المستشرقون والسيرة النبوية

محمد في مكة (2)

(1/85)


2- إسقاط الرؤية العقليّة المعاصرة على السيرة

1
هنا يكاد المستشرقون أن يلتقوا جميعا.. إن هذا الخلل المنهجي الذي هو أشبه بالحتميّة التي لافكاك منها للبحث الغربي، هو القاسم المشترك الأعظم لجل الأبحاث والدراسات التي قدّموها عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن مواضعات العقل الغربي ورواسبه الدينيّة جنبا إلى جنب مع نزوعه العلماني ومسلماته المادّية، ورؤيته الوضعيّة، وانحساره على المنظور وانكماشه على المحسوس وردّة فعله تجاه كل ما هو روحيّ أو غيبيّ، واعتقاده الخاطئ بأنّ تجاوز الواقع إلى ما وراءه سقوط في مظنة الخيال والمثالية والخرافة واللاعلمية.
بل إن غرور العقل الغربيّ، وانتفاخه المتورّم، واعتقاده القدرة على فهم كل شيء، وتحليل كل معضلة في دائرة ما يصطلح عليه بالعلوم الإنسانية ومنها التاريخ.
هذه كلها تفعل فعلها في حقل الدراسة الاستشراقية في السيرة، وتمسك بتلابيب الباحث فلا يستطيع منها فكاكا.
هذا إلى ما تفرضه مكونات البيئة النسبية في الزمان والمكان من مؤشرات قد تصلح لهذا القرن، ولكنها لا تصلح البتة لقرن مضى أو واقعة تاريخية سبق وأن تخلقت في بيئة أخرى.. في مكان غير المكان، وزمان غير الزمان.. وهي مؤشرات قد تكون كذلك خاطئة أو مضلّلة لكن

(1/87)


المستشرق ابن القرن العشرين يتشبّث بها، ويعض عليها بالنواجذ معتقدا أنها مفاتيح الحل ومفردات المنهج العلمي السليم؟
فكيف إذا أضيف إلى هذا كله نظرة اعتقادية مسبقة ترسم هياكلها على ضوء أيديولوجيتها الصارمة، وتسعى لكي تجد في التاريخ السند والدليل؟! بل إنها تحاول أن تعمل في وقائعه بمشرطها الذي لا يرحم من أجل أن تفسرها على الانسجام مع مقولاتها المسبقة، والدخول بالإكراه من عنق الزجاجة الضيّق الملتوي، كما يفعل النصارى المتعصّبون أو الماديون التاريخيون من المستشرقين؟!
بصدد الخطيئة المنهجيّة الأخيرة، فإن (مونتغمري وات) يتجاوز- بحق- الوقوع في إسارها، بل إنه ليعتمد- أحيانا- منهجا مغايرا تماما يبدأ من الواقعة التاريخية نفسها، وينتهي بالنتائج والدلالات التي تقود إليها.. لذا فإنه كثيرا ما كان يعلن رفضه لمقولات التفسير المادي للتاريخ، حيثما رأى الوقائع تتمرّد على هذه المقولات وتسلك مجاري أخرى في العمل والصيرورة.
فإذا كان (وات) يرفض الاعتقادية الجامدة في تحليل التاريخ، فإنه يقع متعمدا حينا، وغير متعمد أحيانا، في أسر القيود الآخرى التي تتحكّم في العقل الغربيّ عموما، والتي ألمحنا إليها قبل قليل.
وهو يحاول في مدخل بحثه أن يعلن تجاوزه لهذه الأزمة، وأن يتّخذ موقفا حياديا أقرب إلى التجرّد والموضوعيّة فيما يتعلّق بالمسائل الفقهية التي أثيرت بين المسيحية والإسلام، «فقد جهدت- يقول وات- في اتخاذ موقف محايد منها، وهكذا بصدد معرفة ما إذا كان القرآن الكريم كلام الله أو ليس كلامه، امتنعت عن استعمال تعبير؛ مثل: (قال تعالى) أو (قال محمد) في كل مرة استشهد فيها بالقرآن، بل أقول بكل بساطة: (يقول القرآن) ، وليس

(1/88)


هذا يعني أنني أرى من الضروري اتخاذ وجهة نظر مادية لضمان حياد المؤرخ، بل أنا، على العكس، أعبر كمؤمن موحد صريح» «1» .
ويمضي (وات) إلى القول بأن «مما لا شك فيه أن هذا الموقف الأكاديمي ناقص نوعا ما، إذ يجب على المسيحيين تحديد موقفهم من محمد بقدر اتصال المسيحية بالإسلام، ويجب أن يقوم هذا الموقف على أسس فقهية، وأنا اعترف بما في كتابي من نقص، بهذا الصدد، وإن كنت أرى أنه يقدم للمسيحيين المواد التاريخية اللازمة لتكوين رأي فقهي» «2» .
ثم ما يلبث أن يتوجّه بالحديث إلى (قرّائه المسلمين) قائلا: «لقد ألزمت نفسي برغم إخلاصي لمعطيات العلم التاريخي المكرّس في الغرب، أن لا أقول أيّ شيء يمكن أن يتعارض مع معتقدات الإسلام الأساسية، ولا حاجة بنا إلى القول بوجود هوّة فاصلة بين العلم الغربي والعقيدة الإسلامية، وإذا حدث أن كانت بعض آراء العلماء الغربيّين غير معقولة عند المسلمين؛ فذلك لأن العلماء الغربيّين لم يكونوا دائما مخلصين لمبادئهم العلمية، وأن آراءهم يجب إعادة النظر فيها من وجهة النظر التاريخية الدقيقة» «3» .
وهي شهادة من الرجل تستحق التقدير.. تجيء بعد سيل من المعطيات المضادة للإسلام طرحها مستشرقون من شتى البلدان، وتكاثرت حتى غدت ركاما، وها هو (وات) يجيء لكي يعترف بأنّ الخطأ لا يكمن في المبادئ العلمية، ولكن في سوء استخدامها من قبل العلماء الغربيين لهذا السبب أو ذاك..
__________
(1) محمد في مكة، المقدمة، ص 5.
(2) المصدر السابق نفسه.
(3) المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 6.

(1/89)


مهما يكن من أمر فإن (وات) إذا كان قد قدر على اتخاذ موقف حيادي من مسألة الصراع بين المسيحية والإسلام (على الرغم من أن هذا الاستنتاج ليس صائبا بشكل نهائي كما سنرى) ؛ فإنّه لم يستطع الفكاك من نقاط الشد الآخرى التي تمسك بتلابيب العقل الغربي: النزوع العلماني والمسلمات المادية والرؤية الوضعية، والانحسار على المنظور واعتقاد القدرة على إخضاع كل ظاهرة تاريخيّة أو بشريّة لمقولات التحليل العقلي الخالص، حتى ولو كانت (غيبية) تند عن التعليل والتحليل.
إن (وات) هو ابن الحضارة الغربية ولن يستطيع الرجل بسهولة أن ينشق على مواضعات البيئة التي شكلت عقله.. ولكنه- مرة أخرى- يعد أكثر قدرة على (التحرر) من معظم زملائه المستشرقين الذين عاصروه أو سبقوه على الطريق.

2
والآن يجب أن نختبر بحثه (محمد في مكة) لوضع اليد على عناصر الخلل المنهجي فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات: إسقاط الرؤية العقلية المعاصرة على التاريخ.. منذ البداية، ولما يمض سوى أسطر معدودات على إعلانه الحياد في مقدّمته يتّخذ من القرآن- كمصدر لدراسة العصر المكي- موقفا يفهم منه اثنتان، أولاهما: عدم اطمئنانه إلى موضوعية روايات القرآن التاريخية، وثانيتهما: أن الشك يحوم حول كثير من النتائج بهذا الصدد!!
فهو يقول، ولمّا يزل بعد في المقدمة: «جرت العادة بعض الوقت بأنّ القرآن هو المصدر الرئيسي لفهم الفترة المكّية، ولا شك أن القرآن معاصر لتلك الفترة، ولكنه متحيّز ناهيك بصعوبة تحديد التسلسل الزمني لمختلف أجزائه، وما يحوم حول كثير من النتائج من شكّ، فهو لا يمدّنا بأي شيء يمكن أن يكون لوحة كاملة لحياة محمد والمسلمين خلال الفترة المكية.

