المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي

فصل فِي خبر عمَارَة بن الْوَلِيد مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ وسحره حَتَّى مَاتَ مَعَ الْوَحْش فِي الْبَريَّة

روى ابْن الْجَوْزِيّ بِسَنَدِهِ فِي تنوير الغبش عَن مُصعب بن عبد الله قَالَ لما أرسلهما قومهما إِلَى النَّجَاشِيّ يَعْنِي عمرا وَعمارَة راسل عمَارَة جَارِيَة لعَمْرو كَانَت مَعَه حَتَّى صغت إِلَيْهِ فَاطلع على ذَلِك عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ
(تعلم عمار أَن من شَرّ شِيمَة ... لمثلك أَن يدعى ابْن عَم لَهُ ابْن مَا)
(أإن كنت ذَا بردين أحوى مرجلا ... فلست تراني لِابْنِ عمك محرما)

(2/52)


بعلامة أستدل بهَا على مَا ذكرت فَعَاد عمَارَة وَأخْبر عمرا بأَمْره وَأمر زَوْجَة النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُ عَمْرو لَا أقبل هَذَا مِنْك إِلَّا بِأَن لَا ترْضى مِنْهَا إِلَّا بِأَن تعطيك من دهن الْملك الَّذِي لَا يدهن بِهِ غَيره فكلمها عمَارَة فِي الدّهن فَقَالَت أَخَاف من الْملك فَأبى أَن يرضى عَنْهَا حَتَّى تعطيه من ذَلِك الدّهن فَأَعْطَتْهُ مِنْهُ فَأعْطَاهُ عمرا فجَاء بِهِ إِلَى النَّجَاشِيّ فَدَعَا بسحرة فسحروه ونفخوا فِي إحليله فَذهب مَعَ الْوَحْش وَلزِمَ الْبَريَّة وَفَارق الْإِنْس وهام فَلم يزل متوحشا يرد مَاء فِي جَزِيرَة بِأَرْض الْحَبَشَة حَتَّى خرج إِلَيْهِ عبد الله بن أبي ربيعَة فِي جمَاعَة من أَصْحَابه فرصده على المَاء فَأَخذه فَجعل يَصِيح أَرْسلنِي فَإِنِّي أَمُوت إِن أمسكتني فأمسكه فَمَاتَ فِي يَده أوردهُ السُّهيْلي وَزَاد فِيهِ أَيْضا قَالَ وَمِمَّنْ ذكر قصَّة عمَارَة بِطُولِهَا أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ وَذكر أَن عَمْرو بن الْعَاصِ سَافر بامرأته فَلَمَّا ركبُوا الْبَحْر وَكَانَ عمَارَة قد هوى امْرَأَة عَمْرو وهويته فعزم على دفع عَمْرو فِي الْبَحْر أَو كَانَ ذَلِك من عمَارَة عَن غير قصد

(2/54)


