إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر عصمة اللَّه تعالى للرسول صلّى
اللَّه عليه وسلم من الجن والإنس والهوام
[ (1) ]
خرج مسلم من حديث جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد
اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما منكم [ (2) ]
من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟ قال:
وإياي إلا أن اللَّه أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير [ (3) ] .
ومن حديث سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد اللَّه قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به
قرينه من الجن وقرينه من الملائكة [ (4) ] الحديث.
ومن حديث ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط، حدثه أن عروة حدثه أن
عائشة رضي اللَّه عنها حدثته أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من
عندها ليلا، [قالت] [ (5) ] : فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع فقال: مالك يا
عائشة؟
أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟.
__________
[ (1) ] الهوامّ: ما كان من خشاش الأرض، نحو العقارب وما أشبهها، الواحدة:
هامّة، لأنها تهمّ، أي تدبّ، وهميمها دبيبها،
وروى ابن عباس رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه كان
يعوّذ الحسن والحسين فيقول: أعيذكما بكلمات اللَّه التامة، من شر كل شيطان
وهامّة، ومن شرّ عين لامّة، ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسماعيل وإسحاق
عليهم السلام.
والهوامّ: الحيّات، وكل ذي سمّ يقتل سمّه، وأما ما لا يقتل: فهو السوامّ
مشدّدة الميم، لأنها تسمّ ولا تبلغ أن تقتل، مثل: الزّنبور والعقرب
وأشباهها.
والقوامّ: هي أمثال القنافذ، والفأر، واليراسيع، والخنافس، فهذه ليست
بهوامّ ولا سوامّ، والواحدة من هذه كلها: هامّة، وسامّة، وقامّه. (لسان
العرب) : 12/ 661- 662.
[ (2) ] في (خ) : «ما فيكم» .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 163، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- باب
(16) تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينا، حديث
رقم (69) من أحاديث الباب، وأخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 185، حديث
رقم (127) .
[ (4) ] المرجع السابق: 163- 164.
[ (5) ] زيادة في السياق من المرجع السابق.
(4/111)
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
أقد جاءك شيطانك؟ قلت: يا رسول اللَّه! أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع
كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول اللَّه؟ قال: نعم ولكن ربي أعانني
عليه حتى أسلم [ (1) ] .
وقال الترمذي: وسمعت علي بن خشرم يقول: قال سفيان بن عيينة في تفسير قول
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ولكن اللَّه أعانني عليه فأسلم، يعني أسلم
أنا منه [ (2) ] . قال سفيان: الشيطان لا يسلم.
وقال أبو نعيم: وقوله فأسلم، يعني استسلم وانقاد، فليس بأمر بشر، وقيل:
أسلم: أي آمن، فيكون عليه السلام مختصا بإسلام قرينه وإيمانه [ (3) ] .
وذكر [من] حديث إبراهيم بن صدقة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن
عمر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فضلت على
آدم بخصلتين:
كان شيطاني كافرا فأعانني اللَّه عليه حتى أسلم، وكن أزواجي عونا لي، وكان
شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته [ (4) ] .
وله من حديث الصلت بن مسعود قال: حدثنا عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس رضي
اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان ساجدا بمكة، فجاء
إبليس فأراد أن يطأ [على] [ (5) ] عنقه، فنفخه جبريل عليه السلام نفخة
بجناحيه، فما استقرت
__________
[ (1) ] المرجع السابق: 164، حديث رقم (70) ،
قوله: «إلا أن اللَّه أعانني عليه فأسلم» ،
«فأسلم» برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه
أسلم أنا من شرّه وفتنته، ومن فتح قال: أن القرين أسلم من الإسلام، وصار
مؤمنا لا يأمرني إلا بخير ... وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة
القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. (مسلم
بشرح النووي) : 17/ 163- 164 مختصرا.
[ (2) ] راجع التعليق السابق.
[ (3) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 185، الفصل الثالث عشر، ذكر ما خصه اللَّه
به عزّ وجلّ من العصمة، وحماه من التدين بدين الجاهلية، وحراسته إياه عن
مكائد الجن والإنس، واحتيالهم عليه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (127)
. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 662، حديث رقم (3792) .
[ (4) ] أخرجه البيهقي في (الدلائل) : 5/ 488 وهو من رواية محمد الوليد بن
أبان القلانسيّ البغدادي، مولى بني هاشم، عن يزيد بن هارون. قال ابن عديّ:
كان يضع الحديث. وقال أبو عرّوبة: كذاب. وقال الدار الدّارقطنيّ: ضعيف، وله
أباطيل ذكرها الذهبي في (ميزان الاعتدال) : 4/ 59، ترجمة رقم (8293) .
[ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
(4/112)
قدماه على الأرض حتى بلغ الأردن [ (1) ] .
قال: ورواه حجاج الصواف عن ثابت.
وله من حديث الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة، حدثنا
جعفر بن سليمان، حدثنا أبو التّيّاح [ (2) ] ، قال: سأل رجل عبد الرحمن بن
خنبش [ (2) ] : كيف صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين كادته
الشياطين؟ قال: تحدّرت عليه الشياطين من الجبال والأودية يريدونه [ (3) ] ،
[قال:] [ (4) ] وفيهم شيطان بيده مشعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فزع منهم.
فجاءه [ (5) ] جبريل فقال له: يا محمد، قل: أعوذ بكلمات اللَّه التامات
التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شرّ فتنة الليل
والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا [ (6) ] يطرق بخير يا رحمان، فقالهن
فطفئت نار الشيطان وهزمهم.
قال: حدث به أحمد بن حنبل عن سيار بن حاتم عن جعفر مثله، وقال: ابن حبيش [
(7) ] .
ولأبي نعيم من حديث الأوزاعي قال: حدثني إبراهيم بن طريف قال: حدثني يحيى
بن سعيد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني عبد اللَّه بن مسعود
قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة صرف إليه نفر من الجن،
فأتى رجل من الجن بشعلة من نار إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
فقال جبريل: يا محمد، ألا أعلمك
__________
[ (1) ] أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) 1/ 190- 191، باب: أما حراسة اللَّه
عزّ وجلّ إياه صلّى اللَّه عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده، حديث رقم (136)
، وأخرجه الطبراني في (الأوسط) ، وفيه عثمان بن مطر، وهو ضعيف.