(1/90)


وكل ما فعله كتّاب السيرة الغربيّون هو أنهم أقرّوا اللوحة التي تقدمها السيرة عن الفترة المكية في خطوطها الكبرى، واستعملوها إطارا لا يحتاج إلا لتوشيته بأكبر كمية ممكنة من مواد القرآن (!!) وأفضل طريقة هي اعتبار القرآن والأحاديث الأولى كمصادر يتمّ بعض منها بعضها الآخر في مساهمته لفهم تاريخ الفترة المشار إليها. ويطلعنا القرآن على الجانب الفكري لمجموعة من التغيّرات التي حدثت في مكة وفي ضواحيها، ولكن يجب الاهتمام أيضا بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إذا أردنا تكوين لوحة متناسقة وإدراك الجانب الفكري نفسه» «1» .
أمّا القول بتحيز القرآن وعدم موضوعيته، والشك في صدق النتائج التاريخية التي يطرحها.. فقد لا يستطيع أحد أن يلزم الرجل بالاعتقاد بأن القرآن- ككتاب منزل من الله سبحانه- إنما هو العلم الموضوعي اليقينيّ المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكننا كمسلمين؛ فإننا غير ملزمين البتة بقبول بل حتى بمناقشة أطروحات كهذه طالما أكد عليها المستشرقون.
ولكن حتى لو نظرنا إلى القرآن كوثيقة تاريخية؛ فإن القول بعدم موضوعيته وبالشك في معطياته التاريخية أمر يحتاج إلى دليل.. و (وات) يطرح مقولته على عواهنها.. ولا نجد بعدها في طول كتابه وعرضه مقطعا قرآنيا واحدا يخرج عن الموضوعية.. ولا نجد أيّ دليل!!
وعلى أي حال؛ فإن كتاب الله ما جاء ليكون كتابا تاريخيا يتابع التفاصيل والجزئيات لحظة بلحظة ويوما بيوم، كما نجد في العهدين القديم والجديد اللذين دونا في فترات لا حقة على نبوتي موسى وعيسى عليهما السلام. وبرغم ذلك فقد استطاع عدد من الباحثين أن يستخلصوا من القرآن
__________
(1) المصدر السابق نفسه، ص 12- 13.

(1/91)


حقائق تاريخية قيمة عن العصرين المكي والمدني، وأن يصنعوا من نسيج الآيات ذات الصيغة التاريخية صورة عن السيرة هي في الحقيقة من أدق ما كتب عنها إلى الآن، ويكفي أن ننظر- على سبيل المثال- في كتاب دروزة (سيرة الرسول: صور مقتبسة من القرآن الكريم) ، وصالح أحمد العلي (محاضرات في تاريخ العرب) إلى حد ما، وسيد قطب في تفسيره لسور (الأنفال) و (آل عمران) و (الأحزاب) و (التوبة) و (محمد) و (الفتح) وغيرها في كتابه (في ظلال القرآن) لتبين ما يمكن أن يقدمه كتاب الله عن سيرة رسوله الكريم من معلومات ذات قيمة أكيدة.
إن القرآن الكريم كتاب عقيدة ومنهج حركة، وإذا حدث وأن طرح جانبا من الوقائع التاريخية؛ فإنّ هدفه ليس تكوين لوحة متناسقة شاملة لمجريات الأحداث في عصر بكامله. وإنما ملامسة بعض هذه الأحداث والتعقيب عليها لكي يركب منها موقفا يا بني به الإنسان المسلم والجماعة المسلمة..
أي: أنه يعتمد أسلوب التعليم والتربية بالحدث، وهو واحد من أشد الأساليب حيويّة وعطاء؛ لأنه يحقق ما يسمى بمبدأ (الاقتران الشرطي) ويجعل النمو الحركي للجماعة الإسلامية يستمد مقوماته من الواقع المعيش لا من النظريات المعلقة في الفراغ والجدل اللاهوتي العقيم.
ثم إن (وات) ما يلبث أن يقع في تناقضين آخرين، فهو من جهة يعترف بأن القرآن يطلعنا على الجانب الفكري لمجموعة من التغيّرات التي حدثت في مكة وفي ضواحيها، وهي تغيرات تاريخيّة، بل إنها قمة التغيّرات التاريخية، لأنها بمثابة الحصيلة النهائية للحركة التاريخية التي ترفدها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبما أن القرآن الكريم، كما أشرنا قبل قليل، ليس بحثا في التاريخ، فهو يكتفي بطرح التغيّرات الأعمق والأشمل، ويترك جزئيّاتها المتشكّلة في تيّارات العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مكتفيا بالإشارة إليها بين الحين والحين.

(1/92)


و (وات) من جهة أخرى يشير إلى إمكان اعتماد الأحاديث الأولى كمصادر تتمم المعطيات القرآنية في المساهمة لفهم تاريخ الفترة المكية..
وهذا أمر معروف ومتفق عليه.. إلّا أنّ الرجل ما يلبث بعد قليل أن ينقض هذه المقولة بالتشكيك في حجية الأحاديث هذه المرة، «ربما بدا في بعض الأحيان- يقول وات- أنني عمليا أقل تعلقا بالحديث من أولئك الذين هم أكثر منّي شكا فيه» «1» .
على الرغم من أنه كان قد طرح في مقدّمة كتابه نفسها موقفا أكثر اعتدالا من الحديث؛ حيث قال: «لما كنت أبحث في خلفية حياة محمد وفترته، فقد تقدّمت في الفكرة القائلة بأن الأحاديث يجب أن تقبل عامة، وأن تؤخذ بحذر، وأن تصحح قدر الإمكان في المسائل التي نشكّ فيها بوجود (تلفيق مغرض) ، ولكن يجب ألّا ترفض رفضا باتا إلّا إذا وقع تناقض داخلي بينها» «2» .

3
و (وات) أسوة بجلّ الباحثين الغربيّين، يأخذ بالمفهوم الغربي الحديث للنمو التاريخي للأديان، أي أنّ الرسول أو النبي يعمل وفق المقتضيات المرحليّة لكل فترة تاريخية، ومن ثم فإن منظوره للدين إنما هو وليد مواضعات تلك الفترة؛ فهو لا يملك- ابتداء- رؤية شمولية عن إبعاد دوره كنبي، وعن الملامح النهائية للعقيدة التي جاء لكي يبشر بها.. فمحمد صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال- ما كان يعرف في المرحلة المكية أن الدعوة الإسلامية هي دعوة عالمية، بل ما كان يعرف أنها دعوة للعرب جميعا، ولم يتبين له
__________
(1) المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 13.
(2) المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 11- 12.

(1/93)


ذلك إلا في فترات تالية ووفق الظروف التاريخيّة التي كان يجتازها حينا بعد حين، وقد يلتبس هذا المفهوم الوضعي الخاطئ للدين كحركة شاملة ذات أهداف محدّدة ابتداء، مع واحدة من أشدّ الحقائق أهمية في مسيرة الأديان تلك؛ هي أنّ كل دين سماويّ لا يتنزل دفعة واحدة ويطلب من المؤمنين به الالتزم بكافة واجباته ومنهياته مرة واحدة، إنّما يتنزل على مراحل، وينبني تدريجيا عبر مدى زمني قد يطول وقد يقصر، وهو خلال صيرورته تلك، يتعامل مع المراحل التاريخية وفق معطياتها المرحلية لكي يقدر على مد الجسور وإقامة الحوار وتحقيق التأثير المطلوب. هذا إلى أن النمو العقيدي، وفق هذا المنظور الحركي، يحقق من النتائج الإيجابية ويا بني من القيم ويعزّز من المبادئ ما لا يتحقق عشر معشاره في حالة التنزل الكامل دفعة واحدة.. ولهذا تنزل القرآن الكريم على مراحل، وهو يقولها بوضوح:
(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا) «1» .
وراح من خلال تنزّله ذاك على مراحل، يا بني الإنسان المسلم والجماعة المسلمة خطوة خطوة، ولبنة لبنة، من أجل أن يستقيم البناء، ويقدر عن طريق الالتحام بين التعاليم والتاريخ أن يحقّق هدفه حركيا.. وليس وفق طرائق الجدل النظري واللاهوت.
ولكن هذا لا يعني البتة أن الأنبياء عليهم السلام ما كانوا يرون أبعد من مواطئ أقدامهم.. وأنهم ما كانوا يعرفون سوى مطالب المرحلة الزمنية التي يعملون خلالها كما يرى المفهوم الغربي للتطور التدريجيّ.
إن (وات) يقع في إسار هذا المفهوم بسبب من كونه ابن بيئته الثقافية، لكي ما يلبث أن ينفذه في أكثر من مكان من كتابه عن (محمد) فيقع في حشد من الأخطاء.
__________
(1) الإسراء: 106.

