إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل [جامع لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم]
فهؤلاء اثنتي عشرة امرأة، واحدة وهبت نفسها، وماتت اثنتان في حياته صلّى
اللَّه عليه وسلم، وتوفى عن تسع هن: سودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب
بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وميمونة، رضى اللَّه عنهن.
وقد جاء في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى عشرة، والأول أصح، وقال قتادة
بن دعامة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث
عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، ومات عن تسع [ (1) ] .
وفي رواية: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس عشرة امرأة، ست
منهن من قريش وواحدة من حلفاء قريش، وسبعة من نساء العرب، وواحدة من بنى
إسرائيل، ولم يتزوج في الجاهلية غير واحدة [ (2) ] .
وعن الزهري وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل قالا: تزوج رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ثنتى عشرة امرأة عربيّة محصنات، وقال أبو عبيدة معمر بن
المثنى: وقد ثبت عندنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج ثماني
عشرة امرأة، سبع [منهن من] قريش، وواحدة من حلفاء قريش، وتسع من سائر قبائل
العرب، وواحدة من بنى إسرائيل.
فأول من تزوج خديجة، ثم سودة بمكة، ثم عائشة قبل الهجرة بسنتين، ثم تزوج
بالمدينة بعد بدر أم سلمة، ثم حفصة، فهؤلاء الخمسة من قريش، ثم تزوج في سنة
ثلاث زينب بنت جحش، ثم في سنة
__________
[ (1) ] ، (2) (دلائل البيهقي) : 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء) : 2/
254.
(6/92)
خمس جويرية، ثم تزوج في سنة ست أم حبيبة
بنت أبى سفيان، ثم في سنة سبع صفية بنت حيي، ثم تزوج ميمونة، ثم فاطمة بنت
شريح، ثم زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم أسماء بنت النعمان، ثم أخت
الأشعث بن قيس، ثم أسماء السّلمية [ (1) ] .
وقال الماوردي: تزوج ثلاثا وعشرين، ستّ متن قبله، وتسع مات قبلهن، وثمان
فارقهن، فاللاتى متن قبله: خديجة، [وزينب أم المساكين] ، وسناء بنت الصلت،
وشراف، وخولة بنت الهذيل، وخولة بنت حكيم السلمية ماتت قبل أن يدخل بها،
وقيل: هي التي وهبت نفسها.
وروى الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي بنحو قول قتادة عن
أنس في كتابه (المختار) : وأرجأ من نسائه: سودة، وصفية، وجويرية، وأم
حبيبة، وميمونة، والإرجاء أن يرجئ من يشاء منهن متى شاء، ويتركها إذا شاء،
وكان ذلك من أمر اللَّه تعالى ورضاه.
وأوى من نسائه: عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة. والإيواء:
أن يقسم لهن ويسوى بينهن. وعن الشعبي في قول اللَّه تعالى: وَمَنِ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ، قال: هنّ نساء وهبن أنفسهن للنّبيّ صلّى
اللَّه عليه وسلم لم يدخل بهن، ولم يتزوجهن أحد بعده [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 254.
[ (2) ] قال الإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: روى
أن أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم لمّا تغايرن وابتغين زيادة النفقة فهجرهن
شهرا، نزل التغيير: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ
أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 28- 29] ،
أشفقن أن يطلقهن، فقلن:
يا رسول اللَّه، أفرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، والظاهر أن الضمير في
(منهن) عائد على أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم. والإرجاء: الإيواء.
قال ابن عباس والحسن: في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك، وإمساك من تشاء.
وقالت
(6/93)
وخرج الإمام أحمد من حديث عمار، عن ثابت عن
أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال:
شمّى عوارضها وانظري إلى عرقوبها [ (1) ] ،
وأما النساء اللاتي لم يدخل بهن فهن:
الكلبية، تزوجها
__________
[ () ] فرقة: في تزوج من تشاء من الواهبات، وتأخير من تشاء. وقال مجاهد،
وقتادة، والضحاك:
وتقرر من شئت في القسمة لها، وتؤخر عنك من شئت، وتقلل لمن شئت، وتكثر لمن
شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن أن هذا حكم اللَّه وقضاؤه، زالت الإحنة
والغيرة عنهن، ورضين وقرت أعينهن، وهذا مناسب لما روى في سبب هذه الآية
المتقدم ذكره.
