المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي

وَمن الْمُلُوك الَّذين بعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَصْبَغ بن عَمْرو

قَالَ الْبكْرِيّ فِي حرف الدَّال وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا إِلَى دومة وَأمر عَلَيْهِم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وعممه بِيَدِهِ وَقَالَ أغد بِسم الله فَجَاهد فِي سَبِيل الله تقَاتل من كفر بِاللَّه وَأكْثر من ذكرى

(2/224)


عَسى الله أَن يفتح على يَديك فَإِن فتح فَتزَوج بنت ملكهم وَكَانَ الْأَصْبَغ بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن حصن بن ضَمْضَم ملكهم فَفَتحهَا وَتزَوج ابْنَته تماضر بنت الْأَصْبَغ فَهِيَ أول كلبية تزَوجهَا قرشي فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة الْفَقِيه وَهِي أُخْت النُّعْمَان بن الْمُنْذر لأمه وَكَانَ افْتِتَاح دومة صلحا وَهِي من بِلَاد الصُّلْح الَّتِي أدَّت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجِزْيَة وَكَذَلِكَ أذرح وهجر والبحران وأيلة

(2/225)


حرف الْبَاء

وَمِمَّنْ كَاتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باذان صَاحب صنعاء من الْفرس

قَالَ ابْن هِشَام عَن ابْن إِسْحَاق إِن كسْرَى أَمر باذان على الْيمن فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تقدم فِي كتَابنَا هَذَا سِيَاق ولَايَته على الْيمن فِي تَرْجَمَة كسْرَى أبرويز ملك الْفرس بِالْمَدَائِنِ وَلما بعث لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَابه مَعَ عبد الله بن حذافة السَّهْمِي رَضِي الله عَنهُ فمزقه وَبعث إِلَى باذان أَنه بَلغنِي أَن رجلا من قُرَيْش خرج بِمَكَّة يزْعم أَنه نَبِي فسر إِلَيْهِ فاستتبه فَإِن تَابَ وَإِلَّا فَابْعَثْ إِلَيّ بِرَأْسِهِ فَبعث باذان بِكِتَاب كسْرَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب إِلَيْهِ إِن الله قد وَعَدَني أَن يقتل كسْرَى فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا فِي شهر كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا أَتَى

(2/226)


باذان الْكتاب توقف لينْظر وَقَالَ إِن كَانَ نَبيا فسيكون مَا قَالَ فَقتل الله كسْرَى فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَتله ابْنه شيرويه فَلَمَّا بلغ ذَلِك باذان بعث بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام من مَعَه من الْفرس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت الرُّسُل من الْفرس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى من نَحن يَا رَسُول الله قَالَ أَنْتُم منا وإلينا أهل الْبَيْت فَمن ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلمَان منا أهل الْبَيْت قَالَ وَكَانَ على حجر بِالْيمن مَكْتُوب من الزَّمَان الأول لمن ملك دمار لحمير الأخيار لمن ملك ذمار للحبشة الأشرار لمن ملك ذمار لفارس الْأَحْرَار لمن ملك ذمار لقريش التُّجَّار وذمار وَصَنْعَاء وصعدة بِلَاد مُتَقَارِبَة بِالْيمن

(2/227)


حرف التَّاء

وَمِمَّنْ كَاتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مولده بِأَلف عَام تبع

وَفِيه ذكر التبابعة وبنيان الْكَعْبَة وَخبر مفتحها
قَالَ صَاحب الهناء الدَّائِم لمولد أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّنْ آمن بِهِ قبل رسَالَته تبع الأول وَهُوَ أحد الْخَمْسَة الَّذين ملكوا الدُّنْيَا حِين مر بِيَثْرِب وَهِي منزله فِيهَا عين مَاء فَأخْبرهُ أَرْبَعمِائَة عَالم من عُلَمَاء أهل الْكتاب وَلَهُم عَالم يرجعُونَ إِلَيْهِ أَن هَذَا مَوضِع قبر نَبِي آخر الزَّمَان الَّذِي يخرج من مَكَّة اسْمه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ إِمَام الْحق صَاحب الْقَضِيب والناقة والتاج وَصَاحب الْقُرْآن والقبلة واللواء صَاحب قَول لَا إِلَه إِلَّا الله

(2/228)


مولده بِمَكَّة وهجرته بِالْمَدِينَةِ فطوبى لمن أدْركهُ وآمن بِهِ وبينوا لَهُ مَا بَينه لَهُم من قبلهم فَآمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبنى لَهُم الْمَدِينَة من مَاله وَأعْطى كلا مِنْهُم مَالا كِفَايَته وكفاية عِيَاله وَكتب كتابا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وختمه بِالذَّهَب وَدفعه إِلَى كَبِيرهمْ مضمونه أما بعد يَا مُحَمَّد فَإِنِّي آمَنت بك وبكتابك الَّذِي ينزله الله عَلَيْك وَأَنا على دينك وسنتك آمَنت بِرَبِّك وَرب كل شَيْء وَبِكُل مَا جَاءَ من رَبك من شرائع الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَإِنِّي قبلت ذَلِك فَإِن أَدْرَكتك فبها ونعمت وَإِن لم أدركك فاشفع لي يَوْم الْقِيَامَة وَلَا تنسى فَإِنِّي من أمتك الْأَوَّلين وتابعيك قبل مجيئك وَقبل أَن يرسلك الله وَأَنا على ملتك وملة أَبِيك إِبْرَاهِيم وَختم الْكتاب وَنقش عَلَيْهِ لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله وَكتب عنوان الْكتاب إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتم النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَرَسُول رب الْعَالمين من تبع الأول حمير أَمَانَة الله فِي يَد من وَقع إِلَى أَن يَدْفَعهُ إِلَى صَاحبه

(2/229)


