المختصر
الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرُ سِلاحِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
كَانَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تِسْعَة أسيافٍ: مأثور،
وَهُوَ أوّل سيف مَلكه، ورِثه من
(1/123)
أَبِيه، والعَضْب، وَذُو الفَقَار، من
غَنَائِم بدرٍ، وَهُوَ الَّذِي رأى فِيهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] الرؤيّا، فإنّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رأى كأنَّ فِي ذُباب
سَيْفه ثُلْمةٌ، فأوّلها هزيمَة، فَكَانَت يَوْم أُحُد. وَقيل: أهداه لَهُ
الحَجَّاج بن عِلاَط، وَكَانَ لَا يفارِق النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] .
وَكَانَت قائمتهُ وقَبِيعَتُه وحَلْقَته وذُؤَابته وبَكَرَاته ونَصْله من
فِضَّة. وَثَلَاثَة أسياف أَصَابَهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] من سلَاح بني قَيْنُقَاع: القَلْعِيّ والبَتَّار والحَتْفُ. وَكَانَ
عِنْده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد ذَلِك الرَّسُوب والمِخذَم والقَضيب.
وَكَانَت لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سبع أَدراع، ذَات الفُضُول،
سُمِّيَت بذلك لطولها، وَهِي
(1/124)
الَّتِي رَهنهَا عِنْد أبي الشَّحْم
اليّهوديِّ على شَعِيرٍ لِعِيَالِهِ. وذاتُ الوِشَاح، وذاتُ الحَواشِي،
والسَّغْدِيَّةْ، وقيلَ: إِنَّهَا كَانَت درعَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَام
- الَّتِي لبِسَها حِين قَتلَ جالوتَ. وفِضّة والبَتْراء، سُمِّيت بذلك
لِقصرها. والخِرْنق.
وَكَانَ عَلَيْهِ يومَ أُحُد دِرعان، ذاتُ الفُضُول وفِضَّة، وَكَانَ
عَلَيْهِ يومَ خَيْبَر ذاتَ الفُضُول والسَّعْديّة. كَانَت لَهُ [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] / 37 و. سِتّ قِسيّ، الزَّوراء والرَّوحاء والصَفراء من
نبعٍ، والبيضاء من شَوْحَطٍ، وقَوسٌ من نَبْعٍ أَيْضا تُدعى الكَتُوم،
لانخفاض صَوتهَا إِذا رمى بهَا، كُسِرَت يَوْم أُحُد فَأَخذهَا قَتادة بن
النُّعْمَان الظَّفَريُّ، وقوس من نَبْعٍ أَيْضا تُدعى السَّداد.
(1/125)
وَكَانَت لَهُ جَعْبة تُسمّى الجَمع،
وتُسمّى الكافور. ومِنْطَقة من أًدِيم مَبشور، فِيهَا ثَلَاث حَلَق من
فِضّة، والإِبْزِيم من فِضَّة، والطَرْف من فِضَّة.
وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ يُقَال لَهُ: الزَّلوق يزلقُ عَنهُ السِّلَاح، وتُرسٌ
يُقَال لَهُ: الفُتق. وأُهدي لَهُ تُرسٌ فِيهِ تِمْثَال عُقاب أَو كَبشٍ،
فَوضع [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَده عَلَيْهَا، فَأذْهب الله ذَلِك
التمثال. وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أرماحٍ أَصَابَهَا من سلَاح بني قَيْنُقَاع
ورُمح يُقَال لَهُ: المُثْوِيّ. من الثوي، أَي أَن المطعون بِهِ يُقيم
مَكَانَهُ، ورُمحٌ يُقَال: المتَثنِّي، وَكَانَت لَهُ حَربة يُقَال لَهَا
النَّبْعَة، وحربة كَبِيرَة اسْمهَا الْبَيْضَاء، وحَربة صَغِيرَة دون
الرُّمْح شِبه العُكّاز يُقَال لَهَا: العَنَزَة، وَكَانَ يَدْعَم
عَلَيْهَا وَيَمْشي بهَا وَهِي فِي يَده، وَكَانَت تُحمل بَين يَدَيْهِ فِي
العِيد، حَتَّى تُركَزَ
(1/126)
أَمامه فيتَّخذَها سُتْرةً ويُصلّي
إِلَيْهَا، وَقيل: إِنَّه أَخذها من الزُّبير بن العوَّام، وَأَخذهَا
الزُّبير من النَجاشيّ.
وَكَانَت لَهُ عَنَزَة أُخْرَى، وَكَانَ مِغْفَرٌ من حَدِيد، يُقَال لَهُ:
الموشّح، وُشِّحَ بشِبَهٍ، ومِغْفَر آخر يُقَال لَهُ: المسْبوغ أَو ذُو
السُّبُوغ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ على رَأسه المكرَّم حِين دخل مكّة يَوْم
الْفَتْح. وَكَانَت لَهُ ثَلَاث جُباب يلبَسُها فِي الْحَرْب، فِيهَا
جُبَّة سُنْدس أَخْضَر.
