إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر آل رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم
قال ابن سيده: وآل الرجل أهله، فإما أن تكون الألف منقلبة عن واو، وإما أن
تكون بدلا من الهاء، وتصغيره أويل وأهيل، وقد يكون ذلك لما لا يعقل.
وأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، والجمع أهلون وأهلات [ (1) ] ، قال: وأهل
بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- ويقال لهم آل البيت- قيل: نساء النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقيل: الرجال الذين هم آله، وآل الرجل أهله، وآل اللَّه وآل رسوله أولياؤه،
أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء بهمزة، فصارت في التقدير آل، فلما توالت
الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا.
قال: فلما كانوا بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم، حتى لا يقال إلا في
نحو قولهم: آل اللَّه، واللَّهمّ [صل] [ (2) ] على محمد وعلى آل محمد،
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [ (3) ] ، قال ولا يقال: آل
الخياط، كما يقال أهل الخياط ولا آل الإسكاف [ (4) ] .
وقال صاحب الصحاح: وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضا: أتباعه، وقيل:
آل الرجل مشتق من يئول إذا رجع، فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويضافون
له، ويليهم أي يسوسهم، فيكون مآلهم إليه ومنه الإيالة وهي السياسة، فآل
الرجل هم الذين يسوسهم.
ويقال [آل] الرجل له نفسه، وآله لمن يتبعه [ (5) ] ، ويقال: أهل الرجل
__________
[ (1) ] قال ابن منظور: والجمع أهلون، وآهال، وأهلات، وأهلات. (لسان العرب)
: 11/ 28.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] سورة غافر: الآية 28.
[ (4) ] (لسان العرب) : 11/ 31، (ترتيب القاموس) : 1/ 198، وقال في هامشه:
وخصّ أيضا بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات والأمكنة والأزمنة،
فيقال: آل فلان، ولا يقال: آل رجل.
ولا النكرات ولا آل زمان كذا، ويقال: أهل بلد كذا، وموضع كذا.
[ (5) ] قال جار اللَّه أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشريّ: آل الرعيّة
يؤولها إيالة حسنة، وهو حسن الإيالة
(5/372)
لأهله وأقاربه، فمن الأول:
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما جاءه أبو أوفى بصدقة-: اللَّهمّ
[صل] [ (1) ] على آل أبي أوفى [ (2) ] ،
وقوله تعالى: سلام على آل ياسين [ (3) ] ،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، كما
صليت على إبراهيم [ (4) ] ،
فآل إبراهيم هو إبراهيم، لأن الصلاة المطلوبة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه
وسلّم هي الصلاة على إبراهيم نفسه، وآله تبع له فيها.
وقيل لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب، وزعموا أن الأدلة المذكورة المراد
بها الأقارب، وأن
قوله: كما صليت على آل إبراهيم:
آل إبراهيم الأنبياء، والمطلوب من اللَّه تعالى أن يصلى على النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم، كما صلى على جميع الأنبياء والمرسلين من ذرية إبراهيم،
لا إبراهيم وحده، كما هو مصرح به في بعض الألفاظ من قوله: على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم، وكذا في إِلْ ياسِينَ، فإنه قرئ: آل ياسين [ (5) ] ، والمراد
أتباعه.
والصواب من هذا كله: أن الآل إذا انفرد، دخل فيها المضاف، كقوله تعالى:
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (6) ] ، ولا ريب في دخوله
في آله هنا، وقوله وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ [ (7) ]
، ونظائره،
وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ
__________
[ () ] وأتالها، وهو مؤتال لقومه مقتال عليهم، أي سائس محتكم. (أساس
البلاغة) : 25.
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (2) ] (فتح الباري) : 11/ 202- 204، كتاب الدعوات، باب (23) هل، يصلّى
على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ، حديث رقم (6359) . قال الحافظ ابن حجر: ووقع
مثله
عن قيس بن سعد بن عبادة: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رفع يديه وهو
يقول: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة. أخرجه أبو داود
والنسائي وسنده جيد،
وفي حديث جابر:
أن امرأته قالت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلّ عليّ وعلى زوجي ففعل،
أخرجه أحمد مطولا ومختصرا، وصححه ابن حبان، وهذا القول جاء عن الحسن
ومجاهد، ونصّ عليه أحمد في رواية أبى داود، وبه قال إسحاق، وأبو ثور،
وداود، والطبري، واحتجوا بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
وَمَلائِكَتُهُ.
[ (3) ] سورة الصافات: الآية 130.
[ (4) ] (فتح الباري) : 11/ 182- 183، كتاب الدعوات، باب (32) الصلاة على
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6357) .
[ (5) ] كذا في قراءة ورش عن الإمام نافع (رواية ورش) : 153.
[ (6) ] سورة غافر: الآية 46.
[ (7) ] سورة الأعراف: الآية 130.
(5/373)
[صل] [ (1) ] على آل أبى أوفى، ولا ريب في
دخول أبى أوفى نفسه في ذلك، وقوله: اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آل محمد،
كما صليت على آل إبراهيم
- هنا أكثر روايات البخاري- وإبراهيم هنا داخل في آله.
وأما إذا ذكر الرجل ثم ذكر آله، لم يدخل فيهم، ففرق بين اللفظين المجرد
والمقرون، فإذا قلت: أعط هذا الزيد وآل زيد، لم يكن زيد هنا داخلا في آله،
وإذا قلت: أعطه لآل زيد تناول زيدا وآله، فعلم أن اللفظ واحد تختلف دلالته
بالتجريد والاقتران، كالفقير والمسكين: هما صنفان، إذا قرن بينهما، وصنف
واحد إذا أفرد كل منهما، ولهذا كانا في الزكاة صنفين [ (2) ] ، وفي الكفارة
صنفا واحدا، وكالإيمان والإسلام، والبر والتقوى، والفحشاء والمنكر، والفسوق
والعصيان، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة.
وقد اختلف في آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أربعة أقوال، أحدها:
أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال: أحدها، أنهم بنو هاشم
وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعيّ وأحمد في رواية عنه، والثاني: أنهم بنو
هاشم خاصة، وهذا مذهب أبى حنيفة، وأحد أقوال أحمد، واختيار ابن القاسم من
أصحاب مالك، والثالث:
أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب، وبنو أميه، وبنو
نوفل ومن فوقهم من بطون قريش، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك، على ما حكاه
صاحب (الجواهر) عنه.
__________
[ (1) ] يقول الدكتور يوسف القرضاوى في (فقه الزكاة) : والّذي ينفع ذكره
هنا: أن الفقير عند الحنفية هو من يملك شيئا دون النصاب الشرعي في الزكاة،
أو يملك ما قيمته نصاب أو أكثر من الأثاث، والأمتعة، والثياب، والكتب،
ونحوها، مما هو محتاج إليه لاستعماله والانتفاع به، والمسكين عندهم من لا
يملك شيئا. وهذا هو المشهور.
[ (2) ] والفقير عند الأئمة الثلاثة: من ليس له مال ولا كسب حلال لائق به،
يقع موقعا من كفايته، من مطعم، وملبس، ومسكن، وسائر ما لا بد منه، لنفسه
ولمن تلزمه نفقته، من غير إسراف ولا تقتير، كمن يحتاج إلى عشرة دراهم كل
يوم، ولا يجد إلا أربعة، أو ثلاثة، أو اثنين.
والمسكين عندهم من قدر على مال أو كسب حلال لائق، يقع موقعا من كفايته
وكفاية من يعوله، ولكن لا تتم به الكفاية، كمن يحتاج إلى عشرة فيجد سبعة أو
ثمانية. (فقه الزكاة للقرضاوى) : 2/ 546- 548.
(5/374)
وحكاه اللخمي في (التبصرة) عن أصبغ لا عن
أشهب، وهذا القول في الأول، أعنى أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة، هو منصوص
عن الشافعيّ وأحمد، والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحابهما، والدليل عليه ما
خرجه البخاري من حديث إبراهيم ابن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة
رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤتى بالتمر عند
صرام النخل، فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر فجعل
الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه، فنظر
إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت أن
آل محمد لا يأكلون الصدقة؟
ترجم عليه باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبى فيمسّ تمر
الصدقة [ (1) ] ؟
وخرجه مسلم من حديث وكيع عن شعبة، عن محمد- وهو ابن زياد- سمع أبا هريرة
يقول: أخذ الحسن بن على رضي اللَّه عنه تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كخ كخ! ارم بها، أما علمت أنّا
لا تحل لنا الصدقة؟ [ (2) ] ؟
وخرج مسلم من حديث إبراهيم بن علية قال: حدثنا أبو حبّان قال: حدثني يزيد
بن حبّان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم إلى زيد
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 447، كتاب الزكاة، باب (57) ، حديث رقم (1485) .
والصرام- بكسر المهملة: الجداد والقطاف وزنا ومعنى.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) ، 7/ 181، كتاب الزكاة، باب (50) تحريم الزكاة
على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله، هم بنو هاشم وبنو المطلب
دون غيرهم، حديث رقم (161) واللذان بعده. قال القاضي
في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل
الصدقة» وفي رواية: «لا تحل لنا الصدقة» :
يقال: كخ كخ بفتح الكاف وكسرها، وتسكين الخاء، ويجوز كسرها مع التنوين، وهي
كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات، فيقال له: كخ، أي اتركه وارم به. قال
الداوديّ: هي عجمية معربة بمعنى بئس، وقد أشار إلى هذا البخاري بقوله في
ترجمة باب من تكلم بالفارسية والرطانة. وفي الحديث أن الصبيان يوقون ما
يوقاه الكبار، وتمنع من تعاطيه، وهذا واجب على الولي. (مسلم بشرح النووي) :
7/ 181.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أما علمت أنا لا نأكل الصدقة»
هذه اللفظة تقال في الشيء الواضح التحريم ونحوه، وإن لم يكن المخاطب عالما
به، وتقديره: عجب! كيف خفي عليك هذا مع ظهور تحريم الزكاة على النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو المطلب؟.
(5/375)
ابن أرقم رضي اللَّه عنه، فلما جلسنا إليه
قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت [ (1) ] يا زيد
خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
قال: يا ابن أخي، واللَّه لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت
أعي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فما حدثتكم فاقبلوا، وما [ (2)
] لا فلا تكلفونيه [ (3) ] .
ثم
قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما [ (4) ] خطيبا بماء
يدعى خمّا [ (5) ] بين مكة والمدينة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم
قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتى رسول ربى [ (6)
] فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب اللَّه تعالى، فيه الهدى
والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به، فحث على كتاب اللَّه ورغّب فيه،
ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه [في أهل
بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي] [ (7) ]- ثلاثا [ (8) ]
- ثم قال له حصين: ومن أهل بيته
__________
[ () ] هذا مذهب الشافعيّ وموافقيه، أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم هم بنو
هاشم وبنو المطلب، وبه قال بعض المالكية. وقال أبو حنيفة ومالك: هم بنو
هاشم خاصة. قال القاضي: وقال بعض العلماء: هم قريش كلها، وقال أصبغ
المالكي: هم بنو قصي.
