إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر آداب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمته وهديه
اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت له آداب، منها: أنه ان يمناه لطهوره، ويسراه لدفع الأذى، ويخفض صوته، ويخمّر وجهه إذا عطس، وكان يقعد القرفصاء، ويحتبي إذا جلس بيديه، ويتكيء على يساره: ويستلقي واضعا إحدى رجليه على الأخرى، ويكثر الصمت، ويعيد الكلمة ثلاثا، وإذا سلّم سلّم ثلاثا، ويسمع الشّعر ويتمثل به ويكثر التبسم: ويحب الفأل ولا يتطير، ويغير الاسم القبيح، ويقبل الهدية ويثبت عليها، ويكثر مشاورة أصحابه، ويحسر عن رأسه حتى يصيبه المطر، ويحتاط في نفي التهمة عنه، ويعرف من وجهه رضاه وغضبه، ويخالط الناس ويحذرهم ويحترس منهم، ويتفقد أصحابه،
ويقول في حلفه إذا حلف: لا ومقلب القلوب،
ويقول: لا والّذي نفسي بيده،
ويقول: لا، وأستغفر اللَّه،
وإذا أراد أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، اشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

فأما جعله يمناه لطهوره ويسراه لدفع الأذى
فخرّج ابن حبان من حديث عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عرونة: عن أبي معشر عن إبراهيم: عن الأسود عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كانت يده اليمني لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما به من أذى.

وأما محبته التيمن في أفعاله
فخرّج مسلم من حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أن كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليحب التيمين في طهوره إذا تطهر، وفي ترجّله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل.
__________
[ (1) ] في (النهاية) «إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأبرئن صدره» .

(2/257)


وخرّج البخاري ومسلم من حديث الأشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره، وترجّله، وتنعله. لم يقل مسلم: ما استطاع، وقال في نعله وترجله وطهوره.
ذكره البخاري في كتاب الصلاة: في باب التيمن في دخول المسجد وغيره، وذكره في كتاب الطهارة في باب التيمن في الوضوء والغسل، وفي كتاب الأطعمة في باب التيمن في الأكل وغيره، وفي كتاب اللباس.
وذكر عمر بن شبة من حديث أشعث بسنده هذا: ولفظه عن عائشة قالت:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ شيئا أخذه بيمينه، وإذا أعطى شيئا أعطى بيمينه:
ويبدأ بميامنه في كل شيء.

وأما فعله عند العطاس
فخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث يحيى بن سعيد وأبي خالد الأحمر عن محمد بن عجلان، عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ عطس أمسك على وجهه وغضّ صوته. وقال يحى: خمّر وجهه. وخرّجه الترمذي من حديث يحيى بسنده وقال: كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه، وغض به صوته، وقال- أي الترمذي-: هذا حديث حسن صحيح.
وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته (شك يحيى) .
وخرّجه قاسم من حديث إدريس بن يحيى الخولانيّ قال: أخبرني عبد اللَّه ابن عباس عن ابن هرمز عن أبي هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا عطس أحدكم فليضع كفّه على وجه ويخفض صوته.
وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر ذي الجناحين يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا عطس حمد اللَّه فيقال له: يرحمك اللَّه، فيقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.

وأما جلسته واحتباؤه واتكاؤه واستلقاؤه
فخرّج أبو داود من حديث حجاج بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزياد

(2/258)


عن عمر بن عبد العزيز بن وهيب: سمعت خارجة بن زيد يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوقر الناس في مجلسه: لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه.
وخرّج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن حسان عن جدته عن قيلة بنت مخرمة أنها رأت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق. وسيرد في فصل كتب رسول اللَّه بطوله.
وله من حديث دبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدريّ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس في المجلس احتبى بيديه.
وله من حديث إسرائيل عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متكئا على وسادة على يساره.
ولمالك عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول اللَّه مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى، قال أبو عمر بن عبد البر: قدح فيه عبد العزيز بن أبي سلمة: فرواه عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد عن عباد بن تميم عن عمه قال: ولا وجه لذكر محمود بن لبيد في هذا الإسناد، وهو من الوهم البين عند أهل العلم. قال فأظن- أن السبب الواجب لإدخال مالك هذا الحديث في موطنه ما بأيدي العلماء من النهي عن هذا المعنى، وذلك أن الليث بن سعد وابن جريج وحماد بن سلمة: رووا عن أبي الزبير عن جابر: قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره.
وروي محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ويستلقي، قاله لنرى واللَّه أعلم أن مالكا بلغه هذا الحديث، وكان عنده عن ابن شهاب حديث عباد بن تميم هذا فحدّث به على وجه الدفع لذلك، ثم أردف هذا الحديث في موطنه بما رواه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما كان يفعلان ذلك، فكأنه ذهب إلى أن نهيه عن ذلك منسوخ بفعله، واستدلّ على نسخه بفعل الخليفتين بعده، وذكر من حديث ابن شهاب عن عباد بن تميم أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك. ومن حديث ابن شهاب قال: حدثني عمر

(2/259)


ابن عبد العزيز أن محمد بن نوفل أخبره أنه رأى أسامة بن زيد بن حارثة في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يفعل ذلك، قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع أنه رأى ابن عمر رضي اللَّه عنه يفعل ذلك.

وأما صمته وإعادته الكلام والسلام ثلاثا وهديه في الكلام وفصاحته
فخرّج أبو بكر محمد بن عبد اللَّه من حديث قيس بن الربيع عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال نعم، كان كثير الصمت.
وخرّجه الإمام أحمد من حديث فريك عن سماك، فذكر به نحوه إلا أنه قال:
وكان طويل الصمت.
وخرّج البخاري من حديث عبد اللَّه بن المثنى، حدثا ثمامة بن عبد اللَّه عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ذكره في باب التسليم والاستئذان ثلاثا وفي كتاب العلم ولفظه فيه: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى يفهم عنه، وإذا أتي على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا. ذكره في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها، وقال ابن عمرة: هل بلّغت ثلاثا.
وخرّج أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن يعقوب عن عتبة عن عمر ابن عبد العزيز عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء.
وخرّج من حديث مسعد قال: سمعت شيخا في المسجد يقول: سمعت جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول: كان في كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترتيل وترسيل.
وخرّج من حديث الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلا يفهمه كل من سمعه، وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يسرد سردكم هذا، كان يتكلم بكلام ينشئه فصلا يحفظه من يسمعه. وفي رواية كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا لو عدّه العاد لأحصاه.