وَكَانَ لَهُ مِحْجَن قدْرَ ذِراع، أَو أَكثر يمشي ويركبُ بِهِ، ويُعلِّقُه
بَين يديهِ على بعيرِه. وَكَانَت لَهُ مِخْصَرة تُسمَّى العُرْجُون،
وقضَيبٌ من الشوْحَط يُسمَّى المَمشُوق.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي فضل أَسْمَائِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] :
صاحِب القَضيب أَي السيفِ، وقعَ ذَلِك مفسَّراً فِي الإِنجيل. قَالَ: مَعَه
قَضيبٌ من حديدٍ يُقاتل بِهِ، وأُمّته كذِلك. قَالَ: وَقد يُحمَل على أَنه
القضيبُ الممشوُق الَّذِي كَانَ يُمسكه، وَهُوَ الْآن عندَ الْخُلَفَاء،
وَكَانَت / 37 ظ. لَهُ هِراوَة، وَهِي العَصَا، وَلها ذكرٌ
(1/127)
فِي حَدِيث الحَوْض، يذود بهَا عَنهُ،
وَكَانَ لَهُ رايةٌ سَوداء، مُرَّبعة من نَمِرة مُخْمَلة، يُقَال لَهَا
العُقَاب.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث سِمَاك بن حَرب عَن رجل من قومه عَن آخر
مِنْهُم قَالَ: رأيتُ راية رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
صَفْرَاء. وَكَانَت ألويتُه بِيضاً وَرُبمَا جعل فِيهَا الأَسود، وربَّما
كَانَت من خُمُر بعض نِسَائِهِ - رَضِي الله عَنْهُن - وَكَانَ لَهُ لِوَاء
أَغْبَر. وروى أَبُو الشَّيْخ بن حبّان من حَدِيث ابْن عبّاس قَالَ: مكتوبٌ
على راياتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد
رَسُول الله.
ذِكرُ ملابسِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
كَانَت لَهُ عمامةٌ تُسمّى السَّحاب، كساها عليَّاً - رَضِي الله عَنهُ -
وَكَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يلبس تحتهَا القَلانِس الّلاطِيَة،
وَكَانَ يلْبس القَلانِس بِغَيْر العَمائم، ويلبس
(1/128)
العَمائم بِغَيْر القَلانِس. وَكَانَ يلبس
القَلانِس الْبيض والمزرورات، وَذَوَات الآذانَ. وَكَانَ لَهُ رداءٌ
يُسمَّى الفُتح، وَدخل مكّةَ يَوْم الفَتح وعَلى رَأسه عِمامة سَوداء،
قَالَه جَعْفَر بن عَمْرو بن حُريث عَن أَبِيه، وَكَانَ إِذا اعتمَّ يُرخِي
عِمامته بَين كَتفيه وَكَانَ يُديرها ويفرزها وَرَاءه.
وَعَن أنس قَالَ: كَانَ قميصُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
قُطْناً، قصيرَ الطول، قصيرَ الكُمَّين. وَعند بُدَيل قَالَ: كَانَ كُمُّ
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الرُسْغ. وَعَن عُروة: أنّ
ثوب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّذِي كَانَ يَخرج فِيهِ
إِلَى الوفْد رَدَاء حَضرميّ، طوله أَرْبَعَة أَذرع، وعَرضُه ذراعان وشِبر.
وَعَن الْوَاقِدِيّ: أنّ بُردَة النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَت
يَمَانِية طول سِتَّة أذرعٍ فِي ثلاثةٍ وشِبرٍ، وإزارهُ من نَسْج عُمان
طوله أَرْبَعَة أذرعٍ وشِبر فِي عَرْض ذراعين وشِبر، كَانَ يَلبسهما يَوْم
الجُمعَة وَالْعِيدَيْنِ، ثمَّ يُطويان.
(1/129)
وَعَن جَابر: كَانَ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] يَلبس بُرْدَه الْأَحْمَر فِي الْعِيدَيْنِ والجُمعة.
وَعَن عِكرمة قَالَ: رأيتُ ابْن عبّاس إِذا / 38 و. أتَّزر أَرْخى مقدَّم
إزَاره حَتَّى تقع حاشيتاه على ظهر قَدَميْه، وَيرْفَع الإِزار ممّا
وَرَاءه، فقلتُ لَهُ: لِمَ تأَتزرُ هَكَذَا؟ فَقَالَ: رأيتُ رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَأتزِر هَذِه الإِزْرَة. وَكَانَت لَهُ [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] خرقةٌ إِذا توضَّأ مسحَ بهَا وَجهَه، ورُبَّما يَمسحه
بطَرَف رِدَائه. وَكَانَ لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بُرْدان أخضران،
وكساءٌ أَسود، وكِساءٌ أحمرُ مُلبَّد. وَفِي الصَّحِيح: أنّ عَائِشَة أخرجت
كِساءً مُلبّداً وإزاراً غَليظاً، فَقَالَت: نُزع روحُ النبيُّ [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فِي هَذَا.
وَقَالَ ابْن فَارس - رَحمَه الله تَعَالَى -: ويُقال: تَرك رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثوبيْ حِبَرَة، وإزاراً عُمانيّاً، وثوبين
صُحاريَين، وقميصاً سَحُوليّاً، وقميصاً صُحاريا، وجُبَّة يَمَنِّية،
وخَمِيصة، وكِساءً أَبيض، وقَلانِس صِغاراً لَا طية ثَلَاثًا أَو أَرْبعا،
وإزاراً طوله خَمْسَة أشبارٍ، ومِلْحفةً مُوَرَّسَة.
(1/130)
وَكَانَ أحبَّ الثِّيَاب إِلَى رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْقَمِيص وَالْبَيَاض والحِبَرة، وَهِي ضَربٌ
من البرود فِيهِ حُمرة، ولَبِسَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي وقتٍ
جُبَّةً شاميّةً ضيِّقة الكُمَّين، وَفِي وقتٍ قبَاء.