(1/94)


فهو يقول- مثلا- معلقا على أقصوصة اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم بأصنام قريش الثلاثة (اللات والعزى ومناة) ، عبر مساومته مع الزعامة القرشية فيما يعرف (بالآيات الإبليسية) التي سبق وأن ناقشنا تبنّيه لها في مكان آخر: «عد الفقهاء المسلمون الذين ظلوا بعيدين عن المفهوم الغربي الحديث للنمو التدريجي محمدا على أنه قد أخبر منذ البدء بالمضمون الكامل لعقيدة الإسلام، فكان من الصعب عليهم أن لم ير محمد خروج الآيات الإبليسية على عقيدة الإسلام (!!) والحقيقة هي أن توحيده كان في الأصل، كما كان توحيد معاصريه المثقّفين، غامضا، ولم ير بعد أنّ قبول هذه المخلوقات الإلهية (!!) كان يتعارض مع هذا التوحيد. لا شك أنه يعد اللات والعزى ومناة على أنها كائنات سماوية أقل من الله، كما اعترفت اليهودية والمسيحية بوجود ملائكة. ويتحدّث القرآن عنها في الفترة (الأخيرة) ؟ المكية باسم الجن وإن كان يتحدث عنها في الفترة المدنية على أنها مجرد أسماء، إذا كان ذلك فليس من الضروري اكتشاف سبب خاص للآيات الإبليسيّة، فهي لا تدل على أيّ تقهقر واع للتوحيد، بل هي تعبير عن النظريات التي دافع عنها دائما محمد» «1» .
أية فوضى فكرية هذه؛ وأيّ تصوّر مضطرب متهافت للدين، لا هو بالمادي فيرفض الحقيقة الدينية، ولا هو بالمؤمن فيعترف ببداهتها ومسلماتها؟!
لقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كما بعث سائر الأنبياء عليهم السلام من قبله، بعقيدة واضحة كل الوضوح، صارمة أشد الصرامة، مستقيمة بيّنة لا تقبل نكوصا أو التواء، ولا تقبل تغيّرا أو تطورا تدريجيا: إنها شهادة ألاإله إلّا الله، بكل ما تعنيه هذه الشهادة من تسليم كامل بالألوهية المتفرّدة الواحدة، ورفض للتعدد بشتى صيغه وأشكاله:
__________
(1) محمد في مكة، ص 170.

(1/95)


(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) «1» .
(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) «2» .
(قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) «3» .
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) «4» .
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) «5» .
(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) «6» .
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) «7» .
__________
(1) الأعراف: 59.
(2) الأعراف: 65.
(3) الأعراف: 71.
(4) الأعراف: 73.
(5) الأعراف: 85، وانظر: هود: 50، 61، 84، النمل: 60، 61، 62، 63، 64.
(6) هود: 54.
(7) النحل: 2.

(1/96)


(وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) «1» .
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) «2» .
منذ اللحظات الأولى كان محمد صلى الله عليه وسلم يدرك أوضح الإدراك وأعمقه القاعدة التي سينطلق منها لدعوة الناس إلى الدين الجديد، والشعار الذي سيرفعه بمواجهة العالم، والهدف المحوري الذي سيسعى لتجميع المنتمين إليه:
شهادة لا إله إلّا الله:
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) «3» .
(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) «4» .
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) «5» .
(قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) «6» .
(وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) «7» .
__________
(1) النحل: 51.
(2) الأنبياء: 25.
(3) التوبة: 129.
(4) الرعد: 30.
(5) الكهف: 110.
(6) الأنبياء: 108.
(7) القصص: 88.

(1/97)


(قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) «1» .
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) «2» .
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) «3» .
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) «4» .
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) «5» .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم موضحا القاعدة التي ينطلق منها، والهدف المركزي الذي يسعى إليه: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألاإله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام وحسابهم على الله» «6» .
القاعدة المحوريّة الثابتة، الواضحة، الصارمة التي ظلّ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إليها ويقاتل الجاهلية عليها، ويا بني أمته ودولته على أساسها.. وكان يعرف جيدا بوحي الله وتسديده أنّ أيّ انحراف عن هذا المفهوم، بأي قدر
__________
(1) ص: 65.
(2) محمد: 19.
(3) المزمل: 9.
(4) البقرة: 133.
(5) التوبة: 31.
(6) البخاري، تجريد: 1/ 13 (طبعة سنة 1931 م) .

(1/98)


وفي أي اتّجاه، ومن أجل أيّ هدف، يعني التفريط بعصب العقيدة وضياع وجهها وملامحها.. ولذا كان صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا وكما أكّد وكرّر جلّ الباحثين في تاريخ النبوة- مستعدا للقاء مع قريش في كل شيء إلا في هذه، وللحوار والانفتاح على أي شيء إلّا على هذه، ولإقامة الجسور بين الأطراف كافة للوصول إلى أي شيء مشترك إلّا في قضية التوحيد المطلق الذي هو قاعدة الدين وعصب الدعوة، وأساس العقيدة التي بعث لكي يحقّقها في العالم.
وإذا حدث فيما بعد، على المستوى الزمني، أن تنزّلت آيات القرآن لكي تواصل البناء العقيدي، وتمدّ آفاقه وتزيد معطياته غنى.. فإنّ هذا لا يعني حدوث تطور تدريجي بالمفهوم الغربي للتطور.. فإن الأساس العقيدي هو الأساس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلّ على بيّنة من الأمر إزاء هذا الأساس، وكل الذي كان يحدث هو إضافة معطيات جديدة تنبثق عن القاعدة نفسها وتبني على محورها الثابت الواضح.
وثمة تفريق آخر يجب أن يكون واضحا في الأذهان: إنّ العقيدة غير الشريعة، صحيح أن هذه تقوم على تلك وتنبثق عن مقولاتها، وتكسب صيغها من معادلات العقيدة نفسها، ولكنها تجيء فيما بعد تتضمّن حشدا من الجزئيات التنفيذية التي لم يكن النبي- أيّ نبيّ- يعرف عنها مقدما..
أمّا العقيدة فهي تصوّر أساسيّ شامل للكون والحياة والمصير، فإن لم يكن النبي يعرف مقدما أبعاده وخصائصه وأسسه؛ فكيف يبدأ دعوته مجابها بها الإنسان والعالم والطبيعة والتاريخ؟!
ولقد ناقشنا من قبل تهافت ما أسماه (وات) بالآيات الإبليسيّة التي تحكي عن اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم بالأصنام مقابل اعتراف الجاهليّين بالله الواحد!! وسقوطها بالضرورة.. ولكننا نرجع إليها مرة أخرى مضطرّين؛ لأن (وات) يدافع من خلالها عن الرسول صلى الله عليه وسلم دفاعا ملتويا لا ندري إن كان متعمدا خبيثا، أم كان استمرارا طبيعيا لنظرية الغربيّين إياها عن التطور التدريجي للدين.

(1/99)


إنه يقول بأن ليس من حق أصحاب محمد أن يستغربوا قبوله اللات والعزى ومناة، وأنه لم ير في ذلك خروجا على عقيدة الإسلام!! إذ كان عليهم ابتداء أن يدركوا بأنّ نبيّهم لم يكن يعرف يومها المضمون الكامل لعقيدة الإسلام.
بل إنّ (وات) يمضي خطوة أخرى بهذا الاتجاه، فيرى أن توحيد محمد كان في الأصل غامضا تماما، كما كان توحيد معاصريه المثقفين، ولم ير حتى ذلك الوقت؛ أي بعد مرور سنين طويلة على بدء دعوته القائمة على التوحيد المطلق، أن قبول هذه الأصنام يتعارض مع هذا التوحيد.
بل إن (وات) ليمضي أبعد من ذلك كله فيخلع صفة المخلوقات الإلهية على الأصنام الحجرية المرصوفة على قارعة كل طريق، ثم يجزم (وهو صاحب المنهج الشكّي في السيرة) بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعد اللات والعزى ومناة كائنات سماوية ولكنها أقل من الله!!
ألا يدرك هذا الباحث أنه في استنتاجاته التي تتميز بالغرابة والفجاجة يتناقض مع بداهات الإسلام ومسلماته التوحيدية التي انطلق بها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ اللحظات الأولى.. وسوف يقاتل العرب جميعا من أجل الحفاظ على نقائها وتفرّدها؟
ولماذا يشكّ الرجل وينفي الكثير من وقائع السيرة التي لا ترتطم أو تتناقض مع الخط العام لحركة النبوة، بينما يقبل هذه الرواية الشاذّة الضعيفة المهلهلة، المدخولة التي ترتطم مع الأوليات والأسس والبداهات؟
ثم ما يلبث (وات) أن يبلغ حدّ التخليط الذي تنعدم معه الرؤية الصحيحة للأشياء عندما يقرن اعتراف محمد صلى الله عليه وسلم بالأصنام؛ «تلك الكائنات السماوية التي هي أقل من الله» باعتراف اليهودية والمسيحية بوجود الملائكة!!