[ (2) ] في (خ) : «أبو السياج» ، «خنيس» ، وفي (مسند أحمد) : «خنيش» .
[ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم»
.
[ (4) ] زيادة من المرجع السابق.
[ (5) ] في المرجع السابق: «فجاء» .
[ (6) ] في (خ) : «طارق» ، وما أثبتناه حق اللغة.
[ (7) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 191، حديث رقم (137) ،
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 431، من حديث عبد الرحمن بن خنيش رضي
اللَّه تعالى عنه. حديث رقم (15034) قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي،
حدثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي، قال: حدثنا جعفر- يعني ابن سليمان-
قال: حدثنا أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش وكان كبيرا:
أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟
فقال.. وذكر الحديث. وهذا الحديث رجاله ثقات.
(4/113)
كلمات إذا قلتهن طفئت [ (1) ] شعلته وانكب
إلى منخره [ (2) ] ؟.
قل: أعوذ بوجه اللَّه الكريم وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر
من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج
منها، ومن شر فتن الليل ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا
رحمان [ (3) ] .
وله من حديث عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثم عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه إن الملأ من قريش اجتمعوا في
الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف، لو قد
رأينا محمدا لقمنا [ (4) ] إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله.
فأقبلت ابنته فاطمة عليها السلام حتى دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
فقالت: هؤلاء الملأ من قومك قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقاموا إليك
فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من ديتك [ (5) ] .
قال: يا بنية، ائتني بوضوئي [ (6) ] ، فتوضأ ثم دخل المسجد، فلما رأوه
قالوا:
ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وعقروا [ (7) ] في
مجالسهم، فلم [ (8) ] يرفعوا إليه أبصارهم [ (9) ] ، ولم يقم منهم إليه
رجل، وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى قام على رءوسهم فأخذ كفا
[ (10) ] من تراب فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم [بها] [ (11) ] ، فما أصاب
رجل منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر [كافرا] [ (11) ] .
__________
[ (1) ] في (خ) : «كفيت» .
[ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «لمنخره» .
[ (3) ] هذا الحديث انفرد به أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 192، حديث رقم
(138) وكذا أشار إليه السيوطي في (الخصائص) : 1/ 313، وله شاهد من أحاديث
الباب.
[ (4) ] في (خ) : «لقد قمنا» .
[ (5) ] في (خ) و (المسند) «من دمك» .
[ (6) ] في (خ) : «بوضوء» .
[ (7) ] في (خ) : «وعرقوا» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) ، (مسند
الإمام أحمد) .
[ (8) ] في (خ) : «ولم» .
[ (9) ] في (المسند) : «بصرا» .
[ (10) ] في (المسند) : «قبضة من تراب» وفي (دلائل أبي نعيم) «حفنة من
تراب» .
[ (11) ] زيادة للسياق من (المسند) .
هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 192- 193، باب عصمة
اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم
(4/114)
وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد
الأعلى، وله من حديث يحيى ابن عبد الحميد قال: حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن
سعيد بن جبير قال: لما نزلت:
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [ (1) ] جاءت امرأة أبي لهب [ (2) ] إلى النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال أبو بكر: يا رسول
اللَّه: لو تنحيت عنها لا تسمعك شيئا يؤذيك، فإنّها امرأة بذيئة، فقال
[صلّى اللَّه عليه وسلم] : سيحال بيني وبينها، فلم تره.
فقالت لأبي بكر: هجانا صاحبك، فقال [أبو بكر] [ (3) ] : واللَّه ما ينطق
بالشعر ولا يقوله، قالت، إنك لمصدق، فاندفعت راجعة فقال أبو بكر: ما رأتك
يا رسول اللَّه؟ قال: كان بيني وبينها ملك يسترني حتى ذهبت [ (4) ] .
قال أبو نعيم: كذا رواه ابن فضيل مرسلا، ورواه عبد السلام بن حرب وغيره
متصلا عن ابن عباس.
وله من حديث سفيان بن عيينة قال: حدثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن
أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها قالت: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وبيدها فهر وهي تقول:
مذمما أبينا ... ودينه قلينا
وأمره عصينا
ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي
اللَّه عنه، فلما رآها
__________
[ () ] حين تعاقد المشركون على قتله، حديث رقم (139) . وأخرجه الإمام أحمد
في (المسند) : 1/ 498- 499، حديث رقم (2757) ، 1/ 607، حديث رقم (3475) ،
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 170، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم
(2742/ 340) ، عن ابن عباس عن فاطمة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: اجتمع
مشركو قريش في الحجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
يا بنية اسكني، ثم خرج فدخل عليهم المسجد فرفعوا رءوسهم ثم نكسوا، فأخذ
قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلا منهم إلا
قتل يوم بدر.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي هامشه: حذفه الذهبي في
التلخيص لضعفه.
[ (1) ] المسد: 1.
[ (2) ] هي العوراء واسمها أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان، تكنى بأم
جميل.
[ (3) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
[ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 193- 194، حديث رقم (140) ،
والبخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة المسد، باب (4) قوله: وَامْرَأَتُهُ
حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، حديث رقم (4973) (فتح الباري) 8/ 957- 958، (تفسير
ابن كثير) : 4/ 604 عند تفسير سورة المسد، (الإحسان في تقريب صحيح ابن
حبان) : 14/ 440، كتاب التاريخ، باب المعجزات، حديث رقم (6511) .
(4/115)
أبو بكر قال يا رسول اللَّه قد أقبلت وأنا
أخاف أن تراك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال [تعالى] [ (1) ] : وَإِذا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [ (2) ] .
فأقبلت وقفت على أبي بكر ولم تر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت:
يا أبا بكر، إني خبّرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك،
فولّت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها [ (3) ] .