(2/260)


وفي حديث هند بن أبي هالة: كان لا يتكلم في غير حاجة، طويل السّكت، يفتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فضلا لا فضول فيه ولا تقصير.
وفي حديث أم معبد: وكان إذا صمت فعليه الوقار، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق لا نذر ولا هذر.
وخرّج أبو محمد الدارميّ من حديث موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا تكلم يرى كالنور بين ثناياه [ (1) ] .
وقال السهيليّ: فقد روي أنه كان يسطع على الجدار نور من ثغره إذا تبسّم، أو قال: تكلم.
وفي حديث هند أيضا: كان إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلّبها، وإذا تحدّث أفضل بها، يضرب براحته اليمني باطن إبهامه اليسرى.
وقال علي بن الحسين بن واقد: حدثنا أبي عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أنه قال: يا رسول اللَّه! ما بالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل قد درست، فجاء بها جبريل فحفظتها.
وقال عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن جده قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم جالسا مع أصحابه، إذ نشأت سحابة، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه سحابة. فقال: كيف ترون قواعدها؟
قالوا: ما أحسنها وأشدّ تمكنها!! فقال: كيف ترون رحاها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استدارتها! قال: وكيف ترون بواسقها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استقامتها!! فقال: كيف ترون برقها؟ أو ميضا؟ أم خفيا؟ أم يشق شقا؟ قالوا: بل يشق شقا، قال: فكيف ترون جونها؟ قالوا: ما أحسنه وأشدّ سواده!! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم الحيا. فقالوا: يا رسول اللَّه ما رأينا الّذي هو أفصح منك، قال: وما يمنعني، وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربيّ مبين،
قواعدها: أسافلها، واحدها قاعدة، ورحاها: وسطها، وعظمها وبواسقها: ما علا وارتفع منها، واحدتها باسقة، والوميض: اللمع الخفي، والخفي: البرق الضعيف، وجونها: أسودها، والحيا (مقصورا) ، الغيث والخصب، وجمعه أحياء.
__________
[ (1) ] (سنن الدارميّ) ج 1 ص 30 باب في حسن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.

(2/261)


وقال شبابة بن سوار: حدثنا الحسام بن مصك عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أفصح الناس: كان يتكلم بكلام لا يدرون ما هو حتى يخبرهم.
وعن علي رضي اللَّه عنه: ما سمعت كلمة غريبة [ (1) ] من العرب إلا وقد سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسمعته يقول: «مات حتف أنفه» [ (2) ] ، وما سمعتها من عربي قبله.
وقال ابن الجوزي: وكل كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكم وفصاحة، ومن ظرائفه:
إياكم وخضراء الدّمن [ (3) ] ،
وقوله: إن مما ينبت الربيع لم يقتل [ (4) ] حبطا أو يلم،
ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين [ (5) ] ،
والناس كأسنان المشط [ (6) ] ،
والمرء كثير بأخيه [ (7) ] ،
وقوله للأنصار: إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع،
وقوله: خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة [ (8) ] ،
وقوله [خير المال عين ساهرة لعين نائمة] [ (9) ] ،
ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه [ (10) ] ،
وحبك للشيء يعمي
__________
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (صفة الصفوة) ج 1 ص 202 «عربية» .
[ (2) ] هذا بعض حديث صحيح
رواه عبد اللَّه بن عتيك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الّذي يخرج مجاهدا في سبيل اللَّه إن لسعته دابة أو أصابه شيء فهو شهيد، ومن مات حتف أنفه فقد وقع أجره على اللَّه، ومن قتل فقد استوجب المآب.
[ (3) ] حديث
«إياكم وخضراء الدمن» أخرجه (الدارقطنيّ) في (الأفراد) ، و (ابن عدي) في (الكامل)
وقال (السخاوي) في (المقاصد الحسنة) : هذا الحديث لا يصح من وجه.
[ (4) ] في (خ) «يقب» وما أثبتناه من (صفوة) ج 1 ص 203.
والمعني: أن الماشية يروقها كبت الربيع فتأكل فوق حاجتها فتهلك، والحبط: أن ترم بطونها وتنتفخ، فزجر بهذا الكلام عن فضول الدنيا تقول حبطت الدابة حبطا: إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ وتموت، وقوله: «يلم» أي يقرب من القتل.
[ (5) ] حديث
«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والإمام أحمد في المسند، كلهم عن أبي هريرة.
[ (6) ] حديث
«الناس كأسنان المشط» أخرجه ابن لال (في مكارم الأخلاق) عن سهل بن سعد.
[ (7) ] حديث
«المرء كثير بأخيه» أخرجه ابن أبي الدنيا في (الإخوان) عن سهل بن سعد.
[ (8) ] السكة: الطريق المصطفة من النخل، والمأبورة: الملقحة، أراد: خير المال نتاج أو زرع.
[ (9) ] هذا الحديث لم أجد له تخريجا في كتب السنن.
[ (10) ]
قوله: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» جزء من حديث طويل أوله: «من نفّس عن مؤمن كربة ... » ، أخرجه مسلم عن أبي هريرة.

(2/262)


ويصم [ (1) ] ،
كل الصيد في جوف الفرا،
القناعة مال لا ينفذ [ (2) ] ،
ومثل هذا كثير [ (3) ] .

وأما تكلمه بالفارسية
فخرّج ابن حبان من حديث أبي عاصم النبيل عن حنظلة بن أبي سفيان عن سعيد بن مينا عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه: قوموا فقد صنع لكم جابر سورا، قال ثعلب: إنما يراد من هذا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تكلم بالفارسية،
قوله: صنع سورا: أي طعاما دعا إليه الناس [ (4) ] .
وخرّج أيضا من حديث الصلت بن الحجاج عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال: مرّ بي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أشتكي بطني فقال: يا أبا هريرة، عليك بالصلاة فإنه شفاء من كل سقم،
قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يثبت عند علماء النقل، وقد رويناه من أربعة طرق عن أبي هريرة، ومدارها على داود ابن علية، قال يحيى:
لا يكتب حديثه، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا أصل له، وهذه الطريق التي يرويها ابن حبان عن الصلت لا تصح. قال أبو أحمد بن عدي الحافظ: حديث الصلت منكر، قال ابن الجوزي: ولعله أخذه من داود بن علية، ثم مدار الكل على ليث وقد ضعّفوه، قال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وكان ثعلب الأسانيد، ويأتي عن الثقات بما ليس في حديثهم.
وقال علماء النقل: أبو هريرة لم يكن فارسيا، إنما مجاهد فارسي، والّذي قال هذا أبو هريرة خاطب به مجاهدا، ومن رفعه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد وهم. وقد روي هذا الحديث إبراهيم بن البراء من طريق أبي الدرداء، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له ذلك، وإبراهيم يحدّث بالأباطيل، قال ابن حبان: يحدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات.
__________
[ (1) ] حديث «حبك للشيء يعمى ويصم» أخرجه البخاري في التاريخ وأحمد أبو داود عن أبي الدرداء.
[ (2) ] في (خ) «النداء» وما أثبتناه من (صفة الصفوة) ج 1 ص 206، والحديث أخرجه الرامهرمزيّ في (الأمثال) عن نصر بن عاصم الليثي بسند جيد ولكنه مرسل، وأخرجه أيضا العسكري.
[ (3) ] حديث «القناعة مال لا ينفد» أخرجه القضاعي عن أنس.
[ (4) ] راجع: (صفة الصفوة لابن الجوري) ج 1 ص 203 إلى ص 218.