(1/100)


أية علاقة تربط بين الأصنام وبين الملائكة؟ وهل من مسوغ هنا أو في أية مناسبة لاستعراض الفروق التي تميّز بين الحجارة والملائكة، وللتزييف الدينيّ الذي تمثله الأولى والحقيقة الغيبيّة المؤكّدة التي تمثلها الثانية؟ ..
للعصيان الذي تمثله الأولى، وللطاعة والتسليم والإذعان الذي تمثله الثانية؟
ألا يجوز أن يكون (وات) قد طرح هذا التقابل غير المنطقي للتشكيك بجدية الموقف العقيدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتمرير هذه الواقعة المزيّفة في الوقت نفسه؟
وفي ختام مقولته يطرح (وات) معميات وتناقضات أخرى؛ فيشير إلى أن القرآن يتحدث عن تلك المخلوقات الإلهية (الأصنام) في الفترة المكية الأخيرة باسم (الجنّ) !! وإن كان يتحدث عنها في الفترة المدنية على أنها مجرّد أسماء.
أيتأخر- إذن- رفض الصنميّة وتجريدها من الفاعلية حتى نهاية العصر المكّي، بل حتى العصر المدني؟ فلم كان إذن ذلك الصراع الذي لا هوادة فيه بين المسلمين والزعامة الوثنية؟ ولم كانت قولة محمد المبكرة التي لم يشأ (وات) أن يشير إليها أو يعترف بها: «والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة!» ، وما هو (الأمر) إن لم يكن التوحيد المطلق، والرفض المطلق للوثنية بكل صيغها وأشكالها؟ وكيف تفوت على (وات) هذه الحقائق جميعا؛ بحيث إنه يختتم مقولته بهذه الكلمات القاطعة «أن الحادثة لا تدلّ على أي تقهقر واع للتوحيد، بل هي تعبير عن النظريات التي دافع عنها دائما محمد» !
ولا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من نقاش وقد بلغ هذا الحدّ من التبعثر والفجاجة..

(1/101)


4
وانطلاقا من إسقاط المفهوم الغربي الخاطئ للدين على وقائع السيرة، نلتقي بحشد من الاستنتاجات والتحليلات الخاطئة التي يعتمدها (وات) ، وإن كانت بشكل عام أقلّ حدة مما نجده لدى المستشرقين الآخرين..
لكنها على أية حال تمثل ارتطاما بحقائق النبوة، ولا يمكن معها للعقل المسلم إلّا أن يرى فيها سذاجة وجهلا، أو خبثا ومكرا.. فنحن نقرأ عبارات كهذه يمكن أن تكون مناقشتها ضربا في غير هدف، أو اعترافا على الأقل بجدّيتها التي يجب ألّا تخلع عليها أبدا حتى على المستوى الأكاديمي.. فما كان الدين الإسلامي وأسسه العقيدية، على وجه الخصوص، حقلا لمماحكات الأكاديميّين وتجاربهم الفكرية في شرق أو غرب: «لقد تملكت محمدا، منذ وقت مبكر عقيدة أن الكلمات التي تصل إليه هي وحي من الله، مهما كانت الصورة الدقيقة لتجربته الأولى في تلقي الوحي.. وقد أظهر الإيمان بذلك منذ البداية في دعوته العامة» «1» .
ونقرأ «على المؤرخ أن يعترف بصدق محمد المطلق في اعتقاده بأن الوحي كان يأتيه من الخارج، وأنه يمكن أن يكون قبل نزول الوحي قد سمع من بعض الأشخاص قسما من القصص التي يذكرها القرآن، وعندئذ يترك المؤرخ الموضوع إلى الفقهاء ليقوموا بنوع من التوفيق» «2» .
ونقرأ «كما نرى أثر الشك في اليوم الآخر وراء السؤال الموجّه إلى محمد:
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) ، ويردّ القرآن على هذا السؤال، أو يتحاشى الرد لأنه يمكن أن يحدث بلبلة لمحمد، وهذا هو الهدف من سؤاله» «3» .
__________
(1) محمد في مكة، ص 203.
(2) المصدر السابق نفسه، ص 205.
(3) المصدر السابق نفسه، ص 200.

(1/102)


و (وات) يعود إلى مسألة النمو التدريجي والضرورات المرحلية.. إلى آخره فيتصوّر أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف حتى أواخر العصر المكي، الأبعاد الحقيقة لدعوته، وأنها ليست لقريش وحدها أو للعرب وحدهم، وإنما للعالم جميعا.. ويغافل (وات) كما أغفل غيره من المستشرقين تلك المعطيات القرآنية التي كانت تؤكد منذ بدايات العصر المكي: عالمية الدعوة الإسلامية، وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يمكن أن يسيروا كالعميان- خطوة خطوة دون أن يملكوا مسبقا استشرافا شاملا لما يسعون لتحقيقه، ولا حتى للخطوات التالية التي يجب عليهم أن يقطعوها.. وإذا كان الزعماء العاديون يمتلكون رؤية مستقبليّة نافذة تتجاوز حدود الزمن الراهن، وتتحرك صوب أبعاده النائية وفق برنامج مرسوم.. أفلا يكون الأنبياء مبعوثو الله إلى العالم، قادرين على امتلاك هذه الرؤية، بل ممتلكين بإرادة الله ووحيه- زمامها منذ اللحظات الأولى!!
على أية حال فهذه هي الآيات القرآنية (المكية) التي تؤكد عالمية الدعوة الإسلامية منذ البدايات الأولى:
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) «1» .
(وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) «2» .
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) «3» .
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) «4» .
__________
(1) الأنعام: 90.
(2) يوسف: 104.
(3) الأنبياء: 107.
(4) الفرقان: 1.

(1/103)


(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) «1» .
(وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) «2» .
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) «3» .
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) «4» .
ونسمع (وات) يقول بصيغ الجزم والاعتقاد التي لم نألفها منه: «نحن نعتقد أن محمدا في هذا الوقت (بعد عودته من الطائف) أخذ يدعو أفراد القبائل البدوية للدخول في الإسلام، وأن وراء هذا النشاط تكمن فكرة غامضة في توحيد العرب جميعا» «5» .
ونسمعه يقول: «وعدّ محمد نفسه في البدء مرسلا لقريش خاصة، وليس لدينا أية وسيلة لمعرفة ما إذا كان قد فكّر بتوسيع أفق رسالته لتشمل العرب جميعا، قبل وفاة أبي طالب أو بعدها. وقد اضطره تدهور وضعه مع ذلك، أن ينظر إلى أبعد من ذلك، فلا نسمع من ثمّ خلال سنواته الثلاث الأخيرة في مكة إلّا عن علاقاته بالقبائل البدوية وسكان الطائف ويثرب» «6» .
وفي مكان آخر يصوّر محمدا صلى الله عليه وسلم كما لو كان لا يميّز بين الدين والسياسة، ولا يعرف تماما أنّ دعوة كدعوته ستقود بالضرورة إلى مركز الزعامة، وأنه لم يكن يفكّر بأيّ دور غير الدور الدينيّ الصرف وفق المفهوم
__________
(1) ص 87.
(2) القلم: 52.
(3) التكوير: 26، 27.
(4) سبأ: 28.
(5) محمد في مكة، ص 223.
(6) المصدر السابق نفسه، ص 219.

(1/104)


الغربي وأنه لم «يكن سوى رجل ينذر» ، وأنه «كان يجب تنبيهه على الجوانب السياسية الدينية» «1» . ومع ذلك يقول (وات) : «لم يكن يمكن استمرار الفصل بين رسالة النبوّة ووظيفة القائد السياسي في الظروف المشار إليها، أي في مثل نظرة العرب لما يحدد صفات الفضل والكفاءة الضرورية للحكم. فأيّ إنسان كان في استطاعته فيما بعد انتهاج سياسة تكذّبها كلمة من الله أو حتى من نبيّه؟ وهكذا تكون الإشارة إلى الآلهة بداية معارضة القرشيّين العنيفة، كما أن سورة الكافرين وإن بدت دينية صرفة، فهي حثّ لمحمد على فتح مكة» «2» .
ونحن نقرأ في هذا الصدد هذه المقولة كذلك: «إن السبب الأساسيّ في المعارضة كان من دون شكّ أنّ زعماء قريش وجدوا أن إيمان محمد بأنّه نبيّ ستكون له نتائج سياسية، كانت السنة العربية القديمة تقول: إن الرئاسة في القبيلة يجب أن تكون من نصيب أكثر الرجال حظا من الحكمة والحذر والعقل، فلو أن أهالي مكّة أخذوا يؤمنون بإنذار محمد ووعيده وجعلوا يستفسرون عن الطريق التي يجب أن تدار بها شؤونهم فمن ذا الذي يحق له نصحهم غير محمد نفسه» «3» ؟
فإذا كان زعماء قريش قد أدركوا العلاقة بين الدين والسياسة، بين الدعوة والقيادة، فكيف لم يدرك محمد ذلك وهو أكثر من أي قرشي آخر حظا «من الحكمة والعقل» كما يعترف (وات) نفسه؟!
كما أنه يعود إلى مسألة الضرورات المرحلية، إلى درجة أنه يوحي للقارئ بأن القرآن الكريم كان يتحايل على قريش خشية الارتطام بها،
__________
(1) المصدر السابق نفسه، ص 177.
(2) المصدر السابق نفسه، ص 177- 178.
(3) المصدر السابق نفسه، ص 214.