وَدفعه إِلَى رَئِيس الْعلمَاء الْمَذْكُورين ثمَّ وصل الْكتاب الْمَذْكُور إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَد بعض ولد الْعَالم الْمَذْكُور الَّذِي سلم إِلَيْهِ حِين هَاجر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة ثمَّ مَاتَ تبع مُؤمنا وَبَين يَوْم مَوته ومولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف سنة لَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَمن شعره فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(وَيَأْتِي بعد هم رجل عَظِيم ... نَبِي لَا يرخص فِي الْحَرَام)
(يُسمى أحمدا يَا لَيْت أَنِّي ... أعمر بعد مبعثه بعام)
قَالَ السُّهيْلي رَحمَه الله معنى تبع فِي لُغَة الْيمن الْملك الْمَتْبُوع وَقَالَ المَسْعُودِيّ لَا يُقَال للْملك تبع حَتَّى يملك الْيمن والشحر وحضرموت وَأول التبابعة الْحَارِث الرائش بن همال بن ذِي شدد وَسمي الرائش لِأَنَّهُ راش النَّاس بِمَا أوسعهم من الْعَطاء وَقسم فيهم من الْغَنَائِم وَكَانَ أول من غنم وَكَانَ مُؤمنا وَقَالَ شعرًا يُنبئ فِيهِ بمبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الْبَيْتَيْنِ لَهُ وَزَاد عَلَيْهِمَا أبياتا أخر على غير الروى
(منع الْبَقَاء تصرف الشَّمْس ... وطلوعها من حَيْثُ لَا تمسى)
(وطلوعها بَيْضَاء مشرقة ... وغروبها صفراء كالورس)

(2/230)


(تجْرِي على كبد السَّمَاء كَمَا ... يجْرِي حمام الْمَوْت فِي النَّفس)
(فاليوم أعلم مَا يجِئ بِهِ ... وَمضى بفصل قَضَائِهِ أمس)
وَقد قيل إِن هَذَا الشّعْر لتبع الآخر وَالله أعلم الورس نبت أصفر يكون بِالْيمن يصْبغ بِهِ
قَالَ وَأما العرنجج الَّذِي ذكر أَنه حمير بن سبأ فَمَعْنَاه بالحميرية الْعَتِيق وَفِي زمن تبع الْأَوْسَط وَهُوَ حسان بن تبان أسعد هما اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا كمعديكرب وتبان من التبانة وَهِي الذكاء والفطنة فِي زَمَانه كَانَ خُرُوج عَمْرو بن عَامر من الْيمن من أجل سيل العرم وَهُوَ عَمْرو مزيقيا كَانَ يمزق كل يَوْم حلَّة ابْن عَامر وَهُوَ مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة كَانَ يُقَال لَهُ ثَعْلَبَة العنقاء وكلهذم مُلُوك متوجون وعامر مَاء السَّمَاء وَهُوَ وَالِد الْأَوْس والخزرج قَالَ السُّهيْلي الْأَوْس الْعَطِيَّة والخزرج الرّيح الْبَارِدَة وَمَات عَامر مَاء السَّمَاء بِالْمَدِينَةِ بعد حربهم للروم

(2/231)


وظهورهم على كل من حَارَبُوهُ وَبعد مَوته كَانَ من أَمر الْيَهُود مَا كَانَ وانتكاث الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَينهم وَبَين الْأَوْس والخزرج وَكَانُوا نزلوها مَعَهم حِين خَرجُوا من الْيمن على شُرُوط وعهود كَانَت بَينهم فَلم يَفِ لَهُم بذلك يهود واستضاموهم فاستغاثوا بتبع فَقَدمهَا وَذكر القتبي أَنه لم يقْصد غزوها وأنما قصد قتل الْيَهُود الَّذين كَانُوا فِيهَا وَقد قيل بل كَانَ هَذَا الْخَبَر لأبي جبيلة الغساني وَأَنه الَّذِي استصرخته الْأَوْس والخزرج على يهود وَالله أعلم وَالَّذِي رَجحه السُّهيْلي وَصَوَّبَهُ خبر أبي جبيلة الغساني فَإِن تبعا حَدِيثه أقدم من ذَلِك يُقَال كَانَ قبل الْإِسْلَام بسبعمائة عَام وَالصَّحِيح فِي اسْم أبي جبيلة جبيلة غير مكنى ابْن عَمْرو بن جبلة بن جَفْنَة وجفنة هُوَ غَلَبَة بن عَمْرو بن عَامر مَاء السَّمَاء وجبيلة هُوَ جد جبلة ابْن الْأَيْهَم آخر مُلُوك بني جَفْنَة وَمَات جبيلة الغساني من علقَة شربهَا فِي مَاء وَهُوَ منصرف عَن الْمَدِينَة وَذكر أَن تبعا أَرَادَ تخريب الْمَدِينَة واستئصال الْيَهُود فَقَالَ لَهُ رجل مِنْهُم لَهُ مِائَتَان وَخَمْسُونَ سنة الْملك أجل من أَن يطير بِهِ نزق أَو يستخفه غضب وَأمره أعظم من أَن يضيق عَنَّا حلمه ونحرم صفحه

(2/232)


مَعَ أَن هَذِه الْبَلدة مهَاجر نَبِي يبْعَث بدين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ السُّهيْلي وَهَذَا الْيَهُودِيّ أحد الحبرين اللَّذين ذكر ابْن إِسْحَاق وَاسم أحد الحبرين سحيت وَالْآخر مُنَبّه ذكره قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل وَفِي رِوَايَة يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ وَاسم الحبر الَّذِي كلم الْملك بنيامن أَو بليامن بلام وَذكر أَن امْرَأَة اسْمهَا فكيهة من بني زُرَيْق كَانَت تحمل المَاء من بِئْر رومة بعد مَا قَالَ لَهُ الحبران مَا قَالَا وكف عَن قتال أهل الْمَدِينَة ودخلوا عسكره فَأعْطى فكيهة حَتَّى أغناها فَلم تزل هِيَ وعشيرتها من أغْنى الْأَنْصَار حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام وَلما آمن الْملك بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعلم بِخَبَرِهِ قَالَ
(شهِدت على أَحْمد أَنه ... نَبِي من الله باري النسم)
(فَلَو مد عمري إِلَى عمره ... لَكُنْت وزيرا لَهُ وَابْن عَم)
(وجاهدت بِالسَّيْفِ أعداءه ... وفرجت عَن صَدره كل غم)
قَالَ السُّهيْلي وَذكر أَبُو إِسْحَاق الزّجاج فِي كتاب الْمعَانِي لَهُ أَن قبرا حفر بِصَنْعَاء فَوجدَ فِيهِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا لوح من فضَّة مَكْتُوب