فَسقط فِي الْبَحْر فسبح عَمْرو ونادى أَصْحَاب السَّفِينَة فَأَخَذُوهُ ورفعوه إِلَى السَّفِينَة فأضمرها عَمْرو فِي نَفسه وَلم يبدها لعمارة بل قَالَ لامْرَأَته قبلي ابْن عمك عمَارَة لتطيب بذلك نَفسه فَلَمَّا أَتَيَا أَرض الْحَبَشَة مكر بِهِ عَمْرو وَقَالَ لَهُ إِنِّي قد كتبت إِلَى بني سهم ليبرؤا من دمي لَك فَاكْتُبْ أَنْت لبني مَخْزُوم ليبرؤا من دمك لي حَتَّى تعلم قُرَيْش أَنا قد تصافينا فَلَمَّا كتب عمَارَة إِلَى بني مَخْزُوم وتبرؤا من دَمه لبني سهم قَالَ شيخ من قُرَيْش قتل عمَارَة وَالله وَعلم أَنه مكر من عَمْرو ثمَّ أَخذ عَمْرو يحرض عمَارَة على التَّعَرُّض لامْرَأَة النَّجَاشِيّ وَقَالَ لَهُ أَنْت امْرُؤ جميل وَهن النِّسَاء يحببن الْجمال من الرِّجَال فلعلها أَن تشفع لنا عِنْد الْملك فِي قَضَاء حاجتنا فَفعل عمَارَة فَلَمَّا رأى عَمْرو ذَلِك وتكرر عمَارَة على امْرَأَة الْملك وَرَأى بانابتها إِلَيْهِ أَتَى الْملك متنصحا وجاءه بأمارة عرفهَا الْملك قد كَانَ عمَارَة أطلع عمرا عَلَيْهَا فَأَدْرَكته غيرَة الْملك وَقَالَ لَوْلَا أَنه جاري لقتلته وَلَكِن سأفعل بِهِ مَا هُوَ شَرّ من الْقَتْل فَدَعَا بالسواحر فأمرهن أَن يسحرنه فنفخن فِي إحليله نفخة طَار مِنْهَا هائما على وَجهه حَتَّى لحق بالوحش فِي الْجبَال وَكَانَ يرى آدَمِيًّا فيفر مِنْهُ وَكَانَ ذَلِك آخر الْعَهْد بِهِ إِلَى زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فجَاء ابْن عَمه عبد الله بن

(2/55)


أبي ربيعَة إِلَى عمر واستأذنه فِي الْمسير إِلَيْهِ لَعَلَّه يجده فَأذن لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ فَسَار عبد الله إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَأكْثر النِّشْدَة عَنهُ والفحص عَن أمره حَتَّى أخبر أَنه فِي جبل يرد مَعَ الْوَحْش إِذا وَردت ويصدر مَعهَا إِذا صدرت فَسَار إِلَيْهِ حَتَّى كمن لَهُ فِي طَرِيقه إِلَى المَاء فَإِذا هُوَ قد غطاه شعره وطالت أَظْفَاره وتمزقت عَلَيْهِ ثِيَابه كَأَنَّهُ شَيْطَان فَقبض عَلَيْهِ عبد الله وَجعل يذكرهُ بالرحم ويستعطفه وَهُوَ ينتفض مِنْهُ وَيَقُول أَرْسلنِي يَا بحير وَكَانَ اسْم عبد الله فِي الْجَاهِلِيَّة بحيرا فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله قَالَ وَأبي عبد الله أَن يُرْسِلهُ حَتَّى مَاتَ بَين يَدَيْهِ
فصل فِي ذكر توجه عَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْمرة الثَّانِيَة إِلَى النَّجَاشِيّ وإسلامه عِنْده ورجوعه إِلَى الْمَدِينَة ولقائه خَالِد بن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي وإسلامهم

قَالَ الْوَاقِدِيّ فِي الْمَغَازِي قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ كنت لِلْإِسْلَامِ

(2/56)


مجانبا معاندا فَحَضَرت بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين فنجوت ثمَّ حضرت أحدا فنجوت ثمَّ حضرت الخَنْدَق فَقلت فِي نَفسِي كم أوضع وَالله لَيظْهرَن مُحَمَّد على قُرَيْش فلحقت بِمَالي بالوهط قَالَ الْبكْرِيّ فِي المعجم الوهط بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده طاء مُهْملَة هُوَ الْمَكَان المطمئن وَبِذَلِك سمي مَال عَمْرو بن الْعَاصِ بِالطَّائِف وَحدث سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن مولى لعَمْرو بن الْعَاصِ أَن عمرا أَدخل فِي تعريش الوهط ألف ألف عود قَامَ كل عود بدرهم فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو من يَأْخُذ مَال مصرين يَجعله فِي وهطين وَيُصلي سعير نارين قَالَ عَمْرو وأفلت يَعْنِي من النَّاس فَلم أحضر الْحُدَيْبِيَة وَلَا صلحها وَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصُّلْحِ وَرجعت قُرَيْش إِلَى مَكَّة فَجعلت أَقُول يدْخل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَابلا مَكَّة بِأَصْحَابِهِ مَا مَكَّة بمنزل وَلَا الطَّائِف وَمَا شَيْء خير من الْخُرُوج وَأَنا بعد ناء عَن الْإِسْلَام أرى لَو أسلمت قُرَيْش كلهَا لم أسلم فَقدمت مَكَّة فَجمعت رجَالًا من قومِي كَانُوا يرَوْنَ رَأْيِي ويسمعون مني ويقدموني فِيمَا نابهم فَقلت لَهُم كَيفَ أَنا فِيكُم قَالُوا ذُو رَأينَا ومدرهنا المدره لِسَان الْقَوْم والمتكلم عَنهُ قَالَه ابْن فَارس مَعَ يمن نفس وبركة

