْ عندِ العَلي
في يومِ الاثنينِ، وكانَ قدْ خَلَتْ ... منْ شَهرِ مولدٍ ثمانٌ انْ ثَبَتْ
«2»
وقيلَ: في سابعِ عشري «3» رَجبِ ... وقيلَ: بلْ في رمضانَ الطيّبِ «4»
قالَ لهُ: اقرأ وهْوَ في المِرارِ ... يُجيبُ نُطقًا: ما أنا بِقاري
فَغَطَّهُ ثلاثةً حتى بَلَغْ ... الجَهْدَ، فاشتدَّ لذاكَ وانصبَغْ «5»
أقرأَهُ جبريلُ أولَ العلق ... قرأه كما له به نطق
__________
(1) في هامش (ب) : (في سنه ص لما بعث أقوال: أربعون سنة، وهو الصحيح عند
أهل السير والعلم بالأثر، وقيل: أربعون ويوم، وذكر بعضهم قيل: وعشرة أيام،
وقال السهيلي: وقد روي أنه نبّىء لأربعين وشهرين من مولده، وفي المسألة قول
خامس حكاه القاضي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة: أنه بعث
على رأس ثلاث وأربعين سنة، وصوب النووي: أنه على رأس الأربعين، والله أعلم)
.
(2) قال المناوي في «العجالة السنية» (ص 53) : (قال ابن عبد البر: وكان قد
خلت من شهر ربيع الأول- وهو شهر مولده- ثمانية أيام سنة إحدى وأربعين منذ
الفيل، واعترضه الناظم بأنه إنما يتم إن ثبت بتوقيف صحيح، وأنى به؟) وانظر
هذه الأقوال وغيرها في «فتح الباري» أول (كتاب التعبير) (12/ 356) .
(3) أي: عشرين، حذفت النون لإضافتها إلى رجب؛ تشبيها بنون الجمع.
(4) قوله: (في رمضان الطيب) قال الحافظ في «فتح الباري» (12/ 356) : (وهو
الراجح؛ لما تقدم من أنه الشهر الذي جاء فيه في حراء، فجاءه الملك، وعلى
هذا: يكون سنّه حينئذ أربعين سنة وستة أشهر) .
(5) فاشتدّ: قوي جسمه على الحركة. وانصبغ: قوي على مخالطة الروحانيات.
(1/41)
وكونُ ذا الأولَ فهْوَ الأشهَرُ ... وقيلَ:
بل يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
وقيلَ: بلْ فاتحةَ الكتابِ ... والأولُ الأقربُ للصَوابِ «1»
جَاءَ إلى خديجةَ الأمينَهْ ... يشكو لها ما قد رآه حينه
فثبّتته إنّها موفّقه ... أوّل ما قد آمنت مُصَدِّقَهْ
ثمَّ أَتَتْ بهِ تَؤمُّ وَرَقَهْ ... قَصَّ عليه ما رأى فصدّقه
فهو الّذي آمن بعدُ ثانيا ... وكانَ بَرًّا صَادقًا مُواتِيا «2»
والصادِقُ المصدوقُ قالَ: إنهْ ... رأى له تَخَضْخُضًا «3» في الجنّه
__________
(1) انظر «فتح الباري» (1/ 28) فقد رجح هذا القول وأتى بالأدلة، والنووي في
«شرح مسلم» (2/ 207) وصرح ببطلان القول الثاني.
(2) مواتيا: مترفّقا متلطّفا.
(3) تخضخضا: حركة واضطرابا، وقد اختلف في إسلام ورقة، والذي جزم به ابن
كثير وابن الشحنة- ونسبه إلى جهابذة أئمة الأثر- والحافظ العراقي ومال إليه
الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (3/ 597) إنما هو إسلامه، والله أعلم. وقد
أخرج أبو يعلى في «مسنده» (2047) من طريق إسماعيل عن مجالد عن الشعبي عن
جابر بن عبد الله قال: سئل النبي ص عن ورقة بن نوفل، قال: «أبصرته في بطنان
الجنة عليه سندس» ، وقال ابن عدي في «الكامل» (1/ 319) : (تفرد به إسماعيل
عن أبيه) ، لكن تعقبه الحافظ في «الإصابة» (3/ 598) وقال: (قد أخرجه ابن
السكن من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن مجالد، لكن لفظه: «رأيت ورقة على نهر
من أنهر الجنة؛ لأنه كان يقول: ديني دين زيد، وإلهي إله زيد» ) ، وقال
الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 419) : (رواه أبو يعلى وفيه مجالد، وهذا مما
مدح من حديث مجالد، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال: عن عائشة قالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا ورقة؛ فإني رأيت له جنة أو جنتين»
رواه البزار متصلا ومرسلا، وزاد في المرسل: «كان بين أخي ورقة وبين رجل
كلام، فوقع الرجل في ورقة ليغضبه ... » والباقي بنحوه، ورجال المسند
والمرسل رجال الصحيح، وعن أسماء بنت أبي بكر: أن النبي ص سئل عن ورقة بن
نوفل فقال: «يبعث يوم القيامة أمة وحده» رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)
.