دليل الشافعيّ
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن بنى هاشم وبنى المطلب شيء
واحد،
وقسم بينهم سهم ذوى القربى، وأما صدقة التطوع فللشافعى فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تحرم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحل لآله،
والثاني تحرم عليه وعليهم، والثالث: تحل له ولهم.
وأما موالي بنى هاشم وبنى المطلب فهل تحرم عليهم الزكاة؟ فيه وجهان
لأصحابنا، أصحهما: تحرم، للحديث الّذي ذكره مسلم بعد هذا، حديث أبى رافع.
والثاني: تحل.
وبالتحريم قال أبو حنيفة، وسائر الكوفيين، وبعض المالكية.
وبالإباحة قال مالك، وادعى ابن بطال المالكي أن الخلاف إنما هو في موالي
بنى هاشم، وأما موالي غيرهم فتباح لهم بالإجماع وليس كما قال بل الأصح عند
أصحابنا تحريمها على موالي بنى هاشم، وبنى المطلب، ولا فرق بينهما، واللَّه
تعالى أعلم. (المرجع السابق) .
[ (1) ] في (خ) : «رأيت» وصوبناه من (صحيح مسلم) .
[ (2) ] في (خ) : «وما ألا» وصوبناه من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] في (خ) : «تكلفنيه» وصوبناه من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «ثم قال قام رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم يوما فينا خطيبا» .
[ (5) ] خمّ: اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الحسنة، عندها غدير مشهور يضاف
إلى الغيضة، فيقال: غدير خمّ.
[ (6) ] يعنى ملك الموت. قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ
رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ الحج: 75.
[ (7) ] زيادة يقتضيها السياق من (صحيح مسلم) .
[ (8) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «فقال» .
(5/376)
يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال:
نساؤه من أهل بيته. أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل
على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة [ (1) ] ؟
قال نعم [ (2) ] .
وخرجه من حديث جرير عن أبى حيان به، وزاد فيه: كتاب اللَّه فيه الهدى
والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأ ضل [ (3) ] .
وخرجه من حديث حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق، وعن يزيد بن حيان عن زيد
بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيرا، لقد صاحبت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم وصليت خلفه، وساق الحديث بنحو حديث أبى حيان، غير
أنه قال: ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اللَّه عز وجل، وهو حبل
اللَّه، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة، وفيه: فقلنا: من
أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وأيم اللَّه، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من
الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين
حرموا الصدقة بعده [ (4) ] .
وخرجه الترمذي من حديث محمد بن فضل. حدثنا الأعمش عن عطية بن سعد، والأعمش
عن حبيب بن أبى ثابت، عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من
الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن
يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
قال: هذا حديث [حسن] غريب [ (5) ] .
__________
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) : «قال كل هؤلاء كل هؤلاء حرم الصدقة
بعده» .
[ (2) ]
(مسلم بشرح النووي) : 15/ 188- كتاب فضائل الصحابة، باب (4) من فضائل على
بن أبى طالب رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (36) قوله صلّى اللَّه عليه
وسلّم: «وأنا تارك فيكم ثقلين فذكر كتاب اللَّه وأهل بيته» ،
قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنها، وقيل: لثقل العمل بهما
(المرجع السابق) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 189.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 190، حديث رقم (37) .
[ (5) ] (سنن الترمذي) : 5/ 622، كتاب المناقب، باب (32) مناقب أهل بيت
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3788) وقال في آخره: هذا حديث حسن
غريب.
(5/377)
وخرجه الحاكم من حديث جرير بن عبد الحميد،
عن الحسن بن عبد اللَّه النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم قال: قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه
وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] .
وقد روى: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه وعترتي، كتاب اللَّه حبلا
ممدودا من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي،
قال أبو البقاء: أما كتاب اللَّه وعترتي الأولين فبدلان من الثقلين.
وأما كتابا الثاني فهو بدل من كتاب الأول، وجوّد ذلك وحسّنه ما اتصل به من
زيادة المعنى، وهو قوله: حبلا ممدودا، وكذلك عترتي أهل بيتي، ونصب حبلا
ممدودا على أنه حال أو مفعول ثانى لتارك، ولو روى كتاب اللَّه حبلا ممدودا
جاز على أنه مستأنف.
وقد ثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الصدقة لا تحل لآل محمد [
(2) ] ،
وخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن
فاطمة والعباس رضي اللَّه عنهما أتيا أبا بكر رضي اللَّه عنه يلتمسان
ميراثهما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما
من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر رضي اللَّه عنه: سمعت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورّث، ما تركناه صدقه، إنما يأكل
آل محمد من [هذا المال] .
قال أبو بكر رضي اللَّه عنه واللَّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم [يصنعه] فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة رضي اللَّه
عنها فلم تكلمه حتى ماتت.
اللفظ للبخاريّ، خرجه في الفرائض [ (3) ] وخرجه في المغازي [ (4) ] في حديث
بنى النضر
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 160- 161، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4711/
309) ، وقال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] في (صحيح مسلم) : «الصدقة لا تنبغي لآل محمد» بعض حديث طويل سيأتي
الكلام عنه بعد قليل إن شاء اللَّه تعالى.
[ (3) ] (فتح الباري) : 12/ 4، كتاب الفرائض، باب (3)
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا نورّث ما تركناه صدقة، حديث رقم
(6725) ، حديث رقم (6726) ،
وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 627- 628، كتاب المغازي، باب (39) ، غزوة خيبر،
حديث رقم (4240، 4241) .
(5/378)
وقال في آخره: إنما يأكل آل محمد من هذا
المال، واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليّ أن أصل
من قرابتي، وذكره في كتاب الفيء، أطول من هذا وأشبع من حديث عقيل وصالح بن
كيسان ومعمر، وهي كلها مما اتفقا عليه،
وقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال،
يعنى مال اللَّه، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل، قال النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم لهم خواصّ: منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه، ومنها
استحقاقهم خمس الخمس، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليه.
وقد ثبت أن تحريم الصدقة، واستحقاق خمس الخمس، وعدم توريثهم، يختص ببعض
أقاربه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكذلك الصلاة على آله خاصة ببعضهم غير عامة
لهم.
وخرج مسلم من حديث مالك عن الزهري، أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل
ابن الحارث بن عبد المطلب، حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه
قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: واللَّه لو بعثنا
هذين الغلامين- قال لي وللفضل بن عباس- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدى الناس وأصابا ما
تصيبه الناس.
قال: فبينما هما في ذلك جاء على بن أبى طالب رضي اللَّه عنه فوقف عليهما،
فذكرا له ذلك، فقال عليّ: لا تفعلا [فو اللَّه] [ (1) ] ما هو بفاعل،
فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: واللَّه ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا،
فو اللَّه لقد نلت صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما نفسناه
عليك، قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع عليّ، قال: فلما صلى رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ
بآذاننا ثم قال: أخرجا ما تصررانه، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب
بنت جحش.
قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول اللَّه، أنت أبّر الناس
وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدى
إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
(5/379)
قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال:
وجعلت زينب رضى اللَّه عنها تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه.
قال: ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، أدعوا لي
محمية- وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
قال: فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن العباس، فأنكحه،
وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك لي، فأنكحنى، وقال لمحمية:
أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. قال الزهري: ولم يسمه لي، [ (1) ] وخرجه
أيضا من حديث يونس [بن يزيد] [ (2) ] عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 183- 185، كتاب الزكاة، باب (51) ترك
استعمال آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصدقة، حديث رقم (167) .
قوله: «فانتحاه ربيعة بن الحارث» هو بالحاء، ومعناه: عرض له وقصده.
قوله: «ما تفعل هذا إلا نفاسة منك علينا» معناه حسدا منك لنا، قوله «أخرجا
ما تصرران» ، هكذا هو في معظم الأصول ببلادنا، وهو الّذي ذكره الهروي،
والمازري، وغيرهما من أهل الضبط، تصرران بضم التاء وفتح الصاد وكسر الراء
وبعدها راء أخرى، ومعناه: تجمعانه في صدوركما من الكلام، وكل شيء جمعته فقد
صررته.
ووقع في بعض النسخ: تسرران بالسين من السر، وذكر القاضي عياض فيه أربع
روايات فلتراجع في (مسلم بشرح النووي) : 7/ 184.
قوله: «قد بلغنا النكاح» أي الحلم، كقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى
حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ [النساء 6] .
قوله: «تلمع إلينا» بضم التاء وإسكان اللام وكسر الميم، ويجوز فتح التاء
والميم، يقال: ألمع ولمع إذا أشار بثوبه أو بيده.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد»
دليل على أنها محرمة سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما
من الأسباب الثمانية [المذكورة في الآية 60 من سورة التوبة] ، وهذا هو
الصحيح عند أصحابنا.
وجوّز بعض أصحابنا لبني هاشم وبنى المطلب العمل عليها بسهم العامل لأنه
إجارة، وهذا ضعيف أو باطل، وهذا الحديث صحيح في رده.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما هي أوساخ الناس»
تنبيه على العلة في تحريمها على بنى هاشم وبنى المطلب، وأنها لكرامتهم
وتنزيههم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما
قال تعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، فهي
كغسالة الأوساخ. (مسلم بشرح النووي) :
7/ 185.
[ (2) ] زيادة للنسب من (صحيح مسلم) .
(5/380)
ابن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب
بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث [بن عبد
المطلب] [ (1) ] وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن
عباس: ائتيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ... وساق الحديث بنحو حديث
مالك وقال فيه: فألقى عليّ رضي اللَّه عنه رداءه ثم اضطجع وقال: أنا أبو
حسن القرم، واللَّه لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما
به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال في الحديث: ثم قال لنا:
إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد.
وقال أيضا ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعوا إليّ محمية بن
جزء- وهو رجل من بنى أسد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمله
على الأخماس. قال كاتبه: هكذا وقع، وهو رجل من بنى أسد، وإنما هو من بنى
زبيلة.
وخرج مسلم وأبو داود من حديث حيوة، أخبرنى أبو صخر عن يزيد بن قسيط عن عروة
بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتى به
ليضحّى به فقال: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر [- وقال أبو
داود:
أشحثيها بحجر-] [ (2) ] ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه ثم
قال: باسم اللَّه، اللَّهمّ تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى
به [ (3) ] .
فانظر كيف غاير بين آله وأمته، فإن حقيقة العطف المغايرة، وأمته صلّى
اللَّه عليه وسلّم
__________
[ (1) ] زيادة للنسب من (صحيح مسلم) .