واتّخذ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خاتَماً من ذَهَب، وتختَّم بِهِ، فَصنعَ
النَّاس خواتيمَ من ذَهب، فنزعَه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَرمى بِهِ،
فنبذَ الناسُ خواتيمَهم. وَنهى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن
التَختُّم بالذهَب. ثمَّ اتّخذ خاتَماً من فِضَّة فَصُّه مِنْهُ، نَقشُه "
محمدٌ رسولُ الله " وَهُوَ الَّذِي تختَّم بِهِ بعده أَبُو بكر ثمَّ عُمر
ثمَّ عُثْمَان، ثمَّ سقط فِي بِئْر أَرِيسٍ، وَلم يُقدَر عَلَيْهِ. وَكَانَ
لَهُ خاتَم من حَدِيد مَلْويّ، عَلَيْهِ فِضَّة، نَقشُه " مُحَمَّد رَسُول
الله " وَقيل: كَانَ لَهُ خَاتم من وَرِق فَصُّه حَبشيٌّ، بَعث بِهِ
إِلَيْهِ مُعاذ بن جَبل من الْيمن.
وَكَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَتختَّم فِي خِنْصِره الْأَيْمن،
وربّما فِي الأَيسر، وَيجْعَل الفَصَّ مِمّا يَلِي بَاطِن كفّه. وَكَانَ
إِذا دخل الخلاءَ نزعَ خاتَمَه، وَنهى عليا عَن التختُّم فِي السَّبَّابة
وَالْوُسْطَى.
وَرُوِيَ فِي التِّرْمِذِيّ: أنَّ رجلا جَاءَهُ وَعَلِيهِ خاتَم من حَدِيد،
فَقَالَ: مَا
(1/131)
لي أرى عَلَيْك / 38 ظ. حِليةَ أهلِ
النَّار. ثمَّ جَاءَهُ وَعَلِيهِ خاتَمٌ من صُفْر، فَقَالَ: مَا لي أجدُ
منكَ رِيحَ الْأَصْنَام. ثمَّ جَاءَهُ وَعَلِيهِ خاتمٌ من ذَهب، فَقَالَ:
إرم عَنْك حِليَة أهلِ الجنّة. قَالَ: من أَيِّ شَيْء أَتِّخذُه؟ قَالَ: من
وَرِقٍ وَلَا تُتمَّهُ مِثْقَالا. وأَهدى لَهُ النجاشيّ خُفَّين أسودين
ساذَجَيْن، فلبسهما ومسحَ عَلَيْهِمَا. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أزواجٍ من
الخُفاف أَيْضا، أصَابها من خَيْبر. وَكَانَت لَهُ نَعلان سِبْتّيتان
مخصُوفتان ذواتا قِبالين، وَقيل: إِنَّهَا كَانَت صفراء
فصل:
كَانَ لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فُسطاط يُسمى الكِنّ، وَكَانَ لَهُ
قَدَحٌ يُسمّى الريّان، وقدَحُ آخر يُسمَّى مُغيثاً، وقَدَحٌ مُضبَّبٌ
بِقدر أَكثر من نصف المُدّ، وأقلّ من المدّ وَفِيه ثَلَاث ضبّات من فِضّة
وحَلْقَة يُعلَّق بهَا القَدَح.
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أَنس: أنَّ قَدَحَ النبيّ [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] انْكَسَرَ فَاتخذ مَكَان الشّعب ضَبباً من فِضّة. وَكَانَ
لَهُ قَدَحٌ من زجاج، وقَدَحٌ من عِيدان، يُوضَع
(1/132)
تَحت سَرِيره، يتبولُ فِيهِ من اللَّيْل.
وَكَانَ لَهُ تَوْرٌ من حِجارة يُقَال لَهُ المخضب يتوضّأ مِنْهُ كثيرا.
وَكَانَ لَهُ مخضَب من شَبَه يكون فِي الحنّاء، وَكَانَ لَهُ قَعْب يُسمى
السَّفة، وَكَانَ لَهُ رَكوة تُسمّى الصّادرة، ومُغْتَسلٌ من صُفْر،
ومُدِهن.
وَكَانَت لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رَبعة إسكندرانية أهداها لَهُ
المُقَوقِس مَعَ مارِيَة، فَكَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَجْعَل
فِيهَا المِرآةَ، وَكَانَ ينظرُ فِيهَا، ومُشْطاً من عاجٍ، قيل: إِنَّه
الذُبْل. والمِكْحَلة، وَكَانَ يكتحل من إثْمِد فِيهَا عِنْد النّوم
ثَلَاثًا فِي كل عين، وَفِي رِوَايَة: فِي اليُمنى ثَلَاث مرّات، وَفِي
الْيُسْرَى مرَّتَيْنِ. وَيجْعَل فِي الرَّبْعة أَيْضا المِقراضين
والسِّواك، وَكَانَت لَهُ قَصْعة تُسمَّى الغرّاء، يحملهَا أربعةُ رجالٍ،
لَهَا أربعُ حَلَقٍ، وصَاعٌ يُخرجُ بِهِ زكاةَ الفِطر / 39 و. ومُدٌ،
وسَريرٌ قوائمه من سَاجٍ، بعث بِهِ أَسعد بن زُرارة إِلَى رَسُول الله [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] لمّا قدم الْمَدِينَة فِي دَار أبي أَيُّوب، فَكَانَ
ينَام عَلَيْهِ حَتَّى تُوفِّي، فَوُضِع عَلَيْهِ، وَصُلِّي عَلَيْهِ.
وَكَانَ النَّاس
(1/133)
يحملون عَلَيْهِ موتاهم يطْلبُونَ بركَته.
وحُمل عَلَيْهِ أَبُو بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -.
