المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي

فصل فِي إِسْلَام هِنْد ومبايعتها لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ ابْن عبد الله الْبر هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس

(1/118)


ابْن عبد منَاف أسلمت عَام الْفَتْح بعد إِسْلَام زَوجهَا فأقرهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نِكَاحهمَا وَكَانَت امْرَأَة فِيهَا ذكرة لَهَا نفس وأنفة شهِدت أحدا كَافِرَة مَعَ زَوجهَا أبي سُفْيَان وَكَانَت تَقول يَوْم أحد وَهِي تحرض الْمُشْركين على الْقِتَال
(نَحن بَنَات طَارق ... نمشي على النمارق)
والمسك فِي المفارق ... والدر فِي المخانق)
(إِن تقبلُوا نعانق ... ونفرش النمارق)
(أَو تدبروا نفارق ... فِرَاق غير وامق)
وروى السُّهيْلي فِيهِ بعد قَوْلهَا نمشي على النمارق فَقَالَ مَشى القطا النوازق النزق الخفة
فَلَمَّا قتل حَمْزَة وَثَبت عَلَيْهِ فمثلت بِهِ وَشقت بَطْنه واستخرجت كبده فشوت مِنْهُ وأكلت لِأَنَّهُ كَانَ قد قتل أَبَاهَا يَوْم بدر
وَقيل فعل ذَلِك غَيرهَا
ثمَّ ختم الله لَهَا بِالْإِسْلَامِ
وروينا عَن ابْن هِشَام قَالَ قتل عتبَة بن ربيعَة أَبُو هِنْد وَكَانَ

(1/119)


رَأس الْكفْر وَمن أَصْحَاب القليب ببدر وَأَخُوهُ شيبَة والوليد بن عتبَة وحَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان وَكَانُوا أَعدَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا عَلَيْهِم وَأخْبر بمصارعهم يَوْم بدر قبل الْوَقْعَة فَلم يعد أحد مِنْهُم مصرعه
اشْترك فِي قَتلهمْ عَليّ وَحَمْزَة وَزيد بن حَارِثَة
فَلَمَّا كَانَت وقْعَة أحد وَجمع أَبُو سُفْيَان نَحوا من ثَلَاثَة آلَاف وأتى بهم إِلَى أحد قتل حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ قَتله وَحشِي غُلَام جُبَير بن مطعم وَمثل النِّسَاء بالقتلى من جدع الآذان والأنوف حَتَّى اتَّخذت هِنْد من آذان الرِّجَال خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا وبقرت عَن كبد حَمْزَة فلاكتها فَلم تستطع أَن تسيغها فلفظتها ثمَّ علت على صَخْرَة مشرفة على الْمُسلمين وَقَالَت
(نَحن جزيناكم بِيَوْم بدر ... وَالْحَرب بعد الْحَرْب ذَات سعر)
(مَا كَانَ لي عَن عتبَة من صَبر ... وَلَا أخي وَعَمه وبكري)
(شفيت نَفسِي وقضيت نذري ... شفيت وَحشِي غليل صَدْرِي)
(فَشكر وَحشِي عَليّ عمري ... حَتَّى ترم أعظمي فِي قَبْرِي)
فأجابتها هِنْد بنت أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب فَقَالَت

(1/120)


(خزيت فِي بدر وَبعد بدر ... يَا بنت وقاع عَظِيم الْكفْر)
(صبحك الله غَدَاة الْفجْر ... م الهاشميين الطوَال الغر)
(بِكُل قطاع حسام يفري ... حَمْزَة ليثي وَعلي صقري)
(إِذا رام شيب وَأَبُوك غدري ... فخضبا مِنْهُ ضواحي النَّحْر)
(ونذرك السوء فشر نذر ... )
وَقَالَت هِنْد بنت عتبَة أَيْضا
(شفيت من حَمْزَة نَفسِي بِأحد ... حَتَّى بقرت بَطْنه عَن الكبد)
(أذهب عني ذَاك مَا كنت أجد ... من لذعة الْحزن الشَّديد الْمُعْتَمد)
(وَالْحَرب تعلوكم بشؤبوب برد ... نقدم أقداما عَلَيْكُم كالأسد)
تَفْسِير غَرِيبه

قَوْلهَا ذَات سعر أَي ذَات هيجان والمسعر الْخشب الَّذِي

(1/121)


يسعر بِهِ النَّار وَمِنْه قيل للرجل مسعر حَرْب يوقدها
وَعتبَة أَبوهَا وأخوها الْوَلِيد وعمها شيبَة وبكرها حَنْظَلَة قتلوا ببدر
قَوْلهَا حَتَّى ترم تَقول رم الْعظم يرم بِالْكَسْرِ رمه أَي بلي فَهُوَ رَمِيم
والوقاع الَّذِي يغتاب النَّاس وَيَقَع فيهم
قَوْلهَا م الهاشميين بِحَذْف النُّون من حرف من لالتقاء الساكنين وَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا فِي من وَحدهَا لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا قَالَه السُّهيْلي
والشؤبوب شدَّة الدّفع من الْمَطَر
وَقَوْلها برد
تعنى كثير الْبرد وَهُوَ حب الْغَمَام قَالَ الشَّاعِر والمرهفات البوارد أَي السيوف القواتل كَأَنَّهَا شبهت الْحَرْب بِدفع الْمَطَر إِذا كَانَ كثير الْبرد قَالَه الْجَوْهَرِي
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة أهْدر دَمهَا وَأمر بقتلها فاختفت ثمَّ أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتسترت بِالْإِسْلَامِ وَكَانَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا فِي الْإِسْلَام لَيْلَة وَاحِدَة
ذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى يأيها النَّبِي إِذا جَاءَك المؤمنت يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا الْآيَة وَذَلِكَ يَوْم فتح مَكَّة قَالَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بيعَة الرِّجَال وَهُوَ على الصَّفَا وَعمر بن الْخطاب أَسْفَل مِنْهُ وَهُوَ يُبَايع النِّسَاء بِأَمْر رَسُول الله

(1/122)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويبلغهن عَنهُ وَهِنْد ابْنة عتبَة متنقبة مُتَنَكِّرَة مَعَ النِّسَاء خوفًا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعرفهَا وَذَلِكَ لما فعلت فِي حَمْزَة عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغير ذَلِك من هجائها وتأليبها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ وَأَبُو سُفْيَان زَوجهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبايعهن على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا فَرفعت رَأسهَا وَقَالَت وَالله إِنَّك لتأْخذ علينا أمرا مَا رَأَيْنَاك أَخَذته على الرِّجَال وَبَايع الرِّجَال يَوْمئِذٍ على الْإِسْلَام وَالْجهَاد فَقَط فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَسْرِقن فَقَالَت هِنْد إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح وَإِنِّي أصبت من مَاله هَنَات تَعْنِي أَشْيَاء والهن الشَّيْء قَالَه الْجَوْهَرِي
فَلَا أَدْرِي أتحل لي أم لَا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا أصبت من شَيْء فِيمَا مضى وَفِيمَا غبر فَهُوَ لَك حَلَال غبر يَعْنِي بَقِي وَيُرَاد بِهِ الْمَاضِي أَيْضا وَهُوَ من الأضداد قَالَه الْجَوْهَرِي أَيْضا
فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرفهَا فَقَالَ لَهَا وَإنَّك لهِنْد بنت عتبَة قَالَت نعم فَاعْفُ عَمَّا سلف عَفا الله عَنْك فَقَالَ وَلَا يَزْنِين فَقَالَت هِنْد أَو تَزني الْحرَّة فَقَالَ وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ فَقَالَت هِنْد رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كبارًا فَأنْتم وهم أعلم وَكَانَ ابْنهَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان قد قتل يَوْم بدر فَضَحِك عمر حَتَّى اسْتلْقى وَتَبَسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ

(1/123)


وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَهُوَ أَن تقذف ولدا على زَوجهَا لَيْسَ مِنْهُ قَالَت هِنْد وَالله إِن الْبُهْتَان لقبيح وَمَا تَأْمُرنَا إِلَّا بِالرشد وَمَكَارِم الْأَخْلَاق قَالَ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف قَالَت هِنْد مَا جلسنا مَجْلِسنَا هَذَا وَفِي أَنْفُسنَا أَن نَعْصِيك فَأقر النسْوَة بِمَا أَخذ عَلَيْهِنَّ
روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ رَحمَه الله أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت جَاءَت هِنْد بنت عتبَة قَالَت يَا رَسُول الله مَا كَانَ على ظهر الأَرْض من أهل خباء أحب إِلَيّ أَن يذلوا من أهل خبائك ثمَّ مَا أصبح الْيَوْم على ظهر الأَرْض أهل خباء أحب إِلَيّ أَن يعزوا من أهل خبائك رَوَاهُ فِي الْفَضَائِل
قَالَ القَاضِي عِيَاض خباء أَو أخباء على الشَّك
كَذَا فِي كتاب مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان وَهُوَ من خبأت الأَرْض لِأَنَّهُ يستر فِيهِ والأخباء جمع خباء وَهُوَ من بيُوت الْأَعْرَاب من وبر أَو صوف وَلَا يكون من شعر ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيرهَا من مَنَازِلهمْ ومساكنهم
قَالَ الْوَاقِدِيّ وَذكر يَوْم السلَاسِل من أَيَّام اليرموك وقتال النِّسَاء

(1/124)


ومجاوبتهن بالأشعار قَالَ وَخرجت هِنْد بنت عتبَة رَضِي الله عَنْهَا وبيدها مزهر والمزهر عود يضْرب بِهِ قَالَه الْجَوْهَرِي وَمن خلفهَا النِّسَاء من الْمُهَاجِرَات وَهِي تَقول الشّعْر الَّذِي قالته يَوْم أحد تحرض بِهِ الْمُشْركين نَحن بَنَات طَارق الأبيات تَعْنِي بقولِهَا بَنَات طَارق النَّجْم زهل ثمَّ اسْتقْبلت خيل ميمنة الْمُسلمين فرأتهم منهزمين فصاحت إِلَى أَيْن تفرون من الله وَمن جنته وَهُوَ مطلع عَلَيْكُم وَنظرت إِلَى أبي سُفْيَان مُنْهَزِمًا فَضربت وَجه حصانه بعمودها وَقَالَت إِلَى أَيْن يَا ابْن حَرْب ارْجع إِلَى الْقِتَال وابذل مهجتك حَتَّى تمحص عَنْك مَا قد سلف مِنْك من تحريضك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الزبير بن الْعَوام لما سَمِعت كَلَام هِنْد لأبي سُفْيَان ذكرت يَوْم أحد وَنحن بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تحرض الْمُشْركين بِهَذَا الشّعْر على قتال الْمُسلمين فتعجبت من ذَلِك وَقلت لَك الْحَمد يَا رباه تفعل مَا تشَاء سبق عدلك فِي

(1/125)


خلقك وَلَا يعلم الْغَيْب غَيْرك
قَالَ فعطف أَبُو سُفْيَان عِنْدَمَا سمع كَلَامهَا وَعطف الْمُسلمُونَ مَعَه وَنظرت إِلَى النِّسَاء وَقد حملن مَعَهم وَهن يسابقن الْمُسلمين وَهن بَين أرجل الْخَيل وَرَأَيْت الْمَرْأَة مِنْهُنَّ تقبل إِلَى العلج الْعَظِيم وَهُوَ على فرسه فتتعلق بِهِ فَلَا تُفَارِقهُ حَتَّى تنكسه عَن الْجواد ثمَّ تقتله وَتقول هَذَا بَيَان نصر الله
توفيت هِنْد وَهِي وَأَبُو قُحَافَة وَالِد أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُم فِي يَوْم وَاحِد فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَه ابْن عبد الْبر وَغَيره
قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْآجُرِيّ رَحمَه الله فِي كتاب الشَّرِيعَة لَهُ بَاب تَزْوِيج أبي سُفْيَان بهند أم مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَ أَنا أَبُو عبيد عَليّ بن الْحُسَيْن بن حَرْب القَاضِي أَنا أَبُو السكين زَكَرِيَّا بن يحيى بن عمر ابْن حصن ابْن حميد بن منْهب بن حَارِثَة بن خريم بن أَوْس بن حَارِثَة بن لَام الْكُوفِي قَالَ حَدثنِي عَم أبي زحر بن حصن عَن جده حميد بن منْهب قَالَ كَانَت

(1/126)


هِنْد بنت عتبَة عِنْد الْفَاكِه بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَكَانَ الْفَاكِه من فتيَان قُرَيْش وَكَانَ لَهُ بَيت الضِّيَافَة يَغْشَاهُ النَّاس على غير إِذن فخلي ذَلِك الْبَيْت يَوْمًا فاضطجع الْفَاكِه وَهِنْد فِيهِ فِي وَقت القائلة ثمَّ خرج الْفَاكِه لبَعض حَاجته وَأَقْبل رجل كَانَ يَغْشَاهُ فولج الْبَيْت فَلَمَّا رأى الْمَرْأَة يَعْنِي هندا ولى هَارِبا وأبصره الْفَاكِه وَهُوَ خَارج من الْبَيْت فَأقبل إِلَى هِنْد فضربها بِرجلِهِ وَقَالَ لَهَا من هَذَا الَّذِي كَانَ عنْدك قَالَت مَا رَأَيْت أحدا وَلَا انْتَبَهت حَتَّى أنبهتني قَالَ لَهَا الحقي بأبيك وَتكلم فِيهَا النَّاس فَقَالَ لَهَا أَبوهَا يَا بنية إِن النَّاس قد أَكْثرُوا فِيك فأنبئيني نبأك فَإِن يكن الرجل عَلَيْك صَادِقا دسست إِلَيْهِ من يقْتله فَيَنْقَطِع عَنْك القالة وَإِن يَك كَاذِبًا حاكمته إِلَى بعض كهان الْيمن فَحَلَفت لَهُ بِمَا كَانُوا يحلفُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة أَنه لَكَاذِب عَلَيْهَا
فَقَالَ عتبَة للفاكه يَا هَذَا إِنَّك قد رميت ابْنَتي بِأَمْر عَظِيم فحاكمني إِلَى بعض كهان الْيمن فَخرج الْفَاكِه فِي جمَاعَة من بني مَخْزُوم وَخرج عتبَة فِي جمَاعَة من بني عبد منَاف وَخَرجُوا مَعَهم بهند ونسوة مَعهَا فَلَمَّا شارفوا الْبِلَاد وَقَالُوا غَدا نرد على الكاهن تنكر حَال هِنْد وَتغَير وَجههَا فَقَالَ لَهَا أَبوهَا إِنِّي قد أرى مَا بك من تنكر الْحَال وَمَا ذَاك إِلَّا لمكروه عنْدك أَفلا كَانَ هَذَا قبل أَن يشْهد النَّاس مسيرنا قَالَت لَا وَالله يَا أبتاه مَا ذَاك لمكروه وَلَكِنِّي أعرف أَنكُمْ تأتون بشرا يُخطئ ويصيب وَلَا آمنهُ أَن يسمني بسمة تكون عَليّ سبة فِي

(1/127)