(2/263)


وأما سماعه الشعر واستنشاؤه وتمثله به
فقال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحاصر أهل الطائف لكعب بن مالك وهو إلى جنبه: هيه، لينشده فأنشده قصيدة.
وخرّج مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد من حديث سفيان ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم، قال: هيه، فأنشدته بيتا فقال: هيه، ثم أنشدته بيتا فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت [ (1) ] .
وخرّجه من حديث عبد الرحمن بن مهدي، والمعتمر بن سليمان، كلاهما عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: - استنشدني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثل حديث إبراهيم بن ميسرة، وزاد قال: إن كان كاد ليسلم.
وفي حديث ابن مهدي قال: فلقد كاد يسلم في شعره. ذكره في كتاب الأدب. وقال البغوي: أخبرنا داود بن رشيد، حدثنا يعلي بن الأشدق قال: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [حتى] بلغنا:
السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو بعد ذلك مظهرا
فقال ابن المطهر: يا أبا ليلى! قلت الجنة؟ قال أجل إن شاء اللَّه: ثم قلت:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمى صفوه إن تكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أجدت: لا يفضض اللَّه فاك (مرتين) .
وقال أبو عبد اللَّه إبراهيم بن محمد بن عرفة: حدثنا أحمد بن يحيى عن محمد
__________
[ (1) ]
وذكره الترمذي في (الشمائل المحمدية) ص 126 حديث رقم 248 ولفظه: «كنت: ردف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأنشدته مائة قافية من قول أمية بن أبي الصلت: كما أنشدته بيتا قال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هيه، حتى أنشدته مائة يعني بيتا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أن كاد ليسلم» ، ونحوه في (سنن ابن ماجة) ج 2 ص 1236 حديث رقم 3758.

(2/264)


ابن سلام، أخبرنا محمد بن سليمان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد ابن المسيب قال: قدم كعب بن زهير متنكرا حين بلغه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوعده، فأتى أبا بكر رضي اللَّه عنه، فلما صلّى الصبح أتاه به وهو متلثم بعمامته، فقال:
يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، رجل يبايعك على الإسلام، فبسط يده فحسر عن وجهه فقال:
بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، هذا مقام العائذ بك من النار، أنا كعب بن زهير، فتجهمته الأنصار وغلظت له لما كان من ذكره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلانت له قريش وأحبوا إسلامه، فأمّنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنشده مدحته التي يقول فيها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
فكساه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بردة اشتراها معاوية بن أبي سفيان من الكعب بن زهير بعده بمال كثير، فهي البردة التي يلبسها الخلفاء في العيدين [ (1) ] .
وقال عمرو بن شيبة: حدثنا أحمد بن عيسى، حدثني مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، حدثني سهل بن المغيرة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل رسول اللَّه وأنا [أنشد] [ (2) ] هذين البيتين:
ارفع ضعيفك لا يحربك ضعف ... يوما فتدركه عواقب ما جني [ (3) ]
يجزيك أو يثنى عليك، وإنّ من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى [ (4) ]
__________
[ (1) ] وأثنى فيها على المهاجرين، ولم يذكر الأنصار، فكلمته الأنصار، فصنع فيهم حينئذ شعرا، ولا أعلم له في صحبته وروايته غير هذا الخبر، وفي هذه القصيدة يقول:
إن الرسول لسيف يستضاء به ... مهنّد من سيوف اللَّه مسلول
أنبئت أن رسول اللَّه أوعدني ... والعفو عند رسول اللَّه مأمول
ومما يستجاد لكعب بن زهير قوله:
لو كنت أعجب من شيء لأجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفس واحدة والهمّ منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
راجع (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر ج 9 ص 227، ترجمة 2191، و (الشعر والشعراء لابن قتيبة) ج 1 ص 158 وما بعدها.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] لا يحر: لا نرجع إلى النفس، وأصل الحور الرجوع إلى النفس.
[ (4) ] هذان البيتان غير واضحين في (خ) ، وما أثبتناهما من (الشعر والشعراء لابن قتيبة) ج 1 ص 388 عند ترجمة زهير ابن جناب.

(2/265)


فقال: ردي علي قول اليهودي قاتله اللَّه، لقد أتاني جبريل برسالة من ربي:
أيّما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء إلا الثناء والدعاء فقد كافأه [ (1) ] :
قيل هما لغريض اليهودي، وهو السموأل بن عادية، وقيل لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لورقة بن نوفل، وقيل لزهير بن جناب: وقيل عامر الحرمي، والصحيح أنهما لغريض أو لابنه.
قال ابن الجوزي: وقد أنشده جماعة منهم العباس، وعبد اللَّه بن رواحة، وحسان وضرار، وأنس بن زنيم، وعائشة في خلق كثير، قد ذكرتهم في كتاب أحكام الانتشاء.
وخرّج الترمذي من حديث شريك، عن المقدام بن شريح عن أبيه عائشة رضي اللَّه عنها، قال: قيل لها: هل كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت:
كان يتمثل بشعر ابن رواحة [ (2) ] ، ويتمثل ويقول:
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد [ (3) ]
قال هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] .
وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل من الأشعار:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وخرّجه النسائي من حديث هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن عائشة قالت:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا استراث الخبر تمثل بقافية طرفة:
__________
[ (1) ]
وفي مسند الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: سمعت أبا عبد العزيز موسى بن عبيدة الرّبذي يحدث عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قال الرجل لأخيه: جزاك اللَّه خيرا فقد أبلغ في الثناء. (مسند الحميدي) ج 2 ص 490 حديث رقم 1160.
[ (2) ] هو عبد اللَّه بن رواحة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبة وبدرا، وأحد والخندق والمشاهد بعدها، إلا الفتح وما بعده فإنه قتل يوم مؤتة شهيدا أميرا.
[ (3) ] بضم التاء وكسر الواو المشدّدة، وهو من التزويد، وهو إعطاء الزاد، وأول البيت.
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) ص 122 حديث رقم 241.

