إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ربعه، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون مشربا حمرة، يبلغ شعره شحمة أذنيه، وكان شعره فوق الجمة، ودون الوفرة، ودخل مكة وله أربع غدائر، وكان سبط الشعر، في لحيته كثافة ومات صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة، وكان ظاهر الوضاءة، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر، وكان كما وصفته عائشة رضي اللَّه عنها بما قاله شاعره حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه [ (1) ] :
متى يبد في الداجي البهيم جبينه ... يلح مثل مصباح الدجى المتوقد
فمن كان أو قد يكون كأحمد ... نظام لحق أو نكال لملحد
وكما كان أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه يقول إذا رآه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
أمسى مصطفى بالخير يدعو ... كعضو البدر زايله الظلام
وكما كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ينشد إذا رآه:
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المعني لليلة البدر
وكان أبيض اللون، ليس بالأبيض الأمهق [ (2) ] ولا بالآدم [ (3) ] ، أقنى العرنين [ (4) ] ،
__________
[ () ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، فإنما أنا قاسم بعثت أقسم بينكم» ،
وفي باب من رأى الكراهة في الجمع بينهما: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «من تسمي باسمي فلا يكنى بكنيتي، ومن تكنى بكتيتي فلا يتسمي باسمي» ،
وفي باب ما جاء في الرخصة في الجمع بينهما ما رواه محمد بن الحنفية عن علي رضي اللَّه عنه، ثم قال: والحديث مختلف في وصله، وتعقبه صاحب (الجوهر النقي) ص 309 بأن (الترمذي) قد أخرج هذا الحديث، وصححه، وذهب إلى جواز التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد، مذهب مالك وجمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وقد اشتهر جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول، وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعلي ذلك، وعدم الإنكار، كذا في شرح مسلم للنووي.
[ (1) ] ديوان حسان بن ثابت ص 380.
[ (2) ] مهق مهقا: كان لونه أبيض ناصع البياض بغير حمرة، وهو معيب في لون الإنسان، فهو أمهق (المعجم الوسيط) ج 2 ص 890.
[ (3) ] أدم أدما وأدمة: اشتدت سمرته: فهو آدم. المرجع السابق ج 1 ص 10.
[ (4) ] قوله: أقنى العرنين: القنا أن يكون في عظم الأنف احديداب في وسطه، والعرنين: الأنف (صفة الصفوة) ج 1 ص 162.

(2/149)


سهل الخدين، أزج الحاجبين [ (1) ] أقرن [ (2) ] ، أدعج العينين [ (3) ] ، في بياض عينيه عروق حمر دقاق، حسن الخلق معتدلة، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، دقيق السرة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، ضليع [ (4) ] الفم أشنب، مفلج الأسنان [ (5) ] ، بادنا متماسكا [ (6) ] سواء البطن والصدر، ضخم الكراديس [ (7) ] ، أنور المتجرد، أشعر الذراعين والمنكبين، عريض الصدر طويل الزندين، رحب الراحة، شائل الأطراف [ (8) ] خمصان [ (9) ] ، بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمام يشبه حسده، إذا مشى كأنما يتحدّر من صبب [ (10) ] وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر [ (11) ] ، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك [ (12) ] .
__________
[ (1) ] أزج الحاجبين: أي مقوس الحاجبين.
[ (2) ] القرن (بالتحريك) : اقتران الحابين بحيث يلتقي طرفاهما.
[ (3) ] الأدعج: الشديد سواد العينين.
[ (4) ] الضليع: الواسع، والعرب تمدح ذلك، لأن سمته دليل الفصاحة.
[ (5) ] الفلج: انفراج ما بين الأسنان.
[ (6) ] البادن: السمين المعتدل السمن.
[ (7) ] الكراديس: رءوس العظام.
[ (8) ] السائل والشائل: الطويل.
[ (9) ] أخمص القدم هو الموضع الّذي لا يمس الأرض عند الوطء من وسط القدم.
[ (10، 11) ] أي إذا مشي رفع رجليه بقوة. وفي رواية: (تكفّؤا) وهي تأكيد لما قبلها.
[ (12) ] وقد أورد ابن الجوزي في (صفة الصفوة) ج 1 ص 162، 163، 164، 165 فصلا جامعا في تفسير غريب أحاديث صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نذكره هنا بصف إجمالية.
الفخم المفخم: هو العظيم المعظم في الصدور والعيون.
المشذب: الطويل الّذي ليس بكثير اللحم.
الرجل الشعر: الّذي في شعره تكسر، فإذا كان الشعر منبسطا قبل شعر سبط.
والعقيقة: الشعر المجتمع في الرأس.
الأزهر اللون: النير.
أزج الحواجب: أي طويل امتدادهما لوفور الشعر فيهما وحسنه إلى الصدغين.
الأشم: الّذي عظم أنفه طويل إلى طرف الأنف.
وضليع الفم: كبيره، والعرب تمدح بذلك وتهجو بصغره.
والدمية: الصورة وجمعها دمي.
بادن متماسك: أي تام خلق الأعضاء ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره.

(2/150)


وقال عند أم سليم [ (1) ] فعرق، فجاءت بقارورة فجعلت تسكب العرق فيها، فاستيقظ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أم سليم، ما هذا الّذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب من الطيب.
وكان في صوته صوته صهل وفي عنقه سطع، إن سكت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأجمله من قريب، حلو المنطق خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام، أجود الناس كفّا، وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى [ (2) ] الناس بعهده، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه [معرفة أحبّه] .
يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم.

فأما صفة رأسه المقدس
فقد خرج أبو عيسى الترمذي من حديث جميع بن عمر العجليّ قال: حدثني رجل
__________
[ () ] سواء البطن والصدر: معناه أن بطنه ضامر وصدره عريض، فلهذا ساوى بطنه صدره.
أنور المتجرّد: أي نير الجسد إذا تجرد من الثياب.
والنير: الأبيض المشرق.
مسيح القدمين: أي ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما.
ذريع المشية: واسع المشية من غير أن يظهر منه استعجال.
المهين: الحقير.
يسوق أصحابه: يقدمهم بين يديه ومن ورائه.
لكل حال عنده عتاد: أي عدة، يعني أنه قد أعد للأمور أشكالها.
وقوله: يرد بالخاصّة على العامة: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان يعتمد على أن الخاصة ترفع علومه وآدابه إلى العامة، ومعنى ذلك أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت، فكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه، فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة.
والثاني: أن المعني يجعل المجلس للعامة بعد الخاصة. فتنوب الباء عن (من) ، و (على) عن (إلى) .
والثالث: فيرد ذلك بدلا من الخاصة على العامة، فتفيد الباء معنى البدل.
[ (1) ] قال: من القيلولة وهي نوم الظهيرة.
[ (2) ] في (خ) «وأوتا» .

(2/151)


عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن على عن خاله هند بن أبي هالة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عظيم الهامة [ (1) ] .
وقال شريك عن عبد الملك بن عمير بن نافع بن جبير قال: وصف لنا عليّ رضي اللَّه عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان عظيم الهامة [ (1) ] .

وأما وجهه الكريم
فخرج البخاري من حديث عن إسحاق بن منصور قال: أخبرنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل الذاهب، وليس بالقصير [ (2) ] .
وقال البخاري: ليس بالطويل البائن، ذكره في باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] .
وخرجه ابن أبي خيثمة، من حديث إبراهيم بن يوسف كما رواه مسلم والبخاري والترمذي من حديث أبي نعيم، حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: سئل البراء أكان وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل السيف؟ قال لا، مثل القمر [ (4) ] . قال: هذا حديث حسن [ (5) ] .
ولمسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد اللَّه بن موسى عن إسرائيل عن سماك، أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه كالسيف؟ قال جابر: لا، مثل الشمس والقمر مستديرا.
وقال المحاربي عن أشعث عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة أضحيان وعليه حلّة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو أحسن كان في عيني من القمر، وفي لفظ قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 9.
[ (2) ] الحديث رقم 3549 (صحيح البخاري) بشرح (ابن حجر في الفتح) .
[ (3) ] (المرجع السابق) الحديث رقم 3548.
[ (4) ] (المرجع السابق) الحديث رقم 3552.
[ (5) ] (الجامع الصحيح للترمذي) ج 5 ص 259 حديث رقم 3715.