قال: وعثرت أم جميل وهي تطوف بالبيت في مرطها [فقالت] : تعس مذمم، فقالت أم
حكيم بنت عبد المطلب: إني حصان فما أكلّم، وثقاف فما أعلم، وكلتانا من بني
العم، ثم قريش بعد أعلم [ (4) ] .
وله من حديث إبراهيم بن سعد وبريد بن أبي حبيب، وشعيب ومعاوية ويحيى
وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وعبيد اللَّه بن زياد، كلهم عن محمد بن شهاب
الزهري عن سنان بن أبي سنان الدّؤليّ عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه
قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة نجد، فأدركنا
القائلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت
شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها.
قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم
على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت:
اللَّه، قال: فشام السيف، ها هو ذا [جالس] [ (5) ] لم يعرض [له] [ (5) ]
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ (1) ] في (المستدرك) : «كما قال وقرأ» .
[ (2) ] الإسراء: 54.
[ (3) ] أخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 393، كتاب التفسير تفسير سورة بني
إسرائيل، حديث رقم (3376/ 513) ، وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: (صحيح) ، والحميدي في (المسند) : 1/ 153-
154، أحاديث أسماء بن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنها، حديث رقم (323) ،
ابن كثير في (التفسير) : تفسير سورة المسد، 4/ 604، والفهر: الحجر،
والولولة: العويل.
[ (4) ] هذه الفقرة ضمن الحديث رقم (323) من (مسند الحميدي) ، وأولها: قال:
فقال الوليد في حديثه، أو قال غيره تعثرت ...
[ (5) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
(4/116)
ورواه أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن
الزهري، حدثني سنان [ (1) ] بن أبي سنان [الدؤلي] [ (2) ] وأبو سلمة بن عبد
الرحمن، أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أخبرهما أنه غزا مع رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة قبل نجد، فلما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة يوما في واد كثير العضاة، فنزل رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت ظل [شجرة] فعلق بها سيفه فنمنا تحته كذا،
فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعونا فأجبناه، فإذا عنده أعرابي
جالس فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا
نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: اللَّه، فشام
السيف فجلس فسلم بعافية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد فعل ذلك [
(3) ] .
قال أبو نعيم: ورواه الحسن عن جابر، ورواه معمر والنعمان بن راشد عن الزهري
عن أبي سلمة دون سنان.
ومن حديث شعبة عن أبي إسرائيل عن جعدة قال: شهدت النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم وأتى برجل فقيل: يا رسول اللَّه! هذا أراد أن يقتلك، فقال له رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لم ترع لم ترع، لو أردت ذلك لم يسلطك اللَّه
على قتلي [ (4) ] . وخرجه الإمام أحمد به نحوه.
ولأبي نعيم من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 49- 50، كتاب الفضائل، باب (4) توكله على
اللَّه تعالى وعصمة اللَّه تعالى له من الناس، حديث رقم (843) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (14) من أحاديث الباب.
والعضاة: كل شجرة ذات شوك. صلتا: مسلولا. شام السيف: غمده ورده في غمده،
فهو من الأضداد، والمراد هنا: أغمده.
وأخرجه أيضا البخاري في كتاب المغازي، باب (32) غزوة ذات الرقاع حديث رقم
(4134) ، (4135) ، واسم الرجل: غورث بن الحارث (فتح الباري) : 7/ 541- 542،
والبيهقي في (دلائل النبوة) : 3/ 373 باب عصمة اللَّه عزّ وجلّ رسوله صلّى
اللَّه عليه وسلم عما همّ به غورث بن الحارث من قتله وكيفية صلاة الخوف.
[ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 194، حديث رقم (143) ، (مسند الإمام أحمد) :
4/ 514، من حديث جعدة رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (15441) ، وأخرجه ابن
هشام في (السيرة) : 4/ 159 تحت عنوان: غورث يهم بقتل الرسول صلّى اللَّه
عليه وسلم وما نزل فيه من القرآن، وقال في آخره: فأنزل اللَّه تعالى: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ.
(4/117)
قال: قال شيبة بن عثمان: لمّا غزا النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم حنينا تذكرت أبي وعمي قتلهما عليّ وحمزة رضي اللَّه
عنهما، فقلت: اليوم أدرك ثأري في محمد، فجئته من خلفه فدنوت منه ودنوت، حتى
لم يبق إلا أن أسوره بالسيف، رفع لي شواظ من نار [كأنه] البرق، فخفت أن
يحبسني، فنكصت القهقرى فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: تعالى يا
شيبة، قال: فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده على صدري فاستخرج
اللَّه الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري وهو أحب إليّ من سمعي وبصري ومن
كذا [ (1) ]
فذكر الحديث.
ومن حديث ابن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر أن رجلا من محارب
يقال له غورث بن الحرث قال لقومه: أقتل لكم محمدا، قالوا: كيف تقتله؟ فقال:
أفتك به، فأقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وهو جالس وسيفه في
حجره- فقال: يا محمد! انظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم، [وكان محلى بالفضّة] [
(2) ] ، فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم فيكبته اللَّه، فقال: يا محمد! ألا
تخافني؟ [ (3) ] قال: لا، وما أخاف منك، قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟
قال: لا، يمنعني اللَّه منك، ثم غمد السيف ورده إلى رسول اللَّه [ (4) ]
صلّى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (5) ]
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 195، حديث رقم (144) ، (الإصابة) : 3/ 371،
وقد أورد هذا الحديث بنحوه ضمن ترجمة شيبة بن عثمان، وهو الأوقص بن أبي
طلحة بن عبد اللَّه بن عبد العزى ابن عبد الدار القرشي العبدري الحجبيّ،
أبو عثمان، قال البخاري وغير واحد: له صحبة، أسلم يوم الفتح، وكان أبوه ممن
قتل بأحد كافرا، وكان شيبة ممن ثبت يوم حنين بعد أن كان أراد أن يغتال
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقذف اللَّه تعالى في قلبه الرعب. فوضع النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم يده على صدره فثبت الإيمان في قلبه، وقاتل بين يديه
صلّى اللَّه عليه وسلم. رواه ابن أبي خيثمة عن مصعب النميري، وذكره ابن
إسحاق في (المغازي) بمعناه. (الإصابة) : 3/ 371، ترجمة رقم (3949) .