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ: أي ومن طلبتها من المعزولات ومن
المفردات، فَلا جُناحَ عَلَيْكَ في ردها أو إيوائها إليك. ويجوز أن يكون
ذلك توكيدا لما قبله، أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن عزلت سواء، لا جناح عليك.
كما تقول: من لقيك ممن لم يلقك، جميعهم لك شاكر، تريد من لقيك ومن لم يلقك،
وفي هذا الوجه حذف المعطوف، وغرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا
التركيب، والراجح القول الأول.
وقال الحسن: المعنى: من مات من نسائك اللواتي عندك أو خلّيت سبيلها، فلا
جناح عليك أن تستبدل عوضا من اللاتي أحللت لك، فلا تزداد على عدة نسائك
اللاتي عندك.
وقال الزمخشريّ: معنى تترك مضاجع من تشاء منهن وتضاجع من تشاء، أو تطلق من
تشاء، وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت، وتقسم لمن شئت، أو تترك من
تشاء من أمتك وتتزوج من شئت.
وعن الحسن: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن
يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض، لأنه إما أن يطلق، وإما
أن يمسك، فإذا أمسك ضاجع، أو ترك وقسم، أو لم يقسم، وإذا طلق وعزل، فإما أن
يخلى المعزولة لا يتبعها أو يتبعها.
وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أرجأ منهن: سودة، وجويرية، وصفية، وميمونة،
وأم حبيبة، وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وكانت ممن أوى إليه: عائشة،
وحفصة، وأم سلمة، وزينب، أرجأ خمسا وأوى أربعا.
وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يسوى بينهن مع ما أطلق له وخيّر فيه
إلا سودة، فإنّها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة
نسائك.
ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن، وانتفاء حزنهن ووجود رضاهن،
إذا علمت أن ذلك التفويض من عند اللَّه، فحالة كل منهن كحالة الأخرى في
ذلك. (البحر المحيط) :
8/ 494- 496.
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 110، حديث رقم (13012) .
(6/94)
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما
دنا [منها] قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: «عذت بعظيم، الحقي بأهلك» [ (1)
] .
وقيل: دخل بها، ولكنه لمّا خير نساءه اختارت قومها ففارقها، فكانت بعد ذلك
تلقط البعر، وتدخل على أمهات المؤمنين فيتصدقن عليها وتقول: أن الشقية.
وماتت عند أهلها سنة ستين، وكان تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بها في سنة ثمان منصرفه من الجعرانة، وقيل: إنها ابنة الضحاك بن سفيان
الكلابي، واسمها فاطمة، وقيل إن الضحاك الكلابي عرض ابنته على رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم وقال من صفتها كذا وكفاك من صحة بدنها أنها لم تمرض
قط ولم تصدع، فقال: لا حاجة لنا فيها، هذه تأتينا بخطاياها [ (2) ] .
وقال الكلبي: التي قال أبوها أنها لم تصدع قط وعرضها على النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم فقال: لا حاجة لنا بها: سلميّة، وأما الكلبية فاختارت قومها،
فذهلت وذهب عقلها، فكانت تقول: أنا الشقية، خدعت [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 287، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 257- 259.
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 7/ 288.
[ (3) ] وأخرج البخاري في كتاب الطلاق، باب (3) من طلّق، وهل يواجه الرجل
امرأته بالطلاق؟
حديث رقم (5254) : حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعيّ قال: سألت
الزهري:
أي أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرنى عروة، عن
عائشة رضى اللَّه عنها، أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: لقد عذت
بعظيم، الحقي بأهلك. قال أبو عبد اللَّه: رواه حجاج بن أبى منيع عن جده، عن
الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت ...
وحديث رقم (5255) :
حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن غسيل، عن حمزة بن أبى أسيد، عن أبى
أسيد رضى اللَّه عنه قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى
انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما،
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اجلسوا هاهنا، ودخل، وقد أتى بالجونية،
فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، ومعها دايتها
حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هبي نفسك لي،
قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن،
فقالت: أعوذ باللَّه منك. فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا
أسيد، اكسها رازقين، وألحقها بأهلها.
(6/95)
__________
[ () ] وحديث رقم (5256، 5257) : وقال الحسين بن الوليد النيسابورىّ عن عبد
الرحمن، عن عباس بن سهل، عن أبيه وأبى أسيد قالا: تزوج النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم أميمة بنت شراحبيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت
ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقين.