(1/105)


فيؤجّل نهيه عن الربا، أحد أعمدة النشاط المالي المكيّ، إلى وقت طويل بعد الهجرة، ويكتفي بنقد موقفهم الشخصي من الثروة.. «لقد كان زعماء مكة من بعد النظر بحيث أقرّوا بالتناقض بين تعاليم القرآن الأخلاقية ورأس المال التجاري الذي كان عماد حياتهم، ولهذا لم يظهر النهي عن الربا حتى وقت طويل بعد الهجرة، بينما ظهر منذ البداية نقد لموقفهم الشخصي من الثروة» «1» .
ويصعب على المرء التصديق بأن مستشرقا متعمّقا كوات لا يدرك الفارق بين العقيدة والشريعة في الإسلام، وأن المرحلة المكّية تختلف عن المرحلة المدنيّة في أن حركة الإسلام في الأولى كانت منصبّة على البناء العقيدي، بينما انصبّت في المرحلة التالية على البناء التشريعي بسبب قيام دولة الإسلام وما تتطلبه من نظم ومعطيات تشريعيّة، مع استمرار البناء العقيدي بطبيعة الحال.. فالذي حدث ليس تحوّلا في بنية الإسلام نفسه، بل في تنظيم الأولويات بعد إنجاز مرحلة بناء الجماعة الإسلامية وقيام دولة الإسلام في المدينة ومع ذلك فنحن نقرأ في كتاب (وات) هذه العبارة: «نستطيع القول بأن الإسلام قد تحول في خطوطه الكبرى عند الهجرة، ولكن معظم مؤسساته كان لا يزال في مرحلة بدائية، فلم يتم بعد، تحديد الصلوات ولا العبادة، وإن كانت قد وضعت الأسس لذلك.. ولم تظهر ظهورا كاملا أركان الإسلام الآخرى: الصيام، الزكاة، الشهادة، والحج، ومع ذلك كانت كل الأفكار الرئيسية: الله، اليوم الآخر، الجنة والنار، وإرسال الأنبياء، واضحة تماما» «2» .
وفرق واضح بين أن نقول بأن معظم مؤسسات الإسلام كانت في طور الولادة أو التشكيل، وبين أن نقول: إنها كانت في مرحلة بدائية!!
__________
(1) المصدر السابق نفسه، ص 215.
(2) المصدر السابق نفسه، ص 238- 239.

(1/106)


ذلك أن للكلمات إيحاآت وظلالا، وإنه ليتوجّب على الباحث الجادّ أن يعرف كيف ينتقي كلماته.. وإلّا كان من حقّنا- كطرف في الموضوع- أن نتهمه بالأغراض!! أو على الأقل بأنه يجهل الفارق الحاسم بين المرحلتين المكيّة والمدنيّة حيث لم يكن التوجه في الأولى ينصب أساسا على إقامة المؤسسات، وكان الهدف: العقيدة من أجل الأساس الصالح لإقامة المؤسسات.

5
والآن ماذا بصدد تقليد القرنين الأخيرين القائل بفاعلية العامل الاقتصادي في التاريخ، والذي أخذ يتضخّم ويتضخّم حتى غدا على يد ماركس وأنجلز الحاكم بأمره في حركة التاريخ، بل إنه أصبح القاعدة الأساسية لكل تغيّر أو تحوّل حتى ولو كان دينيا أو أخلاقيا أو جماليا صرفا؟
ولقد أسر هذا الاعتقاد بدرجة أو أخرى، حتى أولئك المؤرخين الذين لم يعتنقوا المادية التاريخية، ولكنهم أصرّوا على تفسير كل ظاهرة تاريخية بالدافع الاقتصادي.. فلمّا تبيّن بمرور الزمن، واتساع إمكانات مناهج البحث وتكشف المزيد من الحقائق المضادّة عجز هذا الدافع عن أن يكون وراء كل ظاهرة، أو أن يفسّر كلّ حدث، تراجعوا بدورهم وخفّفوا من تبنّيهم للدافع، مفسحين المجال لفاعلية العوامل الآخرى التي لا تقل أهمية بحال من الأحوال.. أما المستشرقون عموما فقد تأخّروا بعض الشيء في اعتماد هذا الدافع ربما لأنّ وقائع التاريخ الإسلامي تتأبّى، أكثر من الأحداث التاريخيّة الأوربية، على دافع كهذا.. ولقد مرّ بنا كيف كان (وات) واحدا من الذين رفضوا الأخذ بمنطق التفسير المادي للتاريخ..
ولكن ذلك لم يكن يعني بالنسبة إليه، تجاوز الأخذ بمنطق التأثيرات الاقتصادية في التاريخ.. فإن القول بفعالية العامل الاقتصادي في التاريخ

(1/107)


شيء آخر تماما غير ما تريد المادية التاريخية أن تقوله، فتجعل من هذا العامل الطاقة الحركيّة الأساسيّة للفعل التاريخي، وتتّخذه قاعدة تحتيّة لسائر المناشط الحضارية..
وإذا كان (وات) يرفض هذا التوجه أحادي الجانب؛ فإنه يتشبّث بدور العامل الماديّ عموما، والاقتصادي على وجه الخصوص، في الحركة التاريخية.. وهو يقول بهذا الصدد: «إن اهتمام المؤرخين ومناهجهم قد تغيّرت خلال نصف القرن الأخير، ولا سيّما أنهم أدركوا بصورة أفضل العوامل المادّية الكامنة في التاريخ. يعني ذلك: أنّ مؤرخي منتصف القرن العشرين يهتمون أكثر بتحديد أثر كثير من المسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دون أن يهملوا الجانب الديني أو يقلّلوا من شأنه، حتى إن الذين (من أمثالي) يرفضون القول بأن مثل هذه العوامل يمكنها أن تحدد بصورة مطلقة سير الأمور؛ يجب عليهم مع ذلك أن يعترفوا بأهميتها.
وليست ميّزة هذه السيرة لمحمد أن تستعرض المصادر المعروضة عليها بقدر اهتمامها بهذه العوامل المادية ومحاولتها أن تقدّم جوابا على العديد من الأسئلة التي قلّما أثيرت في الماضي» «1» .
ومع هذه التحفّظات التي يطرحها (وات) فإننا نجده ينساق بين الحين والآخر، وراء إغراء هذا التقليد المنهجي القائم على منح الأهمية، وربما الأولوية، للعامل الاقتصادي لكي يفسّر وقائع من السيرة تندّ بطبيعتها عن أن تكون تمخّضا عن العلاقات الاقتصادية، في إطار حركة دينية كسرت- كما رأينا في بدء البحث- كل (التنظيرات) المادية التي أريد إخضاعها لها!!
فهو- مثلا- يقتبس فكرة الصراع الطبقي في حديثه عن المنتمين للإسلام في العصر المكّي، فيرى أن الإسلام «لم يستمدّ قوته من رجال الدرجة
__________
(1) المصدر السابق نفسه، المقدمة، ص 6- 7.

(1/108)


السفلى من السلّم الاجتماعي بل من أولئك الذين كانوا في الوسط وأدركوا الفرق بينهم وبين أصحاب الامتيازات في الذروة، فأخذوا يقنعون أنفسهم بأنهم أقلّ امتيازا منهم، فنشأ صراع ليس بين (الملّاكين) و (المعوزين) بل بين الملّاكين والذين هم أقلّ منهم» «1» .
لا ريب أنّ اعتماد (المقاييس المادية) لفحص الدوافع التي قادت المسلمين وغير المسلمين للانتماء إلى الدين أو إلى أيّة عقيدة أو دين، أمر يرفضه واقع (التجربة) في أبعادها الشاملة الرحبة، فلم يكن البحث عن (الحق) والتشبث في الانتماء إليه أمر معدة تبحث عن طعامها، وجسد يرنو إلى الإشباع، بقدر ما هو مسألة نفسيّة معقّدة يلعب فيها الظمأ الروحي واليقين الفكري والقناعة الذاتية دورها الحاسم؛ بحيث إن سائر الأمور الآخرى، الحسّية والجسدية تظلّ (ثانوية) بالنسبة لهذه الدوافع الأساسية.
هذا على المستوى الذاتي، أما على المستوى التاريخي، فإن هذا المقياس يتعرّض للتهافت- كذلك- بمجرد إلقاء نظرة متأنية على قوائم المسلمين الأول الذين كان أكثرهم- كما يقول صالح عليّ- من التجّار ورجال الطبقة الوسطى، وممن كانت لهم عشائر تحميهم وتدفع عنهم. بل حتى وجود الحلفاء والمستضعفين في الإسلام لا ينهض دليلا على صحّة هذا الرأي؛ إذ إن هؤلاء نالوا كثيرا من الاضطهاد بسبب عقائدهم، ومنوا بكثير من الآمال إذا تركوا الإسلام، فرفضوا وأصرّوا على التمسّك بالدين الجديد، مما يدل على أن دافع العقيدة هو الذي كان يدفعهم إلى اعتناق الإسلام.. والواقع أن الروايات أشارت صراحة إلى دوافع بعضهم، فعثمان بن مظعون كان من قبل ظهور الإسلام من الباحثين عن الدين، وسعيد بن زيد بن عمرو هو ابن الرجل الذي كان حنيفا يبحث عن دين إبراهيم، وخالد بن سعيد بن العاص دان بالإسلام؛ لأنه رأى نفسه في
__________
(1) المصدر السابق نفسه، ص 160.