(2/152)


أضحيان [ (1) ] ، وعليه حلة حمراء، فجعلت أماثل بينه وبين القمر [ (2) ] .
وخرج البخاري من حديث يحيى بن بكير، أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن عبد اللَّه بن كعب- وكان قائد كعب من بنيه حين عمى- قال: سمعت كعب بن مالك يقول: لما سلمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يبرق وجهه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه [ (3) ] .
وخرج أيضا من حديث يحيى عن عبد الرّزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما مسرورا وأسارير وجهه تبرق فقال: ألم تسمعي ما قال مجزر المدلجي، ورأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما، وبدت أقدامها، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بضع [ (4) ] .
وخرّجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرّزاق، وقال أبو إسحاق الهمدانيّ عن امرأة من همدان سمّاها قالت حججت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرات فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة، بيده محجن، عليه بردان أحمران يكاد يمس منكبه، إذا مر بالحجر استلمه بالمحجن، ثم يرفعه إلى فمه فيقبله، قال أبو إسحاق: فقلت لها شبّهيه، قالت: [كان] كالقمر ليلة البدر، ولم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] .
وخرّج عبد اللَّه بن محمد بن إسحاق الفاكهي من حديث أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلنا للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: لو رأيته لقلت: الشمس طالعة [ (5) ] .
وفي حديث هند بن أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخما مفخما [ (6) ] يتلألأ
__________
[ (1) ] أضحيان: أي مضيئة.
[ (2) ] أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) ص 12.
[ (3) ] (فتح الباري) ج 6 ص 565 حديث رقم 3556، وفي (خ) «ذاك منه» وما أثبتناه رواية البخاري.
[ (4) ] المرجع السابق، حديث رقم 3555 ولفظه: «ألم تسعى ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما» .
[ (5) ] (البداية والنهاية) ج 6 ص 15.
[ (6) ] في (خ) «فخما فخما» وما أثبتناه من (الشمائل) .

(2/153)


وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، خرجه الترمذي [ (1) ] .
وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان في وجه رسول اللَّه تدوير.
ولأحمد من حديث عبد الرازق قال: أخبرنا إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر ابن سمرة يقول: كان وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستديرا.
وفي حديث أم معبد قالت [ (2) ] : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه (تعنى مشرق الوجه مضيئة) ، ومنه: تبلج الصبح إذا أسفر.
وفي حديث هند بن أبي هالة: كان سهل الخدين، وقال قتادة: ما بعث اللَّه نبيا إلا بعثه حسن الوجه وحسن الصوت، حتى بعث نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعثه حسن الوجه حسن الصوت، ولم يكن يرجّع، ولكن كان يمد بعض المد.

وأما صفة لونه
فخرج البخاري في باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث يحيى بن بكير قال:
حدثني الليث عن خالد عن سعيد ابن أبي هلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال:
سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا بأدم، ليس بجعد قطط، ولا سبط رجل، أنزل عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه:
وبالمدينة عشر سنين، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة.
فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر، فسألت. فقيل: أحمر من الطيب [ (3) ] .
ولمسلم من حديث إسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال. كلاهما عن ربيعة عن أنس أنه سمعه يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان أزهر، بعثه اللَّه على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه اللَّه على دابر ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 76.
[ (2) ] الحديث بتمامه في آخر كتاب (الشمائل المحمدية للترمذي) .
[ (3) ] (فتح الباري) ج 6 ص 564 حديث رقم 3547.
[ (4) ] (صحيح مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 100.

(2/154)


لم يقل في حديث إسماعيل على رأس ستين سنة. قال الحافظ أبو نعيم: هذا حديث صحيح ثابت متفق عليه، رواه عن ربيعة يحيى بن سعيد الأنصاري، وعمرو ابن يحيى المازني، وعبادة بن غزية، وسعيد بن هلال وأسامة بن زيد، ونافع بن أبي نعيم، ومحمد بن إسحاق، وعبد اللَّه بن عمر، وفليح. وأبو أويس، وعبد العزيز الماجشون، والدراوَرْديّ: والثوري، ومالك والأوزاعي، وسعد، وأبو بكر ابن عياش، وقرة بن جبريل، وأبو زكين، وأنس بن عياض، ومنصور بن أبي الأسود، وإبراهيم بن طهمان في آخرين.
وخرّج الترمذي من حديث عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس، قال:
كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربعة، ليس بالطويل، ولا بالقصير، حسن الجسم، أسمر اللون، كان شعره ليس بجعد ولا سبط، إذا مشى يتوكأ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب [ (1) ] .
ولمسلم من حديث الجرير عن أبي الطفيل قال: قلت له: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، كان أبيض مليح الوجه [ (2) ] .
وله أيضا من حديث الجرير عن أبي الطفيل قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، قال: قلت: فكيف رأيته: قال: كان أبيض مليج الوجه مقصدا [ (2) ] .
وخرجه ابن أبي خيثمة والبخاري ومسلم من حديث محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد شاب، وكان الحسن بن على يشبهه [ (3) ] .
ولأبي داود الطيالسي من حديث عثمان بن عبد اللَّه بن عزيز عن نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مشربا وجهه حمرة.
قال البيهقي، ويقال إن المشرب بالحمرة ما أضحى للشمس والرياح، وما تحت
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 29 حديث رقم 2 وإسناده جيد قوى.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 93.
[ (3) ] كذا في (خ) «ورواية البخاري: «رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان الحسن يشبهه» (فتح الباري) ج 6 ص 563 حديث رقم 3543.

(2/155)


الثياب فهو الأبيض الأزهر.
وقال ابن إسحاق عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه أن سراقة بن جعشم قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وكان راكبا] على ناقته، انظر إلى ساقه كأنها جمّارة [ (1) ] .
وخرج الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي من حديث مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد عن محرش الكعبي قال: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة ليلا فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة.
وخرج من حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تعالى عنه يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان شديد البياض.
وللترمذي في الشمائل من حديث صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر [ (2) ] قلت: صالح بن أبي الأخضر ضعيف في الزهري، قال ابن معين:
ليس بشيء في الزهري، وفي رواية صالح بن أبي الأخضر بغير ضعيف [ (3) ] .
وقال ابن المبارك: أخبرني رشدي بن سعد قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي يونس مولى أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته منه، كأن الأرض تطوى له، إنا لنجتهد وإنه [ (4) ] غير مكترث.
وخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث قتيبة قال: أخبرنا ابن لهيعة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ما رأيت [شيئا أحسن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] .
وخرجه تقي بن مخلد من حديث حرملة قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني
__________
[ (1) ] الجمار: قلب النخل: واحدته: جمارة (المعجم الوسيط) ج 1 ص 124.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 12.
[ (3) ] «وقال البخاري وأبو حاتم: لين، وقال البخاري والنسائي: ضعيف، وقال الترمذي: يضعف في الحديث- ضعفه يحيى القطان وغيره، وقال ابن عدي: وفي بعض حديثه ما ينكر وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم، (تهذيب التهذيب) ج 4 ص 381.
[ (4) ] في (خ) «وأتا» .
[ (5) ] (الشمائل المحمدية) ص 60 حديث رقم 115 ولفظه «أسرع في مشيته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» .

(2/156)


عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول:
ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كأنما الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مشيته كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث.
قال الترمذي: هذا حديث غريب: قال مؤلفه: إسناد تقي هذا الحديث أجود من إسناد الترمذي، وإسناد تقي على شرط مسلم.
وقد روي مسلم عن حرملة بن يحيى هذا غير ما حدثت، ولم يخرج هو ولا البخاري من حديث ابن لهيعة شيئا.
وخرّج مسلم من حديث محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين [ (1) ] .
قال: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت، ما أشكل العينين؟ قال. طويل شق العينين، قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب.
قال قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل: وتفسير سماك على ما ذكره إلا في الشكلة، فإن ابن الهيثم أخبرنا عن داود بن محمد عن ثابت بن عبد العزيز قال:
الشكلة في العين حمرة تخالط البياض، وقال أبو عبيد: الشكلة كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة عين الشكلة، وهي حمرة في سواد العين.
وخرجه الترمذي من حديث أبي قطن قال: أخبرنا شعبة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشكل العينين منهوس العقب، قال:
هذا حديث حسن صحيح.
وخرج من حديث محمد بن جعفر عن شعبة مثل حديث مسلم، وقال في تفسيره: قال شعبة: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: واسع الفم.. الحديث.
__________
[ (1) ] في (الشمائل المحمدية) «منهوس العقب» ص 11 رقم 8 وما أثبتناه من (خ) وهي رواية صحيح مسلم، (مسلم بشرح النوري) ج 3 ص 93.