(2/233)


بِالذَّهَب وَفِيه هَذَا قبر لميس وحبي ابْنَتي تبع ماتتا وهما تشهدان أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وعَلى ذَلِك مَاتَ الصالحون قبلهمَا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أَدْرِي تبع لعين أم لَا وروى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تسبو تبعا فَإِنَّهُ كَانَ مُؤمنا فَإِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث الْأَخير فَإِنَّمَا هُوَ بعد مَا أعلم بِحَالهِ وَلَا نَدْرِي أَي التبابعة أَرَادَ غير أَن فِي حَدِيث معمر عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسبو أسعد الْحِمْيَرِي فَإِنَّهُ أول من كسا الْكَعْبَة فَهَذَا أصح من حَدِيث الأول وَأبين حَيْثُ ذكر فِيهِ أسعد وَهُوَ تبان أسعد الَّذِي تقدم ذكره وَقَالَ فِي بني النجار النجار هُوَ تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج سمي النجار لِأَنَّهُ نجر وَجه رجل بقدوم
قَالَ وَرُوِيَ نقلة الْأَخْبَار أَن تبعا لما عمد إِلَى الْبَيْت يُرِيد إخرابه رمي بداء تمخض مِنْهُ رَأسه قَيْحا وصديدا يثج ثَجًّا وأنتن حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يدنو مِنْهُ قيد الرمْح فَدَعَا بالحزاة والأطباء فَسَأَلَهُمْ عَن دائه فهالهم مَا رَأَوْا مِنْهُ وَلم يجد عِنْدهم فرجا فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ لَهُ الحبران لَعَلَّك هَمَمْت بِشَيْء فِي أَمر هَذَا الْبَيْت فَقَالَ نعم أردْت هَدمه فَقَالَا لَهُ تب إِلَى الله مِمَّا نَوَيْت فَإِنَّهُ بَيت الله وَحرمه

(2/234)


وأمراه بتعظيم حرمته فَفعل فبرئ من دائه وَصَحَّ من وَجَعه وأخلق بِهَذَا الْخَبَر أَن يكون صَحِيحا فَإِن الله سُبْحَانَهُ يَقُول {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} أَي وَمن يهم فِيهِ بظُلْم وَالْبَاء فِي قَوْله {بظُلْم} تدل على صِحَة الْمَعْنى وَأَن من هم فِيهِ بالظلم وَإِن لم يفعل عذب تشديدا فِي حَقه وتعظيما لِحُرْمَتِهِ وكما فعل الله بأصحاب الْفِيل أهلكهم قبل الْوُصُول إِلَى بَيته فكسا الْبَيْت الخصف جمع خصفه ينسج من الخوص والليف وَقيل ثِيَاب غِلَاظ وَقيل الْجلَال النجرانية وَقَالَ فِي كتاب الْعين الخصف لُغَة فِي الخزف والخصف بِضَم الْخَاء وَسُكُون الصَّاد هُوَ الْجَوْز قَالَه أَبُو حنيفَة
ويروى أَن تبعا لما كسا الْبَيْت المسوح والأنطاع انتفض الْبَيْت فَزَالَ ذَلِك عَنهُ وَفعل ذَلِك حِين كَسَاه الخصف فَلَمَّا كَسَاه الملاء والوصائل قبلهَا الوصائل ثِيَاب يمنية وَيُقَال إِنَّهَا برود حمر فِيهَا خطوط خضر واحدتها وصيلة وَمن قَوْله حِين كسا الْبَيْت
(وكسونا الْبَيْت الَّذِي حرم الله ... ملاء معضدا وبرودا)
(فَأَقَمْنَا بِهِ من الشَّهْر عشرا ... وَجَعَلنَا لبابه إقليدا)
(ونخرنا بِالشعبِ سِتَّة ألف ... فترى النَّاس نحوهن ورودا)
(ثمَّ سرنا عَنهُ نَؤُم سهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا)

(2/235)


وَقَالَ القتبي كَانَ قصَّة تبع قبل الْإِسْلَام بسبعمائة عَام
قَالَ السُّهيْلي رَحمَه الله وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي غير هَذَا الْموضع أول من كسا الْكَعْبَة الديباج الْحجَّاج وَذكر جمَاعَة سواهُ مِنْهُم الدَّارَقُطْنِيّ أَن نتيلة بنت جناب أم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كَانَت قد أضلت الْعَبَّاس صَغِيرا فنذرت إِن وجدته أَن تكسو الْكَعْبَة الديباج فَفعلت ذَلِك حِين وجدته وَكَانَت من بَيت مملكة وَقَالَ الزبير النسابة بل أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير
قَالَ السُّهيْلي الْأَقْيَال الْمُلُوك الَّذين دون التبابعة واحدهم قيل وَقد صرفُوا من القيل فعلا فَقَالُوا قَالَ علينا فلَان أَي ملك والقيالة الْإِمَارَة وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تسبيحه الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ التِّرْمِذِيّ سُبْحَانَ الَّذِي لبس الْعِزّ وَقَالَ بِهِ أَي ملك بِهِ وقهر هَكَذَا فسر الْهَرَوِيّ فِي الغريبين
قَالَ وَكَانَ بِنَاء الْكَعْبَة فِي الدَّهْر خمس مَرَّات الأولى حِين بناها شِيث بن آدم وَالثَّانيَِة حِين بناها إِبْرَاهِيم على الْقَوَاعِد الأولى وَالثَّالِثَة حِين بنتهَا قُرَيْش قبل الْإِسْلَام بِخَمْسَة أَعْوَام وَالرَّابِعَة حِين احترقت فِي عهد ابْن الزبير بشرارة طارت من أبي قبيس فَوَقَعت فِي أستارها وَقيل