[ (2) ] كذا في (خ) ، وفي (صحيح مسلم) و (سنن أبى داود) : «اشحذيها» .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 13/ 130، كتاب الأضاحي، باب (3) استحباب
الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير، حديث رقم (19) : 7/
349- 350 كتاب الضحايا، باب (4) ما يستحب من الضحايا، حديث رقم (2789) ،
وفي الحديث استحباب التضحية بالأقرن، وإحسان الذبح، وإحداد الشفرة، وإضجاع
الغنم في الذبح، قال النووي: واتفق العلماء على أن إضجاعها يكون على جانبها
الأيسر، لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار
أ. هـ والحديث فيه دليل على حواز الأضحية الواحدة عن جميع أهل البيت قال
المنذري: أخرجه مسلم. (عون المعبود) : 7/ 350.
(5/381)
أعمّ من آله، وتفسير الآل بكلام النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم أولى من تفسيره بكلام غيره، وهذا القول من أن آل الرسول
صلّى اللَّه عليه وسلّم هم الذين تحرم عليهم الصدقة، هو أصح الأقوال
الأربعة.
وأرجح ما في هذا القول من الأقوال الثلاثة مذهب الشافعيّ رحمة اللَّه، لما
خرج البخاري من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن جبير
بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي اللَّه عنه إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول اللَّه! أعطيت بنى المطلب وتركتنا، ونحن
وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنو
المطلب وبنو هاشم شيء واحد [ (1) ] .
وقال الليث: حدثني يونس، وزاد قال جبير: ولم يقسم النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل [شيئا] [ (2) ] . قال ابن إسحاق: وعبد
شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم- وهي عاتكة بنت مرة- وكان نوفل أخوهم لأبيهم،
ذكره البخاري في كتاب فرض الخمس، وفي مناقب قريش في غزوة خيبر.
فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكم هاشم وبنى المطلب في شيء أصلا، لأنهم شيء
واحد بنصّ كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصح أنهم آل محمد، وإذ
هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل ابني عبد مناف
وسائر قريش عن هذين البطنين وباللَّه التوفيق.
واعترض الحنفيون بأن
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد،
إنما أراد أنهم لم يفترقوا في الجاهلية لأنهم دخلوا مع بنى هاشم الشعب، إذ
[كان] [ (3) ] بنو عبد شمس حينئذ حزبا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم، [وأهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هم بنو هاشم] [ (4) ] فقط
الذين هم بنو العباس، وبنو طالب، وبنو الحارث، وبنو أبى طالب، وبنو أبى
لهب. فإنه لا خلاف أن عقب هاشم انحصر في عبد المطلب
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم (عون المعبود) : 7/ 350 (3) ،
[ (2) ] أخرجه البخاري في المغازي، باب (239) غزوة خيبر حديث رقم (4229) .
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) وعالجناه على حسب ما يقتضيه
السياق.
(5/382)
فصار بنوه آل محمد بيقين.
واعترض الشيعة العلوية على الحنفية وغيرهم بأنه ليس أهل البيت إلا من ذكرهم
اللَّه تعالى بقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] ،
وقد فسرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين سئل: من أهل بيتك؟ فقال:
على وفاطمة، والحسن والحسين.
خرج الترمذي من طريق يحى بن عبيد، عن عطاء بن أبى رباح، عن عمر بن أبى سلمة
[ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، وزينب بنت النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم قال: نزلت هذه الآية على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إِنَّما
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] في بيت أم سلمة رضي اللَّه عنها فدعا
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة وحسنا وحسينا رضي اللَّه عنهم فجلّلهم
بكساء، وعلى رضي اللَّه عنه خلف ظهره [فجلله بكساء] ثم قال: اللَّهمّ هؤلاء
أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول
اللَّه؟ قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير [ (2) ] .
قال: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. ذكره في مناقب آل بيت النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم. وذكره أيضا بهذا الإسناد في كتاب التفسير وقال: هذا حديث غريب
من حديث عطاء عن عمر بن أبى سلمة [ (3) ] .
وخرج مسلم من حديث زكريا بن أبى زائدة، عن مصعب بن أبى شيبة، عن صفية بنت
شيبة قالت: قالت عائشة رضي اللَّه عنها: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
__________
[ (1) ] الأحزاب: 33.
[ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 10/ 196، أبواب المناقب: باب (110) مناقب أهل بيت
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4039) .
[ (3) ] (تحفة الأحوذي) : 9/ 48، أبواب تفسير القرآن، سورة الأحزاب، حديث
رقم (3422) . قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ قيل: هو الشك، وقيل العذاب، وقيل الإثم. قال الأزهري: الرجس اسم
لكل مستقذر من عمل، قاله النووي. قوله «فجللهم بكساء» أي غطاهم به من
التجليل. وقوله: «فجلله بكساء» أي كساء آخر، قوله: «قالت أم سلمه وأنا معهم
يا نبي اللَّه» بتقدير حرف الاستفهام، قوله: «أنت إلى مكانك وأنت إلى خير»
يحتمل أن يكون معناه أنت خير وعلى مكانك من كونك من أهل بيتي ولا حاجة لك
في الدخول تحت الكساء، كأنه منعها عن ذلك لمكان عليّ، وأن يكون المعنى أنت
على خير وإن تكوني من أهل بيتي، كذا في (اللمعات) .
(المرجع السابق) .
(5/383)
[غداة] [ (1) ] وعليه مرط مرحّل من شعر
أسود، فجاء الحسن بن على فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة
فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله ثم قال:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (2) ] .
وخرج أبو بكر بن أبى شيبة من حديث محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن
شداد أبى عمار قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا رضي
اللَّه عنه فشتموه، فشتمته معهم، فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: بلى، قال: أتيت على فاطمة أسألها عن عليّ رضي
اللَّه عنه عنهما فقالت: توجه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
فجلست فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه على وحسن وحسين، أخذ
كل واحد منهما بيده حتى دخل، فدخل علينا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس
حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبا أو قال: كساء، ثم
تلا هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، وأهل
بيتي أحق.
وأخرجه الحاكم من حديث بشر بن بكر، حدثنا الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني
واثلة بن الأسقع قال: أتيت عليا فلم أجده، فقالت لي فاطمة: انطلق إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعوه، فجاء مع رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم فدخلا ودخلت معهما، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
الحسن والحسين فأقعد كل واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها،
ثم لفّ عليهم ثوبا وقال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، ثم قال: هؤلاء أهل
بيتي، اللَّهمّ [أهل
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 203- 204، كتاب فضائل الصحابة، باب (9)
فضائل أهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (61) .
قوله: «وعليه مرط مرحّل» هو بالحاء المهلة، وقال القاضي: أنه وقع لبعض رواة
كتاب مسلم بالحاء، ولبعضهم بالجيم.
والمرحّل بالحاء: هو الموشّى المنقوش، عليه صور رحال الإبل، وبالجيم: عليه
صور المراجل وهي القدور، وأما المرط فبكسر الميم، وهو كساء جمعه مروط.
(المرجع السابق) .
(5/384)
بيتي] [ (1) ] .
قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] قال البخاري في تاريخه: محمد ابن
مصعب القرقساني أبو عبد اللَّه [لم] يسمع الأوزاعي، وكان يحى بن معين يسيء
الرأى فيه [ (3) ] .
وأخرج الحاكم من طريق عبد الرحمن [بن عبد اللَّه] [ (4) ] بن دينار، عن
شريك ابن أبى نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: في
بيتي نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ، قالت: فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عليّ
وفاطمة والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم فقال: هؤلاء أهل بيتي.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري [ (5) ] .
وخرج أيضا من طريق الحسن بن عرفه قال: حدثني على بن ثابت الجزري، حدثنا
بكير بن مسمار- مولى عامر بن سعد- قال: سمعت عامر بن سعد يقول:
قال سعد: نزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي، فأدخل عليا
وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: [اللَّهمّ] [ (6) ] هؤلاء أهلي وأهل بيتي
[ (7) ] .
وخرج من طريق أبى بكر بن أبى شيبة [الحزامي] [ (1) ] قال: حدثنا محمد
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 159، كتاب معرفة الصحابة، باب مناقب أهل رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4706/ 304) .
[ (2) ] الّذي قال: على شرط مسلم هو الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، لكن أبو
عبد اللَّه الحاكم قال في (المستدرك) : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه.
[ (3) ] (التاريخ الكبير) : 1/ 239، ترجمة محمد بن مصعب القرقساني رقم
(756) . وفيه: سمع الأوزاعي، وكان يحى بن معين سيئ الرأى فيه، قال محققه:
وهذا خلاف لما في (خ) ، من أنه لم يسمع الأوزاعي.
[ (4) ] زيادة في النسب من (المستدرك) .
[ (5) ] (المستدرك) : 3/ 158، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4705/ 303) ،
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري.
[ (6) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (7) ] (المستدرك) : 3/ 159، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4708/ 306) ،
وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على، وبكير تكلم فيهما.
(5/385)
ابن إسماعيل بن أبى فديك، حدثني عبد الرحمن
بن أبى بكر المليكي عن إسماعيل ابن عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب، عن
أبيه قال: لما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الرحمة هابطة
قال: ادعوا لي ادعوا لي، فقالت صفية: من يا رسول اللَّه؟ قال:
أهل بيتي: عليا وفاطمة والحسن والحسين، فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم كساءه، ثم رفع يديه ثم قال: اللَّهمّ [هؤلاء] [ (1) ]
آلى فصلّ على محمد وعلى آل محمد، وأنزل اللَّه عزّ وجل إِنَّما يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد صحت الرواية على شرط
الشيخين أنه علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله [ (2) ]
وذكر من طريق البخاري حديث كعب بن عجرة ثم قال: وإنما خرجته ليعلم المستفيد
أن أهل البيت والآل جميعا هم [ (3) ] .
وخرج الحاكم من طريق موسى بن هارون، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن
إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه
الآية: نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ
وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [ (4) ] ، دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم [عليا] [ (1) ] وفاطمة، وحسنا وحسينا فقال: اللَّهمّ [هؤلاء] [ (1) ]
أهلي.
قال الحاكم: هذا
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] (المستدرك) ، 3/ 159- 160، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4709/
307) ، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : المليكي ذاهب الحديث، قال
الحاكم: وصحت الرواية أنه عليه السلام علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم
الصلاة على آله.
[ (3) ]
وحديث كعب بن عجرة: حدثني عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى:
أنه سمع عبد الرحمن ابن أبى ليلى يقول: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى
لك هدية سمعتها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت:
بلى، قال: فأهدها إليّ، قال: سألنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال: قولوا: اللَّهمّ
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد
مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد.
قال الحاكم: وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفا بعد حرف، الإمام محمد
بن إسماعيل البخاري، عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح، وإنما خرجته
ليعلم المستفيد من أهل العلم أن أهل البيت والآل جميعا هم. وأبو فروة هو
عروة بن الحارث الهمدانيّ من أوثق التابعين بالكوفة.
