المختصر
الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مَبعثُ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
كَانَ أول مَا بُدئ بِهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الوَحْي
الرُّؤيا الصَّالِحَة فِي النّوم، فَكَانَ لَا يَرى رُؤْيا إلاّ جَاءَت 7 /
و. مثلَ فَلَق الصُّبح، ثمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاء، فَكَانَ يَخْلُو
بغارِ حِرَاء فيتعبَّد فِيهِ اللَّيَالِي ذَات العَدَد قبل أنْ يَنزِع
إِلَى أَهله، ويتزوَّد لذَلِك، ثمَّ يرجع إِلَى خَدِيجَة فيتزوَّد لمثلهَا،
حَتَّى جَاءَهُ الحقُّ وَهُوَ فِي غَار حِرَاء، فَجَاءَهُ المَلكُ فَقَالَ:
اقرأْ. قَالَ: فقلتُ: مَا أَنا بقارئ. قَالَ: فأَخذني فغطَّني حَتَّى بلغَ
مِنّي الجَهْدَ، ثمَّ أَرسلني، فَقَالَ: اقرأْ. فقلتُ: مَا
(1/32)
أَنا بقارئ. قَالَ: فأَخذ فِي الثانيةَ
فَغطَّني حى بلغ مني الجَهْدَ، ثمَّ أَرْسلنِي، فَقَالَ: اقرأْ. فقلتُ: مَا
أَنا بقارئ. قَالَ: فأَخذني فغطَّني الثَّالِثَة حَتَّى بلغ منّي الجَهْدَ.
ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ: {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من
علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم}
فَرجع بهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَرْجُف فؤادُه، فَدخل
على خَدِيجَة بنت خوَيلد. فَقَالَ: زمِّلوني زمَّلوني. فزمّلوه حَتَّى ذهبَ
عَنهُ الرَّوع. فَقَالَ لِخَدِيجَة، وأخبرها الخبرَ: " لقد خَشِيتُ على
نَفسِي ". فَقَالَت خديجةُ: كَلاّ، وَالله مَا يُخزِيكَ اللهُ أبدا، إنَّك
لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحمِلُ الكلَّ، وتَكسِبُ المعْدُومَ، وتَقْرِي
الضَّيفَ، وتُعين على نَوَائِب الحقِّ.
فانطلقتْ بِهِ خديجةُ حَتَّى أَتت بِهِ ورَقَةَ بن نوفَل بن أسَد بن عبد
العُزَّى، ابْن عمِّ خَدِيجَة، وَكَانَ امْرَءًا تنصَّر فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ يكْتب الْكتاب العِبرانيّ، فَيكْتب من الإِنجيل
بالعِبرانيّة مَا شَاءَ الله أنْ يكْتب. وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد عَمِيَ.
فَقَالَت لَهُ خَدِيجَة: يَا بنَ عَمَّ، اسْمَعْ من ابْن أخيكَ. فَقَالَ
لَهُ ورقة: يَا ابنَ أخي، مَاذَا ترى؟ فَأخْبرهُ خبرَ مَا رأى. فَقَالَ
لَهُ ورَقَةُ: هَذَا النامُوسُ الَّذِي أُنزِلَ على مُوسى [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] يَا لَيتني فِيهَا جَذَعٌ. يَا لَيْتَني أَكونُ حَيَّاً
إِذْ يُخرجُكَ قومُك فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَوَ
مُخرِجيَّ هُمْ؟ قَالَ: نعم، لم يأتِ رجل قطُّ بِمثل مَا
(1/33)
جِئْت إِلَّا عودي. وَإِن يدركني يومُك
أنصرك نصرا مؤزراً ثمَّ لم يَنْشَبْ ورَقَةُ / 7 ظ. أنْ تُوفِّيَ، وفتَرَ
الْوَحْي.
قَالَ الزُّهْري: وَأَخْبرنِي أَبُو سَلَمة بن عبد الرَّحْمَن: أنّ جَابر
بن عبد الله الأنصاريّ قَالَ وَهُوَ يحدِّث عَن فَتْرَة الْوَحْي، فَقَالَ
فِي حديثٍ: " بَيْنَمَا أَنا أَمشي إذْ سمعتُ صَوتا من السماءِ، فرفعتُ
بَصَري، فَإِذا المَلَكُ الَّذِي جاءَني بِحِرَاء جالسٌ على كُرسيٍّ بَين
السماءِ وَالْأَرْض، فَرُعِبتُ مِنْهُ. فقلتُ: زَمِّلوني. فَأنْزل الله
عزَّ وَجل {يَا أَيهَا المدثر} إِلَى قَوْله {فاهجر} فحميَ الوحيُ وتتابعَ
".