(2/236)


إِن امْرَأَة أَرَادَت أَن تجمرها فطارت شرارة من المجمر فِي الأستار فاحترقت فَهَدمهَا وبناها وَالْخَامِسَة فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان لما قتل الْحجَّاج عبد الله بن الزبير هدمها وردهَا على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بلغه حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حِين قَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم ترى قَوْمك حِين بنوا الْكَعْبَة اقتصروا على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم حِين عجزت بهم النَّفَقَة ثمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَوْلَا حدثان عهد قَوْمك بالجاهلية لهدمتها ولجعلت لَهَا خلفا وألصقت بَابهَا بِالْأَرْضِ وأدخلت فِيهَا الْحجر فعلى مُقْتَضى حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بناها عبد الله بن الزبير على مَا ذكرت عَائِشَة فَقَالَ عبد الْملك وددت أَنِّي تركت ابْن الزبير وَمَا تحمل من ذَلِك فَلَمَّا ولي أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْخلَافَة أَرَادَ أَن يبنيها على مَا بناها ابْن الزبير فَقَالَ لَهُ مَالك بن أنس أنْشدك الله أَن تجْعَل هَذَا الْبَيْت ملعبة للملوك بعْدك لَا يَشَاء أحد أَن يُغَيِّرهُ إِلَّا غَيره فتذهب هيبته من قُلُوب النَّاس فَصَرفهُ عَن ذَلِك وَقيل إِنَّه بني فِي أَيَّام جرهم مرّة أَو مرَّتَيْنِ لِأَن السَّيْل كَانَ قد صدع حَائِطه وَلم يكن ذَلِك بنيانا على نَحْو مَا قدمْنَاهُ إِنَّمَا كَانَ إصلاحا

(2/237)


لما وَهِي مِنْهُ وجدارا بني بَينه وَبَين السَّيْل قَالَ وَكَانَت الْكَعْبَة قبل أَن يبنيها شِيث عَلَيْهِ السَّلَام خيمة من ياقوتة حَمْرَاء يطوف بهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام ويأنس بهَا لِأَنَّهَا أنزلت إِلَيْهِ من الْجنَّة
فصل فِي خبر مِفْتَاح الْكَعْبَة

وَإِن لم يكن من مَقْصُود الْكتاب وَإِنَّمَا أوردته لما فِيهِ من إِظْهَار معجزته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ السُّهيْلي ذكر ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن عُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي قَالَ كُنَّا نفتح الْكَعْبَة فِي الْجَاهِلِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَأقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا يُرِيد أَن يدْخل الْكَعْبَة مَعَ النَّاس فأغلظت لَهُ ونلت مِنْهُ فحلم عني ثمَّ قَالَ يَا عُثْمَان لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شِئْت فَقلت لَهُ هَلَكت قُرَيْش يَوْمئِذٍ وذلت قَالَ بل عمرت وعزت يَوْمئِذٍ وَدخل الْكَعْبَة فَوَقَعت كَلمته مني موقعا ظَنَنْت يَوْمئِذٍ أَن الْأَمر سيصير إِلَى مَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم فتح مَكَّة وركزت رايته بالحجون عِنْد مَسْجِد الْفَتْح ونهض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمهاجرون وَالْأَنْصَار حوله وَبَين

(2/238)


يَدَيْهِ وَخَلفه حَتَّى دخل الْمَسْجِد فَأقبل إِلَى الْحجر الْأسود فاستلمه ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ وَبِيَدِهِ قَوس وَكَانَ طَوَافه على رَاحِلَته وَلم يكن محرما يَوْمئِذٍ فاقتصر على الطّواف حول الْبَيْت وَعَلِيهِ ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنما فَجعل يطعنها بِالْقَوْسِ وَيَقُول {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} {جَاءَ الْحق وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد} والأصنام تتساقط على وجوهها وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَت مثبتة أرجلها بالرصاص وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت حول الْكَعْبَة فَكسرت كلهَا مِنْهَا اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى ونادى مناديه بِمَكَّة من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدع فِي بَيته صنما إِلَّا كَسره
قَالَ وهم فضَالة بن عُمَيْر بن الملوح أَن يقتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ فَلَمَّا دنا مِنْهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضالة قَالَ فضَالة نعم يَا رَسُول الله قَالَ مَاذَا كنت تحدث بِهِ نَفسك قَالَ لَا شَيْء كنت أذكر الله فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ اسْتغْفر الله ثمَّ وضع يَده على صَدره فسكن قلبه وَكَانَ فضَالة يَقُول وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا خلق الله شَيْئا أحب إِلَيّ مِنْهُ قَالَ فضَالة فَرَجَعت إِلَى أَهلِي فمررت بِامْرَأَة كنت أتحدث إِلَيْهَا فَقَالَت هَلُمَّ إِلَى الحَدِيث فَقلت لَا وانبعث فضَالة يَقُول

(2/239)