(2/157)


وخرجه أبو داود من حديث شعبة بسنده ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشهل العينين منهوس العقب ضليع الفم.
وللترمذي من حديث عباد بن العوام، أخبرنا الحجاج عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان في ساقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل وليس بأكحل. قال أبو عيسى.
هذا حديث حسن غريب صحيح [ (1) ] .
وله من حديث عمر بن عبد اللَّه مولى غفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أدعج العينين أهدب الأشفار [ (2) ] ، والدعج: سواد العينين، والأهدب: الطويل الأشفار، وهو الشعر المتعلق به الأجفان.
وقال حجاج: حدثنا حماد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عظيم العينين أهدب الأشفار متشرب العين بحمرة.
وخرّج سعيد بن منصور من حديث خالد بن عبد اللَّه عن عبيد اللَّه بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طلب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي رضي اللَّه عنه:
انعت لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وقال: كان أسود الحدقة أهدب الأشفار.
وله من حديث عيسى بن يونس قال، حدثنا عمر بن عبد اللَّه مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال: كان علي رضي اللَّه عنه إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان في الوجه تدوير أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار.
ومن حديث ابن أبي ذؤيب: حدثنا صالح مولى التّزمّة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه كان ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال. كان أهدب أشفار العين.
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 186 حديث رقم 227، والحموشة: الدقة، والكحل (بفتحتين) : سواد في أجفان العين.
[ (2) ] (سنن الترمذي) ج 5 ص 260 حديث رقم 3717.

(2/158)


أما صفة جبينه وأنفه وحاجبيه وفمه وأسنانه ونكهته
فخرّج يعقوب بن سفيان من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان خاضّ الجبين أهدب الأشفار.
وفي حديث أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهم عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشمّ، سهل الخدين ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان.
وقال موسي بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفلج الثنيتين، كان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه، وقال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت قاعدة أغزل والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورا، فبهت، فنظر إليّ فقال: مالك؟ قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورا، فلو رآك أبو كثير الهزلي لعلم أنك أحق بشعره، قال: وما يقول أبو كثير؟ قلت:
يقول:
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل
فقام فقبّل بين عيني، وقال: جزاك اللَّه يا عائشة عني خيرا، ما سررت مني كسروري منك. أخرجه ابن عساكر في تاريخه.
ولابن حبان من حديث أبي جعفر الداريّ، عن أبي رهم عن يونس بن عبيد (مولى لأنس) عن أنس قال: صحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، وشممت العطر كله، فلم أشم نكهة أطيب من نكهته [ (1) ] .

وأما بلوغ صوته حيث لا يبلغ صوت غيره
فخرج أبو نعيم من حديث حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن البراء قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أسمع العواتق في خدورهن، ينادي بأعلى صوته: يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم،
__________
[ (1) ] ونحوه في البخاري، انظر (فتح الباري) ج 6 ص 66، حديث رقم 3561 بلفظ آخر.

(2/159)


فإنه من يتبع عورة أخيه أتبع اللَّه عورته، ومن اتبع اللَّه عروته فضحه في جوف بيته [ (1) ] .
وخرجه من حديث عمران بن وهب عن سعيد بن عبد اللَّه بن جريج عن أبي بردة قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهاجرة العليا بصورت يسمع العواتق في خدورهن فقال: يا معشر من آمن بلسانه ...
فذكره.
ومن حديث أبي ثميلة قال: حدثنا جريج بن هلال الطائي، حدثنا عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: صلينا خلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما، فلما انفلت من صلاته أقبل علينا غضبان فنادى بصوت أسمع العواتق في أجواف الخدور فقال: يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تسبوا المسلمين ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم هتك اللَّه ستره، وأبدى عروته ولو كان في جوف بيته، أو في ستر بيته [ (2) ] .
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جلس يوم الجمعة على المنبر فقال للناس: اجلسوا، فسمع عبد اللَّه بن رواحة فجلسوا في بني غنم، فقيل يا رسول اللَّه، ذاك ابن رواحة جالس في بني غنم، سمعك وأنت تقول للناس اجلسوا فجلسوا في مكانه [ (3) ] .
وله من حديث مسدد قال: أخبرنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عن محمد ابن إبراهيم التيمي بن عبد الرحمن بن معاذ- وكان من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنى، ففتحنا أسماعنا حتى إن كنا لنسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم ثم قال: عليكم بحصى الخذف [ (4) ] .
وقال سفيان عن سعد عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن أم هانئ قالت: كنت أسمع قراءة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا على عريش أهلي.
وقال هلال بن حباب: نزلت أنا ومجاهد على يحيى بن جعدة بن أم هانئ فحدثنا عن أم هانئ قالت: كنا نسمع قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جوف الليل عند
__________
[ (1) ] (دلائل النبوة لأبي نعيم) ج 2 ص 157.
[ (2) ] المرجع السابق.
[ (3) ] المرجع السابق ج 2 ص 158.
[ (4) ] المرجع السابق ج 2 ص 158.

(2/160)


الكعبة وأنا على عريشي.

وأما صفة لحيته
ففي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الرأس واللحية،
وفي رواية: كان ضخم الهامة عظيم اللحية [ (1) ] .
وللترمذي من حديث أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كثّ اللحية.
ورواه حماد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كث اللحية، وليعقوب بن سفيان من حديث الزهري عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان أسود اللحية حسن الشعر.
وقال محمد بن المثنى: حدثنا يحيى بن كثير عن أبي ضمضم قال: نزلت بالرجيع فقيل لي: هاهنا رجل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتيته فقلت: رأيت رسول اللَّه؟
قال نعم، رأيته رجلا مربوعا حسن السّبلة، قال: وكانت اللحية تدعى في أول الإسلام سبلة.
وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها بالسّوية.
وروي ابن عبد البر من طريق جنادة بن مروان الأزدي عن جرير بن عثمان عن عبد اللَّه بن بسر قال: كان شارب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحيال شفته.
وقال محمد بن عائذ: قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جنازة سعد بن معاذ ويده في لحيته.
وقال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا وجد [ (2) ] فإنما يده في لحيته يفتلها أو يحركها.
قال محمد بن عمرو عن علقمة الليثي عن عائشة قالت. بكى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سعد- يعني ابن معاذ- حتى إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء
__________
[ (1) ] ونحوه في (البداية والنهاية) ج 6 ص 18.
[ (2) ] من الوجد، وهو الحزن والأسى

(2/161)


عمر رضي اللَّه عنهما، قالت: وكانوا كما قال اللَّه عزّ وجلّ: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [ (1) ] .
فقال: يا أمتاه! فما صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقالت: ما كانت عيناه تكاد تدمعان على أحد، ولكنه كان إذا وجد [ (2) ] فإنما يده في لحيته.
وقال حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر عن سعيد المقبري عن ابن جريج أنه قال لابن عمر: رأيتك تحفي شاربك، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحفي شاربه.
وقال الفضل بن دكين: أخبرنا مندل عن عبد الرحمن بن زياد عن أشياخ لهم قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأخذ الشارب من أطرافه.

وأما صفة شعره
فخرج مسلم من حديث أنس كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل الشعر ليس بالسبط ولا بالجعد القطط.
وأخرج من حديث مالك وغيره عن ربيعة، وللبخاريّ من حديث مسلم ابن إبراهيم: أخبرنا جرير عن قتادة عن أنس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم اليدين لم أر بعده مثله، وكان شعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل لا جعدا ولا سبطا.
ومن حديث وهب بن جرير قال: حدثني أبي عن قتادة قال: سألت أنس ابن مالك عن شعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان شعر رسول اللَّه رجلا ليس بالسبط ولا الجعد، بين أذنيه وعاتقه، ذكرهما في اللباس، وخرّج مسلم من هذه الطريق نحو هذا [ (3) ] .
ولأبي داود من حديث عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس قال:
كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى شحمة أذنيه [ (4) ] .
وقال حميد عن أنس كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أنصاف أذنيه.
__________
[ (1) ] من الآية 29/ الفتح.
[ (2) ] من الوجد وهو الحزن والأسى.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 92.
[ (4) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 405 باب ما جاء في الشعر، الأحاديث 4183، 4184، 4185، 4186، 4187، انظر أيضا: (البخاري) في (اللباس) باب الجعد، و (مسلم) في الفضائل باب صفة النبي، و (النسائي) في الزينة حديث 5234 باب اتخاذ الجمة.