(1/109)


المنام على حافة هاوية من النار يدفعه إليها أبوه ويدفعه عنها رجل آخر لينقذه منها.. أما عمر بن الخطاب الذي أسلم بعد هذه الفترة؛ فقد أسلم لتأثره من سماعه آيات القرآن ومن رؤيته أخته تتأذّى «1» .
ترى كم من المسلمين قادتهم إلى الإسلام تلك (الهزّة الوجدانية) التي أحدثتها آيات القرآن الكريم الساحرة، المعجزة، وهي تتلى عليهم، فتغسل ضمائرهم وتزيل زيغ قلوبهم، وتعيد ألق الذكاء إلى عقولهم ونور اليقين إلى بصائرهم وأفئدتهم؟ وهل بعد هذه (الهزة) الشاملة التي تنقل الإنسان من حال إلى حال تفكير (منفعي) محدود في أمعاء تمتلئ طعاما، وجيوب تفيض فضة وذهبا؟ ما الذي دفع عثمان بن عفان وهو في قمة قريش غنى ومكانة وأمانا ومحبة وجاها، إلى أن يتمرّد على جاهليته ويقف في لحظات الدعوة الأولى، الصعبة الغامضة، الخطيرة، بمواجهة قومه وعشيرته، رافضا الغنى والمكانة والجاه والمحبة، مختارا بدلا منها الفقر والزراية والخوف والكراهية؟ حتى إنه ليستهين بسياط عمه وهي تنزل على ظهره من أجل أن تعيده إلى حظيرة الآباء والأجداد؟ وما الذي دفع أبا بكر- وعشرات غيره- إلى أن ينفقوا من أموالهم الخاصة التي كدحوا من أجلها ينفقونها إلى آخر درهم، حتى إن الرسول ليسأل الصدّيق: وما الذي أبقيت لعيالك يا أبابكر؟ فيكون جوابه: أبقيت لهم الله ورسوله!! وما الذي دفع سعد بن أبي وقاص، الغنيّ المدلّل، إلى أن يرفض توسّلات أمه وقد أوثقته وباطا من أجل أن يرتدّ عن دينه، فما يكون جوابه إلّا أن يقول: والله يا أمّ لو رأيتك تموتين مئة مرة ثم تعودين ثانية إلى الحياة ما ردّني ذلك عن ديني؟! (وغير عثمان وأبي بكر وسعد كثيرون) ..
إن (وات) نفسه يقول: «لقد انتمى إلى الإسلام شباب من أفضل العائلات، وخالد بن سعيد أفضل مثل لهذه الفئة، ولكن هنالك آخرون غيره وكانوا ينحدرون من أقوى العائلات وأشهر القبائل، تربطهم روابط متينة
__________
(1) محاضرات في تاريخ العرب: 1/ 338.

(1/110)


بالرجال الذين يملكون السلطة في مكة وكانوا في مقدّمة أعداء محمد، ومن المهمّ أن نشير إلى أنه وجد في معركة بدر أمثلة على الإخوة والآباء والأبناء والعم وابن الأخ الذين كانوا يقاتلون في صفوف كلا الحزبين..» «1» .
وبذلك يناقض الرجل نفسه ... ثم إلى أي دين كان ينتمي هؤلاء المترفون الأغنياء ومتوسطو الحال الذين ينتمون إلى أشهر القبائل المكيّة وأعلاها سلطة ومكانة؟ إلى الدين الذي كانت حملات كتابه تتنزّل منذ بداياتها الأولى (العلق، القلم ... وغيرهما) «2» صواعق على رؤوس الأغنياء والزعماء، تلك الآيات التي «نددت بالأغنياء الذين يقبضون أيديهم الطاغية الباغية المعتزة والمتكبرة عن الحق» «3» .
وشبيهة بالنص السابق الذي أوردناه لوات قبل قليل، تلك العبارات التي يفسر فيها دافع إسلام عمر بن الخطاب.. وكأن انتماءه للدين الجديد كان بسبب رغبة (مصلحية) تملكته في تجاوز ما يمكن أن تنتهي إليه قبيلته من تدهور وانحطاط، «لا نجد- يقول وات- أية إشارة إلى العوامل الاقتصادية (في إسلام عمر) . ومع ذلك فإن عمر وإن كان واثقا من مكانته في القبيلة، أحسّ بالضيق بسبب مكانة قبيلته في مكة، ولا يستبعد أن يكون شعوره بالضيق قد ضاعف حقده على زملائه الذين كانوا يتولّون قيادة القبيلة خشية أن يؤدي اعتناقهم للإسلام إلى تدهور حالة القبيلة العامة» «4» .
__________
(1) محمد في مكة، ص 158.
(2) انظر سورة الزخرف: 22- 23، هود: 116، المزمل: 11- 12، الإسراء: 16، الواقعة: 41- 48، الحاقة: 25- 29، الهمزة: 1- 4، سبأ: 31- 37، غافر: 47- 48، إبراهيم: 21، الأحزاب: 66- 67، الأعراف: 36- 40، الفرقان: 21، الأنعام: 133، الجاثية: 31، الجن: 24، النازعات: 28- 29، النبأ: 21- 22، وانظر: صالح أحمد العلي: محاضرات: 1/ 357- 359.
(3) دروزة: سيرة الرسول: 1/ 165.
(4) محمد في مكة، ص 163- 164.

(1/111)


والموقف من مقاطعة المسلمين المعروفة في شعب أبي طالب، وفشل هذه المقاطعة يرجع بها (وات) - كذلك- إلى الاقتصاد والمصالح الاقتصادية، فيقول: «لا مغزى لغياب المشتركين الآخرين في حلف الفضول (عن التوقيع على وثيقة المقاطعة) ما عدا غياب عبد شمس، ولكن كل شيء يحمل على الاعتقاد بأنّ هذه القبيلة كانت تسعى لعقد صلات متينة مع مخزوم لخدمة مصالحها المشتركة، فكان لا بد من أن يوجه ذلك سياستها أكثر من المحالفات القديمة، وإذا جاز لنا تقديم ملاحظة حول الدوافع التي أدت إلى توقف المقاطعة؛ فإنّنا نقول: إنهم أدركوا بمرور الزمن أن التحالف الكبير والمقاطعة يقوّيان مركز القبائل القوية التي كانت تحاول القيام بمراقبة التجارة المكّية، وإخفاق مكانة سائر القبائل» «1» .
وتفاصيل الظروف التي انتهت إلى إلغاء المقاطعة معروفة «2» ، ونخوة الإنسان لمجابهة الظلم وإنقاذ المظلومين طبع مركوز في جبلّة الإنسان إلّا إذا جرّدناه عن قيمه كإنسان، وعددنا المجتمع البشري مجتمعا حشريا لا تحركه إلّا المصالح الصرفة.. أما على مستوى الأخلاق العربية القديمة ذات الوجود التاريخي الثقيل، فإنّ المسألة تبدو أكثر وضوحا، وعلى هذا الضوء يمكن أن نفهم ما جرى.
ومحمد صلى الله عليه وسلم نفسه يضرب على وتر الدوافع الاقتصادية المصاحبة لكسب الأنصار، فيما يقتبسه (وات) عن (لا مانس) الذي سبق وأن رفض التسليم باستنتاجاته، «كان الأشخاص الذين اتصل بهم محمد، وهم عبد ياليل وإخوته ينتمون إلى قبيلة عمر بن عمير المنتمية للأحلاف، فكانوا بذلك من
__________
(1) المصدر السابق نفسه، ص 196.
(2) انظر ابن هشام: تهذيب من 89- 91، الطبري: تاريخ 2/ 341- 343، البلاذري: أنساب: 1/ 335- 336، ابن سعد: طبقات: 1/ 1/ 141، ابن الأثير: الكامل: 2/ 87- 90.