الْعَرَب قَالَ إِنِّي سَوف أختبره من قبل أَن ينظر فِي أَمرك فصفر بفرس حَتَّى أدلي ثمَّ أَخذ حَبَّة من حِنْطَة فَأدْخلهَا فِي إحليلة وأوكأ عَلَيْهَا بسير
فَلَمَّا وردوا على الكاهن أكْرمهم وَنحر لَهُم فَلَمَّا تغدوا قَالَ لَهُ عتبَة إِنَّا قد جئْنَاك فِي أَمر وَإِنِّي قد خبأت لَك خبيئا أختبرك بِهِ فَانْظُر مَا هُوَ قَالَ تَمْرَة فِي كمرة قَالَ أُرِيد أبين من هَذَا قَالَ حَبَّة من بر فِي إحليل مهر قَالَ صدقت انْظُر فِي أَمر هَؤُلَاءِ النسْوَة فَجعل يدنو من إِحْدَاهُنَّ فَيضْرب كتفها وَيَقُول انهضي حَتَّى دنا من هِنْد فَضرب كتفها وَقَالَ انهضي غير وسخاء وَلَا زَانِيَة ولتلدن ملكا يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة فَوَثَبَ إِلَيْهَا الْفَاكِه فَأخذ بِيَدِهَا فَنثرَتْ يَدهَا من يَده وَقَالَت إِلَيْك فوَاللَّه لأحرصن على أَن يكون ذَلِك من غَيْرك فَتَزَوجهَا أَبُو سُفْيَان فَجَاءَت بِمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم
وَأَنا أَبُو مُحَمَّد بن نَاجِية نَا أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم ثَنَا أَبُو غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل النَّهْدِيّ نَا عمر بن زِيَاد الْهِلَالِي عَن عبد الْملك بن نَوْفَل بن مساحق الْمدنِي من بني عَامر بن لؤَي قَالَ قَالَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة لأَبِيهَا يَا أَبَت إِنِّي قد ملكت أَمْرِي قَالَ وَذَاكَ حِين فَارقهَا الْفَاكِه بن الْمُغيرَة فَلَا تزَوجنِي رجلا حَتَّى تعرضه عَليّ قَالَ ذَلِك لَك
قَالَ فَقَالَ لَهَا ذَات يَوْم يَا بنية قد

(1/128)


خَطبك رجلَانِ من قَوْمك وَلست بمسم لَك وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى أصفه لَك أما الأول فَفِي الشّرف الصميم والحسب الْكَرِيم تخالين بِهِ هوجا من غفلته وَذَلِكَ إسجاح من شيمته حسن الصَّحَابَة سريع الْإِجَابَة إِن تابعتيه تابعك وَإِن ملت بِهِ كَانَ مَعَك تقضين عَلَيْهِ فِي مَاله وتكتفين بِرَأْيِك عَن رَأْيه
وَأما الآخر فَفِي الْحسب الحسيب والرأي الأريب بدر أرومته وَعز عشيرته يُؤَدب أَهله وَلَا يؤدبونه إِن اتَّبعُوهُ أسهل بهم وَإِن جانبوه توعربهم شَدِيد الْغيرَة سريع الطَّيرَة صَعب حجاب الْقبَّة إِن حَاج فَغير منزور وَإِن نوزع فَغير مَقْصُور
قد بيّنت لَك أَمرهمَا كليهمَا
قَالَت أما الأول فسيد مُطَاع لكريمته مؤات لَهَا فِيمَا عَسى إِن لم تعصم أَن تبين بعد إبائها وتضيع تَحت جنائها وَإِن جَاءَت لَهُ بِولد أحمقت وَإِن أنجبت فَعَن خطأ أنجبت اطو ذكر هَذَا عني فَلَا تسمه لي
وَأما الآخر فبعل الْحرَّة الْكَرِيمَة وَإِنِّي لأخلاق هَذَا لوامقه وَإِنِّي لَهُ لموافقة وَإِنِّي لآخذ بأدب البعل مَعَ لزومي لقبتي وَقلة تلفتي وَإِن السَّلِيل بيني وَبَينه لحري أَن يكون المدافع عَن حَرِيم عشيرته الزَّائِد عَن كتيبتها المحامي عَن حفيظتها الزائن لأرومتها غير مواكل وَلَا زميل عِنْد صعصعة الْحَوَادِث فَمن قَالَ ذَاك أَبُو سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة
قَالَت

(1/129)


زَوجنِي مِنْهُ وَلَا تلقني إِلَيْهِ إِلْقَاء المستسلس السلس وَلَا تسمه بِي سوم المعاطس الضرس واستخر الله فِي السَّمَاء يخر لَك بِعِلْمِهِ فِي الْقَضَاء
وَرُوِيَ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ قَالَ مُعَاوِيَة مَا زلت فِي طمع من الْخلَافَة مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا مُعَاوِيَة إِن ملكت فَأحْسن
وَرُوِيَ عَن خَالِد بن يزِيد بن صبيح عَن أَبِيه عَن مُعَاوِيَة قَالَ كنت أوضئ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم أفرغ عَلَيْهِ من إِنَاء فِي يَدي فَنظر إِلَيّ نظرة شَدِيدَة فَفَزِعت وَسقط الْإِنَاء من يَدي فَقَالَ يَا مُعَاوِيَة إِن وليت شَيْئا من أُمُور أمتِي فَاتق الله واعدل قَالَ فَمَا زلت أطمع فِيهَا مُنْذُ ذَلِك الْيَوْم فأسأل الله أَن يَرْزُقنِي الْعدْل فِيكُم
وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن جده قَالَ كَانَت أداوة يحملهَا أَبُو هُرَيْرَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوضوئه فاشتكى أَبُو هُرَيْرَة فحملها مُعَاوِيَة فَبَيْنَمَا هُوَ يوضئ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا رفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فَقَالَ يَا مُعَاوِيَة إِن وليت من أَمر الْمُسلمين شَيْئا فَاتق الله واعدل فَمَا زلت أَظن أَنِّي مبتلى بذلك لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وليت
تَفْسِير غَرِيبه

قَوْله كتاب الشَّرِيعَة قَالَ الْجَوْهَرِي الشَّرِيعَة مَا شرع الله لِعِبَادِهِ

(1/130)


من الدّين أَي سنّ والشارع الطَّرِيق والشرعة بِالْكَسْرِ الشَّرِيعَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا}
قَوْله فِي الشّرف الصميم صميم الشَّيْء خالصه يُقَال هُوَ فِي صميم قومه
قَوْله تخالين بِهِ هوجا يُقَال خلت الشَّيْء خيلا وخيلة ومخيلة وخيلولة أَي ظننته وَهُوَ من بَاب ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا الَّتِي تدخل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَإِن ابتدأت بهَا أعملت وَإِن وسطتها أَو أخرتها فَأَنت بِالْخِيَارِ بَين الإعمال والإلغاء وَتقول فِي مستقبله إخال بِكَسْر الْألف وَهُوَ الْأَفْصَح وَبَنُو أَسد بِفَتْح الْألف وَهُوَ الْقيَاس
قَوْله هوجا هُوَ الرجل الطَّوِيل الَّذِي فِيهِ تسرع وحمق والهوجاء النَّاقة السريعة والهوجاء الرّيح الَّتِي تقلع الْبيُوت فَلذَلِك قَالَت هِنْد إِن جَاءَت لَهُ بِولد أحمقت
قَوْله وَذَلِكَ إسجاح من شيمته الإسجاح حسن الْعَفو يُقَال ملكت فَأَسْجِحْ وَإِذا سَأَلت فَأَسْجِحْ أَي سهل ألفاظك وارفق
قَوْله من شيمته الشيمة الْخلق
قَوْله حسن الصَّحَابَة سريع الْإِجَابَة وَصفه بِحسن الْعشْرَة ولين الْجَانِب مَعَ الهوج وَالْحق الَّذِي ذكر فِيهِ
قَوْله والرأي الأريب هُوَ الرجل الْعَاقِل الداهية
قَوْله بدر أرومته وَعز عشيرته الأروم بِفَتْح الْهمزَة أصل الشَّجَرَة والقرن اسْتِعَارَة هُنَا لأصالته لِأَنَّهُ من بني عبد منَاف
قَوْله يُؤَدب أَهله وَلَا يؤدبونه وَصفه بالشدة والغيرة إِذا كَانَ فيهم كَمَا قَالَت فِي حَدِيث أم زرع إِن دخل فَهد وَإِن خرج أَسد
قَوْله إِن حَاج فَغير منزور مَعْنَاهُ لَا يُرَاجع بِمَا يكره لشدَّة وقاره وهيبته
قَوْله وَإِن نوزع فَغير مَقْصُور يُقَال أقصر عَنهُ إِذا تركته عَن قدره وَقصر عَنهُ ضعف وكل شَيْء حَبسته فقد

(1/131)


قصرته
قَوْلهَا فِيمَا عَسى إِن لم تعصم فضل الْعِصْمَة الْحِفْظ يُقَال اعتصمت بِاللَّه إِذا امْتنعت بِلُطْفِهِ من الْمعْصِيَة والعصمة الْمَنْع أَيْضا يُقَال عصمه الطَّعَام أَي مَنعه من الْجُوع
وَأَبُو عَاصِم كنية السويق
قَوْلهَا إِنِّي لأخلاق هَذَا لوامقة المقة الْمحبَّة وَالْهَاء عوض من الْوَاو وَقد ومقه يمقه بِالْكَسْرِ فيهمَا أَي أحبه فَهُوَ وامق
قَوْلهَا وَإِن السَّلِيل بيني وَبَينه تَعْنِي الْوَلَد
قَوْلهَا المحامي عَن حفيظتها الحفيظة الْغَضَب وَالْحمية وَقَوْلهمْ وَإِن الحفائظ تنقض الأحقاد أَي إِذا رَأَيْت حميمك يظلم حميت لَهُ وَإِن كَانَ فِي قَلْبك عَلَيْهِ حقد
قَوْلهَا غير مواكل وَلَا زميل عِنْد صعصعة الْحَوَادِث المواكل الْعَاجِز يكل أمره إِلَى غَيره ويتكل عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الدَّابَّة تتكل على صَاحبهَا فِي الْعَدو حَتَّى يضْربهَا
والزميل الجبان الضَّعِيف
والصعصعة التَّفَرُّق يُقَال ذهبت الْإِبِل صعاصع أَي مُتَفَرِّقَة
قَوْلهَا المستسلس السلس هُوَ اللين المنقاد
قَوْلهَا وَلَا تسمه بِي سوم المعاطس الضرس وَيُقَال ظَبْي عاطس وَهُوَ الَّذِي يستقبلك من أمامك والضرس أكمة خشنة وناقة ضروس سَيِّئَة الْخلق
وَكَأَنَّهَا أَرَادَت بالسوم فِي حَال الْخطْبَة أَن لَا تلين لَهُ وَلَا تشدد عَلَيْهِ فِيمَا يَقع بَيْنكُمَا الِاتِّفَاق عَلَيْهِ من أَمر الصَدَاق وَغَيره مِمَّا كَانُوا يتفقون عَلَيْهِ عِنْد التَّزْوِيج فِي جاهليتهم
26 - طَلْحَة بن عبيد الله
ابْن عُثْمَان بن عَمْرو ابْن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن

(1/132)


كَعْب بن لؤَي الْقرشِي التَّيْمِيّ وَأمه الحضرمية اسْمهَا الصعبة بنت عبد الله بن عماد أُخْت الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ يَأْتِي بِشَيْء من ذكرهَا فِي تَرْجَمَة أَخِيهَا يكنى طَلْحَة أَبَا مُحَمَّد وَيعرف بطلحة الْخَيْر وَطَلْحَة الْفَيَّاض وَذَلِكَ أَنه اشْترى مَالا بِموضع يُقَال لَهُ بيسان قَالَ أَبُو عبيد عبد الله بن عبد الْعَزِيز الْبكْرِيّ فِي كتاب مُعْجم مَا استعجم من حرف الْبَاء بيسان بِفَتْح أَوله وسين مُهْملَة موضعان أَحدهمَا بِالشَّام وَالثَّانِي بالحجاز وَهُوَ المُرَاد فِي الحَدِيث
قَالَ وَذكر الزبير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِمَاء يُقَال لَهُ بيسان فِي غَزْوَة ذِي قرد فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل اسْمه بيسان وَهُوَ ملح فَقَالَ بل هُوَ نعْمَان وَهُوَ طيب فَغير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمه وَغير الله المَاء فَاشْتَرَاهُ طَلْحَة ثمَّ تصدق بِهِ فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا أَنْت يَا طَلْحَة إِلَّا فياض فَسُمي بذلك
وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَأحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ وَأحد الثَّمَانِية السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام وَأحد الْخَمْسَة الَّذين أَسْلمُوا على يَد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَأحد السِّتَّة الَّذين جعل عمر فيهم الشورى وَأخْبر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَهُوَ عَنْهُم رَاض
وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يخرج من الْمَدِينَة إِلَى بدر هُوَ

(1/133)


وَسَعِيد بن زيد إِلَى طَرِيق الشَّام يتجسسان الْأَخْبَار يَعْنِي خبر عير أهل مَكَّة الَّتِي قدم بهَا أَبُو سُفْيَان ثمَّ رجعا إِلَى الْمَدِينَة فقدماها يَوْم وقْعَة بدر فَضرب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسهمه فَلَمَّا قدم قَالَ وَأجْرِي يَا رَسُول الله قَالَ وأجرك
وَشهد أحدا وَمَا بعْدهَا وأبلى يَوْم أحد بلَاء حسنا وَوقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاتَّقَى عَنهُ النبل بِيَدِهِ حَتَّى شلت إصبعه وَضرب ضَرْبَة فِي رَأسه وَحمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ظَهره حَتَّى اسْتَقل على الصَّخْرَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَوْم أوجب طَلْحَة يَا أَبَا بكر فَقَالَ أَبُو بكر يَوْم أحد كُله لطلْحَة
ويروى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَضَ يَوْم أحد ليصعد على صَخْرَة وَكَانَ ظَاهر بَين درعين فَلم يسْتَطع النهوض فاحتمله طَلْحَة بن عبيد الله فأنهضه حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا
وَرُوِيَ أَنه نظر إِلَيْهِ فَقَالَ من أحب أَن ينظر إِلَى شَهِيد يمشي على وَجه الأَرْض فَلْينْظر إِلَى طَلْحَة
ثمَّ شهد الْجمل مُحَاربًا لعَلي رَضِي الله عَنهُ فَدَعَاهُ وَذكره أَشْيَاء من سوابقه وفضله فَرجع طَلْحَة عَن قِتَاله على نَحْو مَا صنع الزبير بن الْعَوام وَاعْتَزل فِي بعض الصُّفُوف فَرمي بِسَهْم فَقطع من رجله عرق النسا فَلم يزل دَمه ينزف حَتَّى مَاتَ
وَيُقَال أصَاب ثغرة نَحره فدفناه على شاطئ الكلا فَرَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام فَقَالَ أَلا تريحوني من هَذَا المَاء فَإِنِّي قد غرقت ثَلَاث مَرَّات يَقُولهَا
قَالَ فنبشوه فَإِذا هُوَ أَخْضَر كَأَنَّهُ السلق فنزفوا عَنهُ المَاء ثمَّ استخرجوه فَإِذا مَا يَلِي الأَرْض من لحيته وَوَجهه قد أَكلته الأَرْض فاشتروا لَهُ دَارا فدفنوه فِيهَا
قتل وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة يَوْم الْجمل لعشر

(1/134)