(2/162)


وللبخاريّ من حديث أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، يبلغ شعره شحمة أذنيه. الحديث.
وأخرجه مسلم ولفظه: ما رأيت أحدا من خلق في حلة حمراء يعني أحسن من رسول اللَّه، إن [ (1) ] لمّته تضرب قريبا من منكبيه.
وفي حديث علي رضي اللَّه عنه كان كثير شعر الرأس رجله.
ولأبي داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت:
كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوق الوفرة ودون الجمة.
وقال سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وله أربع غدائر يعني ضفائر.
وفي الصحيحين من حديث ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون دونهم، فسدل رسول اللَّه ناصيته ثم فرق بعد [ (2) ] .
وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت.
أنا فرقت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه [صدعت] [ (3) ] فرقه عن يافوخه، وأرسلت ناصيته بين عينيه.
قال ابن إسحاق واللَّه أعلم: ذلك
لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكف ثوبا ولا شعرا، وهي سيما كان يتوسم بها.
قال: وقد قال محمد بن جعفر وكان فقيها: ما هي إلا سيما من سيم الأنبياء تمسكت بها النصارى من بين الناس.
__________
[ (1) ] اللمة بكسر اللام وتشديد الميم: الشعر يسترخي عن شحمة الأذن ولا يصل إلى المنكبين.
[ (2) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 407 باب ما جاء في الفرق حديث رقم 4188، وأخرجه (البخاري) في (اللباس) باب الفرق، (ومسلم) في الفضائل باب في سدل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شعره وفرقه، (وابن ماجة) في (اللباس) حديث 2336 باب اتخاذ الجمة والذوائب، (النسائي) في الزينة حديث 5340 باب فرق الشعر، و (الترمذي) في (الشمائل) حديث 29.
[ (3) ] صدع الشيء فتصدع: فرّقه متفرق. (لسان العرب) : 8/ 194.

(2/163)


وخرّج البخاري من حديث أنس: توفي رسول اللَّه وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء [ (1) ] .
ولمسلم عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يختضب، إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا وفي الصدغين يسيرا وفي الرأس يسيرا.
وروي أبو إبراهيم محمد بن القاسم الأسدي، حدثنا شعبة بن الحجاج عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جمة جعدة.
قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث محمد بن القاسم الأسدي عن شعبة، لا أعلم حدّث به غيره، وهو حديث غريب.

وأما صفة عنقه وبعد ما بين منكبيه
ففي حديث أم معبد [ (2) ] أنها قالت: في عنقه سطع، يعني الطول، وفي حديث هند بن أبي هالة: كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة [ (3) ] .
وفي حديث علي رضي اللَّه عنه كان عنقه إبريق فضة، وفي حديث البراء:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، وفي حديث الزهري عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان بعيد ما بين المنكبين.
وقال النضر بن شميل، حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر [سواء] [ (4) ] البطن [والصدر] [ (4) ] ، عظيم مشاش المنكبين [ (5) ] ، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا.
وخرّج الترمذي من حديث غفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد عن علي كان
__________
[ (1) ] هذه التكملة من (سنن أبي داود) حديث رقم 4189 ج 4 ص 408.
[ (2) ] هي عاتكة بنت خالد الخزاعية (أم معبد) (الإصابة) ج 13 ص 33 ترجمة 691 وص 279 من المرجع ذاته ترجمة رقم 1501، وفي (خ) «في» .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) ص 222.
[ (4) ] ما بين الأقواس تكملة من (صفة الصفوة) ج 1 ص 156.
[ (5) ] يريد رءوس المناكب، والمشاش (بضم الميم) : مفردها مشاشة، وهي رأس العظم.

(2/164)


رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جليل الكتد، الكتد: مجمع الكتفين، وهو الكاهل. والمنكب:
مجمع رأس العضد في الكتف.

وأما صفة صدره وبطنه
ففي حديث هند بن أبي هالة: كان عريض الصدر سواء البطن والصدر، وفي حديث أم معبد: لم يعبه ثجلة، والثجلة عظم البطن واسترخاء أسفله.
وفي حديث أم هانئ: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا ذكرت القراطيس المثنى بعضها على بعض.
وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجرد ذو مسربة.
وفي حديث هند بن أبي هالة: كان أنور المتجرد [ (1) ] ، دقيق المسربة [ (2) ] ، موصول ما بين اللبة [ (3) ] والسّرة بشعر يجري كالخيط. عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر.

أما صفة كفيه وقدميه وإبطيه وذراعيه وساقيه وصدره
فخرج البخاري من حديث أنس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخم اليدين، لم أر بعده مثله.. الحديث.
وفي رواية: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الرأس والقدمين، وكان سبط [ (4) ] الكفين، وخرّج من حديث همام: أخبرنا قتادة عن أنس أو عن رجل عن أبي هريرة قال:
كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شثن [ (5) ] الكفين والقدمين.
وفي رواية عن قتادة عن أنس أو جابر بن عبد اللَّه كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الكفين والقدمين، لم أر بعده شبها له.
وللفسوي من حديث ابن أبي ذؤيب حدثنا صالح مولى التزمة قال: كان
__________
[ (1) ] أنور المتجرد: أي نير الجسد إذا تجرد من الثياب، والنير: الأبيض المشرق.
[ (2) ] المسربة: الشعر الدقيق الّذي كأنه قضيب من الصدر إلى السّرة.
[ (3) ] اللبة (بفتح اللام وتشديد الباء) : أعلى الصدر ممّا يلي العنق.
[ (4) ] السبط: المسترسل.
[ (5) ] الشثن: الغليظ الأصابع من الكعبين والقدمين.

(2/165)


أبو هريرة ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان شبح [ (1) ] الذراعين بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين.
وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس.
وفي حديث ابن أبي هالة: كان رحب الراحة، وفي حديث أنس: ما مست قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول اللَّه [ (2) ] .
وفي حديث هند بن أبي هالة: كان طويل الزندين ضخم الكراديس، وفي حديث شعبة عن سماك عن جابر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين، يعني قليل لحم العقب.
وفي حديث أبي هريرة كان يطأ بقدميه جميعا، ليس له أخمص، وفي حديث هند بن أبي هالة: كان خصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء [ (3) ] .
وخرج البيهقي من حديث زيد بن هارون، أخبرنا عبد اللَّه بن يزيد بن مقسم قال: حدثني عمتي سارة بنت مقسم عن ميمونة بنت كردم قال رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة وهو على ناقة له وأنا مع أبي، وبيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم درة كدرة الكتاب، فدنا منه أبي فأخذ بقدمه نقيلة [ (4) ] رسول اللَّه، قالت: فما نسيت طول إصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه.
وفي الصحيحين من حديث مالك بن مغول قال: سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه قال: دفعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأبطح في قبة بالهاجرة، فخرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدفع الناس يأخذون
__________
[ (1) ] الشبح: الطويل (ترتيب القاموس) ج 2 ص 678، (لسان العرب) : 2/ 494.
[ (2) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 31.
[ (3) ] خمصان الأخمصين: معناه أن أخمص رجله شديد الارتفاع من الأرض، والأخمص: ما يرتفع من الأرض من وسط باطن الرجل، وهو الموضع الّذي لا يلصق بالأرض من القدم عند الوطء، والخمصان (بضم الخاء) : المبالغ منه.
وقوله مسيح القدمين: أي ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما، فلذلك ينبو الماء عنها.
[ (4) ] نقيلة العضد: كربلة الفخذ (ترتيب القاموس) ج 4 ص 432، وفي (خ) «ناقولة» ولعل ما أثبتناه هو الصواب.

(2/166)


منه، قال: ثم دخل فأخرج العنزة، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأني انظر إلى وميض ساقيه فركز العنزة [ (1) ] ثم صلّى بنا الظهر ركعتين [ (2) ] ، يمر بين يديه المرأة والحمار [ (3) ] .
وفيهما من حديث أنس: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطه، يعني في الاستسقاء.
وفي حديث حجاج عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يضحك إلا تبسما، وكان في ساقيه حموشة ... الحديث.
وخرّج البيهقي وأحمد من حديث يحيى بن يمان، حدثنا إسرائيل عن سماك ابن حرب عن جابر بن سمرة قال: كانت إصبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خنصره من رجله متظاهرة.
وقال محمد بن معد: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي، حدثنا سالم أبو النضر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أشفق من الحاجة (يعني ينساها) ربط في خنصره أو في خاتمه الخيط.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 4 ص 219.
والعنزة (بفتح العين والنون) : عصا أقصر من الرمح، وقيل: هي الحربة الصغيرة: (معالم السنن للخطابي) ج 1 ص 443. وفي (مسلم بشرح النووي) ج 4 ص 219 «هي عصا في أسفلها حديدة» ورواية مسلم «ثم ركزت له عنزة» وفيها دليل على جواز استعانة الإمام بمن يركز له عنزة ونحو ذلك، وفيه: «بياض ساقيه» .
[ (2) ] فيه دليل على أن الأفضل قصر الصلاة في السفر وإن كان بقرب بلد ما لم ينو الإقامة أربعة أيام فصاعدا وفيه أيضا أن الساق ليست بعورة، وهذا مجمع عليه (المرجع السابق) .
[ (3) ] في رواية (مسلم) «يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود» ، يقول النووي في شرح (مسلم) ج 4 ص 226، 227: «اختلف العلماء في هذا، فقال بعضهم يقطع هؤلاء الصلاة، وقال أحمد ابن حنبل رضي اللَّه عنه: يقطعهما الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، ووجه قوله أن الكلب لم يجيء في الترخيص فيه شيء يعارض هذا الحديث، أما المرأة ففيها حديث عائشة رضي اللَّه عنها المذكور بعد هذا- وفيه «لقد شبّهتمونا بالحمير والكلاب واللَّه لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلّى وإني على السرير بيني وبينه القبلة» ، - وفي الحمار حديث ابن عباس السابق- وفيه «يمر بين يديه الكلب والحمار لا يمنع» - وقال مالك وأبو حنيفة والشافعيّ رضي اللَّه عنهم وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ومن غيرهم، وتأويل هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة بشغل القلب بهذه الأشياء» ، راجع: (مسلم بشرح النووي) ج 4 «باب سترة المصلي والندب إلى الصلاة إلى سترة والنهي عن المرور بين يدي المصلي والصلاة إلى الراحة والأمر بالدنو من السترة وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك» .