(2/266)


ويأتيك بالأخبار من لم تزود [ (1) ]
وخرّجه الإمام أحمد بهذا السند ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة، فذكره.
وخرّجه البخاري في الأدب المفرد من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك:
عن عكرمة قال: سألت عائشة رضي اللَّه عنها: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل شعرا قط؟ فقالت: كان أحيانا إذا دخل بيته يقول:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وخرّج عبد الرزّاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فنزل رجل من المهاجرين فزجر بهم فقال:
لم يغذها مدّ ولا يضيف ... ولا تميرات ولا تعجيف
لكن غذاها اللبن الخريف ... المحصي القارص والصريف
فقالت الأنصار: انزل يا كعب: فإنما يعرض بنا، فنزل كعب بن مالك فقال:
لم يغذها مدّ ولا نصيف ... ولا تميرات ولا تعجيف
لكن غذاها الحنظل النقيف ... ومذقة كططرة الخيف
تنبت بين الزرب والكنيف
قال: فخاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون بينهما شيء، فأمرهما فركبا.
وخرّجه عن معمر قال: حدثني أبو حمزة الثمالي بنحو حديث هشام وزاد فيه:
أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عطف ناقته وأمرهما فركبا.
وخرّجه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أصدق بيت قاله الشاعر، قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل [ (2) ]
__________
[ (1) ] وهذا البيت من شعر طرفه أيضا في قصيدته المعلقة.
[ (2) ] هذا البيت هو أول ما ذكره (ابن قتيبة) في (الشعر والشعراء) ج 1 ص 285 فيما يستجاد من شعر لبيد:

(2/267)


ذكره البخاري في كتاب الرقاق.
وخرّجا من حديث سفيان عن عبد الملك بن عمير قال: حدثنا أبو سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل
وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم. وقال البخاري: الشاعر. ذكره في كتاب الأدب، وفي أيام الجاهلية، وفي لفظ لمسلم والترمذي قال: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد، فذكره. وفي لفظ لمسلم: إن أصدق بيت قاله الشاعر، فذكره. وكان أمية بن أبي الصلت أن يسلم. وفي آخر: إن أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد.
وخرّج البخاري ومسلم من حديث قتيبة: حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخندق وهم يرتجزون ونحن ننقل التراب على أكبادنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
وخرّجه مسلم مثله سواء. ذكره البخاري في غزوة الخندق، وفي كتاب المناقب، وذكره في كتاب الرقاق ولفظه فيه:
اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
وذكره في غزوة الخندق في كتاب الجهاد، وفي عدة مواضع. وذكره مسلم من عدة طرق.
__________
[ () ]
ألا كل شيء ما خلال اللَّه، باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
إذا المرء أسرى ليلة ظنّ أنه ... قضى عملا، والمرء ما عاش آمل
حبائله مبثوثة بسهيلة ... ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل
إلى أن قال:
وكل امرئ يوما سيعلم سعيه ... إذا كشفت عند الإله المحاصل
وهذا البيت الأخير يدلّ على أنه قيل في الإسلام، وهو شبيه بقول اللَّه تبارك وتعالى وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ الآية 10 من سورة العاديات، أو كان لبيد قبل إسلامه يؤمن بالبعث والحساب. مثل غيره من شعراء الجاهلية.

(2/268)


وخرّجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل معنا التراب، ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:
واللَّه لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... إن الأولى قد بغوا علينا
قال: وربما قال:
إن الملا أبوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته
وقال البخاري: ولولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، إن الأولى، وربما: إن الملأ قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا. يرفع بها صوته وكرره في عدة مواضع [ (1) ] .
وخرجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قيل للبراء: أولّيتم مع النبي يوم حنين؟ فقال: أمّا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا، كانوا رماة، فقال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب [ (2) ]
وكرراه.
وخرّجا أيضا من حديث شعبة عن الأسود بن قيس عن جندب بن أبي سفيان البجلي قال: أصاب حجر إصبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدميت فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لاقيت؟
وخرّجه الترمذي أيضا.

وأمّا تبسّمه صلّى اللَّه عليه وسلّم
فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسّم.
__________
[ (1) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 250.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) حديث رقم 78 باب 27 كتاب 32.

(2/269)


وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه.
وخرّج من حديث بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد قال: سمعت أم الدرداء تقول: كان أبو الدرداء إذا حدّث حديثا تبسم، فقلت: لا يقال أنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا إلا تبسم.
وفي رواية كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقلت له: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث لا تبسم.
ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت أنيابه. وكذا
من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قالت سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه- وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان- فقالوا للنعيمان: ويحك! إنّ ناقته نادية- أي سمينة- فلو نحرتها فانا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ قالوا: إلا تفعل، فقام فضرب في لبته ثم انطلق، فمرّ المقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا فقال:
يا مقداد، غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل، فلما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ! فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان، قال: فأين توجه؟ قالوا: هاهنا، فتبعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حمزة وأصحابه حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟ فصمت، فقال: لتخبرني أين هو؟ فقال: ما لي به علم، وأشار بيده إلى مكانه، فكشف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه، ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى

(2/270)


عليه السلام الأعرابيّ وقال: شأنكم بها، فأكلوها، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه.
وقال زائدة عن أبان عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك [ (1) ] .
وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار فقيل له:
تمنّ، فتمنى، فيقال له: ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟
فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (2) ] .
ولابن حبان من حديث الليث عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد!! كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم، فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه مثلي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم
__________
[ (1) ] رواه (البخاري) ج 4 ص 64 ولفظه: «ما حجبني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ... » .
[ (2) ]
(مسند أحمد) ج 1 ص 379، ولفظه: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج منها زحفا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة، قال: فيذهب يدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل، قال: فيرجع فيقول: قد أخذ الناس المنازل، قال: فيقال له: أتذكر الزمان الّذي كنت فيه؟ قال: فيقول: نعم، فيقال له: تمنه، فيتمنى، فيقال: إن لك الّذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، قال: فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» .
ورواه (مسلم) بلفظ آخر وزاد فيه «قال: فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة» (مسلم بشرح النووي) ج 2 ص 40،
وأما معنى «أتسخر بي» هنا ففيه أقوال أشهرها ما قاله القاضي عياض:
أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا، فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوقين، وهذا كما
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرجل الآخر: أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال: أنت عبدي وأنا ربك،
واللَّه أعلم.
والمراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل المراد بها الضواحك، وقيل المراد بها الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة، ولكن الصواب عند الجمهور ما قدمناه، وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال، واللَّه أعلم.