وَسَأَلَ الحارثُ بن هِشَام رسولَ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ:
يَا رَسُول الله! كَيفَ يأْتيكَ الوحيُ؟ فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : " أَحْيَانًا يأتيني مثلَ صَلْصَلة الجَرْس، وَهُوَ
أَشَدُّه عليّ، فيُفْصَم عَنِّي وَقد وَعَيْتُ عَنهُ مَا قَالَ،
وَأَحْيَانا يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلاً فأَعِي مَا يقولُ "
قَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: " وَلَقَد رأيتُه يَنزِلُ
عَلَيْهِ الوحيُ فِي الْيَوْم
(1/34)
الشديدِ البردِ فيفصِم عَنهُ، وَإِن جَبينه
يتفصَّد عرقاً ". وَكَانَ مَبدأ النبوّة فِيمَا قيل يَوْم الإِثنين ثامن
شهر ربيعٍ الأوّل. وَقيل فِي شهر رَمَضَان. وَقيل: فِي شهر رَجَب، وسِنُّه
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَرْبَعُونَ سَنة. وَقيل: أَرْبَعُونَ وَعشرَة
أَيَّام. وَقيل: أَرْبَعُونَ وشهران. وَقيل: ثلاثٌ وَأَرْبَعُونَ.
وروى ابنُ إِسْحَاق وغيرُه: أنّ جِبْرِيل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَتَى
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أوّلَ مَا أُوحيَ إِلَيْهِ فعلَّمه
الوضوءَ وصلّى بِهِ. فَأتى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خَدِيجَة
فعلَّمها الوضوءَ وصلّى بهَا كَمَا فعل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَعَن مُقاتل بن سُليمان: أنّ الصَّلَاة فُرضت فِي أول الإِسلام رَكعتين
بالغَداة ورَكعتين بالعَشِيِّ، ثمَّ فُرض الخَمسُ ليلةَ المِعراج. وَأقَام
الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَكَّة بعد الْبعْثَة ثلاثَ سِنِين
يَدْعُو إِلَى اللهِ مُستخفياً، ثمَّ نَزل عَلَيْهِ فِي السّنة الرَّابِعَة
قَوْله تَعَالَى / 8 و. {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر وَأعْرض عَن الْمُشْركين}
وَقَوله تَعَالَى: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} فأعلن الدُّعَاء إِلَى
الإِسلام. وكفّار قُرَيْش غير مُنكرين لِما يَقُول، فَكَانَ إِذا مرَّ بهم
فِي مجَالِسهمْ يُشيرون إِلَيْهِ: إنّ
(1/35)
غُلَام بني عبد الْمطلب ليُكلَّم من
السَّمَاء. فَكَانَ ذَلِك حَتَّى عابَ آلهتَهم، وذكرَ آبَاءَهُم الَّذين
مَاتُوا على الْكفْر، فانتصبوا لعداوته وعداوة مَنْ آمنَ بِهِ، يُعذِّبون
مَنْ لَا مَنَعةَ عِنْده أشدَّ الْعَذَاب، ويُؤذون من لَا يقدرونَ على
عَذابه.
وَكَانَ أوّلَ مَنْ آمن بِهِ خديجةُ، وعليٌّ، وَأَبُو بكر، وَزيد بن
حَارِثَة، ثمَّ عُثْمَان بن عفَّان، والزُّبير، وَعبد الرَّحْمَن بن عوْف،
وَسعد بن أَبي وقَّاص، وَطَلْحَة بن عُبيد الله، بدُعاء أبي بكر إيّاهم
إِلَى الْإِسْلَام، رَضِي الله عَنْهُم.
ذِكُر الهجرتين إِلَى الحَبشة
لمّا كثر الْمُؤْمِنُونَ، واشتدَّ عَلَيْهِم أَذَى الْمُشْركين أذِنَ الله
تَعَالَى لَهُم فِي الْهِجْرَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، فَهَاجَرَ إِلَيْهَا
اثْنَا عشَرَ رجلا، وأربعُ نسوةٍ: عُثمان بن عفَّان، وَهُوَ أَوّل مَنْ خرج
فارّاً بدِينه. وَمَعَهُ زَوجته رقية بنت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] وَأَبُو حُذيفة بن عُتْبة، وَزَوجته سَهْلة بنت سُهَيل، وَأَبُو
سَلَمة بن عبد الْأسد، وَامْرَأَته أمّ سَلَمة، والزُّبير بن العَوَّام،
ومُصْعب بن عُمَير، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعُثْمَان بن مَظْعون،
وعامر بن رَبيعة، وَامْرَأَته ليلى بنت أبي حَثْمةَ، وَأَبُو سَبْرة بن أبي
رُهْم، وحاطِب بن عَمْرو العامريّان، وسُهَيل بن وَهْب. وَعبد الله بن
مَسْعُود وَكَانَ مخرجُهم فِي شهر رَجَبٍ من السّنة الْخَامِسَة من
النبوّة.