أخرجه أيضا البيهقي في (دلائل النبوة) : 5/ 128، عن ابن إسحاق والواقدي في
(المغازي) :
3/ 910، وقال فيه: فرفعت إليه رأسي وهو أحب إليّ من سمعي وبصري وقلبي ثم
قال: يا شيب، قاتل الكفار، فقال: فتقدمت بين يديه أحبّ واللَّه أقيمه بنفسي
وبكل شيء، فلما انهزمت هوازن رجع إلى منزله، ودخلت عليه صلّى اللَّه عليه
وسلم
فقال: الحمد للَّه الّذي أراد بك خيرا مما أردت، ثم حدثني بما هممت به.
[ (2) ] زيادة للسياق من (ابن هشام) .
[ (3) ] في ابن إسحاق: «أما» .
[ (4) ] في (ابن هشام) : «ثم عمد إلى سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فرده عليه» .
[ (5) ] المائدة: 11، والحديث في (سيرة ابن هشام) : 4/ 159، وفي (دلائل أبي
نعيم) : 1/ 195، حديث رقم (145) ، وفيه عمرو بن عبيد، وهو معتزلي مشهور،
كان داعية إلى بدعة، اتهمه جماعة مع أنه كان عابدا.
(4/118)
ومن حديث سعيد بن سلمة بن أبي الحسام قال:
حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر رضي اللَّه عنه قال: خرج النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم إلى سفر فجاء إلى شجرة فقال تحتها وعلق سيفه بها، فجاء أعرابي
فسلّ السيف فقام به على رأسه فقال: يا محمد! من يمنعك مني؟ فاستيقظ فقال:
اللَّه، فأخذه راجف فوضع السيف وانطلق [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عفان قال: حدثنا أبان بن يزيد، حدثنا يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها
لرسول اللَّه، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم معلق بالشجرة، فأخذ سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاخترطه،
فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن
يمنعك مني؟ قال: اللَّه يمنعني منك،
قال: فتهدده أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه [ (2) ]
.
ولأبي نعيم من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا حبان بن علي، حدثنا سعد بن
طريف الإسكاف عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد المشي، فانطلق ذات يوم لحاجته
ثم توضأ ولبس أحد خفيه، فجاء طائر أخضر، فأخذ الخف الآخر فارتفع بها ثم
ألقاه، فخرج منه أسود [ (3) ] سالخ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: هذه كرامة أكرمني اللَّه بها، ثم قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك من شر من
يمشي على بطنه، وشر من يمشي على رجلين، وشر من يمشي على أربع [ (4) ] .
__________
[ (1) ] ما قبله وما بعده يشهدان على صحته.
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 339، حديث رقم (14512) وتمامه: فنودي بالصلاة،
فصلّى بطائفة ركعتين وتأخروا، وصلّى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان، وأخرجه أبو نعيم
في (دلائل النبوة) : 1/ 196، حديث رقم (146) ، وأخرجه الإمام أحمد أيضا في
(المسند) : 4/ 248، حديث رقم (23925) من حديث جابر أيضا لكن بسياقة أخرى.
[ (3) ] السالخ: الأسود من الحيّات شديد السّواد، وأقتل ما يكون من الحيات
إذا سلخت جلدها. (لسان العرب) : 3/ 25.
[ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 198، حديث رقم (150) ،
والسيوطي في (الخصائص الكبرى) : 2/ 277، وابن كثير في (البداية والنهاية) :
6/ 167 عن البيهقي من طريق أخرى غير طريق أبي نعيم عن عكرمة عن ابن عباس
أيضا، وانتهى حديثه عن
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «على بطنه» .
(4/119)
ومن حديث إسماعيل بن عباس عن شرحبيل بن
مسلم عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم بخفيه يلبسهما، فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر فرمى به، فخرجت
منه حية، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من كان يؤمن باللَّه
واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما [ (1) ] .
ومن حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، أن رجلا من بني مخزوم قام إلى النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم وفي يده فهر ليرمي به رسول اللَّه، فلما أتاه وهو
ساجد رفع يده وفيها الفهر ليدفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيبست
يده على الحجر فلم يستطع إرسال الفهر من يده.
فرجع إلى أصحابه فقالوا: أجبنت عن الرجل؟ قال: لم أفعل، ولكن هذا في يدي لا
أستطيع إرساله، فعجبوا من ذلك، فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر، فعالجوا
أصابعه حتى خلصوها، وقالوا: هذا شيء يراد [ (2) ] .
ومن حديث علي بن عبيد عن النضر [بن عبد الرحمن أبي] [ (3) ] أبي عمرو
الخزاز، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة حتى تأذّى به ناس من قريش حتى قاموا
ليأخذوه، فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم عمي لا يبصرون.
فجاءوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: ننشدك اللَّه والرّحم يا
محمد، قال: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم
فيهم قرابة- فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس*
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (4) ] إلى قوله:
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ [ (5) ] ، قال: فلم يؤمن من أولئك النفر أحد [ (6) ] .
ومن حديث أبي شيبة الواسطي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن
رجلا من آل المغيرة قال: لأقتلن محمدا فأوثب فرسه في الخندق، فوقع فاندقت
رقبته وقالوا:
يا محمد، ادفعه إلينا نواريه وندفع إليك ديته، فقال: ذروة، فإنه خبيث، خبيث
الدية.
__________
[ (1) ] (كنز العمال) : 15/ 410- 411، حديث رقم (41612) وعزاه إلى الطبراني
عن أبي أمامة.
[ (2) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 199، حديث رقم (152) ، انفرد به أبو نعيم
كما في (الخصائص) : 1/ 320، وهو مرسل.
[ (3) ] زيادة للنسب من (دلائل أبي نعيم) ، (تهذيب التهذيب) .
[ (4) ] يس: 1- 3.
[ (5) ] يس: 10.
[ (6) ] انفرد به أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 199- 200، حديث رقم
(153) ، وفيه النضر بن عبد الرحمن أبو عمر، وهو متروك.