وَكَانَت لَهُ قَطِيفةٌ، وَكَانَ لَهُ فِراشٌ من أَدَمٍ حَشْوُه لِيفٌ،
وسُئَلت حَفصة: مَا كَانَ فراشُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] :
قَالَت: مِسْحٌ يَثنيهِ ثَنْيَتَين فينام عَلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] .
ذكرُ دَوابِّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
فَمن الْخَيل السَّكْبُ، وَهُوَ أوّل فَرَس مَلكَه، اشْتَرَاهُ من أعرابيّ
بعشرِ أَواقٍ. وَكَانَ اسْمه عِنْد الأَعرابيّ الضَّرس. أَوّل مَا غزا
عَلَيْهِ أُحُدَ، لم يكن مَعَ الْمُسلمين فرسٌ غَيره، وَغير فرسٍ لأبي
بُرْدة بن نِيَار؛ يُقَال لَهُ: المُلاوح.
(1/134)
وَكَانَ أغرَّ مُحجَّلاً طَلْق اليَمين
كُميتاً. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَكَانَ أدهم.
وَكَذَا قد رُوِيَ عَن ابْن عبّاس قَالَ: كَانَ لرَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فرسٌ أدْهَمُ يُسمّى السَّكْب. والمُرْتَجِز وَكَانَ
أشهبَ، وَهُوَ الَّذِي شهد لَهُ فِيهِ خُزيمة بن ثَابت، فَجعل شهادتَه
شَهَادَة رجلَيْنِ. وَقيل هُوَ الطِّرْف، وَقيل: هُوَ النجيب. واللُّحَيْف،
أهداه لَهُ ربيعةُ بن أبي الْبَراء، وَقيل: فَروة بن عَمرو الجذامي.
واللِّزاز، أهداه لَهُ المقوقِس. والظّرب، أهداه لَهُ فَروة بن عَمرو
(1/135)
الجذامي، فَأعْطَاهُ أَبَا أُسيد الساعديّ،
وسَبْحَة، وَهُوَ الَّذِي سابقَ عَلَيْهِ فسبَق، ففرِح بِهِ. والوَرْدُ،
أهداه لَهُ تَميمٌ الداريُّ، فَأعْطَاهُ عُمرَ - رَضِي الله عَنهُ - فَحمل
عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله تَعَالَى.
فَهَذِهِ سَبْعَة أفراسٍ مُتَّفق عَلَيْهَا. وَقد جمعهَا سيّدي وَالِدي: 39
ظ. - تغمَّده الله برحمته، فأسكنه بَحبوحة جَنَّته - فِي بيتٍ نظمه
فَقَالَ:
(والخيلَ سَكْبٌ لُحيفٌ سَبْحَةٌ ظرِبٌ ... لِزازُ مرتَجِزٌ ورْدٌ لَهَا
أسرار)
وأنشدنيه غير مرَّة، وَالَّذِي كَانَ يمتطي عَلَيْهِ ويركب السَّكب. وَقيل
كَانَت لَهُ أفراسٌ أُخَر، وَهِي الأَبلق حمل عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه،
وَذُو العُقال، وَذُو اللُّمة، والمرتجل، والمراوح. وَيُقَال: المرواح،
والسِّرحان، واليعسوب، واليعبوب، وَالْبَحْر، وَهُوَ كميت، والأدهم، وَقيل:
هما
(1/136)
وَاحِد. والسحاء، والسِجْل، قَالَ ابْن
الْأَثِير: وأخاف أَن يكون السّجل مصحّفاً من الشحاء أَو الْعَكْس. وملاوح،
والطرف، والنجيب. وَهَذِه خمس عشرَة فرسا مختلفٌ فِيهَا.
وَمن البِغال دُلْدُل، وَكَانَت شهباء، أهداها لَهُ المقَوقِس، وَهِي أول
بَغلة رُكبت فِي الإِسلام، وَعَاشَتْ بعده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
حَتَّى كبُرت وَذَهَبت أسنانها وعَميت، وَكَانَ يُجشُّ لَهَا الشَّعيرُ،
وَوَقعت فِي قفيز فَمَاتَتْ بيِنْبُع. وَفِي تَارِيخ دمشق لِابْنِ
عَسَاكِر: أَنَّهَا عاشت حَتَّى قَاتل عَلَيْهَا عليٌّ - رَضِي الله عَنهُ
- الْخَوَارِج. وَيُقَال: إِنَّهَا مَاتَت فِي ولَايَة مُعَاوِيَة بن أبي
سُفْيَان. وفِضّة أهداها لَهُ فَرْوَة الجُذامي، فَوَهَبَهَا النبيّ [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] لأبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - وَبغلة شَهباء
أهداها لَهُ صَاحب أَيْلَة يُحنَّة بن رُؤْبة.
وَبعث صَاحب دُوْمَة الجَنْدَل إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] بَغلةً، وجُبَّةً من سُنْدُس،
(1/137)
فَجعل أصحابُ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] يتعجّبون من حُسن الجبّة. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : لمَناديلُ سعد بن مُعاذ فِي الجَنّة أحسنُ. يَعْنِي من
هَذَا / 40 و.
وروى الثعالبي فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام بإسنادٍ ضَعِيف إِلَى ابْن
عَبَّاس: أَن كسْرَى أهْدى النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بغلة فركبها
بحُلٍّ من شَعَرٍ، ثمَّ أردفه خَلفه. وَهَذَا بعيدٌ - كَمَا ذكر الْحَافِظ
الدمياطي رَحمَه الله - لأَنَّ كسْرَى مزَّق كتابَ النبيِّ [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] وأمرَ عَامله بِالْيمن بادان بقتْله، وبَعثِ رأسِه
إِلَيْهِ، فَأَهْلَكَهُ الله بطغيانه وكفره. وأَخبر رسولُ الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] رسولَ عامِله بِالْيمن بقتْله ليلةَ قُتل.