وأخرج في كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
وآنيته، حديث رقم (5637) :
حدثنا سعيد بن أبى مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد
رضى اللَّه عنه قال: ذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من العرب،
فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت فنزلت في أجم بنى
ساعدة، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة
منكسة رأسها، فلما كلمها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: أعوذ باللَّه
منك! فقال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك.
فأقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ. حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو
وأصحابه......
قال الحافظ في (الفتح) : ووقع في كتاب (الصحابة) لأبى نعيم، من طريق عبيد
بن القاسم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن عمرة بنت الجون تعوذت من
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أدخلت عليه، قال: لقد عذت بمعاذ ...
الحديث، وعبيد متروك. والصحيح أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، كما
في حديث أبى أسيد، وقال مرة: أميمة بنت شراحبيل، فنسبت لجدها، وقيل: اسمها
أسماء كما سأبينه في حديث أبى أسيد مع شرحه مستوفى.
وروى ابن سعد عن الواقدي، عن ابن أخى الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة
قالت:
تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الكلابية ... فذكر مثل حديث الباب.
وقوله: الكلابية غلط، وإنما هي الكندية، فكأنما الكلمة تصحفت. نعم،
للكلابية قصة أخرى، ذكرها ابن سعد أيضا بهذا السند إلى الزهري وقال: اسمها
فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، فاستعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول:
أنا الشقية، قال: وتوفيت سنة ستين.
ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن الكندية لما وقع التخيير اختارت
قومها، ففارقها، فكانت تقول: أنا الشقية. ومن طريق سعيد بن أبى هند أنها
استعاذت منه فأعاذها، ومن طريق الكلبي اسمها العالية بنت ظبيان بن عمرو.
وحكى ابن سعد أيضا أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد، وقيل: بنت يزيد بن
الجون. وأشار ابن سعد إلى أنها واحدة اختلف في اسمها، والصحيح أن التي
استعاذت منه هي الجونية، وروى ابن سعد من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى
قال: لم تستعذ منه امرأة غيرها.
قلت: وهو الّذي يغلب عليه الظن، لأن ذلك إنما وقع للمستعيذة بالخديعة
المذكورة، فيبعد أن تخدع أخرى بمثل ما خدعت به، بعد شيوع الخبر بذلك.
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج
الجونية، واختلفوا في سبب فراقه، فقال قتادة: لما دخل عليها دعاها فقالت:
تعال أنت. فطلقها، وقيل: كان بها وضح كالعامرية. قال:
(6/96)
وقال الواقدي: تزوج رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم امرأة من بنى عامر، فكان إذا خرج اطلعت إلى أهل المسجد،
فأخبرته أزواجه بذلك، فقال إنكن تبغين عليها، فقلن: نحن تركنها وهي تطلع،
فلما رآها فارقها.
[أم شريك]
وأم شريك الأنصارية،
قال ابن إسحاق: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد بن أبى
عروة، عن قتادة قال: وتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم شريك
الأنصارية من بنى النجار، قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني
أكره غيرتهن فلم يدخل بها. ذكره الحاكم [ (1) ] .
[العالية]
والعالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن عبد بن أبى بكر بن كلاب، تزوج بها
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فمكثت عنده ما شاء اللَّه ثم طلقها،
فقيل:
بسبب التطلع، فتزوجها ابن عم لها ودخل بها، وذلك قبل أن يحرم نكاحهن على
الناس، وولدت له [ (2) ] .
وذكر الحاكم أنها التي بكشحها بياض، وأنها غير أسماء بنت النعمان ابن يزيد
بن عبيد بن رواس بن كلاب، تزوج بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فبلغه أن
__________
[ () ] وزعم بعضهم أنها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: قد عذت بمعاذ وقد
أعاذك اللَّه منى، فطلقها.
قال: وهذا باطل، إنما قال له هذا امرأة من بنى العنبر، وكانت جميلة، فخاف
نساؤه أن تغلبهن عليه، فقلن لها: إنه يعجبه أن يقال له: نعوذ باللَّه منك،
ففعلت، فطلقها. كذا قال، وما أدرى لم حكم ببطلان ذلك مع كثيرة الروايات
الواردة فيه، وثبوته في حديث عائشة رضى اللَّه تعالى عنها في (صحيح
البخاري) . (فتح الباري) : 9/ 446- 447.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 556، حديث رقم (15631) ، وزاد في
آخره: قال:
وقال غير أبى أحمد: امرأة من بنى الجون يقال لها أمينة.