(2/271)


اللَّه، أو قال: لقد رضي اللَّه حكمك فيهم [ (1) ] .
قال ابن الجوزي: وهذا الحديث لا يثبت، فيه جماعة مجروحون ولا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يزيد عن التبسم.
وخرّج الإمام أحمد وأبو يعلي والبراء والطبراني في الكبير من حديث هشام عن أبي الزبير عن عبد اللَّه بن سلمة عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطبنا فيذكرنا بأيام اللَّه حتى يعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم يصبّحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع.

وأما محبته الفأل وتركه الطيرة وتغييره الاسم القبيح
فخرج مسلم من حديث يحيى بن عتيق قال: أخبرنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح.
ومن حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوي ولا هامة، ولا طيرة وأحب الفأل الصالح.
وخرّجا من حديث معمر وشعيب عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا طيرة وخيرها الفأل، قيل يا رسول اللَّه وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم.
وخرّج البخاري وأبو داود من حديث هشام: أخبرنا قتادة عن أنس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا عدوي ولا طيرة، ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة.
وخرّج أبو داود من حديث هشام عن قتادة عن عبيد اللَّه بن مريدة عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا
__________
[ (1) ]
(مسند الحميدي) ج 2 ص 345 من حديث زيد بن أرقم حديث رقم 785 وقال فيه: «فلما قدمنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرنا ذلك فقال له: ما أعلم فيها إلا ما قال علي» ، (مسند أحمد) ج 4 ص 374 من حديث زيد بن أرقم بنحوه، (سنن النّسائي) ج 6 ص 182 باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه،
وقال: «فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فضحك حتى بدت نواجذه» ، ولم يذكر أحد من أهل العلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يزيد عن التبسم.

(2/272)


أعجبه اسمه فرح به رئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهة ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا أعجبه اسمها رئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد: أن رسول اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للقحة تحلب: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟
فقال الرجل: مرّة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟
فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: حرب، فقال له: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال:
يعيش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب. هكذا رواه مالك موقوفا على يحيى [ (1) ] .
وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتطير ولكن يتفأل، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه: من أنت؟ قال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال: برد أمرنا وصلح، ثم قال ممن؟ قال: من أسلم، فقال لأبي بكر سلمنا، ثم قال: ممن؟ قال: من سهم، قال: خرج سهمك. فقال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: فمن أنت؟ قال: محمد ابن عبد اللَّه رسول اللَّه،
قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة وأسلم الذين معه جميعا، فقال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تدخل المدينة إلا معك لواء، فحلّ عمامته ثم شدّها في رمح ثم مشي بين يديه حتى دخل المدينة. قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت [له] [ (2) ] بنو سهم طائعين.
وخرّج الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس: أن نبي اللَّه
__________
[ (1) ] (موطأ مالك) ص 690 باب ما يكره من الأسماء، حديث رقم 1776.
قال ابن عبد البر: ليس هذا من باب الطيرة لأنه محال أن ينهي عن شيء ويفعله، وإنما هو من باب طلب الفأل الحسن، وقد كان أخبرهم عن شرّ الأسماء أنه حرب ومرّة، فأكد ذلك حتى لا يتسمى بهما أحد. (تنوير الحوالك شرح موطأ مالك) ج 2 ص 245. وفي (خ) «القحة تجلب من تحلب» وما أثبتناه من (الموطأ) .
[ (2) ] زيادة للسياق.

(2/273)


صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع يا راشد.. يا نجيح. قال أبو عيسى:
هذا حديث حسن غريب صحيح.
وخرّج البزار من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم، ذكره أنه لا يعلم رواه عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه إلا قتادة.
وقال هشام الدستواني عن يحيى بن كثير قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمراء الأجناد ألا توفدوا إلينا إلا برجل حسن الوجه حسن الاسم.
وخرّج ابن حبان من حديث مبارك بن فضالة عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته فقال: أخذنا فألك من فيك.
وخرّج الترمذي من حديث عمر بن علي المقدمي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغير الاسم القبيح، وربما قال عمر ابن علي في هذا الحديث هشام بن عروة عن أبيه، ولم يذكر فيه عائشة.
وخرّج مسلم والترمذي من حديث يحيى عن سعيد عن عبيد اللَّه قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غيّر اسم عاصية وقال: أنت جميلة [ (1) ] .
ولمسلم من حديث سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت جويرة اسمها برّة، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمها جويرة، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة [ (1) ] .
وللبخاريّ ومسلم من حديث شعبة عن عطاء بن ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة أن زينب ان اسمها برة، فقيل تزكي [ (2) ] نفسها، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 119، 120. باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرة ونحوهما.
[ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وما أثبتناه من المرجع السابق.

(2/274)


ولمسلم من حديث الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمر عن عطاء قال:
حدثتني زينب ابنة أم سلمة قالت: كان اسمي برة، فسمّاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب، قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة فسماها زينب.
ومن حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمر بن عطاء قال:
سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب ابنة أبي سلمة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهي عن هذا الاسم، وسميت برّة فقال رسول اللَّه: لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البرّ منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب [ (1) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث عبيد اللَّه بن عمر عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر، قال: فدعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين، قلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا.
وخرّج قاسم بن أصبغ وأحمد بن حنبل من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال بل هو حسين، فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابن، ما سميتموه؟ قلت: حربا، قال هو محسن [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد حديث سفيان عن أبي إسحاق عن رجل من جهينة قال: سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يقول يا حرام، فقال: يا حلال.
ومن حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا عبيد اللَّه بن إياد [ (3) ] بن لقيطة [السدوسي] [ (4) ] عن أبيه عن ليلى امرأة بشير بن الخضامية عن بشير قال- وكان
__________
[ (1) ] المرجع السابق.
[ (2) ] ثم زاد أسد،
ثم قال: إني سمّيتهم بأسماء ولد هارون: شبّر وشبّير ومشبّر. (الاستيعاب لابن عبد البر) ج 3 ص 100.
[ (3) ] في (خ) «أبان» .
[ (4) ] ما بين القوسين غير واضح في (خ) ، وما أثبتناه من (الجرح والتعديل) ج 2 ص قسم 2 ص 307 ترجمة رقم 1462 وهو ثقة كما قال عنه يحيى بن معين.