(2/57)


أَمر فَقلت تعلمن وَالله إِنِّي لأرى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرا يَعْلُو الْأُمُور علوا مُنْكرا وَإِنِّي قد رَأَيْت رَأيا قَالُوا مَا هُوَ قلت نلحق بالنجاشي فنكون عِنْده فَإِن كَانَ يظْهر مُحَمَّد كُنَّا عِنْد النَّجَاشِيّ فنكون تَحت يَده أحب إِلَيْنَا من أَن نَكُون تَحت يَد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن تظهر قُرَيْش فَنحْن من قد عرفُوا قَالُوا هَذَا الرَّأْي قَالَ فاجمعوا مَا تهدونه لَهُ وَكَانَ أحب مَا يهدي إِلَيْهِ من أَرْضنَا الْأدم قَالَ فجمعنا أدما كثيرا ثمَّ خرجنَا حَتَّى قدمنَا على النَّجَاشِيّ فوَاللَّه إِنَّا لعنده إِذْ جَاءَهُ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَيْهِ بِكِتَاب كتبه إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ ثمَّ خرج من عِنْده فَقلت لِأَصْحَابِي هَذَا عَمْرو بن أُميَّة وَلَو قد دخلت على النَّجَاشِيّ فأعطانيه فَضربت عُنُقه فَإِذا فعلت ذَلِك سررت قُريْشًا وَكنت قد أَجْزَأت عَنْهَا حِين قتلت رَسُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَدخلت على النَّجَاشِيّ فسجدت لَهُ كَمَا كنت أصنع فَقَالَ مرْحَبًا بصديقي أهديت لي من بلادك شَيْئا فَقلت نعم أهديت لَك أدما

(2/58)


كثيرا فقربته إِلَيْهِ فأعجبه وَفرق مِنْهُ أَشْيَاء بَين بطارقته وَأمر بسائره فَأدْخل فِي مَوضِع وَأمر أَن يكْتب وَأَن يحْتَفظ بِهِ قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت طيب نَفسه قلت أَيهَا الْملك إِنِّي قد رَأَيْت رجلا خرج من عنْدك وَهُوَ رَسُول رجل عَدو لنا قد وترنا وَقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فَأَقْتُلهُ فَرفع يَده فَضرب بهَا أنفي ضَرْبَة ظَنَنْت أَنه كَسره وابتدر الدَّم من منخري فَجعلت أتلقى الدَّم بثيابي وأصابني من الذل مَا لَو انشقت الأَرْض دخلت فِيهَا فرقا مِنْهُ ثمَّ قلت لَهُ أَيهَا الْملك لَو ظَنَنْت أَنَّك تكره مَا قلت مَا سَأَلتك قَالَ واستحيى وَقَالَ يَا عَمْرو تَسْأَلنِي أُعْطِيك رَسُول رَسُول الله من يَأْتِيهِ الناموس الْأَكْبَر الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَعِيسَى بن مَرْيَم لتقتله الناموس عِنْد أهل الْكتاب جِبْرِيل قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ عَمْرو وَغير الله قلبِي عَمَّا كنت عَلَيْهِ وَقلت فِي نَفسِي عرف هَذَا الْحق الْعَرَب والعجم وتخالف أَنْت ثمَّ قلت وَتشهد أَيهَا الْملك بِهَذَا قَالَ نعم أشهد بِهِ عِنْد الله يَا عَمْرو فأطعني وَاتبعهُ وَالله إِنَّه لعلى الْحق وليظهرن على كل من خَالفه كَمَا ظهر مُوسَى على فِرْعَوْن وَجُنُوده قلت أفتبايعني

