إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر زهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا وإعراضه عنها وصبره على القوت الشديد فيها واقتناعه باليسير منها وأنه كان لا يدخر إلّا قوت أهله، وصفة عيشه، وأنه اختار اللَّه والدار الآخرة
قال اللَّه جل جلاله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] .

وأما زهده في الدنيا وإعراضه [ (2) ] عنها
فقد [ (3) ] روى أنه عليه السلام خيّر بين أن يكون عبدا نبيا وبين أن يكون ملكا نبيا، فاستشار فيه جبريل عليه السلام فأشار عليه بأن يتواضع، فاختار أن يكون عبدا نبيا.
وخرّج يعقوب بن سفيان الفسوي، من حديث بقية بن الوليد، عن الزبيدي عن الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس رضي اللَّه عنه يتحدث أن اللَّه عزّ وجلّ أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل عليه السلام، فقال الملك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أكون عبدا نبيا، قال:
فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه عزّ وجلّ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] الآية 131/ طه.
[ (2) ] في (خ) «وإعراضها» .
[ (3) ] في (خ) «وقد» .
[ (4) ] سبق تخريج هذا الحديث.

(2/286)


وقال عمر بن الخطاب: رضي اللَّه عنه في حديث اعتزال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه: فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدني عليه إزاره وجلس، وإذا الحصير أثّرت بجنبه، وقلّبت عيني في خزانة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين- أو قال قبضة- من شعير، وقبضة من قرظ نحو الصاعين، وإذا أفيق أو أفيقان معلقان، فابتدرت عيناي، قال:
ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا رسول اللَّه! وما لي لا أبكي وأنت صفوة اللَّه ورسوله، وخيرته من خلقه، وهذه خزانتك، وهذه الأعاجم كسرى وقيصر، في الثمار والأنهار، وأنت هكذا؟ قال: يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: فاحمد اللَّه. وذكر الحديث.
وفي لفظ قال: فجلست فرفعت رأسي في البيت، فو اللَّه ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهب ثلاثة، فقلت: أدع اللَّه يا رسول اللَّه أن يوسع على أمتك، فقد وسّع على فارس والروم وهم لا يعبدون اللَّه، فاستوى جالسا فقال: أفي شك يا ابن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: أستغفر اللَّه يا رسول اللَّه.
وفي رواية أنس: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على سرير مرمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمر وناس من أصحابه، فانحرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم انحرافة، فرأى عمر- رضي اللَّه عنه- أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: ما يبكيك يا عمر؟ فقال عمر: وما لي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنت على الحال التي أرى؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم:
يا عمر! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى، قال: هو كذلك.
ولأبي داود من حديث عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه قال: اضطجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على حصير فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه عنه وأقول:
بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه؟
فقال: ما لي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا؟ إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
وخرّجه الترمذي بهذا السند ولفظه: نام رسول اللَّه على حصير فقام وقد أثّر

(2/287)


في جنبه، فقلنا يا رسول اللَّه! لو اتخذنا لك؟ فقال: ما لي والدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. قال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] .
وخرّجه الحاكم من حديث ثابت بن زيد: حدثنا هلال بن خباب [ (2) ] عن عكرمة عن ابن عباس، ومن حديث عمرو بن مرة كما تقدم وصححاه.
وخرّج ابن حبان من طريق أبي حسين الجعفي عن فضيل بن عياض عن مطرح ابن يزيد عن عبيد اللَّه بن زحر عن القثم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا شبعت حمدتك وشكرتك، وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك [ (3) ] .
وله من حديث محمد بن حمير عن الزارع بن نافع عن أبي سلمة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: اتخذت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فراشين حشوهما ليف وإذخر فقال:
يا عائشة! ما لي والدنيا؟ إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة في أصلها، حتى إذا فاء الفيء ارتحل فلم يرجع إليها أبدا.
وخرّج الإمام أحمد من حديث مالك بن مغول عن مقاتل بن بشير عن شريح ابن هانئ قال: سألت عائشة عن صلاة رسول اللَّه قالت: لم تكن صلاة أحرى أن يؤخرها إذا كان على حدث من صلاة العشاء الآخرة، وما صلاها قط فدخل عليّ إلّا صلّى بعدها أربعا أو ستا، وما رأيته متقى الأرض بشيء قط [ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا له نطعا، فكأني انظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه] [ (4) ] .
وله من حديث ابن لهيعة عن الأسود عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:
ما أعجب رسول اللَّه شيئا من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقى. وفي رواية:
ولا أعجبه شيء من الدنيا إلا أن يكون فيها ذو تقى.
وله من حديث مروان بن معاوية قال: أخبرني هلال بن يزيد أبو يعلي قال: سمعت أنس بن مالك يقول:
__________
[ (1) ] (الجامع الصحيح للترمذي) ج 4 ص 17 حديث رقم 2483.
[ (2) ] في (خ) «حباب» ، والتصويب من (الجرح والتعديل) ج 9 ص 75 ترجمة رقم 294.
[ (3) ] ونحوه في المرجع السابق باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه حديث رقم 2451.
[ (4) ] ما بين القوسين تكملة من (سنن أبي داود) ج 2 ص 71 حديث رقم 1303.

(2/288)


أهديت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتيته به فقال لها: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد؟ فإن اللَّه يأتي برزق كل غد [ (1) ] .
وروي بكر بن مضر عن أبي هاني عن علي بن رباح أنه سمع عمرو بن العاص وهو على المنبر يقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها.
ولأبي نعيم من حديث الفضيل بن عياض، أخبرنا سفيان الثوري عن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه أن معاوية ضرب على الناس بعثا فخرجوا، فرجع أبو الدحداح فقال له معاوية: ألم تكن خرجت مع الناس؟ قال: بلى، ولكني سمعت من رسول اللَّه حديثا فأحببت أن أضعه عندك مخافة أن لا تلقاني، سمعت [من] [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا أيها الناس من ولى منكم عملا فحجب بابه عن ذي الحاجة المسلم [ (3) ] حجبه اللَّه أن يلج باب الجنة، ومن كانت الدنيا نهمته حرّم اللَّه عليه جواري، فإنّي بعثت بخراب الدنيا ولم أبعث بعمارتها [ (4) ] .

وأما صبره على القوت الشديد وقنعه من الدنيا بالشيء اليسير
فخرّج البخاري من حديث عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا. ذكره في باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] .
وخرّجه عنه مسلم بمثله في كتاب الأدب. وفي رواية: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد كفافا.
وقال محمد بن دينار الأزدي عن هشام بن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قط عشاء الغداء ولا غداء العشاء، ولا اتخذ من شيء زوجين، لا قميصين ولا رداءين ولا إزارين ولا من النعال، ولا
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) ج 3 ص 198.
[ (2) ] زيادة من (الحلية) .
[ (3) ] في الحلية «للمسلمين» .
[ (4) ] (حلية الأولياء لأبي نعيم) ج 8 ص 130.
[ (5) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 123.