خلون من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقيل غير ذَلِك
وَسمع عَليّ رَضِي الله عَن رجلا ينشد
(فَتى كَانَ يدينه الْغنى من صديقه ... إِذا مَا هُوَ اسْتغنى ويبعده الْفقر)
(كَأَن الثريا علقت فِي جَبينه ... وَفِي خَدّه الشعرى وفى الآخر الْبَدْر)
هَذَا الْبَيْت ذكره المَسْعُودِيّ فِي المروج فَقَالَ ذَاك أَبُو مُحَمَّد طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ
وَرُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي خطْبَة خطبهَا حِين نهوضه إِلَى الْجمل إِنِّي بليت بأَرْبعَة أدهى النَّاس وأسخاهم طَلْحَة وَأَشْجَع النَّاس الزبير وأطوع النَّاس فِي النَّاس عَائِشَة وأسرع النَّاس إِلَى فتْنَة يعلى بن أُميَّة
وَرُوِيَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِنِّي وَالله لأرجو أَن أكون أَنا وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر مِمَّن قَالَ الله تَعَالَى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرد متقبلين قَالَه ابْن عبد الْبر
وَقَالَ عَليّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول طَلْحَة وَالزُّبَيْر جاراي

(1/135)


فِي الْجنَّة
قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد
ذكره عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَقَالَ وَأما مَا وَقع لي مِمَّن كتب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فطلحة ذكره عَليّ بن مُحَمَّد بن مسكويه فِي كتاب تجارب الْأُمَم
27 - عَامر بن فهَيْرَة
مولى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا كنيته أَبُو عمر
وَكَانَ مولدا من مولدِي الأزد أسود اللَّوْن مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة أخي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لأمها
أسلم وَهُوَ مَمْلُوك فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر من الطُّفَيْل وَأعْتقهُ
وَكَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام أسلم قبل أَن يدْخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وعذب فِي الله كَانَ يرْعَى الْغنم فِي ثَوْر ثمَّ يروح بهَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وهما فِي الْغَار شهد بَدْرًا وَاحِدًا وَقتل يَوْم بِئْر مَعُونَة فِي صفر سنة أَربع من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة قَتله عَامر بن الطُّفَيْل
ويروى عَن عَامر لما أسلم قَالَ رَأَيْت أول طعنة طعنتها عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا
وَلما قدم عَامر بن الطُّفَيْل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ من الرجل الَّذِي رَأَيْته لما قتل رفع بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى رَأَيْت

(1/136)


السَّمَاء دونه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك عَامر بن فهَيْرَة قَالَه ابْن عبد الْبر
وَذكره البُخَارِيّ فِي غَزْوَة الرجيع وَطلب فِي الْقَتْلَى فَلم يُوجد فيرون أَن الْمَلَائِكَة رفعته
قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شَرحه للسيرة الشَّرِيفَة عَامر بن فهَيْرَة ذكره أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَغَيره
وَذكره ابْن إِسْحَاق فِي حَدِيث الْهِجْرَة فَقَالَ كَانَ مخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد بيعَة الْعقبَة بِليَال وَهِي بيعَة الْأَنْصَار خرج هُوَ وَأَبُو بكر لَيْلًا فمضيا وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خوخة فِي طرف دَار أبي بكر الَّتِي فِي بني جمح ونهضا إِلَى غَار ثَوْر وَضرب العنكبوت على بَابه وَطلبت قُرَيْش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد الطّلب حَتَّى انْتَهوا إِلَى بَاب الْغَار فَقَالَ بَعضهم إِن عَلَيْهِ العنكبوت قبل مِيلَاد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة أَمر الله شَجَرَة فَنَبَتَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فوقفتا بِفَم الْغَار وَأَقْبل فتيَان قُرَيْش حَتَّى كَانُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدر أَرْبَعِينَ ذِرَاعا فَرَأَوْا الحمامتين فعرفوا أَنه لَيْسَ فِيهِ أحد
وَكَانَ لأبي بكر منحة غنم يرعاها عَامر بن فهَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يَأْتِيهم بهَا لَيْلًا فيحتلبون فَإِذا كَانَ سحر سرح مَعَ النَّاس
قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لَهما سفرة من جراب فَقطعت أَسمَاء بنت أبي بكر قِطْعَة من نطاقها فأوكت بِهِ الجراب فبذلك سميت ذَات النطاقين
وَمكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَأَبُو بكر فِي الْغَار ثَلَاث لَيَال وَكَانَ يبيت عِنْدهمَا عبد الله بن أبي بكر يتسمع الْأَخْبَار بِالنَّهَارِ
واستأجر أَبُو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بِالطَّرِيقِ يُقَال

(1/137)


لَهُ عبد الله بن أريقط وَهُوَ على دين الْكفْر ولكنهما أمناه ودفعا إِلَيْهِ راحلتيهما وواعداه غَار ثَوْر بعد ثَلَاث لَيَال فأتاهما براحلتيهما صبح ثَلَاث لَيَال فارتحلا ومعهما عَامر بن فهَيْرَة فَأخذ بهم ابْن أريقط على طَرِيق السَّاحِل
فَلَمَّا رحلوا من قديد عرض لَهما سراقَة بن مَالك بن جعْشم وَهُوَ على فرس لَهُ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسخت قَوَائِم فرسه فَقَالَ يَا مُحَمَّد ادْع الله أَن يُطلق فرسي وأرجع عَنْك وأرد من ورائي فَفعل فَأطلق وَرجع فَوجدَ النَّاس يَلْتَمِسُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ارْجعُوا فقد استبرأت لكم مَا هَهُنَا وَقد عَرَفْتُمْ بَصرِي بالأثر فَرَجَعُوا عَنهُ
وَفِي رِوَايَة فَعرض سراقَة عَلَيْهِم الزَّاد وَالْمَتَاع والحملان فَقَالَا أكفنا نَفسك وأخف عَنَّا
وَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكْتب لَهُ كتاب أَمن فَأمر ابْن فهَيْرَة فَكتب فِي رقْعَة من أَدَم
ثمَّ مضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر تَمام الحَدِيث
28 - عبد الله بن الأرقم
قَالَ ابْن عبد الْبر عبد الله بن الأرقم بن عبد يَغُوث بن وهب

(1/138)


ابْن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب الْقرشِي الزُّهْرِيّ أسلم عَام الْفَتْح كَانَ من المواظبين على كتاب الرسائل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتب لأبي بكر واستكتبه عمر وَاسْتَعْملهُ على بَيت المَال وَعُثْمَان بعده وَلم يزل على بَيت المَال خلَافَة عمر كلهَا وسنتين من خلَافَة عُثْمَان حَتَّى استعفاه من ذَلِك فأعفاه
وَكَانَ يُجيب الْمُلُوك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبلغ من أَمَانَته عِنْده أَنه كَانَ يَأْمُرهُ أَن يكْتب إِلَى بعض الْمُلُوك فَيكْتب ويأمره أَن يطينه ويختمه وَمَا يقرأه لأمانته عِنْده
قَالَ الْجَوْهَرِي طان فلَان الْكتاب يطينه إِذا خَتمه
قَالَ وَكَانَ إِذا غَابَ عبد الله أَمر من حضر أَن يكْتب لَهُ
قَالَ وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ بَلغنِي أَنه ورد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب فَقَالَ من يُجيب عني فَقَالَ عبد الله بن الأرقم أَنا فَأجَاب عَنهُ وأتى بِهِ إِلَيْهِ فأعجبه وأنفذه وَكَانَ عمر حَاضرا فأعجبه ذَلِك من عبد الله بن الأرقم وَلم يزل فِي نَفسه يَقُول أصَاب مَا أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ولي عمر اسْتَعْملهُ على بَيت المَال
قَالَ وروى ابْن وهب عَن مَالك أَن عُثْمَان أجَازه وَكَانَ لَهُ على بَيت المَال ثَلَاثُونَ ألفا فَأبى أَن يقبلهَا
وروى سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن

(1/139)


عَمْرو بن دِينَار أَن عُثْمَان اسْتَعْملهُ على بَيت المَال وَأَعْطَاهُ ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَأبى عبد الله أَن يَأْخُذهَا وَقَالَ إِنَّمَا عملت لله وَإِنَّمَا أجري على الله
وروى أَشهب عَن مَالك أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول مَا رَأَيْت أحدا أخْشَى لله من عبد الله بن الأرقم قَالَ وَقَالَ لَهُ لَو كَانَ لَك سَابِقَة مَا قدمت عَلَيْك أحدا وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
29 - عبد الله بن عبد الله بن أبي ابْن سلول
وسلول امْرَأَة عرف بهَا وَهِي من خُزَاعَة أم أبي وَأبي بن مَالك بن سَالم بن غنم بن عَوْف بن الْخَزْرَج وَسَالم يعرف بالحبلى لعظم بَطْنه ولبني الحبلى شرف فِي الْأَنْصَار كَانَ اسْمه الْحباب فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله وَكَانَ أَبوهُ عبد الله رَأس الْمُنَافِقين وَمِمَّنْ تولى

(1/140)


الْإِفْك فِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَابْنه عبد الله من فضلاء الصَّحَابَة وخيارهم شهد بَدْرًا وَاحِدًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَبوهُ من أَشْرَاف الْخَزْرَج وَكَانُوا اجْتَمعُوا على أَن يُتَوِّجُوهُ ويسندوا إِلَيْهِ أَمرهم قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ نفس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النُّبُوَّة وأخذته الْعِزَّة فَلم يخلص الْإِسْلَام وأضمر النِّفَاق حسدا وبغيا
وَقَالَ فِي غَزْوَة تَبُوك لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل هَكَذَا ذكر ابْن عبد الْبر وسَاق الحَدِيث
وَالَّذِي ذكره الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة
وروينا عَن ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة الشَّرِيفَة أَن قصَّة ابْن أبي ونزول هَذِه الْآيَة كَانَ فِي غَزْوَة بني المصطلق على مَاء من مِيَاههمْ يُقَال لَهُ الْمُريْسِيع من نَاحيَة قديد إِلَى السَّاحِل روى الْبَغَوِيّ وَاللَّفْظ لِابْنِ إِسْحَاق قَالَ فَهزمَ الله بني المصطلق فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك المَاء وَردت وَارِدَة النَّاس وَمَعَ عمر بن الْخطاب أجِير لَهُ من بني غفار يُقَال لَهُ جَهْجَاه بن سعيد يَقُود فرسه فازدحم جَهْجَاه وَسنَان بن وبر الْجُهَنِيّ حَلِيف بني عَوْف بن الْخَزْرَج على المَاء فاقتتلا فَصَرَخَ الْجُهَنِيّ يَا معشر الْأَنْصَار وصرخ جَهْجَاه يَا معشر الْمُهَاجِرين وأعان جهجاها الْغِفَارِيّ رجل من

(1/141)


الْمُهَاجِرين يُقَال لَهُ جِعَال وَكَانَ فَقِيرا قَالَ السُّهيْلي مَاتَ جَهْجَاه بعد قتل عُثْمَان بالأكلة فِي ركبته الَّتِي كسر عَلَيْهَا عَصا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي كَانَ يخْطب بهَا وَكَانَ أَخذهَا من يَد عُثْمَان وَكسرهَا قَالَ ابْن إِسْحَاق فَغَضب عبد الله بن أبي ابْن سلول وَعِنْده رَهْط من قومه فيهم زيد ابْن أَرقم غُلَام حدث فَقَالَ افعلوها قد نافرونا وكاثرونا فِي بِلَادنَا وَالله مَا مثلنَا وَمثلهمْ إِلَّا كَانَ قَالَ الْقَائِل سمن كلبك يَأْكُلك أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل يَعْنِي بالأعز نَفسه وَبِالْأَذَلِّ من يجله عَن الْوَصْف بِهَذِهِ الصّفة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أقبل على من حَضَره من قومه وَقَالَ هَذَا مَا فَعلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُم بِلَادكُمْ وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالكُم أما وَالله لَو أَمْسَكْتُم عَن جِعَال وَذَوِيهِ فضل الطَّعَام لم يركبُوا رِقَابكُمْ ولتحولوا إِلَى غير بِلَادكُمْ فَلَا تنفقوا عَلَيْهِم حَتَّى يَنْفضوا من حول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ زيد بن أَرقم أَنْت وَالله الذَّلِيل الْقَلِيل الْمُبْغض فِي قَوْمك وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عز من الرَّحْمَن ومودة من الْمُسلمين
فَقَالَ عبد الله بن أبي اسْكُتْ إِنَّمَا كنت أَلعَب
فَمشى زيد بن أَرقم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ بعد فَرَاغه من الْغَزْو فَأخْبرهُ الْخَبَر وَعِنْده عمر بن الْخطاب فَقَالَ دَعْنِي أضْرب عُنُقه يَا رَسُول الله قَالَ فَكيف يَا عمر إِذا تحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه وَلَكِن أذن بالرحيل فارتحل النَّاس
وَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عبد الله بن أبي فَأَتَاهُ فَقَالَ أَنْت صَاحب هَذَا الْكَلَام الَّذِي بَلغنِي فَقَالَ عبد الله وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مَا قلت شَيْئا

(1/142)


من ذَلِك وَإِن زيدا لَكَاذِب وَكَانَ عبد الله فِي قومه شريفا عَظِيما فَقَالَ من حضر من الْأَنْصَار من أَصْحَابه يَا رَسُول الله عَسى أَن يكون الْغُلَام أوهم فِي حَدِيثه وَلم يحفظ مَا قَالَه فعذره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وفشت الْمَلَامَة فِي الْأَنْصَار لزيد وكذبوه وَقَالَ لَهُ عَمه وَكَانَ زيد مَعَه مَا أردْت إِلَى أَن كَذبك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس مقتوك وَكَانَ زيد يُسَايِر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستحيي بعد ذَلِك أَن يدنو من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا اسْتَقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَار لقِيه أسيد بن حضير فحياه بِتَحِيَّة النُّبُوَّة وَسلم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله لقد رحت فِي سَاعَة مُنكرَة مَا كنت تروح فِيهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَا بلغك مَا قَالَ صَاحبكُم عبد الله بن أبي قَالَ وَمَا قَالَ قَالَ زعم أَنه إِن رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة أخرج الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَقَالَ أسيد فَأَنت وَالله تخرجه إِن شِئْت هُوَ وَالله الذَّلِيل وَأَنت الْعَزِيز ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله ارْفُقْ بِهِ فوَاللَّه لقد جَاءَ الله بك وَإِن قومه لينظمون لَهُ الخرز ليتوجوه فَإِنَّهُ ليرى أَنَّك قد استلبته ملكا
وَبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي مَا كَانَ من أَمر أَبِيه فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عَنهُ فَإِن كنت فَاعِلا فمرني بِهِ فَأَنا أحمل إِلَيْك رَأسه فوَاللَّه لقد علمت الْخَزْرَج مَا كَانَ بهَا رجل أبر بِوَالِديهِ مني وَإِنِّي

(1/143)


أخْشَى أَن تَأمر بِهِ غَيْرِي فيقتله فَلَا تدعني نَفسِي أَن أنظر إِلَى قَاتل عبد الله بن أبي يمشي فِي النَّاس فأقتل مُؤمنا بِكَافِر فَأدْخل النَّار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بل ترفق بِهِ وتحسن صحبته مَا بَقِي مَعنا)
وَجعل بعد ذَلِك إِذا أحدث الْحَدث كَانَ قومه هم الَّذين يعاتبونه ويعنفونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر بن الْخطاب حِين بلغه ذَلِك من شَأْنهمْ (كَيفَ ترى يَا عمر لَو قتلته يَوْم قلت لي أَقتلهُ لأرعدت لَهُ أنف لَو أَمَرتهَا الْيَوْم بقتْله لقتلته) قَالَ قَالَ عمر قد وَالله علمت لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم بركَة من أَمْرِي
فصل