(1/112)


أنصار قريش، وربما راود محمدا الأمل باستمالتهم إليه بالتلويح لهم بتحريرهم من سيطرة مخزوم المالية» «1» .
وفي مكان آخر يجعل (وات) «ظهور الإسلام ذا علاقة بالانتقال من اقتصاد بدوي إلى اقتصاد تجاري» ، وإذ كان الرجل قد أكّد في عبارة سابقة:
«إن قلاقل العصر كانت دينية مثل كلّ شيء» ؛ فإنه ينتهي إلى طرح هذا السؤال: «هل هناك تناقض أم أنّ النظريّتين يمكن أن تلتقيا؟» «2» . وهو في مكان آخر يرى إمكان ذلك «3» .
ولا داعي للتأكيد، للمرة العشرين، على أن الإسلام يفرد مكانا واسعا للعوامل المادية والدوافع الاقتصادية، وعلى أنّ بعض وقائع السيرة لا تفهم إلّا على ضوء دوافع كهذه، ولكن الإسلام كدين منزل من السماء، وكدعوة أخيرة للبشريّة، أريد لها أن تواكب الوجود الإنساني على اختلاف تقلّباته وأوضاعه.. إنما هو حركة أكثر شموليّة وأعمق أثرا من أي تأثير مادي أو اقتصادي، وأنه كدعوة انقلابية، ضربت الأعراف والتقاليد والمعادلات اليومية السائدة، أكثر استعصاء على التزمّن والتحجيم الاقتصاديين وأن القول بالعلاقة بين ظهوره وبين الانتقال من صيغة اقتصادية إلى صيغة أخرى، تقطعه بين لحظة وأخرى، معطيات الإسلام العقيدية والتاريخية على السواء.
في مقابل هذا كله يطرح (وات) وجهات نظر أقرب إلى الموضوعية في حديثه عن العامل الاقتصادي، فينفي أولوية هذا العامل حينا، ويلتقي حينا آخر مع الرؤية الإسلامية التي تجعل (الدين) هو الأساس الحقيقي للمتغيرات
__________
(1) محمد في مكة، ص 221.
(2) المصدر السابق نفسه، ص 134، وانظر كذلك، ص 135.
(3) المصدر السابق نفسه، ص 162.

(1/113)


الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو تحليل يختلف في اتجاهه تماما عن التحليل الماديّ للتاريخ، يقول (وات) : «نستطيع تحديد الموقف بقولنا:
إنه، ولو كان محمد على علم واسع بالأمراض الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية في عصره وفي بلاده، فإنه كان يعدّ الناحية الدينية أساسية، ولهذا حصر اهتمامه بهذه الناحية. وهذا ما حدد أخلاق الأمة الجديدة، فقد اهتم المسلمون الأوائل بعقائدهم وشعائرهم الدينية اهتماما شديدا، حتى لو أنّ رجلا يهتم خصوصا بالسياسة خلال الفترة المكّية لما ارتاح إلى العيش بينهم، ولا سيما حين اشتد النضال مع المعارضين وأصبحت نبوة محمد موضوع الخلاف الرئيس، فقد اتجهت أفكارهم أولا إلى الدين، ولهذا دعي الناس إلى الإسلام على أساس دينيّ، ولا يكاد يكون للأفكار الواعية الاقتصادية أو السياسية أي دور في اعتناق الإسلام، نقول هذا ونحن نعتقد بأن محمدا والمتنوّرين من أتباعه قد أدركوا الأهمية الاجتماعية والسياسية لرسالته، وإن مثل هذه الآراء كان لها أثر بالنسبة إليهم في إدارة شؤون المسلمين» «1» .
وفي مكان آخر يؤكّد (وات) هذه (الفكرة) التي تضع الأمور في نصابها بعد أن أطاحت بها ذات اليمين وذات الشمال نظرية التفسير المادي التي عضّت بنواجذها على صيغة الإنتاج كقاعدة تحتيّة لكل المتغيّرات على الإطلاق!: «كانت المشكلة التي جابهها محمد- يقول وات- لها جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية، غير أن رسالته كانت في الأساس دينية بحيث إنها حاولت علاج الأسباب الدينية الكامنة لهذه المشكلة، ولكنها انتهت لمعالجة الجوانب الآخرى، لهذا اتخذت المعارضة أشكالا مختلفة» «2» .
__________
(1) المصدر السابق نفسه، ص 164- 165.
(2) المصدر السابق نفسه، ص 216.

(1/114)


وثمّة تأكيد ثالث لهذا المنظور الذي لا يغافل الدافع المادي، ولكنه يضعه في مكانه تماما: «إن الأسباب المادية لا تنفي الأسباب الدينية، بل الاثنان متكاملان، والقول الحق هو أن الأفكار الدينية يجب أن تكون ضرورية لتجعل الناس يدركون الوضع العام الذي يعيشون فيه، والأهداف التي يسعون وراءها، وللدين في نظر التفكير الديني مظاهره السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هذا هو الحال في الشرق الأدنى، وهو مع ذلك ظاهرة غريبة في نظر الغربيّين، ولكن يجب ألّا يعمينا ذلك عن إدراك أن الجانب الدينيّ في الحركة التي تزعّمها محمد كان دائما صحيحا وثيق الصلة بالجوانب الآخرى» «1» .
وانطلاقا من هذه القدرة على (التحرّر) من شدّ التقليد الغربيّ بصدد الدوافع الاقتصادية، يطرح (وات) في مقدمة كتابه هذا السؤال: «هل يعني هذا أن ظهور ديانة جديدة في الحجاز وانتشار العرب في فارس وسورية وإفريقية الشمالية مرتبطان بتغيّر اقتصادي خطير؟» ، وما يلبث أن يجيب عليه بقوله «هناك من يجيب بالإشارة إلى قحط صحراء الجزيرة العربية، وأن الجوع هو الذي دفع العرب على طرق الفتح، لندع جانبا مؤقتا، المسألة العامة عن التغيّر الاقتصادي، ويكفي أن نشير إلى أنه ليس هناك برهان وثيق على سوء الأحوال المناخية في الصحراء «2» . فلقد كانت الحياة فيها مقبولة.
ونسمع عن صحابة محمد أنهم- أثناء الفتوحات خارج الجزيرة- كانوا يعودون أدراجهم إلى حياة الصحراء التي يحبّونها، ونشعر من خلال ذلك أنّ البدو لم يكونوا أسوأ حالا من الماضي، بل كانوا أفضل حالا بسبب ما يستفيدونه من ازدهار مكة المستمر.. ولقد وجدت صناعات صغيرة في
__________
(1) المصدر السابق نفسه، ص 239- 240.
(2) انظر: أرنولد توينبي، دراسة في التاريخ: 3/ 439، 445، 453، 454.

(1/115)


الحجاز، ولا سيما لتلبية حاجات البدو والحضر، وإن سمعنا عن سلع من الجلد فمصدرها الطائف، ولكن هذه الصناعات ليست مهمّة في كتابة سيرة محمد لنعدّها عاملا فعالا» «1» .
بينما نجد أتباع التفسير المادي للتاريخ يعضّون بالنواجذ على أية إشارة من هذا النوع: صناعات جلدية، تجمعات عمالية لعصر الكروم وتخميرها!! وما شابه ذلك؛ لكي يقيموا عليها تحليلاتهم التي تنطوي في تشنجها المدرسي الأعمى، حتى نبوة الأنبياء وشعر الشعراء وحكمة الحكماء.. وهم يصلون- من خلال ذلك- إلى استنتاجات تصل حد التمحّل الذي يثير الاستغراب.. و (وات) يرفض الانسياق وراء هذا التقليد مؤكدا نقائضه الحين تلو الحين، برغم أنه يمثل- بحد ذاته- تناقضا مع عدد من أطروحاته التي أشرنا إليها قبل قليل.. «إن المستضعفين انتموا للإسلام متأثرين بقلقهم الخارجي والداخلي أكثر من تأثرهم بأي نفع اقتصادي أو سياسي.. وليس غريبا أنّ بعض الأشخاص قد دفعهم إلى الإسلام النواحي السياسية والاقتصادية فيه، ولا يبدو- مع ذلك- أن عددهم كان كبيرا» «2» .
وعلى أيّة حال فإن (وات) الذي دعا في مقدمة كتابه إلى الاهتمام الواسع بالعامل المادي في تفسير الوقائع التاريخية، لم يسمح لنفسه بأن يذهب مع المقولة إلى نهاية المدى، متخطّيا كل حواجز المنطق والواقعة التاريخيّة وتعقيدات الدّور البشري في التاريخ.. وبذلك أثبت أنه أكثر موضوعيّة من جلّ الذين أغراهم الدافع المنظور فوقعوا أسرى حشد من الأخطاء.
__________
(1) محمد في مكة، ص 19- 20.
(2) المصدر السابق نفسه، ص 164.

(1/116)


لكنه بصدد عوامل الشدّ الآخرى في مكوّنات العقل الغربي، لم يستطع أن يحقق (التحرر) أو (التوازن) نفسه، فوقع أكثر من مرة في دائرة (سوء الفهم) إن لم نقل في مظنّة الأخطاء.