(1/42)
قدر إقامته بمكّة بعد البعثة
أقَامَ في مَكَّةَ بعدَ البِعثَةِ ... ثلاثَ عَشْرةَ بغيرِ مِرْيةِ
وقيلَ: عَشْرًا، أو فخمسَ عشْرَهْ ... قولانِ وهَّنُوهُما بمَرَّهْ «1»
فكانَ في صَلاتهِ يَستقبِلُ ... بمكةَ القُدسَ، ولكنْ يَجعَلُ
البيتَ منْ بينِ يديهِ أيضا ... فيما أتى تَطوّعًا أو فَرْضا «2»
__________
قال الحافظ: (أخرج الزبير بن بكار عن عروة بن الزبير قال: كان بلال لجارية
من بني جمح، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك،
فيقول: أحد أحد، فيمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول: أحد أحد يا بلال،
والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا، وهذا مرسل جيد، يدل على أن ورقة عاش إلى
أن دعا النبي ص إلى الإسلام حتى أسلم بلال، والجمع بين هذا وبين حديث
عائشة- أي: عند البخاري- أن يحمل قوله: «ولم ينشب ورقة أن توفي» أي: قبل أن
يشتهر الإسلام ويؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد) .
(1) قوله: (وهنوهما بمرة) ليس بمسلّم، فقد أخرج البخاري عن عائشة وابن عباس
رضي الله عنهم (4464) ، والحاكم (2/ 626) عن عروة، والطبري في «تاريخه» (2/
383) عن أنس وابن عباس وسعيد بن المسيب وعمرو بن دينار رضي الله عنهم: (أن
النبي صلى الله عليه وسلم مكث بمكة عشرا) ، وأخرج مسلم (2353) ، والحاكم
(2/ 627) والطبري في «التاريخ» (2/ 386) عن ابن عباس: (أن النبي ص مكث بمكة
خمس عشرة سنة) ، أما القول الذي أورده المصنف.. فأخرجه البخاري (3902) ،
ومسلم (235) ورجحه الحافظ في «الفتح» (8/ 151) ، ويجمع بين الأقوال: أن من
قال بالعشرة لم يعد السنوات الثلاث في أول البعثة وقبل الأمر بإظهار
الدعوة، ومن قال بخمس عشرة أخذ بقول من قال: إن النبي ص توفي وعمره خمس
وستون سنة، وقال المناوي في «العجالة السنية» (ص 59) : (والثالث: حسب معها
السنتين اللتين كان يرى فيهما الضوء والنور ويسمع الصوت ويرى الرؤيا فتجيء
كفلق الصبح) والله أعلم.
(2) في هامش (ب) : (وقال آخرون: إنه عليه السلام صلى أول ما صلى إلى
الكعبة، ثم إنه
(1/43)
وبعدَ هجرةٍ كذا للقُدْسِ ... عامًا
وثُلثًا، أو ونصْفُ سُدْسِ «1»
وحُوِّلتْ منْ بعدِ ذاكَ القِبلةُ ... لكعبة الله ونعم الجهة «2»
__________
صرف إلى بيت المقدس، ومن الناس من قال: كانت صلاته عليه السلام إلى بيت
المقدس من حين فرضت الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة، ثم بالمدينة إلى وقت
التحويل، قال أبو عمر: وأحسن من ذلك قول من قال: إنه عليه السلام كان يصلي
بمكة يستقبل القبلتين، فذكر القول الذي قاله شيخنا، وله مستند من حديث ابن
عباس) .
(1) قوله: (أو ونصف سدس) أي: عاما وثلثا ونصف سدس أيضا فتكون ستة عشر أو
سبعة عشر شهرا- كما روى البخاري (40) - ورجح الحافظ في «فتح الباري» (1/
96) القول الثاني، فانظره تستفد.
(2) في هامش (ب) : (كم أقام عليه السلام يصلي إلى بيت المقدس بعد مقدمه
المدينة؟ عشرة أقوال، وهي روايات: ستة عشر شهرا- وهو المعتمد؛ إذ في «صحيح
مسلم» الجزم بها عن البراء فتعينت- الثاني: سنتان، 3- تسعة عشر شهرا، 4-
ثمانية عشر شهرا، 5- سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام، 6- سبعة عشر شهرا، وهو
قريب من الذي قبله، 7- ثلاثة عشر شهرا، 8- ثمانية أشهر، 9- تسعة أشهر، 10-
شهران) .
(1/44)
|