(المستدرك) : 3/ 160، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4710/ 308) .
[ (4) ] آل عمران: 61.
(5/386)
حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . وخرجه
ثانيا ثم قال: اتفق الشيخان على صحة هذا الإسناد واحتجّا به ولم يخرجاه
وإنما خرجا بهذا الإسناد قصة أبي تراب.
وخرج من طريق عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنى حميد وعلى بن
زيد، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
كان يمرّ بباب فاطمة رضي اللَّه عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول:
الصلاة يا أهل البيت، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
واعترض على الشيعة بأن قيل: لا نسلم أن أهل البيت في الآية من ذكرتم، بل هم
نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل سياقها، وانتظام ما استدللتم به
معه، فإن اللَّه تعالى قال: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ
النِّساءِ، إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ] [ (3) ] ، ثم استطردها إلى أن قال:
وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (4) ] وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (5) ] الآية، فخطاب نساء
النبي مكتنفا لذكر أهل البيت قبله وبعده منتظما له، فاقتضى أنهن المراد به،
وحينئذ لا يكون لكم في الآية متعلق أصلا، ويسقط الاستدلال بها بالكلية، وما
أكدتم به قولكم من السنة فأخبار آحاد لا تقولون بها مع أن دلالتها ضعيفة.
فأجاب الشيعة بأن قالوا: الدليل على أن أهل البيت في الآية من ذكرنا، النص
والإجماع. أما النص فما
ثبت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه بقي بعد نزول الآية ستة أشهر
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 3/ 163، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4719/ 317) ،
وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] (المستدرك) : 3/ 172: كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4748/ 346) ،
وما بين الحاصرتين زيادة منه، وهذا الحديث سكت عنه الحافظ الذهبي في
(التلخيص) .
[ (3) ] سورة الأحزاب الآية: 32.
[ (4) ] سورة الأحزاب الآية: 33.
[ (5) ] سورة الأحزاب الآية: 34:
(5/387)
يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة عليها
السلام فينادي: الصلاة يا أهل البيت:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً: رواه الترمذي وغيره
وهو تفسير منه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها، وهو
نصّ، وأنصّ منه
حديث أم سلمة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل خلف فاطمة وعليّ وولديهما،
فجاءوا فأدخلهم تحت الكساء، ثم جعل يقول: اللَّهمّ إليك لا أبالى النار أنا
وأهل بيتي، اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، وفي رواية: حامتي، اللَّهمّ
أذهب عنهم الرجس [وطهرهم] تطهيرا، قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول اللَّه،
ألست من أهل بيتك؟ قال: أنت إلى خير، أنت منهم.
وأما الإجماع: فلأن الأمة اتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا أطلق إنما ينصرف
إلى من ذكرناه دون النساء، ولو لم يكن إلا شهرته فيهم كفى، وإذا ثبت بما
ذكرناه من النص والإجماع أن أهل البيت عليّ وزوجته وولداه، فما استدللتم به
من سياق الآية ونظمه على خلافه لا يعارضه، لأنه مجمل يحتمل الأمرين،
وقصارها أنه ظاهر فيما ادعيتم لا يعارضه النص والإجماع، ثم إن الكلام
العربيّ يدخله الاستطراد [والاعتراض، والتخلل] الجملة الأجنبية بين الكلام
المنتظم المتناسب كقوله تعالى:
إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ
أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ* وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ
بِهَدِيَّةٍ [ (1) ] ، فقوله: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ جملة معترضة من جهة
اللَّه تعالى بين كلام بلقيس، وقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ
النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ
لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [ (2) ] ، أي لا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقرآن، وما
بينهما اعتراض، وهو كثير في القرآن وغيره من الكلام العربيّ، فلم لا يجوز
أن يكون قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم على هذا النهج، وحينئذ يضعف اعتراضكم.
وأما ما ذكرناه من اختيار الآحاد، فإنما أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة
لكم، فنحن أوردناها إلزاما لا استدلالا.
__________
[ (1) ] النمل: 34- 35.
[ (2) ] الوقعة: 75- 77.
(5/388)
القول الثاني: أن آل النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم هم ذريته وأزواجه خاصة، قال ابن عبد البر- وقد ذكر حديث مالك عن
عبد اللَّه بن أبى بكر، عن عمرو بن سليم، قال-:
أرى أبو حميد قد كره استدلال قوم بهذا الحديث، على أن آل محمد هم أزواجه
وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك، عن نعيم المجمّر وفي غير ما
حديث: اللَّهمّ [صل] على محمد وعلى آل محمد.
وفي هذا الحديث: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته فقالوا: هذا يفسّر
هذا الحديث، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته.
قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد وذريته: صلى اللَّه
عليك إذا واجهه، وصلى اللَّه عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم.
قالوا: والآل والأهل سواء، وأهل الرجل وآله سواء، وهم الأزواج والذرية،
بدليل هذا [الحديث. وقد] احتج أصحاب هذا القول بما
في الصحيحين من حديث أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا [ (1) ]
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6460) .
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا» ،
قال الحافظ في (الفتح) : هكذا وقع هنا،
وفي رواية الأعمش عن عمارة عند مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة:
«اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا»
وهو المعتمد، فإن اللفظ الأول صالح لأن يكون دعاء بطلب القوت في ذلك اليوم،
وأن يكون طلب لهم القوت، بخلاف اللفظ الثاني فإنه يعيّن الاحتمال الثاني
وهو الدالّ على الكفاف.
وعلى ذلك شرحه ابن بطال فقال: فيه دليل على فضل الكفاف، وأخذ البلغة من
الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك، رغبة في توفر نعيم الآخرة، وإيثار لما يبقى
على ما يفنى، فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك.
وقال القرطبي: معنى الحديث أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن، ويكف
عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا، واللَّه
تعالى أعلم. (فتح الباري) : 11/ 355.
وأخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم (19) ، قال الإمام النووي في
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا» :
قيل: كفايتهم من غير إسراف، وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى كفافا، وقيل:
هو سد الرمق. (مسلم بشرح النووي) : 18/ 319.
وأخرجه الترمذي في أبواب الزهد، باب (25) ما جاء في معيشة النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم وأهله، حديث رقم (2466) ، وقال القرطبي: أي اكفهم من
القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على الترفه
والتبسط في الدنيا. (تحفة الأحوذي) : 7/ 22.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) في كتاب الزهد، باب (9) القناعة، حديث رقم
(5/389)
ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة، ولم
[يقل:] كل بنى هاشم ولا بنى المطلب، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة،
وأما ذريته صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه وكان رزقهم قوتا، وما حصل من
الأموال لأزواجه من بعده كن يتصدقن به، ويجعلن رزقهن قوتا، فقد جاء عائشة
مال عظيم فقسمته كله في الحال وهي جالسة، فقالت لها الجارية لو تركت لنا
منه درهما نشتري به لحما؟ فقالت: لو ذكّرتينى فعلت ومما في الصحيحين عن
عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز برّ مأدوم ثلاثة أيام حتى قبض [ (1) ] .
ثانيه: قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبنى المطلب لم يدخلوا في لفظ
عائشة ولا مرادها، قالوا: إنما دخلت الأزواج في الآل وخصوصا أزواج النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم تشبيها بالنسب، لأن اتصاله بهن صلّى اللَّه عليه
وسلّم غير مرتفع، فإنّهنّ محرمات على غيره من بعده، وهن زوجاته في الآخرة.
__________
[ () ] (4139) وقال العلامة محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على هذا
الحديث: «قوتا» أي على قدر الحاجة الضرورية.
[ (1) ] (فتح الباري) : 9/ 646، كتاب الأطعمة، باب (1) قول اللَّه تعالى:
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ الآية، وقوله: أَنْفِقُوا مِنْ
طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ، وقوله: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا
صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، حديث رقم (5374) عن أبى هريرة،
باب (23) ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يأكلون، حديث رقم
(5416) ، 11/ 340، كتاب الرقاق، باب (17) كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6454) عن عائشة، (مسلم
بشرح النووي) : 18/ 315- 316، كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (20) : ما شبع
آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال
تباعا حتى قبض، وحديث رقم (22) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من
خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
وحديث رقم (23) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز برّ فوق
ثلاث، وحديث رقم (24) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز البر
ثلاثا حتى مضى لسبيله، وحديث رقم (25) : ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه
وسلّم يومين من خبز إلا وأحدهما تمر، كلهم عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها،
(سنن النسائي) : 7/ 271، كتاب الضحايا، باب (37) الادخار من الأضاحي، حديث
رقم (4444) ولفظه: ما شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز مأدوم
ثلاثة أيام حتى لحق باللَّه عزّ وجلّ، (سنن ابن ماجة) : 2/ 1110، كتاب
الأطعمة باب (48) خبز البر، حديث رقم (3344) ولفظه: ما شبع آل محمد صلّى
اللَّه عليه وسلّم منذ قدموا المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز برّ حتى توفى
صلّى اللَّه عليه وسلّم، باب (49) خبز الشعير، حديث رقم (3346) ولفظه: ما
شبع آل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم من خبز الشعير حتى قبض، كلاهما عن
عائشة رضي اللَّه تعالى عنها.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 5/ 612، حديث رقم (19467) ، 7/ 142، حديث
رقم (24144) ، 7/ 184، حديث رقم (24441) . 7/ 286، حديث رقم (25013) ، 7/
299، حديث رقم (25223) ، 7/ 394، حديث رقم (25835) ، 7/ 64، حديث رقم
(23631) ، 7/ 223، حديث رقم (24698) ، 5/ 612، حديث رقم (19467) .
(5/390)
فالنسب الّذي لهن بالنبيّ صلّى اللَّه عليه
وسلّم قائم مقام النسب، وقد نصّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصلاة
عليهنّ، وقد قال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [ (1) ] إلى
قوله: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [ (2) ] إلى قوله: وَأَقِمْنَ
الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً* وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ
آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (3) ] فدخلن في أهل البيت، لأن هذا الخطاب
كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه.
وزعم بعضهم أن الأهل يختص بالزوجات، ويدخل فيه الأولاد، لقوله تعالى:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
ثم قال بعد [ذلك] :
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ، وهذا بخلاف الأول، فإن الأولاد
يدخل فيه.
واعترض بأن تنصيصه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأزواج والذرية لا يدل على
الاختصاص، بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم، لما خرج أبو داود من حديث نعيم
المجمر، عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم اللَّهمّ صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل
بيته كما صليت على إبراهيم [إنك حميد مجيد] [ (4) ] فجمع بين الأزواج
والذرية والأهل، وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقيون بالدخول في
الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحق من دخل
__________
[ (1) ] الأحزاب: 30.
[ (2) ] الأحزاب: 32.
[ (3) ] الأحزاب: 33، 34.
