المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي

فصل فِي إِسْلَام أَبِيه وَأمه

قَالَ ابْن إِسْحَاق لما دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح مَكَّة وَدخل

(1/31)


الْمَسْجِد أَتَى أَبُو بكر بِأَبِيهِ يَقُودهُ وَكَانَ قد كف بَصَره فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هلا تركت الشَّيْخ فِي بَيته حَتَّى أكون أَنا آتيه فِيهِ قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله هُوَ أَحَق أَن يمشي إِلَيْك من أَن تمشي إِلَيْهِ أَنْت فأجلسه بَين يَدَيْهِ ثمَّ مسح صَدره ثمَّ قَالَ لَهُ أسلم فَأسلم
قَالَ عبد الْكَرِيم وَأمه يَعْنِي أَبَا بكر أم الْخَيْر سلمى
قَالَ مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي قلت لِابْنِ دَاب من أم أبي بكر فَقَالَ أم الْخَيْر هَذَا اسْمهَا وَهِي ابْنة عَم أبي بكر وَأمّهَا من خُزَاعَة
وَعَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر قَالَ يَا رَسُول الله هَذِه أُمِّي وَأَنت مبارك فَادع الله لَهَا وادعها إِلَى الْإِسْلَام فَدَعَا لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت
وَكَانَ إسْلَامهَا قَدِيما مَعَ ابْنهَا أبي بكر وَتوفيت بعد أبي بكر وَقبل أبي قُحَافَة زَوجهَا وَكِلَاهُمَا ورثا أَبَا بكر وَمَاتَا بعده
وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ أسلمت أم أبي بكر وَأم عُثْمَان وَأم طَلْحَة وَأم الزبير وَأم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَدِيما مَعَ إِسْلَام أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم
ولي أَبُو بكر الْخلَافَة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنتَيْن وَنصف على خلاف فِي ذَلِك عَاشَ رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/32)


قَالَ عبد الْكَرِيم ذكر ابْن شهَاب أَن أَبَا بكر والْحَارث بن كلدة كَانَا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فَقَالَت الْحَارِث وَكَانَ طَبِيبا ارْفَعْ يدك يَا خَليفَة رَسُول الله وَالله إِن فِيهَا لسم سنة وَأَنا وَأَنت نموت فِي يَوْم وَاحِد فَرفع يَده فَلم يَزَالَا عليلين حَتَّى مَاتَا فِي يَوْم وَاحِد عِنْد انْقِضَاء سنة
وَهُوَ أول خَليفَة وَرثهُ أَبَوَاهُ رَضِي الله عَنهُ
وَذكر مُحَمَّد بن ظفر فِي كتاب خير الْبشر خبر الشَّيْخ الْأَزْدِيّ بِزِيَادَة فِيهِ فَقَالَ روى عبد الله بن مَسْعُود عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ خرجت إِلَى الْيمن فِي تِجَارَة قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت على شيخ من الأزد عَالم قد قَرَأَ الْكتب وحوى علما كثيرا وأتى عَلَيْهِ من السن ثَلَاثمِائَة وَتسْعُونَ سنة قَالَ فتأملني وَقَالَ أحسبك حرميا فَقلت نعم أَنا من أهل الْحرم قَالَ أحسبك تيميا قلت نعم أَنا من تيم بن مرّة أَنا عبد الله بن عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم قَالَ بقيت لي فِيك وَاحِدَة قلت مَا هِيَ قَالَ اكشف لي عَن بَطْنك قلت لَا أفعل أَو تُخبرنِي

(1/33)


لم ذَاك قَالَ إِنِّي أجد فِي الْعلم الصَّحِيح الصَّادِق أَن نَبيا يبْعَث من الْحرم يعاونه على أمره فَتى وكهل أما الْفَتى فخواض غَمَرَات وكشاف معضلات وَأما الكهل فأبيض نحيف على بَطْنه شامة وعَلى فَخذه الْيُسْرَى عَلامَة فَلَا عَلَيْك أَن تريني مَا خَفِي عَليّ قَالَ فَكشفت لَهُ عَن بَطْني فَرَأى شامة سَوْدَاء فَوق سرتي فَقَالَ هُوَ أَنْت وَرب الْكَعْبَة وَإِنِّي مُتَقَدم إِلَيْك فِي أَمر فاحذره فَقلت وَمَا هُوَ فَقَالَ إياك والميل عَن الْهدى وَتمسك بالطريقة المثلى وخف الله فِيمَا أَعْطَاك وخولك
قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقضيت بِالْيمن أربي ثمَّ أتيت الشَّيْخ لأودعه فَقَالَ أحامل أَنْت مني أبياتا إِلَى ذَلِك النَّبِي فَقلت نعم فَأَنْشَأَ يَقُول
(ألم تَرَ أَنِّي قد سميت معاشري ... وَنَفْسِي وَقد أَصبَحت فِي الْحَيّ راهنا)
(حييت وَفِي الْأَيَّام للمرء عِبْرَة ... ثَلَاث مئين ثمَّ تسعين آمنا)
(وصاحبت أحبارا أناروا بعلمهم ... غياهب جهل مَا ترى فِيهِ طابنا)
(وَكم عفشليل رَاهِب فَوق قَائِم ... لقِيت وَمَا غادرت فِي الْبَحْث كَاهِنًا)
(فكلهمو لما تعطمست قَالَ لي ... بِأَن نَبيا سَوف تَلقاهُ دائنا)

(1/34)


(بِمَكَّة والأوثان فِيهَا عزيزة ... فيركسها حَتَّى ترَاهَا كوامنا)
(فَمَا زلت أَدْعُو الله فِي كل حَاضر ... حللت بِهِ سرا وجهرا معالنا)
(وَقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شَيخا لَا أُطِيق الشواجنا)
(وَأَنت وَرب الْبَيْت تلقى مُحَمَّدًا ... بعامك هَذَا قد أَقَامَ البراهنا)
(فيا لَيْتَني أَدْرَكته فِي شبيبتي ... فَكنت لَهُ عبدا وَإِلَّا العجاهنا)
(عَلَيْهِ سَلام الله مَا ذَر شارق ... فألق هفافا من النُّور هافنا)
(فحي رَسُول الله عني فانني ... على دينه أحيى وَإِن كنت واهنا)
(وَمَا نسجت بالجلهتين وشيحة ... وَمَا خلد الطود المتالع عادنا)
قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَحفِظت وَصيته وشعره وقدمت مَكَّة فَجَاءَنِي شيبَة وَأَبُو جهل بن هِشَام وَأَبُو البخْترِي وَعقبَة بن أبي معيط وَرِجَال من قُرَيْش يسلمُونَ عَليّ فَقلت هَل حدث أَمر قَالُوا

(1/35)


حدث أعظم الخطوب هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله يزْعم أَنه نَبِي أرْسلهُ الله إِلَى النَّاس وَلَوْلَا أَنْت مَا انتظرنا بِهِ فاذ جِئْت فَأَنت البغية النهية قَالَ فأظهرت تَعَجبا وصرفتهم فِي حس مس وَذَهَبت أسأَل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لي هُوَ فِي منزل خَدِيجَة فقرعت الْبَاب عَلَيْهِ فَخرج إِلَيّ عر فَقلت يَا مُحَمَّد فقدت فِي نَادِي قَوْمك واتهموك بالغيبة وَتركت دين آبَائِك قَالَ يَا أَبَا بكر إِنِّي رَسُول الله إِلَيْك وَإِلَى النَّاس كلهم فَآمن بِاللَّه قلت وَمَا آيتك قَالَ الشَّيْخ الَّذِي لَقيته بِالْيمن فَقلت وَكم من شيخ لقِيت وبعت مِنْهُ وشريت وَأخذت وَأعْطيت قَالَ الشَّيْخ الَّذِي أخْبرك عني وأفادك الأبيات قلت وَمن أخْبرك بِهَذَا يَا حَبِيبِي قَالَ الْملك الْعَظِيم الَّذِي كَانَ يَأْتِي الْأَنْبِيَاء قبلي قلت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله
قَالَ أَبُو بكر وانصرفت وَمَا أجد أَشد سُرُورًا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِي قَالَ ابْن ظفر فَهَذَا أيدك الله نمط عُجاب زاخر الْعباب وَقد أتحفتكم مِنْهُ بلباب هَذَا الْبَاب وَالله المسدد للصَّوَاب
شرح غَرِيب مَا فِي الشّعْر

قَوْله راهنا الرَّاهِن الْمُقِيم
قَوْله طابنا الطابن

(1/36)


الْعَارِف الفطن
قَوْله عفشليل هُوَ الرجل الجافي الثقيل
قَوْله تعطمست خَاتم خلقي
قَوْله دائنا يَعْنِي طَائِعا
قَوْله فاركسها الركس رد الشَّيْء مقلوبا وَكَانَ ذَلِك يَوْم فتح مَكَّة
قَوْله كوامنا أَي مختفية وَمِنْه الكمين فِي الْحَرْب
قَوْله الشواجنا الشواجن الطّرق الْمُخْتَلفَة وَيَعْنِي بهَا السّير فِيهَا أَرَادَ أَنه لَا يُطيق السّير فِي الأَرْض وَالرحم شجنة وتشاجن الأغصان وَالْعُرُوق تداخلها
والوهن الضعْف
قَوْله عجاهنا هُوَ الَّذِي يتلهى بحَديثه ويضحك مِنْهُ وَكَانَ من عَادَة الْعَرَب أَن يحضر عرس الْجَارِيَة الْبكر رجل يتلهى مِنْهُ فَإِذا خلا بهَا زَوجهَا شدّ ذَلِك الرجل وَضرب ضربا خَفِيفا وينال مِنْهُ فيستغيث بالجارية وَيذكر كلَاما يضْحك مِنْهُ فيتمكن مِنْهَا بَعْلهَا بذلك فيفتضها فيسمونه العجاهن
قَوْله فألق أَي لمع
والهفاف الرَّقِيق
والهافن الضَّعِيف
قَوْله الجلهتين جانبا الْوَادي
قَوْله الوشيحة
عروق الشّجر الملتفة المتداخلة
قَوْله الطود المتالع بِرَفْع الْمِيم وَكسر اللَّام اسْم جبل قَالَه الْبكْرِيّ والجوهري وَقيل المتالع المتعالي وَمِنْه التلع وَهُوَ طول

(1/37)


الْعُنُق
قَوْله عادنا أَي مُقيما وَمِنْه جنت عدن أَي جنَّات إِقَامَة
ذكر ابْن إِسْحَاق من حَدِيث سراقَة بن مَالك لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُهَاجرا وتبعهم سراقَة فساخت قَوَائِم فرسه ثَلَاث مَرَّات فَقَالَ انظروني أكلمكم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل لَهُ مَا تبغي فَقَالَ أَبُو بكر لَهُ فَقَالَ تكْتب لي كتابا يكون آيَة بيني وَبَيْنك فَكتب لَهُ أَبُو بكر كتابا فِي عظم أَو فِي رقْعَة أَو فِي خرقَة
قَالَ ابْن عبد الْبر ذكره ابْن شبة فِي كتاب الْكتاب وأذكر حَدِيث سراقَة بأتم من هَذَا فِيمَا بعد من هَذَا الْكتاب
وروى مُحَمَّد بن ظفر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ اجْتمع الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وعيشك يَا رَسُول الله مَا سجدت لصنم قطّ فَغَضب عمر بن الْخطاب وَقَالَ تَقول وعيشك يَا رَسُول الله إِنِّي لم أَسجد لصنم قطّ وَقد كنت فِي الْجَاهِلِيَّة كَذَا وَكَذَا سنة فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِنِّي لما ناهزت الْحلم أَخَذَنِي وَالِدي أَبُو قُحَافَة وَانْطَلق بِي إِلَى مخدع فِيهِ الْأَصْنَام فَقَالَ لي هَذِه آلهتك الشم العلى فاسجد لَهَا وخلاني وَذهب فدنوت من الصَّنَم فَقلت أَنا جَائِع فأطعمني فَلم يجبني فَقلت إِنِّي عطشان فاسقني فَلم يجبني فَقلت إِنِّي عَار فاكسني فَلم يجبني

(1/38)


فألقيت عَلَيْهِ صَخْرَة فَقلت إِنِّي ملق عَلَيْك هَذِه الصَّخْرَة فَإِن كنت إِلَهًا فامنع نَفسك فَلم يجبني فألقيت عَلَيْهِ الصَّخْرَة فَخر لوجهه
فَأقبل وَالِدي وَقَالَ مَا هَذَا فَقلت هَذَا الَّذِي ترى فأنطلق أبي إِلَى أُمِّي فَأَخْبرهَا فَقَالَت هَذَا الَّذِي ناجاني الله بِهِ
فَقلت يَا أُمَّاهُ وَمَا الَّذِي ناجاك بِهِ فَقَالَت لَيْلَة أصابني الْمَخَاض لم يكن عِنْدِي أحد فَسمِعت هاتفا يَهْتِف أسمع الصَّوْت وَلَا أرى الشَّخْص وَهُوَ يَقُول
(يَا أمة الله على التَّحْقِيق ... أَبْشِرِي بِالْوَلَدِ الْعَتِيق)
(اسْمه فِي السَّمَاء صديق ... لمُحَمد صَاحب ورفيق)
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا انْقَضى كَلَامه نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم عَلَيْهِ وَقَالَ صدق أَبُو بكر فَصدقهُ ثَلَاث مَرَّات
بُويِعَ لَهُ بالخلافة فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة روى ابْن دحْيَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ كَانَ رُجُوع الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة بِكَلَام قَالَه عمر بن الْخطاب نشدتكم الله هَل تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ فَأَيكُمْ تطيب نَفسه أَن يُزِيلهُ عَن مقَام أَقَامَهُ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا كلنا لَا تطيب نَفسه ونستغفر الله وَمكث فِي الْخلَافَة سنتَيْن إِلَّا خمس لَيَال وَقيل غير ذَلِك
توفّي يَوْم الْجُمُعَة لسبع لَيَال بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَله من الْعُمر ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة على خلاف فِي ذَلِك

(1/39)


روى ابْن إِسْحَاق فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل وَكَانَ أميرها عَمْرو بن الْعَاصِ وأمده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي عُبَيْدَة بن الْجراح فِي الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين فيهم أَبُو بكر وَعمر قَالَ وَكَانَ من الحَدِيث فِي هَذِه الْغُزَاة أَن رَافع بن أبي رَافع الطَّائِي وَهُوَ رَافع بن عميرَة الَّذِي كَلمه الذِّئْب كَانَ يحدث قَالَ كنت امْرَءًا نَصْرَانِيّا وَسميت سرجس فَكنت أدل النَّاس وأهداه بِهَذَا الرمل كنت أدفن المَاء فِي بيض النعام بنواحي الرمل فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أغير على إبل النَّاس فَإِذا أدخلتها الرمل غلبت عَلَيْهَا فَلم يسْتَطع أحد أَن يطلبني فِيهِ حَتَّى أَمر بذلك المَاء الَّذِي خبأت فِي بيض النعام فأستخرجه فأشرب مِنْهُ
قَالَ ابْن عبد الْبر يُقَال إِنَّه قطع مَا بَين الْكُوفَة ودمشق فِي خمس لَيَال لمعرفته بالمفاوز قَالَ فَلَمَّا أسلمت خرجت فِي تِلْكَ الْغَزْوَة الَّتِي بعث فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى ذَات السلَاسِل فَقلت وَالله لأختارن لنَفْسي صاحبا قَالَ فصحبت أَبَا بكر فَكنت مَعَه فِي رحْلَة
قَالَ فَكَانَت عَلَيْهِ عَبَايَة لَهُ فَدَكِيَّة فَكَانَت إِذا نزلنَا بسطها وَإِذا ركبنَا لبسهَا ثمَّ شكها عَلَيْهِ بخلال لَهُ قَالَ وَذَلِكَ الَّذِي يَقُول لَهُ أهل نجد حِين ارْتَدُّوا كفَّارًا نَحن نُبَايِع ذَا العباية قَالَ فَلَمَّا دنونا من الْمَدِينَة قافلين قَالَ قلت يَا أَبَا بكر إِنَّمَا صحبتك لينفعني الله بك فانصحني وَعَلمنِي قَالَ لَو لم تَسْأَلنِي ذَلِك لفَعَلت قَالَ آمُرك أَن توَحد الله و

(1/40)


لَا تشرك بِهِ شَيْئا وَأَن تقيم الصَّلَاة وَأَن تؤتي الزَّكَاة وَأَن تَصُوم رَمَضَان وتحج هَذَا الْبَيْت وتغتسل من الْجَنَابَة وَلَا تتأمر على رجلَيْنِ من الْمُسلمين أبدا
قَالَ قلت يَا أَبَا بكر أما أَنا وَالله فَإِنِّي أَرْجُو أَن لَا أشرك بِاللَّه شَيْئا أبدا وَأما الصَّلَاة فَلَنْ أتركها أبدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الزَّكَاة فَإِن يَك لي مَال أؤدها إِن شَاءَ الله وَأما رَمَضَان فَلَنْ أتركه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْحَج فَإِن أستطع أحج إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْجَنَابَة فأغتسل مِنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْإِمَارَة فَإِنِّي رَأَيْت النَّاس يَا أَبَا بكر لَا يشرفون عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند النَّاس إِلَّا بهَا فَلم تنهاني عَنْهَا قَالَ إِنَّمَا استجهدتني لأجهد لَك وسأخبرك عَن ذَلِك إِن شَاءَ الله تعلم أَن الله تبَارك وَتَعَالَى بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الدّين فَجَاهد عَلَيْهِ حَتَّى دخل النَّاس فِيهِ طَوْعًا وَكرها فَلَمَّا دخلُوا فِيهِ كَانُوا عواذا لله وجيرانه وَفِي ذمَّته فإياك لَا تخفر الله فِي جِيرَانه فيتبعك الله فِي خفرته فَإِن أحدكُم يخفر فِي جَاره فيظل ناتئا عضله غَضبا لجاره إِن أُصِيبَت لَهُ شَاة أَو بعير فَالله أَشد غَضبا لجاره
قَالَ ففارقته على ذَلِك فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر أَبُو بكر على النَّاس قَالَ قدمت عَلَيْهِ فَقلت لَهُ يَا

(1/41)