(4/120)
ومن حديث ابن إسحاق قال: وحدثني الكلبي عن
أبي صالح عن ابن عباس والحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة عن مجاهد عن ابن
عباس قال: لما عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد كانت له
شيعة وأصحاب من غير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا
أنهم قد نزلوا دارا أصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة-
وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا [إلا] فيها، يتشاورون ما
يصنعون في أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين خافوه.
فلما اجتمعوا لذلك في ذلك اليوم [ (1) ] الّذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم
يسمى الزحمة، اعترض لهم إبليس في هيئة [رجل] [ (2) ] شيخ جليل عليه بت له،
فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابهم قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ
من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم [له] [ (2) ] فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى
أن لا يعدمكم منه رأي ونصح، قالوا: أجل، فادخل فدخل معهم.
فذكر الحديث إلى [أن] قال: اجتمعوا له وفيهم أبو جهل، فخرج رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب في يده، قال: وأخذ اللَّه على
أبصارهم فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات:
يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (3) ] إلى قوله: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا
يُبْصِرُونَ [ (4) ] ، حتى فرغ من هؤلاء فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه
ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما ينتظر هؤلاء؟ قالوا: محمدا، قال:
خيبكم اللَّه!! قد واللَّه خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وضع
على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفلا ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل منهم يده على
رأسه فإذا عليه تراب [ (5) ] ، الحديث، وسيأتي مبسوطا في ذكر خروج رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة وهجرته إلى المدينة ونزوله على
الأنصار.
وقال الواقدي: حدثني قدامة بن موسى عن عبد العزيز بن رمانة عن عروة
__________
[ (1) ] في (خ) : «فلما اجتمعوا في ذلك لذلك اليوم» ، وما أثبتناه (دلائل
أبي نعيم) .
[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
[ (3) ] يس: 1- 2.
[ (4) ] يس: 9.
[ (5) ] هذا الحديث جزء من حديث طويل ذكره أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/
201- 204، حديث رقم (154) ، وأخرجه أيضا ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 227-
228.
(4/121)
ابن الزبير قال: كان النضر بن الحرث يؤذي
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويتعرض له، فخرج رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يوما يريد حاجته نصف النهار وفي حر شديد، فبلغ أسفل ثنية
الحجون [ (1) ] ، فرآه النضر بن الحرث فقال: لا أجده أبدا أخلا منه الساعة
فأغتاله.
قال: فدنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم انصرف راجعا مرعوبا
إلى منزله، فلقى أبا جهل [ (2) ] فقال: من أين الآن؟ قال النضر: اتبعت
محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده ليس معه أحد، فإذا أساود [ (3) ] تضرب
بأنيابها على رأسه، فاتحة أفواهها فهالتني، فذعرت منها ووليت راجعا، فقال
أبو جهل: هذا بعض سحره [ (4) ] .
وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس
رضي اللَّه عنه، أن عتبة وشيبة وأبا سفيان بن [حرب] ، والنضر بن الحرث،
وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة،
وأبا جهل بن هشام، وعبد اللَّه بن أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل،
ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، اجتمعوا ومن اجتمع منهم بعد غروب الشمس على ظهر
الكعبة فقال بعضهم [إلى بعض] [ (5) ] : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى
تعذروا فيه.
فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك، قال: فجاءهم رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سريعا وهو يظن أن قد بدا لقومه في أمره بداء،
وكان عليهم حريصا يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، وذكر القصة.
فلما قام عنهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال أبو جهل يا معشر
قريش! إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه
أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد اللَّه لأجلسنّ له غدا بحجر ما أطيق حمله-
أو كما قال- فإذا سجد [في صلاته] [ (5) ] رضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك
أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
__________
[ (1) ] الحجون: جبل بأعلى مكة.
[ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فلقيه أبو جهل فقال:» .
[ (3) ] أساود: أشباح.
[ (4) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 204- 205، حديث رقم (155) ، وفيه الواقدي،
وهو متروك، وهو حديث مرسل، لأنه عروة بن الزبير من التابعين.
[ (5) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
(4/122)
قالوا: واللَّه لا نسلمك لشيء أبدا، فامض
لما تريد، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، وجلس لرسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما كان
يغدو، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة وقبلته إلى الشام، فكان
إذا صلّى صلّى بين الركنين اليماني والأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام،
فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد قعدت قريش في أنديتها ينتظرون
ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم احتمل أبو
جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه، مرعوبا،
قد يبست يداه على الحجر، فقذف الحجر من يده.
وقامت إليه رجال قريش فقالوا: مالك يا أبا الحكم؟! قال: قمت إليه لأفعل ما
قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض دونه فحل من الإبل! لا واللَّه ما رأيت
مثل هامته ولا قصرته [ (1) ] ولا أنيابه لفحل قط، فهم بأن يأكلني، فذكر لي
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
ذاك جبريل، لو دنا منه لأخذه.
فلما قال لهم أبو جهل ذلك، قام النضر بن الحرث فقال: يا معشر قريش! إنه
واللَّه لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله قط [ (2) ] .
ولأبي نعيم من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا بن عمران قال:
حدثني عبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما، عن عطاء بن يسار
عن ابن عباس، أن أربد بن قيس بن جزع بن جعفر بن خالد بن كلاب، وعامر بن
الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
فانتهيا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو جالس فجلسا بين يديه، فقال
عامر بن الطفيل: يا محمد! ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال عامر: أتجعل لي
الأمر إن أسلمت من بعدك؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس ذلك
لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل، قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، اجعل لي
الوبر ولك المدر [ (3) ] ، قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (4)
] : لا، فلما قفا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال [عامر] [
(4) ] : أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فقال
__________
[ (1) ] قصرته: أصل عنقه.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) : 1/ 205- 206، حديث رقم (156) ، وابن
إسحاق في (السيرة) : 1/ 294، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) : 1/ 310،
ورجاله كلهم ثقات إلا أنه منقطع، (هامش 205 من دلائل أبي نعيم) .