(2/289)


رئي قط فارغا في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة.
وخرّج البخاري من حديث عبد الرزّاق عن معمر عن همام سمع أبا هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت أن لا تأتي ثلاث وعندي منه دينار، ليس شيء أرصده في دين عليّ أجد من يقبله. ذكره في كتاب التمني في باب تمني الخير [ (1) ] .
وخرّج في كتاب الرقاق من حديث يونس عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال أبو هريرة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرّني ألا تمرّ عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين. وذكره في كتاب الاستقراض في باب أداء الدين، قال بعقبه: رواه صالح وعقيل عن الزهري.
وذكر في الرقاق حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما يسرّني أن عندي يمثل أحد ذهبا تمضي عليّ ثلاثة وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لديني.
وخرّجه مسلم من طرق، وخرّجه الإمام أحمد أيضا، ولأحمد من حديث الأعمش عن شقيق [ (2) ] ، عن مسروق عن عائشة قالت: ما ترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء.
ولابن سعيد من حديث الأعمش عن عمرو بن عمر، عن أبي نصر، سمعت عائشة تقول: إني لجالسة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في البيت، فأهدى لنا أبو بكر رجل شاة، فإنّي لأقطعها مع رسول اللَّه في ظلمة البيت، فقال لها قائل: يا محمد! ألكم سراج؟ فقالت: لو كان لنا ما يسرج به أكلناه.
وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أخفت في اللَّه ولا أخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذي [ (3) ] أحد، ولقد أتت عليّ ما بين ثلاثين من يوم وليلة، ما لي طعام آكله إلا شيء يواريه إبط بلال. خرجه ابن حبان في صحيحه.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ص 249.
[ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (المسند) .
[ (3) ] في (خ) «يؤذا» .

(2/290)


وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا وكيع عن حماد عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في اللَّه وما نخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثة ما بين يوم وليلة ما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما والاه إبط بلال.

وأما أنه لا يدّخر إلّا قوت أهله
فخرج ابن حبان من حديث قيس بن حفص، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يدخر شيئا.
وخرّج البخاري من حديث عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة قال: صليت وراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة العصر، فسلم فقام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته.
وفي حديث روح فقال: ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته [ (1) ] . ذكره في كتاب الصلاة في باب يفكر الرجل [ (2) ] [في] [ (3) ] الشيء في الصلاة، وذكره في كتاب الزكاة في باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها ولفظه: فقال: فقال: كنت خلفت في البيت تبرأ من الصدقة،
__________
[ (1) ]
الحديث رقم (1221) : «حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح، حدثنا عمر- هو ابن سعيد- قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه قال: صليت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر، فلما سلّم قام سريعا دخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال:
ذكرت- وأنا في الصلاة- تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته» (فتح الباري) ج 3 ص 115.
[ (2) ] والتقييد بالرجل لا مفهوم له، لأن بقية المكلّفين في حكم ذلك سواء، قال المهلب: التفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز منه في الصلاة ولا في غيرها، لما جعل اللَّه للشيطان من السبيل على الإنسان، ولكن يفترق الحال في ذلك، فإن كان في أمر الآخرة والدين، كان أخفّ مما يكون في أمر الدنيا. (المرجع السابق) ص 121.
[ (3) ] كذا في (خ) ، وفي (البخاري) بدونها- وروح: هو روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري. (تهذيب التهذيب) ج 3 ص 253.

(2/291)


فكرهت أن أبيته فقسمته [ (1) ] ، وذكره في كتاب الاستئذان في باب من أسرع في مشيه لحاجة [أو قصد] [ (2) ] .
وخرّج تقي بن مخلد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجعه الّذي مات فيه: ما فعلت تلك الذّهب؟ قالت: هي عندنا، قال: آتيني بها- وهي بين السبعة والخمسة- فجعلها في كفه ثم قال: ما ظن محمد باللَّه لو لقي ربه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (3) ] .
وخرّجه الإمام أحمد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثني أبو سلمة قال قالت عائشة رضي اللَّه عنها: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه: ما
__________
[ (1) ]
الحديث رقم (1430) : «حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، أن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه حدّثه قال: «صلّى بنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر فأسرع، ثم دخل البيت، فلم يلبث أن خرج، فقلت: أو قيل- له فقال: كنت خلّفت في البيت تبرأ من الصدقة، فكرهت أن أبيّته فقسمته» . (فتح الباري) ج 3 ص 381.
قوله: «أن أبيّته»
أي أتركه حتى يدخل عليه الليل، يقال: بات الرجل: دخل في الليل، وبيّته: تركه حتى دخل في الليل.
قال ابن بطال: فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود.
زاد غيره: وهو أخلص للذمة، وأنفى للحاجة، وأبعد من المطل المذموم، وأرضى للرب، وأمحى للذنب. (المرجع السابق) ص 382.
[ (2) ] زيادة من البخاري، والحديث رقم (6275) : «حدثنا أبو عاصم عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة أن عقبة بن الحارث حدّثه قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر، فأسرع ثم دخل البيت» (فتح الباري) ج 11 ص 79.
[ (3) ] ذكره ابن حبان في كتاب الرقاق، باب الفقر والزهد والقناعة، وعنون له: ذكر ما يستحب للمرء أن يكون خروجه من هذه الدنيا الفانية الزائلة وهو صفر اليدين ممّا يحاسب عليه مما في عنقه، حديث رقم (715) :
أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بالفسطاط، حدثنا عيسى بن حماد، أخبرنا الليث، عن ابن عجلان، عن أبي حازم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت: اشتدّ وجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعنده سبعة دنانير أو تسعة، فقال: «يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب» ؟ فقلت: هي عندي، قال: «تصدّقي بها» قالت: فشغلت به ثم قال: «يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب» ؟
فقلت: هي عندي، فقال: «ائتني بها» ، قالت: «فجئت بها، فوضعها في كفه، ثم قال: «ما ظن محمد أن لو لقي اللَّه وهذه عنده؟ ما ظن محمد أن لو لقي اللَّه وهذه عنده» ؟
هذا الحديث إسناده حسن، وابن عجلان صدوق، روى له مسلم متابعة، وباقي رجاله على شرط الصحيح. (الإحسان) ج 2 ص 491- 492.

(2/292)


فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة أو الثمانية أو التسعة، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه لو لقيه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (1) ] .
ولأبي ذر عبد بن أحمد الهروي من حديث مفضل بن صالح قال: حدثني سليمان الأعمش عن طلحة بن مصرف الهمدانيّ عن مسروق عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعمنا يا بلال، قال: يا رسول اللَّه! ما عندي إلا صبر من تمر خبأته لك، قال: أما تخشى أن يخسف اللَّه به في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) ج 7 ص 74، حديث رقم (23702) ، وص (261، حديث رقم 24964) .
[ (2) ]
الطبراني في الكبير، والبزار في مسندة، من حديث عاصم بن علي، والطبراني فقط، وكذا القضاعي في مسندة، من حديث مالك بن إسماعيل كلاهما عن قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال: يا رسول اللَّه ذخرته للَّه، ولضيفانك، قال: «أما تخشى أن يفور لها بخار من جهنم، أنفق يا بلال» ، وذكره، قال البزار: هكذا رواه جماعة عن قيس، وخالفهم يحيى بن كثير عنه، فقال: عن عائشة بدل ابن مسعود.
وتابعه طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عائشة؟
أخرجه العسكري في (الأمثال) ، من طريق مفضل بن صالح، عن الأعمش، عن طلحة به، ولفظهما قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أطعمنا يا بلال» فقال: يا رسول اللَّه ما عندي إلا صبر تمر خبأته لك فقال: «أما تخشى أن يقذف به في نار جهنم، أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .
وقيل عن مسروق، عن بلال، أخرجه البزار من طريق محمد بن الحسن الأسدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن بلال، ولفظه: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعنده صبر من المال. فقال: «أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .
ومن هذا الوجه، أخرجه الطبراني، بلفظ: «أنفق يا بلال» .
وقال البزار: لم يقل عن بلال إلا محمد بن الحسن، وقيل: عن مسروق مرسلا بدون صحابي.
وفي الباب عن أبي هريرة، أخرجه البزار، من حديث موسى بن داود، عن مبارك بن فضالة، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا؟» قال: أدخره، فقال: «أما تخشى أن يرى له بخار في نار جهنم، أنفق يا بلال، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا» وقال: تفرد به مبارك» وكذا أخرجه الطبراني في الكبير، من حديث موسى بن داود، وإسناده حسن. ولكن خولف مبارك، فرواه بشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، كلاهما عن يونس مرسلا بدون أبي هريرة، وكذلك اختلف على عوف بن أبي جميلة في وصله وإرساله.