[ (4) ] (عون المعبود) : 3/ 190- 191، كتاب الصلاة، باب (181) الصلاة على
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (978) ، وما بين
الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق منه، وأول الحديث: من سرّه أن يكتال
بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللَّهمّ صل على محمد ...
قوله: «بالمكيال» بكسر الميم، وهو ما يكال به. وفيه دليل على أن هذه الصلاة
أعظم أجرا من غيرها وأوفر ثوابا.
قوله: «أهل البيت» ، الأشهر فيه النصب على الاختصاص، ويجوز إبداله من ضمير
علينا.
قوله: «فليقل: اللَّهمّ صل على محمد» ، قال الإسنوي: قد اشتهر زيادة
[سيدنا] قبل محمد عند أكثر المصلين، وفي كون ذلك أفضل نظر، وقد روى عن ابن
عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب، وهو مبنى على أن سلوك طريق الأدب
أحب من الامتثال، ويؤيده حديث أبى بكر حين
(5/391)
فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام
تنبيها على شرفه وتخصيصا له بالذكر من بين النوع، لأنه أحق أنواع النوع
بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان، أحدهما:
أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه،
والطريق الأخرى: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له،
تنبيها على مزيد شرفه، وهذا لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ
النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [ (1) ] وقوله: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ
لِلْكافِرِينَ [ (2) ] .
القول الثالث: أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه
ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روى عنه هذا القول جابر بن عبد
اللَّه رضي اللَّه عنه، ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري، واختاره
بعض أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في
تعليقه، ورجحه الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم، واختاره الأزهري،
والحجة لهذا القول أن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه، وأمره قريبهم
وبعيدهم، وأن اشتقاق هذه اللفظة تدل عليه، فإنه من آل يؤول إذا رجع، ومرجع
الأتباع إلى متبوعهم، لأنه إمامهم [ومولاهم] ، ولهذا
__________
[ () ] أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال: ما كان
لابن أبى قحافة أن يتقدم بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
وكذلك امتناع عليّ رضي اللَّه عنه محو اسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من
الصحيفة في صلح الحديبيّة بعد أن أمره بذلك وقال: لا أمحو اسمك أبدا. وكلا
الحديثين في الصحيح، فتقريره صلّى اللَّه عليه وسلّم لهما على الامتناع من
امتثال الأمر تأدبا مشعر بأولويته.
والحديث استدل به القائلون بأن الزوجات من الآل، والقائلون إن الذرية من
الآل، وهو أدلّ دليلا على ذلك لذكر الآل فيه مجملا ومبينا.
والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري، وهو من طريق أبى جعفر محمد بن على بن
الحسين بن على، عن المجمّر عن أبى هريرة عنه.
وقد اختلف فيه على أبى جعفر، وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن عاصم، عن حبان
بن يسار الكلابي، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، عن أبى جعفر، عن محمد بن
الحنفية، عن أبيه عن عليّ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بلفظ حديث أبى
هريرة. وقد اختلف فيه على أبى جعفر، وعلى حبان بن يسار.
مختصرا من (المرجع السابق) : 191.
[ (1) ] الأحزاب: 7.
[ (2) ] البقرة: 98.
(5/392)
كان قوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ
نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ [ (1) ] المراد به أتباعه المؤمنون به من أقاربه
وغيرهم، وقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (2) ]
المراد به أتباعه وشيعته.
وقد خرج البيهقي [ (3) ] من حديث واثلة بن الأسقع، أن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم دعا حسنا وحسينا، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة في
حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه ثم قال: اللَّهمّ هؤلاء أهلي، قال واثلة:
فقلت: يا رسول اللَّه! وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي [قال: فإنّها لمن
أرجى ما أرجو] [ (4) ] ،
قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بنى ليث بن بكر بن عبد مناف، وإنما هو
من أتباع النبي [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم.
__________
[ (1) ] القمر: 34.
[ (2) ] غافر: 46.
[ (3) ] أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) : 7/ 63، باب إليه ينسب أولاد
بناته صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يذكر قول واثلة. وأخرجه مسلم في كتاب
فضائل الصحابة، باب (4) من فضائل عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، حديث
رقم (32) ، ولم يذكر قول واثلة.
وأخرجه الذهبي مع قول واثلة في (سير أعلام النبلاء) 3/ 385 في ترجمة واثلة
بن الأسقع وقال:
هذا حديث حسن غريب، ثم قال في هامشه: وأخرجه الطبري في (التفسير) : 22/ 7
من طريق عبد الكريم بن أبى عمير، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو
الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار.
قال: سمعت واثلة بن الأسقع ...
وعبد الكريم بن أبى عمير، قال المصنف في (الميزان) : فيه جهالة وباقي رجاله
ثقات.
[ (4) ] زيادة يقتضيها السياق من (سير أعلام النبلاء) .
[ (5) ] هو واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر. وقيل: واثلة بن الأسقع بن عبد
العزى بن عبد ياليل بن ناشب الليثي، من أصحاب الصفة. أسلم سنة تسع، وشهد
غزوة تبوك، وكان من فقراء المسلمين. وفي كنيته أقوال:
أبو الخطاب، وأبو الأسقع، وقيل: أبو قرصافة، وقيل: أبو شداد، له ستة وخمسون
حديثا.
روى عنه أبو إدريس الخولانيّ وشداد أبو عمار. وبسر بن عبيد اللَّه، وعبد
الواحد النصري، ومكحول، ويونس بن ميسرة ... وخلق آخرهم مولاه معروف الخياط
الباقي إلى سنه ثمانين ومائة.
وله رواية أيضا عن أبى مرثد الغنوي، وأبى هريرة. وله مسجد مشهور بدمشق.
وسكن قرية البلاط، وهي على ثلاثة فراسخ من دمشق.
قال هشام بن عمار: حدثنا معروف الخياط قال: رأيت واثلة بن الأسقع يملى
عليهم الأحاديث.
واختلف في تاريخ وفاته وعمره.
روى إسماعيل بن عيّاش، عن سعيد بن خالد: توفى واثلة في سنة ثلاث وثمانين،
وهو
(5/393)
واعترض على هذا القول بأن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم قد رفع الشبهة وأزالها
بقوله: إن الصدقة لا تحل لآل محمد،
وبقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال،
وبقوله: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا،
وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعا، فأولى ما حمل عليه الآل في
الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك.
وأيضا فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم حق له ولآله دون سائر الأمة،
ولهذا تجب على وعلى آله عند الشافعيّ وغيره كما تقدم ذكره، وإن كان عندهم
في الآل اختلاف، ومن لم يوجب الصلاة عليه فإنه بلا شك يستحبها عليه وعلى
آله، ويكرهها ولا يستحبها لسائر المؤمنين، ولا يجوزها لغير النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كل الأمة فقد أبعد
غاية البعد، بدليل أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شرع في التشهد السلام
والصلاة، فشرع في الصلاة تسليم المصلى على رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم
أولا، وبعده سلام المصلى على نفسه ثانيا، وعلى سائر عباد اللَّه الصالحين
ثالثا،
وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد اللَّه
صالح في الأرض والسماء [ (1) ] .
__________
[ () ] ابن مائة وخمس سنين.
وقال أبو مسهر وعدّة: مات سنة خمس وثمانون وله خمس وتسعون سنة. وهو آخر من
مات من الصحابة بدمشق. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 7/ 407، (طبقات
خليفة) : ت 181، 778، 1349، (التاريخ الصغير) : 1/ 184. (الجرح والتعديل) :
9/ 47. (حلية الأولياء) :
2/ 21 ترجمة رقم (120) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 142، (تهذيب
التهذيب) : 11/ 89، ترجمة رقم (174) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 78. ترجمة
رقم (59) ، (شذرات الذهب) : 1/ 95، أحداث سنة خمس وثمانين، (خلاص تذهيب
الكمال) : 350، (المستدرك) ، 3/ 658- 659، (الإصابة) : 6/ 591، ترجمة رقم
(9093) ، (الاستيعاب) : 4/ 1563 ترجمة رقم (2738) ، (سير أعلام النبلاء) :
3/ 383- 387، ترجمة رقم (57) .
[ (1) ] أخرجه أبو نعيم من حديث سليمان بن أحمد، وأحمد بن محمد الحارث
قالا: حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا إسماعيل بن زكريا، حدثنا فضل بن عياض، عن
سليمان الأعمش، عن أبى وائل، عن عبد اللَّه قال: كنا إذا جلسنا في الصلاة
قلنا: السلام على اللَّه قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل،
فعلمنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التشهد، فقال: إن اللَّه هو
السلام، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين.
قال أبو وائل في حديث عبد اللَّه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا
قلتها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض،
وقال أبو إسحاق في حديث عبد اللَّه: إذا قلتها أصابت كل ملك مقرب، أو نبي
مرسل، أو عبد صالح: أشهد أن إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(5/394)
وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله
فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه، وهذا بين يؤيده أن اللَّه تعالى أمر
عباده المؤمنين بالصلاة على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذكر حقوقه،
وما خصه تعالى به دون أمته: من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح
أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله،
ثم قال: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ
تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ
اللَّهِ عَظِيماً [ (1) ] ، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهم إياهن
وأبناؤهن، ومن ذكر دخولهن عليهنّ، ثم عقب ذلك بما حق من حقوقه الأكيدة على
الأمة وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم، مستفتحا ذلك الأمر بإخباره تعالى
[بأنه] وملائكته يصلون عليه،
فسأل الصحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بأي [صيغة] يؤدون هذا
الحق؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ [صل] على محمد وعلى آل محمد [ (2) ] ،
فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها،
__________
[ () ] قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح متفق عليه من حديث الأعمش، عن أبى
وائل. رواه عنه إلياس، وحديث فضيل لا نعلمه رواه عنه الإسماعيلي، وكان فضيل
يتورع أن يقول: الأعمش، فكان إذا حدّث عنه قال: سليمان بن مهران، وإنما
أصحابه وصفوه بالأعمش ليكون أشهر. (حلية الأولياء) :
8/ 115، ترجمة الفضيل بن عياض رقم (397) .
[ (1) ] الأحزاب: 53.
[ (2) ]
(عون المعبود) : 3/ 185، كتاب الصلاة، باب (181) ، الصلاة على النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، حديث رقم (972) : حدثنا حفص بن عمر، أخبرنا
شعبة عن الحكم، عن ابن أبى ليلى، عن كعب ابن عجرة قال: قلنا أو قالوا: يا
رسول اللَّه أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك، فأما السلام فقد عرفناه،
فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على
إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
وحديث رقم (973) : حدثنا مسدد، أخبرنا يزيد بن زريع، أخبرنا شعبة بهذا
الحديث قال: صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم.
وحديث رقم (974) : حدثنا محمد بن العلاء، أخبرنا ابن بشر عن مسعر، عن الحكم
بإسناده هذا قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل
إبراهيم إنك حميد مجيد.