(2/275)


قد أي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واسمه زحم- فسماه النبي بشيرا [ (1) ] .
ومن حديث إسماعيل بن عياش عن بكر بن زرعة الخولانيّ عن مسلم بن عبد اللَّه الأزدي قال: جاء عبد اللَّه بن قرظ الأزدي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: ما اسمك؟
قال: شيطان بن قرظ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت عبد اللَّه بن قرظ.
ومن حديث شعبة عن عبد اللَّه بن أبي السفر [ (2) ] عن عامر الشعبي عن عبد بن مطيع ابن الأسود، حدثني عدي بن كعب عن أبيه مطيع- وكان اسمه العاصي- فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطيعا. قال سمعت رسول اللَّه حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا.
ولأبي داود [ (3) ] من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن،
قال سعيد: فظننت أن ستصيبنا بعده حزونة. قال أبو داود:
وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه العاص وعزيز وعتلة [ (4) ] وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما، وسمي حربا سلما [ (5) ] ، وسمي المضطجع المنبعث، وأرض
__________
[ (1) ] ونحوه في (سنن أبي داود) ج 3 ص 554 حديث رقم 3230 باب المشي في النعل بين القبور.
[ (2) ] في (خ) «اليفر» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) ج 4 ص 340 عند ترجمة شعبة بن الحجاج رقم 580.
[ (3) ] وأخرجه (البخاري) في الأدب باب اسم الحزن وفيه [قال ابن المسيّب: فما زالت فينا الحزونة بعد] .
[ (4) ] العتلة: عمود حديد تهدم به الحيطان، وقيل: حديدة كبيرة يقلع بها الشجر والحجر.
[ (5) ] أما (العاص) : فإنما غيره كراهة لمعنى العصيان، وإنما سمة المؤمن: الطاعة والاستسلام.
و (عزيز) : إنما غيره لأن العزة للَّه سبحانه، وشعار العبد: الذلة والاستكانة، وقد قال سبحانه عند ما يقرّع بعض أعدائه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49] .
و (عتلة) : معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم: رجل عتلّ: أي شديد غليظ. ومن صفة المؤمن:
اللين والسهولة.
و (شيطان) : اشتقاق من الشّطن: وهو البعد عن الخير، وهو اسم المارد الخبيث من الجن والإنس.
و (الحكم) : هو الحاكم الّذي إذا حكم لم يردّ حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير اللَّه سبحانه، ومن أسمائه الحكم.
و (غراب) : مأخوذ من الغرب، وهو البعد. ثم هو حيوان خبيث الفعل، خبيث الطعم، وقد أباح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله في الحل والحرم.
و (حباب) : نوع من الحيات، وقد روي أن الحباب اسم الشيطان.

(2/276)


تسمى عفرة [ (1) ] سماها خضرة، وشعب الضلالة سماها شعب الهدى، وبني الزنية سماهم بني الرّشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة [ (2) ] . قال أبو داود: وتركنا أسانيدهما للاختصار.
وخرّج بقي [بن] مخلد من حديث عبدة بن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ بأرض تسمى مجدبة فسماها خضرة.
وخرّج البخاري من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال لا أغير اسما سمانيه أبي،
قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعده. ترجم عليه باب اسم الحزن، وذكره أيضا في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه.
[و] [ (3) ] من حديث ابن جريج، أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده قدم على النبي فقال: ما اسمك؟
(الحديث بنحو منه) .
وللبخاريّ ومسلم من حديث أبي غسان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتي بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء بين يديه، فأتي أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأقلبوه [ (4) ] ، ...
__________
[ () ] فقيل: إنه أراد به المارد الخبيث من شياطين الجن، وقيل-: أراد نوعا من الحيات يقال لها:
الشياطين. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] .
و (الشهاب) : الشعلة من النار، والنار عقوبة اللَّه سبحانه، وهي محرقة مهلكة.
[ (1) ] وأما (عفرة) : فهي نعت للأرض التي لا تنبت شيئا، أخذت من العفرة، وهي: لون الأرض القحلة فسماها خضرة على معنى التفاؤل لتخضر وتمرع.
وقوله: (عقرة) : المحفوظ عقرة بالقاف. كأنه كره اسم العقرة، لأن العاقر هي المرأة التي لا تحمل، وشجرة عاقر: لا تحمل.
[ (2) ] يقال: هذا ولد رشدة: إذا كان لنكاح صحيح، كما يقال في ضده: ولد زنية، بالكسر فيهما، وقيل بالفتح. (معالم السنن للخطابي) على هامش (سنن أبي داود) ج 5 ص 241 وما بعدها، تعليقا على الحديث رقم 4956.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] فأقبلوه: أي ردوه وصرفوه في جميع نسخ (صحيح مسلم) فأقبلوه بالألف وأنكره جمهور أهل اللغة والغريب وشراح الحديث وقالوا: صوابه قلبوه بحذف الألف. قالوا: قال: قلبت الصبي والشيء صرفته ورددته.

(2/277)