أَبَا بكر ألم تَكُ نهيتني أَن أتأمر على رجلَيْنِ من الْمُسلمين قَالَ بلَى وَأَنا الْآن أَنهَاك عَن ذَلِك قَالَ فَقلت فَمَا حملك على أَن تلِي أَمر النَّاس قَالَ لَا أجد من ذَلِك بدا خشيت على أمة مُحَمَّد الْفرْقَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَفْسِير غَرِيب

قَوْله عواذا يَعْنِي ملتجئين إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عائذين بِهِ قَالَه القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى
قَوْله لَا تخفر الله بِضَم التَّاء أخفرت الرجل لم تف بِذِمَّتِهِ وغدرته وخفرته ثلاثي وخفرته أجرته والخفير المجير والخفارة بِالضَّمِّ الذِّمَّة والخفرة والخفر الذِّمَّة والعهد
قَوْله فيتبعك الله يُقَال تبِعت الرجل بحقي أتبعه تباعة إِذا طلبته بِهِ فَأَنا لَهُ تبيع قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا بِهِ تبيعا} أَي مطالبا تَابعا قَالَ الْخطابِيّ والمحدثون يَرْوُونَهُ بالتثقيل وَهُوَ خطأ
قَوْله ناتئا عضله غَضبا قَالَ

(1/42)


الْجَوْهَرِي العضل جمع عضلة السَّاق وكل لحْمَة مجتمعة مكتثرة فِي عصبَة فَهِيَ عضلة وَقد عضل الرجل فَهُوَ عضل بَين العضل إِذا كَانَ كثير العضل كَأَنَّهُ أَرَادَ رَضِي الله عَنهُ أَن الرجل إِذا غضب انتفخ عضله
وَقَالَ ابْن فَارس فِي مجمله نتأ الشَّيْء إِذا خرج عَن مَوْضِعه من غير أَن يبين ونتأت القرحة ورمت ونتأ بِالشَّرِّ أَي استعد لَهُ
2 - عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
هُوَ أَبُو حَفْص عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن ريَاح بِالْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا ابْن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كَعْب يلتقي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كَعْب
قَالَ ابْن عبد الْبر أمه حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم
وَقَالَت طَائِفَة حنتمة بنت هِشَام بن الْمُغيرَة من قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ وَلَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ أُخْت أبي جهل ابْن هِشَام وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هِيَ بنت عَمه لِأَن هاشما وهشاما ابْني الْمُغيرَة أَخَوان فهاشم وَالِد حنتمة أم عمر وَهِشَام وَالِد أبي جهل وهَاشِم جد عمر لأمه كَانَ يُقَال لَهُ ذُو الرمحين

(1/43)


روى ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ قَالَ أول من كناني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي حَفْص
قَالَ الْجَوْهَرِي الحفص زبيل من جُلُود وَولد الْأسد أَيْضا وَأم حَفْصَة الدَّجَاجَة
ولد بعد الْفِيل بِثَلَاث عشرَة سنة وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش أسلم بعد تِسْعَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَإِلَيْهِ كَانَت السفارة فِي الْجَاهِلِيَّة وَذَلِكَ أَن قُريْشًا كَانَت إِذا وَقعت بَينهم حَرْب أَو بَينهم وَبَين غَيرهم بعثوه سفيرا وَإِن نافرهم منافر أَو فاخرهم بعثوه منافرا ومفاخرا وَرَضوا بِهِ
فصل فِي إِسْلَامه

روى ابْن إِسْحَاق عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أمه أم عبد الله بنت أبي حثْمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت إِنَّا وَالله لنترحل إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَقد ذهب عَامر فِي بعض حاجاتنا إِذْ أقبل عمر بن الْخطاب حَتَّى وقف عَليّ وَهُوَ على شركه قَالَت وَكُنَّا نلقى مِنْهُ الْبلَاء أَذَى لنا وَشدَّة علينا فَقَالَ إِنَّه للانطلاق يَا أم عبد الله قَالَت فَقلت نعم وَالله لَنخْرجَنَّ فِي أَرض الله آذيتمونا

(1/44)


وقهرتمونا حَتَّى يَجْعَل الله لنا مخرجا قَالَت فَقَالَ صحبكم الله وَرَأَيْت لَهُ رقة لم أكن أَرَاهَا ثمَّ انْصَرف وَقد أحزنه فِيمَا أرى خروجنا
قَالَت فجَاء عَامر بحاجته تِلْكَ فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله لَو رَأَيْت عمر آنِفا ورقته وحزنه علينا قَالَ أطمعت فِي إِسْلَامه قَالَت قلت نعم قَالَ لَا يسلم الَّذِي رَأَيْت حَتَّى يسلم حمَار الْخطاب قَالَت يأسا مِنْهُ لما كَانَ يرى من غلظته وقسوته عَن الْإِسْلَام
قلت وَقد جَاءَ إِسْلَام عمر رَضِي الله عَنهُ من طرق رَوَاهَا الْعلمَاء من الْمُحدثين وَأَصْحَاب السّير وَأَنا أورد من ذَلِك طرقا مِمَّا وَقع فِي مروياتي وَغير ذَلِك
روى ابْن عبد الْبر عَن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عمر وَأبي جهل وهما يتناجيان فَقَالَ اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بأحبهما إِلَيْك
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ إِسْلَامه أَن أُخْته فَاطِمَة زَوْجَة سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أسلمت هِيَ وَزوجهَا سعيد وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وَكَانَ نعيم بن عبد الله النحام رجل من قومه من بني عدي ابْن كَعْب قد أسلم وَكَانَ مستخفيا بِإِسْلَامِهِ فرقا من قومه وَكَانَ خباب بن الْأَرَت يخْتَلف إِلَى فَاطِمَة بنت الْخطاب يقرئها الْقُرْآن
فَخرج عمر يَوْمًا متوشحا بِسَيْفِهِ يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورهطا من

(1/45)


أَصْحَابه ذكرُوا لَهُ أَنهم قد اجْتَمعُوا فِي بَيت عِنْد الصَّفَا وهم قريب من أَرْبَعِينَ من بَين رجال وَنسَاء وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَبُو بكر وَعلي فِي رجال من الْمُسلمين رَضِي الله عَنْهُم مِمَّن كَانَ أَقَامَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَلم يُهَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَكَانَ حَمْزَة أسلم قبل عمر بِثَلَاثَة أَيَّام فَلَقِيَهُ نعيم بن عبد الله النحام فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ يَا عمر قَالَ أُرِيد مُحَمَّدًا هَذَا الصابيء الَّذِي فرق أَمر قُرَيْش وسفه أحلامها وَعَابَ دينهَا وَسَب آلهتها فَأَقْتُلهُ
قَالَ ابْن عبد الْبر فَقَالَ لَهُ بئس الممشى مشيت وَأَرَادَ أَن يصرفهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ عمر لَو أعلم أَنَّك صَبَأت لبدأت بك
قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ لَهُ نعيم وَالله لقد غرتك نَفسك من نَفسك يَا عمر أَتَرَى بني عبد منَاف تاركيك تمشي على الأَرْض وَقد قتلت مُحَمَّدًا أَفلا ترجع إِلَى أهل بَيْتك فتقيم أَمرهم قَالَ وَأي أهل بَيْتِي قَالَ ختنك وَابْن عمك سعيد بن زيد وأختك فَاطِمَة بنت الْخطاب فقد وَالله أسلما وتابعا مُحَمَّدًا على دينه فَعَلَيْك بهما
قَالَ فَرجع عمر عَامِدًا إِلَى أُخْته وَخَتنه وَعِنْدَهُمَا خباب بن الْأَرَت مَعَه صحيفَة فِيهَا طه يقرئهما إِيَّاهَا فَلَمَّا سمعُوا حس عمر تغيب خباب فِي مخدع لَهُم وَأخذت فَاطِمَة الصَّحِيفَة فجعلتها تَحت فَخذهَا وَقد سمع عمر حِين دنا إِلَى الْبَيْت قِرَاءَة خباب عَلَيْهِمَا
فَلَمَّا دخل قَالَ مَا هَذِه الهينمة الَّتِي سَمِعت قَالَا لَهُ مَا سَمِعت شَيْئا قَالَ بلَى وَالله وَقد أخْبرت أنكما تابعتما مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْته فَاطِمَة لتكفه عَن زَوجهَا فضربها فشجها
فَلَمَّا فعل ذَلِك قَالَت لَهُ

(1/46)


أُخْته وَخَتنه نعم قد أسلمنَا وآمنا بِاللَّه وَرَسُوله فَاصْنَعْ مَا بدا لَك وَلما رأى عمر مَا بأخته من الدَّم نَدم على مَا صنع فارعوى وَقَالَ لأخته أعطيني هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي سمعتكم تقرؤون آنِفا أنظر مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد وَكَانَ عمر كَاتبا فَلَمَّا قَالَ ذَلِك قَالَت لَهُ أُخْته إِنَّا نخشاك عَلَيْهَا
قَالَ لَا تخافي وَحلف لَهَا بآلهته ليردنها إِلَيْهَا إِذا قَرَأَهَا
فَلَمَّا قَالَ ذَلِك لَهَا طمعت فِي إِسْلَامه فَقَالَت لَهُ يَا أخي إِنَّك نجس على شركك فَإِنَّهُ لَا يَمَسهَا إِلَّا طَاهِر فَقَامَ عمر فاغتسل فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَة وفيهَا طه فقرأها فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدرا قَالَ مَا أحسن هَذَا الْكَلَام وأكرمه فَلَمَّا سمع خباب ذَلِك خرج إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا عمر وَالله إِنِّي لأرجو أَن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فَإِنِّي سمعته أمس يَقُول اللَّهُمَّ أيد الْإِسْلَام بِأبي الحكم بن هِشَام أَو بعمر بن الْخطاب فَالله الله يَا عمر فَقَالَ لَهُ عمر عِنْد ذَلِك فدلني على مُحَمَّد حَتَّى آتيه فَأسلم فَقَالَ لَهُ خباب هُوَ فِي بَيت عِنْد الصَّفَا مَعَه فِيهِ نفر من أَصْحَابه
فَأخذ عمر سَيْفه فتوشحه ثمَّ عمد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَضرب عَلَيْهِم الْبَاب فَلَمَّا سمعُوا صَوته قَامَ رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر من خلل الْبَاب فَرَآهُ متوشحا السَّيْف فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فزع فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا عمر بن الْخطاب متوشحا السَّيْف فَقَالَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَأذن لَهُ فَإِن جَاءَ يُرِيد خيرا بذلناه لَهُ وَإِن كَانَ يُرِيد شرا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ائْذَنْ لَهُ فَأذن لَهُ الرجل ونهض إِلَيْهِ رَسُول الله

(1/47)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لقِيه فِي الْحُجْرَة فَأَخذه بحجزته أَو بمجمع رِدَائه ثمَّ جبذه بِهِ جبذة شَدِيدَة وَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا ابْن الْخطاب فوَاللَّه مَا أرى أَن تَنْتَهِي حَتَّى ينزل الله بك قَارِعَة وَفِي رِوَايَة مَا أَرَاك منتهيا حَتَّى يصنع الله بك مَا صنع بالوليد وَفُلَان وَفُلَان فَضَحِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أهده قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله جئْتُك لأؤمن بِاللَّه وبرسوله وَبِمَا جَاءَ من عِنْد الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ فَكبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكْبِيرَة علم أهل الْبَيْت من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عمر قد أسلم وَفِي رِوَايَة كبر أهل الدَّار تَكْبِيرَة سَمعهَا من وَرَاء الدَّار
فَتفرق أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مكانهم وَقد عزوا فِي أنفسهم حِين أسلم عمر مَعَ إِسْلَام حَمْزَة وَعرفُوا أَنَّهُمَا سيمنعان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وينتصفون بهما من عدوهم
وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حِين أسلم
(الْحَمد الله ذِي الْمَنّ الَّذِي وَجَبت ... لَهُ علينا أياد مَا لَهَا غير)
(وَقد بدأنا فكذبنا فَقَالَ لنا ... صدق الحَدِيث نَبِي عِنْده الْخَبَر)
(وَقد ظلمت ابْنة الْخطاب ثمَّ هدى ... رَبِّي عَشِيَّة قَالُوا قد صبا عمر)
(وَقد نَدِمت على مَا كَانَ من زلل ... بظلمها حِين تتلى عِنْدهَا السُّور)
(لما دعت رَبهَا ذَا الْعَرْش جاهدة ... والدمع من عينهَا عجلَان يبتدر)
(أيقنت أَن الَّذِي تَدعُوهُ خَالِقهَا ... فكاد تسبقني من عِبْرَة دُرَر)
(فَقلت أشهد أَن الله خالقنا ... وَأَن أَحْمد فِينَا الْيَوْم مشتهر)
(نَبِي صدق أَتَى بِالْحَقِّ من ثِقَة ... وافي الْأَمَانَة مَا فِي عوده خور)

(1/48)


ثمَّ قَالَ عمر فلنظهرن بِمَكَّة دين الله فَإِن أَرَادَ قَومنَا بغيا علينا ناجزناهم وَإِن قَومنَا أنصفونا قبلنَا مِنْهُم
فَخرج عمر وَالصَّحَابَة فجلسوا فِي الْمَسْجِد فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش إِسْلَام حَمْزَة وَعمر سقط فِي أَيْديهم
وروى ابْن إِسْحَاق أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كنت لِلْإِسْلَامِ مباعدا وَكنت صَاحب خمر فِي الْجَاهِلِيَّة أحبها وأشربها وَكَانَ لنا مجْلِس يجْتَمع فِيهِ رجال من قُرَيْش بالحزورة
قَالَ فَخرجت ذَات لَيْلَة أُرِيد جلسائي أُولَئِكَ فجئتهم فَلم أجد فِيهِ مِنْهُم أحدا
قَالَ فَقلت لَو أَنِّي جِئْت فلَانا الْخمار وَكَانَ بِمَكَّة يَبِيع الْخمر لعَلي أجد عِنْده خمرًا فأشرب مِنْهَا قَالَ فَجئْت فَلم أَجِدهُ
قَالَ فَقلت فَلَو أَنِّي جِئْت الْكَعْبَة فطفت بهَا سبعا أَو سبعين قَالَ فَجئْت الْمَسْجِد أُرِيد أَن أَطُوف بِالْكَعْبَةِ فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي وَكَانَ إِذا صلى اسْتقْبل الشَّام وَجعل الْكَعْبَة بَينه وَبَين الشَّام وَكَانَ مُصَلَّاهُ بَين الرُّكْن الْأسود والركن الْيَمَانِيّ
قَالَ فَقلت حِين رَأَيْته وَالله لَو أَنِّي استمعت الْآن لمُحَمد اللَّيْلَة حَتَّى أسمع مَا يَقُول فَقلت لَئِن دَنَوْت مِنْهُ لأروعنه فَجئْت من قبل الْحجر وَدخلت تَحت ثِيَابهَا فَجعلت أَمْشِي رويدا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي يقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى قُمْت فِي قبلته مستقبله مَا بيني وَبَينه إِلَّا ثِيَاب الْكَعْبَة

(1/49)


قَالَ فَلَمَّا سَمِعت الْقُرْآن رق لَهُ قلبِي وبكيت ودخلني الْإِسْلَام فَلم أزل قَائِما فِي مَكَاني ذَلِك حَتَّى قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته ثمَّ انْصَرف وَكَانَ مَسْكَنه فِي الدَّار الرقطاء الَّتِي كَانَت بيَدي مُعَاوِيَة
قَالَ فتبعته حَتَّى إِذا دخل الْمَسْعَى بَين دَار الْعَبَّاس وَدَار ابْن أَزْهَر أَدْرَكته فَلَمَّا سمع حسي عرفني فَظن إِنَّمَا اتبعته لأؤذيه فنهمنى وَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا ابْن الْخطاب هَذِه السَّاعَة قَالَ قلت جِئْت لأؤمن بِاللَّه وَرَسُوله وَبِمَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى فَحَمدَ الله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ قد هداك الله يَا عمر ثمَّ مسح صَدْرِي ودعا لي بالثبات ثمَّ انصرفنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل بَيته قَالَ ابْن إِسْحَاق فَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ
وَذكر ابْن ظفر فِي بشائر الْجِنّ بمبعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمن ذَلِك مَا تضمنه حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي سَبَب إِسْلَام عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَنه توجه لما ضمنه لقريش من قتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بِقوم من خُزَاعَة وَقد اعتمدوا صنما لَهُم يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَيْهِ فَقَالُوا لعمر ادخل مَعنا لتشهد الحكم فَدخل مَعَهم
فَلَمَّا مثلُوا بَين يَدي الصَّنَم سمعُوا مِنْهُ هاتفا يَقُول شعرًا
(يَا أَيهَا النَّاس ذَوي الْأَجْسَام ... مَا أَنْتُم وطائش الأحلام)
(ومسندي الحكم إِلَى الْأَصْنَام ... أَصْبَحْتُم كراتع الْأَنْعَام)

(1/50)


(أما ترَوْنَ مَا أرى أَمَامِي ... من سَاطِع يجلو دجى الظلام)
(قد لَاحَ للنَّاظِر من تهام ... وَقد بدا للنَّاظِر الشآم)
(مُحَمَّد ذُو الْبر وَالْإِكْرَام ... أكْرمه الرَّحْمَن من إِمَام)
(قد جَاءَ بعد الشّرك بِالْإِسْلَامِ ... يَأْمر بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام)
(وَالْبر والصلات للأرحام ... ويزجر النَّاس عَن الآثام)
(فبادروا سبقا إِلَى الْإِسْلَام ... بِلَا فتور وَبلا إحجام)
قَالَ فَتفرق الْقَوْم عَن الصَّنَم وَلم يحضرهُ يَوْمئِذٍ أحد إِلَّا أسلم
ثمَّ أَتَى عمر إِلَى بَيت أُخْته فَبَاتَ فِيهِ ثمَّ أصبح فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ إِنَّه فِي منزل عَمه حَمْزَة فَخرج وَاضِعا سَيْفه على عَاتِقه فَلَقِيَهُ رجال من سليم قد سافروا إِلَى صنم لَهُم ليحكم بَينهم وَكَانَ اسْم الصَّنَم ضمار فدعوا عمر إِلَى الدُّخُول ليحضر الحكم فَفعل
فَلَمَّا وقفُوا بَين يَدي الصَّنَم سمعُوا هاتفا يَقُول
(أودي الضمار وَكَانَ يعبد مرّة ... قبل الْكتاب وَقبل بعث مُحَمَّد)
(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي)
(سَيَقُولُ من عبد الضمار وَمثله ... لَيْت الضمار وَمثله لم يعبد)
(أبشر أَبَا حَفْص بدين صَادِق ... تهدي إِلَيْهِ وبالكتاب المرشد)
(واصبر أَبَا حَفْص قَلِيلا إِنَّه ... يَأْتِيك عز فَوق عز بني عدي)
(لَا تعجلن فَأَنت نَاصِر دينه ... حَقًا يَقِينا بِاللِّسَانِ وباليد)