قال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: الصلاة الدعاء،
والرحمة، والاستغفار، وحسن الثناء من اللَّه تعالى على رسوله صلّى اللَّه
عليه وسلّم، وهو من العباد طلب إفاضة الرحمة الشاملة لخير الدنيا والآخرة
من اللَّه تعالى على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد أمر اللَّه تعالى
المؤمنين به. وقد أجمعوا على أنه للوجوب، فهي واجبة في الجملة، فقيل: يجب
كلما جرى ذكره، وقيل: الواجب الّذي يسقط المأثم هو الإتيان
(5/395)
__________
[ () ] بها مرة، كالشهادة بنبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما عدا ذلك فهو
مندوب. كذا في (اللمعات) .
وقال في (المرقاة) : اعلم أن العلماء اختلفوا في أن الأمر في قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً هل
هو للندب أو للوجوب؟ ثم هل الصلاة عليه فرض عين أو فرض كفاية؟ ثم هل تتكرر
كلما سمع ذكره أم لا؟ ثم إذا تكرر هل تتداخل في المجلس أم لا؟
فذهب الشافعيّ إلى أن الصلاة في القعدة الأخيرة فرض، والجمهور على أنها
سنة، والمعتمد عندنا الوجوب والتداخل، والكلام في هذه المسألة طويل، وقد
أجاد وأحسن وأطال الشيخ العلامة الخفاجي في (نسيم الرياض) شرح (الشفا
بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض، والإمام شمس الدين ابن القيم في (جلاء
الأفهام) . وهو يدل على تأخير مشروعية الصلاة عن التشهد.
«فكيف نصلي عليك» : فيه أنه يندب لمن أشكل عليه كيفية ما فهم جملته أن يسأل
عنه من له به علم.
«قولوا: اللَّهمّ إلخ» :
استدل بذلك على وجوب الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، وإلى
ذلك ذهب عمر، وابنه عبد اللَّه، وابن مسعود، وجابر بن زيد، والشعبي، ومحمد
بن كعب القرظي، وأبو جعفر الباقر، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وابن
المواز، واختاره القاضي أبو بكر بن العربيّ.
وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، فهم: مالك، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري،
والأوزاعي، وآخرون. قال الطبري والطحاوي: إنه أجمع المتقدمون والمتأخرون
على عدم الوجوب.
قال الشوكانى: دعوى الإجماع من الدعاوي الباطلة، لما عرفت من نسبة القول
بالوجوب إلى جماعة من الصحابة، والتابعين، والفقهاء، ولكنه لا يتم
الاستدلال على وجوب الصلاة بعد التشهد، بما في حديث الباب من الأمر بها،
وبما في سائر أحاديث الباب، لأن غايتها الأمر بمطلق الصلاة عليه صلّى
اللَّه عليه وسلّم، وهو يقتضي الوجوب في الجملة، فيحصل الامتثال بإيقاع فرد
منها خارج الصلاة فليس فيها زيادة على ما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
ولكنه يمكن الاستدلال لوجوب الصلاة في الصلاة، بما أخرجه ابن حبان،
والحاكم، والبيهقي.
وصححوه، وابن خزيمة في صحيحه، والدار قطنى، من حديث أبى مسعود، بزيادة «كيف
نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا» وفي رواية: «كيف نصلي عليك في
صلاتنا» وغاية هذه الزيادة أن يتعين بها محل الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه
وسلّم، وهو مطلق الصلاة وليس فيها ما يعين محل النزاع. وهو إيقاعها بعد
التشهد الأخير.
ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب، بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم
كيفية، وهي لا تفيد الوجوب، فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره: إذا
أعطيتك درهما فكيف أعطيك إياه؟ أسرا أم جهرا؟ فقال له: أعطينيه سرا، كان
ذلك أمرا بالكيفية التي هي السرية، لا أمرا بالإعطاء، وتبادر هذا لغة،
وشرعا، وعرفا، لا يدفع، وقد تكرر في السنة وكثر، فمنه: إذا قام أحدكم الليل
فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين. الحديث.
وفي (المرقاة) ، قيل: الآل من حرمت عليه الزكاة كبني هاشم، وبنى المطلب،
وقيل: كل تقى آله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: المراد بالآل: جميع أمة
الإجابة، وقيل المراد بالآل الأزواج ومن حرمت عليه
(5/396)
__________
[ () ] الصدقة ويدخل فيهم الذرية، وبذلك يجمع بين الأحاديث.
قال ابن حجر المكيّ: هم مؤمنو بنى هاشم والمطلب عند الشافعيّ وجمهور
العلماء، وقيل أولاد فاطمة ونسلهم، وقيل: أزواجه وذريته، لانهم ذكروا جملة
في رواية. وردّ بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة في حديث واحد، وقيل: كل مسلم،
ومال إليه مالك، واختاره الزهري وآخرون، وهو قول سفيان الثوري وغيره، ورجحه
النووي في (شرح مسلم) .
وقال الإمام الشوكانى في (نيل الأوطار) : واستشكل جماعة من العلماء التشبيه
للصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة على إبراهيم- كما وقع في هذه
الرواية- أو على آل إبراهيم كما في بعض الرواية، مع أن المشبه دون المشبه
به في الغالب، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من إبراهيم وآله وأجيب عن
ذلك بأجوبة:
منها: أن المشبّه مجموع الصلاة على محمد وآله بمجموع الصلاة على إبراهيم
وآله، وفي آل إبراهيم معظم الأنبياء فالمشبه به أقوى من هذه الحيثية.
ومنها: أن التشبيه وقع لأصل الصلاة بأصل الصلاة، لا للقدر بالقدر.
ومنها: أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا على النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم، وهو خلاف الظاهر.
ومنها: أنه كان ذلك منه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قبل أن يعلمه أنه أفضل من
إبراهيم.
ومنها: أن مراده صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتم النعمة عليه كما أتمها على
إبراهيم وآله.
ومنها: مراده صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبقى له لسان صدق في الآخرين
كإبراهيم.
ومنها: أنه سأله أن يتخذه اللَّه خليلا كإبراهيم.
«وبارك على محمد» :
البركة هي الثبوت والدوام، من قولهم: برك البعير إذا ثبت ودام، أي أدم
شرفه، وكرامته، وتعظيمه.
«إنك حميد مجيد» ،
أي محمود الأفعال، مستحق لجميع المحامد، لما في الصيغة من المبالغة، وهو
تعليل لطلب الصلاة منه. والمجيد: المتصف بالمجد، وهو كمال الشرف والكرم،
والصفات المحمودة.
قال المنذري: وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة (عون
المعبود) :
3/ 185- 188 مختصرا.
وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، (الإحسان) : 5/ 286 كتب الصلاة، باب (10)
باب صفة الصلاة، ذكر وصف الصلاة على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث
رقم (1957) ، وقال في هامشه:
إسناده قوى، وذكر البيان بأن القوم إنما سألوا النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم عن وصف الصلاة التي أمرهم اللَّه جلّ وعلا أن يصلوا بها على رسول
صلّى اللَّه عليه وسلّم: 286، حديث رقم (1958) ، وقال في هامشه: إسناده
صحيح على شرط الشيخين، ما خلا محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، فإنه من رجال
مسلم.
وهو في (الموطأ) : 1/ 165- 166 في الصلاة، باب ما جاء في الصلاة على النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم، (مسند الإمام الشافعيّ) : 42، باب ومن كتاب
استقبال القبلة في الصلاة، (مسند الإمام أحمد) :
5/ 97، بقية حديث أبى مسعود الأنصاري، حديث رقم (16624) ، 6/ 368، حديث رقم
(21847) ، مسلم (405) في الصلاة، باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم بعد التشهد، والبيهقي في (السنن) 2/ 146 وابن ماجة في (السنن) : 1/
292، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (25) الصلاة على النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (903) ، (904) بسياقات مختلفة.
(5/397)
لأن ذلك [مما يرفع اللَّه به قدره] [ (1) ]
، ويزيده اللَّه به شرفا وعلوا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا ريب أن الأتباع
يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع
لفظ الآل يراد الأتباع بما تقدم من النصوص، واللَّه أعلم.
القول الرابع: أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم هم الأتقياء من أمته، حكاه
القاضي حسين والراغب وجماعة، واحتج لهذا القول بما
خرجه الطبراني من طريق نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبى مريم، عن يحى بن
سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: سئل رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم: من آل محمد؟ فقال: كل تقى [ (2) ] وتلا رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [ (3) ] ،
قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوح، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي من
حديث أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز عن أنس فذكره، ونوح
هذا ونافع بن هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، قال ابن معين: نوح بن
أبى مريم ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال
السعدي: سقط حديثه، وقال ابن عدي:
وعامة حديثه لا يتابع، ونافع أبو هرمز السلمي بصرى، قال ابن معين: ليس
بشيء، ومرة قال: يروى عن أنس، ليس بثقة. كذاب، وقال أحمد: ضعيف الحديث،
وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه غير محفوظ، والضعف
على رواياته بيّن.
واحتجوا بأن اللَّه تعالى قال لنوح عليه السلام عن ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [ (4) ] ، فأخرجه بشركه أن
يكون من أهله، فعلم أن آل
__________
[ (1) ] زيادة للسياق، ومكانها مطموس في (خ) .
[ (2) ] (كنز العمال) : 3/ 89، حديث رقم (5624) عن أنس رضي اللَّه عنه، وقد
سبق ذكر الآل مشروحا فليراجع.
[ (3) ] الأنفال: 34.
[ (4) ] هود: 46، وقال سفيان الثوري: عن أبى عامر الهمدانيّ، عن الضحال، عن
ابن عباس في قوله تعالى:
وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ قال: هو ابنه، ما بغت امرأة نبي قط. (تفسير سفيان
الثوري) : 130، مسألة رقم (354: 5: 15) .
(5/398)
__________
[ () ] قال الإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشيّ الدمشقيّ:
هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عليه السلام عن حال ولده الّذي غرق قال رَبِّ
إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الّذي لا
يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ أي الذين وعدت إنجاءهم، لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك،
ولهذا قال: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فكان هذا
الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره، ومخالفته أباه نبي اللَّه نوح عليه
السلام.
وقد نصّ غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس
بابنه. وإنما كان ابن زنية، ويحكى القول بأنه ليس بانه وإنما كان ابن
امرأته، عن مجاهد، والحسن، وعبيد بن عمير، وأبي جعفر الباقر، وابن جريج،
واحتج بعضهم بقوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، وبقوله:
فَخانَتاهُما، فممن قاله، الحسن البصري، احتجّ بهاتين الآيتين، وبعضهم
بقول: ابن امرأته، وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن، أو أراد أنه نسب
إليه مجازا لكونه كان ربيبا عنده، واللَّه تعالى أعلم.
وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، قال: وقوله:
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي الذين وعدتك نجاتهم، وقول ابن عباس في هذا
هو الحق الّذي لا محيد عنه، فإن اللَّه سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي
من الفاحشة، ولهذا غضب اللَّه على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق
زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا
وأشاعوه، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ
مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى
كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ* لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا
إِفْكٌ مُبِينٌ* لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ
يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ*
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ* إِذْ
تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ
لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ
عَظِيمٌ.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة وغيره، عن عكرمة عن ابن عباس قال:
هو ابنه، غير أنه خالفه في العمل والنية. قال عكرمة في بعض الحروف: إنه عمل
عملا غير صالح، والخيانة تكون على غير باب، وقد ورد في الحديث أن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ بذلك،
فقال الإمام أحمد: حدثنا حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن شهر بن حوشب عن أسماء
بنت يزيد قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ وسمعته يقول: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى
أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً، ولا يبالي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا وكيع، حدثنا هارون النحويّ، عن ثابت البناني،
عن شهر ابن حوشب، عن أم سلمة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
قرأها: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ أعاده أحمد أيضا في مسنده، أم سلمة هي
أم المؤمنين، والظاهر- واللَّه أعلم- أنها أسماء بنت يزيد، فإنّها تكنى
بذلك أيضا.
وقال عبد الرزاق أيضا: أنبأنا الثوري عن ابن عيينة، عن يونس بن أبى عائشة،
عن سليمان ابن قبة، قال: سمعت ابن عباس سئل وهو إلى جنب الكعبة عن قول
اللَّه تعالى: فَخانَتاهُما قال:
أما إنه لم يكن بالزنا، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل
على الأضياف،
(5/399)
الرسول هم أتباعه، وأجاب الشافعيّ- رحمه
اللَّه- عن هذا بأن المراد إنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم ووعدناك
نجاتهم، لأن اللَّه تعالى قال له قبل ذلك:
احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ
سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، فليس ابنه من أهله الذين ضمن له نجاتهم، ويزيد
صحة هذا الجواب أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين قسم غير أهله الذين هم
أهله، لأنه تعالى قال: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ
وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ
__________
[ () ] ثم قرأ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.
قال ابن عيينة: وأخبرنى عمار الذهبي أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان
ابن نوح، إن اللَّه لا يكذب، قال تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ. قال: وقال
بعض العلماء: ما فجرت امرأة بنى قط، وكذا روى عن مجاهد أيضا، وعكرمة،
والضحاك، وميمون بن مهران، وثابت بن الحجاج، وهو اختيار أبى جعفر بن جرير،
وهو الصواب الّذي لا شك فيه. (تفسير ابن كثير) : 2/ 463- 464.
وقال الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: ومعنى قوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ أَهْلِكَ: نفى أن يكون من أهل دينه واعتقاده، فليس ذلك إبطالا لقول
نوح عليه السلام: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، ولكنه إعلام بأن قرابة الدين
بالنسبة لأهل الإيمان هي القرابة، وهذا المعنى شائع في الاستعمال قال
النابغة يخاطب عيينة بن حصن:
إذا حاولت في أسد فجورا ... فإنّي لست منك ولست مني
وقال تعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ
مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [سورة التوبة الآية:
56] ، وتأكيد الخبر لتحقيقه لغرابته.
وجملة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لمضمون جملة إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ فإن فيه لمجرد الاهتمام.
وعَمَلٌ في قراءة الجمهور- بفتح الميم وتنوين اللام- مصدر أخبر به
للمبالغة، وبرفع غَيْرُ على أنه صفة عَمَلٌ.
وقرأه الكسائي، ويعقوب عَمِلَ- بكسر الميم- بصيغة الماضي وبنصب غيرَ على
المفعولية لفعل عمل، معنى العمل غير الصالح: الكفر، وأطلق على الكفر عمل
لأنه عمل القلب، ولأنه يظهر أثره في عمل صاحبه- كامتناع ابن نوح من الركوب
الدال على تكذيبه بوعيد الطوفان.
وتفرع على ذلك نهيه أن يسأل ما ليس له به علم نهى عتاب، لأنه لما قيل له:
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ بسبب تعليله بأنه عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، سقط
ما مهّد به لإجابة سؤاله، فكان حقيقا بأن لا يسأله وأن يتدبر ما أراد أن
يسأله من اللَّه (تفسير التحرير والتنوير) : 12/ 85- 86.
وقال العلامة أبو القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزمي:
قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، تعليل لانتفاء كونه من أهله،
وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وأن نسيبك في دينك ومعتقدك
من الأباعد في المنصب، وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك وخصيصك، ومن لم يكن
على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحما، فهو بعيد منك (الكشاف) : 2/ 219.
(5/400)
[ (1) ] ، فمن آمن معطوف على المفعول
بالحمل وهم أهل، والاثنان من كل زوجين، واحتجوا بحديث واثلة المتقدم،
وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم
جعل واثلة في حكم الأهل تشبيها بمن يستحق هذا الاسم.
والصواب: أن الأتقياء من أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم هم أولياؤه، فمن كان
منهم من أقاربه فهو من أوليائه لا من آله، فقد يكون الرجل من آله وأوليائه
كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه ولا يكون لا من آله ولا من أوليائه كمن
لم يؤمن به، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته،
الداعين إلى سنته، الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه.
وقد ثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن آل- أبى فلان- ليسوا لي
بأولياء، إنّ أوليائي المتقون كانوا ومن كانوا [ (2) ] ،
فالمتقون هم أولياء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأولياؤه
__________
[ (1) ] هود: 40.
[ (2) ]
أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب (14) تبلّ الرحم ببلالها، حديث رقم
(5990) ولفظه:
حدثني عمرو بن عباس، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبى
خالد، عن قيس ابن أبى حازم، أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلّى اللَّه
عليه وسلّم جهارا غير سرّ- يقول: إن آل أبى- قال عمرو في كتاب محمد بن
جعفر: بياض- ليسوا بأوليائى، إنما ولىّ اللَّه وصالح المؤمنين. زاد عنبسة
ابن عبد الواحد عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم يقول: ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها، يعنى أصلها بصلتها.
قوله: «سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جهارا» ، يحتمل أن يتعلّق
بالمفعول، أي كان المسموع في حالة الجهر، ويحتمل أن يتعلق بالفاعل، أي أقول
ذلك جهارا. وقوله: غير سرّ تأكيد لذلك لدفع توهم أنه جهر به مرة، وأخفاه
أخرى، والمراد أنه لم يقل ذلك خفية، بل جهر به وأشاعه.
قوله: «إن آل أبى» ،
وكذا للأكثر، يحذف ما يضاف إلى أداة الكنية، وأثبته المستملي في روايته لكن
كنى عنه
فقال: «آل أبى فلان» ،
وكذا هو في روايتي مسلم والإسماعيلي، وذكر القرطبي أنه وقع في أصل مسلم
موضع «فلان» بياض، ثم كتب بعض الناس فيه «فلان» على سبيل الإصلاح، وفلان
كناية عن اسم علم، ولهذا وقع لبعض رواته
«إن آل أبى يعنى فلان» ،
ولبعضهم
«إن آل أبى فلان»
بالجزم.
قوله: «بياض» : قال عبد الحق في كتاب (الجمع بين الصحيحين) : إن الصواب في
ضبط هذه الكلمة بالرفع، أي وقع في كتاب محمد بن جعفر موضع أبيض يعنى بغير
كتابة، وفهم منه بعضهم أنه الاسم المكنى عنه في الرواية، فقرأه بالجر على
أنه في كتاب محمد بن جعفر إن آل أبى، بياض.
وهو فهم سيئ ممن فهمه، لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها آل أبى بياض،
فضلا عن قريش.
(5/401)
__________
[ () ] وسياق الحديث مشعر بأنهم من قبيلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي
قريش، بل فيه إشعار بأنهم أخصّ من ذلك، لقوله: «إن لهم رحما» ، وأبعد من
حمله على بنى بياضه، وهم بطن من الأنصار، لما فيه من التغير أو الرحم على
رأى، ولا يناسب السياق أيضا، وقال ابن التين: حذفت التسمية لئلا يتؤذى بذلك
المسلمون من أبنائهم.
وقال النووي: هذه الكناية من بعض الرواة، خشي أن يصرح بالاسم، فيترتب عليه
مفسدة، إما في حق نفسه، وإما في حق غيره، وإما معا. وقال القاضي عياض: إن
المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبى العاص. وقال ابن دقيق العيد: كذا وقع مبهما
في السياق، وحمله بعضهم على بنى أمية، ولا يستقيم مع قوله: آل أبى، فلو كان
بنى لأمكن، ولا يصح تقدير آل أبى العاص، لأنهم أخصّ من بنى أمية، والعام لا
يفسّر بالخاص. قلت: لعل مراد القائل أنه أطلق العام وأراد الخاصّ، وقد وقع
في رواية وهب بن حفص التي أشرت إليها «إن آل بنى» لكن وهب لا يعتمد عليه.
وجزم الدمياطيّ في حواشيه بأنها آل أبى العاص ابن أمية، ثم قال ابن دقيق
العيد: إنه رأى في كلام ابن العربيّ في هذا شيئا يراجع منه.
قلت: قال أبو بكر بن العربيّ في (سراج المريدين) : كان في أصل حديث عمرو بن
العاص «إن آل أبى طالب» ، فغير «آل أبى فلان» ، كذا جزم به، وتعقبه بعض
الناس وبالغ في التشنيع، ونسبه إلى التحامل على آل أبى طالب.
قوله: «ليسوا بأوليائى» كذا للأكثر- وفي نسخة من رواية أبى ذرّ «بأولياء»
فنقل ابن التبين عن الداوديّ أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم، فهو من
إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع.
وقال الخطابي: الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح
ابن التين الأول، وهو الراجح، فإن من جملة آل أبى طالب: عليا، وجعفرا، أو
هما أخصّ الناس بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لما لهما من السابقة والقدم
في الإسلام، ونصر الدين. وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث- لما نسب إلى
بعض راويه من النصب، وهو الانحراف عن عليّ رضي اللَّه عنه وآل بيته.
قلت: أما قيس بن أبى حازم، فقال يعقوب بن شيبة: تكلم أصحابنا في قيس، فمنهم
من رفع قدره وعظمه، وجعل الحديث عنه من أصحّ الأسانيد، حتى قال ابن معين:
هو أوثق من الزهري.
ومنهم من حمل عليه وقال: له أحاديث مناكير، وأجاب من أطراه بأنها غرائب،
وإفراده لا يقدح فيه.
ومنهم من حمل عليه في مذهبه وقال: كان يحمل على عليّ، ولذلك تجنب الرواية
عنه كثير من قدماء الكوفيين. وأجاب من اطراه بأنه كان يقدم عثمان على عليّ.