(قَالَت هَلُمَّ إِلَى الحَدِيث فَقلت لَا ... يَأْبَى عَلَيْك الله وَالْإِسْلَام)
(لَو قد رَأَيْت مُحَمَّدًا وقبيله ... بِالْفَتْح يَوْم تكسر الْأَصْنَام)
(لرأيت دين الله أضحى بَيْننَا ... والشرك يغشى وَجهه الأظلام)
ثمَّ دَعَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان بن طَلْحَة فَأخذ مِنْهُ مِفْتَاح الْكَعْبَة فَأمر بهَا ففتحت فَدَخلَهَا فَرَأى الصُّور فَأمر بهَا فمحيت ثمَّ صلى وَدَار فِي الْبَيْت وَكبر فِي نواحيه ووحد الله ثمَّ فتح الْبَاب وقريش قد مَلَأت الْمَسْجِد صُفُوفا ينظرُونَ مَاذَا يصنع فَأخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب وهم تَحْتَهُ فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده أَلا كل مأثرة أَو دم أَو مَال فَهُوَ تَحت قدمي هَاتين إِلَّا سدانة الْبَيْت وسقاية الْحَاج ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش إِن الله قد أذهب عَنْكُم نخوة الْجَاهِلِيَّة وتعظيمها بِالْآبَاءِ النَّاس من آدم وآدَم من تُرَاب ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة يأيها النَّاس إِنَّا خلقنكم من ذكر وَأُنْثَى الْآيَة ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش مَا ترَوْنَ أَنِّي فَاعل بكم قَالُوا بل خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم قَالَ فَإِنِّي أَقُول لكم كَمَا قَالَ يُوسُف لإخوته {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} اذْهَبُوا فَأنْتم

(2/240)


الطُّلَقَاء ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ عَليّ وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس فِي رجال من بني هَاشم ومفتاح الْكَعْبَة فِي يَده فَقَالَ يَا رَسُول الله اجْمَعْ لنا الحجابة مَعَ السِّقَايَة صلى الله عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن عُثْمَان بن طَلْحَة فدعى لَهُ فَقَالَ هاك مفتاحك يَا عُثْمَان الْيَوْم يَوْم بر ووفاء خذوها خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا ظَالِم يَا عُثْمَان إِن الله استأمنكم على بَيته فَكُلُوا مِمَّا يصل إِلَيْكُم من هَذَا الْبَيْت بِالْمَعْرُوفِ قَالَ فَلَمَّا وليت ناداني فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقَالَ ألم يكن الَّذِي قلت لَك قَالَ فَذكرت قَوْله فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الْهِجْرَة لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شِئْت فَقلت بلَى أشهد أَنَّك رَسُول الله

(2/241)


حرف الْجِيم

ذكر إرْسَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم الغساني

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم ملك غَسَّان بِالشَّام يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَكتب بِإِسْلَامِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ هَدِيَّة ثمَّ لم يزل مُسلما حَتَّى كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَطَافَ بِالْبَيْتِ فوطئ إزَاره رجل من بني فَزَارَة فانحل فَرفع جبلة يَده فَلَطَمَهُ فهشم أَنفه فاستعدى عَلَيْهِ عمر فَقَالَ لَهُ عمر إِمَّا أَن ترْضى الرجل وَإِمَّا أَن أقيده مِنْك قَالَ وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ قيل أسلم وَأهْدى هَدِيَّة كَمَا ذكرنَا وَقيل أَقَامَ على دينه إِلَى أَيَّام عمر ثمَّ أوقع الله الْإِسْلَام فِي قلبه فَأسلم وَقدم على عمر ثمَّ ارْتَدَّ

(2/242)


قَالَ السُّهيْلي قدم شُجَاع بن وهب على جبلة بن الْأَيْهَم بن الْحَارِث بن أبي شمر وَكَانَ طوله اثْنَي عشر شبْرًا وَكَانَ يمسح برجليه الأَرْض وَهُوَ رَاكب فَقَالَ لَهُ يَا جبلة إِن قَوْمك نقلوا هَذَا النَّبِي الْأُمِّي من دَاره إِلَى دَارهم يَعْنِي الْأَنْصَار فآووه ومنعوه وَأَن هَذَا الدّين الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ لَيْسَ بدين آبَائِك وَلَكِنَّك ملكت الشَّام وجاورت بهَا الرّوم وَلَو جَاوَرت كسْرَى دنت بدين الْفرس لملك الْعرَاق وَقد أقرّ بِهَذَا النَّبِي من أهل دينك من أَن فضلناه عَلَيْك لم يغضبك وَإِن فضلناك عَلَيْهِ لم يرضك فَإِن أسلمت أَطَاعَتك الشَّام وهابتك الرّوم وَإِن لم يَفْعَلُوا كَانَت لَهُم الدُّنْيَا وَلَك الْآخِرَة وَكنت قد استبدلت الْمَسَاجِد بِالْبيعِ وَالْأَذَان بالناقوس وَالْجمع بالسعانين والقبلة بالصليب وَكَانَ مَا عِنْد الله خير وَأبقى فَقَالَ لَهُ جبلة إِنِّي وَالله لَوَدِدْت أَن النَّاس اجْتَمعُوا على هَذَا النَّبِي اجْتِمَاعهم على خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَقَد سرني اجْتِمَاع قومِي لَهُ وأعجبني قَتله أهل الْأَوْثَان وَالْيَهُود واستبقاءه النَّصَارَى وَلَقَد دَعَاني قَيْصر إِلَى قتال أَصْحَابه يَوْم مُؤْتَة فأبيت عَلَيْهِ فَانْتدبَ مَالك بن نَافِلَة من سعد الْعَشِيرَة فَقتله الله وَلَكِنِّي لست أرى حَقًا يَنْفَعهُ وَلَا بَاطِلا يضرّهُ وَالَّذِي يمدني إِلَيْهِ أقوى من الَّذِي يختلجني عَنهُ وسأنظر

(2/243)