(2/293)


وقال الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي اللَّه عنه قال:
كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه [ (1) ] .
وقال وكيع عن ابن عيينة قال: قال لي معمر: قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض سنتهم؟ قال معمر: فلم يحضرني، ثم ذكرت حدثناه حدثناه الزهري عن مالك بن أوس عن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم. هذا الحديث والّذي قبله واحد، وهو متفق عليه، وبهذا تبين أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعطي نفقاتهم ولا يدخر لنفسه.

وأما صفة عيشه وعيش أهله [ (2) ]
فقال الأسود عن عائشة رضي اللَّه عنها: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى إلى سبيله.
__________
[ () ] فأخرجه البيهقي في (الشعب) من حديث عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال:
تمر ذخرته، فقال: «أما تخشى يا بلال أن يكون له بخار في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» ، قال: وخالفه روح بن عبادة، فرواه عن عوف، عن ابن سيرين، قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بلال فوجد عنده تمر أدخره، فذكره مرسلا، ثم ساقه كذلك.
وكذا اختلف فيه على ابن عون، فقال معاذ بن معاذ، ومحمد بن أبي عدي عنه عن ابن سيرين مرسلا، وأخرجه الطبراني، والبيهقي في (الدلائل) ، من حديث بكار بن محمد السيريني، حدثنا ابن عون به متصلا،
فلفظ البيهقي: «أنفق بلال» ،
ولفظ الآخر: «أنفق يا بلال» .
ولم يختلف على هشام بن حسان، في وصله، فأخرجه أبو يعلي، والطبراني، من حديث حرب بن ميمون، حدثنا هشام فقط،
فلفظ أبي يعلي: «أنفق يا بلال، ولا تخافنّ من ذي العرش إقلالا» ، ولفظ الطبراني: «ولا تخش» .
وما يحكى على لسان كثيرين في لفظ هذا الحديث، وأنه بلالا، ويتكلفون في توجيه لكونه نهيا عن المنع وبغير ذلك، فشيء لم أقف له على أصل.
[ (1) ] (المغازي) ج 1 ص 378.
[ (2) ] (صحيح سنن ابن ماجة) باب رقم (48) باب خبز البرّ، وباب رقم (49) باب خبز الشعير، وفيهما الأحاديث:
(3343) : عن أبي هريرة أنه قال: والّذي نفسي بيده، ما شبع نبي اللَّه ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى توفاه اللَّه عز وجل.

(2/294)


وفي رواية: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز بر حتى توفى. وفي لفظ: ما شبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله. وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقال عبد الرحمن بن عائش عن أبيه عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق باللَّه، وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز بر فوق ثلاث.
وقال هلال عن عروة عن عائشة قالت: ما أكل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر. وفي لفظ: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا إحداهما تمر [ (1) ] .
وقال ابن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لقد مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين.
وقال منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن عائشة: توفّي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء. وفي لفظ: وما شبعنا من الأسودين. وقال عكرمة عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر.
وقال أبو حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: والّذي نفسي بيده، ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض. وفي لفظ: ما أشبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
وخرّج ابن عساكر من حديث حماد عن إبراهيم عن عائشة أنها قالت: ما شبع
__________
[ () ] (3344) : عن عائشة، قالت: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدموا المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز برّ حتى توفي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
(3345) : عن عائشة قالت: لقد توفي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي. فأكلت منه حتى طال عليّ، فكلته ففني.
(3346) : عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز الشعير حتى قبض.
(3347) : عن ابن عباس، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون العشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير. ونحوه (مسند أحمد) ج 6 ص 255، حديث رقم (25644) .
[ (1) ] (المستدرك 9 ج 4 ص 106، ولفظه: «ما أكل آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم أكلتين إلا إحداهما تمر» وقال:
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

(2/295)


آل محمد ثلاثة أيام متتابعات من خبز البرّ حتى ذاق محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الموت، وما زالت الدنيا علينا عسرة حتى مات صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما مات انصبّت الدنيا علينا صبا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: «كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن يؤتى باللّحيم» ، وفي رواية قالت: «ما شبع آل محمد من خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله» ، وفي أخرى قالت: «ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض» ، وفي أخرى: «ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» .
وفي أخرى قالت: «ما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلا وإحداهما تمر» وفي أخرى كانت تقول لعروة: «واللَّه يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين- وما أوقد في أبيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نار، قال: قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانها فيسقيناه» .
وفي أخرى قالت: «توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين شبع الناس من الأسودين: التمر والماء» ، وفي رواية:
«ما شبعنا من الأسودين» .
هذه روايات البخاري ومسلم. ولمسلم أيضا قالت: «لقد مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين» .
وأخرج الترمذي الرواية الأولى، إلى قوله: «الماء» والرابعة وله في أخرى عن مسروق، قال: «دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: ما أشبع فأشاء أن أبكي إلا بكيت، قلت: لم؟ قالت: أذكر الحال التي فارق عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الدنيا، واللَّه ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم» .
المنائح: جمع منيحة، وهي الناقة يعيرها صاحبها إنسانا ليشرب لبنها ويعيدها.
الأسودين: السواد: من صفات التمر، لأن الغالب على أنواع تمر المدينة السواد، فأما الماء فليس بأسود، وإنما جعل أسود حيث قرن بالتمر، فغلّب أحدهما على الآخر فسمّى به، وهذا من عادة العرب يفعلونه بالشيئين- يصطحبان، فيغلبون اسم الأشهر، كقولهم: «القمران» للشمس والقمر.
رواه (البخاري) في الأطعمة باب ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، وفي الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا.
و (لمسلم) في الزهد والرقائق، رقم (2970) ، (2971) ، (2972) ، (2973) .
(مسلم بشرح النووي) ج 18 ص 315- 318 و (الترمذي) في معيشة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله رقم (2357) ، (2358) صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورقم (2471) في صفة القيامة باب رقم 34 (صحيح سنن الترمذي) ج 4 ص 500، 556.

(2/296)


وقال سعيد المقبري عن أبي هريرة: أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلّية، فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير [ (1) ] .
وهذه الأحاديث: منها ما خرّجاه، ومنها ما خرّجه أحدهما، وللترمذي من حديث ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس، رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون شيئا، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] .
ولتقي بن مخلد من حديث عقبة بن مكرم، أخبرنا عبد اللَّه بن خراش عن العوام عن المسيب بن رافع عن أبي هريرة قال: ما ترك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، ولا شاة ولا بعيرا، ولقد كان يربط على بطنه حجرا من الجوع [ (3) ] .
ولمسلم من حديث أبي الأحوص عن سماك قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. وخرّجه الترمذي [ (4) ] بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث [حسن] [ (5) ] صحيح.
ولمسلم من حديث شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان يخطب قال:
ذكر عمر رضي اللَّه عنه ما. صاب الناس من الدنيا، [فقال] [ (5) ] لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يظل] [ (6) ] اليوم يتلوى ما يجد دقلا يملأ به بطنه [ (7) ] .
وخرّج البخاري من حديث هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي اللَّه عنه
__________
[ (1) ] ونحوه في (سنن الترمذي) ج 4 ص 9 حديث رقم (2462) ، (2463) باب ما جاء في معيشة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، و (مسلم) في الزهد حديث رقم (2976) .
[ (2) ] المرجع السابق حديث رقم (2465) .
[ (3) ] ونحوه في (سنن الترمذي) ج 4 ص 15 حديث رقم (2476) وقال فيه: «ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن حجرين» وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
[ (4) ] المرجع السابق ص 15 حديث رقم 2477.
[ (5) ] زيادة من المرجع السابق والدّقل: ضعف الجسم، والدّقل أردأ التمر.
زيادة من (صحيح مسلم) .
[ (6) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (صحيح مسلم) .
[ (7) ] (مسلم بشرح النووي) ج 18 ص 109.