وَفِي كتاب (أَخْلَاق النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) لأبي الشَّيْخ بن
حيَّان: أَن النَّجَاشِيّ أهْدى لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
بغلة، وَكَانَ يركبهَا. وَكَانَ سَرج النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
دفّتاه من لِيفٍ. وَمن الحَمير عُفَيْر، وكَان أَشهبَ، أهداه لَهُ
المُقوقِس. ويَعفور أهداه لَهُ فَروة بن عَمْرو الجُذاميّ. وَيُقَال: إنّ
حمَار المقوقِس يَعفور وحِمار فروةَ عُفير، ونفقَ
(1/138)
يَعفور مُنصرفَ النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] من حَجّة الْوَدَاع. وَقيل: طرحَ نفسَه فِي بِئرٍ يومَ ماتَ النبيُّ
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمَاتَ.
وَرُوِيَ أنَّ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما فتح خَيْبَر أصَاب
حِماراً أَسودَ، وَكَانَ يركبه، وكلَّم النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
وَلم يثبت ذَلِك. وَفِي كتاب (أَسامي مَنْ أَردفه النبيّ [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] ) أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَتَى دَار سعد بن
عبَادَة فسلّم ثَلَاثًا، وَهُوَ يُجيبُه سِرَّاً، فَانْصَرف رَاجعا. فَخرج
سعد فَقَالَ: مَا مَنعني أنْ أَردَّ - يَعْنِي جَهْراً - إلاّ لتِكثرَ
علينا السَّلَام. فَدخل، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يرجع أَتَى بحمارٍ عَلَيْهِ
قَطيفةٌ، فَأرْسل مَعَه ابْنه لِيردَّ الحِمارَ. فَقَالَ: احمله بَين
يَديّ. فَقَالَ سعد: سُبْحَانَ / 40 ظ. الله، نعم هُوَ أحقّ بصَدْر
حِمَاره. قَالَ: هُوَ لكَ يَا رَسُول الله. قَالَ: احمله إِذا خَلفي.
وَفِي الحَدِيث أَنه بَيْنَمَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يمشي
إِذْ جَاءَ رجل مَعَه حمارٌ، فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] : " أَنْت أَحقّ بصْدْر دابتك إلاّ أنْ تَجْعَلهُ لي ". قَالَ: قد
جعلتُه لكَ. فَركب. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث
صَحِيح حسن.
وَمن النَّعَم الناقةُ الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا من مكّة إِلَى الْمَدِينَة،
وتُسمَّى العَضْباء، وَلم يكن يحملهُ إِذا نزلَ عَلَيْهِ الوحيُ غيرُها.
كَمَا قَالَ الْحَافِظ محب الدّين الطبريّ - رَحمَه الله - اشْتَرَاهَا
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من أبي بكر الصّديق بأربعمائة
درهمٍ، وَهِي القَصْوَاء والجَدْعَاء، وَلم يكن بهَا عَضَبٌ وَلَا جدَعٌ،
(1/139)
وَإِنَّمَا سُمِّيت بذلك. وَقيل: كَانَ
بأذنها شَيْء فسُمِّيت بِهِ. وَكَانَت شَهباء وَقيل: هُنّ ثلاثُ، وَهِي
الَّتِي سُبِقَت، فشَقَّ على الْمُسلمين. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : " إنّ حقّاً على الله أنْ لَا يرْتَفع شيءٌّ من هَذِه
الدُّنْيَا إلاّ وَضعَه ". وَقيل الْمَسْبُوق غَيرهَا.
وَعَن قُدَامة بن عبد الله قَالَ: رأيتُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] فِي حجّته يَرمي على نَاقَة صَهْبَاء، والصَهْباء الشقراء. ووقف
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعَرَفَةَ فِي حجّة الْوَدَاع على
جمَلٍ أَحمر وَكَانَ لَهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جمل يُقَال لَهُ
الثَّعْلَب، بعث عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خِراشَ بن
أُميَّةِ إِلَى قُرَيْش بمكّة يَوْم الحُديبية لِيُبلّغهم مَا جَاءَ لَهُ،
فعَقروا الجَمل، وَأَرَادُوا قتل خِرَاش، فمنعته الأَحابيش. وَهُوَ الَّذِي
حَلَق رأسَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الحُدَيْبيّة،
وغنِمَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يومَ بدرٍ / 41 و. جَملاً
مَهْريّاً لأبي جَهْل، فِي أَنفه بُرَّةٌ من فِضَّة، أهداه رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الحُديبية ليَغيظ
(1/140)
بذلك الْمُشْركين، وَكَانَت لَهُ عشرُون
نَعْجَةً بالغَابة، والغَابة على بَريدٍ من الْمَدِينَة طَرِيق الشَّام.
يُراح إِلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كلَّ ليلةٍ بِقْرَبتينِ عظيمتين
من أَلْبَانهَا.