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم شريك الأنصارية من
بنى النجار، حديث رقم (6810/ 2408) ، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 255- 256) .
[ (2) ] (سير أعلام النبلاء) : 2/ 254، (المستدرك) : 4/ 36- 37 حديث رقم
(6807/ 2405) .
(6/97)
بها بياضا، أو رأى بكشحها بياضا [ (1) ] ،
فطلقها، قال ابن الكلبي: وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم هند بنت يزيد [] القرطاء، من ولد أبى بكر بن كلاب،
وبعث إليها أبا أيوب الأنصاري فلما اهتداها رأى بها بياضا فطلقها.
[الكلابية]
وقال الحاكم: والكلابية قد اختلف في اسمها، فقال بعضهم: هي فاطمة بنت
الضحاك بن سفيان الكلابي، وقال بعضهم: هي عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن
كلاب بن عامر، وقال بعضهم: هي عالية بنت كيسان بن عمرو بن عوف بن كعب بن
عبيد بن كلاب، وقال بعضهم:
هي سبا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن عبيد بن أبى بكر بن كلاب [ (2) ] .
وقال بعضهم: لم يكن إلا كلابية واحدة، وإنما اختلف في اسمها، وقال بعضهم:
بل كن جمعا [ولكن] [ (3) ] لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها. وذكر
[سعيد] [ (4) ] أن [أسماء بنت النعمان] [ (3) ] لما أدخلت عليه لم تكن
باليسيرة لما أدخلت، فانتظر بها اليسر، ومات إبراهيم ابن رسول اللَّه على
بقية ذلك، فقالت: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه
__________
[ (1) ]
وزاد الحاكم: فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: البسى ثيابك وألحقى
بأهلك،
وأمر لها بالصداق، وفيه زيد بن كعب بن عجرة قال عنه الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : قال ابن معين: زيد ليس بثقة.
[ (2) ] قال الحاكم: هذه ليست بالكلابية إنما هي أسماء بنت النعمان،
(الاستيعاب) 4/ 1881، ترجمة رقم (4028) الغفارية، (المستدرك) : 4/ 37، كتاب
معرفة الصحابة، باب ذكر العالية حديث رقم (6807/ 2405) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (4) ] هو ابن أبى عروبة عن قتادة. (المرجع السابق) ، حديث رقم (6809/
2407) ، وسكت عنه الذهبي في التلخيص. وفيه زهير بن العلاء، روى عن أبى حاتم
الرازيّ أنه قال: أحاديثه موضوعة كما في (الميزان) .
(6/98)
وأعز عليه، فطلقها وأوجب لها المهر، وحرمت
على الأزواج [ (1) ] .
[أسماء بنت عمرو]
وأسماء بنت عمرو بن النعمان بن الحارث بن شراحبيل، كذا قال هشام ابن محمد
الكلبي في كتاب (الجامع) ، وعند ابن عبد البر أنها أسماء بنت النعمان بن
الأسود بن الحارث بن شراحبيل بن النعمان [بن كندة] ، ولم يصححه، بل ذكره
بصيغة التمريض، وهي من كندة، ثم من معاوية وهو الجون بن آكل المرار، تزوج
بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء، ومهرها
اثنتي عشرة أوقية ونشا،
فقال لها بعض نسائه: أنت بنت ملك، وإن استعذت باللَّه منه حظيت عنده.
فلما دخلت عليه دنا منها فقالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: عذت بمعاذ عذت،
وقال: ارجعي إلى أهلك،
فقيل: يا رسول اللَّه، إنها خدعت وهي حدثه، فلم يراجعها، فتزوجها المهاجر
بن أمية المخزومي، ثم قيس بن هبيرة المرادي، فأراد عمر رضى اللَّه عنه
معاقبتهما فقيل له: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يدخل بها، ولم
يضرب عليها الحجاب، ولم تسمّ في أمهات المؤمنين، فأمسك [ (2) ] .