(2/297)


أنه مشى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع برّ ولا صاع حبّ، وإن عنده لتسع نسوة. ذكره في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنسيئة [ (1) ] . وذكره الترمذي في جامعه بهذا السند وقال: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في البيوع [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث همام بن حيي، أخبرنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك و [خبّازه] [ (3) ] قائم فقال [ (4) ] : كلوا فما أعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى رغيفا مرقّقا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. ذكره في الرقاق وفي كتاب الأطعمة [ (5) ] .
وله من حديث قتادة عن أنس [ (6) ] قال: ما علمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكل على [ (7) ] سكرجة قط ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان [ (8) ] ، قيل لقتادة:
فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر [ (9) ] .
ولأحمد من حديث سليمان بن رومان عن عروة عن عائشة أنها قالت: والّذي بعث محمدا بالحق، ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه، فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أفّ أفّ.
ولأبي ذر الهروي من حديث حماد عن ثابت عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ من بين يوم وليلة وما لي طعام نأكله إلا شيء يواريه إبط بلال.
وخرّج البخاري [ (10) ] من حديث أبي حازم: سألت سهل بن سعد فقلت: هل
__________
[ (1) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 2 ص 6.
[ (2) ] (سنن الترمذي) ج 2 ص 344 حديث رقم (1233) .
[ (3) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) وأثبتناها من (البخاري) .
[ (4) ] كذا في (خ) ، ورواية البخاري (قال) .
[ (5) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 3 ص 297
[ (6) ] (المرجع السابق) ص 296.
[ (7) ] كذا في (خ) وفي (البخاري) «في سكرجة» والسكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء، وكل ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها على المائدة حول الأطعمة للتشهي والهضم.
[ (8) ] الخوان: ما يؤكل عليه.
[ (9) ] السفرة: ما يحمل فيه الطعام.
[ (10) ] (صحيح البخاري بحاشية السندي) ج 3 ص 296.

(2/298)


أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النّقي؟ قال [سهل] [ (1) ] ما رأى رسول اللَّه النّقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: قلت: فهل كانت لكم في عهد رسول اللَّه مناخل؟
قال: ما رأى رسول اللَّه منخلا من حين بعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطعنه وننفخه فيطير [ما طار وما بقي ثرّيناه فأكلناه] [ (1) ] .

وأمّا تبسّمه [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم
فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم [ (3) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] .
وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب، عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (5) ] .
__________
[ (1) ] زيادة من المرجع السابق.
[ (2) ] بسم، يبسم بسما وابتسم وتبسّم: وهو أقلّ الضّحك وأحسنه. وفي التنزيل: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها (19/ النمل) . قال الزّجّاج: التبسم أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال الليث: يبسم بسما إذا فتح شفتيه كالمكاشر، وامرأة بسّامة ورجل بسّام. وفي صفته صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه كان جلّ ضحكه التّبسّم. (لسان العرب) ج 12 ص 50.
[ (3) ] (المستدرك) ج 2 ص 456، حديث رقم (3700/ 837) : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدّثه، عن سليمان بن يسار، عن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنها قالت: «ما رأيت رسول اللَّه قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منها لهواته، إنما كان يبتسم» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. واللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمة المشرفة على الحلق أو ما بين منقطع أصل اللسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم. (ترتيب القاموس) ج 2 ص 179.
[ (4) ] (مسند أحمد) ج 5 ص 212، حديث رقم (17261) .
[ (5) ] (الإحسان) ج 16 ص 318، حديث رقم (7325) ، (7326) فأما الحديث الأول:
«أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن اللَّه يمسك السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق كلها على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول اللَّه حتى بدت نواجذه، ثم قرأ هذه الآية: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً

(2/299)


وخرج من حديث بقية، عن حبيب بن عمر الأنصاري، عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد، قال: سمعت أم الدرداء [ (1) ] تقول:
__________
[ () ] قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67/ الزمر) ، أخرجه البخاري في التوحيد (7415) ، ومسلم في صفة القيامة (2786) .
إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو خيثمة: هو زهير بن حرب، وجرير: هو ابن عبد الحميد، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، وعلقمة: هو ابن قيس النخعي.
وأما الحديث الثاني: أخبرنا عبد اللَّه بن محمد الأزدي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللَّه قال: جاء حبر من اليهود إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، إذا كان يوم القيامة جعل اللَّه السماوات على إصبع، ثم يهزّهنّ، ثم يقول: أنا الملك، فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه تعجبا لما قال اليهوديّ تصديقا له، ثم قرأ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أخرجه البخاري في التوحيد (7513) ، ومسلم في صفة القيامة (2786) إسناده صحيح على شرط الشيخين، ومنصور هو ابن المعتمر، وعبيدة: هو ابن عمرو السلماني.
وأخرجه أحمد (1/ 457) ، والبخاري (4811) في تفسير سورة الزمر، باب قوله تعالى:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
والنواجذ: من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان، والمراد الأول، إنه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه، كيف وقد جاء في صفة ضحكه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جلّ ضحكه التبسم؟ وإن أريد بها الأواخر، فالوجه فيه أن يريد مبالغة مثله في ضحكه، من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك، وهو أقيس القولين لاشتهار النواجذ. بأواخر الأسنان، ومنه حديث عمر رضي اللَّه عنه: ولن يلي الناس كقرشيّ عضّ على ناجذه أي صبر وتصلّب في الأمور، ومنه حديث العرباض: عضوا عليها بالنواجذ، أي تمسكوا بها كما يتمسك العاضّ بجميع أضراسه. (لسان العرب) ج 3 ص 513- 514.
[ (1) ] هي خيرة بنت أبي حدرد، أم الدرداء الكبرى، سماها أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين فيما رواه ابن أبي خيثمة عنهما، وقالا: اسم أبي حدرد «عبد» وقال: أم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة، وقال غيرهما:
جهيمة.
وقال أبو عمر: كانت أم الدرداء الكبرى من فضلى النساء وعقلائهن، وذوات الرأي فيهن، مع العبادة والنسك، توفيت قبل أبي الدرداء بسنتين، وذلك بالشام في خلافة عثمان رضي اللَّه تعالى عنه، وكانت حفظت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعن زوجها.
روى عنها جماعة من التابعين، منهم: ميمون بن مهران، وصفوان بن عبد اللَّه، وزيد بن أسلم.
قال عليّ بن المديني: كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لها أم الدرداء: إحداهما رأت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي خيرة بنت أبي حرد، والثانية تزوجها بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهي هجيمة الوصابية.