وَكَانَت لَهُ لِقْحة تُدعى بُرْدة، أهداها لَهُ الضحَّاك بن سُفْيَان،
كَانَت تَحلِبُ كَمَا تحلب لِقحتان غَزيرَتان، وَكَانَت لَهُ خمس عشرةَ
لِقْحةً غِزاراً، كَانَ يرعاها يَسَارٌ مولى رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] بِذِي الجَدْر ناحيةَ قُباءٍ قَرِيبا من عَيْرٍ، على ستّة
أميالٍ من الْمَدِينَة، فَاسْتَاقَهَا العُرَنيُّون وَقتلُوا يَسَاراً،
وَقَطعُوا يَده ورِجلَه، وغَرزوا الشَّوكَ فِي لِسَانه وعَيْنيه حَتَّى
مَاتَ. وَبَاقِي قِصّتهم مَشْهُورَة فِي الصَّحِيح. وَكَانَ لَهُ بِذِي
الجَدْر أَيْضا سبعُ لَقائح، وَكَانَت لَهُ لِقْحة تُسمّى الحفدة، وَمعنى
الحَفْد السُّرعة. وَكَانَت لَهُ لِقْحة اسْمهَا مروة، وَكَانَت لَهُ
مَهْريّة أرسل بهَا سَعد بن عُبادة من نَعْم بني عُقَيْل.
وَكَانَت لَهُ مائَة شَاة لَا يُريد أَنْ تَزيد، كلَّما ولد الرَّاعِي
بَهِيمَة ذبحَ مَكَانهَا شَاة، وَكَانَت لَهُ شَاة تُدعى غَوْثة وَقيل:
غيثة، وشاةٌ تُسمّى قَمَراً، وعَنْز تُسمّى اليُمن.
(1/141)
وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَت لرَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سبع أَعْنُزٍ منائحَ تَرعاهنَّ أُمُّ أَيمن.
وَكَانَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دِيكٌ أَبيض.
ذِكرُ وفاتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
ابْتَدَأَ بِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مرضُه الَّذِي مَاتَ فِيهِ،
وَهُوَ وجَعُ الرَّأْس، فِي بَيت مَيْمُونة أُمِّ الْمُؤمنِينَ، وَقيل: فِي
بَيت زَينب بنت جَحْش، وَقيل: فِي بَيت رَيْحانة، وَهُوَ ضعيفٌ لِأَن
الصَّحِيح أنّ رَيْحَانَة مَاتَت / 41 ظ. فِي حَيَاته [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] كَمَا قدّمنا.
ويروى أنّ النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خرج يَوْم الْخَمِيس وَقد شدّ
رأسَه بعصابةٍ دَسْماء، وَكَانَ قد لبسَ عِمَامَة دسماء، فرقي المنبرَ
فجلسَ عَلَيْهِ، ثمَّ دَعَا بِلَالًا فَأمره أنْ يُنَادي فِي النَّاس: أَن
اجْتَمعُوا لوصيِّة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَإِنَّهَا آخر
وصيّته لكم. فَنَادَى بلالٌ فَاجْتمعُوا، صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ، وَتركُوا
أَبواب بيوِتهم مُفتَّحةً، وأسواقَهم على حَالهَا، حَتَّى خرج العَذارى من
الْبيُوت ليسمعوا وصيّة رَسُول الله
(1/142)
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى غصَّ
الْمَسْجِد بأَهْله، والنبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: أَوسعوا
لِمن وراءَكم. ثمَّ قَامَ فخطبهم خطْبَة بليغةً طَوِيلَة، ذرفت مِنْهَا
الْعُيُون، ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب. ثمَّ اسْتَأْذن نِسَاءَهُ فِي أنْ
يُمرَّضَ فِي بَيت عَائِشَة، فأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِك، فَدخل على عَائِشَة،
وَهِي تَقول: وارأساه. فَقَالَ: " لَو كَانَ ذَلِك وَأَنا حيٌّ فأستغفر لَك
وأدعو لكِ، وأُكفّنكِ وأَدفنكِ ". فَقَالَت واثَكَلاه. وَالله إنّكَ لَتحبّ
موتِي، وَلَو كَانَ ذَلِك لظَللْتَ يومَك مُعرِّساً بِبَعْض نِسَائِك.
فَقَالَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " بل أَنا وارأساه، لقد هممتُ
أَو أردْت أنْ أُرسِل إِلَى أبيكِ وَإِلَى أخيكِ فأمضي أَمْرِي وأعهَدُ
عهدي، فَلَا يطْمع فِي الْأَمر طامعٌ، وَلَا يَقُول الْقَائِلُونَ أَوْ
يَتَمنَّى المتمنّون ".
ثمّ قَالَ: " كَلَّا يَأْبَى الله، وَيدْفَع الْمُؤْمِنُونَ إلاّ أَبَا بكر
" وصلّى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَرَاء أبي بكر فِي الصَّفَّ
صَلَاة تامَّةً، قَالَه ابْن حزم. وصلّى أَبُو بكر بِالنَّاسِ تِلْكَ
الأيامَ، بِعَهْد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَيْهِ فِي
ذَلِك، وخرجَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام وَهُوَ
مُتوكِّئٌ على عليٍّ والعبَّاس، وَقد أَخذ أَبُو بكر فِي الصَّلَاة
بِالنَّاسِ / 42 و.، فَقعدَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن يَسار أبي بكرٍ،
وَأَبُو بكرٍ فِي مَوضِع الإِمام، وَصَارَ أَبُو بكر وَاقِفًا عَن يَمينه
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي مَوضِع الْمَأْمُوم يُسمِعُ الناسَ تكبيرَ
رسولِ الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فصلَّى النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] بِالنَّاسِ، يَؤُمُّهم قَاعِدا وهُمْ خَلْفَه قيامٌ، وَهِي آخر
صلاةٍ صلّاها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالنَّاسِ.