(2/59)


على الْإِسْلَام قَالَ نعم فَبسط يَده فَبَايَعته على الْإِسْلَام ودعا لي بطست فَغسل عني الدَّم وكساني ثيابًا وَكَانَت ثِيَابِي قد امْتَلَأت من الدَّم فألقيتها ثمَّ خرجت إِلَى أَصْحَابِي فَلَمَّا رَأَوْا كسْوَة الْملك سروا بذلك وَقَالُوا هَل أدْركْت من صَاحبك مَا أردْت فَقلت لَهُم كرهت أَن ُأكَلِّمهُ فِي أول مرّة وَقلت أَعُود إِلَيْهِ قَالُوا الرَّأْي مَا رَأَيْت وفارقتهم كَأَنِّي أعمد لحَاجَة فعمدت إِلَى مَوضِع السفن فأجد سفينة قد شحنت تدفع فركبت مَعَهم ودفعوها حَتَّى انْتَهوا إِلَى الشعيبة وَخرجت من السَّفِينَة وَمَعِي نَفَقَة فابتعت بَعِيرًا وَخرجت أُرِيد الْمَدِينَة حَتَّى خرجت على مر الظهْرَان ثمَّ مضيت حَتَّى إِذا كنت بالهدأة إِذا رجلَانِ قد سبقاني بِغَيْر كثير يُريدَان منزلا وَأَحَدهمَا دَاخل فِي خيمة وَالْآخر قَائِم يمسك الراحلتين فَنَظَرت فَإِذا خَالِد بن الْوَلِيد فَقلت أَبَا سُلَيْمَان قَالَ نعم قلت أَيْن تُرِيدُ قَالَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل النَّاس فِي الْإِسْلَام فَلم يبْق أحد بِهِ طمع وَالله لَو أَقَمْنَا لأخذ برقابنا كَمَا يُؤْخَذ بِرَقَبَة الضبع فِي مغارتها قلت وَأَنا وَالله قد أردْت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(2/60)


وَأَرَدْت الْإِسْلَام وَخرج عُثْمَان بن طَلْحَة فَرَحَّبَ بِي فنزلنا جَمِيعًا فِي الْمنزل ثمَّ ترافقنا حَتَّى قدمنَا الْمَدِينَة
وَفِي رِوَايَة فَلَقِيت خَالِدا قبيل الْفَتْح وَهُوَ مقبل من مَكَّة فَقلت إِلَى أَيْن يَا أَبَا سُلَيْمَان قَالَ لقد استقام المنسم وَإِن الرجل لنَبِيّ اذْهَبْ وَالله وَأسلم فحتى مَتى المنسم بِفَتْح الْمِيم وبالنون وَكسر السِّين مقدم خف الْبَعِير وَفِي النعامة أَيْضا كنى بِهِ عَن الطَّرِيق المتوجه بِهِ فِيهِ يُقَال من أَيْن منسمك أَي من أَيْن وجهتك وبكسر الْمِيم وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الْعَلامَة قَالَه الْجَوْهَرِي
قَالَ ابْن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَكَانَ أسلم قبل أَخِيه خَالِد وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمْرَة الْقَضِيَّة وَكتب إِلَى أَخِيه خَالِد وَكَانَ خَالِد خرج من مَكَّة فَارًّا لِئَلَّا يرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِمَكَّة كَرَاهَة الْإِسْلَام فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد عَنهُ وَقَالَ لَو أَتَانَا لأكرمناه وَمَا مثله سقط عَلَيْهِ الْإِسْلَام فِي عقله فَكتب بذلك الْوَلِيد إِلَى أَخِيه خَالِد فَوَقع الْإِسْلَام فِي قلبه وَكَانَ سَبَب هجرته