قَالَ صَاحب زبدة الفكرة وَلما أسلم فِي أَيَّام عمر كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ بِإِسْلَامِهِ ويستأذنه فِي الْقدوم عَلَيْهِ فسر عمر بذلك وَأذن لَهُ فَخرج من خمسين وَمِائَتَيْنِ من أهل بَيته حَتَّى إِذا قَارب الْمَدِينَة عمد إِلَى أَصْحَابه فحملهم على الْخَيل وقلدها قلائد الْفضة وَالذَّهَب وألبسها الديباج الْحَرِير وَوضع على رَأسه تاجه وَكَانَ فِيهِ قرطا مَارِيَة جدته فَلم يبْق بكر وَلَا عانس إِلَّا خرجت تنظر إِلَيْهِ وَإِلَى زيه فَلَمَّا دخل على عمر رَضِي الله عَنهُ رحب بِهِ وَأدنى مَجْلِسه وَأقَام بِالْمَدِينَةِ مكرما
فجَاء أَوَان الْحَج فَخرج عمر حَاجا وَخرج مَعَه فَبَيْنَمَا هُوَ يطوف بِالْبَيْتِ وَهُوَ محرم وطئ إزَاره رجل من بني فَزَارَة فانحل فَرفع جبلة يَده فلطم الْفَزارِيّ فهشم أَنفه فاستعدى عَلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ فَبعث إِلَى جبلة فَأَتَاهُ فَقَالَ لم هشمت أَنفه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه تعمد حل إزَارِي وَلَوْلَا حُرْمَة الْكَعْبَة لضَرَبْت وَجهه بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ أما أَنْت فقد أَقرَرت إِمَّا أَن ترضيه وَإِلَّا أقدته مِنْك قَالَ جبلة فيصنع بِي مَاذَا قَالَ يهشم أَنْفك كَمَا فعلت بِهِ قَالَ وَكَيف ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وهوسوقة وَأَنا ملك قَالَ إِن الْإِسْلَام جمعك وإياه فلست تفضله إِلَّا بالتقى والعافية قَالَ جبلة قد ظَنَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي أكون فِي الْإِسْلَام أعز مني فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ عمر دع عَنْك هَذَا فَإنَّك إِن لم

(2/244)


ترض الرجل أقدته مِنْك قَالَ إِذا أتنصر قَالَ إِن تنصرت ضربت عُنُقك لِأَنَّك قد أسلمت فَإِن ارتددت قتلتك فَلَمَّا رأى جبلة الصدْق من عمر قَالَ أمهلني اللَّيْلَة حَتَّى أنظر فَلَمَّا أَمْسوا أذن لَهُ عمر فِي الإنصراف
فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل تحمل هُوَ وَأَصْحَابه بخيله وَرِجَاله إِلَى الشَّام فَأَصْبَحت مَكَّة مِنْهُم بَلَاقِع وَسَار على طَرِيق السَّاحِل فَلَمَّا انْتهى إِلَى الشَّام تحمل فِي خَمْسمِائَة من قومه حَتَّى أَتَوا الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَدخل على هِرقل فَتَنَصَّرَ هُوَ وَقَومه فسر بذلك هِرقل وَظن أَنه فتح من الْفتُوح عَظِيم وأقطعه مَا شَاءَ وزوجه ابْنَته وقاسمه ملكه وَجعله من سماره وَأقَام مَدِينَة قلت هِيَ جبلة مَدِينَة فِي سَاحل الشَّام بَين طرابلس واللاذقية يذكر أَن فِيهَا قبر إِبْرَاهِيم بن أدهم دَخَلتهَا فِي عَام تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
ثمَّ إِن عمر رَضِي الله عَنهُ كتب كتابا إِلَى هِرقل فِي أَمر يخص الْمُسلمين وَبعث بِهِ مَعَ رَسُول إِلَيْهِ قيل إِن اسْمه جثامة بن مساحق الْكِنَانِي فَلَمَّا قدم الرَّسُول على هِرقل أجَاب بِمَا أَرَادَ عمر فَلَمَّا عزم الرَّسُول على الرُّجُوع قَالَ لَهُ هِرقل هَل لقِيت ابْن عمك جبلة قَالَ

(2/245)


لَا قَالَ فالقه
قَالَ فَأتيت بَاب جبلة فَرَأَيْت عَلَيْهِ من الْبَهْجَة والخدم مَا لم أره على بَاب الْملك فاستأذنت عَلَيْهِ فَأذن لي فَلَمَّا دخلت قَامَ فاعتنقني وعاتبني فِي ترك النُّزُول عَلَيْهِ وَإِذا هُوَ فِي بهو عَظِيم قَالَ الْجَوْهَرِي البهو الْبَيْت الْمُقدم أَمَام الْبيُوت على سَرِير من ذهب وَحَوله من التماثيل مَا لَا أحسن أصفه وَإِذا هُوَ أصهب ذُو سبال وَقد ذَر الذَّهَب فِي لحيته ثمَّ أَمرنِي أَن أَجْلِس على كرْسِي من ذهب فأبيت وَقلت إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا أَن نجلس على مثل هَذَا ثمَّ سَأَلَني عَن عمر رَضِي الله عَنهُ وَعَن الْمُسلمين والطف فِي الْمَسْأَلَة وألحف فِي السُّؤَال وَظهر على وَجهه آثَار الْحزن قلت فَمَا يمنعك من الرُّجُوع إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ هَيْهَات هَيْهَات بعد الَّذِي كَانَ قلت نعم ارْتَدَّ الْأَشْعَث بن قيس وجالدهم بِالسُّيُوفِ وَمنع الزَّكَاة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام وزوجه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أُخْته فَقَالَ دع عَنْك هَذَا
وَأَوْمَأَ إِلَى وصيف على رَأسه فولى وَحضر فَمَا شعرنَا إِلَّا بالصناديق تحملهَا الرِّجَال وَوضعت أمامنا مائدة من ذهب فَقلت لَا آكل عَلَيْهَا فَوضعت أَمَامِي مائدة من خلنج ومالوا علينا بالحار والبارد فِي صحاف الذَّهَب وَالْفِضَّة ودارت الْخمر فاستعففت وَغسل يَده فِي طست من ذهب
ثمَّ أَشَارَ إِلَى وصيف آخر فولي فَمَا كَانَ بأسرع من أَن أقبل عشر جوَار فَقعدَ خمس عَن يَمِينه وَخمْس عَن يسَاره على كراسي الذَّهَب

(2/246)