واشتدّ بِهِ وجَعُهُ، وَقَالَ: " إِنِّي أوعَكُ كَمَا يوعَكُ رجلَانِ
مِنْكُم " وَذَلِكَ
(1/143)
لعَظيم أجره [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] .
ولمّا حَضرته الْوَفَاة كَانَ عِنْده قَدَحٌ فِيهِ مَاء، فَجعل يُدْخل يدَه
المكرَّمةَ فِيهِ ويمسحُ وَجهه وَيَقُول: " اللهمَّ أَعِنِّي على سَكَرات
الْمَوْت ".
وَقَالَت أُمُّ سَلَمة - رَضِي الله عَنْهَا -: عامُّةُ وصيّة رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عِنْد الْمَوْت: الصلاةَ وَمَا مَلكت
أَيْمانُكم، وخيّره اللهُ فَاخْتَارَ لقاءَه. وَقَالَ: " اللهمَّ الرفيقَ
الأَعلى ". وقُبضَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مُستنداً إِلَى صدر عَائِشَة
- رَضِي الله عَنْهَا - وَهُوَ ابْن ثلاثٍ وَسِتِّينَ سنة على الصَّحِيح.
وَقيل: خمسٍ وَسِتِّينَ. وَقيل: سِتِّينَ. وَقيل غير ذَلِك.
فعظُم الخطْبُ، ودُهش جماعةٌ من الصَّحَابَة، وَلم يكن فيهم أثبتُ من
العبّاس وَأبي بكر. وخطب أَبُو بكر الناسَ، وتلا عَلَيْهِم قَوْله
تَعَالَى: (إِنَّكَ
(1/144)
مَيِّتٌ وإنَّهمْ مَيِّتُونَ} فثابَتْ
عُقُولهمْ. وسُجِّيَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِبُرْدِ
حِبَرةٍ وَقيل: إنَّ الْمَلَائِكَة سَجَّته.
وَجَاءَت التعزِيَة، يَسمعون الصوتَ وَلَا يرونَ الشخْص السلامُ عَلَيْكُم
أَهلَ الْبَيْت ورحمةُ الله وَبَرَكَاته، {كُلُّ نَفْسٌ ذَائِقَةُ المَوْتِ
وَإِنَّما تُوفَّوفَ أُجوركم يومَ القِيامةِ} إنَّ فِي اللهِ عَزَاءً عَن
كلِّ مُصيبةٍ، وخَلَفاً من كلِّ هالكٍ / 42 ظ. ودَرَكاً مِن كلِّ مَا
فَاتَ، فبالله فَثِقُوا، وإيّاه فارْجُوا، فإنّ المُصابَ مَنْ حُرِم
الثوابَ. والسلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكَانُوا يَرونَ
أنَّ هَذِه التَعزية من الخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام.
ويروى أَنه سمِعَ الناسُ من بَاب الحُجرة حِين ذكرُوا غُسلَه: لَا تَغسلوه
فَإِنَّهُ طاهرٌ مُطهَّرٌ. ثمَّ سمعُوا صَوتا بعده: اغسلوه فإنّ ذَلِك
إِبْلِيس، وَأَنا الخَضِر. وَاخْتلفُوا فِي غُسله. هَل يكون وَهُوَ نائمٌ
فِي ثِيَابه، أَو مُجرَّدٌ عَنْهَا. فَألْقى الله تَعَالَى عَلَيْهِم
النومَ. فَقَالَ قَائِل لَا يعْرفُونَ مَنْ هُوَ: اغسلوه فِي ثِيَابه
فَفَعَلُوا
(1/145)
ذَلِك. وغُسِل فِي قَمِيصه الَّذِي مَاتَ
فِيهِ من بئرٍ يُقال لَهَا: الغَرْس. بوصيّةٍ مِنْهُ. وَكَانَت هَذِه
البِئر لِسعْد بن خَيْثمة بقُبَاء. وَكَانَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] يشربُ مِنْهَا. ووَلِيَ غَسله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عليٌّ.
وَكَانَت على يَده خِرْقة يُغسّلُه بهَا من تَحت الْقَمِيص.
وَكَانَ العبّاس وابناه الْفضل وقُثَم يقلّبونه مَعَ عليٍّ. وَكَانَ أسامةُ
وشُقْران موليَاهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يصبّان المَاء. وَقيل: كَانَ
الفضلُ يصبُّ الماءَ. وحَضرهم أَوْس بن خَوْليّ الْأنْصَارِيّ لم يلِ
شَيْئا. وَقيل: كَانَ يحملُ المَاء. وَقيل: كَانَ العبّاسُ بِالْبَابِ لم
يحضر غُسْلَه. وَالْمَشْهُور أَنه كَانَ حَاضرا. وكُفِّنَ رَسُول الله [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي ثَلَاثَة أثوابٍ بيضٍ سَحُولِيّة، لَيْسَ فِيهَا
قميصٌ، وَلَا عِمامة. أُدْرِج فِيهَا إدْرَاجاً. وَقيل: نُزع قميصُه
الَّذِي غُسِل فِيهِ. وَقيل: لم يُنزَع. وَقيل: كَانَ فِي حَنوطِه
المِسْكُ.
وصلّى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أفذاذاً لم يَؤُمّهم أَحدٌ. وَقد روى
الْبَزَّار وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بإسنادٍ ضَعِيف: أنَّ النبيَّ
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أوصى بذلك. فأوّل مَنْ صلّى
(1/146)
عَلَيْهِ العبّاس، ثمَّ بَنو هَاشم، ثمَّ
الْمُهَاجِرُونَ، ثمَّ الْأَنْصَار، ثمَّ سائرُ النَّاس. وَدخل الصّبيان
ثمَّ النِّسَاء. وَقيل: إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي مَكَان الدّفن / 43 و.