(2/300)


كان أبو الدرداء [ (1) ] إذا حدّث حديثا تبسّم، فقلت: لا يقول الناس إنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو ما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا إلا تبسم.
__________
[ () ] وأورد ابن مندة لأم الدرداء حديثا مرفوعا، من طريق شريك، عن خلف بن حوشب، عن ميمون بن مهران، قال: قلت لأم الدرداء: سمعت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا؟ قالت: نعم، دخلت عليه وهو جالس في المسجد، فسمعته يقول: «ما يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن» .
وأخرج الطبراني من طريق زبّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أنه سمع أم الدرداء تقول: خرجت من الحمام فلقيني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أين أقبلت يا أم الدرداء؟ قلت: من الحمام، قال: ما منكن امرأة تضع ثيابها في غير بيت إحدى أمهاتها أو زوج، إلا كانت هاتكة كل ستر بينها وبين اللَّه.
وسنده ضعيف جدا.
(الإصابة) : ج 7 ص 629- 631، ترجمة رقم (11137) ، (الاستيعاب) : ج 4 ص 1934 ترجمة رقم (4150) .
[ (1) ] هو عمير بن عامر، ويقال: عويمر بن قيس بن زيد، وقيل: عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد بن قيس بن أمية بن مالك بن عامر بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، أبو الدرداء الأنصاري، هو مشهور بكنيته.
وقد قيل في نسبه: عويمر بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
وقيل: إن اسمه عامر، وصغّر، فقيل عويمر. وقال ابن إسحاق: أبو الدرداء عويمر بن ثعلبة من بني الحارث بن الخزرج.
وقال إبراهيم بن المنذر: أبو الدرداء اسمه عويمر بن ثعلبة بن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عديّ بن كعب بن الخزرج. وأمّه: محبّة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة بن مالك بن ثعلبة بن كعب.
وقيل: أمه واقدة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة.
شهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وقد قيل: إنه لم يشهد أحدا لأنه تأخر إسلامه، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد.
كان أبو الدرداء أحد الحكماء، العلماء، الفضلاء.
روى ابن عبد البرّ: لما حضرت معاذا الوفاة قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقولها ثلاث مرات- التمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وسلمان الفارسيّ، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن سلام، الّذي كان يهوديا فأسلم، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة.

(2/301)


وفي رواية: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقالت له: إني أخشى أن يحمّقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسّم [ (1) ] .
ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت أنيابه. وكذا من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قال: سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان، فقالوا للنعيمان: ويحك! إن ناقته نادية أي سمينة، فلو نحرتها فإنا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ، قالوا: إلا تفعل!! فقام،
__________
[ () ] عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أنا أفرطكم على الحوض، فلا ألفينّ ما نوزعت في أحدكم فأقول: هذا مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك، فقلت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه ألا يجعلني منهم، قال: لست منهم» .
فمات قبل عثمان رضي اللَّه عنه بسنتين.
ولهذا الحديث قريب منه
في (مسند أحمد) : من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أنا أفرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما، ثم لأغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي فيقول:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ونظيره في (مسلم) .
قال أبو عمر: وروي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «حكيم أمتي أبو الدرداء عويمر» .
قال أبو عمر: له حكم مأثورة مشهورة: منها قوله: «وجدت الناس أخبر تقل، أي من جرّبهم رماهم بالمقت لخبث سرائرهم وقلة إنصافهم» .
ومنها: «من يأت أبواب السلطان يقام ويقعد» .
ووصف الدنيا فأحسن، فمن قوله فيها: «الدنيا دار الكدر، ولن ينجو منها إلا أهل الحذر، وللَّه فيها علامات يسمعها الجاهلون، ويعتبر بها العالمون، ومن علاماته فيها أن حفّها بالشبهات، فارتطم فيها أهل الشهوات، ثم أعقبها بالآفات، فانتفع بذلك أهل العظات، ومزج حلالها بالمئونات، وحرامها بالتبعات، فالمثري فيها تعب، والمقل ففيها نصب» .
(الاستيعاب) : ج 3 ص 1227- 1230 ترجمة رقم (2006) ، (الإصابة) : ج 4 ص 747- 748 ترجمة رقم (6121) ، (مسند أحمد) : ج 1 ص 635 حديث رقم (3632) ، (مسلم بشرح النووي) : ج 15 ص 64 حديث رقم (2297) .
[ (1) ] (كنز العمال) : ج 7 ص 140 حديث رقم (18401) ، (سند أحمد) : ج 5 ص 199 حديث رقم (21288) : «حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا يونس، حدثنا بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري، عن أبي عبد الصمد، عن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم فيه، فقلت له: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسم» .

(2/302)


فضرب لبتها ثم انطلق، فمر بالمقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا، فقال: يا مقداد! غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا، ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل.
فما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ، فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان! قال: فأين توجه؟ قالوا: ها هنا، فتبعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حمزة وأصحابه، حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟
فكشف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه! ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى عليه السلام الأعرابي وقال: شأنكم بها فأكلوها،
فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه.
وقال زائدة عن أبان، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك [ (1) ]
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) ص 189 حديث رقم (232) : حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا رآني منذ أسلمت إلا تبسّم» ، (صحيح سنن الترمذي) : ج 3 ص 232 حديث رقم (4091) : عن جرير بن عبد اللَّه قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك» ، وحديث رقم (4092) : عن جرير قال: «ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم» . قال الألباني: (صحيح، وهو بهذا اللفظ أرجح) . وهو في (البخاري) : في باب من لا يثبت على الخيل، حديث رقم (3035) حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير، حدثنا محمد بن إدريس عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير رضي اللَّه عنه قال: «ما حجبني صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي» (فتح الباري) : ج 6 ص 198، (مسند أحمد) : ج 4 ص 358، حديث رقم (18692) ، ص 359، حديث رقم (18655) ، ص 365، حديث رقم (18765) .
(مسند الحميدي) : ج 2 ص 350، حديث رقم (800) : حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت قيسا يقول: سمعت جرير بن عبد اللَّه البجلي: «ما رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قط إلا تبسّم في وجهي» قال: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يطلع عليكم من هذا الباب رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير بن عبد اللَّه» .
قال الحافظ في (الفتح) : التّبسّم: مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت، وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك، وإن كان

(2/303)


وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار، فقيل له، تمنّ فتمنّى، فيقال: لك ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟
فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (1) ] .
ولابن حبان من حديث الليث، عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد، كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه ثلثي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك، فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم اللَّه، أو قال لقد رضي اللَّه حكمك فيهم [ (2) ] .
__________
[ () ] بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم: الضواحك، وهي الثنايا والأنياب، وما يليها يسمى النواجذ.
[ (1) ] (المرجع السابق) ص 189- 190، حديث رقم (233) :
حدثنا هناد بن السّريّ، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السّلمانيّ، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجا، رجلا يخرج منها زحفا، فيقال له انطلق فادخل الجنة» . قال: «فيذهب ليدخل الجنة فيجد النّاس قد أخذوا المنازل، فيرجع فيقول:
يا رب قد أخذ الناس المنازل- فيقال له: أتذكر الزّمان الّذي كنت فيه؟ فيقول: نعم» ، قال: «فيقال تمنّ» ، قال: «فيتمنى، فيقال له: فإن لك الّذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا» ، قال: «فيقول:
أتسخر مني وأنت الملك» ؟ قال: «فلقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» .
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، حديث رقم (6571) باختلاف يسير، وحديث رقم (7513) .
(فتح الباري) ج 11 ص 510، ج 13 ص 580.
[ (2) ]
(كنز العمال) ج 5 ص 841- 842، حديث رقم (14532) : «عن زيد بن أرقم قال: بينما نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ أتاه رجل من أهل اليمن، وعليّ بها، فجعل يحدث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويخبره قال: يا رسول اللَّه، أتى عليا ثلاثة نفر فاختصموا في ولد كلهم زعم أنه ابنه، وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال عليّ: إنكم شركاء متشاكسون، وإني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد، وعليه ثلثا الدية لصاحبه، فأقرع بينهم، فقرع أحدهم، فدفع إليه الولد، وجعل عليه ثلثي الدية، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه أو أضراسه» .
ثم رمز إليه: (عب) ، (ش) أي مصنف عبد الرزاق، وابن أبي شيبة. قرع: المقارعة: المساهمة، يقال: قارعة فقرعه: إذا أصابته القرعة دونه، وقرعهم: غلبهم بالقرعة.
(ترتيب القاموس) ج 3 ص 597.

