إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع [فصل في ذكر بنات بنات النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم]
اعلم أن بنات بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث: واحدة من
زينب، واثنتان من فاطمة، فأما التي من زينب فإنّها أمامة بنت أبي العاص
لقيط بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، ولدت على عهد رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يحبها ويحملها على عاتقه وهو في
الصلاة، ويضعها إذا سجد [ (1) ] .
روى ابن جريج عن ابن أبي عتاب، عن عمرو بن سليم، كانت تلك الصلاة صلاة
الصبح،
وروى ابن إسحاق عن المقبري عن عمرو بن سليم فقال فيه: في إحدى صلاتي العشي-
الظهر أو العصر- وأهدى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلادة من جزع
متمغة بالذهب ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن، وأمامة هذه جارية تلعب في جانب
البيت بالتراب، فقال لنسائه: كيف ترون هذه؟ فأخذن القلادة فنظرن إليها
وقلن:
يا رسول اللَّه! ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب، فقال: ارددنها إليّ،
فلما أخذها قال: واللَّه لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إليّ،
قالت عائشة: فأظلمت الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا
أراهن إلا وقد أصابهن ما أصابني، [ووجمن] جميعا سكونا، فأقبل بها حتى وضعها
في رقبة أمامة بنت أبي العاص، فسرى عني [ (2) ] .
وأوصى أبو العاص بابنته أمامة إلى الزبير بن العوام وبتركته، فزوجها الزبير
__________
[ (1) ] قال الزبير في كتاب (النسب) : كانت زينب تحت أبي العاص، فولدت له
أمامة وعليا، وثبت ذكرها في الصحيحين من حديث أبي قتادة أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم كان يحمل أمامة بنت زينب على عاتقه فإذا سجد وضعها، وإذا
قام حملها. أخرجاه من رواية مالك، عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير.
(الإصابة) :
9/ 502، ترجمة رقم (10822) .
وأخرجه ابن سعد من رواية الليث، عن سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم أنه سمع
أبا قتادة يقول: بينا نحن على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ
خرج يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم وهي صبية، فصلى وهي على عاتقه، إذا قام، حتى قضى صلاته
يفعل ذلك بها. (طبقات ابن سعد) : 8/ 168.
[ (2) ] (الإصابة) : 7/ 502، ترجمة رقم (10822) ، (الاستيعاب) : 4/ 1789،
ترجمة رقم (3236) .
(5/366)
على بن أبي طالب بعد فاطمة رضي اللَّه
عنهم، وأوصته بذلك فاطمة، فولدت له محمدا الأوسط.
وقال الزبير بن بكار: لم تلد له، وقتل علي وأمامة عنده، فقالت أم الهيثم
النخعية [ (1) ] :
أشاب ذؤابتي وأذلّ ركني ... أمامة يوم فارقت القرينا
تطيف به [ (2) ] لحاجتها إليه [ (2) ] ... فلما استيأست رفعت رنينا
وكان علي رضي اللَّه عنه قال لها: تزوجي، فإن أردت التزويج فلا تخرجي من
رأي المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب،
فحملها عمها عبد الرحمن ابن محرز بن حارثة بن ربيعة من الكوفة إلى المدينة،
فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يخطبها عليه، ففعل فجاءت إلى
المغيرة بن نوفل تستأمره، فقال:
أنا خير لك منه، فاجعلي أمرك إليّ، وأشهد عليها برضاها بكل ما صنع.
فلما استوثق دعا رجلا وقال: تزوجتها وأصدقتها أربعمائة دينار، فكتب مروان
بذلك إلى معاوية، وكتب إليه: هي أملك بنفسها فدعها وما اختارت، وأسرها
للمغيرة في نفسه، ثم بعثه إلى الصفراء [ (3) ] فمات بها.
وقد ولدت له أمامة يحيى بن المغيرة، وبه كان يكنى، وماتت أمامة، وقال
الزبير: ولم تلد له، فليس لزينب عقب [ (4) ] ، وأما اللتان من فاطمة رضي
اللَّه عنها
__________
[ (1) ] من المرجعين السابقين.
[ (2) ] في (خ) : «بها» ، «إليها» ، وصوبناهما من المرجعين السابقين.
[ (3) ] الصّفراء: بلفظ تأنيث الأصفر من الألوان، وادي الصفراء: من ناحية
المدينة، وهو واد كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج، وسلكه رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير مرة، وبينه وبين بدر مرحلة.