(1/117)


الخاتمة
المحصّلة النهائيّة التي يمكن أن نصل إليها من خلال التعامل مع دراسات المستشرقين، أيّا كان موقعهم، أنه لا يمكن لهذه الدراسات- على الإطلاق- (وبالتأكيد العقلي، غير الانفعالي، على هذه العبارة الأخيرة) أن ترقى إلى مستوى السيرة فتكون قديرة على التعامل معها والتوغل في نسيجها، وإدراك بنيتها بعمق، ورسم الصورة الموضوعية العادلة لها.
ذلك أن هناك أكثر من خلل في (منهج العمل) ، ولن يتمخّض هذا الخلل إلّا عن حشود من نقاط سوء الفهم والأخطاء على مستوى الموضوع.. الأخطاء التي تنتشر كالبثور على جسد السيرة المترع صحة وتماسكا وعافية، فتشوهه وتنثر على صفحاته البقع والشروخ.
نعم.. ثمّة فرق بين مستشرق وآخر.. ونحن إذا قارنّا (وات) ب (لامانس) مثلا، أو حتى بفلهاوزن، وجدنا هوّة واسعة تفصل بين الرجلين.. يقترب أوّلهما ويقترب حتى ليبدو أشدّ إخلاصا لمقولات السيرة من أبناء المسلمين أنفسهم.. ويبعد ثانيهما ويبعد حتى ليبدو شتّاما لعّانا وليس باحثا جادا يستحقّ الاحترام..
ومع ذلك فهو فرق في الدرجة وليس في النوع.. فها نحن نقف بعض الوقت عند كتاب (محمد في مكة) لأكثر المستشرقين حياديّة كما أكّد هو نفسه في مقدمته وكما قيل عنه، ولنتذكّر عبارات المستشرق البريطاني (جب) ، ونشير كذلك إلى عبارات المستشرق الفرنسي (مكسيم رودنسن) :
«من النادر أن ترى عالما لا يهتم فقط بجمع مواد بحثه، بل يطرح الأسئلة

(1/119)


على نفسه ويجيب عليها بصورة علمية، يضاف إلى ذلك أمانة علميّة شديدة تصدر عن فكر لا حيلة له أمام الحقيقة. هذا الانفتاح الفكري، وتلك الأمانة العلمية، وهذه المهارة في الكشف عما هو أصيل وجوهريّ جعل من كتابه عن محمد حدثا تاريخيا في الدراسات عن نبيّ الإسلام» «1» .
نقف أمام هذا الكتاب فإذا بنا نقع على بعض جوانب الخلل في منهج العمل في حقل السيرة: نزعة نقدية مبالغ فيها تصل حد النفي الكيفي وإثارة الشكّ حتى في بعض المسلّمات، تقابلها نزعة افتراضية تثبت بصيغ الجزم والتأكيد ما هو مشكوك بوقوعه أساسا. وإسقاط للتأثيرات البيئيّة المعاصرة، وإعمال للمنطق الوضعيّ في واقعة تكاد تستعصي على مقولات البيئة وتعليلات العقل الخالص.
ونستطيع أن نخلص من هذا كله إلى أنه ليس بمقدور أيّ مستشرق على الإطلاق مهما كان من اتساع ثقافته، واعتدال دوافعه، وحياديّته، ونزوعه الموضوعي، إلّا أن يطرح تحليلا للسيرة لابدّ أن يرتطم، هنا أو هناك، بوقائعها وبداهاتها ومسلّماتها، ويخالف بعضا من حقائقها الأساسيّة، ويمارس- متعمدا أو غير متعمد- تزييفا لروحها وتمزيقا لنسيجها العام.
__________
(1) من تعليق رودنسن الذي اعتمده الناشر على غلاف كتاب (محمد في المدينة) .

(1/120)


أهم المصادر والمراجع
القرآن الكريم ابن الأثير: عز الدين الجزري (ت 630 هـ) .
الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت- (1965- 1967 م) .
البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 هـ) .
أنساب الأشراف، الجزء الأول، تحقيق محمد حميد الله، معهد المخطوطات لجامعة الدول العربية، دار المعارف، القاهرة- 1959 م.
ابن سعد: محمد (ت 230 هـ) .
كتاب الطبقات الكبير، تحقيق إدوار سخاو ورفاقه، طبع مصورا عن طبعة ليدن- أبريل- 1925 م.
الطبري: محمد بن جرير (ت 310 هـ) .
تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة- (1961- 1962 م) .
ابن المبارك: زين الدين أحمد الزبيدي (ت 735 هـ) .
التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للبخاري، الطبعة الثانية، دار الإرشاد، بيروت- 1386 هـ.

(1/121)


ابن هشام: أبو محمد عبد الملك (ت 218 هـ) .
تهذيب سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون، الطبعة الثانية، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة- 1964 م.
الواقدي: محمد بن عمر بن واقد (ت 207 هـ) .
كتاب المغازي، تحقيق مارسدن جونس، مطبعة جامعة أكسفورد 1966 م.
أرنولد: سير توماس و.
الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم حسن ورفاقه، الطبعة الثالثة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة- 1971 م.
بروكلمان: كارل.
تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة فارس والبعلبكي، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين، بيروت- 1968 م.
البهي: د. محمد.
الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، الطبعة الخامسة، دار الفكر، بيروت.
خليل: عماد الدين.
التفسير الإسلامي للتاريخ، دار العلم للملايين، بيروت- 1974 م.
دراسة في السيرة، الطبعة الثالثة عشرة، مؤسسة الرسالة، بيروت- 1981 م.
في التاريخ الإسلامي: فصول في المنهج والتحليل، المكتب الإسلامي، بيروت- 1980 م.

(1/122)


درمنغم: إميل.
حياة محمد، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الثانية، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة- 1949 م.
دروزة: محمد عزة.
سيرة الرسول: صور مقتبسة من القرآن الكريم، الطبعة الثانية، مطبعة عيسى البابي، القاهرة- 1965 م.
الدوري: د. عبد العزيز ورفاقه.
تفسير التاريخ، مكتبة النهضة، بغداد.
دوزي: رينهارت.
تاريخ مسلمي إسبانية، الجزء الأول، ترجمة د. حسن حبشي، المؤسسة المصرية العامة، دار المعارف، القاهرة- 1963 م.
دينيه: آتيين (ناصر الدين الجزائري) وسليمان إبراهيم الجزائري.
محمد رسول الله، ترجمة عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم، الطبعة الثالثة، الشركة العربية، القاهرة- 1959 م.
العقيقي: نجيب.
المستشرقون، دار المعارف، القاهرة- 1964 م.
علي: د. جواد.
تاريخ العرب في الإسلام (السيرة النبوية) ، الجزء الأول، بغداد مطبعة الزعيم- 1961 م.

(1/123)


العلي: د. صالح أحمد.
محاضرات في تاريخ العرب، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، بغداد مطبعة الإرشاد- 1964 م.
فايس: ليوبولد (محمد أسد) .
الإسلام على مفترق الطرق، الطبعة السادسة، دار العلم للملايين، بيروت- 1965 م.
فرّوخ: عمر، ومصطفى الخالدي.
التبشير والاستعمار في البلاد العربية، الطبعة الرابعة، المكتبة العصرية، بيروت- 1970 م.
فلهاوزن: يوليوس.
تاريخ الدولة العربية، ترجمة محمد عبد الهادي أبي ريدة، الطبعة الثانية، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة- 1968 م.
وات: مونتغومري.
محمد في مكة، تعريب شعبان بركات، المكتبة العصرية، بيروت.
محمد في المدينة (المترجم والناشر نفسه)
ولفنسون: إسرائيل.
تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، مطبعة الاعتماد، القاهرة- 1927 م.

(1/124)


:margolluth:
the early development of mohammedanism) london- 1914 (
.
mohhammed and the ris of islam.) london 1905 (.
the relations between arabs and israelits prior the rise of islam) london 1924 (
:
muir willam.
the caliphate its rise dicine and fall) london 1891 (
.
Lthe incyclopeadia of islam) london and leyden 1913 (.

(1/125)


فهرس الموضوعات
ملاحظات أساسية 5
تطوّر الموقف (الغربيّ) 17
أولا: المبالغة في الشكّ، والافتراض، والنفي الكيفيّ، واعتماد الضعيف الشاذّ 24
ثانيا: إسقاط الرؤية الوضعية، العلمانيّة، والتأثيرات البيئيّة المعاصرة على الوقائع التاريخيّة 27
ثالثا: رد معطيات السيرة إلى أصول نصرانية أو يهودية 33
محمد في مكة (1) 47 1- النزعة الشكّيّة والافتراض والنّفي الكيفيّ 49
محمد في مكة (2) 85 2- إسقاط الرؤية العقليّة المعاصرة على السيرة 87
الخاتمة 119
أهم المصادر والمراجع 121
فهرس الموضوعات 127

(1/127)