(2/167)


وأما قامته
ففي حديث أنس: أن كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، وفي حديث البراء: ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير.
وفي حديث علي: ليس بالقصير ولا بالطويل، وفيه: إذا مشى تكفأ تكفيا [ (1) ] كأنما ينحط من صبب،
وفي رواية: كان لا قصير ولا طويل، وكان يتكفأ في مشيته كأنما يمشى في صبب [ (2) ] .
وفي رواية كان لا قصير ولا طويل، وهو إلى الطول أقرب. قال: إذا مشى تكفأ كأنما يمشى في صفد [ (3) ] .
وفي رواية كان ليس بالذاهب طولا، فوق الربعة، إذا جامع القوم غمرهم، وفي حديث أبي هريرة: كان رجلا ربعة وهو إلى الطويل أقرب، وكان يقبل جميعا ويدبر جميعا.
وفي رواية الترمذي: لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد، كان ربعة من القوم. قال الترمذي: سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول: سمعت الأصمعي يقول: الممغط: الذاهب طولا، والمتردد: الداخل بعضه في بعض قصرا.
وفي حديث هند بن أبي هالة: كان أطول من المربوع وأقصر من المشذب، وقال عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، عن جعفر بن محمد عن أبيه، وهشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: من صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يك يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله رسول اللَّه، وربما مشى [بين] [ (4) ] الرجلين الطويلين يتطولهما، فإذا فارقاه نسبا إلى الطول، ونسب هو إلى الربعة.

وأما اعتدال خلقه ورقة بشرته
ففي حديث هند: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معتدل الخلق بادنا متماسكا [ (5) ] ، يعني كان تام خلق الأعضاء، ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره.
__________
[ (1) ] أي إذا مشى رفع رجليه بقوة.
[ (2) ] الصّبب: الأرض المنحدرة.
[ (3) ] الصفد: القيد والوثاق.
[ (4) ] زيادة للسياق والمعنى.
[ (5) ] في (خ) «بادن متماسك» .

(2/168)


وخرّج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني من حديث محمد بن بكر الحضرميّ، حدثنا يزيد بن عبد اللَّه القرشي عن عثمان بن عبد الملك قال حدثني خالي- وكان من أصحاب عليّ قدم صفين- عن علي رضي اللَّه عنه قال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقيق البشرة.
وقال عبد الأعلى بن حماد: حدثنا معمر عن حميد عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ألين الناس كفا [وما] [ (1) ] مست خزا ولا حريرا ألين من كفه.

وأما حسنه وطيب رائحته وبرودة يده ولينها في يد من مسها وصفة قوته
ففي حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنه ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وسأله رجل: أكان وجهه] مثل السيف؟ قال: لا، مثل القمر، انفرد بإخراجه البخاري [ (2) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي يونس أنه سمع أبا هريرة يقول ما رأيت أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تخرج في وجهه.
وقال جابر بن سمرة رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة أضحيان [ (3) ] ، وعليه حلة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو أحسن في عيني من القمر [ (4) ] .
وقال البراء ما رأيت أحدا في حلة حمراء مترجلا أحسن من رسول اللَّه..
الحديث.
وفي حديث أبي الطفيل كان أبيض مليحا مقصدا [ (5) ] ، وفي حديث أم معبد كان أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب. وعن أبي هريرة:
كأنما صيغ من فضة.
__________
[ (1) ] زيادة يتم بها المعنى.
[ (2) ] (فتح الباري) ج 6 ص 565 حديث رقم 3552، (الشمائل المحمدية) ص 12 حديث رقم 10، و (سنن الترمذي) ج 5 ص 359 حديث رقم 3715.
[ (3) ] أضحيان: مضيئة.
[ (4) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 30.
[ (5) ] مقصدا (بفتح الصاد المشددة) : وهو الّذي ليس بجسيم ولا نحيف، ولا طويل ولا قصير.

(2/169)


وخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث عبد العزيز العمي عن جعفر بن محمد وهشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس وجها، وأنورهم لونا.
ومن حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه: كان وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كدارة القمر.
وخرّج الدارميّ من حديث عبيد اللَّه بن موسى عن أسامة بن زيد عن أبي عبيدة محمد بن عمارة قال: قلت للربيع بنت معوذ صفى لي رسول اللَّه، فقالت: يا بني، لو رأيته رأيت الشمس طالعة [ (1) ] .
وقال أحمد بن عبد اللَّه الغدافي أخبرنا عمرو بن أبي عمرو عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: لم يكن لرسول اللَّه ظل، ولم يقم مع شمس قط إلا غلب ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوءه على ضوء السراج.
وخرّج ابن عساكر من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: كنت أصافح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو يمس جلدي جلده، فأعرف في يدي بعد ثالثة أطيب من ريح المسك.
وقال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت رائحة قط أطب من ريح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وي رواية، قال أنس: ما شممت شيئا قط- مسكا ولا عنبرا- أطيب من ريح رسول اللَّه، ولا مسست شيئا قط- حريرا ولا ديباجا- ألين مسّا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، وما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب رائحة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 31.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 86، وفيه «مسكة ولا عنبرة» .

(2/170)


وقال جابر بن سمرة وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجهما من جونة [ (1) ] عطار.
وقال شعبة عن يعلي بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال:
أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بمنى فقلت له: رسول اللَّه، ناولني يدك! فناولينها، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك.
وخرّج أبو نعيم من طريق الحميدي قال: أخبرنا سفيان [ (2) ] بن عيينة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدلو من ماء فشرب ثم توضأ، فمضمض ثم مجة في الدلو مسكا أو أطيب من المسك، واستنثر خارجا من الدلو.
وخرّجه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان ومن حديث مسعر عن عبد الجبار ابن وائل قال: حدثني أخي [ (3) ] عن أبي قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدلو من ماء فشرب من الدلو ثم مج في الدلو ثم صب في البئر، أو قال: شرب من الدلو ثم مج في البئر ففاح منها مثل رائحة المسك.
وخرّج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: دخل علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال [ (4) ] عندنا، فعرق، وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا أم سليم! ما هذا الّذي تصنعين، قالت:
هذا عرق نجعله لطيبنا، وهو أطيب من الطيب [ (5) ] .
ومن حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن أم سليم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه- وكان كثير العرق- فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم سليم! ما هذا قالت:
عرقك أدوف به طيبي [ (5) ] .
وخرّج أبو نعيم من حديث أبي يعلي الموصلي قال: أخبرنا بشر بن سنحان، أخبرنا عمرو بن سعيد الأشج، أخبرنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: كنا نعرف
__________
[ (1) ] الجونة والجؤنة: بمعنى: وهي السقط الّذي فيه متاع العطار، هكذا فسره الجمهور، وقال صاحب (العين) : وهي سليلة مستديرة مغشاة (المرجع السابق) .
[ (2) ] في (خ) «ياسفين» .
[ (3) ] في (خ) «أحلي» .
[ (4) ] قال: من القيلولة وهي نوم الظهيرة.
[ (5) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 86، 87.

(2/171)


رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبل بطيب ريحه.
وخرّج من حديث مغيرة بن عطية عن أبي الزبير عن جابر قال كان في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خصال: لم يكن في طريق فسلكه أحد إلا عرف مسلكه من طيب عرفه أو ريح عرقه [ (1) ] .