ومن حديث أبي سلمة: عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم في غزوة بدر الأخيرة، حتى إذا كنا بالأثيل عند الصفراء بين ظهراني
الأراك، قال لي: تعالي حتى أسابقك. (معجم البلدان) :
3/ 468، موضع رقم (7567) ، (معجم ما استعجم) : 3/ 836) .
[ (4) ] (الإصابة) : 7/ 503، ترجمة رقم (10822) .
وقال عمر بن شبة: حدثنا علي بن محمد النّوفلي، عن أبيه، أنه حدثه عن أهله
أن عليا لما حضرته الوفاة قال لأمامة بنت العاص: إني لا آمن أن يخطبك هذا
الطاغية بعد موتي- يعني معاوية- فإن كان لك في الرجال حاجة فقد رضيت لك
المغيرة بن نوفل عشيرا،
فلما انقضت عدتها كتب معاوية إلى مروان يأمره أن يخطبها عليه، وبذل لها
مائة ألف دينار، فأرسلت إلى المغيرة: إن هذا قد أرسل يخطبني
(5/367)
فأم كلثوم وزينب.
__________
[ (-) ] فإن كان لك بنا حاجة فأقبل، فخطبها إلى الحسن فزوجها منه.
قال الحافظ ابن حجر: النّوفلي ضعيف جدا مع انقطاع الإسناد، والراويّ مجهول
فيه، لكن قال أبو عمر: روى هيثم- أو هشيم- عن داود بن أبي هند عن الشعبي،
قال: كانت أمامة عند عليّ.
فذكر معنى ما تقدم سواء، كذا قال. وأخرجه ابن سعد عن الواقدي بمعناه.
وقال ابن سعد: أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذؤيب، أن أمامة بنت أبي
العاس قالت للمغيرة ابن نوفل: إن معاوية خطبني، فقال لها: أتتزوجين ابن
آكلة الأكباد؟! فلو جعلت ذلك إليّ، قالت نعم، قال: قد تزوجتك. قال ابن أبي
ذؤيب: فجاز نكاحه. وقال الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الإخوة) :
تزوجها بعد عليّ المغيرة بن نوفل، وقيل: بل تزوجها بعده أبو الهياج بن أبي
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. (الإصابة: 7/ 503- 504، ترجمة رقم (10822)
.
(5/368)
[أم كلثوم بنت علي]
فأم كلثوم: ابنة علي بن أبي طالب، ولدت قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم، وخطبها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى عليّ،
فقال: إنها صغيرة، فقال له: زوجنيها يا أبا الحسن، فإنّي أرصد من كرامتها
ما لا يرصده أحد، فقال له علي رضي اللَّه عنه: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتها
فقد زوجتكها، فبعثها إليه بردّ وقال لها: قولي له: هذا الرّدّ الّذي قلت
لك، فقالت: ذلك لعمر، فقال: قولي له: رضيت، رضي اللَّه عنك، ووضع يده على
ساقها وكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك- وفي
رواية: [للطمت] [ (1) ] عينيك.
ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت: تبعثني إلى شيخ سوء؟
فقال: يا بنية فإنه زوجك،
فجاء عمر رضي اللَّه عنه إلى مجلس المهاجرين في الروضة، وكان يجلس فيها
المهاجرون الأولون، فجلس إليهم فقال: رفئوني [ (2) ] ! فقالوا: بماذا يا
أمير المؤمنين؟ قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب.
سمعت الرفّاء بالمد: الالتئام والاتفاق، ويقال للمتزوج: بالرفاء والبنين،
وقد رفأت المملك ترفية وترفياء إذا قلت له ذلك [ (3) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الإصابة) : 8/
293، ترجمة رقم (12233) .
[ (2) ] في (خ) : «زفوني» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) : 294.
[ (3) ] قال الإمام مجد الدين أبو السادات المبارك بن محمد الجزري بن
الأثير: نهى أن يقال للمتزوج: بالرّفاء والبنين، والرّفاء: الالتئام،
والاتفاق، والبركة، والنماء، وهو من قوله: رفأت الثوب رفا، ورفوته رفوا،
وإنما نهي عنه كراهية لأنه كان من عادتهم، ولهذا سنّ فيه غيره، ومنه
الحديث: كان إذا رفّأ الإنسان قال: بارك اللَّه لك وعليك، وجمع بينكما على
خير. ويهمز الفعل ولا يهمز، ومنه حديث أم زرع: كنت لك كأبي زرع لأم زرع في
الألفة والرّفاء، ومنه الحديث:
قال صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش: جئتكم بالذبح،
فأخذتهم كلمته، حتى إنّ أشدّهم فيه وضاءة ليرفّئوه بأحسن ما يجد من القول
أي يسكنه ويرفق به ويدعو له. (النهاية) : 2/ 240- 241.