(2/61)


قَالَ الْوَاقِدِيّ قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة مَا أنسى قَول رجل لَقينَا ببئر أبي عنبة يَصِيح يَا رَبَاح يَا رَبَاح فتفاءلنا بقوله وسررنا ثمَّ نظر إِلَيْنَا فأسمعه يَقُول قد أَعْطَتْ مَكَّة المقادة بعد هذَيْن فَظَنَنْت أَنه يعنيني وَيَعْنِي خَالِد بن الْوَلِيد ثمَّ ولى مُدبرا إِلَى الْمَسْجِد سَرِيعا فَظَنَنْت أَنه يبشر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدومنا فَكَانَ كَمَا ظَنَنْت وأنخنا بِالْحرَّةِ فلبسنا من صَالح ثيابنا وَنُودِيَ بالعصر فَانْطَلَقْنَا جَمِيعًا حَتَّى طلعنا عَلَيْهِ صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه وَإِن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ قد رمتكم مَكَّة بأفلاذ كَبِدهَا قَالَ الْجَوْهَرِي الفلد كبد الْبَعِير وَالْجمع أفلاذ والفلذة الْقطعَة من الكبد وَاللَّحم وَالْمَال وَغَيرهَا وَتقدم خَالِد بن الْوَلِيد فَبَايع ثمَّ تقدم عُثْمَان بن طَلْحَة فَبَايع ثمَّ تقدّمت فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن جَلَست بَين يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا اسْتَطَعْت أَن أرفع طرفِي إِلَيْهِ حَيَاء مِنْهُ فَبَايَعته على أَن يغْفر لي مَا تقدم من ذَنبي وَلم يحضرني مَا تَأَخّر

(2/62)


وَفِي رِوَايَة عَن أبي بكر الْخَطِيب بِإِسْنَاد يرفعهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يقدم عَلَيْكُم اللَّيْلَة رجل حَكِيم فَقدم عَمْرو ابْن العَاصِي مُهَاجرا قَالَ عَمْرو فِي قدومه مَعَ خَالِد وَعُثْمَان بن طَلْحَة قَالَ وَكنت أسن مِنْهُمَا فَأَرَدْت أَن أكيدهما فقدمتهما قبلي لِلْبيعَةِ فبايعا واشترطا أَن يغْفر مَا تقدم من ذنبهما فأضمرت فِي نَفسِي أَن أبايع على مَا تقدم وَمَا تَأَخّر فَلَمَّا بَايَعت ذكرت مَا تقدم وأنسيت أَن أَقُول وَمَا تَأَخّر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَمْرو بَايع فَإِن الْإِسْلَام يجب وَفِي رِوَايَة يحت مَا كَانَ قبله وَإِن الْهِجْرَة تجب مَا كَانَ قبلهَا قَالَ فَبَايَعته ثمَّ انصرفت وَكَانَ ذَلِك فِي صفر سنة ثَمَان من الْهِجْرَة قبل الْفَتْح بِسِتَّة أشهر وَتُوفِّي عَمْرو رَحمَه الله يَوْم الْفطر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وعمره تسعون سنة وَدفن بالمقطم وَصلى عَلَيْهِ ابْنه عبد الله
وَكَانَ من الدهاة الْمُتَقَدِّمين فِي الرَّأْي وَالْمَكْر وَكَانَ عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِذا استضعف رجلا فِي عقله ورأيه

(2/63)


قَالَ أشهد أَن خالقك وخالق عَمْرو وَاحِد يُرِيد خَالق الأضداد