وأما صفة خاتم النبوة
فخرج البخاري من حديث حاتم بن إسماعيل عن الجعد بن عبد الرحمن قال:
سمعت السائب بن يزيد يقول: ذهبت بي خالتي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت:
يا رسول اللَّه، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل ذر الحجلة.
ذكره في كتاب المناقب، وفي كتاب الدعاء في باب الدعاء للصبيان، وفي كتاب المرضى في باب من ذهب بالصبي المريض ليدعى له، وقال فيه: فنظرت إلى خاتمه، وذكره في الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس، وفيه: أن ابن أختي وقع، وفيه: فنظرت إلى خاتم النبوة [ (2) ] .
وخرّجه مسلم من طرق، ولمسلم من حديث عبد اللَّه بن موسى عن إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد شمط مقدّم رأسه ولحيته، وكان إذا ادّهن لم تتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل السيف؟ قال: لا: بل مثل الشمس والقمر، وكان مستدير الرأس، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده [ (3) ] .
وله من حديث شعبة عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة قال: رأيت خاتما في ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنه بيضة حمام.
وله من حديث حامد بن محمد البكراويّ قال: أخبرنا عبد الواحد- يعني ابن زياد- أخبرنا عاصم عن عبد اللَّه ابن سرجس قال رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأكلت
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص ص 32، والعرف: الرائحة مطلقا، وأكثر ما يستعمل في الرائحة الطيبة، وانظر أيضا (دلائل النبوة لأبي نعيم) ص 158.
[ (2) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 4 ص 7.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 97.

(2/172)


معه خبزا ولحما، أو قال: ثريدا، قال: قلت له أستغفر لك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال:
نعم، ولك، ثم تلا هذه الآية: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (1) ] ،
قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض [ (2) ] كتفه اليسري، جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل [ (3) ] .
وخرّجه النّسائي ولفظه: عن عبد اللَّه بن سرجس قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في ناس من أصحابه فدرت من خلفه فعرف الّذي أريد، فألقى الرداء عن ظهره فرأيت موضع الخاتم على موضع كتفيه مثل الجمع كأنها الثآليل، فجئت حتى استبقلته، فقلت: غفر اللَّه لك يا رسول اللَّه، قال: ولك- قال بعض القوم استغفر لك رسول اللَّه؟ قال [ (4) ] : نعم ولكم، ثم تلا، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (1) ] ، ذكره في التفسير.
وخرج أبو داود الطيالسي من حديث قرّه بن خالد قال: أخبرني معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه، أرني الخاتم، قال: أدخل يدك، قال: فأدخلت يدي في جربانه، فجعلت ألمس انظر إلى الخاتم،
فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه ذلك أن جعل يدعو لي، وإن يدي لفي جربانه.
وخرج الفسوي من حديث عبيد اللَّه بن إياد قال: حدثني أبي عن أبي دمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه، فقال:
يا رسول اللَّه، إني كأطبّ الرجال، أفأعالجها لك؟ فقال: لا، طبيبها الّذي خلقها.
وقال الثوري عن إياد بن لقيط في هذا الحديث: فإذا خلف كتفه مثل التفاحة،
__________
[ (1) ] من الآية 19 سورة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (2) ] الناغض: أعلى الكتف، وقيل هو العظم الرقيق الّذي على طرفه، وقيل ما يظهر عند التحرك.
[ (3) ] وقوله «جمعا» فبضم الجيم وإسكان الميم، ومعناه: أنه كجمع الكف وهو صورته بعد أن تجمع الأصابع وتضمها، وأما «الخيلان» فبكسر الخاء المعجمة وإسكان الياء: جمع خال وهو الشامة في الجسد.
(مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 98، 99 والثآليل: جمع ثؤلول، وهو بثر صغير صلب مستدير يظهر على الجلد كالحمصة أو دونها (المعجم الوسيط) ج 1 ص 93.
[ (4) ] (الشمائل المحمدية للترمذي) ص 18، 19 حديث رقم 22.

(2/173)


وقال عاصم بن بهدلة عن أبي دمثة: فإذا في نغضّي كنفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة.
وخرّج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن ميسرة، حدثنا عتاب قال: سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الّذي بين كتفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لحمة ناتئة.
وخرّج البيهقي من حديث سماك بن حرب عن سلامة العجليّ عن سلمان الفارسيّ قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فألقى إليّ رداءه وقال: يا سليمان إلى ما أمرت به، قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة.

فصل جامع في صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
روي أبو نعيم من حديث المسعودي عن عثمان بن عبد اللَّه بن هرمز عن نافع ابن جبير بن معطم عن علي رضي اللَّه عنه قال: لم يكن رسول اللَّه بالطويل ولا بالقصير، وكان [ (1) ] شثن الكفين والقدمين، ضخم الرأس واللحية مشربا وجهه حمرة، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى يمشى قلعا كأنما ينحدر من صبب.
وفي رواية: إذا مشى تكفّأ تكفيا كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وروي الفسوي من حديث عيسى بن يونس، حدثنا محمد بن عبد اللَّه مولى عفرة، قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد على قال: كان علي إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير أبيض، مشرب أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتف، أو قال الكتد، أجرد ذا مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة [ (2) ] ، أجود الناس كفا وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى
__________
[ (1) ] في (خ) «وكاشثن» .
[ (2) ] في (خ) «بعد قوله: «خاتم النبوة» عبارة «خاتم النبيين» والسياق يقتضي حذفها.

(2/174)


الناس بذمة، وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وفي رواية لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد، لم يكن بالمطهم ولا المكلثم، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، شثن الكفين والقدمين، دقيق المسربة، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، ليس بالسبط ولا بالجعد القطط.
وفي رواية: كان أزهر، ليس بالأبيض الأمهق، وفي رواية: كان في عينيه شكلة، وفي رواية: كان شبح الذراعين.
فالممغط:
الّذي ليس بالبائن الطويل، ولا القصير، وقيل: الممغط: الذاهب طولا، والمتردد: الّذي تردد خلقه بعضه على بعض، فهو مجتمع.
يقول: ليس هو كذلك، ولكن ربعة بين الرجلين، كما جاء في حديث آخر:
كان ضرب اللحم بين الرجلين.
والمطهم:
المنتفخ الوجه، وقيل الفاحش السّمن، وقيل النحيف الجسم، وقيل: الطهمة في اللون أن تتجاوز سمرته إلى السواد، والمكلثم: المدور الوجه، وقيل: هو القصير الحنك الداني الجبهة مع الاستدارة.
يقول: فليس كذلك، ولكنه مسنون، وقوله: مشرب أي شرب حمرته،
والأدعج العين:
الشديد سوادها، والجليل المشاش: العظيم رءوس العظام، مثل الركبتين والمرفقين، والكتد: الكاهل وما يليه من الجسد، وقيل: الكتد: مجمع الكتفين، وهو الكاهل.
وقوله: شثن الكفين والقدمين:
يعني أنهما إلى الغلظ. وقيل الشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين، وقوله إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب: القلع:
أن يمشي بقوة، والصبب الانحدار، والقطط: الشديد الجعودة من أشعار الحبش، والسبط: الّذي ليس فيه تكسر، يقول: فهو جعد رجل، والأزهر الأبيض النير البياض، لا يخالط بياضه حمرة، والأمهق الشديد البياض الّذي لا يخالط بياضه شيء من الحمرة وليس بنيّر، ولكن كلون الجصّ أو نحوه، يقول: فليس هو كذلك.

(2/175)


والشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة: حمرة في سواد العين، والمرهة: بياض لا يخالطه غيره، وأهدب الأشفار: يعني طويلها، وقوله:
شبح الذراعين: يعني عبل الذراعين عريضهما، والمسربة الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة.
وقال يعلي بن عبيد عن مجمع بن يحيى الأنصاري عن عبد اللَّه بن فران عن رجل من الأنصار أنه سأل عليا رضي اللَّه عنه عن نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض اللون مشربا حمرة، أدعج العينين، سبط الشعر ذو وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك [] [ (1) ] ، ليس بالطويل ولا بالقصير؟ لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقال إبراهيم بن طهمان عن حميد الطويل عن أنس قال: لم يكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالآدم ولا الأبيض الشديد البياض، فوق الربعة ودون البائن [ (2) ] الطويل، كان من أحسن ما رأيت من خلق اللَّه، وأطيبهم ريحا وألينهم كفا، ليس بالجعد الشديد الجعودة، وكان يرسل شعره إلى أنصاف أذنيه، وكان يتوكأ إذا مشى.
وقال عبد الرّزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: سئل أبو هريرة عن صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحسن الناس صفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول، ما هو بعيد ما بين المنكبين، أسيل الجبين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين أهدب، إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها، وليس أخمص، إذا وضع رداءه عن منكبه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك يتلألأ. لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وفي حديث أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف الخزاعية، رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه [ (3) ] ، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولا تزريه صقله، وسيما قسيما، في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صحل [ (4) ] ، وفي عنقه
__________
[ (1) ] مكان هذا البياض في (خ) كلمة ممجوجة لم أتبين معناها.
[ (2) ] في (خ) «البياض» .
[ (3) ] أي يشرق بالنور.
[ (4) ] صحل: بحة.