قَالَ السُّهيْلي وروى الدَّارَقُطْنِيّ مُسْندًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على جمَاعَة فيهم عبد الله بن أبي فَسلم عَلَيْهِم ثمَّ ولى فَقَالَ عبد الله لقد عتا ابْن أبي كَبْشَة فِي هَذِه الْبِلَاد فَسَمعَهَا ابْنه عبد الله فَاسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَن يَأْتِيهِ برأَ س أَبِيه قَالَ (لَا وَلَكِن بر

(1/144)


أَبَاك)
قَالَ السُّهيْلي فِي هَذَا علم عَظِيم وبرهان نير من أَعْلَام نبوته فَإِن الْعَرَب كَانَت أَشد خلق الله حمية وتعصبا فَبلغ الْإِيمَان مِنْهُم وَنور الْيَقِين من قُلُوبهم إِلَى أَن يرغب الرجل مِنْهُم فِي قتل أَبِيه وَولده تقربا إِلَى الله تَعَالَى وتزلفا إِلَيْهِ وَإِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبعد النَّاس نسبا مِنْهُم وَمَا تَأَخّر إِسْلَام قومه وَبني عَمه وَسبق إِلَى الْإِيمَان بِهِ الأباعد إِلَّا لحكمة عَظِيمَة إِذْ لَو بَادر أَهله وأقربوه إِلَى الْإِيمَان بِهِ لقيل قوم أَرَادوا الْفَخر بِرَجُل مِنْهُم وتعصبوا لَهُ فَلَمَّا بَادر إِلَيْهِ الأباعد وقاتلوا على حبه من كَانَ مِنْهُم أَو من غَيرهم علم أَن ذَلِك على بَصِيرَة صَادِقَة ويقين قد تغلغل فِي قُلُوبهم وَرَهْبَة من الله عز وَجل أزالت صفة قد كَانَت سدكت يَعْنِي لَزِمت فِي نُفُوسهم من أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة لَا يَسْتَطِيع إِزَالَتهَا إِلَّا الَّذِي خلقهمْ فَلذَلِك كَانَ أحدهم يقتل أَبَاهُ وأخاه وأقرباءه فِي حبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الْبَغَوِيّ وَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومهم ذَلِك حَتَّى أَمْسَى وليلتهم حَتَّى أصبح وَصدر يومهم حَتَّى آذتهم الشَّمْس ثمَّ نزل

(1/145)


بِالنَّاسِ فَلم يكن إِلَّا أَن وجدوا مس الأَرْض فوقعوا نياما وَإِنَّمَا فعل ذَلِك ليشغل النَّاس عَن الحَدِيث الَّذِي كَانَ بالْأَمْس من حَدِيث عبد الله بن أبي
فَلَمَّا وافى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة قَالَ زيد بن أَرقم جَلَست فِي الْبَيْت لما بِي من الْهم وَالْحيَاء فَأنْزل الله تَعَالَى سُورَة الْمُنَافِقين فِي تَصْدِيق زيد وَتَكْذيب عبد الله
فَلَمَّا نزلت أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذن زيد وَقَالَ يَا زيد إِن الله صدقك وأوفى بأذنك
وَكَانَ عبد الله بن أبي بِقرب الْمَدِينَة فَلَمَّا أَرَادَ أَن يدخلهَا جَاءَهُ ابْنه عبد الله بن عبد الله بن أبي حَتَّى أَنَاخَ على مجامع طَرِيق الْمَدِينَة فَلَمَّا جَاءَ عبد الله بن أبي قَالَ وَرَاءَك قَالَ مَا لَك وَيلك قَالَ لَا وَالله لَا تدْخلهَا أبدا إِلَّا بِإِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولتعلمن الْيَوْم من الْأَعَز من الْأَذَل فَشكى عبد الله إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صنع ابْنه فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن خل عَنهُ حَتَّى يدْخل فَقَالَ أما إِذْ جَاءَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنعم فَدخل فَلم يلبث إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى اشْتَكَى وَمَات
قَالَ فَلَمَّا نزلت الْآيَة وَبَان كذب عبد الله بن أبي قيل لَهُ يَا أَبَا حباب إِنَّه قد نزل فِيك آي شَدَّاد فَاذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَك فَلوى رَأسه ثمَّ قَالَ أَمرْتُمُونِي أَن أُؤْمِن فآمنت وَأَمَرْتُمُونِي أَن

(1/146)


أعطي زَكَاة مَالِي لمُحَمد فقد أَعْطَيْت فَمَا بَقِي إِلَّا أَن أَسجد لَهُ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} الْآيَات
قَالَ ابْن عبد الْبر فَلَمَّا مَاتَ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَجَذَبَهُ عمر وَقَالَ أَلَيْسَ قد نهى الله عز وَجل أَن تصلي على الْمُنَافِقين فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا بَين خيرتين) {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} فصلى عَلَيْهِ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} الْآيَة
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يثني على وَلَده عبد الله وَاسْتشْهدَ يَوْم الْيَمَامَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة
عده السُّهيْلي فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا ذكره عَن ابْن شبة وَقَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي ذكره ابْن عبد الْبر وَابْن الْأَثِير وَأَبُو مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي فِي كِتَابه أَيْضا

(1/147)


30 - عبد الله بن رَوَاحَة
ابْن ثَعْلَبَة بن امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس الْأَكْبَر ابْن مَالك الْأَغَر بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ قَالَ السُّهيْلي الْخَزْرَج الرّيح الْبَارِدَة
يكنى أَبَا مُحَمَّد أحد النُّقَبَاء شهد الْعقبَة وبدرا وأحدا وَالْخَنْدَق وَالْحُدَيْبِيَة وَعمرَة الْقَضَاء والمشاهد كلهَا إِلَّا الْفَتْح وَمَا بعده لِأَنَّهُ قتل يَوْم مُؤْتَة شَهِيدا وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء فِيهَا وَأحد الشُّعَرَاء الْمُحْسِنِينَ الَّذين كَانُوا يردون الْأَذَى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِيه وَفِي صَاحِبيهِ حسان وَكَعب بن مَالك نزلت {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا} الْآيَة
وَكَانَت غَزْوَة مُؤْتَة وَهِي من أَعمال الكرك الَّتِي اسْتشْهد فِيهَا عبد الله ابْن رَوَاحَة فِي جُمَادَى سنة ثَمَان بِأَرْض الشَّام
وروى عَنهُ من الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة
وَكَانَ أول خَارج إِلَى الْغَزْو ودعا لَهُ الْمُسلمُونَ أَن يردهُ الله سالما فَقَالَ
(لكنني أسأَل الرَّحْمَن مغْفرَة ... وضربة ذَات فرغ تقذف الزبدا)

(1/148)


(أَو طعنة بيَدي حران مجهزة ... بِحَرْبَة تنفذ الأحشاء والكبدا)
(حَتَّى يُقَال إِذا مروا على جدثي ... يَا أرشد الله من غاز وَقد رشدا)
الطعنة الفرغاء الواسعة قَالَ الْجَوْهَرِي والحران العطشان وَهُوَ هُنَا المحزون على قتلاه
فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْقِتَال قَالَ
(يَا نفس إِن لم تقتلي تموتي ... هَذَا حمام الْمَوْت قد صليت)
(وَمَا تمنيت فقد أَعْطَيْت ... إِن تفعلي فعلهمَا هديت)
يَعْنِي صَاحِبيهِ زيدا وجعفرا
ثمَّ قَاتل حينا ثمَّ نزل فَأَتَاهُ ابْن عَم لَهُ بعرق من لحم فَقَالَ شدّ بِهَذَا ظهرك فانك قد لقِيت فِي أيامك هَذِه مَا لقِيت فَأَخذه من يَده فانتهش مِنْهُ نهشة ثمَّ سمع الحطمة فِي النَّاس فَقَالَ وَأَنت فِي الدُّنْيَا فَأَلْقَاهُ من يَده ثمَّ أَخذ سَيْفه فقاتل حَتَّى قتل رَحمَه الله
وَرُوِيَ هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ مَا سَمِعت أحدا أجرأ وَلَا أسْرع شعرًا من عبد الله بن رَوَاحَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ يَوْمًا (قل شعرًا تَقْتَضِيه السَّاعَة وَأَنا أنظر إِلَيْك) فانبعث مَكَانَهُ فَقَالَ

(1/149)


(إِنِّي تفرست فِيك الْخَيْر أعرفهُ ... وَالله يعلم أَن مَا خانني الْبَصَر)
(أَنْت النَّبِي وَمن يحرم شَفَاعَته ... يَوْم الْحساب لقد أزرى بِهِ الْقدر)
(فَثَبت الله مَا آتاك من حسن ... تثبيت مُوسَى ونصرا كَالَّذي نصروا)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَأَنت فثبتك الله يَا ابْن رَوَاحَة) قَالَ هِشَام بن عُرْوَة فثبته الله أحسن الثَّبَات قتل شَهِيدا وَفتحت لَهُ الْجنَّة فَدَخلَهَا
وَفِي رِوَايَة ابْن هِشَام
(إِنِّي تفرست فِيك الْخَيْر نَافِلَة ... فراسة خَالَفت فِيك الَّذِي نظرُوا)
(أَنْت النَّبِي وَمن يحرم نوافله ... وَالْوَجْه مِنْهُ فقد أزرى بِهِ الْقدر)
وقصته مَعَ زَوجته حِين وَقع على أمته مَشْهُورَة رويناها من وُجُوه صِحَاح وَذَلِكَ أَنه مَشى لَيْلَة إِلَى أمة لَهُ فنال مِنْهَا وفطنت لَهُ امْرَأَته فَلَامَتْهُ فجحدها وَكَانَت قد رَأَتْ جمَاعَة لَهَا فَقَالَت لَهُ إِن كنت صَادِقا فاقرأ الْقُرْآن فَقَالَ

(1/150)


(شهِدت بِأَن وعد الله حق ... وَأَن النَّار مثوى الكافرينا)
(وَأَن الْعَرْش فَوق المَاء حق ... وَفَوق الْعَرْش رب الْعَالمين)
(وتحمله مَلَائِكَة غِلَاظ ... مَلَائِكَة الْإِلَه مسومينا)
فَقَالَت امْرَأَته صدقت وَالله وكذبت عينهَا وَكَانَت لَا تحفظ الْقُرْآن وَلَا تَقْرَأهُ
قَالَ ابْن عبد الْبر وروينا من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء قَالَ لقد رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فِي الْيَوْم الْحَار الشَّديد الْحر حَتَّى أَن الرجل ليضع من شدَّة الحريده على رَأسه وَمَا فِي الْقَوْم صَائِم إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنهُ
قَالَ السُّهيْلي وَذكره عمر بن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكره ابْن عبد الْبر وَابْن الْأَثِير
31 - عبد الله بن سعد بن أبي سرح
ابْن الْحَارِث بن حبيب بن جذيمة بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي الْقرشِي العامري يكنى أَبَا يحيى قَالَه ابْن عبد الْبر
وَقَالَ قَالَ مُحَمَّد بن حبيب فِي نسبه حبيب بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ حبيب بن جذيمة بِالتَّخْفِيفِ
أسلم قبل الْفَتْح وَهَاجَر وَكَانَ يكْتب الْوَحْي
قَالَ غَيره وَهُوَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قُرَيْش
قَالَ ثمَّ ارْتَدَّ وَرجع إِلَى مَكَّة وَقَالَ

(1/151)


إِنِّي كنت أصرف مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أُرِيد كَانَ يملي عَليّ عَزِيز حَكِيم فَأَقُول أَو عليم حَكِيم فَيَقُول (كل صَوَاب)
قَالَ وَفِيه نزل قَوْله تَعَالَى وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله وَلَو وجد تَحت أَسْتَار الْكَعْبَة ففر إِلَى عُثْمَان وَكَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة أَرْضَعَتْه أم عُثْمَان فغيبه حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا اطْمَأَن أهل مَكَّة فاستأمنه لَهُ فَصمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَويلا ثمَّ قَالَ (نعم) فَلَمَّا انْصَرف عُثْمَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن حوله (مَا صمت إِلَّا ليقوم إِلَيْهِ بَعْضكُم فَيضْرب عُنُقه) فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار فَهَلا أَوْمَأت إِلَيّ فَقَالَ إِن النَّبِي لَا يَنْبَغِي أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين
وَأسلم عبد الله فَحسن إِسْلَامه وَلم يظْهر مِنْهُ شَيْء يُنكر عَلَيْهِ بعد ذَلِك
وَهُوَ أحد النجباء الْعُقَلَاء الكرماء من قُرَيْش ثمَّ ولاه عُثْمَان مصر فِي خِلَافَته وَفتح على يَدَيْهِ إفريقية
وَكَانَ فَارس بني عَامر بن لؤَي الْمَعْدُود فيهم وَكَانَ صَاحب ميمنة عَمْرو بن الْعَاصِ فِي افتتاحه مصر وَفِي حروبه كلهَا وَلما ولاه عُثْمَان مصر وعزل عَمْرو بن الْعَاصِ غزا أَرض النّوبَة وهادنهم الْهُدْنَة الْبَاقِيَة إِلَى الْيَوْم وغزا الصواري من أَرض الرّوم سنة أَربع وَثَلَاثِينَ
ثمَّ قدم على عُثْمَان واستخلف على مصر السَّائِب بن هِشَام العامري فانتزى مُحَمَّد ابْن أبي حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة فَخلع السَّائِب وتأمر على مصر وَرجع ابْن أبي سرح من الْمَدِينَة فَمَنعه مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة من

(1/152)


دُخُول مصر فَمضى إِلَى عسقلان فَأَقَامَ بهَا حَتَّى قتل عُثْمَان وَقيل بل أَقَامَ بالرملة حَتَّى مَاتَ فَارًّا من الْفِتْنَة ودعا ربه أَن يَجْعَل خَاتِمَة عمله صَلَاة الصُّبْح فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى فَلَمَّا سلم عَن يَمِينه ذهب يسلم عَن يسَاره فَقبض الله روحه ذكر ذَلِك كُله يزِيد بن أبي حبيب قَالَه ابْن عبد الْبر وَذَلِكَ سنة سِتّ أَو سبع وَثَلَاثِينَ وَلم يُبَايع لعَلي بن أبي طَالب وَلَا لمعاوية وَكَانَت وَفَاته قبل اجْتِمَاع النَّاس على مُعَاوِيَة
وَقيل توفّي بافريقية وَالْأول أصح
قَالَ السُّهيْلي ذكره ابْن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
32 - أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد
ابْن هِلَال بن عبد الله ابْن عمر بن مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي الْقرشِي زوج أم سَلمَة أمه برة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم
أسلم بعد عشرَة أنفس وَهَاجَر مَعَ زَوجته أم سَلمَة إِلَى الْحَبَشَة وَهُوَ أول من هَاجر إِلَيْهَا ثمَّ شهد بَدْرًا وَكَانَ أَخا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة وأخا حَمْزَة أَرْضَعَتْه ثويبة مولاة أبي لَهب أرضعت حَمْزَة ثمَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَبَا سَلمَة
واستخلفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة حِين خرج إِلَى غَزْوَة الْعَشِيرَة ذكر القَاضِي عِيَاض فِي الْعَشِيرَة أقوالا للرواة وَالَّذِي رَجحه أَنَّهَا بِضَم الْعين وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَوضِع من أَرض بني مُدْلِج وَهَكَذَا ذكره الْبكْرِيّ

(1/153)