قلت: والمعتمد عليه أنه ثقة، ثبت، مقبول الرواية، وهو من كبار التابعين،
سمع من أبى بكر الصديق فمن دونه، وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبى
خالد، وبيان بن بشر، وهما كوفيان، ولم ينسبا إلى النصب.
لكن الراويّ عن بيان، وهو عنبسة بن عبد الواحد، أموى قد نسب إلى شيء من
النصب، وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين على ما كان فحاشاه أن يتهم،
وللحديث محل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني أبى طالب، وهو أن المراد بالنفي
المجموع كما تقدم، ويحتمل أن يكون المراد بآل
(5/402)
__________
[ () ] أبى طالب أبو طالب نفسه، وهو إطلاق سائغ كقوله في أبى موسى: «إنه
أوتى مزمارا من مزامير آل داود،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «آل أبى أوفى» ،
وخصه بالذكر مبالغة في الانتفاء ممن لم يسلم، لكونه عمّه، وشقيق أبيه، وكان
القيم بأمره، ونصره، وحمايته، ومع ذلك فلما لم يتابع على دينه انتفى من
موالاته.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما ولى اللَّه وصالح المؤمنين» ،
كذا للأكثر بالإفراد وإرادة الجملة، وهو اسم جنس- ووقع في رواية البرقاني:
«وصالحوا المؤمنين بصيغة الجمع وقد أجاز بعض المفسرين أن الآية التي في
التحريم كانت في الأصل: فإن اللَّه هو مولاه وجبريل [وصالحوا] المؤمنين لكن
حذفت الواو من الخط على وفق النطق، وهو مثل قوله تعالى: سَنَدْعُ
الزَّبانِيَةَ وقوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ، وقوله تعالى:
وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ.
وقال النووي: معنى الحديث أن وليي من كان صالحا وإن بعد منى نسبه، وليس
وليي من كان غير صالح وإن قرب منى نسبه. وقال القرطبي: فائدة الحديث انقطاع
الولاية في الدين بين المسلم والكافر، ولو كان قريبا حميما.
وقال ابن بطال: أوجب في هذا الحديث الولاية بالدين، ونفاها عن أهل رحمه إن
لم يكونوا من أهل دينه، فدلّ ذلك على أن النسب يحتاج إلى الولاية التي يقع
بها الموارثة بين المتناسبين، وأن الأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد، لم
يكن بينهم توارث ولا ولاية.
قال: ويستفاد من هذا أن الرحم المأمور بصلتها، والمتوعد على قطعها، هي التي
شرع لها ذلك فأما من أمر بقطعه من أجل الدين فيستثنى من ذلك ولا يلحق
بالوعيد من قطعه، لأنه قطع من أمر اللَّه بقطعه لكن لو وصلوا بما يباح من
أمر الدنيا لكان فضلا، كما دعا صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش بعد أن كانوا
كذبوه فدعا لهم. قلت: ويتعقب كلامه في موضعين:
أحدهما: يشاركه فيه كلام غيره، وهو قصره النفي على من ليس على الدين، وظاهر
الحديث أن من كان غير صالح في أعمال الدين دخل في النفي أيضا لتقييده
الولاية بقوله: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ.
والثاني: أن صلة الرحم الكافر، ينبغي تقيدها بما إذا أيس منه رجوعا عن
الكفر، أو رجى أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدل بها، وهي
دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش بالخصب، وعلل بنحو ذلك، فيحتاج من
يترخص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك وأما من كان على الدين
ولكنه مقصّر في الأعمال مثلا فلا يشارك الكافر في ذلك.
وقد وقع في (شرح المشكاة) : المعنى أنى لا أوالي أحدا بالقرابة، وإنما أحب
اللَّه تعالى لما له من الحق الواجب على العباد، وأحب صالح المؤمنين لوجه
اللَّه تعالى، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح- سواء كان من ذوى رحم أو
لا، ولكنى أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم.
وقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله تعالى: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ على
أقوال: أحدها: الأنبياء، أخرجه الطبري- وابن أبى حاتم عن قتادة، وذكره ابن
أبى حاتم عن سفيان الثوري، وأخرجه النقاش عن العلاء بن زياد.
الثاني: الصحابة، أخرجه ابن أبى حاتم عن السدي، ونحوه في تفسير الكلبي،
قال: هم أبو بكر، وعمر وعثمان وعلى، وأشباههم ممن ليس بمنافق.
الثالث: خيار المؤمنين، أخرجه ابن أبى حاتم عن الضحاك.
الرابع: أبو بكر، وعمر، وعثمان، أخرجه ابن أبى حاتم عن الحسن البصريّ.
(5/403)
__________
[ () ] الخامس: أبو بكر، وعمر، أخرجه الطبري وابن مردويه، عن ابن مسعود
مرفوعا، وسنده ضعيف. وأخرجه الطبري وابن أبى حاتم عن الضحاك أيضا، وكذا هو
في تفسير عبد الغنى بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء بسنده عن ابن عباس موقوفا،
وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر ضعيف عنه كذلك. قال ابن أبى حاتم: وروى عن
عكرمة، وسعيد بن جبير، وعبد اللَّه بن بريدة، ومقاتل ابن حبان كذلك.
السادس: أبو بكر خاصة، ذكره القرطبي عن المسيب بن شريك.
السابع: عمر خاصة، أخرجه ابن أبى حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير، وأخرجه
الطبري بسند ضعيف عن مجاهد، وأخرجه ابن مردويه بسند واه جدا عن ابن عباس.
الثامن: عليّ، أخرجه ابن أبى حاتم بسند منقطع عن عليّ نفسه مرفوعا، وأخرجه
الطبري بسند ضعيف عن مجاهد، قال: هو عليّ.
وأخرجه ابن مردويه بسندين ضعيفين من حديث أسماء بنت عميس مرفوعا قالت: سمعت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ على بن
أبى طالب. ومن طريق أبى مالك عن ابن عباس مثله موقوفا،
وفي سنده راو ضعيف.
وذكره النقاش عن ابن عباس، ومحمد بن على الباقر، وابن جعفر بن محمد الصادق،
قلت: فإن ثبت هذا، ففيه دفع توهّم من توهّم أن في الحديث المرفوع نقصا من
قدر عليّ رضي اللَّه عنه، ويكون المنفىّ أبا طالب ومن مات من آله كافرا،
والمثبت من كان منهم مؤمنا، وخصّ عليّ بالذكر لكونه رأسهم، وأشير بلفظ
الحديث إلى لفظ الآية المذكورة، ونصّ فيها على عليّ تنويها بقدره، ودفعا
لظن من يتوهم عليه في الحديث المذكور غضاضة، ولو تفطن من كنى عن أبى طالب
لذلك لاستغنى عما صنع.
قوله: «وزاد عنبسة بن عبد الواحد» ، أي ابن أمية بن عبد اللَّه بن سعيد بن
العاص بن أبي أحيحة بمهملتين مصغرا، وهو سعيد بن العاص بن أمية، وهو موثوق
عندهم، وما له في البخاري سوى هذا الموضوع المعلق، وقد وصله البخاري في
كتاب البر والصلة فقال: حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة، حدثنا جدي ...
فذكره،
وأخرجه الإسماعيلي من رواية نهد بن سليمان عن محمد بن عبد الواحد المذكور،
وساقه بلفظ: سمعت عمرو بن العاص بقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم ينادى جهرا غير سرّ: إن بنى فلان ليسوا بأوليائى، وإنما ولي اللَّه
والذين آمنوا، ولكن لهم رحم ...
الحديث وقد قدمت رواية الفضل، وإنما الفضل ابن الموفق عن عنبسة من عند أبى
نعيم، وأنها أخص من هذا.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ولكن لها رحم أبلها ببلالها، يعنى أصلها
بصلتها» ،
كذا لهم، لكن سقط التفسير من رواية النسفي، ووقع عند أبى ذر بعده «أبلها
ببلالها» وبعده في الأصل: كذا وقع، وببلالها أجود وأصحّ.
قال الخطابي وغيره: بللت الرحم بلا وبللا وبلالا، أي نديتها بالصلة، وقد
أطلقوا على الإعطاء الندى، وقالوا في البخيل: ما تندى كفه بخير، فشبهت
قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بالماء الّذي يطفئ ببرده الحرارة، ومنه
الحديث: بلوا أرحامكم ولو بالسلام.
وقال الطيبي وغيره: شبه الرحم بالأرض التي إذا وقع عليها الماء وسقاها حتى
إذا سقيها أزهرت
(5/404)
أحب إليه، قال تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا
عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [ (1) ] ،
وسئل صلّى اللَّه عليه وسلّم: أي الناس أحب إليك؟
قال: عائشة، قيل: من الرجال؟ قال: أبوها.
متفق عليه [ (2) ] وذلك أن المتقين هم أولياء اللَّه تعالى، كما قال عزّ من
قائل: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ [ (3) ] ، فأولياء
اللَّه تعالى أولياء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم.
تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله: «فصل في ذكر
ذرية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» .
__________
[ () ] ورئيت فيها النضارة، فأثمرت المحبة والصفاء، وإذا تركت بغير سقى
يبست وبطلت منفعتها، فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء، ومنه قولهم سنة جماد لا
مطر فيها، وناقة جماد أي لا لبن فيها.
وجوّز الخطابي أن يكون معنى
قوله: أبلها ببلالها، في الآخرة،
أي أشفع لها يوم القيامة، وتعقبه الداوديّ بأن سياق الحديث يؤذن بأن المراد
ما يصلهم به في الدنيا، ويؤيده
ما أخرجه مسلم من طريق موسى بن طلحة عن أبى هريرة قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قريشا
فاجتمعوا، فعمّ وخصّ- إلى أن قال-: يا فاطمة أنقذى نفسك من النار، فإنّي لا
أملك لكم من اللَّه شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها،
وأصله عند البخاري بدون هذه الزيادة.
وقال الطيبي: في
قوله: «ببلالها»
مبالغه بديعة، وهي مثل قوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها
أي زلزالها الشديد الّذي لا شيء فوقه، فالمعنى: أبلها بما اشتهر وشاع، بحيث
لا أترك منه شيئا. (فتح الباري) : 10/ 513- 518 مختصرا.
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (93) موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم
والبراء منهم، حديث رقم (215) .
[ (1) ] التحريم: 4.
[ (2) ]
أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب (5) قول النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم: لو كنت متخذا خليلا، حديث رقم (3662) ، ولفظه: حدثنا معلى بن أسد،
حدثنا عبد العزيز بن المختار، قال خالد الحذّاء:
حدثنا عن أبى عثمان قال: حدثني عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلّم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحبّ
إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن
الخطاب، فعدّ رجالا. وأخرجه في كتاب المغازي، باب (64) غزوة ذات السلاسل،
وهي غزوة لخم وجذام، وزاد في آخره: فسكتّ مخافة أن يجعلني في آخرهم.
[ (3) ] يونس: 62- 63.
(5/405)
|