(2/176)


سطع، وفي لحيته كثافة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه، وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نذر ولا هدر، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، لا تشنؤه [ (1) ] من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصنا بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد صلّى اللَّه عليه وسلّم، [وسيأتي] حديث أم معبد بطوله مشروحا عند ذكر المعجزات إن شاء اللَّه تعالى.
وخرّج الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي [ (2) ] من حديث جميع بن عمر العجليّ، قال حدثني رجل بمكة عن ابن أبي هالة عن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي- وكان وصافا- عن حلية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أشتهى أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشعر. إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزّج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشمّ، كثّ اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسّرة بشعر يجرى كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، شثن الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط العقب، شثن الكفين والقدمين، شائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، فإذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشى هونا، ذريع المشية كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام، قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متواصل الأحزان. دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة: يفتتح الكلام ويختتمه
__________
[ (1) ] في (خ) «لا يأس» وما أثبتناه من (الشمائل المحمدية) ص 223.
[ (2) ] (نسبة إلى فسا) من بلاد فارس (لسان الميزان) ج 6 ص 376 ترجمة رقم 265/ 9329.

(2/177)


بأشداقه، ويتكلم بجوامع الملك، فصلا لا فضول ولا تقصير، دمثا، ليس بالمجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقّت، ولا يذم منها شيئا، غير أنه لم يكن يذم ذواقا [ (1) ] ، ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يكن يغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسة ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها: وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبّ الغمام.
قال الحسن: فكتمها الحسين زمانا ثم حدثنيه فوجدته قد سبقني إليه. فسأله عما سألته. فوجدته قد سأل (يعني عليا) رضي اللَّه عنه عن مدخله ومخرجه، وشكله فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين عليه السلام سألت أبا هريرة عن دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا للَّه عزّ وجلّ، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزءا جزأة بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا.
وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه [ (2) ] على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم. ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبّت اللَّه قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة (يعني فقهاء) [ (3) ] .
قال: وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخزن لسانه [ (4) ] إلا فيما [ (5) ] يعينهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه
__________
[ (1) ] الذواق (بفتح الذال وتخفيف الواو) المأكول والمشروب.
[ (2) ] في (خ) «وقسمته» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 158.
[ (3) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «يعني على الخير» .
[ (4) ] في (خ) «يحزن» ، وما أثبتناه من المرجع السابق.
[ (5) ] في (خ) «مما» ، وما أثبتناه من المرجع السابق.

(2/178)


عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس [ (1) ] ، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، ولا يغفل مغافة أن يغفلو أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه [ (2) ] الذين يلونه من الناس، خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر. ولا يوطن الأماكن وينهي عن إيطانها [ (3) ] ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، ومن جالسه أو قاومه في حاجة صابره، حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس من بسطه وخلقه، فصار لهم أبا. وصاروا عنده في الحق متقاربين، متفاضلين بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب [ (4) ] ولا فحاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي. ولا يؤيس [ (5) ] منه، ولا يخيّب فيه مؤمليه [ (6) ] ، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحدا، ولا يعيّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعوا عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم
__________
[ (1) ] كذا في (خ) وفي المرجع السابق «ما في أيدي الناس» .
[ (2) ] كذا في (خ) ، وفي المرجع السابق «يجاوزه» .
[ (3) ] إيطان المكان: التعود على الجلوس في مكان بعينه.
[ (4) ] الصخّاب والسخّاب: بمعني، وهو الصياح.
[ (5) ] في (خ) «يواس» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 160.
[ (6) ] في (خ) «ولا يجب فيه» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 160.

(2/179)


عنده حديث أوليهم [ (1) ] ، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته [ (2) ] ، حتى كان أصحابه ليستجلبوهم [ (3) ] [في المنطق] [ (4) ] ، ويقول. إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ [ (5) ] ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام [ (6) ] .
قال: سألته كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير، فأما تقديره ففي تسويته النظر، والاستماع بين الناس، وأما تذكره- أو قال: تفكره- ففيم يبقى ويغنى [ (7) ] .
وجمع له صلّى اللَّه عليه وسلّم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاد الرأى فيما أصلح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وحديث جميع بن عمرو قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد اللَّه عن ابن أبي هالة لم يسم، عن الحسن بن علي قال:
سألت خالي هند بن أبي هالة- وكان وصّافا- عن حلية رسول اللَّه فقال: كان رسول اللَّه فخما مفخما. (الحديث. هكذا رواه الترمذي في الشمائل، والطبراني في معجمه الكبير، ورواه العقيلي في الضعفاء من طريق مجمع بن عمر، حدثنا يزيد ابن عمر التميمي عن أبيه عن الحسن،
فبين ذلك المبهمين في الإسناد الأول.
والفخم المفخّم:
العظيم المعظم في العيون والصدور، أي كان جميلا مهيبا عند الناس.
والمشذب: الطويل البائن الطول مع نقص في لحمة، أي ليس بنحيف طويل، بل طوله وعرضه متناسبان على أتم صفة.
__________
[ (1) ] كذا في (خ) «وفي المرجع السابق «أولهم» .
[ (2) ] أي إنه يصبر على ما يبدو من الغريب من غلظة في كلامه وسؤاله.
[ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (صفة الصفوة) «ليستجلبونهم» .
[ (4) ] ما بين القوسين ليس في (صفة الصفوة) .
[ (5) ] في (خ) «مكلف» وما أثبتناه من المرجع السابق ومن (النهاية لابن الأثير) .
[ (6) ] رواه (الترمذي)
[ (7) ] هذه الفقرة من (الطبراني) زيادة عن رواية (الترمذي) .

(2/180)


والشعر الرّجل الّذي ليس شديد الجعودة ولا شديد السبوطة، بل بينهما، والعقيصة: الشعر المجموع كهيئة المضفور، والعقيقة: الشعر الّذي يخرج على رأس الصبي حين يولد وسمي الشعر عقيقة لأنه منها ونباته من أصولها، وقيل العقيقة هنا تصحيف، وإنما هي العقيصة.
والأزهر: الأبيض المستنير، وهو أحسن الألوان، وليس بالشديد البياض.
الزّجج: وهو دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس، والقرن: أن يلتقي طرفاهما مما يلي أعلى الأنف، وهو محمود عند العرب، ويستحبون البلج وهو بياض ما بين رأسيهما وخلوة في صفته عليه السلام، دون أن حاجبيه قد سبغا وامتدا حتى كادا يلتقيان فيه ولم يلتقيا، ونفي القرن هو الصحيح في صفته عليه السلام، دون ما وصفته به أم معبد، ويمكن أن يقال: لم يكن بالأقرن، ولا بالأبلج حقيقة، بل كان بين حاجبيه فرجة كبيرة، لا تتبين إلا لمن حقق النظر إليها، كما ذكر في صفة أنفه فقال: يحسبه من لم يتأمله أشمّ ولم يكن أشم.
والسوابغ: جمع سابغ، وهو التام الطويل، ويدرّه الغضب، أي يحركه ويظهره، كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلى الضرع لبنا إذا درّ، فيظهر ويرتفع.
والعرنين: الأنف، والقنا: طول الأنف ودقة أرنبته مع ارتفاع في وسط قصبته، والشمم: ارتفاع رأس الأنف وإشراف الأرنبة قليلا، واستواء أعلى القصبة، أي كان يحسب لحسن قناة قبل التأمل أشم، فليس قناؤه بفاحش مفرط، بل يميل إلى الشمم.
والشعر الكث: الكثيف المتراكب من غير طول ولا رقة، وسهل الخدين:
أي ليس في خديه نتوء وارتفاع، وقيل: أراد أن خديه أسيلان قليلا اللحم رقيقا الجلدة.
والضليع الفم: العظيم الواسع، وكانوا يذمون صغر الفم، وقال أبو عبيد:
أحسبه جله في الشفتين، وغلظة فيهما.
والشنب: رقة الأسنان ودقتهما، وتحدد أطرافهما، وقيل: هو بردهما وعذوبتهما.