وَأَقْبَلت جَارِيَة وَفِي يَدهَا الْيُمْنَى جَام من ذهب فِيهِ طَائِر أَبيض وَفِي الْجَام مسك وَعَنْبَر سحيقان وَفِي يَدهَا الْأُخْرَى جَام آخر لم أر مثله فتقرب الطَّائِر فتقلب فِي الْجَام ثن انْتقل إِلَى الْجَام الآخر ثمَّ طَار فَسقط على صَلِيب فِي تَاج جبلة ثمَّ حرك جناحيه فنثر ذَلِك الْمسك على رَأس جبلة ولحيته ثمَّ شرب أقداحا واستهل واستبشر ثمَّ قَالَ للجواري أطربنني فحفقن بعيدانهن واندفعن يغنين هَذِه الأبيات
(لله در عِصَابَة نادمتهم ... يَوْمًا بجلق فِي الزَّمَان الأول)
(أَوْلَاد جَفْنَة حول قبر أَبِيهِم ... قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل)
(يسقون من ورد البريض عَلَيْهِم ... بردي يصفق بالرحق السلسل)
(بيض الْوُجُوه كَرِيمَة أحسابهم ... شم الأنوف من الطّراز الأول)
(يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل)
فطرب ثمَّ قَالَ أتعرف هَذَا الشّعْر لمن هُوَ قلت لَا قَالَ لحسان بن ثَابت قَالَه فِينَا وَفِي ملكنا قلت نعم إِنَّه لشيخ كَبِير ضَرِير ثمَّ قَالَ أطربنني فغنين
(لمن الدَّار أقفرت بمعان ... بَين فرع اليرموك فالخمان)

(2/247)


(ذَاك مغنى لآل جَفْنَة فِي الدَّهْر محاه تعاقب الْأَزْمَان ... )
قَالَ الْبكْرِيّ خمان نَاحيَة بالبثنية من أَرض الشَّام
ثمَّ قَالَ للجواري أبكينني فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن
(تنصرت الْأَشْرَاف من عَار لطمة ... وَمَا كَانَ فِيهَا لَو صبرت لَهَا ضَرَر)
(تكنفني فِيهَا لجاج ونخوة ... وبعت بهَا الْعين الصَّحِيحَة بالعور)
(فيا لَيْت أُمِّي لم تلدني وليتني ... رجعت إِلَى القَوْل الَّذِي قَالَه عمر)
(وَيَا لَيْتَني أرعى الْمَخَاض بقفرة ... وَكنت أَسِيرًا فِي ربيعَة أَو مُضر)
(وَيَا لَيْت لي بِالشَّام أدنى معيشة ... أجالس قومِي ذَاهِب السّمع وَالْبَصَر)
(أديني بِمَا دانوا بِهِ من شَرِيعَة ... وَقد يصبر الْعود الْكَبِير على الدبر)
وَانْصَرف الْجَوَارِي وَوضع كمه على وَجهه وَبكى حَتَّى نظرت إِلَى دُمُوعه تجول على خديه كَأَنَّهَا اللُّؤْلُؤ الرطب وبكيت مَعَه حَتَّى رَحمته قَالَ يَا جَارِيَة هَاتِي خَمْسمِائَة دِينَار هِرَقْلِيَّة فَجَاءَت بهَا فَقَالَ خُذْهَا لَك صلَة فَقلت لَا وَالله لَا لأقبل صلَة رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام

(2/248)


فَقَالَ اقْرَأ على عمر مني السَّلَام
قَالَ فَلَمَّا قفلت على عمر رَضِي الله عَنهُ ذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ قَاتله الله بَاعَ بَاقِيا بفان
تَفْسِير مَا فِي الشّعْر من الْغَرِيب
قَوْله عِصَابَة قَالَ الْجَوْهَرِي الْعِصَابَة الْجَمَاعَة من الْخَيل وَالنَّاس وَالطير والعصبة من الرِّجَال مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين وَقَوله بجلق قَالَ الْبكْرِيّ جلق بِكَسْر أَوله وثانيه وتشديده مَوضِع بِالشَّام مَعْرُوف وَرُوِيَ بِفَتْح اللَّام ومارية تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد ذكر الْمُقَوْقس قَوْله البريض قَالَ الْجَوْهَرِي التبرض التبلغ بالعيش وتبرضت الشَّيْء إِذا أَخَذته قَلِيلا والبرض الْقَلِيل يُقَال مَاء برض أَي قَلِيل قَوْله يصفق قَالَ ابْن فَارس صفق الشَّرَاب حوله من إِنَاء إِلَى إِنَاء وصفق الْإِبِل إِذا حولهَا من مرعى إِلَى مرعى قَوْله بالرحيق قَالَ الْجَوْهَرِي الرَّحِيق صفوة الْخمر قَوْله السلسل قَالَ الْجَوْهَرِي تسلسل المَاء فِي الْحَوْض جرى وَمَاء سلسل وسلسال سهل الدُّخُول فِي الْحلق لعذوبته وصفائه قَوْله شم الأنوف قَالَ الْجَوْهَرِي الشمم

(2/249)


ارْتِفَاع فِي قَصَبَة الْأنف مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ فَإِن كَانَ فِيهَا احديداب فَهُوَ القنا وَرجل أَشمّ الْأنف وجبل أَشمّ أَي طَوِيل الرَّأْس بَين الشمم فيهمَا أَبُو عَمْرو أَشمّ الرجل يشم إشماما وَهُوَ أَن يمر رَافعا رَأسه قَوْله من الطّراز الأول قَالَ الْجَوْهَرِي الطّراز الْهَيْئَة وَاسْتشْهدَ بِبَيْت حسان قَوْله اليرموك قَالَ الْبكْرِيّ اليرموك حَيْثُ التقى جمع الرّوم الْأَعْظَم والمسلمون وأميرهم أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ مَعْرُوف بِالشَّام قَوْله فالصمان قَالَ الْبكْرِيّ الصمان بِفَتْح أَوله وَتَشْديد ثَانِيه على وزن فعلان هُوَ جبل على طَرِيق الْبَصْرَة لمن أَرَادَ مَكَّة لَيْسَ لَهُ ارْتِفَاع سمي الصمان لصلابته قَوْله وَقد يصبر الْعود قَالَ الْجَوْهَرِي الْعود المسن من الْإِبِل وَهُوَ الَّذِي جَاوز فِي سنه البازل والمخلف وَجمعه عودة وَفِي الْمثل إِن جرجر الْعود فزده ثقلا وَيُقَال زاحم بِعُود أَو دع أَي اسْتَعِنْ على حربك بِأَهْل السن والمعرفة فَإِن رأى الشَّيْخ خير من مشْهد الْغُلَام وَالْعود أَيْضا الطَّرِيق الْقَدِيم وَقَالَ (عود على عود لأقوام أول ... )
أَي بعير مسن على طَرِيق قديم