وَضَبطه فِي المعجم وَكَانَت غَزْوَة الْعَشِيرَة فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة
قَالَ ابْن عبد الْبر هَاجر أَبُو سَلمَة الهجرتين وجرح يَوْم أحد جرحا اندمل ثمَّ انتفض فَمَاتَ مِنْهُ وَذَلِكَ لثلاث مضين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة
وَهُوَ مِمَّن غلبت عَلَيْهِ كنيته وَكَانَ قَالَ عِنْد وَفَاته اللَّهُمَّ اخلفني فِي أَهلِي بِخَير فخلفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على زَوجته فَصَارَت أما للْمُؤْمِنين وَصَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربيب بنيه عمر وَسَلَمَة وَزَيْنَب
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكر أَبُو مُحَمَّد الدمياطي فِي كِتَابه أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَفِي الأَصْل عبد الْأَشْهَل ذكره ابْن مسكويه
فصل فِي هجرته إِلَى الْمَدِينَة

قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني أبي إِسْحَاق بن يسَار عَن سَلمَة بن عبد الله بن عمر بن أبي سَلمَة عَن جدته أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لما أجمع أَبُو سَلمَة على الْخُرُوج إِلَى الْمَدِينَة رَحل لي بعيره ثمَّ حَملَنِي عَلَيْهِ وَحمل معي ابْني سَلمَة بن أبي سَلمَة فِي حجري ثمَّ خرج بِي يَقُود بعيره
فَلَمَّا رَأَتْهُ رجال بني

(1/154)


الْمُغيرَة ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم قَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا هَذِه نَفسك غلبتنا عَلَيْهَا رَأَيْت صاحبتنا هَذِه علام نَتْرُكك تسير بهَا فِي الْبِلَاد قَالَت فنزعوا خطام الْبَعِير من يَده فأخذوني مِنْهُ
قَالَت وَغَضب عِنْد ذَلِك بَنو عبد الْأسد رَهْط أبي سَلمَة فَقَالُوا لَا وَالله لَا نَتْرُك ابننا عِنْدهَا إِذْ نزعتموها من صاحبنا
قَالَت فتجاذبوا ببني سَلمَة بَينهم حَتَّى خلعوا يَده وَانْطَلق بِهِ بَنو عبد الْأسد وحبسني بَنو الْمُغيرَة عِنْدهم وَانْطَلق زَوجي أَبُو سَلمَة إِلَى الْمَدِينَة
قَالَت فَفرق بيني وَبَين زَوجي وَبَين ابْني
قَالَت فَكنت أخرج كل غَدَاة فأجلس بِالْأَبْطح فَلَا أَزَال أبْكِي حَتَّى أَمْسَى سنة أَو قَرِيبا مِنْهَا حَتَّى مر بِي رجل من بني عمي أحد بني الْمُغيرَة فَرَأى مَا بِي فرحمني فَقَالَ لبني الْمُغيرَة أَلا تحرجون من هَذِه المسكينة فرقتم بَينهَا وَبَين زَوجهَا وَبَين وَلَدهَا قَالَت فَقَالُوا لي الحقي بزوجك إِن شِئْت قَالَت ورد بَنو عبد الْأسد عِنْد ذَلِك ابْني
قَالَت فارتحلت بَعِيري ثمَّ أخذت ابْني فَوَضَعته فِي حجري ثمَّ خرجت أُرِيد زَوجي بِالْمَدِينَةِ قَالَت وَمَا معي أحد من خلق الله
قَالَت قلت أتبلغ بِمن لقِيت حَتَّى أقدم على زَوجي حَتَّى إِذا كنت بِالتَّنْعِيمِ لقِيت عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة أَخا بني عبد الدَّار فَقَالَ أَيْن يَا ابْنة أبي أُميَّة وَقَالَت قلت أُرِيد زَوجي بِالْمَدِينَةِ
قَالَ أَو مَا مَعَك أحد قَالَت قلت لَا وَالله إِلَّا الله وَبني هَذَا
قَالَ وَالله مَا لَك من مترك فَأخذ بِخِطَام الْبَعِير وَانْطَلق معي يهوي

(1/155)


بِي فوَاللَّه مَا صَحِبت رجلا من الْعَرَب قطّ أرى أَنه أكْرم مِنْهُ كَانَ إِذا بلغ الْمنزل أَنَاخَ بِي ثمَّ اسْتَأْخَرَ عني حَتَّى إِذا نزلت اسْتَأْخَرَ ببعيري فحط عَنهُ ثمَّ قَيده فِي الشَّجَرَة ثمَّ تنحى إِلَى شَجَرَة فاضطجع تحتهَا
فَإِذا دنا الرواح قَامَ إِلَى بَعِيري فقدمه فرحله ثمَّ اسْتَأْخَرَ عني وَقَالَ ارْكَبِي فَإِذا ركبت فاستويت على بَعِيري أَتَى فَأخذ بخطامه فقادني حَتَّى ينزل بِي
فَلم يزل يصنع ذَلِك بِي حَتَّى أقدمني الْمَدِينَة فَلَمَّا نظر إِلَى قَرْيَة بني عَمْرو بن عَوْف بقباء قَالَ زَوجك فِي هَذِه الْقرْيَة وَكَانَ أَبُو سَلمَة بهَا نازلا فادخليها على بركَة الله ثمَّ انْصَرف رَاجعا إِلَى مَكَّة
قَالَ فَكَانَت تَقول مَا أعلم أهل بَيت فِي الْإِسْلَام أَصَابَهُم مَا أصَاب آل أبي سَلمَة وَمَا رَأَيْت صاحبا قطّ كَانَ أكْرم من عُثْمَان بن طَلْحَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
33 - عبد الله بن زيد
ابْن عبد ربه بن زيد من بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْحَارِثِيّ من بلحارث بن الْخَزْرَج هَذَا هُوَ الصَّحِيح من

(1/156)


نسبه وَقيل غير ذَلِك قَالَه ابْن عبر الْبر
شهد الْعقبَة وبدرا وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي أرِي الْأَذَان فِي النّوم فَأمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا على مَا رَوَاهُ عبد الله بن زيد هَذَا وَكَانَت رُؤْيَاهُ فِي سنة إِحْدَى بعد بِنَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْجده
يكنى أَبَا مُحَمَّد وَكَانَت مَعَه راية بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج يَوْم الْفَتْح
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن أَربع وَسِتِّينَ وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَه ابْن عبد الْبر أَيْضا
قَالَ عبد الْكَرِيم بن مُنِير الْحلَبِي وَذكر ابْن عَسَاكِر وَمُحَمّد بن سعد فِي طبقاته أَنه كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا إِلَى من أسلم من حدس من لخم
34 - عَمْرو بن العَاصِي
يجوز فِي العَاصِي إِثْبَات الْيَاء وحذفها قَالَه القَاضِي عِيَاض بن وَائِل بن هَاشم بن سعيد بن سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب الْقرشِي السَّهْمِي يكنى أَبَا عبد الله وَيُقَال أَبُو مُحَمَّد
وَأمه النَّابِغَة قَالَه ابْن عبد الْبر

(1/157)


قَالَ وَذكر أَنه جعل لرجل ألف دِرْهَم على أَن يسْأَل عَمْرو بن العَاصِي عَن أمه وَهُوَ على الْمِنْبَر فَسَأَلَهُ فَقَالَ أُمِّي سلمى بنت حَرْمَلَة تلقب النَّابِغَة من بني عنزة أصابتها رماح الْعَرَب فبيعت بعكاظ فاشتراها الْفَاكِه بن الْمُغيرَة ثمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عبد الله بن جدعَان ثمَّ صَارَت إِلَى الْعَاصِ بن وَائِل فَولدت فأنجبت فَإِن كَانَ جعل لَك شَيْء فَخذه
يَأْتِي خبر إِسْلَامه ووفاته وسنه عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ
قَالَ ابْن عبد الْبر ولاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عمان وَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمل لعمر وَعُثْمَان وَمُعَاوِيَة وَبَعثه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي جَيش إِلَى مصر فَفَتحهَا وولاه عَلَيْهَا وَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ عمر رَضِي الله عَنهُ
وَكَانَ السَّبَب فِي دُخُول عَمْرو بن الْعَاصِ مصر على مَا ذكره ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر أَن عمرا قدم إِلَى بَيت الْمُقَدّس فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الْبعْثَة لتِجَارَة فِي نفر من قُرَيْش فَإِذا هم بشماس من شمامسة الرّوم من أهل الْإسْكَنْدَريَّة قدم للصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس
فَخرج فِي بعض جبالها يسيح وَكَانَ عَمْرو يرْعَى إبِله وإبل أَصْحَابه وَكَانَت رعية الْإِبِل نوبا بَينهم فَبَيْنَمَا عَمْرو يرْعَى إبِله إِذْ مر

(1/158)


بِهِ ذَلِك الشماس وَقد أَصَابَهُ عَطش شَدِيد فِي يَوْم شَدِيد الْحر فَوقف على عَمْرو واستسقاه فَسَقَاهُ عَمْرو من قربَة لَهُ فَشرب حَتَّى رُوِيَ ونام الشماس مَكَانَهُ وَكَانَت إِلَى جنب الشماس حَيْثُ نَام حُفْرَة فَخرجت مِنْهَا حَيَّة عَظِيمَة فَبَصر بهَا عَمْرو فَنزع لَهَا بِسَهْم فَقَتلهَا فَاسْتَيْقَظَ الشماس وَنظر إِلَى الْحَيَّة فَقَالَ مَا هَذِه فَأخْبرهُ عَمْرو خَبَرهَا فَأقبل إِلَى عَمْرو وَقبل رَأسه وَقَالَ قد أحياني الله بك مرَّتَيْنِ فَمَا أقدمك هَذِه الْبِلَاد فَقَالَ قدمت فِي تِجَارَة قَالَ وَكم تراك ترجو أَن تصيب قَالَ رجائي أَن أُصِيب مَا أَشْتَرِي بِهِ بَعِيرًا فَقَالَ لَهُ الشماس كم الدِّيَة عنْدكُمْ قَالَ مائَة من الْإِبِل قَالَ الشماس لسنا أَصْحَاب إبل نَحن أَصْحَاب دَنَانِير قَالَ يكون ألف دِينَار قَالَ فَهَل لَك أَن تتبعني إِلَى بلادي وَلَك عهد الله وميثاقه أَن أُعْطِيك ديتين قَالَ فَانْطَلق عَمْرو مَعَه إِلَى مصر حَتَّى انْتهى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فرآها عَمْرو فَأَعْجَبتهُ وَوَافَقَ ذَلِك عيدا لَهُم يجْتَمع فِيهِ أَشْرَافهم وملوكهم وَلَهُم أكرة من ذهب مكللة

(1/159)


يترامون بهَا ويتلقونها بأكمامهم فَمن وَقعت فِي كمه واستقرت فَلم يمت حَتَّى يملكهم
فَلَمَّا قدم عَمْرو أكْرمه الشماس وكساه ثوب ديباج وَجلسَ عَمْرو والشماس مَعَ النَّاس فِي ذَلِك الْمجْلس حَيْثُ يترامون بالأكرة ويتلقونها بأكمامهم فَرمي بهَا رجل مِنْهُم فَأَقْبَلت تهوي حَتَّى وَقعت فِي كم عَمْرو فعجبو من ذَلِك وَقَالُوا مَا كذبتنا هَذِه الأكرة قطّ إِلَّا هَذِه الْمرة أَتَرَى هَذَا الْأَعرَابِي يملكنا هَذَا مَا لَا يكون أبدا
وَدفع الشماس المَال إِلَى عَمْرو ووفى لَهُ فبذلك عرف عَمْرو مدْخل مصر ومخرجها وَرغب عمر بن الْخطاب فِي فتحهَا فَفَتحهَا وَصَارَ ملكهَا
وروى ابْن ظفر فِي انباء نجباء الْأَبْنَاء أَن الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي قَالَ وَهُوَ يرقص وَلَده عمرا
(ظَنِّي بِعَمْرو أَن يفوق حلما ... وينشق الْخصم الألد رغما)
(وَأَن يسود جمحا وَسَهْما ... وَأَن يَقُود الْجَيْش مجرا دهما)
(يلهم أحشاد الأعادي لَهما ... )
تَفْسِير

قَوْله ينشق الْخصم النشق أَن يصب الدَّوَاء وَغَيره فِي الْأنف

(1/160)


وَذَلِكَ المصوب فِيهِ هُوَ النشوق بِفَتْح النُّون فَإِن صب الدَّوَاء وَغَيره فِي الْحلق فَهُوَ الوجور فَإِن صب فِي أحد جَانِبي الْفَم فَهُوَ اللدود
قَوْله مجرا دهما المجر هُوَ الْعَظِيم والدهم هُوَ الْكثير وَهُوَ أَيْضا الَّذِي يبغت وَمَا بغتك من شَيْء فقد دهمك وَيُقَال جَيش دهم وَعدد دهم أَي كثير وَقَوله يلهم أَي يبتلع فالالتهام الابتلاع بِكَثْرَة
وَقَوله أحشاد جمع حشد وهم المحشودون تَقول حشدت الْقَوْم أحشدهم حشدا وهم حشد بِفَتْح الشين
قَالَ وَبَلغنِي أَن أم عَمْرو وَهِي النَّابِغَة ضربت يَوْمًا وَلَدهَا عمرا وَهُوَ صَغِير جدا عِنْدَمَا دب فَقَالَ لَهَا ستعلمين ثمَّ ذهب إِلَى أَبِيه وَهُوَ فِي نَادِي قومه فَجَلَسَ فِي حجره وبال عَلَيْهِ وَكَانَ أَبوهُ قاذورة متقززا فِي خلقه عسر فتأفف مِنْهُ وَأَرَادَ ضربه فَمَنعه قومه وَقَالُوا هَذَا طِفْل لَا يعقل فَنَهَضَ مغضبا فَدخل على النَّابِغَة فأوجعها ضربا وَأقسم لَهَا بِمَا يعظمه لَئِن بعثت إِلَيْهِ بِهِ وَهُوَ فِي نَادِي قومه ليعودن لَهَا بأشد مِمَّا بَدَأَ
وَلما خرج من عِنْدهَا قَالَ لَهَا عَمْرو ألم أقل لَك فصكت وَجههَا وَنَادَتْ بِالْوَيْلِ فَرجع الْعَاصِ إِلَيْهَا وَتَنَاول السَّوْط فَقَالَت مهلا حَتَّى أخْبرك وحدثته فَقَالَ والكعبة إِنَّه لذُو دهاء فاحذريه
فَكَانَت

(1/161)


تحذره مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ نقمت عَلَيْهِ أمرا فضربته ورصدته فَلم يجد محيصا عَنْهَا سَحَابَة يَوْمه ذَلِك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد املس مِنْهَا فَذهب إِلَى أَبِيه وَهُوَ فِي الْحجر مَعَ سادة قُرَيْش فَلَمَّا رَآهُ انتهره فَقَالَ عَمْرو إِن أُمِّي تدعوك فَقَالَ كذبت وجهجه با فَذهب ثمَّ عَاد وَفِي يَده نقبة خلق وضرة كَانَت أمه تمهن فِيهَا وَقصد وَالِده من قبل ظَهره فَلم يشْعر بِهِ حَتَّى قَامَ على الْقَوْم فنشر النقبة وَقَالَ لِأَبِيهِ قَالَت لَك أُمِّي تعال وَهَذِه النقبة أَمارَة فَرمى الْقَوْم النقبة بِأَبْصَارِهِمْ وَكَانَ الْعَاصِ بن وَائِل يتَمَيَّز غَضبا فَتَنَاول من وَلَده النقبة واحتضنه فَأتى بِهِ منزله وأنحى على الْمَرْأَة ضربا وَجعلت تسترفقه وتستنصته وَقد أَخذ الْغَضَب ببصره وسَمعه حَتَّى إِذا أثخنها ضربا وَسكن غَضَبه جلس وَقد خامره النَّدَم على مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهَا فَقَالَت وَالله مَالِي من ذَنْب إِلَيْك وَمَا أحسبني دهيت إِلَّا من قبل ولدك فَإِنِّي ضَربته أمس قَالَ وَيحك ألم تنفذيه إِلَى بالنقبة أَمارَة قَالَت مَا فعلت فَقَالَ لِابْنِهِ ألم تقل ذَاك قَالَ إِنَّهَا ضربتني فَقَالَ أشهد أَنَّك أدهى الْعَرَب ثمَّ قَالَ لأمه لَا تعرضي لَهُ بعد
تَفْسِير