[ (3) ] الوبر: كناية عن أمر البادية، والمدر: كناية عن الحاضرة.
[ (4) ] زيادة للسياق.
(4/123)
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمنعك اللَّه،
فلما خرج أربد وعامر، قال عامر: إني أشغل عنك محمدا بالحديث فاضربه بالسيف،
فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب،
فسنعطيهم الدية، قال أربد: أفعل.
فأقبلا راجعين إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال عامر: يا محمد! قم
معي أكلمك، فقام معه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكلمه، وسلّ أربد
السيف فلما وضع يده على سيفه يبست على قائم السيف فلم يستطع سلّه، وأبطأ
أربد على عامر بالضرب، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرأى أربد
وما يصنع فانصرف عنهما.
فلما خرج عامر وأربد من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا
كانا بالحرة- حرة وأقم [ (1) ]- نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن
حضير فقالا: اشخصا يا عدوي اللَّه، لعنكما اللَّه، فقال عامر: من هذا يا
سعد؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب، [قال] [ (2) ] فخرجا حتى إذا كانا
بالرقم [ (3) ] أرسل اللَّه على أربد صاعقة فقتلته.
وخرج عامر حتى إذا كان بالخريب أرسل اللَّه عليه قرحة فأخذته، فأدركه الليل
في بيت امرأة من بني سلول يرغب أن يموت في بيتها ثم ركب فرسه فأحضره حتى
مات عليه راجعا، فأنزل اللَّه فيهما: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ
أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ [ (4) ] إلى قوله: وَما لَهُمْ مِنْ
دُونِهِ مِنْ والٍ [ (5) ] ، قال: المعقبات من أمر اللَّه: يحفطون محمدا
صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ذكر أربد وما هم به فقال: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ
الْبَرْقَ [ (6) ] الآية إلى قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ [ (7) ] .
قال الواقدي: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير
قال: قدم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم وقد توافقا على ما توافقا عليه من الغدر برسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، فلما قدما قال عامر: خالني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: يأبى اللَّه ذلك، وأينا قتله، فلما ولى عامر قال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل.
__________
[ (1) ] حرة واقم: إحدى قرى المدينة المنورة.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] الرقم: موضع بالمدينة المنورة.
[ (4) ] الرعد: 8.
[ (5) ] الرعد: 11.
[ (6) ] الرعد: 12.
[ (7) ] الرعد: 13. والحديث ذكر أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 107- 108،
حديث رقم (157) بزيادة ونقصان، لكن رواية (خ) أتم، وفيه عبد العزيز بن
عمران وهو متروك، وأخرجه ابن هشام في (السيرة) بدون إسناد، والبخاري في
صحيحه، كتاب المغازي- باب غزوة الرجيع.
(4/124)
فلما خرجا قال عامر لأربد: أين ما كنت
أوصيتك ووعدتني؟ قال: واللَّه ما كان على الأرض أحد أخوف عندي [على نفسي] [
(1) ] منك، وأيم اللَّه لا أخافك بعد اليوم، قال أربد: لا أبا لك، لا تعجل
فو اللَّه ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت [ (2) ] بيني وبينه،
حتى لو ضربته بالسيف ما ضربت غيرك، فترى أني كنت ضاربك، لا أبا لك!.
قال: فخرجا راجعين إلى بلادهما، حتى إذا كانا ببعض الطريق أصاب عامر
الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، ثم خرج أربد ومن معه من
أصحابه حين رأوا عامرا قد مات، فقدموا أرض بني عامر فقالت بنو عامر: يا
أربد! ما وراءك؟
قال: لا شيء، واللَّه لقد دعاني إلى عبادة شيء ليته الآن عندي فأرميه بمثل
هذه- وأشار إلى مكان قريب- حتى أقبله، فخرج أربد بعد ذلك بيوم أو يومين معه
جمل له يتبعه، فأرسل اللَّه صاعقة فاحترق هو وجمله، فبكاه لبيد فقال: أخشى
على أربد الحتوف ولا..
القصيدة، وذكر القصة أيضا باختصار، وذكرها ابن إسحاق مطولة [ (3) ] .
ومن حديث الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة، عن أبان ابن
صالح عن علي بن عبد اللَّه بن عباس عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب رضي
اللَّه عنه قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال: للَّه عليّ إن
رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبان حتى جاء المسجد، وعجل أن يدخل
من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا شر! فائتزرت ثم اتبعته.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (ابن هشام) .
[ (2) ] في (خ) : «إلّا حلت» ، وما أثبتناه من (ابن هشام) .
[ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 260- 266، قصة عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس
في الوفادة على بني عامر، وذكر شعرا كثيرا في بكاء لبيد أربد منه:
ما إن تعدّى المنون من أحد ... لا والد مشفق ولا ولد
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السّماك والأسد
فعين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام النساء في كبد
وأخرجه البخاري في (الصحيح) ، حديث رقم (4091) ، انظر (فتح الباري) : 7/
490- 491- كتاب المغازي باب (29) غزوة الرجيع.
(4/125)
فدخل يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [ (1) ] ، فلما بلغ شأن
أبي جهل: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [ (2)
] ، قال إنسان لأبي جهل: هذا محمد، فقال [أبو جهل] : ما ترون ما أرى!
واللَّه لقد سدّ أفق السماء عليّ، فلما بلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
آخر السورة سجد [ (3) ] .
ومن حديث محمد بن عثمان عن أبي شيبة قال: حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا معتمر
بن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة
رضي اللَّه عنه قال: قال أبو جهل: أيعفر محمد وجهه بين أظهركم؟
قالوا: نعم، قال: واللَّه لئن رأيته يفعل لأطأن رقبته، ولأعفرن وجهه في
التراب.
فأتاه وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما علم به إلا وهو ينكص على عقبيه ويرجع
إلى خلفه ويتقي بيده، فقيل له: مالك؟ قال: رأيت بيني وبينه خندقا من نار
وهولا، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
أما لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، وأنزل اللَّه تعالى: كَلَّا
إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [ (4) ] ، إلى قوله:
إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [ (5) ] يعني أبا جهل فَلْيَدْعُ نادِيَهُ [ (6) ]
: قومه سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [ (7) ] : الملائكة [ (8) ] . وقد رويت من
طرق عن ابن عباس [ (8) ] .
وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون وخرج الترمذي من حديث عبد
الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس: سَنَدْعُ
الزَّبانِيَةَ [ (7) ] ، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على
عنقه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لو فعل لأخذته الملائكة عيانا [
(9) ] .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح.
__________
[ (1) ] العلق: 1- 2.
[ (2) ] العلق: 6- 7.
[ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 938، كتاب التفسير، باب (4) كَلَّا لَئِنْ لَمْ
يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ حديث رقم
(4958) ، (دلائل البيهقي) : 2/ 191.
[ (4) ] العلق: 6- 7.
[ (5) ] العلق: 13.
[ (6) ] العلق: 17.
[ (7) ] العلق: 18.
[ (8) ] أخرجه مسلم في (الصحيح) ، كتاب صفة القيامة، باب إِنَّ الْإِنْسانَ
لَيَطْغى، والبخاري في (الصحيح) ، كتاب التفسير، باب كَلَّا لَئِنْ لَمْ
يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ، حديث
رقم (4958) ، وأبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 208، حديث رقم (185) ، وابن
كثير في (التفسير) : 4/ 565، في تفسير سورة العلق، والبيهقي في (الدلائل) :
2/ 1899.
[ (9) ] (صحيح الترمذي) : 3/ 132، حديث رقم (2667- 3586) .
(4/126)
وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون
بن عبد اللَّه الزبيري عن عبد اللَّه بن سلمة عن عبد اللَّه بن عروة بن
الزبير عن أبيه عروة بن الزبير قال: حدثني عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه
عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قال: أكثر ما نالت قريش من رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم أني رأيته يوما- قال عمرو: ورأيت عيني عثمان ذرفتا حين
ذكر ذلك.
قال عثمان: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- يطوف بالبيت ويده في يد
أبي بكر رضي اللَّه عنه، وفي الحجر ثلاثة جلوس: عتبة بن أبي معيط، وأبو
جهل، وأمية بن خلف، فمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما حاذاهم
أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر وأدخل أصابعه في أصابعي حتى
طفنا جميعا،
فلما حاذاهم قالوا: واللَّه ما نصالحك ما بلّ بحر صوفة وأنت تنهانا أن نعبد
ما كان يعبد آباؤنا.
فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنا على ذلك، ثم مضى، فصنعوا
به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو
جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه فدفعته في صدره فوقع على استه، ودفع أبو بكر
أمية بن خلف، ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ثم
انفرجوا عن رسول اللَّه وهو واقف، ثم قال لهم: أما واللَّه لا تنتهون حتى
يحلكم اللَّه عقابه عاجلا.
قال عثمان رضي اللَّه عنه: فو اللَّه ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو
يرتعد، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: بئس أنتم لنبيكم، ثم
انصرف إلى بيته وتبعناه فقال: أبشروا فإن اللَّه مظهر دينه ومتم كلمته
وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح اللَّه بأيديكم عاجلا، ثم
انصرفنا إلى بيوتنا، قال: فو اللَّه لقد رأيتهم ذبحهم اللَّه بأيدينا [ (1)
] .
ومن حديث علي بن مسهر وعبد الأعلى بن عبد الأعلى قالا: حدثنا محمد بن عمرو
عن أبي سلمة، عن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه قال: ما رأيت قريشا أرادوا
قتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [إلا] [ (2) ] يوم [ (3) ] ائتمروا به وهم
جلوس في ظل الكعبة،
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 112، (الجامع الكبير المخطوط) : 2/ 16.
[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
[ (3) ] في (خ) وابن حبان: «يوما» ، وما أثبتناه من المرجع السابق، وهو حق
اللغة.
(4/127)
ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي
عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى
وجب لركبتيه ساقطا، وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول، فأقبل أبو بكر رضي
اللَّه عنه يشتد حتى أخذ بضبعي [ (1) ] رسول اللَّه من ورائه وهو يقول:
أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه؟ ثم انصرفوا عن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، فقام فصلّى.
فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة فقال: يا معشر قريش! أما
والّذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح- وأشار بيده إلى حلقه- فقال
أبو جهل: يا محمد، ما كنت جهولا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم: أنت منهم.
قال أبو نعيم: ورواه سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو ابن
العاص نحوه، ورواه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عبد
اللَّه بن عمرو بن العاص نحوه وقال: يا معشر قريش! أما والّذي نفسي بيده
لقد جئتكم بالذبح.
قال: فأخذت القوم كلهم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طير واقع،
حتى إنّ أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه [ (2) ] بأحسن ما يجد من القول حتى
إنه ليقول: انصرف [يا] [ (3) ] أبا القاسم راشدا، فو اللَّه ما كنت جهولا [
(4) ] .
ومن حديث داود بن أبي هند عن قيس بن حبتر قال: قالت ابنة الحكم:
قلت لجدي الحكم: ما رأيت قوما أعجز منكم ولا أسوأ رأيا يا بني أمية في رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تلومينا يا بنية، إني لا أحدثك إلا
ما رأيت بعيني هاتين، قلنا: واللَّه لا نزال نسمع قريشا تعلى أصواتها على
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في هذا المسجد، تواعدوا له حتى يأخذوه.
__________
[ (1) ] الضبع: ما بين الإبط إلى نصف الفخذ.
[ (2) ] رفأ فلانا: أزال فزعه وسكنه من الرعب ونحوه.
[ (3) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
[ (4) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 208- 209، حديث رقم (159)
من طريقين: عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن محمد بن عمرو بن العاص بهذا
الإسناد، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 14/ 529، كتاب التاريخ، باب
كتب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فصل ذكر جعل المشركين رداء المصطفى صلّى
اللَّه عليه وسلم في عنقه عند تبليغه إياهم رسالة ربه جلّ وعلا، حديث رقم
(6569) .
(4/128)
قال: فتواعدنا فجئنا إليه لنأخذه فسمعنا
صوتا ما ظننا أنه بقي جبل بتهامة إلا تفتت.