[قتيلة بنت قيس]
قال الكلبي: وقال الشوقى بن القطامي: دعاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فقالت:
بل ائتني أنت، فطلقها، وذكره الحاكم عن قتادة،
وقال الكلبي: لما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بهذه الكندية ما
فعل، كان الأشعث بن قيس الكندي حاضرا، فقال: يا رسول اللَّه، ألا أزوجك
قتيلة بنت قيس أختى؟ قال:
__________
[ (1) ] (تاريخ الإسلام) : 2/ 593، فصل عدة أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6816/ 2414) ،
قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : سنده واه، ويروى عن زهير بن معاوية أنها
ماتت كمدا.
(6/99)
نعم، فتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم قبل أن يخرج من اليمن،
فتزوجها عكرمة بن أبى جهل [ (1) ] وذكر الحاكم عن أبى عبيدة معمر بن المثنى
أنه عليه السّلام تزوجها حين قدم عليه وفد كندة، وتوفى ولم يقدم عليه. وزعم
بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهر، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم
آخرون أنه أوصى أن تخير فاختارت النكاح، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل، وزعم
بعضهم أنها ارتدت [ (2) ] .
[الجونيّة]
وقال الواقدي: قدم النعمان الكندي وكان منزله، بنجد فأسلم، وقال:
يا رسول اللَّه! ألا أزوجك أجمل أيم في العرب؟ فتزوجها على اثنتي عشرة
أوقية ونشّ- وذلك خمسمائة درهم- ووجه أبا أسيد الساعدي فقدم بها، وأنزلها
في أطعم بنى ساعدة، وكانت جميلة فائقة الجمال.
فاندسّت إليها امرأة من نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: أنت كنت
تريدين الحظوة عنده فاستعيذى منه، فإن ذلك يعجبه، فلما جاءها أقعى، ثم أهوى
إليها ليقبلها- وكذلك كان يصنع- فقالت: أعوذ باللَّه منك،
__________
[ (1) ] قال أبو عمرو بن عبد البر: الاختلاف في الكندية كثيرا جدا، منهم من
يقول: هي أسماء بنت النعمان، ومنهم من يقول: هي أميمة بنت النعمان، ومنهم
من يقول: أمامة بنت النعمان، واختلافهم في سبب فراقها على ما رأيت،
والاضطراب فيها وفي صواحبها اللواتي لم يجتمع عليهنّ من أزواجه صلّى اللَّه
عليه وسلم اضطراب عظيم على ما ذكرنا كثيرا منه في صدر هذا الكتاب، والحمد
للَّه.
(الاستيعاب) : 4/ 1787 تعليقا على ترجمة أسماء بنت النعمان بن الجون بن
شراحبيل رقم (3232) ، (عيون الأثر) : 2/ 311.
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، ذكر قتيلة بنت قيس أخت
الأشعث بن قيس، حديث رقم (6817/ 2415) ، قال عنه الذهبي في التلخيص: قتيلة
أخت الأشعث بن قيس، قال أبو عبيدة: تزوجها نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، ثم ذكر الحديث، (المواهب اللدنية) : 2/ 97، فصل:
الثامنة، قتيلة.
(6/100)
فانحرف عنها وقال: عذت بمعاذ، وخرج فأمر
بردها.
فردها أبو أسيد إلى قومها فقالوا: إنك لغير مباركة، جعلتينا في العرب شهرة،
فأقامت في بيتها لا يطمع في بيتها طامع، ولا يراها إلا ذو محرم حتى توفيت
في خلافة عثمان عند أهلها بنجد، قال: وكان تزويجه هذه الجونية في ربيع
الأول سنة تسع، ويقال: إن عائشة وحفصة رضى اللَّه عنهما توليا مشطها وإصلاح
أمرها، فأمراها أن تستعيذ منه إذا دنا منها [ (1) ] .
وعن الزهري: لم يتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كندية إلا أخت
الجون، ثم فارقها، وعن عروة بن الزبير: أنه ما تزوج أخت الأشعث قط، ولا
تزوج كندية إلا أخت بنى الجون. وقال محمد بن حبيب: الجونية امرأة من كندة،
وليست بأسماء ابنة النعمان، كان أبو أسيد قدم بها عليه، [فتولت] عائشة
وحفصة مشطها وإصلاح أمرها، فقالت إحداهما لها:
إن رسول اللَّه يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ باللَّه منك،
فلما دخل عليها وأرخى الستر، ثم مد يده، قالت: أعوذ باللَّه منك، فوضع كمه
على وجهه وقال: عذت بمعاذ ثلاث مرات، ثم خرج فأمر أبا أسيد أن يلحقها
بأهلها، ويمتعها برازقتين ثياب كتان، فذكروا أنها ماتت كمدا [ (2) ] .