قَوْله نَادِي قومه النادي اسْم للمجلس مَا دَامَ المتجالسون بِهِ
وَقَوله قاذورة هُوَ المتقزز
وَقَوله فتأفف أَي قَالَ أُفٍّ أُفٍّ

(1/162)


وَقَوله سَحَابَة يَوْمه أَي جَمِيع يَوْمه هَذَا كَلَام الْعَرَب
وَقَوله جهجه بِهِ أَي نفره وشرده وَمنعه الِاسْتِقْرَار والجهجهة فِي الأَصْل حِكَايَة قَول الْقَائِل جه جه
وَقَوله املس مِنْهَا أَي ذهب وَلم تشعر بِهِ
وَقَوله النقبة هِيَ المئزر يخاط طرفاه فيؤتزر بِهِ فَهُوَ كالسراويل بِغَيْر نيفق وَلَا ساقين محجوزين
وَقَوله وضرة الوضر وسخ الدّهن وَمَا ضاهاه
وَقَوله تمهن أَي تخْدم والمهنة الْخدمَة وَمِنْه فِيمَا ذكر من حسن خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتواضعه إِنَّه كَانَ فِي الْبَيْت يخْدم فِي مهنة أَهله وَيقطع مَعَهم اللَّحْم
وَقَوله تميز غَضبا تميز تقطع قَالَه الْجَوْهَرِي
وأنحى يَعْنِي مَال وَاعْتمد يضْربهَا
قَالَ السُّهيْلي ذكره ابْن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ وَذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات
35 - الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ
وَاسم الْحَضْرَمِيّ عبد الله بن عماد وَيُقَال ابْن ضمار بن أكبر بن ربيعَة بن مَالك بن أكبر بن عويف بن مَالك بن الْخَزْرَج بن أبي الصدف من حَضرمَوْت حَلِيف بني أُميَّة
ولاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَحْرين وَكَانَ بَعثه إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى ملك الْبَحْرين فَفَتحهَا فولاه عَلَيْهَا قَالَه ابْن عبد الْبر وَيَأْتِي ذكره مَعَ رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يَأْتِي من كتَابنَا هَذَا

(1/163)


قَالَ وَأقرهُ أَبُو بكر على ولَايَته ثمَّ عمر ثمَّ ولاه عمر الْبَصْرَة فَمَاتَ قبل أَن يصل إِلَيْهَا بِمَاء من مياه بني تَمِيم سنة أَربع عشرَة
وَهُوَ أول من بنى مَسْجِدا فِي أَرض الْكفْر وَأول من ضرب الْجِزْيَة على الْكفَّار وَأول من نقش خَاتم الْخلَافَة
وَأَخُوهُ عَامر قتل يَوْم بدر كَافِرًا وأخوهما عَمْرو أول قَتِيل من الْمُشْركين قَتله مُسلم وَكَانَ مَاله أول مَال خمس قتل يَوْم نَخْلَة وأختهم الصعبة كَانَت تَحت أبي سُفْيَان بن حَرْب فَطلقهَا فخلف عَلَيْهَا عبيد الله بن عُثْمَان التَّيْمِيّ فَولدت لَهُ طَلْحَة بن عبيد الله
وَكَانَ الْعَلَاء رَضِي الله عَنهُ مجاب الدعْوَة وَأَخُوهُ مَيْمُون حفر بِئْرا فِي الْجَاهِلِيَّة بِأَعْلَى مَكَّة مَعْرُوفَة وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
36 - الْعَلَاء ابْن عقبَة
قَالَ ابْن عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكر أَبُو الْحسن بن الْأَثِير فِي تَرْجَمَة الْعَلَاء بن عقبَة إِنَّه كتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أورد ذكره فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم وَقَالَ ذكره جَعْفَر أخرجه أَبُو مُوسَى
وَلم يذكرهُ ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه الَّذين أوردهم فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب وعددهم
وَذكره ابْن عَسَاكِر
قلت وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي أَسمَاء الصَّحَابَة فِي بَابه وَالله سُبْحَانَهُ أعلم

(1/164)


37 - عبد الْعُزَّى بن خطل
وَقيل اسْمه هِلَال
أسلم وَبَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصدقا وَبعث مَعَه رجلا من الْأَنْصَار وَكَانَ مَعَه مولى لَهُ يَخْدمه مُسلما فَنزل منزلا وَأمر الْمولى أَن يذبح لَهُ تَيْسًا فيصنع لَهُ طَعَاما فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ ابْن خطل وَلم يصنع لَهُ شَيْئا فَعدا عَلَيْهِ فَقتله ثمَّ ارْتَدَّ مُشْركًا
وَكَانَ يكْتب قُدَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ إِذا نزل {غَفُور رَحِيم} كتب رَحِيم غَفُور وَإِذا نزل {سميع عليم} كتب عليم سميع فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات (يَوْم اعْرِض عَليّ مَا كنت أملي عَلَيْك) فَلَمَّا عرضه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَذَا أمليت عَلَيْك غَفُور رَحِيم وَرَحِيم غَفُور وَاحِد وَسميع عليم وَعَلِيم سميع وَاحِد قَالَ فَقَالَ ابْن خطل إِن كَانَ مُحَمَّد مَا كنت أكتب لَهُ إِلَّا مَا أُرِيد ثمَّ كفر وَلحق بِمَكَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من قتل ابْن خطل فَهُوَ فِي الْجنَّة) فَقتل يَوْم فتح مَكَّة وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة قَالَه عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بِهِجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرتني وَقَرِيبَة فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَتْلِهِمَا مَعَه
قَالَ الْحَاكِم قتلت إِحْدَاهمَا وكتمت الْأُخْرَى حَتَّى استؤمن لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/165)


وَقيل قَتله سعد بن حُرَيْث المَخْزُومِي وَأَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ وَهُوَ آخذ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَقيل بَين الْمقَام وزمزم
38 - عقبَة
قَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات قَالُوا وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعوسجة بن حَرْمَلَة الْجُهَنِيّ وَيَأْتِي ذكر الْكتاب فِي تراجم الْمُلُوك وَقَالَ فِي آخِره وَكتب عقبَة وَشهد
هَكَذَا ذكر ابْن سعد وَلم يرفع لَهُ نسبا
وَذكر ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة من اسْمه عقبَة نَحْو الثَّمَانِية عشر وَلم يذكر فيهم كَاتبا وَلَا مَا يدل على ذَلِك وَلَا أَدْرِي أَيهمْ هُوَ وَالله أعلم وَقد نبهت عَلَيْهِ عِنْد ذكر شُجَاع بن وهب الرَّسُول وأخيه عقبَة بن وهب فَلَعَلَّهُ أَن يكون هُوَ وَالله أعلم
39 - مُحَمَّد بن مسلمة
ابْن سَلمَة بن خَالِد بن عدي بن مجدعة بن حَارِثَة بن

(1/166)


الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس حَلِيف لبني الْأَشْهَل الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن وَقيل أَبَا عبد الله
شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا وَكَانَت وَفَاته فِي صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَقيل سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة
كَانَ أسمر شَدِيد السمرَة طَويلا أصلع ذَا جثة وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَهُوَ أحد الَّذين قتلوا كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَخْلَفَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة فِي بعض غَزَوَاته
وَلم يشْهد الْجمل وَلَا صفّين وَاعْتَزل الْفِتْنَة وَاتخذ سَيْفا من خشب وَجعله فِي جفن وَذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بذلك قَالَه ابْن عبد الْبر وَذكره فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكره أَيْضا فِي كِتَابه ابْن عَسَاكِر وَابْن الْأَثِير
40 - مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَخْر
رفعنَا نسبه عِنْد ذكر أَبِيه يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن
قَالَ ابْن عبد الْبر كَانَ هُوَ وَأَبوهُ وَأَخُوهُ من مسلمة الْفَتْح
وَقد رُوِيَ عَن مُعَاوِيَة أَنه قَالَ أسلمت يَوْم الْقَضِيَّة وَلَقِيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلما
وَهُوَ أحد الَّذين كتبُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/167)


قَالَ عبد الْكَرِيم وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لما قتل ابْن خطل يَوْم الْفَتْح وَكَانَ كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ارْتَدَّ فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يسْتَكْتب مُعَاوِيَة فكره أَن يَأْتِي مَا أَتَى ابْن خطل فَاسْتَشَارَ جِبْرِيل عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اسْتَكْتَبَهُ فَإِنَّهُ أَمِين ذكر ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات هُوَ وَحَدِيث ابْن خطل الْمَذْكُور فِي تَرْجَمته من حرف الْعين وَقَالَ فِيهِ أَصْرَم بن حَوْشَب عَن أبي سِنَان
قَالَ ابْن عبد الْبر قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لما دخل الشَّام وَرَأى مُعَاوِيَة هَذَا كسْرَى الْعَرَب وَكَانَ عمر ولاه الشَّام بعد موت أَخِيه يزِيد فَلَمَّا تَلقاهُ فِي موكب عَظِيم قَالَ لَهُ أَنْت صَاحب الموكب الْعَظِيم قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مَعَ مَا يبلغنِي من وقُوف ذَوي الْحَاجَات ببابك قَالَ مَعَ مَا يبلغك من ذَلِك قَالَ وَلم تفعل هَذَا قَالَ نَحن بِأَرْض جواسيس الْعَدو بهَا كَثِيرَة فَنحب أَن نظهر من عز السُّلْطَان مَا نرهبهم بِهِ فان أَمرتنِي فعلت وَإِن نهيتني انْتَهَيْت فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَئِن كَانَ مَا قلت حَقًا إِنَّه لرأي أريب وَإِن كَانَ بَاطِلا إِنَّه لخدعة أديب قَالَ فمرني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَا آمُرك وَلَا أَنهَاك فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا

(1/168)


أحسن مَا صدر هَذَا الْفَتى عَمَّا أوردته فِيهِ قَالَ لحسن موارده جشمناه مَا جشمناه مَعْنَاهُ كلفناه
قَالَه الْجَوْهَرِي
قَالَ وَكَانَ مُعَاوِيَة أَمِيرا بِالشَّام نَحْو عشْرين سنة وَخَلِيفَة نَحْو عشْرين سنة
روى أَبُو بكر الْآجُرِيّ فِي كتاب الشَّرِيعَة لَهُ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ قَالَ مُعَاوِيَة مَا زلت فِي طمع من الْخلَافَة مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يَا مُعَاوِيَة إِن ملكت فَأحْسن)
وَرُوِيَ عَن خَالِد بن يزِيد بن صبيح عَن أَبِيه عَن مُعَاوِيَة قَالَ كنت أوضئ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم أفرغ عَلَيْهِ من إِنَاء فِي يَدي فَنظر إِلَيّ نظرة شَدِيدَة فَفَزِعت وَسقط الْإِنَاء من يَدي فَقَالَ (يَا مُعَاوِيَة إِن وليت شَيْئا من أُمُور أمتِي فَاتق الله واعدل) قَالَ فَمَا زلت أطمع فِيهَا مُنْذُ ذَلِك الْيَوْم فأسأل الله أَن يَرْزُقنِي الْعدْل فِيكُم
وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن جده قَالَ كَانَت إداوة يحملهَا أَبُو هُرَيْرَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوضوئه فاشتكى أَبُو هُرَيْرَة فحملها مُعَاوِيَة فَبينا هُوَ يوضيء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا رفع

(1/169)


النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فَقَالَ (يَا مُعَاوِيَة إِن وليت من أَمر الْمُسلمين شَيْئا فَاتق الله واعدل) فَمَا زلت أَظن أَنِّي مبتلى بذلك لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وليت
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عمر قَالَ مَا رَأَيْت أحدا بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسود من مُعَاوِيَة قيل لَهُ فَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي فَقَالَ كَانُوا وَالله خيرا من مُعَاوِيَة وَأفضل وَكَانَ مُعَاوِيَة أسود مِنْهُم
قَالَ ابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} من سُورَة آل عمرَان
قَالَ سيدا فِي الْحلم وَالْعِبَادَة والورع
وَقَالَ ابْن جُبَير سيدا حَلِيمًا وَقَالَ الضَّحَّاك تقيا حَلِيمًا وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَقُول تقيا حَلِيمًا وَقَالَ عِكْرِمَة السَّيِّد الَّذِي لَا يغلبه الْغَضَب
قَالَ القَاضِي هُوَ ابْن عَطِيَّة كل من فسر من هَؤُلَاءِ الْعلمَاء السودد بالحلم فقد أحرز أَكثر معنى السودد وَمن جرد تَفْسِيره بِالْعلمِ والتقى وَنَحْوه فَلم لفسر بِحَسب كَلَام الْعَرَب وَقد تحصل الْعلم ليحيى عَلَيْهِ السَّلَام بقوله عز وَجل {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} وَتحصل التقى بباقي لآيَة وَخَصه الله بِذكر السودد الَّذِي هُوَ الِاعْتِمَاد فِي رضى النَّاس

(1/170)


على أشرف الْوُجُوه دون أَن يُوقع فِي بَاطِل هَذَا لفظ يعم السودد وتفصيله أَن يُقَال بذل الندى وكف الْأَذَى وَهنا هِيَ الْعِفَّة بالفرج وَالْيَد وَاللِّسَان وَاحْتِمَال العظائم وَهنا هُوَ الْحلم وَغَيره من تحمل الغرامات وجبر الْكسر والإفضال عَن المسترفد والإنقاذ من المهلكات وَانْظُر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر) وَذكر حَدِيث شَفَاعَته وَذَلِكَ مِنْهُ اعتمال فِي رضى ولد آدم فَهُوَ سيدهم بذلك
وَقد يُوجد من الثِّقَات الْعلمَاء من لَا يبرز فِي هَذَا الْخِصَال وَقد يُوجد من يبرز فيسمى سيدا وَإِن قصر فِي كثير من الْوَاجِبَات أَعنِي وَاجِبَات النّدب والمكافحة فِي الْحق وَقلة المبالاة بالأئمة
وَقد قَالَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَا رَأَيْت أحدا أسود من مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قيل لَهُ وَأَبُو بكر وَعمر قَالَ هما خير مِنْهُ وَهُوَ أسود مِنْهُمَا فَهَذِهِ إِشَارَة إِلَى أَن مُعَاوِيَة برز فِي هَذِه الْخِصَال مَا لم يواقع محذورا وَأَن أَبَا بكر وَعمر كَانَا من الاستضلاع بالواجبات وتتبع ذَلِك من أَنفسهمَا وَإِقَامَة الْحَقَائِق على النَّاس بِحَيْثُ كَانَا خيرا من مُعَاوِيَة وَمَعَ تتبع الْحَقَائِق وَحمل النَّاس على الجادة وَقلة المبالاة برضاهم وَالْوَزْن بقسطاس الشَّرِيعَة تحريرا يتحزم كثير من هَذِه الْخِصَال الَّتِي هِيَ السودد ويشتغل الذِّهْن عَنْهَا والتقى وَالْعلم وَالْأَخْذ بالأشد أوكد وَأَعْلَى من السودد إِمَّا أَنه يحسن بالتقي الْعَالم أَن يَأْخُذ من السودد بِكُل مَا لَا يخل بِعِلْمِهِ وتقاه وَهَكَذَا كَانَ يحيى عَلَيْهِ السَّلَام