(1/51)


قَالَ فتعجب الْقَوْم وَتَفَرَّقُوا وأذهب الله مَا كَانَ فِي نفس عمر من الْعَدَاوَة ثمَّ ذهب فَأسلم
قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني نَافِع مولى عبد الله بن عمر عَن عبد الله قَالَ لما أسلم أبي عمر قَالَ أَي قُرَيْش أنقل للْحَدِيث قَالَ قيل لَهُ جميل ابْن عمر الجُمَحِي قَالَ فغدا عَلَيْهِ قَالَ عبد الله فَغَدَوْت أتبع أَثَره وَأنْظر مَا يفعل وَأَنا غُلَام أَعقل كل مَا رَأَيْت حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أعلمت يَا جميل أَنِّي قد أسلمت وَدخلت فِي دين مُحَمَّد قَالَ فوَاللَّه مَا رَاجعه حَتَّى قَامَ يجر رِدَاءَهُ وَاتبعهُ عمر وَاتَّبَعت أبي حَتَّى إِذا قَامَ على بَاب الْمَسْجِد صرخَ بِأَعْلَى صَوته يَا معشر قُرَيْش وهم فِي أَنْدِيَتهمْ حول الْكَعْبَة أَلا إِن ابْن الْخطاب قد صَبأ
قَالَ يَقُول عمر من خَلفه كذب وَلَكِنِّي أسلمت لله وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
وثاروا إِلَيْهِ فَمَا برح يقاتلهم ويقاتلونه حَتَّى قَامَت الشَّمْس على رؤوسهم
قَالَ وطلح فَقعدَ قَالَ الْجَوْهَرِي طلح الْبَعِير أعيا وطلحت الْإِبِل بِالْكَسْرِ اشتكت بطونها
قَالَ وَقَامُوا على رَأسه وَهُوَ يَقُول افعلوا مَا بدا لكم
فأحلف بِاللَّه أَن لَو كُنَّا ثَلَاثمِائَة رجل لقد تركناها لكم أَو تَرَكْتُمُوهَا لنا
قَالَ فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ أقبل شيخ من قُرَيْش عَلَيْهِ

(1/52)


حلَّة حبرَة وقميص موشى حَتَّى وقف عَلَيْهِم فَقَالَ مَا شَأْنكُمْ قَالُوا صَبأ عمر قَالَ فَمه رجل اخْتَار لنَفسِهِ أمرا فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَتَرَوْنَ بني عدي بن كَعْب يسلمُونَ لكم صَاحبهمْ هَكَذَا خلوا عَن الرجل قَالَ فوَاللَّه لكَأَنَّمَا كَانُوا ثوبا كشط عَنهُ
قَالَ فَقلت لأبي بعد أَن هَاجر إِلَى الْمَدِينَة يَا أَبَت من الرجل الَّذِي زجر عَنْك الْقَوْم بِمَكَّة يَوْم أسلمت وهم يقاتلونك جزاه الله خيرا قَالَ ذَاك الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي لَا جزاه الله خيرا
قَالَ وَعَن بعض آل عمر قَالَ قَالَ عمر لما أسلمت تِلْكَ اللَّيْلَة تذكرت أَي أهل مَكَّة أَشد عَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى آتيه فَأخْبرهُ أَنِّي أسلمت
قَالَ قلت أَبُو جهل بن هِشَام وَكَانَ عمر لحنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة
قَالَ فَأَقْبَلت حِين أَصبَحت حَتَّى ضربت عَلَيْهِ بَابه قَالَ فَخرج إِلَيّ أَبُو جهل فَقَالَ مرْحَبًا وَأهلا بِابْن أُخْتِي مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت لأخبرك أَنِّي قد آمَنت بِاللَّه وبرسوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصدقت بِمَا جَاءَ بِهِ
قَالَ فَضرب الْبَاب فِي وَجْهي وَقَالَ قبحك الله وقبح مَا جِئْت بِهِ
وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ إِسْلَام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمامته رَحْمَة وَلَقَد رَأَيْتنَا وَلم نستطع أَن نصلي فِي

(1/53)


الْبَيْت حَتَّى أسلم عمر فَلَمَّا أسلم قَاتلهم حَتَّى تركونا نصلي
وَذكر أَن عمر لما أسلم نزل جِبْرِيل فَقَالَ استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر
وَكَانَ إِسْلَامه فِي السّنة الْخَامِسَة من الْبعْثَة وَقيل فِي السَّادِسَة وَاتَّفَقُوا على تَسْمِيَته بالفاروق قيل سَمَّاهُ الله بذلك وَقيل سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ أحد أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتابه قَالَه ابْن عبد الْبر وَغَيره
هَاجر إِلَى الْمَدِينَة جَهرا فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جمَاعَة وَشهد مَعَه الْمشَاهد كلهَا وَكَانَ شَدِيدا على الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَكَانَ زاهدا فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا سيق إِلَيْهِ من خَزَائِن مُلُوك الأَرْض فِي خِلَافَته
روقنا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر
وروى الأقليشي فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لم يبْعَث الله نَبيا قطّ إِلَّا كَانَ فِي أمته مُحدث فَإِن يكن أحد فِي أمتِي فَهُوَ عمر قيل يَا رَسُول الله وَكَيف يحدث قَالَ تكلم الْمَلَائِكَة على لِسَانه
وَلِهَذَا رُوِيَ أَن عمر كَانَ يخْطب يَوْم جُمُعَة بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ فِي خطبَته يَا سَارِيَة بن

(1/54)


زنيم الْجَبَل الْجَبَل فَالْتَفت النَّاس بَعضهم لبَعض فَلم يفهموا مُرَاده فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا هَذَا الَّذِي قلته قَالَ أَو سمعته قَالَ نعم وكل أهل الْمَسْجِد قَالَ وَقع فِي خلدي أَن الْمُشْركين هزموا إِخْوَاننَا وركبوا أَكْنَافهم يَمرونَ بجبل فَإِن عدلوا إِلَيْهِ قَاتلُوا من وجدوا وظفروا وَإِن جاوزوه هَلَكُوا فَخرج مني هَذَا الْكَلَام فجَاء البشير بعد شهر فَذكر أَنهم سمعُوا فِي ذَلِك الْيَوْم وَتلك السَّاعَة حِين جاوزوا الْجَبَل صَوتا يشبه صَوت عمر فعدلنا إِلَيْهِ فَفتح الله رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر بِسَنَد رِجَاله كلهم ثِقَات
قَالَ قَالَ السمنطاري وَقد عبرت فِي أَرض وطئة بَين جبال بِقرب نهاوند فَأرَانِي بعض أهل تِلْكَ النَّاحِيَة مَوضِع الْقِتَال وأخبروني أَن الْمُشْركين يَوْمئِذٍ أوقدوا نَارا فِي خَنْدَق هُنَاكَ أشاروا إِلَيّ بموضعه ليكيدوا الْمُسلمين بالإنهزام إِلَيْهِ كي يقعوا فِي تِلْكَ النَّار فأنجى الله سَارِيَة وَأَصْحَابه بِصَوْت عمر رَضِي الله عَنهُ وأدال لَهُم على الْمُشْركين فوقعوا فِي تِلْكَ النَّار الَّتِي وقدوها بِأَيْدِيهِم واحترقوا فِيهَا وَفتح الله على الْمُسلمين بنهاوند هَذَا نَحْو مَا أخبروني بِهِ هُنَاكَ على مَا توارثوه فيهم
وَذكر ابْن ظفر فِي كتاب خير الْبشر عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه

(1/55)


قَالَ لكعب يَا كَعْب أدْركْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد علمت أَن مُوسَى بن عمرَان تمنى أَن يكون فِي أَيَّامه فَلم تسلم على يَدَيْهِ ثمَّ أدْركْت أَبَا بكر وَهُوَ خير مني فَلم تسلم على يَدَيْهِ ثمَّ أسلمت فِي أيامي قَالَ لَا تعجل عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي كنت أتلبث حَتَّى أنظر الْأَمر كَيفَ هُوَ فَوَجَدته كَالَّذي هُوَ فِي التَّوْرَاة
فَقَالَ عمر وَكَيف هُوَ قَالَ رَأَيْت فِي التَّوْرَاة أَن سيد الْخلق والصفوة من ولد آدم وَخَاتم النَّبِيين يظْهر من جبال فاران من منبت الْفَرْض من الْوَادي الْمُقَدّس فَيظْهر التَّوْحِيد وَالْحق ثمَّ ينْتَقل إِلَى الطّيبَة فَتكون حروبه وأيامه فِيهَا ثمَّ يقبض فِيهَا ويدفن بهَا
قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي من بعده الشَّيْخ الصَّالح قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَمُوت مُتبعا قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي الْقرن الْحَدِيد فَقَالَ عمر وادفراه ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يقتل شَهِيدا قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي صَاحب الْحيَاء وَالْكَرم قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يقتل مَظْلُوما قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي صَاحب المحجة الْبَيْضَاء وَالْعدْل والسواء صَاحب الشّرف التَّام وَالْعلم الْجَام قَالَ عمر هُوَ أَبُو الْحسن ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَمُوت شَهِيدا سعيدا قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ ينْتَقل الْأَمر إِلَى الشَّام فَقَالَ عمر حَسبك يَا كَعْب

(1/56)


تَفْسِير

الدفر بِالدَّال الْمُهْملَة النتن وَالْحَدِيد دفر وَقصد التَّوَاضُع فَذكر رَائِحَة الْحَدِيد وَأعْرض عَن أَوْصَافه الْحَسَنَة من الْقُوَّة وَالْقطع وَمِنْه تسمى الدُّنْيَا أم دفر
وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ شَدِيد التخشع
رُوِيَ أَنه كَانَ فِي وَجهه خطان أسودان من الْبكاء
قَالَ ابْنه عبد الله صليت وَرَاءه فَسمِعت حنينه من وَرَاء ثَلَاثَة صُفُوف
ختم الله لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَكَانَ سَببهَا طعنه أَبُو لؤلؤة فَيْرُوز غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي الصُّبْح بسكين مَسْمُومَة ذَات طرفين وَذَلِكَ لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَكَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء
وَكَانَت خِلَافَته عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر على خلاف فِي ذَلِك توفّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَهُوَ الصَّحِيح
وَفتح بَاب الْفِتْنَة بعد على مَا ورد فِي الصَّحِيح روى مُحَمَّد بن الْحسن الشعري فِي كِتَابه الملامح والمعاريض عَن أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا فتْنَة} قَالَ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ إِن عمر رَضِي الله عَنهُ أَخذ بِيَدِهِ يَوْمًا فغمزها فَقَالَ خل يَدي يَا قفل الْفِتْنَة فَقَالَ عمر مَا قَوْلك قفل الْفِتْنَة فَقَالَ إِنَّك جِئْت

(1/57)


ذَات يَوْم فَجَلَست فِي آخر الْقَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تصيبكم فتْنَة مَا دَامَ هَذَا فِيكُم
وروى الشعري أَيْضا عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أَنا وَعُثْمَان فتْنَة لهَذِهِ الْأمة
وَشَرحه فِيمَا روى معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال بَاب الْفِتْنَة مغلقا عَن أمتِي مَا عَاشَ فيهم عمر بن الْخطاب فَإِذا هلك تَتَابَعَت عَلَيْهِم الْفِتَن
3 - عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ
قَالَ ابْن عبد الْبر عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف يلتقي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عبد منَاف وَأمه أورى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس وَأمّهَا أم حَكِيم الْبَيْضَاء بنت عبد الْمطلب
وكنيته أَبُو عَمْرو وَقيل أَبُو عبد الله وَقيل أَبُو ليلى
كَانَ إِسْلَامه قَدِيما قبل دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم دَعَاهُ أَبُو بكر إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَهَاجَر الهجرتين إِلَى الْحَبَشَة وَالْمَدينَة
وَتزَوج ابْنَتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ من كِتَابه ذكره عمر بن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ مُحَمَّد بن سعد وَكتب رَسُول الله

(1/58)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنهشل بن مَالك الوائلي من باهلة كتابا كتبه عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يَأْتِي ذكره فِيمَا بعد من كتابي هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ الأقليشي قيل للمهلب بن أبي صفرَة لم قيل لعُثْمَان ذُو النورين قَالَ لِأَنَّهُ لَا نعلم أحدا أرسل سترا على ابْنَتي نَبِي غَيره
قَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي فِي الشَّرْح ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سَأَلت رَبِّي عز وَجل أَن لَا يدْخل النَّار أحدا صاهر إِلَيّ أَو صاهرت إِلَيْهِ
وَسِيَاق سَنَده إِلَى سهل بن سعد قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل فِي الْجنَّة برق قَالَ نعم إِن عُثْمَان يتَحَوَّل من منزل إِلَى منزل فتبرق الْجنَّة رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَزَاد غَيره برقين فَلذَلِك سمي ذَا النورين
قَالَ الأقليشي روينَا عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد أحدا وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فَرَجَفَ بهم فَضَربهُ بِرجلِهِ وَقَالَ اسكن أحد فَإِن عَلَيْك نَبيا وصديقا وشهيدين
وَعَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعُثْمَان يَا عُثْمَان أَنْت وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَعَن أم كُلْثُوم بنت ثُمَامَة قَالَت سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَت لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاضِعا رَأسه على فَخذي وَعُثْمَان عَن يَمِينه وَجِبْرِيل يوحي إِلَيْهِ قَالَت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اكْتُبْ عُثْمَان فَمَا كَانَ الله ينزل تِلْكَ الْمنزلَة إِلَّا كَرِيمًا على الله تَعَالَى وعَلى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَعَن

(1/59)


أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة رَافعا يَدَيْهِ من أول اللَّيْل إِلَى أَن طلع الْفجْر يَدْعُو لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ عُثْمَان رضيت عَنهُ فارض عَنهُ
بذل فِي طَاعَة الله تَعَالَى الْأَمْوَال فنال من الثَّوَاب مَا نَالَ
وَعَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ عُثْمَان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَلف دِينَار حِين جهز جَيش الْعسرَة فنثرها فِي حجره قَالَ فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقلبها فِي حجره وَيَقُول مَا ضرّ عُثْمَان مَا عمل بعد الْيَوْم مرَّتَيْنِ
وَعَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ حمل عُثْمَان بن عَفَّان فِي غَزْوَة تَبُوك على تِسْعمائَة بعير وَأَرْبَعين بَعِيرًا ثمَّ جَاءَ بستين فرسا فَأَتمَّ بهَا الْألف
وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قحط الْمَطَر على عهد أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَاجْتمع النَّاس إِلَى أبي بكر فَقَالُوا السَّمَاء لم تمطر وَالْأَرْض لم تنْبت وَالنَّاس فِي شدَّة شَدِيدَة فَقَالَ أَبُو بكر انصرفوا واصبروا فانكم لَا تمشون حَتَّى يفرج الله الْكَرِيم عَنْكُم فَمَا لبثنا إِلَّا قَلِيلا إِذْ جَاءَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ من الشَّام مائَة رَاحِلَة برا أَو قَالَ طَعَاما فَاجْتمع النَّاس إِلَى بَابه وقرعوا عَلَيْهِ الْبَاب فَخرج إِلَيْهِم عُثْمَان فِي مَلأ من النَّاس فَقَالَ مَا تشاؤون فَقَالُوا الزَّمَان قحط وَالسَّمَاء لم تمطر وَالْأَرْض لم تنْبت وَالنَّاس فِي شدَّة شَدِيدَة وَقد بلغنَا أَن عنْدك طَعَاما فبعنا حَتَّى نوسع على فُقَرَاء الْمُسلمين قَالَ عُثْمَان حبا وكرامة ادخُلُوا فاشروا فَدخل التُّجَّار فَإِذا الطَّعَام

(1/60)


مَوْضُوع فِي دَار عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ معشر التُّجَّار كم تربحونني على شرائي من الشَّام قَالُوا للعشرة اثْنَا عشر قَالَ عُثْمَان قد زادوني قَالُوا للعشرة أَرْبَعَة عشر قَالَ عُثْمَان زادوني قَالُوا للعشرة خَمْسَة عشر قَالَ عُثْمَان قد زادوني قَالَ التُّجَّار يَا أَبَا عَمْرو مَا بَقِي فِي الْمَدِينَة تجار غَيرنَا فَمن ذَا الَّذِي زادك قَالَ زادني الله عز وَجل بِكُل دِرْهَم عشرا أعندكم زِيَادَة قَالُوا اللَّهُمَّ لَا قَالَ فَإِنِّي أشهد الله أَنِّي قد جعلت هَذَا الطَّعَام صَدَقَة على فُقَرَاء الْمُسلمين
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَرَأَيْت فِي لَيْلَتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي فِي الْمَنَام وَهُوَ على برذون أبلق عَلَيْهِ حلَّة من نور فِي رجلَيْهِ نَعْلَانِ من نور وَبِيَدِهِ قضيب من نور وَهُوَ مستعجل قلت يَا رَسُول الله قد اشْتَدَّ شوقي إِلَيْك وَإِلَى كلامك فَأَيْنَ تبادر قَالَ يَا ابْن عَبَّاس إِن عُثْمَان بن عَفَّان تصدق بِصَدقَة وَإِن الله تَعَالَى قد قبلهَا مِنْهُ وزوجه بهَا عروسا فِي الْجنَّة وَقد دعينا إِلَى عرسه
فَأكْرم بِمَال يُوصل صَاحبه هَذِه الرُّتْبَة وينيله هَذِه الخصوصية والقربة
وَلَقَد رُوِيَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يطعم النَّاس طَعَام الْإِمَارَة وَيدخل بَيته فيأكل الْخلّ وَالزَّيْت
وَعَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد قَالَ رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجُمُعَة على الْمِنْبَر وَعَلِيهِ إِزَار عدني غليظ يُسَاوِي أَرْبَعَة دَرَاهِم أَو خَمْسَة وريطة كوفية ممشقة
الريطة الملاءة إِذا كَانَت قِطْعَة وَاحِدَة وَلم تكن لفقتين قَالَه