قال: فغشى علينا فما عقلنا حتى قضى صلاته ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا له
ليلة أخرى، فلما جاء نهضنا إليه فجاء الصفا والمروة حتى التقتا [إحداهما]
بالأخرى فحالتا بيننا وبينه، فو اللَّه ما نفعنا ذلك حتى رزقنا اللَّه
الإسلام وأذن لنا فيه.
ومن حديث محمد بن إسحاق عن عبد اللَّه بن عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي-
وكان راعية- قال: قدم رجل من إراش [ (1) ] بإبل له مكة، فابتاعها أبو جهل
بن هشام فمطله بأثمانها، وأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش- ورسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في ناحية المسجد- فقال: يا معشر قريش!
من رجل يعينني على أبي الحكم بن هشام، فإنّي رجل غريب ابن سبيل، وقد غلبني
على حقي، قال: فقال أهل المجلس: ترى ذلك الرجل؟ - لرسول اللَّه وهم يهزءون
به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فهو يعينك عليه.
فأقبل الإراشيّ [ (2) ] حتى وقف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فقال: يا عبد اللَّه، إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا
غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يعينني عليه يأخذ لي حقي منه،
فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه رحمك اللَّه.
قال: انطلق إليه، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معه، فلما رأوه
قام معه قالوا لرجل ممن كان معهم: اتبعه وانظر ماذا يصنع.
قال: وخرج رسول اللَّه حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ قال:
محمد، فاخرج إليّ، فخرج إليه وما في وجهه رائحة كذا قد انتقع لونه، فقال
__________
[ (1) ] (دلائل أبي نعيم) : 1/ 209- 210، باب دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم
على مشيخة قريش، حديث رقم (160) ، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) : 8/ 227:
وأخرجه الطبراني ورجاله ثقات، غير ابنة الحكم ولم أعرفها. وقال السيوطي في
(الخصائص الكبرى) : 1/ 321: أخرجه الطبراني وابن منك.
[ (2) ] قال الشيخ طه عبد الرءوف سعد في تعليقاته على (سيرة ابن هشام) : هو
ابن الغوث أو ابن عمرو ابن الغوث بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ، وهو والد
أنمار ولد بجيلة وخثعم. قال ابن هشام: ويقال إراشة. وإراشة: بطن من خثعم،
وإراشة مذكورة في العماليق، في نسب فرعون صاحب مصر، وفي بلى أيضا: بنو
إراشة.
(4/129)
له: أعط هذا الرجل حقه، قال: نعم، لا تبرح
حتى أعطيه الّذي له، فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم وقال للإراشيّ: ألحق بشأنك.
فأقبل الإراشيّ حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه اللَّه خيرا، فقد
واللَّه أخذ لي الّذي لي. قال: وجاء الرجل الّذي بعثوا معه فقالوا: ويحك!
ماذا رأيت.
قال: رأيت عجبا من العجب، واللَّه إن هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه
وما معه روحه فقال: أعط هذا حقه، قال نعم، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه،
فدخل، فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه.
قال: ثم لم يلبثوا أن جاءهم أبو جهل فقالوا له: ويلك! مالك؟ واللَّه ما
رأينا مثل ما صنعت، فقال: ويحكم! إن هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته
فملئت منه رعبا ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل، ما رأيت مثل
هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، واللَّه لو أبيت لأكلني [ (1) ] .
ورواه أبو يزيد المدني وأبو قزعة الباهلي، أن رجلا كان له على أبي جهل دين
فلم يعطه [له] ، فقيل له: ألا ندلك على من يستخرج لك حقك؟ قال: بلى، قالوا:
عليك بمحمد بن عبد اللَّه، فأتاه فجاء معه إلى أبي جهل فقال: أعط حقه، قال:
نعم، فدخل البيت فأخرج دراهمه فأعطاه إياه، فقالوا لأبي جهل: فرقت من محمد
كل هذا؟ قال: والّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ.
وقال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، لو لم أعطه لخفت أن تنفخ بها بطني.
ورواه ابن حبان عن الحسن بن محمد قال: قال أبو زرعة الرازيّ عن شيبان بن
فروخ وقال: حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا أبو يزيد المدني وأبو قزعة مثله وقد
تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش
ولعنهم؟ يشتمون
__________
[ (1) ] (دلائل النبوة لأبي نعيم) : 1/ 210- 212، باب ذكر خبر آخر فيما
اللَّه تعالى حجّ به أمر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم لما كلم أبا جهل أن
يؤدي غريمه حقه لما تقاعد به، حديث رقم (161) ، (سيرة ابن هشام) :
2/ 233- 235، باب أبو جهل والأراشي، (دلائل النبوة للبيهقي) : 2/ 192- 194.
(4/130)
مذمما ويلعنون مذمما، وأنا محمدا [ (1) ] !
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب (17) ما جاء في أسماء
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقول اللَّه عزّ وجلّ: مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ
بَيْنَهُمْ [الفتح: 29] ، وقوله تعالى: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
[الصف: 6] ، حديث رقم (3533) ، قال الحافظ في (الفتح) :
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «يشتمون مذمما» ،
كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، لا
يسمونه باسمه الدال على المدح، فيعدلون إلى ضده، فيقولون: مذمم، وإذا ذكروه
بسوء قالوا:
فعل اللَّه بمذمم، ومذمم ليس الاسم الدال على المدح، فيعدلون إلى ذكر ضده
فيقولون: مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل اللَّه بمذمم، ومذمم ليس هو
اسمه، ولا يعرف به، فكان الّذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره. قال ابن
التين: استدل بهذا الحديث من أسقط حدّ القذف بالتعريض، وهم الأكثر خلافا
لمالك، وأجاب بأنه لم يقع في الحديث أنه لا شيء عليهم في ذلك، بل الواقع
أنهم عوقبوا على ذلك بالقتل وغيره. (فتح الباري) : 6/ 688- 692. وأخرجه
أيضا أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 194، باب عصمة اللَّه رسوله اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم حين تقاعد المشركون على قتله، حديث رقم (142) .
(4/131)
|