(1/171)


وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي يحسن بِوَاجِب وَلَا بُد كَمَا لَيْسَ التتبع والتحرير فِي الشدَّة بِوَاجِب وَلَا بُد وهما طرفا خير قد حفتهما الشَّرِيعَة فَمن صاير إِلَى هَذَا وَمن صاير إِلَى هَذَا وَمِثَال ذَلِك حَاكم صَلِيب معبس فظ على من عِنْد أدنى عوج لَا يعتني فِي حوائج النَّاس وَآخر بسط الْوَجْه بسام يعتني فِيمَا يجوز وَلَا يتبع مَا لم يدْفع إِلَيْهِ وَينفذ الحكم مَعَ رفق بالمحكوم عَلَيْهِ فهما طَرِيقَانِ حسنان
قَالَ ابْن ظفر بَلغنِي أَن هندا بنت عتبَة أم مُعَاوِيَة خرجت من مَكَّة تُرِيدُ الطَّائِف وَمَعَهَا ابْنهَا مُعَاوِيَة قد جعلته بَين يَديهَا فِي مركب لَهَا فَرَآهُ شيخ من الْأَعْرَاب فَقَالَ يَا ظَعِينَة شدي يَديك بِهَذَا الْغُلَام وأكرميه فَإِنَّهُ سيد كرام وُصُول أَرْحَام فَقَالَ هِنْد بل ملك همام كبار عِظَام ضروب هام ومفيض إنعام
تَفْسِير

قَوْلهَا كرام وَعِظَام وكبار أَي كريم عَظِيم كَبِير مِمَّا جَاءَ على فعال بِمَعْنى فعيل
قَالَ وَبَلغنِي أَنَّهَا خرجت وَهُوَ طِفْل وَيَده فِي يَدهَا فعثر فَقَالَت قُم فَلَا انتعشت وسمعها أَعْرَابِي فَقَالَ مهلا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سيسود قومه فَقَالَت ثكلته إِن كَانَ لَا يسود إِلَّا قومه

(1/172)


وَأورد ابْن ظفر خبر المعاوية يتَضَمَّن فَوَائِد فَاه بهَا على صغر سنه وَشرح غَرِيبه وَمَا يتَعَلَّق بذلك من قبائل قُرَيْش وَبني هَاشم فأوردته لتكمل الْفَائِدَة كَمَا شرطنا فِي صدر هَذَا الْكتاب
قَالَ بَلغنِي أَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة نديما لأبي سُفْيَان بن حَرْب فَجَلَسَا على شراب لَهما فِي دَار أبي سُفْيَان وَمُعَاوِيَة مَعَهُمَا يسقيهما وَهُوَ إِذْ ذَاك صَغِير فَلَمَّا أخذت الْخمر مِنْهُمَا أنْشد الْعَبَّاس شعر مطرود بن كَعْب الْخُزَاعِيّ وَكَانَ جاور فِي بني سهم فِي سنة شَدِيدَة وَله بَنَات فتبرموا بِهِ تبرما أظهروه لَهُ فَخرج هُوَ وَبنَاته يحملون أثاثهم متحولين عَنْهُم فَقَالَ فِي ذَلِك شعرًا
(يَا أَيهَا الرجل المحول رَحْله ... هلا نزلت بآل عبد منَاف)
(هبلتك أمك لَو نزلت إِلَيْهِم ... ضمنوك من جوع وَمن إقراف)

(1/173)


(الآخذون الْعَهْد من آفاقها ... والظاعنون لرحلة الإيلاف)
(والملحقون فقيرهم بغنيهم ... حَتَّى يعود فقيرهم كالكافي)
(والرائشون وَلَيْسَ يُوجد رائش ... والقائلون هَلُمَّ للأضياف)
(والضاربون الْجَيْش تبرق بيضه ... والمانعين الْبيض بالأسياف)
(ويقابلون الرّيح كل عَشِيَّة ... حَتَّى تغيب الشَّمْس فِي الرجاف)
(لم تَرَ عَيْني مثلهم وهم الأولى ... كسبوا فعال التلد والأطراف)

(1/174)


(عَمْرو الْعلَا هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف)
(وَإِذا معد حصلت أنسابها ... فهم لعمرك جَوْهَر الأصداف)
بَقِي مِنْهَا بَيت لَعَلَّه أغفله وَلَعَلَّه أَن يكون بعد الْبَيْت التَّاسِع وَهُوَ
(سنت إِلَيْهِ الرحلتان كِلَاهُمَا ... سفر الشتَاء ورحلة الأصياف)
فحمي أَبُو سُفْيَان لما سمع الشّعْر وَجعل يعدد مآثر حَرْب بن أُميَّة ومآثر نَفسه وتناقلا فِي الْمُفَاخَرَة إِلَى أَن قَالَ الْعَبَّاس لأبي سُفْيَان نافرني إِلَى فتاك هَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة فَإِنَّهُ نجيب فَقَالَ أَبُو سُفْيَان قد فعلت
وَكَانَ ذَلِك مِنْهُمَا وَهِنْد تسمع فاهتبلت الفرصة وَقَالَت مُخَاطبَة لابنها مُعَاوِيَة
(اقْضِ فدتك نَفسِي ... لآل عبد شمس)
(فهم سراة الحمس ... على قديم الحرس)

(1/175)


فَقطع عَلَيْهَا مُعَاوِيَة قَوْلهَا فَقَالَ
(صه يَا ابْنة الأكارم ... فعبد شمس هَاشم)
(هما برغم الراغم ... كَانَا كغربى صارم)
فَلَمَّا سمع الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان مقَالَة مُعَاوِيَة ابتدراه أَيهمَا يتَنَاوَلهُ قبل صَاحبه فتعاوراه ضما وتقبيلا وتفدية وافترقا راضيين
تَفْسِير كَلِمَات مشكلات من هَذَا الْخَبَر

أما قَول الشَّاعِر هبلتك أمك فالهبل الْهَلَاك والتلف وَمِنْه قيل للمثقل سمنا إِنَّه لمهبل وَكَذَلِكَ يُقَال لفاسد الْعقل مهبل وَالْعرب تطلق هَذِه الْكَلِمَة ونظائرها من الدُّعَاء بالمكروه وَلَا تُرِيدُ بهَا شرا تجريها مجْرى اللَّغْو الَّذِي لَا يعْتد بِهِ وَقد تجريها مجْرى الْمَدْح عِنْد استعظام الشَّيْء وَقد تجريها مجْرى الحض وَالنَّدْب إِلَى الْفِعْل وَالْقَوْل
وَمن نظائرها قَوْلهم إِذا استحسنوا فعل إِنْسَان أَو قَوْله قَاتله الله وَمَا لَهُ هوت أمه قَالَ الشَّاعِر
(هوت أمه مَا يبْعَث الصُّبْح غاديا ... وماذا يُؤَدِّي اللَّيْل حِين يؤوب)

(1/176)


فَهَذَا فِي الْمَدْح والتعظيم وَمِنْهَا قَول عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله ويل أم الْإِمَارَة لَوْلَا قَول الله عز وَجل وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظلمون فَهَذِهِ لَفْظَة أَرَادَ بهَا الْمَدْح وَحملهَا على الذَّم جهل بمواقع الْكَلم وَمِنْهَا قَول امريء الْقَيْس يصف رجلا بجودة الرماية
(فَهُوَ لَا تنمي رميته ... مَا لَهُ لاعد من نفره)
فَظَاهر هَذَا أَنه دَعَا عَلَيْهِ بِأَن يهْلك حَتَّى لَا يعد مَعَ قومه إِذا عدوا وَهُوَ لَا يُرِيد ذَلِك بل تعجب من رمايته ومدحه وَمِنْهَا قَوْلهم لَا أَب لفُلَان فِي استعظام مَا يكون مِنْهُ قَالَ الشَّاعِر
(فَمَا راعني إِلَّا زهاء معانقي ... فَأَي عنيق بَات لي لَا أَبَا ليا)
وَقد نطق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نظائرها لقَوْله لصفية عقرى حلقى أَي عقرهَا الله وحلقها وَقَوله عَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك وَهُوَ دُعَاء بالفقر

(1/177)


وَأما قَول الشَّاعِر من إقراف فالإقراف هُنَا تغير الْجِسْم وضؤلته
وَقَوله الآخذون الْعَهْد من آفاقها
مَعْنَاهُ أَن هَاشم بن عبد منَاف انْطلق إِلَى الشَّام فَأخذ من قَيْصر ملك الرّوم وَمن مُلُوك غَسَّان عهدا وَذمَّة لقريش أَن يَأْتُوا الشَّام ويتجروا بِهِ وَانْطَلق أَخُوهُ عبد الشَّمْس ابْن عبد منَاف إِلَى بِلَاد الْحَبَشَة فَأخذ لتجار قُرَيْش عهدا من النَّجَاشِيّ الْأَكْبَر وَذهب أخوهما الْمطلب بن عبد منَاف إِلَى الْيمن فَأخذ عهدا من مُلُوكهَا لتجار قُرَيْش وَذهب أخوهم نَوْفَل ابْن عبد منَاف إِلَى الْعرَاق فَأخذ عهودا من مُلُوك آل ساسان وَمن سادة من بالعراق من الْعَرَب فتوجهت قُرَيْش للتِّجَارَة إِلَى هَذِه الْأَرْبَعَة الْوُجُوه على حَال آمِنَة بِمَا عقد لَهُم بَنو عبد منَاف من الذمم فمسي بَنو عبد منَاف لذَلِك المجبرين لِأَن الله تَعَالَى جبر بهم قُرَيْش وأغناها بِالتِّجَارَة وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال الجابرون وَلَكِن هَكَذَا جَاءَ فَيدل على أَن جبرت وأجبرت بِمَعْنى وَاحِد وَالْمعْنَى الْمَشْهُور الْكثير جبرت الكسير وَالْفَقِير فَأَنا جَابر وأجبرت فلَانا على الْأَمر أَي أكرهته فَأَنا مجبر وَقد أدخلُوا أفعل فِي بَاب التَّمْكِين من الْفِعْل فَقَالُوا سقيت الرجل بيَدي

(1/178)


وَقَالُوا أسقيته أَي مكنته من الْورْد وقته أَي أَعْطيته قوتا وأقته إِذا مكنته من شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْقُوت وقبرت الْمَيِّت بيَدي وأقبرته إِذا أَعْطيته مَا يقبر فِيهِ من الأَرْض
وَلَعَلَّ تسميتهم المجبرين من هَذَا لأَنهم لم يجبروا قُرَيْش بِأَمْوَالِهِمْ بل مكنوهم من فعل مَا يتجبرون بِهِ فَالَّذِي ذكرنَا هُوَ مَقْصُود الشَّاعِر
وَقَوله ويقابلون الرّيح يَقُول يجاودونها فيهبون بالجود كهبوبها
ويروى والمطعمون إِذا الرِّيَاح تناوحت أَي تقابلت فِي الهبوب
وَقَوله تغيب الشَّمْس فِي الرجاف الرجاف هُوَ الْبَحْر سمي بذلك لاضطرابه
وَقَوله فعال التلد والأطراف يُرِيد قديم الفعال وحديثها يَعْنِي المكارم التالدة أَي الْقَدِيمَة والطارفة أَي الحديثة هَذَا مجَاز اللَّفْظَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِي الفعال بِالْفَتْح مصدر مثل ذهب ذَهَابًا وَكَانَت مِنْهُ فعلة حَسَنَة أَو قبيحة
وَقَوله عَمْرو الْعلَا هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ فَهُوَ أَن قُرَيْش أَصَابَتْهُم سنة فنالت مِنْهُم فارتحل هَاشم بن عبد منَاف وَكَانَ اسْمه

(1/179)


عمرا إِلَى الشَّام فأوقر عيرًا لَهُ من الكعك والفتيت فَقدم بهَا مَكَّة وَنحر الْإِبِل فأطبخ لحومها ثمَّ هشم ذَلِك الكعك والفتيت فَاتخذ مِنْهُ الثَّرِيد فأطعمه النَّاس حَتَّى أحيوا فَسُمي بذلك هاشما
وَقَوله مسنتون أَي أَصَابَتْهُم السّنة وَهِي المجاعة
وَقَوله تناقلا فِي الْمُفَاخَرَة المناقلة فِي الْكَلَام أَن يَقُول هَذَا مرّة وَيَقُول هَذَا مرّة فيتداولا القَوْل بَينهمَا
وَأما قَوْله نافرني إِلَى ولدك فَإِن المنافرة هِيَ المحاكمة وَاخْتلف فِي اشتقاقها فَقيل كَانُوا يتحاكمون فِي الْمُفَاخَرَة فَيَقُولُونَ للْحَاكِم بَينهم أَيّنَا أعز نَفرا وَقيل بل هُوَ من النفير لأَنهم كَانُوا ينفرون إِلَى الْحُكَّام وَتقول نافرت فلَانا فنفرني عَلَيْهِ الْحَاكِم وَكَانُوا يُعْطون الْحَاكِم شَيْئا من أَمْوَالهم فيسمونه النفارة
وَقَوله اهتبلت الفرصة أَي انتهزتها فبادرت إِلَيْهَا
وَقَول هِنْد سراة الحمس السراة جمع السّري وسراة كل شَيْء خِيَاره بِفَتْح السِّين
والحمس قُرَيْش وخزاعة وكل من قَارب بَلْدَة مَكَّة من قبائل الْعَرَب فقد تحمس لمجاورته لَهُم وأصل اللَّفْظَة الشدَّة وَهِي الحماسة فسموا حمسا لأَنهم كَانُوا ذَوي تشدد فِي نحل جاهليتهم
وَفِي بعض الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع أمرا فَصنعَ مثله

(1/180)


رجل من الْأَنْصَار فَأنْكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فعل الْأنْصَارِيّ وَقَالَ لَهُ إِنِّي أحمس يُرِيد أَن هَذَا الَّذِي فعلته أَنا مِمَّا تَفْعَلهُ الحمس دون غَيرهَا فَقَالَ الْأنْصَارِيّ وَأَنا أحمس يُرِيد أَنِّي على دينك ومتبع لَك
وسنعقب هَذَا التَّفْسِير بِذكر قبائل قُرَيْش إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقَوْلها على قديم الحرس الحرس هُوَ الدَّهْر اسْم لَهُ قَالَه الْجَوْهَرِي أَيْضا وَقَالَ قَالَ الراجز
(فِي نعْمَة عِشْنَا بِذَاكَ حرسا ... )
وَيجمع على أحرس وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(لمن طلل داثر آيَة ... تقادم فِي سالف الأحرس)
وَيُقَال أحرس فلَان بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ حرسا يَعْنِي بذلك كُله الدَّهْر
قَالَ ابْن ظفر وَقَوله صه يَا ابْنة الأكارم هِيَ لَفْظَة مَعْنَاهَا الْأَمر بِالسُّكُوتِ
وَقَوله فعبد شمس هَاشم يُرِيد أَنَّهُمَا كالشيء الْوَاحِد وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَخَوان لأَب وَأم توأمان وَقيل إِن أَحدهمَا خرج من بطن أمه وإصبعه ملتصقة بجبهة أَخِيه فنحيت الْأصْبع فقطرت من الْموضع قطرات من دم فتعيفوا ذَلِك وكرهوه وَقَالَ من تكهن مِنْهُم سَيكون بَينهمَا دم فَكَانَت الْمَلَاحِم الْمَشْهُورَة بَين بني أُميَّة وَبني هَاشم