(2/304)


قال ابن الجوزي: وهذا الحديث لا يثبت، فيه جماعة مجروحون، ولا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يزيد على التبسم.
وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو يعلي، والبزار والطبراني في الكبير، من حديث هشام عن أبي الزبير، عن عبد اللَّه بن سلمة، عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطبنا فيذكرنا بأيام اللَّه، حتى نعرف ذلك في وجهه، وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع (عنه) [ (2) ] .

وأما محبته الفأل [ (3) ] وتركه الطيرة [ (4) ] وتغيير الاسم القبيح
فخرج مسلم من حديث يحيى بن عتيق قال: أخبرنا محمد بن سيرين عن أبي
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) ج 1 ص 272، حديث رقم (1440) ، وقال فيه: «عن عبد اللَّه بن سلمة. أو مسلمة»
[ (2) ] زيادة من المرجع السابق.
[ (3) ] الفأل: ضدّ الطيرة، والجمع فؤول. وتفألت به، وتفأّل به. قال ابن الأثير: يقال: تفاءلت بكذا، وتفألت، على التخفيف والقلب، قال: وقد أولع الناس بترك همزه تخفيفا.
والفأل: أن يكون الرجل مريضا فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقول: تفاءلت بكذا، ويتوجه له في ظنه كما سمع أنه يبرأ من مرضه، أو يجد ضالته.
وفي الحديث: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحب الفأل ويكره الطيرة، ضد الفأل، وهي فيما يكره، كالفأل فيما يستحب، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، والفأل يكون فيما يحسن وفيما يسوء.
قال أبو منصور: من العرب من يجعل الفأل فيما يكره أيضا. قال أبو زيد تفاءلت تفاؤلا، وذلك أن تسمع الإنسان وأنت تريد الحاجة يدعو: يا سعيد، يا أفلح، أو يدعو باسم قبيح. والاسم: الفأل، مهموز.
وفي نوادر الأعراب: يقال: لا فأل عليك بمعني لا ضير عليك، ولا طير عليك، ولا شرّ عليك.
وفي الحديث، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح والفأل الصالح الكلمة الحسنة» .
قال: وهذا يدل على أن من الفأل ما يكون صالحا، ومنه ما يكون غير صالح، وإنما أحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الفأل، لأن الناس إذا أمّلوا فائدة اللَّه ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي، فهم على خير.
ولو غلطوا في جهة الرجاء، فإن الرجاء لهم خير، ألا ترى أنهم إذا قطعوا أملهم ورجاءهم من اللَّه كان ذلك من الشر؟ وإنما خبّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الفطرة كيف هي، وإلى أي شيء تنقلب. (لسان العرب) ج 11 ص 513- 514
[ (4) ] الطيرة: مضاد للفأل، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد، فأثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الفأل واستحسنه، وأبطل الطيرة ونهى عنها. والطّيرة من اطّيرت وتطيّرت، ومثل الطّيرة الخيرة.

(2/305)


هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح [ (1) ] .
ومن حديث هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا عدوى ولا هامة ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح [ (2) ] .
وخرّجا من حديث معمر وشعيب عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن أبا هريرة [ (3) ] قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول اللَّه، وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم [ (4) ] .
وخرج البخاري وأبو داود من حديث هشام، أخبرنا قتادة عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، الكلمة الحسنة [ (5) ] .
وخرج أبو داود [ (6) ] من حديث هشام عن قتادة، عن عبيد اللَّه بن بريدة، عن
__________
[ () ] والطّيرة من الشرك، لأنهم كانوا يعتقدون أن الطير تجلب لهم نفعا، أو تدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبة، فكأنهم أشركوه مع اللَّه في ذلك.
وفي التنزيل: قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ 18/ ياسين، قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ 131/ الأعراف، أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 131/ الأعراف.
(المرجع السابق) ج 4 ص 512- 513.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 470 كتاب السلام (39) باب (34) حديث رقم (113- 2223) .
[ (2) ] (المرجع السابق) حديث رقم (114) .
[ (3) ] (اللؤلؤ والمرجان) ج 3 ص 71 باب (34) (الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم) حديث رقم (1438) .
[ (4) ] وضيرها: أي ضير الطيرة، والفأل: ضد الطيرة ويستعمل في الخير والشر،
وفي حديث عروة بن عامر عند أبي داود قال: «ذكرت الطيرة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ضيرها الفأل، ولا تردّ مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللَّهمّ لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه» .
(المرجع السابق) .
[ (5) ] (فتح الباري) : ج 10 ص 263، كتاب الطب، باب (44) ، حديث رقم (5756) ، (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 470، كتاب السلام باب (34) ، حديث رقم (111- 2224) :
وزاد فيه «الكلمة الطيبة» بعد قوله: «الكلمة الحسنة» .
[ (6) ] (صحيح سنن أبي داود) : ج 2 ص 742 حديث رقم (3920) ، قال الألباني: صحيح، و (مسند أحمد) : 5/ 347 حديث رقم (22437) باختلاف يسير.

(2/306)


أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورئي أثر [ (1) ] ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهة [ (2) ] ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا [ (3) ] أعجبه اسمها [فرح بها] ، ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية [ (4) ] ذلك في وجهه.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للقحة تحلب: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال له الرجل:
مرّة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: حرب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال يعيش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب. هكذا رواه مالك مرفوعا عن يحيى [ (5) ] .
وخرج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة [ (6) ] عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتطير ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بماء، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أنت؟ قال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال: برد أمرنا وصلح، ثم قال: ممن؟ قال: من أسلم، قال: لأبي بكر: سلمنا، ثم قال: ممن؟
قال: من سهم، قال: خرج سهمك [ (7) ] ، قال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فمن أنت؟ قال:
__________
[ (1) ] في (خ) : «بشر ذلك» .
[ (2) ] في (ج) : «كراهية» .
[ (3) ] في (خ) : «فإن»
[ (4) ] في (خ) : «كراهة» وما أثبتناه من (المرجع السابق) ، (شعب الإيمان) ج 2 ص 62 حديث رقم (1170) بسياقة أخرى.
[ (5) ] (الموطأ) كتاب الجامع، باب ما يكره من الأسماء، حديث رقم (1776) قال أبو عمر: ليس هذا من باب الطيرة، لأنه محال أن ينهي عن شيء يفعله، وإنما هو من باب طلب الفأل الحسن، وقد كان أخبرهم عن سيّئ الأسماء أنه حرب، ومرّة، وأكّد ذلك حتى لا يتسمى بهما أحد. (شرح الزرقاني على الموطأ) ج 4 ص 490.
[ (6) ] هو بريدة بن الحصيب الأسلمي (ستأتي ترجمته تفصيلا) .
[ (7) ] إلى هنا ورد الخبر في (الاستيعاب) : ج 1 ص 185- 186، ترجمة بريدة بن الحصيب الأسلمي رقم (217) .