[مليكة بنت كعب]
ومليكة بنت كعب الليثي من كنانة، تزوجها في رمضان سنة ثمان، فقالت لها
عائشة رضى اللَّه عنها: أما تستحين أن تنكحى قاتل
__________
[ (1) ]
فقالت حفصة لعائشة: أخضبيها أنت وأنا أمشطها، ففعلتا، ثم قالت لها إحداهما:
إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول:
أعوذ باللَّه منك، فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها
فقالت: أعوذ باللَّه منك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة على
وجهه فاستتر به وقال: «عذت بمعاذ» ثلاث مرات. (المستدرك) : 4/ 40، حديث رقم
(6816/ 2415) .
[ (2) ] المرجع السابق.
(6/101)
أبيك [ (1) ] ؟ فقالت: كيف أصنع؟ قالت:
استعيذى باللَّه منه، فاستعاذت فطلقها، وقتل أبوها [ (1) ] يوم فتح مكة،
وقيل: هذه الكندية هي عمرة، وقيل: دخل بمليكة الكنانية فماتت عنده، وأنكر
الزهري وغيره أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج كنانية قط [
(2) ] .
[أم هانئ]
وذكر ابن الكلبي: وخطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم هانئ بنت أبى
طالب فقالت: ولقد كنت أحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟ ولكنى امرأة ذات
أولاد صغار وأنا أخاف أن يؤذوك، فأمسك عنها وقال: خير نساء ركبن المطايا
نساء قريش: أحناهن على ولد في صغر، وأرعاهن على زوج في ذات يد [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قتله خالد بن الوليد بالخندق (طبقات ابن سعد) : 8/ 148.
[ (2) ] قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: مما يضعف هذا الحديث ذكر عائشة أنها
قالت لها: ألا تستحيين ... إلخ، وعائشة لم تكن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم في ذلك السفر. (طبقات ابن سعد) :
8/ 148، (تاريخ الإسلام) : 2/ 596.
قال القسطلاني: الخامسة [من الزوجات] : مليكة بنت كعب الليثية، قال بعضهم:
هي التي استعاذت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: دخل بها، وماتت
عنده، والأول أصح، ومنهم من ينكر تزويجه بها أصلا. (المواهب اللدنية) : 2/
96، في رواية الواقدي: فطلقها، فجاء قومها فقالوا: يا رسول اللَّه! إنها
صغيرة، ولا رأى لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبى عليهم، فاستأذنوه أن
يزوجوها، فأذن لهم. (تاريخ الإسلام) : 2/ 596.
[ (3) ] هي أم هانئ فاختة بنت أبى طالب، أخت عليّ، خطبها صلّى اللَّه عليه
وسلم فقالت: إني امرأة مصبية، واعتذرت إليه، فعذرها. (المواهب اللدنية) :
2/ 99. وقال الحافظ الذهبي: وقد خطب صلّى اللَّه عليه وسلم أم هانئ بنت أبى
طالب: وضباعة بنت عامر، وصفية بنت بشامة، ولم يقض له صلّى اللَّه عليه وسلم
أن يتزوج بهن، واللَّه تعالى.
أعلم. (تاريخ الإسلام) : 2/ 599.
وهذا الحديث رواه البخاري في النكاح، باب إلى من ينكح وأي النساء خير، وفي
النفقات، باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة،
ورواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل نساء قريش، ولفظه عن أبى هريرة،
قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: نساء قريش خير نساء
ركبن الإبل، أحناه على طفل في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.
ويقول أبو هريرة على إثر ذلك:
ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط، ولو علمت أنها ركبت بعيرا ما فضّلت
عليها أحدا.
(6/102)
__________
[ () ]
وفي رواية: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خطب أم هاني بنت أبى طالب،
فقالت: يا رسول اللَّه! إني قد كبرت ولى عيال، فقال رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل، وفي رواية: خير نساء ركبن الإبل
صالح نساء قريش.. (جامع الأصول) : 9/ 210- 211.