فَقيل: فِي مُصلاّه، وَقيل: بالبَقِيع. فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله
عَنهُ -: سَمِعتُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: مَا دُفن
نبيٌّ قطُّ إلاّ فِي الْمَكَان الَّذِي تُوفي فِيهِ. وَاخْتلفُوا أيُلْحَد
لَهُ أم يُضرَح. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ حَفَّاران أَحدهما يَلْحدُ، وَهُوَ
أَبُو طَلْحَة الأنصاريّ، وَالْآخر يَضْرح وَهُوَ أَبو عُبيدة بن الجرّاح،
فاتفقوا على أنّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمَا أَولا عمل عَملَه. فجَاء أَبُو
طَلْحَة أَولا فحفرَ لَهُ قبراً، ولُحِد فِي جَانِبه، ودُفن [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْموضع الَّذِي توفّاه الله فِيهِ تَحت فراشِه، فِي
بَيت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - وفُرش تَحْتَهُ فِي الْقَبْر قَطيفةٌ
لَهُ حَمراءُ، كَانَ يفترشها. وَدخل قبرَه العبّاسُ وعليٌ والفضلُ وقُثَمُ،
ابْنا العبّاس، وشُقْران مَوْلَاهُ، وَيُقَال: كَانَ أُسامةُ وَأَوْس بن
خَوليّ مَعَهم.
وَيُقَال: إنَّ المُغيرة بن شُعْبَة نزل قَبره، وَلَا يصحّ. قَالَه
الْحَاكِم أَبُو
(1/147)
أَحْمد. وأُطبق على لَحده تسع لبنات، ثمَّ
هِيل عَلَيْهِ الترابُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ دُفن بعده
بِالْبَيْتِ أَبُو بكر ثمَّ عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -. واختَلفوا فِي
مدّة مَرضه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وتأريخ وَفَاته وَدَفنه. فَقيل:
اشْتَكَى يَوْم الْأَرْبَعَاء لإِحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من صَفَر سنة
إِحْدَى عشرَة من الهِجرة، فاشتكى ثلاثَ عشرةَ لَيْلَة. وَقيل: اثْنَتَيْ
عشرَة لَيْلَة.
وَتُوفِّي يَوْم الإِثنين لِليلتين مَضَتا من شهر ربيعٍ الأول. وَقيل:
اشْتَكَى يَوْم السبت لاثْنَتَيْنِ وَعشْرين خَلونَ من صَفَر، وَتُوفِّي
يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة مَضَت من ربيعٍ الأول. وَلَا يصحُّ
أَنه اشْتَكَى يَوْم الْأَرْبَعَاء لِليلة بقيت من صَفَر، لِأَن ذَلِك
يَقْتَضِي أَن مُستهل صَفَر يَوْم الْأَرْبَعَاء، وَذَلِكَ لَا يُتصوَّر،
لِأَن أول ذِي الحجّة كَانَ يَوْم الْخَمِيس. وَقيل: توفِّي يَوْم
الِاثْنَيْنِ لثمانٍ خلت من ربيع الأول. وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد ابْن حزم
وَجَمَاعَة. وَقيل: توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ مُستَهَل ربيعٍ الأول.
وَالرَّاجِح عِنْد الْجُمْهُور أَنه تُوفي / 43 ظ. يَوْم الِاثْنَيْنِ
لِاثْنَتَيْ عشرَة مَضَت من ربيعٍ الأول. وَلَا يصحّ كَمَا قَالَ
السُّهيليُ ثمَّ أَبُو الرّبيع بن سَالم لأنَّ وقفته [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] بعرفةَ فِي حجّة الوَدَاع كَانَت يَوْم الْجُمُعَة، وَلَا
(1/148)
يُتصوَّر مَعَ ذَلِك أَنْ يكون
الِاثْنَيْنِ، الثَّانِي عشر من شهرِ ربيعٍ الأول.
وَالْمَنْقُول عَن الْأَكْثَرين أَنه توفّي حِين اشتدّ الضُّحَى من يَوْم
الِاثْنَيْنِ. وَبِه حزم عبد الْغَنِيّ. وقيلَ: حِين زاغت الشَّمْس. وَفِي
صَحِيح البخاريّ: أَنه توُفي آخر ذَلِك الْيَوْم. وصحّح الْحَاكِم فِي
الإِكليل أَنه توفّي حِين زاغت الشَّمْس فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ. ودُفن
تِلْكَ السَّاعَة. وَقَالَ: إِنَّه أثبت الْأَقَاوِيل. وَقيل: دُفن لَيْلَة
الثُّلَاثَاء. وَقيل: يَوْم الثُّلَاثَاء. وَقيل: لَيْلَة الْأَرْبَعَاء.
وَهُوَ المُرجَّح. وَقيل: يَوْم الْأَرْبَعَاء.
صلى الله عَلَيْهِ، وعَلى آله وَصَحبه وسَلَّم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما.
تمّ الْمُخْتَصر بِحَمْد الله وعونه ومَنَّه وَكَرمه وحسبنا الله وَنعم
الْوَكِيل. وَلَا حول وَلَا قوّة إلاّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم. اللهمَّ
صَلَّ على سيِّدنا مُحَمَّد النبيِّ الأميِّ وعَلى آله وَأَصْحَابه
وسَلِّمْ تَسْلِيمًا كثيرا.
(1/149)
|