فاستفاق النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: أقلبناه يا رسول اللَّه، قال ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا، ولكن اسمه المنذر، فسماه يومئذ المنذر.
وذكره البخاري [ (2) ] في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه ولم يقل: فأقلبوه، وقال: ولكن اسمه المنذر، لم يذكر لا.
وخرّج أبو داود [ (3) ] من حديث بشير بن ميمون عن عمه عن أسامة ابن أخدريّ أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما اسمك؟ قال [أنا] [ (4) ] أصرم، قال: بل أنت زرعة.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هانئ بن شريح أنه ذكر أنه أول ما وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه سمعهم وهو يكنون هاني أبا الحكم، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه اللَّه هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكن أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء فحكمت بينهم رضى كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا، قال: فما لك من الولد؟ قال:
شريح بن هاني وعبد اللَّه ومسلم قال أين أكبرهم؟ قال: شريح، قال: أنت أبو شريح، فدعاه له ولولده، وسمع القوم وهم يسمون رجلا منهم عبد الحجر فقال:
ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال: بل أنت عبد اللَّه- وأنه لما حضر خروج القوم إلا بلادهم أعطى كل رجل منهم [] [ (5) ] في بلاده حيث أحب، إلا أن هانئ قال له: يا رسول اللَّه، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام وبذل الطعام. وذكره أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح إلى قوله-: فأنت أبو شريح، وبعده قال أبو داود: هذا هو الّذي كسر السلسلة وهو ممن دخل تستر.
وخرّجه النسائيّ [ (6) ] أيضا والبخاري في الأدب المفرد [ (7) ] .
__________
[ (1) ] أي انتبه من شغله وفكره الّذي كان فيه واللَّه أعلم (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 128.
[ (2) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 80.
[ (3) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 239 حديث رقم 4954.
[ (4) ] زيادة من نص (أبي داود) .
وإنما غير اسم (أصرم) لما فيه معنى الصّرم وهو القطيعة، يقال: صرمت الحبل: إذا قطعته، وصرمت النخلة، إذا جذذت ثمرها. (معالم السنن للخطابي) ج 5 ص 240.
[ (5) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) «ولعل الصواب ما أثبتناه.
[ (6) ] (سنن النسائي) ج 8 ص 326 باب إذا حكّموا رجلا فقضى بينهم.
[ (7) ] (فضل اللَّه الصمد) ج 2 ص 283 حديث رقم 811.

(2/278)


وأما قبوله الهدية ومثوبته عليها
فخرج أبو بكر الشافعيّ من حديث علي بن خشرم قال: حدثنا عيسى ابن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبل الهدية ويثيب عليها، وقالت عائشة رضي اللَّه عنها لعروة: ابن أختي! لتنظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قلت: يا خالة! ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول اللَّه جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانها فيسقينا. وفي رواية: كانت لم منائح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانهم فيسقينا.
وخرّج البخاري من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدى إليّ ذراع لقبلت.

وأما مشاورته أصحابه
فقال تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ (1) ] .
وقد اختلف السلف في المعنى الّذي من أجله أمر اللَّه تعالى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يشاورهم فيه، فقال بعضهم: أمره بمشاورة أصحابه في مكائد الحروب وعند لقاء العدو، وتطييبا منه بذلك لأنفسهم، وتألفا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان اللَّه تعالى قد أغناه بتدبيره له أموره، وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم، وإلى هذا ذهب قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعيّ.
قال قتادة: أمر اللَّه تعالى نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه اللَّه، عزم اللَّه لهم على رشده.
وقال الربيع: أمر اللَّه نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء، لأنه أطيب لأنفسهم.
__________
[ (1) ] الآية 159/ آل عمران.

(2/279)


وقال ابن إسحاق: وشاورهم في الأمر: أي لقولهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم، وإن كنت عنهم غنيا، تألفهم بذلك على دينهم.
وقال الشافعيّ، وكقوله عليه السلام: والبكر تستأمر، تطييبا لقلبها لأنه واجب.
وقال آخرون: بل أمره اللَّه بمشورتهم في ذلك ليتبين له الرأى وأصوب الأمور في الأمور، لما علم اللَّه تعالى في المشورة من الفضل. وإلى هذا ذهب الضحاك ابن مزاحم والحسن.
قال الضحاك: ما أمر اللَّه نبيه بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل، وعن الحسن: ما شاور قوم قطّ إلا هدوا لأرشد أمورهم.
وقال آخرون: إنما أمره [ (1) ] اللَّه بمشاورة أصحابه مع استغنائه عنهم، ليتبعه المؤمنون وبعده فيما جدّ لهم من أمر دينهم، لأنهم إذا تشاوروا في أمر دينهم متبعين الحق في المشورة، لم يخلهم اللَّه من لطفه وتوفيقه إياهم للصواب من الرأي، ونظيره قوله تعالى فيما مدح به المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [ (2) ] .
قال سفيان بن عيينة في قوله: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ: قال: هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه أثر.
واختار أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: أن اللَّه تعالى أمر نبيه بمشاورة أصحابه فيما حزبه [ (3) ] من أمر عدوّه ومكائد حربه تألفا منه بذلك لمن لم يأمن عليه الفتنة، وتعريفا لأمته ليقتدوا به في ذلك عند النوازل، وأما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن اللَّه تعالى كان يعرف مطالب ما جدّ به من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه بالصواب، وأما أمته إذا تشاوروا مستنين بفعله فإنه تعالى يسددهم [ (4) ] .
وقد خرّج ابن حبان من حديث طلحة بن زيد عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من
__________
[ (1) ] في (خ) «أمر اللَّه» .
[ (2) ] الآية 38/ الشورى.
[ (3) ] في (خ) «جذّبه» وما أثبتناه من (الطبري) .
[ (4) ] (جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري) ج 3 ص 153.

(2/280)


رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقد ذكرت فيما يأتي فصلا في ذكر من شاوره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجعه إلى رأيه، فتأمّله ففيه ما لم أره مجموعا كما أوردته فيه واللَّه أعلم.

وأمّا ما يفعله عند نزول المطر
فخرج مسلم من حديث يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البنانيّ عن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطر، قال: فحسر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثوبه حتى أصابه المطر، فقلنا: يا رسول اللَّه! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربّه [ (1) ] .
وخرّج ابن حبان من حديث أيوب بن مدرك عن مكحول عن معاوية بن قرة [ (2) ] قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يكشفون رءوسهم في أول مطر يكون من السماء في العام ويقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه أحدث بربنا وأعظمه بركه.
وخرّج الحاكم من حديث أبي عامر العقدي حدثنا سليمان بن سفيان المديني، حدثني بلال [ (3) ] بن طلحة بن عبيد اللَّه عن أبيه عن جده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا رأى الهلال قال: اللَّهمّ أهلّه علينا باليمن [ (4) ] والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك اللَّه [ (5) ] .
ومن حديث عفان: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا أبو مطر عن سالم عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللَّهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (6) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 6 ص 197.
[ (2) ] في (خ) «قشر» وصوبناها من (تهذيب التهذيب) ج 10 ص 216 ترجمة معاوية بن قرة رقم 399.
[ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) «بلال بن يحيى بن طلحة» .
[ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (المستدرك) «بالأمن» .
[ (5) ] (المستدرك للحاكم) ج 4 ص 285.
[ (6) ] (المرجع السابق) ج 4 ص 286.