قول أبى هريرة: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط، فكأنه أراد إخراج مريم
من هذا التفضيل، لأنها لم تركب بعيرا قط، فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش
عليها، ولا يشك لمريم فضلا، وأنها أفضل من جميع نساء قريش، إن ثبت أنها
نبية، أو من أكثرهن إن لم تكن نبية.
ويحتمل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله:
ركبن الإبل، لأن تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد منها، لأن قوله: ركبن
الإبل، إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل، وقد عرف أن
العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء
غيرهن مطلقا.
ويمكن أن يقال أيضا: إن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح
القرشيات، فليس فيه التعرض لمريم ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن.
قوله: صالح نساء قريش، كذا للأكثر بالإفراد، وفي رواية، غير الكشمهيني:
صلح، بضم أوله وتشديد اللام بصيغة الجمع، فالمحكوم له بالخيرية الصالحات من
نساء قريش، لا على العموم، والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين، وحسن المخالطة
مع الزوج ونحو ذلك.
قوله: أحناه، بسكون المهملة بعدها نون: أكثره شفقة، والحانية على ولدها هي
التي تقوم عليهم في حال يتمهم، فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية. قاله
الهروي. وجاء الضمير مذكرا، وكان القياس أحناهن، وكأنه ذكر باعتبار اللفظ
والجنس أو الشخص أو الإنسان. وجاء نحو ذلك في حديث أنس: كان النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا، بالإفراد في الثاني.
وحديث ابن عباس في قول أبى سفيان: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة،
بالإفراد في الثاني أيضا. قال أبو حاتم السجستاني: لا يكادون يتكلمون به
إلا مفردا.
قوله: على ولده، في رواية الكشمهيني: على ولد، بلا ضمير وهو أوجه، ووقع في
رواية لمسلم: على يتيم، وفي أخرى: على طفل، والتقييد باليتيم والصغر يحتمل
أن يكون معتبرا من ذكر بعض أفراد العموم، لأن صفة الحنو على الولد ثابتة
لها لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في ذلك.
قوله: وأرعاه على زوج، أي أحفظ وأصون لما لها بالأمانة فيه والصيانة له،
وترك التبذير في الإنفاق.
قوله: في ذات يده، أي في ماله المضاف إليه، ومنه قولهم: فلان قليل ذات اليد
أي قليل المال، وفي الحديث الحث على نكاح الأشراف خصوصا القرشيات، ومقتضاه
أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب.
(6/103)
وخرج الحاكم من حديث عبيد اللَّه بن موسى،
حدثنا إسرائيل عن السدي، عن أبى صالح عن أم هاني قالت: خطبنى النبي عليه
السّلام فاعتذرت إليه فعذرني، وأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ [ (1) ] إلى قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ [
(1) ] قالت: فلم أكن [زوجا له] [ (2) ] ولم أهاجر معه، وكنت من الطلقاء.
[قال: [ (2) ]] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] .
[صفية بنت بشامة]
وصفية بنت بشامة الغيري، أخت الأعور بن بشامة، أخذت سبيّة فعرض عليها أن
يتزوجها أو ترد إلى أهلها فاختارت أن ترد فردت [ (4) ] .
__________
[ () ] ويؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب، وأن غير القرشيات ليس كفأ له،
وفضل الحنو والشفقة وحسن التربية والقيام على الأولاد وحفظ مال الزوج وحسن
التدبير فيه.
ويؤخذ منه مشروعية إنفاق الزوج على زوجته. (فتح الباري) : 9/ 155- 156 كتاب
النكاح، باب (12) إلى من ينكح، وأي النساء خير، وما يستحبّ أن يتخيّر لنطفه
من غير إيجاب، حديث رقم (5082) ، (جامع الأصول) : 9/ 309، الباب السادس من
كتاب الفضائل والمناقب، الفصل الأول في فضل قريش حديث رقم (6790) .
[ (1) ] الأحزاب: 50.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] لم أجده في المستدرك، لكن قال القسطلاني: الخامسة [من المخطوبات] :
أم هانئ فاختة بنت أبى طالب أخت عليّ، خطبها صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت:
إني امرأة مصبية، واعتذرت إليه فعذرها. (المواهب اللدنية) : 2/ 99.