(5/369)
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
يقول: كل نسب وسبب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فكان لي
به النسب والسبب فأردت أن أجمع إليه الصهر فرفّئوه.
وأمهرها عمر رضي اللَّه عنها أربعين ألف درهم، فولدت له زيدا ورقية، تزوج
رقية بنت عمر إبراهيم بن نعيم النجار فماتت عنده ولم تترك ولدا، وقتل زيد
بن عمر خطأ، قتله خالد بن أسلم مولى عمرو، ولم يترك ولدا، فلا بقية لعمر
رضي اللَّه عنه في أم كلثوم بنت علي رضي اللَّه عنها.
وقد روى أن زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم مرضا جميعا ونقلا ونزل بهما، وأن
رجالا مشوا بينهما لينظروا أيهما يقبض أولا فيورّث منه الآخر، وأنهما قبضا
في ساعة واحدة، فلم يدر أيهما قبض قبل صاحبه، فكانت في زيد وأمه سنّتان،
ماتا في ساعة واحدة، لم يعرف أيهما مات قبل الآخر، فلم يورث واحد منهما من
صاحبه، ووضعا معا في موضع الجنائز، وأخرت أمه وقدم زيد مما يلي الإمام [
(1) ] ، فجرت السّنّة في الرجل والمرأة بذلك بعد.
وصلى عليهما عبد اللَّه بن عمر [ (2) ] ، ولما قتل عمر رضي اللَّه عنه عن
أم كلثوم، تزوجها محمد بن جعفر بن أبي طالب فمات عنها، فتزوجها عون بن جعفر
ابن أبي طالب فماتت عنده [ (3) ] ، رحمها اللَّه.
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 8/ 295، ترجمة رقم (12233) .
وأما قتل زيد خطأ، فإنه كان قد أصيب في حرب كانت بين بني عدي ليلا، كان قد
خرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في الظلمة فشجّه وصرعة، فعاش أياما ثم مات
هو وأمه في وقت واحد.
وأما السّنّتان اللتان كانتا فيهما فيما ذكروا: لم يورّث واحد منهما من
صاحبه، لأنه لم يعرف أولهما موتا، وقدّم زيد قبل أمه مما يلي الإمام
(الاستيعاب) : 4/ 1956، ترجمة رقم (4204) .
[ (2) ] وأخرج عطاء الخراساني بسند صحيح أن ابن عمر صلى على أم كلثوم
وابنها زيد، فجعله مما يليه، وكبّر أربعا، وساق بسند آخر أن سعيد بن العاص
هو الّذي صلى عليهما. (الإصابة) : 8/ 295، ترجمة رقم (12233) .
[ (3) ] لكن ذكر أبو بشر الدولابي في (الذرية الطاهرة) : أنها تزوجت عوف بن
جعفر بن أبي طالب، وذكرها الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الأخوة) : أن عوفا
مات عنها فتزوجها أخوه محمد، ثم مات عنها فتزوجها أخوه عبد اللَّه بن جعفر،
فماتت عنده. (المرجع السابق) : 294، وذكر ابن سعد نحوه، وزاد في آخره:
فكانت تقول:
إني لأستحي من أسماء بنت عميس، مات ولداها عندي، فأتخوف على الثالث، قال:
فهلكت عنده، ولم تلد لأحد منهم. (طبقات ابن سعد) : 8/ 339، (جمهرة أنساب
العرب) : 38.
(5/370)
[زينب بنت عليّ]
وزينب بنت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه [ (1) ] زوجها أبوها علي رضي
اللَّه عنه بعبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له عليا، وفيه البقية
من ولده وأم كلثوم وتزوجت ولها عقب، ورقية ماتت قبل أن تبلغ الحلم، واللَّه
أعلم.
__________
[ (1) ] هي زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية، سبطة رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أمها فاطمة الزهراء.
قال ابن الأثير: إنها ولدت في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت
عاقلة، لبيبة، جزلة، زوجها أبوها ابن أخيه عبد اللَّه بن جعفر فولدت له
أولادا، وكانت مع أخيها لما قتل، فحملت إلى دمشق، وحضرت عند يزيد بن
معاوية، وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها مشهور، يدل على عقل
وقوة جنان.
(الإصابة) : 7/ 684، ترجمة رقم (11261) ، نقلا عن (أسد الغابة) : 5/ 469.
(5/371)
|