(2/250)


وَعَن عبد الله بن مسْعدَة الْفَزارِيّ قَالَ بَعَثَنِي مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان إِلَى ملك الرّوم فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا عِنْده رجل على سَرِير من ذهب فكلمني فَقلت من أَنْت فَقَالَ رجل غلب عَلَيْهِ الشَّقَاء أَنا جبلة بن الْأَيْهَم الغساني إِذا صرت إِلَى منزلي فالحقني قَالَ فَأَتَيْته قَالَ أَتَرَى صَاحبك يبْقى لي إِن رجعت إِلَيْهِ قَالَ قلت اشْترط مَا شِئْت قَالَ يعطيني البثنية فَإِنَّهَا كَانَت مَنَازلنَا وَعشْرين قَرْيَة من قرى الغوطة وَيحسن جوارنا وجوائزنا ويفرض لجماعتنا قَالَ الْبكْرِيّ البثنية مَعْرُوفَة بَين كور دمشق والبثنة والبثنة الأَرْض السهلة وَبِذَلِك سميت الْمَرْأَة بثينة قَالَ عبد الله فَلَمَّا قدمت على مُعَاوِيَة أخْبرته فَكتب إِلَيْهِ يجِيبه إِلَى مَا سَأَلَ فأدركه الرَّسُول قد مَاتَ وَقيل إِن الرَّسُول الَّذِي بَعثه مُعَاوِيَة إِلَى ملك الرّوم تَمِيم ابْن بشر بن الْبَراء بن معْرور الْأنْصَارِيّ
وَعَن ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ حاصر الْمُسلمُونَ مَدِينَة من مَدَائِن الرّوم وَكَانَ جبلة فِيهَا فَاطلع عَلَيْهِم وَقَالَ أفيكم أحد من أهل الْمَدِينَة

(2/251)


من الْأَنْصَار قَالَ رجل نعم قَالَ فَمَا فعل بِحسان بن ثَابت قَالَ تركته وَقد كف بَصَره فَرمى بصرة فِيهَا ألف دِينَار وَقَالَ احملها إِلَيْهِ فَإِن وجدته حَيا فأقرئه مني السَّلَام وادفعها إِلَيْهِ وَإِن كَانَ قد مَاتَ فانثرها على قَبره فَقدم الرجل الْمَدِينَة فَأتى حسانا فَقَالَ لَهُ إِنِّي لأجد مِنْك ريح آل جَفْنَة فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ حسان وددت أَنَّك وجدتني مَيتا فنثرتها على قَبْرِي وَأَعْطَاهُ نصفهَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي كتاب الطَّبَقَات الْكَبِير وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم ملك غَسَّان يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَكتب بِإِسْلَامِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ هَدِيَّة ثمَّ لم يزل مُسلما حَتَّى كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي سوق دمشق إِذْ وطئ رجلا من مزينة فَوَثَبَ الْمُزنِيّ فَلَطَمَهُ وَأخذ فَانْطَلق بِهِ إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالُوا هَذَا لطم جبلة قَالَ فليلطمه قَالُوا وَمَا يقتل قَالَ لَا يقتل فَقَالُوا فَمَا تقطع يَده قَالَ

(2/252)


لَا إِنَّمَا أَمر الله تَعَالَى بالقود قَالَ جبلة أَتَرَوْنَ أَنِّي جَاعل وَجْهي ندا لوجه جدي جَاءَ من عمق بئس الدّين هَذَا ثمَّ ارْتَدَّ نَصْرَانِيّا وترحل بقَوْمه حَتَّى دخل أَرض الرّوم فَبلغ ذَلِك عمر رَضِي الله عَنهُ فشق عَلَيْهِ وَقَالَ لحسان بن ثَابت أَبَا الْوَلِيد أما علمت أَن صديقك جبلة بن الْأَيْهَم ارْتَدَّ نَصْرَانِيّا قَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلم قَالَ لطمه رجل من مزينة قَالَ وَحقّ لَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر بِالدرةِ فَضَربهُ بهَا
تَفْسِير مَا فِي هَذَا الْخَبَر

قَوْله ندا قَالَ الْجَوْهَرِي الند بِالْكَسْرِ الْمثل والنظير وَكَذَلِكَ النديد قَوْله لوجه جدي قَالَ الْجَوْهَرِي الجدي من ولد الْمعز والجادي السَّائِل الْعَافِي وأجداه أعطَاهُ الجدوي وَقَوله جَاءَ من عمق قَالَ العمق الفخ والوادي والعمق والعمق أَيْضا مَا بعد من أَطْرَاف المفاوز والعمق بِضَم الْعين وَفتح الْمِيم منزل بطرِيق مَكَّة وَلَعَلَّه الَّذِي أَرَادَ جبلة قَالَ الْبكْرِيّ عمق بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه مَاء بِبِلَاد مزينة من أَرض الْحجاز وَكَانَ بِهِ بعض حروب بكر وتغلب وَذكر شواهده من شعر الْعَرَب قَالَ والعمق بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه منزل بطرِيق مَكَّة والعمق بِالْألف وَاللَّام عمق

(2/253)


أنطاكية وَهُوَ مَوضِع تصب إِلَيْهِ مياه كَثِيرَة لَا يجِف إِلَّا فِي الصَّيف