(2/307)


محمد بن عبد اللَّه، رسول اللَّه، قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك عبده ورسوله. فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه جميعا،
فقال [ (1) ] بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تدخل المدينة إلا معك لواء، فحل عامته، ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة، قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت [له] بنو سهم طائعين.
وخرج الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس، أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج لحاجته، يعجبه أن يسمع: يا راشد.. يا نجيح. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح [ (2) ] .
وخرج البزار من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوه حسن الوجه، حسن الاسم [ (3) ] .
وقال: لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا قتادة.
وقال هشام الدستواني، عن يحيي بن كثير قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمراء الأجناد: ألا توفدوا إلينا إلا برجل حسن الوجه، حسن الاسم.
وخرّج ابن حبان من حديث مبارك بن فضالة [ (4) ] ، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن
__________
[ (1) ] قال ابن أبي حاتم في (تاريخ الصحابة) : ص 44 ترجمة بريدة بن الحصيب الأسلمي رقم (108) : لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل قدومه المدينة فقال: «يا رسول اللَّه لا تدخل المدينة إلا معك لواء» ثم حلّ عمامته، وشدّها في رمح، ومشى بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم قدم المدينة.
[ (2) ] (تحفه الأحوذي) : ج 5 ص 200، حديث رقم (1665) ، قوله: «هذا حديث حسن صحيح» ، وأخرج الشيخان معناه من حديث أبي هريرة، قوله: «كان يعجبه» أي يستحسنه ويتفاءل به، «أن يسمع يا راشد» ، أي واجد الطريق المستقيم، «يا نجيح» ، أي من قضيت حاجته، (صحيح سنن الترمذي) : ج 4 ص 138، حديث رقم (1616) .
[ (3) ]
(المقاصد الحسنة) : ص 149، عند الكلام على الحديث رقم (161) ، «التمسوا الخير عند حسان الوجوه» ،
قال: وله أيضا من حديث عمر بن أبي خثعم، عن يحى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: «إذا بعثتم إليّ رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم» .
وقال أيضا. لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا بهذا الاسناد. قال (السخاوي) : وأحدهما يقوي الآخر.
وفي (المطالب العالية) : ج 2 ص 422، حديث رقم (2638) : الحضرميّ بن لاحق، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إذا أبردتم بريدا فأبروده حسن الوجه حسن الاسم»
(لابن أبي عمر) . وقال في هامشه:
سكت عليه البوصيري.
[ (4) ] أحاديث مبارك بن فضالة في (صحيح ابن حبان) (19) حديثا ليس من بينهم هذا الحديث. (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : ج 18 ص 219 (الفهارس) .

(2/308)


نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته، فقال:
أخذنا فألك من فيك [ (1) ] .
وخرج الترمذي من حديث عمر بن عليّ المقدّميّ، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغير الاسم القبيح. وربما قال عمر ابن على عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسل، ولم يذكر فيه [عن] عائشة [ (2) ] .
وخرّج مسلم والترمذي من حديث يحيى عن سعيد عن عبيد اللَّه قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غيّر اسم عاصية، وقال: أنت جميلة [ (3) ] .
ولمسلم من حديث حماد بن سلمة عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن ابنة لعمر رضي اللَّه عنه يقال لها عاصية، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جميلة [ (4) ] ، وله من حديث سفيان بن عبد الرحمن- مولى أبي طلحة- عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت جويرة اسمها برة، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمها جويرة، وكان
__________
[ (1) ]
(صحيح سنن أبي داود) : ج 2 ص 472، رقم (3317- 3917) ، (المجموعة الصحيحة) :
حديث رقم 726، (كشف الخفا) : ج 1 ص 66، حديث رقم (154) ، (المقاصد الحسنة) :
ص 70، حديث رقم (40) من حديث محمد بن يونس، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا السري بن يحى، عن الحسن، عن سمرة بن جندب قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، فسمع عليا يوما وهو يقول: هذه خضرة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا لبّيك قد أخذنا فألك من فيك فاخرجوا بنا إلى خضرة» ،
قال: فخرجوا إلى خيبر، فما سل سيف إلا سيف علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه. زاد (العسكري) :
حتى فتح اللَّه عزّ وجلّ. والعسكري هو: أبو هلال العسكري، مؤلف كتاب الصناعتين، وديوان المعاني، وجمهرة الأمثال، وغيرهم، حيث تزيد مؤلفاته على العشرين مصنفا، مات في القرن الخامس.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : ج 5 ص 123- 124، حديث رقم (2839) ، (صحيح سنن الترمذي) ج 2 ص 372، باب ما جاء في تغيير الأسماء، حديث رقم (2275- 3007) ، (المجموعة الصحيحة) حديث رقم (207) ، (208) .
[ (3) ]
(المرجع السابق) حديث رقم (2838) : «حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقيّ، وأبو بكر محمد بن بشار، وغير واحد قالوا: حدثنا يحى بن سعيد القطان عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غير اسم عاصية، وقال: «أنت جميلة» ، (صحيح سنن الترمذي) : ج 2 ص 372، حديث رقم (2274- 3006) ، قال الألباني: «صحيح» (صحيح سنن ابن ماجة) : ج 2 ص 306 حديث رقم (3008- 3733) ، (المجموعة الصحيحة) حديث رقم (213) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 14 ص 666- 367، حديث رقم (2139)

(2/309)


يكره أن يقال: خرج من عند برة [ (1) ] .
وللبخاريّ ومسلم من حديث شعبة عن عطاء بن ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب [ (2) ] .
ولمسلم من حديث الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمرو، عن عطاء قال: حدثتني زينب ابنة أم سلمة، قالت: كان اسمي برة، فسماني رسول اللَّه زينب. قالت: دخلت عليه بنت جحش واسمها برة، فسماها زينب [ (3) ] .
ومن حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى عن هذا الاسم، وسمّيت برّة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب [ (4) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر فدعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين، قلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماها، حسنا وحسينا [ (5) ] .
وخرّج قاسم بن أصبغ وأحمد بن حنبل من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن جاء النبي فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولد الحسين
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (2140) .
[ (2) ] (اللؤلؤ والمرجان) : ج 3 ص 47 حديث رقم (1384) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : ج 14 ص 367 حديث رقم (2142) .
[ (4) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (19) .
قال الإمام النووي في (المرجع السابق) : معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى حسن، وقد ثبتت أحاديث بتغييره صلّى اللَّه عليه وسلّم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين العلة في النوعين وما في معناهما، وهي التزكية أو خوف التطيّر.
[ (5) ] (مسند أحمد) : ج 1 ص 159، حديث رقم (1374) .