(2/181)


والفلج: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات، والمسربة: ما دق من شعر الصدر مائلا إلى السرة.
والجيد: العنق، والدمية الصورة المصورة في جدار أو غيره.
واعتدال الخلق: تناسب الأعضاء والأطراف، وأن لا تكون متباينة في الدقة والغلظ، والصّغر والكبر، والطول والقصر.
والبادن: الضخم التام اللحم، والمتماسك: الّذي لحمه ليس بمسترخ ولا بعضه بعضا، لأن الغالب على السّمن الاسترخاء.
قوله: سواء البطن والصدر: أي متساويهما، يعني أن بطنه غير خارج، فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه.
والمنكبان: أعلا الكتفين، وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر والظهر، والكراديس: جمع كردوس، وهو رأس كل عظم كبير، وملتقى كل عظمتين ضخمتين كالمنكبين والمرفقين، والوركين والركبتين، ويريد به ضخامة الأعضاء وأغلظها.
والمتجرد ما كشف عنه الثوب من اليدين، يعني أنه كان مشرق الجسد، نيّر اللون، فوضع الأنور موضع النيّر.
والأشعر: الّذي عليه الشعر من البدن، واللبة (بفتح اللام) الوهدة في أعلى الصدر وفي أسفل الحلق بين الترقوتين.
وقوله: عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أي أن ثدييه وبطنه ليس عليهما شعر سوى المسربة المقدم ذكرها، الّذي جعله جاريا كالخط.
والزندان: العظمان اللذان يليان الكف من الذراع، رأس أحدهما يلي الإبهام، ورأس الآخر يلي الخنصر.
والراحة: الكف، ورحبها: سعتها، وهو دليل الجود، والشثن: الغليظ الأطراف والأصابع وكونها سائلة أي ليست بمتعقدة ولا متجعدة، فهي مع غلظتها سهلة سبطة.

(2/182)


والقصب: جمع القصبة، وهي كل عظم أجوف فيه مخ، والسبط: الممتد في استواء ليس فيه تعقد ولا نتوء.
والأخمص من القدم: الموضع الّذي لا يصل إلى الأرض منها عند الوطء، والخمصان: المبالغ منه، أي أن ذلك الموضع منه شديد التجافي عن الأرض. وسئل ابن الأعرابي عنه فقال: إذا كان خمص الأخمص بقدر لم يرتفع جدا ولم يسو أسفل القدم جدا فهو أحسن ما يكون، وإذا استوى أو ارتفع جدا فهو ذم.
فيكون المعنى حينئذ: معتدل الخمص بخلاف الأولى، وكلا القولين متجه يحتمله اللفظ، ومسيح القدمين: أي أن ظاهرهما ممسوح غير متعقد، فإذا صب عليهما الماء مرّ سريعا لملامستهما فينبو عنهما الماء ولا يقف، يقال: نبا الشيء ينبو [ (1) ] إذا تباعد.
وقال الهروي: أراد أنهما ملساوان: ليس فيهما وسخ ولا شقاق ولا تكسر، فإذا أصابهما الماء نبا عنهما.
وقوله: إذا زال زال قلعا كأنما ينحط من صبب، والانحدار من صبب والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض. أراد أنه كان يستعمل التثبت، ولا يبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة.
وفي حديث آخر: إذا مشى تقلّع، أراد به قوة المشي وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا، لا كمن يمشى اختيالا، ويقارب خطوه، فإن ذلك من مشى النساء.
والتكفؤ: تمايل الماشي إلى قدام كالغصن إذا هبت به الريح، والهون: المشي في رفق ولين غير مختال ولا معجب-، والذريع: السريع، أي أنه كان واسع الخطو فيسرع مشيه، وربما يظن أن هذا ضد الأول. ولا تضاد فيه، لأن معناه أنه كان مع تثبته في المشي يتابع الخطوات ويوسعها فيسبق غيره.
والصّبب: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل سرعة مشيه، لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه.
__________
[ (1) ] في (خ) «ينبوا» .

(2/183)


وفي رواية كأنما يهوي من صبوب بضم الصاد: جمع صبب، وهو المنحدر من الأرض، وبفتح الصاد: اسم لما يصب على الإنسان من ماء غيره، وهو يهوي:
إذا نزل من موضع عال.
وقوله: وإذا التفت التفت جميعا: أي لم يكن يلوي عنقه، ورأسه إذا أراد أن يلتفت إلى ورائه، فعل الطائش العجل، إنما يدير بدنه كله وينظر، وقيل: أراد أن لا يسارق النظر، وخفض الطرف ضد رفعه، وجلّ الشيء معظمه والملاحظة:
أن ينظر بلحظ عينيه وهو شقها الّذي يلي الصدغ والأذن. ولا يحدق [ (1) ] إلى الشيء تحديقا.
والطرف العين. وكانت الملاحظة معظم نظره وأكثره، وهو دليل الحياء والكرم. ويسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، ويمشي وراءهم، والسكت:
السكوت، وجوامع الكلم: القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني، جمع جامعة وهي اللفظة الجامعة للمعاني، والقول الفصل: هو البين الظاهر المحكم الّذي لا يعاب قائله، وحقيقته الفاصل بين الحق والباطل، والخطأ والصواب.
والفضول من الكلام: ما زاد عن الحاجة وفضل، ولذلك عطف عليه (ولا تقصير) ، والدمث: السهل اللين الخلق، والجافي: المعرض المتباعد عن الناس، وقيل: الغليظ الخلقة والطبع، والمهين (بضم الميم) من الإهانة وهي الإذلال والإطراح، أي لا يهين أحدا من الناس، و (بفتح الميم) من المهانة وهي الحقارة والصغر.
ويعظم النعمة: أي لا يستصغر شيئا أوتيه وإن كان صغيرا، والذّواق: اسم لما يذاق باللسان، أي لا يصف الطعام بطيب ولا بشاعة، وقالوا: وقوله: تعوطي الحق لم يعرفه أحد، أي إذا نيل من الحق أو أهمل أو تعرض للقدح فيه، تنكر عليهم وخالف عادته معهم، حتى لا يكاد يعرفه أحد منهم، ولا يثبت لغضبه شيء حتى ينتصر للحق.
وقوله: إذا تحدث اتصل بها، أي أنه كان يشير بكفه إلى حديثة، وتفسير، «قوله فيضرب بباطن راحته اليمني باطن إبهامه اليسرى، وأشاح» : إذا بالغ في
__________
[ (1) ] نحوه في (مسلم بشرح النووي) ج 15 ص 69.

(2/184)


الإعراب وجدّ فيه. المشيح المبالغ في كل أمر، أي إذا غضب لم يكن ينتقم ويؤاخذ.
بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه» .
وغض الطرف عند الفرح دليل على نفي البطر والأشر، والتبسم: أقل من الضحك، ويفتر: أي يكشف عند التبسم عن أسنانه من غير قهقهة. وحب الغمام: البرد، وقوله: فيرد ذلك على العامة بالخاصة: أرد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت، وكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة، وقيل أن الباء في الخاصة تخبر العامة: بمعنى من، أي فجعل وقت العامة بعد وقت الخاصة وبدلا منهم.
والرّوّاد: جمع رائد، وهو الّذي يتقدم القوم. يكشف لهم حال الماء والمرعى قبل وصولهم، ويخرجون أدلة: أي يدلون الناس بما قد علموه منه وعرفوه. يريد أنهم يخرجون من عنده فقهاء.
ومن قال أذلة (بذال معجمة) فيكون جمع ذليل، أي يخرجون من عنده متواضعين، وقوله: لا يفترقون إلا عن ذواق: ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير، أي لا يفترقون إلا عن علم يتعلمونه يقوم لهم مقام الطعام والشراب، لأنه يحفظ الأرواح كما يحفظ الأجسام.
وقوله: لا تؤبن فيه الحرم: أي لا تقذف وترمي بعيب، والحرم: جمع حرمة، وهي المرأة. ولا تنثى فلتاته: أي لا يتحدث عن مجلسه بهفوة أو زلة إن حدثت فيه من بعض القوم، يقال: نتوت الحديث إذا أذعته. والفلتات جمع فلتة، وهي الزلة والسقطة.
وقيل معناه: أنه لم يكن فيه فلتات فتنثى. والبشر: طلاقة الوجه وبشاشته.
والفظ: السيء الخلق. والسخاب فعال من السخب، وهو الضجة واختلاط الأصوات.
والخصّام والفحّاش والعيّاب: فعال من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة بينهم.
وقوله: لا يقبل الثناء إلا من مكافئ: يريد أنه كان إذا ابتدأ بثناء ومدح كره ذلك، وإذا اصطنع معروفا فأثني عليه، هش وشكر له قبل ثنائه.

(2/185)


وأنكر ابن الأعرابي هذا التأويل وقال: المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه ممن لا يعرف حقيقة إسلامه ويكون من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
وقال الأزهري: معناه لا يقبل الثناء إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا مقصر عما رفعه اللَّه إليه. والمكافأة: المجازاة على الشيء.