(1/61)


الْجَوْهَرِي
والممشق اللبيس وَقيل الْمَصْبُوغ
وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَائِط فَاسْتَفْتَحَ رجل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ فَإِذا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ واستفتح آخر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ ففتحت لَهُ وبشرته بِالْجنَّةِ فَإِذا عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ استفتح آخر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه ففتحت لَهُ وبشرته بِالْجنَّةِ وَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان فَأَخْبَرته بِالَّذِي قَالَ فَقَالَ الله الْمُسْتَعَان
وَعَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة رجل يُصَلِّي عَلَيْهِ فَلم يصل عَلَيْهِ فَقيل يَا رَسُول الله مَا رَأَيْنَاك تركت الصَّلَاة على أحد قبل هَذَا قَالَ إِنَّه كَانَ يبغض عُثْمَان فَأَبْغضهُ الله
وَعَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ مَا كنت لأقاتل بعد رُؤْيا رَأَيْتهَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَعَلقا بالعرش وَرَأَيْت أَبَا بكر وَاضِعا يَده على منْكب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَيْت عمر وَاضِعا يَده على منْكب أبي بكر وَرَأَيْت عُثْمَان وَاضِعا يَده على منْكب عمر وَرَأَيْت دونهم دَمًا فَقلت مَا هَذَا فَقيل هَذَا دم عُثْمَان الله يطْلب بِهِ
وَقَالَ الأقليشي رَحمَه الله فِي عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يمدحه وضمنها من قَول حسان رَضِي الله عَنهُ

(1/62)


(حوى الْفَضَائِل ذُو النورين عُثْمَان ... إِذْ حل فِي قلبه نور وإيقان)
(صهر الرَّسُول على بنتيه قدستا ... وَلم يحز مثل هَذَا قبل إِنْسَان)
(ولي أَحْمد فِي الدُّنْيَا وآخرة ... لَهُ صَلَاح وإيمان وإحسان)
(أما الْحيَاء فَفِي خديه مؤتلق ... وَفِي الْفُؤَاد لَهُ نور وبرهان)
(أما السخاء فوصف كَانَ يَصْحَبهُ ... فوجهه بضياء الْجُود يَزْدَان)
(كم سد من خلل بِمَا لَهُ جلل ... وَصد من علل وَالله منان)
(كَانَت ولَايَته بِالْعَدْلِ قَائِمَة ... حَتَّى استطار من الْفُسَّاق طغيان)
(فَقَتَلُوهُ اعتداء وسط منزله ... كَأَنَّمَا هُوَ للفجار قرْبَان)
(ضحوا بأشمط عنوان السُّجُود بِهِ ... فليله الدَّهْر تَسْبِيح وَقُرْآن)
(قد رَاح روح شَهِيد الدَّار مؤتلقا ... وَعَمه فِي العلى روح وَرَيْحَان)
قَالَ ابْن عبد الْبر كَانَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ربعَة لَيْسَ بالقصير

(1/63)


وَلَا بالطويل حسن الْوَجْه رَقِيق الْبشرَة كَبِير اللِّحْيَة عظيمها أسمر اللَّوْن كثير الشّعْر ضخم الكراديس بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ
بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم السبت غرَّة الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين بعد دفن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِثَلَاثَة أَيَّام باجتماع النَّاس عَلَيْهِ
وَقتل بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْجُمُعَة لثمان عشرَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَدفن بِالبَقِيعِ وَقيل غير ذَلِك
ولي الْخلَافَة اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَّا عشرَة أَيَّام
وَفِي هَذِه التواريخ خلاف ذكرهَا ابْن عبد الْبر فِي استيعابه وَغَيره
4 - عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو طَالب أَخُو عبد الله وَالِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرشي هاشمي يكنى أَبَا الْحسن وَأَبا تُرَاب وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ كنية ثَالِثَة وَهُوَ أَبُو قَصم
قَالَ ابْن دحْيَة فِي تأليفه مرج الْبَحْرين فِي فَوَائِد المشرقين والمغربين وَيُقَال لعَلي أَبُو القصم قَالَ ذَلِك يَوْم أحد فِي مبارزته لأبي سعيد بن أبي طَلْحَة
والقصم جمع قصمة وَهِي العضلة الْمهْلكَة وَيجوز أَن يكون جمع قصماء وَهِي الداهية الَّتِي تقصم قَالَ الْجَوْهَرِي وقصم مثل قثم يحطم مَا لَقِي

(1/64)


قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد حَدثنِي بعض أهل الْعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا سمى عليا أَبَا تُرَاب إِنَّه كَانَ إِذا عتب على فَاطِمَة فِي شَيْء لم يكملها وَلم يقل لَهَا شَيْئا تكرههُ إِلَّا أَنه يَأْخُذ تُرَابا فيضعه على رَأسه قَالَ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رأى عَلَيْهِ التُّرَاب يعرف أَنه عَاتب على فَاطِمَة فَيَقُول مَالك يَا أَبَا تُرَاب وَسَماهُ وَالِده عليا
روى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك إِن اسْم عَليّ أَسد وَذَلِكَ أَن أمه لما وَلدته سمته أسدا باسم أَبِيهَا وأبى أَبُو طَالب وَقَالَ سميه عليا فَهُوَ حَيْثُ يَقُول يَوْم خَيْبَر
(أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره ... )
وَلم يقل سماني أبي
والحيدرة الْأسد
وَفِي سنه حِين أسلم أَقْوَال مِنْهَا أَنه أسلم وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وَقيل عشرَة قَالَه ابْن إِسْحَاق
وروينا فِي جَامع التِّرْمِذِيّ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَأسلم عَليّ يَوْم الثُّلَاثَاء

(1/65)


قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ إِن عليا جَاءَ بعد ذَلِك الْيَوْم يَعْنِي بعد إِسْلَام خَدِيجَة وصلاتها مَعَه فوجدهما يصليان فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دين الله الَّذِي اصْطفى لنَفسِهِ وَبعث بِهِ رسله
أَدْعُوك إِلَى الله وَإِلَى عِبَادَته وَكفر بِاللات والعزى فَقَالَ حَتَّى أحدث أَبَا طَالب فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يفشى سره فَقَالَ لعَلي إِن لم تسلم فاكتم ثمَّ أوقع الله الْإِسْلَام فِي قلبه فَأصْبح حَتَّى جَاءَهُ فَأسلم وَكَانَ مِمَّا أنعم الله بِهِ على عَليّ أَن كَانَ فِي حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَغِير
قَالَ القَاضِي عِيَاض خرج الطَّحَاوِيّ فِي مُشكل الحَدِيث عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُوحى إِلَيْهِ وَرَأسه فِي حجر عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَلم يصل الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصليت يَا عَليّ قَالَ لَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ فِي طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولك فاردد عَلَيْهِ الشَّمْس قَالَت أَسمَاء فرأيتها غربت ثمَّ رَأَيْتهَا طلعت بَعْدَمَا غربت ووقفت على الْجبَال وَالْأَرْض وَذَلِكَ بالصهباء فِي خَيْبَر
قَالَ وَهَذَا الحَدِيث ثَابت وَرُوَاته ثِقَات
وَحكى الطَّحَاوِيّ أَن أَحْمد بن صَالح كَانَ يَقُول لَا يَنْبَغِي لمن سَبيله الْعلم التَّخَلُّف عَن حفظ حَدِيث أَسمَاء لِأَنَّهُ من عَلَامَات النُّبُوَّة
وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات وَعين

(1/66)


وَاضعه وَقَالَ ثَبت فِي الصَّحِيح عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِن الشَّمْس لم تحبس لأحد إِلَّا ليوشع
وَذكر الشَّيْخ ضِيَاء الدّين أَبُو النجيب السهرودي فِي كتاب آدَاب المريدين لخدمة رب الْعَالمين زواج عَليّ لفاطمة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هم بتزويج فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا من عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ تكلم لنَفسك خَطِيبًا وَقد اجْتمع الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فَقَالَ الْحَمد لله حمدا يبلغهُ ويرضيه وَصلى الله على مُحَمَّد صَلَاة تزلفه وتحظيه وَالنِّكَاح مِمَّا أَمر الله بِهِ ورضيه واجتماعنا فِيمَا أذن الله فِيهِ وَقدره وَهَذَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوجنِي ابْنَته فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا على صدَاق مبلغه خَمْسمِائَة دِرْهَم وَقد رضيت فَاسْأَلُوهُ واشهدوا
وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ لنا إِلَّا إهَاب كَبْش نبيت عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ونعلف عَلَيْهِ الناضح بِالنَّهَارِ
وروى مُحَمَّد بن ظفر فِي كتاب أنباء نجباء الْأَبْنَاء أَن أَبَا طَالب ابْن عبد الْمطلب قَالَ لفاطمة بنت أَسد وَهِي زَوجته أم أَوْلَاده يَا فَاطِمَة مَا لي لَا أرى عليا يحضر طعامنا فَقَالَت إِن خَدِيجَة بنت خويلد قد تألفته فَقَالَ أَبُو طَالب لَا أحضر طَعَاما غَابَ عَنهُ عَليّ

(1/67)


فَأرْسلت إِلَيْهِ وَلَدهَا جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَت جئني بِهِ وحدثها مَا قَالَ أَبوهُ فَانْطَلق جَعْفَر إِلَى خَدِيجَة فأعلمها وَأخذ عليا وَانْطَلق بِهِ إِلَى أَهله وَأَبُو طَالب على غذائه فَلَمَّا رَآهُ بشر بِهِ وَأَجْلسهُ على فَخذه وَوضع كَفه على رَأسه وَجعل لقْمَة فِي فِيهِ فلاكها ثمَّ لَفظهَا وَبكى فَقَالَ أَبُو طَالب يَا فَاطِمَة خذي إِلَيْك هَذَا الطِّفْل فانظري مَا شَأْنه فَأَخَذته أمه ولاطفته وسكتته وَسَأَلته فَقَالَ أتكتمين عَليّ فَقَالَت نعم فَقَالَ يَا أُمَّاهُ إِنِّي أجد لكف مُحَمَّد بردا ولطعامه قداوة وَإِنِّي وجدت لكف أبي حرا ولطعامه وخاصة وتفلا فَقَالَت لَهُ لَا تفه بِهَذَا وَإِن سَأَلَك أَبوك فَقل إِنِّي مغست
وَلما فرغ أَبُو طَالب من غذائه قَالَ يَا فَاطِمَة مَا بَال ابْني فَقَالَت إِنَّه كَانَ مغس فَقَالَ كلا وهبل مَا بِهِ إِلَّا إِيثَار مُحَمَّد علينا فالحقيه بِهِ وَلَا تعرضي لَهُ بعد فيوشك أَن يهصر بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصلاب قُرَيْش
تَفْسِير مَا فِي هَذَا الْخَبَر من الْغَرِيب

اللوك المضغ
وَاللَّفْظ إِلْقَاء الشَّيْء من الْفَم
قداوة أَي طيب ريحة قدي اللَّحْم يقدى قديا
وتفلا التفل تغير الرَّائِحَة وفسادها
ومغس أَي أَصَابَهُ المغس وَهُوَ دَاء مَعْرُوف
قَوْله فيوشك

(1/68)


مَعْنَاهُ يسْرع والوشيك السَّرِيع
وَقَوله يهصر أَي يعْطف ويثنى ليكسر
وَقَوله كلا وهبل صنم كَانُوا يعظمونه أقسم بِهِ وَكَانَ دَاخل الْكَعْبَة وَهُوَ الَّذِي ذكره أَبُو سُفْيَان فِي غَزْوَة أحد فِي قَوْله اعْل هُبل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تجيبوه قَالُوا مَا نقُول فَقَالَ قُولُوا الله أَعلَى وَأجل
قلت وَأَخْبرنِي بعض أَصْحَابنَا المكيين أَنه مَوْجُود بِمَكَّة مَعْرُوف عِنْدهم يَبُولُونَ عِنْده وَأَنه ألقِي هُوَ وَغَيره من الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت حول الْكَعْبَة وَكَانَت نَحْو الثلاثمائة وَسِتِّينَ صنما قد شدها إِبْلِيس لَهُم بالرصاص ذكره الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة وَقَالَ وَهُوَ مَا روينَاهُ عَنهُ بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة يَوْم الْفَتْح وحول الْكَعْبَة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنما فَجعل يطعنها وَيَقُول {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضيب وَهُوَ يطوف على رَاحِلَته بِالْكَعْبَةِ وَيُشِير إِلَيْهَا فَمَا مِنْهَا صنم أَشَارَ إِلَى وَجهه إِلَّا وَقع على دبره وَلَا أَشَارَ إِلَى دبره إِلَّا وَقع على وَجهه حَتَّى وَقعت كلهَا وَأمر بهَا فَجمعت ثمَّ حرقت بالنَّار وَكسرت
فَفِي ذَلِك يَقُول فضَالة بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ فِي ذكر يَوْم الْفَتْح
(لَو مَا رَأَيْت مُحَمَّدًا وَجُنُوده ... بِالْفَتْح يَوْم تكسر الْأَصْنَام)

(1/69)


(لرأيت نور الله أصبح بَيْننَا ... والشرك يغشى وَجهه الأظلام)
قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم} الْآيَة
قَالَ الْبَغَوِيّ قَرَأَهَا عَليّ حطب جَهَنَّم
عود وانعطاف لما نَحن بصدده وَأمه رَضِي الله عَنهُ فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف وَهِي أول هاشمية ولدت هاشميا أسلمت وَهَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة وَمَاتَتْ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهِي أم عَليّ وَعقيل وجعفر وطالب أَوْلَاد أبي طَالب
قَالَ صَاحب المورد العذب رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألبسها قَمِيصه وَصلى عَلَيْهَا وَكبر عَلَيْهَا سبعين واضطجع فِي قبرها وجزاها خيرا فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كَانَت أُمِّي بعد أُمِّي وَلم يكن بعد أبي طَالب أبر بِي مِنْهَا
وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ هُوَ الْكَاتِب لعهوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عهد وصلحه إِذا صَالح
بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي قتل فِيهِ عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا
وَكَانَت خِلَافَته أَربع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَقتل وَله من الْعُمر ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَقيل غير ذَلِك
قَتله أَشْقَى النَّاس عبد الرَّحْمَن بن ملجم بِسيف مَسْمُوم وَذَلِكَ لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ توفّي بِالْكُوفَةِ لَيْلَة الْأَحَد

(1/70)


التَّاسِع عشر من شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ
قيل دفن برحبة الْكُوفَة وَقيل بطرِيق الْحيرَة وَقيل حمل إِلَى الْمَدِينَة فَدفن عِنْد فَاطِمَة وَقيل حمل فِي تَابُوت على جمل وَإِن الْجمل تاه وَوَقع فِي بِلَاد طَيئ وَقيل جهل مَوضِع قَبره رَضِي الله عَنهُ
5 - أبي بن كَعْب
ابْن قيس بن عبيد بن زيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن مَالك بن النجار والنجار هُوَ تيم اللات بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو ابْن الْخَزْرَج الْأَكْبَر المعاوي وَبَنُو مُعَاوِيَة بن عَمْرو يعْرفُونَ ببني جديلة وَهِي أمّهم قيل سمي النجار لِأَنَّهُ نجر وَجه رجل بالقدوم وَقيل غير ذَلِك
كناه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي الْمُنْذر وكناه عمر بِأبي الطُّفَيْل
قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا الْمُنْذر أَي آيَة مَعَك فِي كتاب الله أعظم فَقلت {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} قَالَ فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ ليهنئك الْعلم يَا أَبَا الْمُنْذر
شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وَبَايع فِيهَا ثمَّ شهد بَدْرًا
وَكَانَ أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة وأقرأهم لكتاب الله عز وَجل وَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة {لم يكن} وَقَالَ إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ

(1/71)


عَلَيْك قَالَ آللَّهُ سماني لَك قَالَ نعم فَجعل أبي يبكي قَالَه ابْن عبد الْبر
وَرُوِيَ عَن أبي محجن الثَّقَفِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر وَأَقْوَاهُمْ فِي دين الله عمر وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان وأقضاهم عَليّ وأقرؤهم أبي وأفرضهم زيد بن ثَابت وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل وَمَا أظلت الخضراء وَلَا أقلت الغبراء على ذِي لهجة أصدق من أبي ذَر وَلكُل أمة أَمِين وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح
وَكَانَ أبي مِمَّن كتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل زيد بن ثَابت وَمَعَهُ أَيْضا
قَالَ ابْن عبد الْبر وروى الْوَاقِدِيّ عَن أشياخه قَالَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدمه الْمَدِينَة أبي بن كَعْب
وَهُوَ أول من كتب فِي آخر الْكتاب وَكتب فلَان
قَالَ وَكَانَ أبي إِذا لم يحضر دَعَا رَسُول الله زيد بن ثَابت فَكَانَ زيد وَأبي يكتبان الْوَحْي بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويكتبان كتبه إِلَى النَّاس وَمَا يقطع وَغير ذَلِك
مَاتَ أبي فِي خلَافَة عمر سنة تسع عشرَة وَقيل فِي صدر خلَافَة عُثْمَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ
وَقَالَ عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ مَاتَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَأبي بن كَعْب قَرِيبا بَعضهم من بعض وَقيل غير ذَلِك وَالْأَكْثَر على أَنه مَاتَ فِي خلَافَة عمر

(1/72)


يعد فِي أهل الْمَدِينَة روى عَنهُ عبَادَة بن الصَّامِت وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن خباب وَابْنه الطُّفَيْل بن أبي وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
6 - أبان بن سعيد ابْن الْعَاصِ بن أُميَّة
ابْن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي قَالَه ابْن عبد الْبر
قَالَ وَتَأَخر إِسْلَامه بعد إِسْلَام أَخَوَيْهِ خَالِد وَعَمْرو ثمَّ أسلم وَحسن إِسْلَامه
وَقَالَ ذكره ابْن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات أَيْضا
وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قُرَيْش عَام الْحُدَيْبِيَة وَحمله على فرس حَتَّى دخل مَكَّة وَقَالَ لَهُ شعر
(أقبل وَأدبر وَلَا تخف أحدا ... بَنو سعيد أعزة الْحرم)
وَكَانَ إِسْلَامه بَين الْحُدَيْبِيَة وخيبر
قَالَ ويروى عَن الْحسن أَنه قَالَ قدم أبان بن سعيد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أبان كَيفَ تركت أهل مَكَّة قَالَ تَركتهم وَقد جيدوا يَعْنِي الْمَطَر وَتركت الْإِذْخر وَقد