(1/36)
وَخرجت قُرَيْش فِي آثَارهم، فَلم يُدركوا
مِنْهُم أَحداً. وَأَقَامُوا بالحَبَشة فِي أحسن جِوَارٍ، فبلَغهم أنّ أهل
مَكَّة / 8 ظ. أَسْلمُوا فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة، حَتَّى إِذا كَانُوا دون
مَكَّة بساعةٍ لَقوا رَكْباً من كِنانة، فَسَأَلُوهُمْ عَن قريشٍ، وَعَن
حَالهم، فَذكرُوا مَا هُم عَلَيْهِ مِن الشرِّ، فائتمر الْقَوْم فِي
الرُّجُوع إِلَى أَرض الْحَبَشَة [ثمَّ] قَالُوا: قد بَلغْنا مكةَ، ندخلُ
فَنَنْظُر مَا فِيهِ قريشٌ، ويُحدث عهدا مَنْ أرادَ بأَهْله، ثمَّ يَرجع.
فَدَخَلُوا مكةَ، وَلم يدْخل أحدٌ مِنْهُم إِلَّا بجوَارٍ أَو مُستخفيا،
إِلَّا ابْن مَسْعُود فَإِنَّهُ مكث يَسِيرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَرض
الْحَبَشَة، وَلم يدْخل مَكَّة. وَكَانَ قدومهم مَكَّة فِي شوّال سنة خمسٍ
من النبوّة، فَلَقوا من قُرَيْش تَعنيفاً شَدِيدا، ونالوهم بالأذى
الشَّديد، وسَطَت بهم عَشَائِرهمْ، فأذِن لَهُم رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْخُرُوج إِلَى أَرض الْحَبَشَة مرَّةً ثَانِيَة.
فَقَالَ عُثْمَان: يَا رسولَ اللهِ، فهجرتُنا الأولى وَهَذِه إِلَى
النجاشيّ، ولستَ مَعنا. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : "
أَنْتُم مهاجرون إِلَى الله وإليّ. لكم هَاتَانِ الهجرتان جَمِيعًا "
فَقَالَ عُثْمَان: فحسبُنا يَا رَسُول الله. وَهَاجرُوا إِلَى الْحَبَشَة
وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ هاجرَ من الرِّجَال ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ - إنْ
كَانَ فيهم عمّار فَإِنَّهُ يُشكُّ فِيهِ - قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَمن
النِّسَاء إِحْدَى عشرَة قرشيّة وسبعُ غرائب. وَأَقَامُوا بِأَرْض
الْحَبَشَة عِنْد النجاشيّ على أحسن حالٍ.
(1/37)
حصر قُرَيْش رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فِي الشِعّب
لما بلغ قُريْشًا بِمَكَّة إكرامُ النجاشيّ للْمُسلمين كبُر ذَلِك
عَلَيْهِم، وغَضِبُوا على رسولِ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
وَأَصْحَابه، وَكَتَبُوا كتابا على بني هَاشم: أنْ لَا تُناكحوهم وَلَا
تُبايعوهم وَلَا تخالطوهم. وَكَانَ الَّذِي كتب الصَّحِيفَة / 9 و. بَغيِض
بن عَامر بن هَاشم بن عبد مَناف بن عبد الدَّار بن قصيّ، فشُلَّت يدُه،
وعَلَّقوا الصحيفةَ فِي جَوف الْكَعْبَة، وحصروا بني هَاشم فِي شِعْب أبي
طَالب لَيْلَة هِلَال المحرَّم سنة سبعٍ من النبوّة، وانحاز بَنو الْمطلب
بن عبد مَناف إِلَى أبي طَالب فِي شِعْبه مَعَ بني هَاشم، وَخرج أَبو
لَهَبٍ إِلَى قُرَيْش يُظاهرهم على بني هَاشم، وَبني المطّلب، وَقَطعُوا
عَنْهُم المِيَرة والمادّةَ، فَكَانُوا لَا يخرجُون إِلَّا من مَوسِمٍ
إِلَى مَوسِمٍ، حَتَّى بَلغهُمْ الجَهْدُ، وسُمعت أصوات صِبيانهم من وَرَاء
الشِّعْب، فمِن قريشٍ مَنْ سَرَّه ذَلِك، ومِنهم مَنْ سَاءَهُ. وَقَالُوا:
انْظُرُوا مَا أصَاب بَغْيضَ بن عَامر.