(2/281)


وأمّا احتياطه في نفي التّهمة عنه
فخرّج البخاري ومسلم من حديث أبي سليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: عن [عليّ] [ (1) ] بن الحسين أن صفية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرته أنها جاءت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مرّ رجلان من الأنصار فسلما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها صفية [ (2) ] ، فقالا: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه! وكبر عليهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا. ذكره البخاري في الاعتكاف، وترجم عليه باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟. وذكره مسلم في كتاب الأدب، وذكره البخاري في كتاب الخمس في باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث عبد الرحمن بن خالد عن شهاب بنحوه، وفيه: فسلّما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم نفذا فقال: على رسلكما، قالا: سبحان اللَّه! الحديث. وذكره في كتاب الأدب في باب التكبير والتسبيح عند التعجب، من حديث أبي اليمان عن شعيب، ومن حديث محمد بن أبي عتيق كلاهما عن ابن شهاب، وذكره في الاعتكاف باختلاف ألفاظ.

وأمّا ما يفعله إذا ورد عليه ما يسرّه
فخرّج أبو داود [ (4) ] في سننه وفي كتاب الجهاد عن مخلد بن خالد، وخرّج أبو عيسى الترمذي [ (5) ] في السّير من جامعه عن محمد بن المثنى، وخرّج ابن ماجة [ (6) ] عن عبدة بن عبد اللَّه وأحمد بن يوسف، أربعتهم عن أبي عاصم الضحاك
__________
[ (1) ] زيادة من رواية البخاري ج 1 ص 346.
[ (2) ] في (البخاري) «صفية بنت حيي» .
[ (3) ] (صحيح البخاري) ج 2 ص 188.
وخرجه الإمام أحمد في (المسند) من حديث أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي اللَّه عنها ج 6 ص 337، و (مسلم) ج 14 ص 155، 156.
[ (4) ] (سنن أبي داود) ج 3 ص 216 حديث رقم 2774.
[ (5) ] (الجامع الصحيح للترمذي) ج 3 ص 69 حديث رقم 1626.
[ (6) ] (سنن ابن ماجة) ج 1 ص 446 حديث رقم 1394 وفيه قال: «حدثنا أبو عاصم عن بكار.

(2/282)


ابن مخلد الشيبانيّ النبيل [ (1) ] عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن بكرة رضي اللَّه عنه ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه أو بشّر به خرّ ساجدا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بكار بن عبد العزيز، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا سجدة الشكر. انتهى.
وذكره أبو بكر البزار في مسندة قال: حدثنا عمرو بن عليّ، حدثنا أبو عاصم بهذا الإسناد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّ بأمر بشّر به فخرّ ساجدا.
وذكر يونس بن بكير عن عنبسة بن الأزهر عن ابن إسحاق قال: لما جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل، استحلفه ثلاثة أيمان باللَّه الّذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا فحلف له، فخرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجدا، أو قد جاء أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى لما بشّر بقتله [ركع] [ (2) ] ركعتين. وجاء من طريق ابن لهيعة:
حدثني موسى ابن وردان العامري عن أبي هريرة قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقعدا فخرّ ساجدا.

وأمّا ظهور الرضى والغضب في وجهه
فخرّج ابن حبان من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب عن عمه عن عبد اللَّه بن كعب عن كعب بن مالك قال:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّه الأمر استنار وجهه كأنه دارة القمرة.
وله من حديث الليث عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسرورا تبرق أسارير وجهه.
وله من حديث جامع بن أبي راشد عن منذر الثوري عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّه الأمر استنار وجهه.
وخرّج الحاكم من حديث أبي همام محمد بن حبيب، حدثنا سفيان الثوري، حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
__________
[ (-) ] ابن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن أبي بكرة عن أبيه ... » .
[ (1) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (تهذيب التهذيب) ج 12 ص 143.
[ (2) ] زيادة للسياق.

(2/283)


إذا ذكر الساعة احمرّت وجنتاه واشتد غضبه وعلا صوته، كأنه منذر جيش صبحتكم مساتكم، قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين.
وخرّج ابن حبان وله من حديث قتادة عن أبي السوار عن عمران بن حصين قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا كره شيئا عرف في وجهه.
وله من حديث عبد اللَّه بن إدريس عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتد وجده أكثر من مسّ لحيته.
وخرّج الحاكم من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول اللَّه، أتأذن لي فأكتب ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضى والغضب؟ قال: نعم، فإنه لا ينبغي أن أقول عند الرضى والغضب إلا حقا.
قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (1) ] .

وأما مخالطته الناس وحذره واحتراسه منهم وتفقده أصحابه
ففي حديث هند بن أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحرز لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي على أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس.
وفي حديث علي رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود الناس وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه [ (2) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث همام: حدثنا رجل من الأنصار أن أبا بكر بن عبد اللَّه بن قيس حدثه أن أباه حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكثر زيارة الأنصار خاصة وعامة، وكان إذا زار خاصة أتى الرجل في منزله، وإذا زار عامة أتى المسجد.
__________
[ (1) ] (المستدرك على الصحيحين) ج 1 ص 105.
[ (2) ] في (خ) بعد قوله «أحبه» عبارة «يمينه إذا حلف» وحذفناها لبعدها عن السياق ولعلها سهو من الناسخ.

(2/284)


وأمّا يمينه إذا حلف
فخرّج البخاري من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ومقلب القلوب.
وخرّج من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا.
وهو مما اتفقا عليه [ (1) ] .
وخرّجا من حديث إسماعيل بن جعفر عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده.
اللفظ للبخاريّ وقد كرره في مواضع.
وقد أورد البخاري رحمه اللَّه في باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جملة من الأحاديث، منها يمينه: والّذي نفسي بيده، وبو الذي نفس محمد بيده: ولبقي ابن مخلد من حديث حماد بن خالد عن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كانت يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا وأستغفر اللَّه

وأمّا قوله إذا أراد القيام من مجلسه
فخرّج أبو داود من حديث الحجاج بن دينار عن أبي هاشم عن أبي العالية عن أبي برزة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول بآخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس:
سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. فقال رجل: يا رسول اللَّه، إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما ما مضى، قال: كفارة لما يكون في المجلس. وخرّجه النّسائي بنحو أو قريب منه.
والنسائي من حديث الليث عن ابن الهاد عن يحي بن سعيد عن زرارة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقوم من مجلس إلا قال: لا إله
__________
[ (1) ] يعني البخاري ومسلم.

(2/285)


إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقلت: يا رسول اللَّه! ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت! قال: لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس. وفي لفظ له: قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قام من مجلس يكثر أن يقول: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، وساق الحديث بنحوه.