(1/73)


أعذق وتكرت الثمام وَقد خَاص قَالَ فاغرورقت عينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَنا أفصحكم ثمَّ أبان بعدِي
وَاسْتَعْملهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبَحْرين إِذْ عزل الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ عَنْهَا فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانَ هُوَ الَّذِي تولى إملاء مصحف عُثْمَان على زيد بن ثَابت أَمرهمَا بذلك عُثْمَان
قَالَ ذكر ذَلِك ابْن شهَاب عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أَبِيه
وَاخْتلف فِي وَقت وَفَاة أبان بن سعيد قَالَ ابْن إِسْحَاق قتل أبان وَعَمْرو ابْنا سعيد بن الْعَاصِ يَوْم اليرموك وَلم يُتَابع عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس مضين من رَجَب سنة خمس عشرَة فِي خلَافَة عمر
وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة قتل يَوْم أجنادين وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم وَقيل يَوْم مرج الصفر
وَكَانَت وقْعَة أجنادين فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة فِي خلَافَة أبي بكر قبل وَفَاته بِدُونِ شهر ووقعة مرج الصفر فِي صدر خلَافَة عمر سنة أَربع عشرَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
7 - الأرقم بن أبي الأرقم
قَالَ ابْن عبد الْبر اسْم أبي الأرقم عبد منَاف بن أَسد بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي
وَأمه من بني سهم بن

(1/74)


عَمْرو بن هصيص اسْمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْحَارِث وَيُقَال تماضر بنت حذيم من بني سهم
يكنى أَبَا عبد الله
كَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين قديم الْإِسْلَام كَانَ سَابِع سَبْعَة وَقيل أسلم بعد عشرَة أنفس
يعد فِي أهل بدر
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخفيا من قُرَيْش بِمَكَّة فِي دَاره على الصَّفَا
قلت وَهِي الَّتِي تسمى فِي زمننا دَار الخيزران
كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو النَّاس فِيهَا إِلَى الْإِسْلَام حَتَّى تكاملوا أَرْبَعِينَ رجلا وَكَانَ آخِرهم إسلاما عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم أسلم فِي دَاره كبار الصَّحَابَة فَلَمَّا تكاملوا أَرْبَعِينَ خَرجُوا
توفّي الأرقم بن أبي الأرقم سنة خمس وَخمسين بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَأوصى أَن يصلى عَلَيْهِ سعيد بن أبي وَقاص وَكَانَ غَائِبا فِي العقيق فانتظره بِهِ ابْنه عبيد الله حَتَّى جَاءَ فصلى عَلَيْهِ
وَمَات أَبوهُ أَبُو الأرقم يَوْم مَاتَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا
ذكره ابْن سعد فِيمَن كتب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي ذكر من ذَلِك فِي كتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُلُوك
قَالَ صَاحب المورد العذب الهنيء فِي شَرحه للسيرة لعبد الْغَنِيّ

(1/75)


إِن ابْن ابْن عَسَاكِر وَابْن عبد الْبر وَابْن عبد ربه ذَكرُوهُ فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
8 - بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ
قَالَ ابْن عبد الْبر هُوَ بُرَيْدَة بن الْحصيب بن عبد الله بن الْحَارِث بن الْأَعْرَج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مَازِن بن الْحَارِث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر يكنى أَبَا عبد الله وَقيل أَبَا سهل وَقيل أَبَا الْحصيب وَقيل أَبَا ساسان
أسلم قبل بدر وَلم يشهدها وَشهد الْحُدَيْبِيَة وَبَايع بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة
وَلما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة فَانْتهى إِلَى الغميم أَتَاهُ بُرَيْدَة بن الْحصيب فَأسلم هُوَ وَمن مَعَه وَكَانُوا زهاء

(1/76)


ثَمَانِينَ بَيْتا
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتطير وَلَكِن يتفاءل فَركب بُرَيْدَة فِي سبعين رَاكِبًا من أهل بَيته من بني سهم فَتَلقاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ نَبِي الله من أَنْت قَالَ أَنا بُرَيْدَة فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ برد أمرنَا يَا أَبَا بكر وَصلح
قَالَ ثمَّ قَالَ لي مِمَّن أَنْت قلت من أسلم قَالَ لأبي بكر سلمنَا
ثمَّ قَالَ من بني من قلت من بني سهم قَالَ خرج سهمك
وَرُوِيَ عَن وَلَده عبد الله قَالَ مَاتَ وَالِدي بمرو وقبره بالحصن وَهُوَ قَائِد أهل الْمشرق ونورهم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل مَاتَ من أَصْحَابِي ببلدة فَهُوَ قائدهم ونورهم يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي روى هِلَال بن سراج بن مجاعَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعطَاهُ أَرضًا بِالْيمن فَكتب لَهُ عَنهُ بُرَيْدَة من مُحَمَّد رَسُول الله لمجاعة بن مرَارَة من بني سليم إِنِّي أَعطيتك الغورة فَمن حاجه فِيهَا فَليَأْتِنِي وَكتب بُرَيْدَة
قَالَ ابْن عبد الْبر مجاعَة بن مرَارَة الْحَنَفِيّ اليمامي كَانَ من رُؤَسَاء بني حنيفَة وَله خبر فِي الرِّدَّة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد وَهُوَ الَّذِي صَالح خَالِد بن الْوَلِيد يَوْم الْيَمَامَة فِي قصَّة يطول ذكرهَا
مِنْهَا أَنه كَانَ موثوقا مَعَ خَالِد فَرَأى خَالِد أَصْحَاب

(1/77)


مُسَيْلمَة وَقد انتضوا سيوفهم فَقَالَ يَا مجاعَة فشل قَوْمك قَالَ لَا وَلكنهَا اليمانية رَوَاهُ سيف الهندوانية لَا تلين متونها حَتَّى تشرق الشَّمْس عَلَيْهَا
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أقطع مجاعَة أَرضًا بِالْيَمَامَةِ وَكتب لَهُ كتابا فَقَالَ قَائِلهمْ شعر
(ومجاع الْيَمَامَة قد أَتَانَا ... يخبرنا بِمَا قَالَ الرَّسُول)
(فأعطينا المقادة واستقمنا ... وَكَانَ الْمَرْء يسمع مَا يَقُول)
روى عَنهُ ابْنه سراج وَلم يرو عَنهُ غَيره وَالله أعلم
9 - ثَابت بن قيس بن شماس
ابْن ظهير بن مَالك ابْن امْرِئ الْقَيْس بن مَالك الْأَغَر بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج وَأمه امْرَأَة من طَيئ يكنى أَبَا مُحَمَّد بِابْنِهِ وَقيل أَبُو عبد الرَّحْمَن
قتل بنوه مُحَمَّد وَيحيى وَعبد الله يَوْم الْحرَّة
كَانَ ثَابت خطيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخطيب الْأَنْصَار كَمَا أَن حسانا شَاعِر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد
قتل

(1/78)


يَوْم الْيَمَامَة فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أنس لما انْكَشَفَ النَّاس يَوْم الْيَمَامَة قلت لِثَابِت أَلا ترى يَا عَم وَوَجَدته حسر عَن فَخذيهِ يتحنط فَقَالَ مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس مل عودتم أَقْرَانكُم وَبئسَ مَا عودتم أَنفسكُم اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا يصنع هَؤُلَاءِ
ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل
وَقَالَ إِنَّه كَانَ بِهِ مس من الْجِنّ
وَلما أنزل الله تَعَالَى {إِن الله لَا يحب كل مختال فخور} فأغلق عَلَيْهِ بَابه وطفق يبكي فَفَقدهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِ فَأخْبرهُ وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أحب الْجمال وَأحب أَن أسود قومِي فَقَالَ لست مِنْهُم بل تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا وَتدْخل الْجنَّة
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة خرج مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب فَلَمَّا الْتَقَوْا انكشفوا فَقَالَ ثَابت وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حفر كل وَاحِد مِنْهُمَا حُفْرَة فثبتا وقاتلا حَتَّى قتلا وعَلى ثَابت يَوْمئِذٍ درع نفيسة فَمر بِهِ رجل من الْمُسلمين فَأَخذهَا فَبينا رجل من الْمُسلمين نَائِم أَتَاهُ ثَابت فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ إِنِّي أوصيك بِوَصِيَّة فإياك أَن تَقول هَذَا حلم فتضيعه إِنِّي لما قتلت أمس مر بِي رجل من الْمُسلمين فَأخذ دِرْعِي ومنزله فِي أقْصَى النَّاس وَعند خبائه فرس يستن فِي طوله
وَقد كفى على الدرْع

(1/79)


برمة وَفَوق البرمة رجل فأت خَالِدا فمره أَن يبْعَث إِلَى دِرْعِي فيأخذها وَإِذا قدمت الْمَدِينَة على خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقل لَهُ إِن عَليّ من الدّين كَذَا وَكَذَا وَفُلَان رقيقي عَتيق وَفُلَان فَأتى الرجل خَالِدا فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الدرْع فَأتى بهَا وَحدث أَبَا بكر برؤياه فَأجَاز وَصيته
قَالَ وَلَا نعلم أحدا أجيزت وَصيته بعد مَوته غير ثَابت بن قيس رَحمَه الله ذكره ابْن سعد فِي الْكتاب وَأَنه كتب لوفد ثمالة والحدان كتابا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
10 - جهيم بن الصَّلْت بن مخرمَة
ابْن الْمطلب بن عبد منَاف الْقرشِي المطلبي أسلم عَام خَيْبَر وَأَعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثِينَ وسْقا من خَيْبَر ذكره ابْن عبد الْبر فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب
وَهُوَ الَّذِي رأى الرُّؤْيَا بِالْجُحْفَةِ حِين نفرت قُرَيْش لتمنع عيرها ونزلوا بِالْجُحْفَةِ ليتزودوا من المَاء لَيْلًا فَغلبَتْ جهيما عينه فَرَأى فَارِسًا وقف عَلَيْهِ فنعى إِلَيْهِ أشرافا من

(1/80)


أَشْرَاف قُرَيْش
11 - جهم بن سعد
قَالَ عبد الْكَرِيم فِي المورد العذب الهني شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ جهم بن سعد ذكره أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْقُرْطُبِيّ فِي كتاب الْأَعْلَام فِي مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عبد الْكَرِيم ونقلته من خطه
وَقَالَ وَذكر الْقُضَاعِي وَكَانَ الزبير بن الْعَوام وجهم بن سعد يكتبان أَمْوَال الصَّدَقَة
قلت وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه فِي أَسمَاء الصَّحَابَة
12 - حَنْظَلَة بن الرّبيع بن صَيْفِي الْكَاتِب
الأسيدي التَّمِيمِي يكنى أَبَا ربعي وَمن بني أسيد بن عَمْرو بن تَمِيم من بطن يُقَال لَهُم بَنو شرِيف وَبَنُو أسيد ابْن عَمْرو بن تَمِيم من أَشْرَاف بني تَمِيم
أسيد بِكَسْر الْيَاء وتشديدها
قَالَ نَافِع بن الْأسود

(1/81)


التَّمِيمِي يفخر بقَوْمه شعر
(قومِي أسيد إِن سَأَلت ومنصبي ... وَلَقَد علمت معادن الأحساب)
وَهُوَ ابْن أخي أَكْثَم بن صَيْفِي حَكِيم الْعَرَب أدْرك مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن مائَة وَتِسْعين سنة وَلم يسلم وَكَانَ قد كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجاوبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسر بجوابه وَجمع إِلَيْهِ قومه وندبهم إِلَى إتْيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْإِيمَان بِهِ وَخَبره فِي ذَلِك عَجِيب فاعترضه مَالك بن نُوَيْرَة الْيَرْبُوعي وَفرق جمع الْقَوْم فَبعث أَكْثَم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنه فِيمَن أطاعه من قومه فَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيق فَلم يصلوا
وحَنْظَلَة أحد الَّذين كتبُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعرف بالكاتب
شهد الْقَادِسِيَّة وتخلف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجمل
وَلما توفّي جزعت عَلَيْهِ امْرَأَته فنهتها جاراتها وقلن إِن هَذَا يحبط أجرك فَقَالَت
(تعجب الدَّهْر لمحزونة ... تبْكي على ذِي شيبَة شاحب)
(إِن تسأليني الْيَوْم مَا شقني ... أخْبرك قولا لَيْسَ بالكاذب)

(1/82)


(إِن سَواد الْعين أودي بِهِ ... حزن على حَنْظَلَة الْكَاتِب)
تَفْسِير الشاحب الْهَالِك وأودي هلك أَيْضا قَالَه الْجَوْهَرِي
مَاتَ فِي إِمَارَة مُعَاوِيَة وَلَا عقب لَهُ قَالَه ابْن عبد الْبر فِي استيعابه
13 - حويطب بن عبد الْعُزَّى
ابْن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل الحسل فرخ الضَّب حِين يخرج من بيضته قَالَه الْجَوْهَرِي بِكَسْر أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه ابْن عَامر ابْن لؤَي الْقرشِي العامري
كَانَ من مسلمة الْفَتْح من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم أدْرك الْإِسْلَام وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة وَأعْطِي من غَنَائِم حنين مائَة بعير وَأمره عمر بتجديد الْحرم
وَكَانَ مِمَّن دفن عُثْمَان وَبَاعَ من مُعَاوِيَة دَارا بِالْمَدِينَةِ بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار فاستشرف النَّاس لذَلِك فَقَالَ مُعَاوِيَة وَمَا أَرْبَعُونَ ألف دِينَار لرجل لَهُ خَمْسَة من الْعِيَال
يكنى أَبَا مُحَمَّد وَقيل أَبَا الْأصْبع
وَقَالَ مَرْوَان بن الحكم بن الْعَاصِ يَوْمًا لحويطب تَأَخّر إسلامك أَيهَا الشَّيْخ حَتَّى سَبَقَك الْأَحْدَاث فَقَالَ حويطب الله الْمُسْتَعَان وَالله

(1/83)


لقد هَمَمْت بِالْإِسْلَامِ غير مَا مرّة وكل ذَلِك يعوقني أَبوك عَنهُ وينهاني وَيَقُول تضع شرفك وَتَدَع دينك وَدين آبَائِك لدين مُحدث وَتصير تَابعا قَالَ فأسكت وَالله مَرْوَان وَنَدم على مَا كَانَ قَالَ لَهُ
ثمَّ قَالَ حويطب أما كَانَ أخْبرك عُثْمَان بِمَا لَقِي من أَبِيك حِين أسلم فازداد مَرْوَان غما
ثمَّ قَالَ حويطب مَا كَانَ فِي قُرَيْش أحد من كبرائها الَّذين بقوا على دين قَومهمْ إِلَى أَن فتحت مَكَّة أكره لما هُوَ عَلَيْهِ مني وَلَكِن الْمَقَادِير
ويروى عَنهُ أَنه قَالَ شهِدت بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين فَرَأَيْت عبرا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تقتل وتأسر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَلم أذكر ذَلِك لأحد
وَشهد مَعَ سُهَيْل بن عَمْرو صلح الْحُدَيْبِيَة وقصة الْكتاب وهما من جِهَة الْمُشْركين
وآمنه أَبُو ذَر يَوْم الْفَتْح وَمَشى مَعَه وَجمع بَينه وَبَين عِيَاله حَتَّى نُودي بالأمان ثمَّ أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنينا والطائف مُسلما
واستقرضه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم فأقرضه إِيَّاهَا
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخر إِمَارَة مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ وَقيل سنة أَربع وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي ذكره فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن مسكويه رَضِي الله عَنهُ

(1/84)


14 - الْحصين بن نمير
لم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه وَذكره عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكره الْقُضَاعِي وَلم يرفع لَهُ نسبا
قَالَ الْحلَبِي ذكره أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ فِي كِتَابه عَلَيْهِ السَّلَام ونقلته من خطه
وَقَالَ وَكَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَالْحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات وَالظَّاهِر أَنه نَقله من كتاب الْقُضَاعِي وَنَحْو ذَلِك
وَذكره أَبُو الْحسن بن عبد الْبر وَأَبُو عَليّ بن مسكويه
قلت وَوَجَدته أَنا فِي كتاب عُيُون المعارف وفنون أَخْبَار الخلائف للقضاعي كَمَا أوردهُ عَنهُ فَللَّه الْحَمد والْمنَّة
15 - حَاطِب بن عَمْرو
ابْن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي أَخُو سُهَيْل بن عَمْرو
شهد بَدْرًا وَأسلم قبل دُخُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة الهجرتين جَمِيعًا
وَأول من قدم أَرض الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة

(1/85)


الأولى قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي ذكره ابْن مسكويه هُوَ وَأَبُو سُفْيَان ابْن حَرْب فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
16 - حُذَيْفَة بن الْيَمَان
قَالَ ابْن عبد الْبر اسْم الْيَمَان حسيل حسيل بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه قَالَ الْجَوْهَرِي الحسيل ولد الْبَقَرَة لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه
واليمان لقب لقب بِهِ لِأَنَّهُ أصَاب فِي قومه دَمًا فهرب إِلَى الْمَدِينَة فحالف بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار فَسَماهُ قومه الْيَمَان لِأَنَّهُ حَالف اليمانية ابْن جَابر بن عَمْرو بن ربيعَة بن جروة بن الْحَارِث بن مَازِن بن قطيعة بن عبس الْعَبْسِي الْقطيعِي من بني عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان
وَأمه امْرَأَة من الْأَنْصَار من الْأَوْس من بني عبد الْأَشْهَل اسْمهَا الربَاب بنت كَعْب ابْن عدي بن عبد الْأَشْهَل
شهد حُذَيْفَة وَأَبوهُ حسيل وَأَخُوهُ صَفْوَان أحدا وَقتل أَبَاهُ يَوْمئِذٍ بعض الْمُسلمين وَهُوَ يحسبه من الْمُشْركين فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَدَيْهِ فَتصدق حُذَيْفَة بديته على الْمُسلمين فزاده عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا

(1/86)


روى السُّهيْلي عَن ابْن عَبَّاس أَن الَّذِي قتل حسيلا خطأ عتبَة بن مَسْعُود أَخُو عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ أول من سمى الْمُصحف مُصحفا
كَانَ حُذَيْفَة من كبار أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي بَعثه يَوْم الخَنْدَق ينظر إِلَى قُرَيْش فجَاء بِخَبَر رحيلهم
وَكَانَ أسر إِلَيْهِ أَسمَاء الْمُنَافِقين فَكَانَ عمر يسْأَله عَنْهُم وَهُوَ مَعْرُوف فِي الصَّحَابَة بِصَاحِب السِّرّ
وَكَانَ عمر فِي خِلَافَته ينظر إِلَيْهِ عِنْد موت من يَمُوت فَإِن لم يشْهد جنَازَته حُذَيْفَة لم يشهدها عمر
وَكَانَ يَقُول خيرني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْهِجْرَة والنصرة فاخترت النُّصْرَة
وَشهد نهاوند فَلَمَّا قتل النُّعْمَان بن مقرن أَخذ الرَّايَة
وَكَانَ فتح همذان والري والدينور على يَدَيْهِ وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين
وَمَات بعد قتل عُثْمَان فِي أول خلَافَة عَليّ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَلم يدْرك الْجمل
وَقتل سعيد وَصَفوَان ابْنا حُذَيْفَة بصفين وَكَانَا قد بايعا عليا بِوَصِيَّة أَبِيهِمَا إيَّاهُمَا بذلك
سُئِلَ حُذَيْفَة أَي الْفِتَن أَشد قَالَ أَن يعرض عَلَيْك الْخَيْر وَالشَّر فَلَا تَدْرِي بِأَيِّهِمَا تَأْخُذ
وَقَالَ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يسود كل أمة منافقوها

(1/87)


قَالَ صَاحب المورد العذب الهني حُذَيْفَة بن الْيَمَان ذكره فِي كِتَابه عَلَيْهِ السَّلَام أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبر وَأَبُو مَنْصُور عبد الْملك الثعالبي فِي لطائف المعارف وَأَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ ونقلته من خطه كَانَ يكْتب خرص النّخل
17 - أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ
واسْمه خَالِد بن زيد بن كُلَيْب بن ثَعْلَبَة بن عبد عَوْف من بني غنم بن مَالك بن النجار غلبت كنيته اسْمه أمه هِنْد بنت سعد بن عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج ابْن الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأَكْبَر
شهد الْعقبَة وبدرا وَسَائِر الْمشَاهد
وَعَلِيهِ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُرُوجه حِين قدم الْمَدِينَة مُهَاجرا فَلم يزل عِنْده حَتَّى بنى مَسْجده وَبنى مساكنه ثمَّ انْتقل
وَعنهُ قَالَ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بيتنا الْأَسْفَل وَكنت فِيمَن فِي الغرفة فاهريق مَاء الغرفة فَقُمْت أَنا وَأم أَيُّوب بقطيفة

(1/88)


نتتبع المَاء شَفَقَة أَن يخلص إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزلت إِلَيْهِ وَقلت يَا رَسُول الله إِنَّه لَيْسَ يَنْبَغِي أَن نَكُون فَوْقك انْتقل إِلَى الغرفة فانتقل
مَاتَ رَحمَه الله فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة من بِلَاد الرّوم فِي زمَان مُعَاوِيَة
وَكَانَت غزاته تَحت راية يزِيد هُوَ كَانَ أَمِيرهمْ وَذَلِكَ سنة خمسين أَو إِحْدَى وَخمسين
قَالَ وَلما ثقل فِي مَرضه قَالَ لأَصْحَابه إِذا أَنا مت فاحملوني فَإِذا صاففتم الْعَدو فادفنوني تَحت أقدامكم وَقيل إِن يزِيد أَمر بِالْخَيْلِ تقبل وتدبر على قَبره
فَقَالَت الرّوم للْمُسلمين فِي صَبِيحَة دفنهم لأبي أَيُّوب لقد كَانَ لكم اللَّيْلَة شَأْن عَظِيم فَقَالُوا هَذَا رجل من كبار أَصْحَاب نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقدمهم إسلاما وَقد دفناه حَيْثُ رَأَيْتُمْ وَالله لَئِن نبش لَا ضرب لكم بناقوس أبدا فِي بِلَاد الْعَرَب مَا كَانَت لنا مملكة
قَالَ فَكَانُوا إِذا أمحلوا كشفوا عَن قَبره فَمُطِرُوا
وَرُوِيَ أَنه لما مرض فِي غزوته تِلْكَ فَدخل عَلَيْهِ يزِيد يعودهُ وَقَالَ لَهُ أوصني قَالَ إِذا مت فكفنوني ثمَّ مر النَّاس فليركبوا ثمَّ يَسِيرُوا فِي أَرض الْعَدو حَتَّى إِذا لم تَجدوا مساغا فادفنوني فَفَعَلُوا ذَلِك
قَالَ وَكَانَ يَقُول قَالَ الله تَعَالَى {انفروا خفافا وثقالا} فَلَا

(1/89)


أجدني إِلَّا خَفِيفا أَو ثقيلا قَالَه ابْن عبر الْبر
وَقَالَ عبد الْكَرِيم ذكره فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو الْخطاب بن دحْيَة فِي كِتَابه المفاضلة بَين أهل صفّين
18 - خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ
ابْن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي يكنى أَبَا سعيد أسلم بعد أبي بكر
وَكَانَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل أول من كتب {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَكَانَ ثَالِث الْإِسْلَام وَقيل رَابِعا وَقيل خَامِسًا
هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَولد لَهُ بهَا ابْنه سعيد
ثمَّ قدم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر وَشهد مَعَه عمْرَة الْقَضَاء وَمَا بعْدهَا وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صدقَات الْيمن فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بهَا
وَكَانَ سَبَب إِسْلَامه أَنه رأى فِي الْمَنَام أَنه وقف على شَفير جَهَنَّم وَكَانَ أَبَاهُ يَدْفَعهُ فِيهَا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخذ بحقويه لَا يَقع فِيهَا فَفَزعَ وَقَالَ أَحْلف بِاللَّه أَنَّهَا لرؤيا حق فلقي أَبَا بكر فَقَالَ لَهُ ذَلِك فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أُرِيد بك الْخَيْر فلقي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأجياد فَأسلم فَعلم

(1/90)


وَالِده بذلك فَضَربهُ بمقرعة كَانَت فِي يَده حَتَّى كسرهَا على رَأسه ثمَّ قَالَ اتبعت مُحَمَّدًا وَأَنت ترى خِلَافه قومه وَمَا جَاءَ بِهِ فَغَضب أَبُو أحيحة ونال مِنْهُ وَشَتمه وَقَالَ اذْهَبْ يَا لكع حَيْثُ شِئْت وَالله لأمنعنك الْقُوت فَقَالَ خَالِد إِن منعتني فَالله يَرْزُقنِي
فَأخْرجهُ وَقَالَ لِبَنِيهِ لَا يكلمهُ أحد مِنْكُم إِلَّا صنعت بِهِ مَا صنعت بِهِ
فَانْصَرف خَالِد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يلْزمه ويعيش مَعَه ويتغيب عَن أَبِيه فِي نواحي مَكَّة حَتَّى خرج أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَرض الْحَبَشَة مُهَاجِرين فَكَانَ أول من خرج
وَمرض أَبوهُ فَقَالَ لَئِن رفعني الله من مرضِي هَذَا لَا يعبد إِلَه ابْن أبي كَبْشَة بِمَكَّة أبدا فَقَالَ ابْنه خَالِد اللَّهُمَّ لَا ترفعه فَتوفي فِي مَرضه ذَلِك
قتل خَالِد بأجنادين يَوْم السبت سنة ثَلَاث عشرَة قبل وَفَاة أبي بكر بِأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة
وَقيل بمرج الصفر سنة أَربع عشرَة فِي صدر خلَافَة عمر
وَأهْدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمه الَّذِي نقش عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَوَقع فِي بِئْر أريس من يَد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَلم يُوجد
وَكتب خَالِد بن سعيد كتابا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني عَمْرو ذِي حمير يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام قَالَه ابْن عبد الْبر وَالله أعلم

(1/91)


19 - خَالِد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة
ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي أَبُو سُلَيْمَان وَقيل أَبُو الْوَلِيد
أمه لبَابَة الصُّغْرَى بنت الْحَارِث بن حزن الْهِلَالِيَّة أُخْت مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ خَالِد أحد أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وَإِلَيْهِ كَانَت الْقبَّة والأعنة فِي الْجَاهِلِيَّة
فَأَما الْقبَّة فَإِنَّهُم كَانُوا يضربونها ثمَّ يجمعُونَ إِلَيْهَا مَا يجهزون بِهِ الْجَيْش
وَأما الأعنة فَإِنَّهُ كَانَ يكون على خُيُول قُرَيْش فِي الحروب وَيَأْتِي خبر إِسْلَامه وهجرته عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَلم يزل من حِين أسلم يَجعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَعِنَّة الْخَيل
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة تسع إِلَى أكيدر دومة فَهُوَ كَاتب وَرَسُول وَيَأْتِي ذكره مَعَ الرَّسُول وَمَعَ أكيدر صَاحب دومة الجندل فِيمَا بعد أَيْضا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر خَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ نعم عبد الله وأخو الْعَشِيرَة وَسيف من سيوف الله سَله الله على الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ
أمره أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ على الجيوش فِي قتال أهل الرِّدَّة وَوَجهه إِلَى الْعرَاق ثمَّ وَجهه إِلَى الشَّام فَفتح دمشق ومواقفه مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فِي فتوح الشَّام وَغَيره
وَقَالَ ابْن عبد الْبر لما حضرت خَالِدا الْوَفَاة قَالَ لقد شهِدت مائَة زحف أَو زهاءها وَمَا فِي جَسَدِي من شبر إِلَّا وَفِيه ضَرْبَة أَو طعنة أَو رمية ثمَّ هَا أَنا أَمُوت على

(1/92)


فِرَاشِي كَمَا يَمُوت العير وَهُوَ الْحمار الوحشي فَلَا نَامَتْ أعين الْجُبَنَاء
توفّي بحمص سنة إِحْدَى وَعشْرين وَدفن بقرية على ميل مِنْهَا فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَأوصى إِلَيْهِ فَكَانَ وَصِيّه
قَالَ وَبلغ عمر أَن نسْوَة من نسَاء بني الْمُغيرَة يبْكين عَلَيْهِ فَقَالَ وَمَا عَلَيْهِنَّ أَن يبْكين أَبَا سُلَيْمَان مَا لم يكن نقع أَو لقلقَة أَرَادَ رَضِي الله عَنهُ بالنقع حثي التُّرَاب على رؤوسهن عِنْد المصائب وَاللَّقْلَقَة أَرَادَ بِهِ النِّيَاحَة
قَالَ وَلم تبْق امْرَأَة من بني الْمُغيرَة إِلَّا وضعت لمتها على قبر خَالِد يَقُول حلقت شعرهَا
ذكره ابْن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَه ابْن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنْهُم
20 - زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ
النجاري بن الضَّحَّاك بن زيد بن لوذان بن عَمْرو بن عبد عَوْف بن غنم بن مَالك بن النجار وَأمه النوار بنت مَالك بن مُعَاوِيَة بن عدي بن عَامر بن غنم يكنى أَبَا سعيد وَقيل أَبَا عبد الرَّحْمَن وَقيل أَبَا خَارِجَة بِابْنِهِ خَارِجَة

(1/93)


كَانَ يكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره
وَكَانَت ترد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب بالسُّرْيَانيَّة فَأمر زيدا فتعلمها وَأمره أَن يتَعَلَّم كتاب الْيَهُود وَقَالَ لَا آمن أَن يتعلموا كتابي
وَكتب لأبي بكر وَعمر واستخلفه عمر على الْمَدِينَة ثَلَاث مَرَّات فِي حجه وَفِي خُرُوجه إِلَى الشَّام وَكتب لَهُ من الشَّام إِلَى زيد بن ثَابت من عمر بن الْخطاب
وَكَانَ عُثْمَان يستخلفه إِذا حج
وَكَانَ أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرض أمتِي زيد بن ثَابت
قَالَ زيد أول هَدِيَّة دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدِيَّة دخلت بهَا أَنا قَصْعَة مثرود فِيهَا خبز وَسمن وَلبن فَقلت أرْسلت بهَا أُمِّي فَقَالَ بَارك الله فِيك ودعا أَصْحَابه فَأَكَلُوا فَلم أرم الْبَاب حَتَّى دخلت قَصْعَة سعد بن عبَادَة ثريد وعراق
قَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ الْخَلِيل الْعرَاق الْعظم بِلَا لحم فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ لحم فَهُوَ عرق الأول بِرَفْع الْعين وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ
قَالَ زيد وَمَا كَانَ من لَيْلَة إِلَّا وعَلى بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة يحملون الطَّعَام حَتَّى تحول من منزل أبي أَيُّوب وَكَانَ مقَامه بِهِ سَبْعَة أشهر
قَالَ ابْن قدامَة إِنَّه نزل الْمَدِينَة عَشِيَّة الْجُمُعَة سنة ثَلَاث وَخمسين من عَام الْفِيل

(1/94)


وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قد أَمر زيدا بِجمع الْقُرْآن فِي الصُّحُف فَكَتبهُ فِيهَا فَلَمَّا اخْتلف النَّاس فِي الْقِرَاءَة زمَان عُثْمَان وَاتفقَ رَأْيه وَرَأى الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على أَن يرد الْقُرْآن إِلَى حرف وَاحِد وَقع اخْتِيَاره على حرف زيد فَأمره أَن يمليه على قوم من قُرَيْش جمعهم إِلَيْهِ فكتبوه على مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْم بأيدي النَّاس وَالْأَخْبَار بذلك متواترة الْمَعْنى وَإِن اخْتلفت ألفاظها
توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سِتّ وَخمسين سنة على خلاف فِي ذَلِك
وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم رَضِي الله عَنهُ
21 - الزبير بن الْعَوام
ابْن خويلد بن أَسد ابْن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يكنى أَبَا عبد الله
أمه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب ابْن هَاشم عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أسلم هُوَ وَعلي بن أبي طَالب وهما ابْنا ثَمَانِي سِنِين وَقيل غير ذَلِك
وَرُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الزبير بن الْعَوام ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي
وروى ابْن عبد الْبر أَن الزبير أول رجل سل سَيْفا فِي

(1/95)


سَبِيل الله عز وَجل وَذَلِكَ أَنه نفخت نفخة من الشَّيْطَان أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل الزبير يشق النَّاس بِسَيْفِهِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَى مَكَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك يَا زبير قَالَ أخْبرت أَنَّك أخذت
قَالَ فصلى عَلَيْهِ ودعا لَهُ ولسيفه
قَالَ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي سَأَلت مَجْلِسا فِيهِ أَكثر من عشْرين رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أكْرم النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا الزبير وَعلي
وَكَانَ تَاجِرًا وَله ألف مَمْلُوك يؤدون إِلَيْهِ الْخراج فَمَا يدْخل بَيته مِنْهَا درهما وَاحِدًا يتَصَدَّق بذلك كُله
وَقَالَ فِيهِ حسان يمدحه ويفضله
(أَقَامَ على عهد النَّبِي وهديه ... حواريه وَالْقَوْل بِالْفِعْلِ يعدل)
(أَقَامَ على منهاجه وَطَرِيقه ... يوالي ولي الْحق وَالْحق أعدل)
(هُوَ الْفَارِس الْمَشْهُور والبطل الَّذِي ... يصول إِذا مَا كَانَ يَوْم محجل)
(وَإِن امْرَءًا كَانَت صَفِيَّة أمه ... وَمن أَسد فِي بَيته لمرفل)

(1/96)


(لَهُ من رَسُول الله قربى قريبَة ... وَمن نصْرَة الْإِسْلَام مجد مؤثل)
(فكم كربَة ذب الزبير بِسَيْفِهِ ... عَن الْمُصْطَفى وَالله يُعْطي ويجزل)
(إِذا كشفت عَن سَاقهَا الْحَرْب حشها ... بأبيض سباق إِلَى الْمَوْت يرفل)
(فَمَا مثله فيهم وَلَا كَانَ قبله ... وَلَيْسَ يكون الدَّهْر مَا دَامَ يذبل)
تَفْسِير

المرفل الْمُعظم قَالَه الْجَوْهَرِي
والمحشة حَدِيدَة تحرّك بهَا النَّار وَمِنْه قيل للرجل الشجاع نعم محش الكتيبة
الْأَبْيَض السَّيْف
يرفل يخْطر فِي مَشْيه قَالَه أَيْضا
ويذبل بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيَة بعده بَاء مُعْجمَة بِوَاحِدَة ثَانِي الْحُرُوف جبل طرف مِنْهُ لبني عَمْرو بن كلاب وبقيته لباهلة يُقَال لَهُ يذبل الْجُوع لِأَنَّهُ أبدا مجدب قَالَه الْبكْرِيّ فِي المعجم
شهد الزبير الْجمل فقاتل فِيهِ سَاعَة فناداه عَليّ وَانْفَرَدَ بِهِ فَذكره أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ وَقد وجدهما يضحكان بعضهما لبَعض أما إِنَّك ستقاتل عليا وَأَنت

(1/97)