(1/38)
فأقاموا فِي الشِّعْب ثَلَاث سِنِين، ثمَّ
أَطلَع اللهُ رسولَه على أمرِ صحيفتهم، وأنّ الأرَضَة أَكلت مَا كَانَ
فِيهَا من ظُلْمٍ وجَوْر، وَبَقِي مَا كَانَ فِيهَا من ذِكر الله.
فَأخْبرهُم أَبُو طَالب. فأرسلوا إِلَى الصَّحِيفَة فوجدوها كَمَا قَالَ
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وتلاوم رجالٌ من قريشٍ، فلبسوا
السلاحَ، ثمَّ خَرجُوا إِلَى بني هَاشم وَبني المطَّلب، فأمروهم
بِالْخرُوجِ إِلَى مساكنهم، فَفَعَلُوا. وَكَانَ خروجُهم من الشِّعْب فِي
السّنة الْعَاشِرَة، وَقيل: مَكَثُوا فِي الشِّعْب سَنتين.
موت أبي طَالب وَخَدِيجَة ثمَّ خُرُوج النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
إِلَى الطَّائِف ثمَّ رُجُوعه إِلَى مَكَّة
مَاتَ أَبُو طَالب فِي السّنة الْعَاشِرَة من البَعْث، وَقيل: فِي
التَّاسِعَة بعد الْخُرُوج من الشِّعْب، وَله سبعٌ وَثَمَانُونَ سنة.
وَمَاتَتْ خَدِيجَة، فنالت قريشٌ من النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا
لم تكن تَنال فِي حَيَاة أبي طَالب. فَخرج إِلَى الطَّائِف، هُوَ وَزيد بن
حَارِثَة، وَذَلِكَ فِي ليالٍ بَقينَ من شَوَّال سنة عشرٍ / 9 ظ. من
النبوَّة، وَقيل: غير ذَلِك. فَأَقَامَ بِالطَّائِف لَا يَدَعُ أحدا من
أَشْرَافهم إلاّ جَاءَهُ وكلَّمه، فَلم يُجيبوه، وخافوا على أحداثهم،
وَقَالُوا: يَا
(1/39)
مُحَمَّد أُخرج من بَلدنا. وأَغروا بِهِ
سفهاءهم، فَجعلُوا يَرمونه بِالْحِجَارَةِ، حَتَّى إنَّ رِجْلَيْ رَسُول
الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَتدْمَيَان، وَزيد بن حَارِثَة يَقيهِ
بِنَفسِهِ. حَتَّى لقد شُجَّ فِي رَأسه شِجاجاً. فَانْصَرف رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الطَّائِف رَاجعا إِلَى مَكَّة وَهُوَ
محزونٌ. فَلَمَّا نزل نَخلَةَ قَامَ يصلِّي من اللَّيْل فصُرِف إِلَيْهِ
نفرٌ من الجِنِّ سبعةٌ من أهل نَصِيبِين فَاسْتَمعُوا الْقُرْآن وَهُوَ
يقرأُ سُورَة الجِنِّ، وَلم يَشعر بهم رسولُ الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] حَتَّى نزل عَلَيْهِ {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ
يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} وأسْلَموا.
وَأقَام بنخلَة أيّاماً ثمَّ أَرَادَ الرُّجُوع إِلَى مكةَ، فَقَالَ لَهُ
زيد بن حَارِثَة: كَيفَ تدخُل عَلَيْهِم وهم أَخرجوك؟ فَقَالَ: " يَا زيد،
إنَّ الله جاعلٌ لِما ترى فَرَجَاً ومَخْرَجاً، وإنَّ الله ناصرُ دينه،
ومُظهر نبيّه " ثمَّ سَار إِلَى حِراء فَأرْسل رجلا من خُزَاعة إِلَى
مُطْعِم بن عَديّ: أَدخُلُ فِي جوارك؟ فَقَالَ: نعم، ودعا بَنيهِ وقومَه،
وَقَالَ: البسوا السلاحَ، وَكُونُوا عِنْد أَرْكَان الْبَيْت، فَإِنِّي قد
أَجرْتُ محمَّداً. فَدخل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَمَعَهُ
زيد بن حَارِثَة حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام، فَقَامَ مُطعم
بن عَديّ على رَاحِلَته فَنَادَى: يَا معشرَ قريشٍ، إِنِّي قد أَجرتُ
محمّداً فَلَا يَهِجْه أَحدٌ مِنْكُم. فَانْتهى رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الرُّكْن فاستلمه، وصلَّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرف
إِلَى بَيته، ومُطِعم بن عَديّ وَولده مُطيفون بِهِ.
(1/40)
|