(1/181)


وَقَوله كغربي صارم الْغرْبَان هما الحدان والصارم السَّيْف الْقَاطِع وَالْمعْنَى هما كحدي السَّيْف لَا فضل لأَحَدهمَا على الآخر وَهَذَا حسن من القَوْل جدا وَمِمَّا لم يسْبق إِلَيْهِ فِيمَا علمت أَلا ترى أَنه لَو قَالَ هما كالعينين فِي الرَّأْس أَو كاليدين فِي الْجَسَد لأمكن أَن يُقَال أَيَّتهمَا الْيُمْنَى وَلَقَد اجْتهد هرم بن قُطْبَة الْفَزارِيّ فِي التَّسْوِيَة بَين عَامر بن الطُّفَيْل وعلقمة بن علاثة حِين تنافرا إِلَيْهِ فَقَالَ هما كركبتي الْبَعِير الأورق أَو قَالَ الآدم تقعان إِلَى الأَرْض مَعًا فَقيل لَهُ أَيَّتهمَا الْيُمْنَى فَلم يحر جَوَابا
وَقد شجر قَول مُعَاوِيَة هَذَا أَعنِي فعبد شمس هَاشم بعض بني أُميَّة هُوَ آدم بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ هَذِه الثَّلَاثَة الأبيات فِي قصيدة لَهُ قَالَهَا للمهدي
ذكره مُحَمَّد بن مَرْوَان الْقرشِي السعيدي من ولد سعيد بن الْعَاصِ فِي أَخْبَار مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَزَاد فِيهِ فَبلغ بِهِ غَايَة الْحسن وَالْأَدب وَذَلِكَ أَنه عرض للرشيد رَحمَه الله فِي طَرِيقه فَأعْطَاهُ رقْعَة فَأصَاب فِيهَا
(يَا أَمِين الله إِنِّي قَائِل ... قَول ذِي صدق ولب وَحسب)

(1/182)


(لكم الْفضل علينا وَلنَا ... بكم الْفضل على كل الْعَرَب)
(عبد شمس كَانَ يَتْلُو هاشما ... وهما بعد لأم ولأب)
(فضل الْأَرْحَام منا إِنَّمَا ... عبد شمس عَم عبد الْمطلب)
فَأمر لَهُ الرشيد بأَرْبعَة آلَاف دِينَار لكل بَيت مِنْهَا ألف وَقَالَ لَو زِدْت لزدناك فسلك أسلوب التَّسْوِيَة سلوكا ظريفا وتأدب بتفضيل هَاشم
وَأما قبائل قُرَيْش

فَمِنْهَا بَنو هَاشم بن عبد منَاف ابْن قصي مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِ
وَمِنْهَا بَنو أُميَّة ابْن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان
وَمِنْهَا بَنو عبد الدَّار بن قصي مِنْهُم بَنو شيبَة حجبة الْكَعْبَة شرفها الله
وَمِنْهَا بَنو الْمطلب بن قصي مِنْهُم الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم خَدِيجَة بنت خويلد زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمِنْهَا بَنو زهرَة بن كلاب بن مرّة أَخُو قصي بن كلاب مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف

(1/183)


وَسعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنْهُمَا وَمِنْهُم آمِنَة أم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمِنْهَا بَنو تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ
وَمِنْهَا بَنو عدي بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب مِنْهُم عمر الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم سعيد بن زيد رَضِي الله عَنهُ
وَمِنْهَا بَنو مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب
وَمِنْهَا بَنو سهم وَبَنُو أَخِيه جمح ابْني عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب فَمن بني سهم عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ
وَمِنْهَا بَنو حسل بن عَامر بن لؤَي بن غَالب مِنْهُم سُهَيْل بن عَمْرو
وَمِنْهَا بَنو هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث بن فهر بن مَالك بن النَّضر مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ
فَهَؤُلَاءِ قُرَيْش البطاح سموا بذلك لأَنهم دخلُوا بطحاء مَكَّة مَعَ قصي فأقاموا بهَا مَعَ من وَلَده قصي وَلم يكن قبلهم أحد يجترئ على أَن يسكن بمجاورة الْكَعْبَة حَتَّى افْتتح ذَلِك قصي وَكَانَت قُرَيْش تهيبت أَن تُطِيعهُ فِي ذَلِك وخافت أَن تنكر الْعَرَب عَلَيْهَا سكناهَا عِنْد الْكَعْبَة فَلَمَّا كَانَ وَقت الْحَج نحر قصي على طرقات الحجيج الْإِبِل وَنحر أَيْضا بِمَكَّة وصنع الثَّرِيد فأوسع الحجيج إطعاما وسقيا وَهُوَ أول من أطْعم الْحَاج وسقاهم فَقَالَ راجزهم فِي ذَلِك
(آب الحجيج طاعمين دسما ... بَحر الحسا مستحقبين الشحما)
(أوسعهم زيد قصي لَحْمًا ... ولبنا مَحْضا وخبزا هشما)

(1/184)


وَمن قُرَيْش أَيْضا قُرَيْش الظَّوَاهِر وهم الَّذين لزموا ظَاهر الْحرم فأقاموا ببادية مَكَّة وَلم يدخلُوا بطحاءها مَعَ قصي فَمنهمْ بَنو معيص بن عَامر بن لؤَي بن غَالب وَمِنْهُم بَنو الأدرم بن غَالب والأدرم لقب فهم بَنو تيم عَن غَالب أخي لؤَي بن غَالب وَمِنْهُم بَنو محَارب والْحَارث وَلَدي فهر بن مَالك بن النَّضر سوى بني هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث الَّذين ذكرنَا أَنهم دخلُوا الْبَطْحَاء فأوطنوها فَهَؤُلَاءِ قُرَيْش الظَّوَاهِر
وَمن قُرَيْش أَيْضا قبائل لَيست بأبطحية وَلَا ظاهرية فَمنهمْ بَنو سامة بن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا بعمان وَمِنْهُم بَنو خُزَيْمَة ابْن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا ببني شَيبَان وَمِنْهُم بَنو سعد بن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا ببني شَيبَان أَيْضا وَمِنْهُم بَنو عَوْف بن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا بغطفان
فهولاء لَيْسُوا بحمس وَكَانَت للحمس أُمُور جَاهِلِيَّة شرعوها لأَنْفُسِهِمْ واختصوا بهَا دون غَيرهم على معنى التدين لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكرهَا
وَبعد فقد آن رجوعنا إِلَى مَقْصُود الْكتاب قَالَ ابْن عبد الْبر توفّي مُعَاوِيَة رَحمَه الله بِدِمَشْق يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من رَجَب سنة تسع وَخمسين وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَذكر غير ذَلِك

(1/185)


41 - معيقيب بن أبي فَاطِمَة
مولى سعيد بن الْعَاصِ ويزعمون أَنه دوسي حَلِيف لآل سعيد ابْن الْعَاصِ أسلم قَدِيما بِمَكَّة وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة وَقدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فِي السفينتين
وَكَانَ على خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتَعْملهُ أَبُو بكر وَعمر على بَيت المَال
وَنزل بِهِ دَاء الجذام فعولج مِنْهُ بِأَمْر عمر بالحنظل فتوقف أمره
وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث قَالَه ابْن عبد الْبر
قلت روينَا عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ فيهمَا غَيره عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن معيقيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة
قَالَ ابْن عبد الْبر عَن أبي رَاشد مولى معيقيب قَالَ قلت لمعيقيب مَالِي لَا أسمعك تحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يحدث غَيْرك فَقَالَ أما وَالله إِنِّي لمن أقدمهم صُحْبَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن كَثْرَة الصمت خير من كَثْرَة الْكَلَام
توفّي فِي آخر خلَافَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَقيل بل توفّي سنة أَرْبَعِينَ فِي آخر خلَافَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ السُّهيْلي ذكره عمر بن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ
وَقَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي معيقيب بن أبي فَاطِمَة الدوسي ذكره ابْن عَسَاكِر وَابْن الْأَثِير وَشَيخنَا الدمياطي وَالله سُبْحَانَهُ أعلم

(1/186)


42 - الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ
ابْن أبي عَامر بن مَسْعُود بن معتب بن مَالك بن كَعْب ابْن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن قسي وَهُوَ ثَقِيف يكنى أَبَا عبد الله وَقيل أَبَا عِيسَى وَأمه امْرَأَة من نصر بن مُعَاوِيَة
أسلم عَام الخَنْدَق وَقدم مُهَاجرا وَقيل أول مشاهده الْحُدَيْبِيَة
كَانَ رجلا طوَالًا ذَا هَيْبَة أَعور أُصِيبَت عينه يَوْم اليرموك قَالَ ابْن عبد الْبر
وَقَالَ روى مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ دهاة الْعَرَب أَرْبَعَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعَمْرو بن الْعَاصِ والمغيرة بن شُعْبَة وَزِيَاد فَأَما مُعَاوِيَة فللأناة والحلم وَأما عَمْرو فللمعضلات وَأما الْمُغيرَة فللمبادهة وَأما زِيَاد فللصغير وَالْكَبِير
وَيَقُولُونَ إِن قيس بن سعد بن عبَادَة لم يكن فِي الدهاء بِدُونِ هَؤُلَاءِ مَعَ كرم كَانَ فِيهِ وَفضل
وَعَن نَافِع قَالَ أحصن الْمُغيرَة بن شُعْبَة ثَلَاثمِائَة امْرَأَة فِي الْإِسْلَام
قَالَ ابْن وضاح وَقيل ألف

(1/187)


وولاه عمر الْكُوفَة فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن عَزله عُثْمَان وَاعْتَزل صفّين فَلَمَّا كَانَ حِين الْحكمَيْنِ لحق بِمُعَاوِيَة فَلَمَّا قتل عَليّ وَصَالح مُعَاوِيَة الْحسن وَدخل الْكُوفَة ولاه عَلَيْهَا
وَلما قتل عُثْمَان وَبَايع النَّاس عليا رَضِي الله عَنْهُمَا دخل عَلَيْهِ الْمُغيرَة فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لَك عِنْدِي نصيحة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ إِن أردْت أَن يَسْتَقِيم لَك الْأَمر فَاسْتعْمل طَلْحَة بن عبيد الله على الْكُوفَة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام على الْبَصْرَة وَابعث إِلَى مُعَاوِيَة بعهده إِلَى الشَّام حَتَّى تلْزمهُ طَاعَتك فَإِذا اسْتَقَرَّتْ لَك الْخلَافَة فأدرها كَيفَ شِئْت بِرَأْيِك فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أما طَلْحَة وَالزُّبَيْر فسأرى رَأْيِي فيهمَا وَأما مُعَاوِيَة فَلَا وَالله لَا أَرَانِي الله مُسْتَعْملا وَلَا مستعينا بِهِ مَا دَامَ على حَاله وَلَكِنِّي أَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُول فِيمَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ فَإِن أَبى حاكمته إِلَى الله تَعَالَى فَانْصَرف عَنهُ الْمُغيرَة مغضبا لما لم يقبل مِنْهُ نصيحته
فَلَمَّا كَانَ الْغَد أَتَى فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نظرت فِيمَا قلت لَك بالْأَمْس وَمَا جاوبتني بِهِ فَرَأَيْت أَنَّك قد وفقت للخير وَطلب الْحق ثمَّ خرج عَنهُ فَلَقِيَهُ الْحسن رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ خَارج فَقَالَ لِأَبِيهِ مَا قَالَ لَك هَذَا الْأَعْوَر فَقَالَ أَتَانِي أمس

(1/188)


بِكَذَا وأتاني الْيَوْم بِكَذَا فَقَالَ نصح لَك وَالله أمس وخدعك الْيَوْم
وَقَالَ الْمُغيرَة فِي ذَلِك
(نصحت عليا فِي ابْن هِنْد نصيحة ... فَرد فَلَا يسمع لَهَا الدَّهْر ثَانِيَة)
(وَقلت لَهُ أرسل إِلَيْهِ بعهده ... على الشَّام حَتَّى يسْتَقرّ مُعَاوِيَة)
(وَيعلم أهل الشَّام أَن قد ملكته ... فَأم ابْن هِنْد عِنْد ذَلِك هاويه)
(وتحكم فِيهِ مَا تُرِيدُ فَإِنَّهُ ... لداهية فارفق بِهِ وَابْن داهية)
(فَلم يقبل النصح الَّذِي جِئْته بِهِ ... وَكَانَت لَهُ تِلْكَ النَّصِيحَة كَافِيَة)
توفّي الْمُغيرَة سنة خمسين من الْهِجْرَة بِالْكُوفَةِ وَهُوَ وَال عَلَيْهَا لمعاوية واستخلف عَلَيْهَا ابْنه عُرْوَة
ووقف على قَبره مصقلة بن هُبَيْرَة الشَّيْبَانِيّ فَقَالَ
(إِن تَحت الْأَحْجَار حزما وجودا ... وخصيما ألدذا معلاق)

(1/189)


حَيَّة فِي الوجار أَرْبَد لَا ينفع مِنْهُ السَّلِيم نفث الراقي
ثمَّ قَالَ أما وَالله لقد كنت شَدِيد الْعَدَاوَة لمن عاديت شَدِيد الْأُخوة لمن آخيت
قَالَ السُّهيْلي ذكره ابْن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ وَذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَغَيره فِي الْكتاب أَيْضا
43 - يزِيد بن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب
رفعنَا نسبه عِنْد ذكر أَبِيه كَانَ أفضل بني أبي سُفْيَان كَانَ يُقَال لَهُ يزِيد الْخَيْر
أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنينا وَأَعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَنَائِم حنين مائَة بعير وَأَرْبَعين أُوقِيَّة وَزنهَا لَهُ بِلَال
وَاسْتَعْملهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وأوصاه وَخرج متبعه رَاجِلا
وَلما اسْتخْلف عمر رَضِي الله عَنهُ ولاه على فلسطين وناحيتها
فَلَمَّا

(1/190)


مَاتَ فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة اسْتخْلف أَخَاهُ مُعَاوِيَة فأقره عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَه ابْن عبد الْبر
وَقَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي صَاحب شرح السِّيرَة ذكره أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كِتَابه السِّيرَة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْن عبد الْبر وَابْن عبد ربه وَذكره ابْن سعد
44 - رجل من بني النجار
قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي ذكره ابْن دحْيَة وَأَنه تنصر وَأظْهر الله فِيهِ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معْجزَة حِين دفن وألقته الأَرْض وَذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقد تقدم خَبره فِي تَرْجَمَة السّجل من حرف السِّين
يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا مَا بلغ إِلَيْهِ علمي مِمَّن كتب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْبَحْث والتتبع لما أوردهُ عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن رَحِمهم الله نَحوا من أَربع سِنِين
وجملتهم أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ كَاتبا رَضِي الله عَنْهُم ونفعنا بمحبتهم وحشرنا فِي زمرتهم وَجَعَلنَا من التَّابِعين لسنتهم وَسنَن متبوعهم نَبِي الرَّحْمَة وشفيع الْأمة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهَذَا أَوَان البدأة برسله والملوك الْمُرْسل إِلَيْهِم على تَرْتِيب مَا تقدم

(1/191)


وَكتبه إِلَى من أسلم وَمن لم يسلم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب

(1/192)