لَهُ ظَالِم فَذكر ذَلِك الزبير فَانْصَرف عَن الْقِتَال نَادِما مفارقا للْجَمَاعَة الَّتِي خرج فِيهَا منصرفا إِلَى الْمَدِينَة فَرَآهُ ابْن جرموز واسْمه عميرَة فَقَالَ أَتَى يورش بَين النَّاس ثمَّ تَركهم وَالله لَا تركته فَتَبِعَهُ هُوَ وفضالة بن حَابِس ونفيع فِي غواة بني تَمِيم وركبوا فِي طلبه فَلحقه عميرَة بن جرموز وَهُوَ على فرس لَهُ ضَعِيفَة فطعنه طعنة خَفِيفَة وَحمل عَلَيْهِ الزبير وَهُوَ على فرس لَهُ يُقَال لَهُ ذُو الْخمار حَتَّى إِذا ظن أَنه قَاتله نَادَى صَاحِبيهِ فحملوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ
وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس لعشر خلون من جُمَادَى الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَفِي ذَلِك الْيَوْم كَانَت وقْعَة الْجمل
وَكَانَ عمره سبعا وَسِتِّينَ سنة وَقيل غير ذَلِك
وَدفن بوادي السبَاع
قَالَ وَلما أُتِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِسيف الزبير فَقَالَ طَال مَا جلا بِهِ عَن وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبكى وَقَالَ أَشْكُو إِلَى الله عجري وبجري
قَالَ الْجَوْهَرِي العجرة بِالضَّمِّ الْعقْدَة فِي عروق الْجَسَد والبجر بِالتَّحْرِيكِ خُرُوج السُّرَّة وغلظها
أَرَادَ رَضِي الله عَنهُ أَشْكُو إِلَى الله عيوبي وأمري كُله
وَقَالَ بشروا قَاتل ابْن صَفِيَّة بالنَّار يَعْنِي الزبير رَضِي الله عَنهُ
وروينا فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما وقف الزبير يَوْم الْجمل دَعَاني فَقُمْت إِلَى جنبه فَقَالَ يَا بني إِنَّه لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم وَإِنِّي لَا أَرَانِي إِلَّا سأقتل الْيَوْم مَظْلُوما وَإِن من أكبر همي لديني أفترى ديننَا يبقي من مالنا شَيْئا ثمَّ قَالَ يَا بني بِعْ مالنا واقض ديني وأوص بِالثُّلثِ وَثلثه لِبَنِيهِ يَعْنِي لبني عبد الله قَالَ فَإِن فضل من مالنا بعد قَضَاء

(1/98)


الدّين شَيْء فثلثه لولدك
قَالَ عبد الله بن الزبير فَجعل يوصيني بِدِينِهِ وَيَقُول يَا بني إِن عجزت عَن شَيْء مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بمولاي قَالَ فوَاللَّه مَا دَريت مَا أَرَادَ حَتَّى قلت يَا أَبَت من مَوْلَاك قَالَ الله قَالَ فوَاللَّه مَا وَقعت فِي كربَة من دينه إِلَّا قلت يَا مولى الزبير اقْضِ عَنهُ دينه فيقضيه
قَالَ فَقتل الزبير وَلم يدع دِينَارا وَلَا درهما إِلَّا أَرضين مِنْهَا الغابة وَإِحْدَى عشرَة دَارا بِالْمَدِينَةِ ودارين بِالْبَصْرَةِ ودارا بِالْكُوفَةِ ودارا بِمصْر
قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ دينه الَّذِي عَلَيْهِ أَن الرجل كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فيستودعه إِيَّاه فَيَقُول الزبير لَا وَلكنه سلف إِنِّي أخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَة
وَمَا ولي إِمَارَة قطّ وَلَا جباية وَلَا خراجا وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان
قَالَ عبد الله بن الزبير فحسبت مَا كَانَ عَلَيْهِ من الدّين فَوَجَدته ألفي ألف ومائتي ألف
قَالَ فلقي حَكِيم بن حزَام عبد الله بن الزبير فَقَالَ يَا ابْن أخي كم على أخي من الدّين قَالَ فكتمته وَقلت مائَة ألف فَقَالَ حَكِيم وَالله مَا أرى أَمْوَالكُم تسع هَذِه قَالَ فَقَالَ عبد الله أرأيتك إِن كَانَت ألفي ألف ومائتي ألف فَقَالَ مَا

(1/99)


أَرَاكُم تطيقون هَذَا فَإِن عجزتم عَن شَيْء مِنْهُ فاستعينوا بِي
قَالَ وَكَانَ الزبير قد اشْترى الغابة بسبعين وَمِائَة ألف فَبَاعَهَا عبد الله بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف
ثمَّ قَامَ فَقَالَ من كَانَ لَهُ عِنْد الزبير شَيْء فليوافنا بِالْغَابَةِ قَالَ فَأَتَاهُ عبد الله بن جَعْفَر وَكَانَ لَهُ على الزبير أَرْبَعمِائَة ألف فَقَالَ لعبد الله إِن شِئْتُم تركتهَا لكم فَقَالَ عبد الله لَا قَالَ فَإِن شِئْتُم جعلتموها فِيمَا تؤخرون إِن أخرتم فَقَالَ عبد الله لَا قَالَ فَاقْطَعُوا لي قِطْعَة قَالَ فَقَالَ عبد الله لَك من هَهُنَا إِلَى هَهُنَا قَالَ فَبَاعَ عبد الله مِنْهَا فَقضى دينه وأوفاه وَبَقِي مِنْهَا أَرْبَعَة أسْهم وَنصف
قَالَ فَقدم على مُعَاوِيَة وَعِنْده عَمْرو بن عُثْمَان وَالْمُنْذر بن الزبير وَابْن زَمعَة قَالَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة كم قومت الغابة قَالَ كل سهم مائَة ألف قَالَ كم بَقِي مِنْهَا قَالَ أَرْبَعَة أسْهم وَنصف فَقَالَ الْمُنْذر بن الزبير قد أخذت مِنْهَا سَهْما بِمِائَة ألف
وَقَالَ عَمْرو بن عُثْمَان قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف
وَقَالَ ابْن زَمعَة قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف
قَالَ فَقَالَ مُعَاوِيَة كم بَقِي قَالَ سهم وَنصف فَقَالَ قد أَخَذته بِخَمْسِينَ وَمِائَة ألف
قَالَ وَبَاعَ عبد الله بن جَعْفَر نصِيبه من مُعَاوِيَة بستمائة ألف
قَالَ فَلَمَّا فرغ ابْن الزبير من قَضَاء دينه قَالَ بَنو الزبير اقْسمْ بَيْننَا ميراثنا قَالَ وَالله لَا أقسم بَيْنكُم حَتَّى أنادي بِالْمَوْسِمِ أَربع سِنِين أَلا من كَانَ لَهُ عِنْد الزبير دين فليأتنا فلنقضه قَالَ فَجعل كل سنة يُنَادي فِي الْمَوْسِم فَلَمَّا مضى أَربع سِنِين قسم بَينهم وَرفع الثُّلُث
قَالَ وَكَانَ للزبير أَربع نسْوَة فَأصَاب كل امْرَأَة ألف ألف ومائتي ألف
قَالَ فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف وَمِائَتَا ألف
وروينا فِي البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قلت

(1/100)


للزبير مَالِي لَا أسمعك تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يحدث فلَان وَفُلَان قَالَ أما إِنِّي لم أفارقه مُنْذُ أسلمت وَلَكِن سمعته يَقُول من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار
22 - سعيد ابْن سعيد بن الْعَاصِ
أَخُو خَالِد وَأَبَان وَقد ذكرناهما فِيمَا تقدم
اسْتشْهد سعيد بن سعيد ابْن الْعَاصِ يَوْم الطَّائِف وَكَانَ إِسْلَامه قبل فتح مَكَّة بِيَسِير وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح على سوق مَكَّة
وَكَانَ لِأَبِيهِ سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة ثَمَانِيَة بَنِينَ ذُكُور مِنْهُم ثَلَاثَة مَاتُوا على الْكفْر أحيحة وَبِه كَانَ يكنى أَبوهُ سعيد بن الْعَاصِ قتل يَوْم الْفجار وَالْعَاص وَعبيدَة قتلا جَمِيعًا ببدر كَافِرين قتل الْعَاصِ عَليّ وَقتل عُبَيْدَة الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ قَالَ لقِيت يَوْم بدر عُبَيْدَة بن سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ مدجج فِي الْحَدِيد لَا يرى مِنْهُ إِلَّا عَيناهُ وَكَانَ يكنى أَبَا ذَات الكرش فطعنته بالعنزة فِي عينه فَمَاتَ فَلَقَد وضعت رجْلي عَلَيْهِ ثمَّ تمطيت فَكَانَ الْجهد أَن نزعتها وَلَقَد انثنى طرفاها
تَفْسِير

قَالَ الْجَوْهَرِي مدجج شَاك فِي السِّلَاح يَقُول تدجج

(1/101)


فِي شكته أَي دخل فِي سلاحه كَأَنَّهُ تغطى بهَا ودججت السَّمَاء تغيمت
وَأما أَخُوهُ الْعَاصِ ابْن سعيد بن الْعَاصِ فروى ابْن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة ابْنه سعيد بن الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ ابْن أُميَّة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَأَيْته يَوْم بدر يبْحَث التُّرَاب عَنهُ كالأسد فصمد لَهُ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقتله وَقَالَ عمر يَوْمًا لِابْنِهِ سعيد لم أقتل أَبَاك إِنَّمَا قتلت خَالِي الْعَاصِ بن هِشَام وَمَا لي أَن أكون أعْتَذر من قتل مُشْرك فَقَالَ لَهُ سعيد ابْن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ لَو قتلته كنت على الْحق وَكَانَ على الْبَاطِل فتعجب عمر من قَوْله وَقَالَ قُرَيْش أفضل النَّاس أحلاما
وَكَانَ سعيد بن الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ هَذَا أحد أَشْرَاف قُرَيْش مِمَّن جمع الفصاحة والسخاء وَهُوَ أحد الَّذين كتبُوا مصحف عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ
اسْتَعْملهُ عُثْمَان على الْكُوفَة وغزا بِالنَّاسِ طبرستان وافتتح جرجان فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله عَن سنة تسع وَعشْرين وَكَانَ أبدا يُقَال إِنَّه ضرب رجلا على حَبل عَاتِقه فَأخْرج السَّيْف من مرفقه
فَلَمَّا ولي مُعَاوِيَة واستقام لَهُ الْأَمر ولاه الْمَدِينَة ثمَّ عَزله وَولى مَرْوَان وَكَانَ يُعَاقب بَينهمَا فِي أَعمال الْمَدِينَة وَله يَقُول الفرزدق

(1/102)


(ترى الغر الجحاجح من قُرَيْش ... إِذا مَا الْأَمر فِي الْحدثَان غالا)
(قيَاما ينظرُونَ إِلَى سعيد ... كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ بِهِ هلالا)
تَفْسِير

الجحجاح السَّيِّد
وغال الْأَمر أهلك وَأخذ من حَيْثُ لَا يدْرِي بِهِ قَالَه الْجَوْهَرِي
وَكَانَ يُقَال لَهُ عكة الْعَسَل لكرمه وَكَانَ إِذا سَأَلَهُ سَائل فَلم يكن عِنْده مَا يُعْطِيهِ كتب لَهُ بِمَا يُرِيد أَن يُعْطِيهِ إِلَى أَيَّام يسره
قَالَ وَلما عزل عَن الْمَدِينَة انْصَرف من الْمَسْجِد وَحده فَرَأى رجلا يتبعهُ فَقَالَ لَهُ أَلَك حَاجَة قَالَ لَا وَلَكِنِّي رَأَيْتُك وَحدك فوصلت جناحك فَقَالَ لَهُ وصلك الله يَا أخي اطلب لي دَوَاة وجلدا وناد مولَايَ فلَانا فَأتي بذلك فَكتب بِعشْرين ألف دِرْهَم دينا عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِذا جَاءَت غلتنا دفعنَا ذَلِك إِلَيْك فَمَاتَ فِي تِلْكَ السّنة فَأتى بِالْكتاب إِلَى ابْنه عَمْرو بن سعيد الْأَشْدَق فَدفع إِلَيْهِ عشْرين ألف دِرْهَم

(1/103)


توفّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة تسع وَخمسين قَالَه ابْن عبد الْبر
وَهُوَ ابْن أخي سعيد ابْن الْعَاصِ بن أُميَّة صَاحب التَّرْجَمَة وَأحد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذكرته اسْتِطْرَادًا للفائدة
قَالَ عبد الْكَرِيم فِي المورد العذب الهني ذكر سعيد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطي فِي جملَة كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
23 - السّجل
روى عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شَرحه للسيرة لعبد الْغَنِيّ قَالَ السّجل كَاتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم وَقَالَ ابْن الْأَثِير هُوَ مَجْهُول
قَالَ وَرُوِيَ عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ كَاتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ السّجل فَأنْزل الله تَعَالَى {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب} وَقَالَ هَذَا غَرِيب تفرد بِهِ حمدَان بن سعيد عَن ابْن نمير عَن عبيد الله عَن نَافِع
قَالَ السُّهيْلي فِي

(1/104)


التَّعْرِيف والإعلام فِيمَا أبهم فِي الْقُرْآن من الْأَسْمَاء والأعلام وَقد تكلم على هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فَقَالَ السّجل فِيمَا ذكر مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ عَن جمَاعَة من الْمُفَسّرين قَالَ ملك فِي السَّمَاء الثَّالِثَة ترفع إِلَيْهِ أَعمال الْعباد ترفعها إِلَيْهِ الْحفظَة الموكلون بالخلق فِي كل خَمِيس واثنين وَكَانَ من أعوانه فِيمَا ذكرُوا هاروت وماروت
وَفِي السّنَن لأبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا السّجل كَاتب كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهَذَا لَا يعرف فِي كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا فِي أَصْحَابه من اسْمه السّجل وَلَا وجد إِلَّا فِي هَذَا الْخَبَر
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكر ابْن دحْيَة أَن رجلا من بني النجار كَانَ يكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تنصر فأظهر الله فِيهِ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معْجزَة وَهُوَ أَنه لما دفن لم تقبله الأَرْض
وروينا فِي صَحِيح البُخَارِيّ من بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ كَانَ رجل نَصْرَانِيّا فَأسلم وَقَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَكَانَ يكْتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَاد نَصْرَانِيّا فَكَانَ يَقُول مَا يدْرِي مُحَمَّد إِلَّا مَا كتبت لَهُ فأماته الله فدفنوه فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَقَالُوا هَذَا فعل مُحَمَّد وَأَصْحَابه لما هرب مِنْهُم نبشوا عَن صاحبنا فألقوه فَحَفَرُوا لَهُ وأعمقوا لَهُ

(1/105)


فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَقَالُوا هَذَا فعل مُحَمَّد وَأَصْحَابه نبشوا عَن صاحبنا فألقوه فَحَفَرُوا لَهُ وأعمقوا لَهُ فِي الأَرْض مَا اسْتَطَاعُوا فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَعَلمُوا أَنه لَيْسَ من النَّاس فألقوه
24 - شُرَحْبِيل ابْن حَسَنَة
وَهِي أمه وَأَبوهُ عبد الله بن المطاع بن عبد الله من كِنْدَة حَلِيف لبني زهرَة يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن نسب إِلَى أمه حَسَنَة وَقيل تبنته وَلَيْسَت بِأُمِّهِ
وَهُوَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة مَعْدُود فِي وُجُوه قُرَيْش وَكَانَ أَمِيرا على ربع من أَربَاع الشَّام
ومواقفه فِي فتوح الشَّام مَعْرُوفَة مَشْهُورَة مِنْهَا لقاءه هُوَ وَعَمْرو بن الْعَاصِ لقسطنطين بن هِرقل خرج إِلَيْهِم من قيسارية الشَّام فِي ثَمَانِينَ ألف لابس من بطارقة الرّوم وأبطالهم وملوكهم مِمَّن انحاز مِنْهُم إِلَيْهِ بساحل الشَّام ومبارزته رَضِي الله عَنهُ لقيدمون ابْن أُخْت الْملك هِرقل وَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي خَمْسَة آلَاف فَخرج إِلَيْهِ والراية بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ اركز الرَّايَة لِئَلَّا تشغلك فركزها

(1/106)


شُرَحْبِيل فوقفت كالنخلة وغاصت فِي حجر كَأَنَّهَا قد سمرت فِيهِ فتفاءل بالنصر وَخرج للقاء قيدمون والمسلمون يسْأَلُون الله وَيدعونَ لَهُ بالنصر على عدوه
فَلَمَّا رَآهُ البطريق وتأمله ضحك من زيه وَترْجم بلغته وَكَانَ لَهُ صَوت كالرعد وَكَانَ ضخما من الرِّجَال يرى على سَرْجه كَأَنَّهُ البرج والتاج على رَأسه وَكَانَ شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ نحيف الْجِسْم من كَثْرَة صِيَامه وقيامه
فَالْتَقَيَا فسبقه شُرَحْبِيل فَضَربهُ بِالسَّيْفِ لم يعْمل فِيهِ شَيْئا ونبا السَّيْف وضربه قيدمون فَشَجَّهُ وتواخزا على الْخَيل ثمَّ سقطا على الأَرْض وَجعلا يتصارعان وسط الطين ويتخبطان فِيهِ وَكَانَ الْمَطَر كأفواه الْقرب وَمَال عَدو الله على شُرَحْبِيل وَضرب بِيَدِهِ على مراق بَطْنه فقلعه من الأَرْض وَرمى بِهِ على ظَهره ثمَّ اسْتَوَى على صَدره وهم بنحره فَنَادَى شُرَحْبِيل ربه يَا غياث المستغيثين فَخرج إِلَيْهِ من صُفُوف الرّوم طليحة بن خويلد الْأَسدي وَكَانَ ادّعى النُّبُوَّة بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا قرب مِنْهُمَا ظن قيدمون أَنه إِنَّمَا خرج ليعطيه جَوَاده فَلَمَّا قرب مِنْهُمَا ترجل وَمَال على البطريق وسحبه بِرجلِهِ عَن صدر شُرَحْبِيل وَقَالَ قُم يَا عبد الله فقد جَاءَك الْغَوْث من غياث المستغيثين فَوَثَبَ شُرَحْبِيل ينظر إِلَيْهِ مُتَعَجِّبا من قَوْله وَفعله وَإِذا بِالرجلِ متلثما وَقد جرد سَيْفه وَضرب البطريق ضَرْبَة قطع رَأسه وَقَالَ يَا عبد الله خُذ سلبه
فَقَالَ شُرَحْبِيل وَالله مَا رَأَيْت أعجب من أَمرك لِأَنِّي رَأَيْتُك قد جِئْت من

(1/107)