(2/310)


قال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال بل هو حسين، فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حربا، قال هو محسن [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان عن أبي إسحاق عن رجل من جهينة قال سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يقول: يا حرام، فقال: يا حلال.
ومن حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا عبيد اللَّه بن إياد [ (2) ] بن لقيطة [السدوسي] [ (3) ] عن أبيه عن ليلى امرأة بشير بن الخضامية عن بشير قال: وكان قد أي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واسمه زحم- فسماه النبي بشيرا [ (4) ] .
ومن حديث إسماعيل بن عياش عن بكر بن زرعة الخولانيّ عن مسلم بن عبد اللَّه الأزدي قال: جاء عبد اللَّه بن قرظ الأزدي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: ما اسمك؟
قال: شيطان بن قرظ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت عبد اللَّه بن قرظ.
ومن حديث شعبة عن عبد اللَّه بن أبي السفر [ (5) ] عن عامر الشعبي عن عبد بن مطيع بن الأسود، حدثني عدي بن كعب عن أبيه مطيع- وكان اسمه العاصي- فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطيعا. قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا.
ولأبي داود [ (6) ] من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن
__________
[ (1) ] ثم زاد أسد، ثم
قال: إني سمّيتهم بأسماء ولد هارون: شبّر وشبّر ومشبّر. (الاستيعاب لابن عبد البر) ج 3 ص 100.
[ (2) ] في (خ) «أبان» .
[ (3) ] ما بين القوسين غير واضح في (خ) ، وما أثبتناه من (الجرح والتعديل) ج 2 قسم 2 ص 307 ترجمة رقم (1462) وهو ثقة كما قال عنه يحيى بن معين.
[ (4) ] ونحوه في (سنن أبي داود) ج 3 ص 554 حديث رقم 3230 باب المشي في النعل بين القبور.
[ (5) ] في (خ) «اليفر» وما أثبتناه من (تهذيب التهذيب) ج 4 ص 340 عند ترجمة شعبة بن الحجاج رقم (580) .
[ (6) ] وأخرجه. البخاري في الأدب باب اسم الحزن وفيه [قال ابن المسيّب: فما زالت فينا الحزونة بعد] .

(2/311)


النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن،
قال سعيد: فظننت أن ستصيبنا بعده حزونة. قال أبو داود: وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه العاص وعزيز وعتلة [ (1) ] ووشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما، وسمى حربا سلما [ (2) ] ، وسمي المضطجع المنبعث، وأرض تسمى عفرة [ (3) ] سماها خضرة، وشعب الضلالة سماها شعب الهدى، وبنى الزّنية سماهم بني الرّشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة [ (4) ] . قال أبو داود: وتركنا أسانيدهما للاختصار.
__________
[ (1) ] العتلة: عمود حديد تهدم به الحيطان، وقيل: حديدة كبيرة يقلع بها الشجر والحجر.
[ (2) ] أما (العاص) : فإنما غيره كراهة لمعنى العصيان، وإنما سمة المؤمن: الطاعة والاستسلام.
و (عزيز) : إنما غيره لأن العزة للَّه سبحانه، وشعار العبد: الذلة والاستكانة، وقد قال سبحانه عند ما يقرع بعض أعدائه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49] .
و (عتلة) : معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم: رجل عتلّ: أي شديد غليظ. ومن صفة المؤمن: اللين والسهولة.
و (شيطان) : اشتقاق من الشّطن: وهو البعد عن الخير، وهو اسم المارد الخبيث من الجن والإنس.
و (الحكم) : هو الحاكم الّذي إذا حكم لم يردّ حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير اللَّه سبحانه، ومن أسمائه الحكم.
و (غراب) : مأخوذ من الغرب، وهو البعد. ثم هو حيوان خبيث الفعل، خبيث الطعم، وقد أباح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله في الحل والحرم.
و (حباب) : نوع من الحيات، وقد روي أن الحباب اسم الشيطان.
فقيل: إنه أراد الخبيث من شياطين الجن، وقيل-: أراد نوعا من الحيات يقال لها:
الشياطين. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] .
[ (3) ] وأما (عفرة) : فهي نعت للأرض التي لا تنبت شيئا، أخذت من العفرة، وهي: لون الأرض القحلة فسماها خضرة على معنى التفاؤل لتخضر وتمرع.
وقوله: (عقرة) : المحفوظ عقرة بالقاف. كأنه كره اسم العقرة، لأن العاقر هي المرأة التي لا تحمل، وشجرة عاقر: لا تحمل.
[ (4) ] يقال: هذا ولد رشدة: إذا كان لنكاح صحيح، كما يقال في ضده: ولد زنية، بالكسر فيهما

(2/312)


وخرّج بقي [بن] مخلد من حديث عبدة بن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ بأرض تسمى مجدبة فسماها خضرة.
وخرّج البخاري من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء النبي فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال لا أغير اسما سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعده. ترجم عليه باب اسم الحزن، وذكره أيضا في باب تحويل الاسم إلي اسم أحسن منه.
[و] [ (1) ] من حديث ابن جريج، أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده قدم على النبي فقال: ما اسمك؟
الحديث بنحو منه.
وللبخاريّ ومسلم من حديث أبي غسان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتي بالمنذر بن أبى أسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء بين يديه، فأتي أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي فأقلبوه [ (2) ] ، فاستفاق النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: أقلبناه يا رسول اللَّه، قال ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا، ولكن اسمه المنذر، فسماه يومئذ المنذر. وذكره البخاري [ (4) ] في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه ولم يقل:
فأقبلوه، وقال: ولكن اسمه المنذر، لم يذكر لا.
وخرّج أبو داود [ (5) ] من حديث بشير ابن ميمون عن عمه عن أسامة بن أخدريّ أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر
__________
[ () ] وقيل بالفتح. (معالم السنن للخطابي) على هامش (سنن أبي داود) ج 5 ص 241 وما بعدها، تعليقا على الحديث رقم (4956) .
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] فأقبلوه: أي ردوه وصرفوه في جميع نسخ (صيح مسلم) فأقلبوه بالألف وأنكره جمهور أهل اللغة والغريب وشراح الحديث وقالوا: صوابه قلبوه بحذف الألف. قالوا: قال: قلبت الصبي والشيئ صرفته ورددته.
[ (3) ] أي انتبه من شغله وفكره الّذي كان فيه واللَّه أعلم (مسلم بشرح النووي) ج 14 ص 128.
[ (4) ] (صحيح البخاري) ج 4 ص 80.
[ (5) ] (سنن أبي داود) ج 5 ص 239 حديث رقم (4954) .

(2/313)


الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما اسمك؟ قال [أنا] [ (1) ] أصرم، قال: بل أنت زرعة.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هاني بن شريح أنه ذكر أنه أول ما وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه سمعهم وهو يكنون هاني أبا الحكم، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه اللَّه هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكن أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء فحكمت بينهم رضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا، قال: فما لك من الولد؟ قال:
شريح بن هاني وعبد اللَّه ومسلم قال أين أكبرهم؟ قال: شريح، قال: أنت أبو شريح، فدعاه له ولولده، وسمع القوم وهم يسمون رجلا منهم عبد الحجر فقال: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال: بل أنت عبد اللَّه- وأنه لما حضر خروج القوم إلى بلادهم أعطى كل رجل منهم [] [ (2) ] في بلاده حيث أحب، إلا أن هانئ قال له: يا رسول اللَّه، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام وبذل الطعام. وذكره أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح إلى قوله: فأنت أبو شريح، وبعده قال أبو داود: هذا هو الّذي كسر السلسلة وهو ممن دخل تستر. وخرّجه النسائي [ (3) ] أيضا والبخاري في (الأدب المفرد) [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة من نص (أبي داود) .
وإنما غير اسم (أصرم) لما فيه معنى الصّرم وهو القطيعة، يقال: صرمت الحبل: إذا قطعته، وصرمت النخلة، إذا جذذت ثمرها. (معالم السنن للخطابى) ج 5 ص 340.
[ (2) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[ (3) ] (سنن النسائي) ج 8 ص 326 باب إذا حكّموا رجلا فقضى بينهم.
[ (4) ] (فضل اللَّه الصمد) ج 2 ص 283 حديث رقم (811) .

(2/314)