نَحْو جَيش الْمُشْركين فَمن أَنْت قَالَ أَنا الشقي طليحة الَّذِي كذبت على الله وَزَعَمت أَن الْوَحْي كَانَ ينزل عَليّ من السَّمَاء ثمَّ أسلم وَله قصَّة مَعْرُوفَة ذكرهَا الْوَاقِدِيّ رَحمَه الله
قَالَ ابْن عبد الْبر توفّي شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة وَهُوَ ابْن سبع وَسِتِّينَ سنة
25 - أَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب
ابْن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي غلبت عَلَيْهِ كنيته وَأمه صَفِيَّة بنت حزن الْهِلَالِيَّة عمَّة مَيْمُونَة هُوَ أَبُو مُعَاوِيَة وَيزِيد وَعتبَة وإخوتهم ولد قبل الْفِيل بِعشر سِنِين
وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ تَاجِرًا يُجهز التُّجَّار بأمواله وأموال قُرَيْش إِلَى الشَّام وَغَيرهَا من أَرض الْعَجم وَكَانَ يخرج أَحْيَانًا بِنَفسِهِ
وَكَانَت إِلَيْهِ راية الرؤساء الْمَعْرُوفَة بالعقاب وَكَانَت لَا يحبسها إِلَّا رَئِيس فَإِذا حميت الْحَرْب وَضَعتهَا فِي يَد الرئيس وَيُقَال كَانَ أفضل قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة رَأيا ثَلَاثَة عتبَة وَأَبُو جهل وَأَبُو سُفْيَان فَلَمَّا أَتَى الله بِالْإِسْلَامِ أدبروا فِي الرَّأْي
أسلم أَبُو سُفْيَان يَوْم الْفَتْح وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنينا وَأَعْطَاهُ من غنائمها مائَة بعير وَأَرْبَعين أُوقِيَّة فدينها لَهُ بِلَال وَأعْطى ابنيه يزِيد وَمُعَاوِيَة
وَكَانَ يكنى بِأبي حَنْظَلَة بِابْنِهِ حَنْظَلَة الْمَقْتُول يَوْم

(1/108)


بدر كَافِرًا قَتله عَليّ
وفقئت عينه يَوْم الطَّائِف فَلم يزل أَعور حَتَّى فقئت عينه الْأُخْرَى يَوْم اليرموك أَصَابَهُ حجر فشدخها فَعميَ
مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان وَصلى عَلَيْهِ ابْنه مُعَاوِيَة وَقيل عُثْمَان
وَدفن بِالبَقِيعِ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة
وَكَانَ ربعَة دحداحا ذَا هَامة عَظِيمَة قَالَه ابْن عبد الْبر
فصل فِيهِ خبر إِسْلَامه وَإِسْلَام هِنْد بنت عتبَة زوجه

روينَا عَن ابْن هِشَام وَوجدت عَن غَيره أَنه قَالَ لَيْلَة فتح مَكَّة نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر الظهْرَان فَأمر أَصْحَابه فأوقدوا عشرَة آلَاف نَار وَجعل على الحرس عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ ورقت نفس الْعَبَّاس لأهل مَكَّة قَالَ فَقلت وَا صباح قُرَيْش وَالله لَئِن دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة عنْوَة قبل أَن يأتوه فيستأمنوه إِنَّه لهلاك قُرَيْش إِلَى آخر الدَّهْر
قَالَ فَجَلَست على بغلة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْضَاء

(1/109)


فَخرجت عَلَيْهَا حَتَّى جِئْت الْأَرَاك فَقلت لعَلي أجد بعض الحطابة أَو صَاحب لبن أَو ذَا حَاجَة يَأْتِي مَكَّة فيخبرهم بمَكَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيخْرجُوا إِلَيْهِ فيستأمنوه قبل أَن يدخلهَا عَلَيْهِم عنْوَة قَالَ فوَاللَّه إِنِّي لأسير عَلَيْهَا وَالْتمس مَا خرجت لَهُ إِذْ سَمِعت كَلَام أبي سُفْيَان وَبُدَيْل ابْن وَرْقَاء وَحَكِيم بن حزَام وهم يتراجعون وَأَبُو سُفْيَان يَقُول مَا رَأَيْت كالليلة نيرانا قطّ وَلَا عسكرا قَالَ يَقُول بديل هَذِه وَالله خُزَاعَة حمشتها الْحَرْب
قَالَ يَقُول أَبُو سُفْيَان خُزَاعَة أذلّ وَأَقل من أَن تكون هَذِه نيرانها وعسكرها
قَالَ فَعرفت صَوته فَقلت يَا أَبَا حَنْظَلَة فَعرف صوتي فَقَالَ أَبُو الْفضل قَالَ قلت نعم قَالَ مَا لَك فدَاك أبي وَأمي قَالَ قلت وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس وَا صباح قُرَيْش وَالله قَالَ فَمَا الْحِيلَة فدَاك أبي وَأمي قَالَ قلت فَأسلم ثكلتك أمك وَالله لَئِن ظفر بك ليضربن عُنُقك إِن لم تسلم اركب فِي عجز هَذِه البغلة حَتَّى أُتِي بك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأستأمنه لَك فَركب خَلْفي وَرجع صَاحِبَاه قَالَ وَذكر الْوَاقِدِيّ أَنه جَاءَ بهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسلموا
قَالَ الْعَبَّاس

(1/110)


فَجئْت بِهِ فَكلما مَرَرْت بِنَار من نيران الْمُسلمين قَالُوا عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بغلته حَتَّى مَرَرْت بِنَار عمر فَقَالَ من هَذَا وَقَامَ إِلَيّ فَلَمَّا رأى أَبَا سُفْيَان على عجز الدَّابَّة قَالَ أَبُو سُفْيَان عَدو الله الْحَمد لله الَّذِي أمكن مِنْك بِغَيْر عقد وَلَا عهد ثمَّ خرج يشْتَد نَحْو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وركضت البغلة فسبقته بِمَا تسبق الدَّابَّة البطيئة الرجل البطيء فَاقْتَحَمت عَن البغلة فَدخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل عَلَيْهِ عمر فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا أَبُو سُفْيَان قد أمكن الله مِنْهُ بِغَيْر عقد وَلَا عهد فَدَعْنِي فلأضرب عُنُقه قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي قد أجرته ثمَّ جَلَست إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذت بِرَأْسِهِ فَقلت وَالله لَا يناجيه اللَّيْلَة دوني رجل
قَالَ فَلَمَّا أَكثر عمر فِي شَأْنه قلت مهلا يَا عمر فوَاللَّه أَن لَو كَانَ من رجال عدي بن كَعْب مَا قلت هَذَا وَلَكِنَّك قد عرفت أَنه من رجال بني عبد منَاف فَقَالَ مهلا يَا عَبَّاس فوَاللَّه لإسلامك يَوْم أسلمت كَانَ أحب إِلَيّ من إِسْلَام الْخطاب لَو أسلم وَمَا بِي إِلَّا أَنِّي قد عرفت أَن إسلامك كَانَ أحب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِسْلَام الْخطاب
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ بِهِ إِلَى رحلك يَا عَبَّاس فَإِذا أَصبَحت فأتني بِهِ قَالَ فَذَهَبت إِلَى رحلي فَبَاتَ عِنْدِي

(1/111)


وروينا عَن السُّهيْلي عَن عبد بن حميد قَالَ لما احتمله الْعَبَّاس مَعَه إِلَى قُبَّته فَأصْبح عِنْده رأى النَّاس وَقد ثَارُوا إِلَى ظُهُورهمْ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَا أَبَا الْفضل مَا للنَّاس أأمروا فِي بِشَيْء قَالَ لَا وَلَكنهُمْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاة فَأمره الْعَبَّاس فَتَوَضَّأ ثمَّ انْطلق بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة كبر فَكبر النَّاس بتكبيره ثمَّ ركع فركعوا ثمَّ رفع فَرفعُوا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ طَاعَة قوم جمعهم من هَهُنَا وَهَهُنَا وَلَا فَارس الأكارم وَلَا الرّوم ذَات الْقُرُون بأطوع مِنْهُم لَهُ
قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن ذِي النسبين دحْيَة وَالْحُسَيْن فِي كتاب مرج الْبَحْرين فِي فَوَائِد المشرقين والمغربين الرّوم ذَات الْقُرُون فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا الشُّعُور لأَنهم أَصْحَاب الجمم الطَّوِيلَة
الثَّانِي أَنَّهَا الْحُصُون
الثَّالِث وَهُوَ الصَّحِيح أَنه كلما هلك قرن خلف مَكَانَهُ قرن
وَذكر فِي امتداد قامة الْعَبَّاس وَطوله أَنه كَانَ يقبل الظعن وَهِي الْمَرْأَة تكون فِي الهودج على ظهر الْبَعِير وَكَانَ يقل من الأَرْض فِيمَا زَعَمُوا الْجمل إِذا برك بِحمْلِهِ
قَالَ ابْن هِشَام فَلَمَّا أصبح غَدَوْت بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا

(1/112)


رَآهُ قَالَ وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمك وأكرمك وأوصلك وَالله لقد ظَنَنْت أَن لَو كَانَ مَعَ الله إِلَه غَيره لقد أغْنى شَيْئا بعد قَالَ وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَنِّي رَسُول الله قَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمك وأوصلك أما وَالله هَذِه فَفِي النَّفس مِنْهَا حَتَّى الْآن شَيْء
قَالَ السُّهيْلي عَن عبد بن حميد إِن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أصنع بالعزى يَعْنِي الصَّنَم الَّذِي كَانَ يعبده فَسَمعهُ عمر من وَرَاء الْقبَّة فَقَالَ تخرأ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان وَيحك يَا عمر إِنَّك رجل فَاحش دَعْنِي مَعَ ابْن عمي فإياه أكلم
وَرُوِيَ عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ لما أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي سُفْيَان عرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان على أَن تحملنِي على بغلتك وتكسوني بردتك وتتخذ مُعَاوِيَة كَاتبا وَأرَاهُ قَالَ وتتزوج أم حَبِيبَة وَمن دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن كل ذَلِك يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم
قَالَ ابْن هِشَام فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس وَيحك أسلم وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

(1/113)


وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قبل أَن يضْرب عُنُقك فَشهد شَهَادَة الْحق وَأسلم
قَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب هَذَا الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا قَالَ نعم من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن
وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَبَّاس أَن يحبس أَبَا سُفْيَان بمضيق الْوَادي عِنْد خطم الْجَبَل حَتَّى تمر بِهِ جنود الله فيراها فَفعل
قَالَ القَاضِي عِيَاض خطم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة والجبل بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء بِوَاحِدَة بعْدهَا لَام هُوَ طرفه وَأَنْفه السَّائِل وَهُوَ الكراع وَقيل غَيره وَهَذَا أشهر
قَالَ ابْن هِشَام فمرت الْقَبَائِل على راياتها كلما مرت قَبيلَة قَالَ يَا عَبَّاس من هَذِه فَأَقُول هَذِه سليم فَيَقُول مَا لي ولسليم ثمَّ تمر قَبيلَة فَيَقُول يَا عَبَّاس من هَؤُلَاءِ فَأَقُول مزينة فَيَقُول مَا لي ولمزينة حَتَّى نفذت الْقَبَائِل لَا تمر قَبيلَة إِلَّا سَأَلَني عَنْهَا حَتَّى مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتيبته الخضراء فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار لَا يرى مِنْهُم إِلَّا الحدق من الْحَدِيد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته الْقَصْوَاء بَين أبي بكر وَأسيد بن حضير وكتيبة الْأَنْصَار مَعَ سعد بن عبَادَة وَمَعَهُ الرَّايَة وَرَايَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الزبير فَقَالَ أَبُو سُفْيَان سُبْحَانَ الله يَا عَبَّاس من هَؤُلَاءِ قَالَ قلت هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمُهَاجِرين

(1/114)


وَالْأَنْصَار قَالَ مَا لأحد بهؤلاء قبل وَلَا طَاقَة وَالله يَا أَبَا الْفضل لقد أصبح ملك ابْن أَخِيك الْغَدَاة عَظِيما قَالَ قلت يَا أَبَا سُفْيَان إِنَّهَا النُّبُوَّة قَالَ فَنعم إِذا
وَفِي رِوَايَة قَالَ وَكَانَت راية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ سعد بن عبَادَة فَلَمَّا مر بهَا على أبي سُفْيَان وَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة الْيَوْم أذلّ الله قُريْشًا فَلَمَّا حَاذَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا سُفْيَان ناداه يَا رَسُول الله أمرت بقتل قَوْمك فانه زعم سعد وَمن مَعَه حِين مر بِنَا أَنه قاتلنا وَقَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة الْيَوْم أذلّ الله قُريْشًا وَإِنِّي أنْشدك الله فِي قَوْمك وَأَنت أبر النَّاس وأرحمهم وأوصلهم وَقَالَ عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَا رَسُول الله مَا نَأْمَن سَعْدا أَن تكون مِنْهُ فِي قُرَيْش صولة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم المرحمة الْيَوْم أعز الله قُريْشًا قَالَ وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَعْدا أَن يُعْطي الرَّايَة لوَلَده قيس بن سعد حَتَّى لَا تخرج عَنهُ
قَالَ ابْن هِشَام قَالَ الْعَبَّاس فَقلت لأبي سُفْيَان النَّجَاء إِلَى قَوْمك حَتَّى إِذا جَاءَهُم صرخَ بِأَعْلَى صَوته يَا معشر قُرَيْش هَذَا مُحَمَّد قد جَاءَكُم فِيمَا لَا قبل لكم بِهِ فَمن دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن فَقَامَتْ إِلَيْهِ هِنْد بنت عتبَة قد أخذت بشاربه فَقَالَت اقْتُلُوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طَلِيعَة قوم

(1/115)


قَالَ السُّهيْلي الحميت الزق نسبته إِلَى الضخم وَالسمن والأحمس الَّذِي لَا خير عِنْده من قَوْلهم أعام أحمس إِذا لم يكن فِيهِ مطر
وَزَاد عبد بن حميد إِنَّهَا قَالَت يَا آل غَالب اقْتُلُوا الأحمق فَقَالَ لَهَا أَبُو سُفْيَان وَالله لتسلمن أَو لَأَضرِبَن عُنُقك
قَالَ ابْن هِشَام قَالَ أَبُو سُفْيَان وَيْلكُمْ لَا تغرنكم هَذِه من أَنفسكُم فَإِنَّهُ قد جَاءَكُم مَا لَا قبل لكم بِهِ من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن قَالُوا قَاتلك الله فَمَا تغني عَنَّا دَارك
قَالَ وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن
قَالَ فَتفرق النَّاس إِلَى دُورهمْ وَإِلَى الْمَسْجِد
قَالَ فَلَمَّا انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذِي طوى وقف على رَاحِلَته معتجرا بشق برد حبرَة حَمْرَاء وَإنَّهُ ليضع رَأسه تواضعا لله حِين رأى مَا أكْرمه الله بِهِ من الْفَتْح حَتَّى إِن عثنونه ليكاد يمس وَاسِطَة الرحل
قَالَ الْجَوْهَرِي الإعتجار لف الْعِمَامَة على الرَّأْس
والعثنون شعيرات طوال تَحت الحنك
وروينا عَن الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة حماها الله وشرفها الله وعظمها قَالَ أصعد عمر بن الْخطاب المعلاة فِي بعض حَاجته

(1/116)


يَعْنِي إِذْ كَانَ خَليفَة فَمر بِأبي سُفْيَان بن حَرْب يهنئ جملا لَهُ فَنظر إِلَى أَحْجَار قد بناها أَبُو سُفْيَان شبه الدّكان فِي وَجه دَاره يجلس عَلَيْهِ فِي فَيْء الْغَدَاة فَقَالَ عمر لَا أرجع من وَجْهي هَذَا حَتَّى تقلعه وترفعه
فَبلغ عمر رَضِي الله عَنهُ الرّوم فجَاء والدكان على حَاله فَقَالَ لَهُ عمر ألم أقل لَك لَا أرجع حَتَّى تقلعه قَالَ أَبُو سُفْيَان انتظرت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذْ يأتينا بعض أهل مهنتنا فيقلعه وَيَرْفَعهُ فَقَالَ عمر عزمت عَلَيْك لتقلعنه بِيَدِك ولتنقلنه على عُنُقك فَلم يُرَاجِعهُ أَبُو سُفْيَان حَتَّى قلعه بِيَدِهِ وَنقل الْحِجَارَة على عُنُقه وَجعل يَطْرَحهَا فِي الدَّار فَخرجت إِلَيْهِ هِنْد ابْنة عتبَة فَقَالَت يَا عمر أمثل أبي سُفْيَان تكلفه هَذَا كُله وتعجله عَن أَن يَأْتِيهِ بعض أهل مهنته فطعن عمر بمخصرة كَانَت فِي يَده فِي خمارها فَقَالَت هِنْد ونفحتها بِيَدِهَا إِلَيْك عني يَا ابْن الْخطاب فَلَو فِي غير هَذَا الْيَوْم تفعل هَذَا لاضطمت عَلَيْك الأخاشب قَالَ فَلَمَّا قلع أَبُو سُفْيَان الْأَحْجَار ونقلها اسْتقْبل عمر الْقبْلَة وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أعز الْإِسْلَام وَأَهله عمر بن الْخطاب رجل من بني عدى بن كَعْب يَأْمر أَبَا سُفْيَان بن حَرْب سيد بني عبد منَاف بِمَكَّة فيطيعه ثمَّ ولى

(1/117)


تَفْسِير

قَالَ الْجَوْهَرِي هنأت الْبَعِير إِذا طليته بالهناء وَهُوَ القطران
والمهنة بِفَتْح الْمِيم الْخدمَة وَحكى فِيهِ الْكسر والماهن الْخَادِم
والمخصرة كالسوط وكل مَا اختصر الْإِنْسَان بِيَدِهِ فأمسكه من عَصا وَنَحْوهَا
ونفحتها أَي ضربتها ونحتها
والأخاشب جمع أخشب وَهُوَ الْجَبَل الخشن الْعَظِيم والأخشبان جبلان بِمَكَّة
قلت وَدَار أبي سُفْيَان الْيَوْم مجزرة يذبح فِيهَا الجزارون بِمَكَّة مَعْرُوفَة على يسرة المصعد إِلَى الْمُعَلَّى من الْمَسْجِد فسبحان الْخَافِض الرافع الْمعز المذل يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
قَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي وَذكر شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطي فِي جملَة كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا سُفْيَان بن حَرْب ذكره ابْن مسكويه وَذكره ابْن سعد فِيمَن شهد فِي كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنجران ولبني جعيل من بلي