[ (4) ] قال القسطلاني: الثالثة [من المخطوبات] : صفية بنت بشامة- بفتح
الموحدة وتخفيف الشين المعجمة- كان أصابها في سبى، فخيرها بين نفسه الكريمة
وبين زوجها، فاختارت زوجها.
(المواهب اللدنية) : 2/ 99، وقال الحافظ في (الإصابة) : صفية بنت بشامة،
أخت الأعور، من بين العنبر بن تميم، ذكرها ابن حبيب في [ (المحبر) ] ممن
خطبهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ولم يدخل بهن،
قال الحافظ: وأسند ابن سعد عن ابن عباس بسند فيه الكلبي، أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم خطبها، وكان أصابها سباء، فخيرها النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم فقال: إن شئت أنا وإن شيء زوجك، فقالت زوجي، فأرسلها، فلعنها بنو
تميم. (الإصابة) : 7/ 737- 738، ترجمة رقم (11397) .
(6/104)
[ليلى بنت الخطيم]
وليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن
عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، أتته وهو غافل عنها [فضربت] [ (1) ] على
منكبه فقال من هذا أكلة [الأسد] [ (2) ] ، فقالت: ابنة الخطيم، وبنت مطعم
الطير، ومسارى الريح، وقد جئتك أعرض عليك نفسي، فقال: قد قبلتك.
فأتت نساءها فقلن: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيور، ورسول اللَّه كثير
الضرائر، ونخاف أن تغارى، فيدعو عليك فتهلكى فاستقيليه، فأتت فاستقالته
فأقالها، فدخلت بعض حيطان المدينة [تغتسل، إذ وثب عليها ذئب فأكل بعضها،
فأدركت فماتت] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في (خ) : «فخطأت» ، وما أثبتناه من (الإصابة) .
[ (2) ] في (خ) : «الأسود» ، وما أثبتناه من (الإصابة) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب في (خ) ، وما أثبتناه من (الإصابة) .
وقال الحافظ في (الإصابة) : ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر
الأنصارية الأوسية، ثم الظفرية. استدركها أبو على الجيانى على (الاستيعاب)
، وقال: ذكرها ابن أبى خيثمة وقال: أقبلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
فقالت: أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك أعرض نفسي عليك، فتزوجني، قال قد فعلت،
ورجعت إلى قومها، فقالوا: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيري، وهو صاحب نساء،
ارجعي فاستقيليه، فرجعت فقالت: أقلنى، فقال: قد فعلت.
قال الحافظ: ذكر ذلك ابن سعد عن ابن عباس بسند فيه الكلبي، فذكروا أتم منه،
وأوله:
أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو مولّ ظهره
الشمس، فضربت على منكبه، فقال: من هذا أكلة الأسد، وكان كثيرا ما يقولها.
وفي آخره: فقال قد أقلتك، قال: وتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت
له، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل، إذ وثب عليها ذئب فأكل بعضها
فأدركت، فماتت.
ثم أسند عن الواقدي، عن محمد بن صالح بن دينار، عن عاصم بن عمر بن قتادة،
قال:
كانت ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم فقبلها،
وكانت تركب بعولتها ركوبا منكرا، وكانت سيئة الخلق ... فذكر نحو القصة دون
ما في آخرها، وقال في روايته: فقالت: إنك نبي
(6/105)
[خولة بنت الهذيل]
[و] [ (1) ] خولة بنت الهذيل بن هبيرة، خطبها فهلكت قبل دخولها عليه [ (2)
] .
[شراف بنت قطام]
وشراف بنت قطام أخت دحية الكلبي، هلكت قبل دخولها عليه [ (3) ] .
__________
[ () ] اللَّه، وقد أحلّ اللَّه لك النساء، وأنا امرأة طويلة اللسان، لا
صبر لي على الضرائر، واستقالته صلّى اللَّه عليه وسلم.
ومن طريق ابن أبى عون، أن ليلى وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم،
ووهبن نساء أنفسهن، فلم يسمع أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قبل منهن
أحدا، قال: وأمها مشرفة الدار بنت هيشة بن الحارث وأخرج ابن سعد عن
الواقدي، حسبته عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: أول من بايع النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت أبى رافع بن عبيد، ومن بنى
ظفر ليلى بنت الخطيم، ومن بن عمرو بن عوف ليلى ومريم وسهيمة بنات أبى سفيان
الليثي، يقال له: أبو البنات.
وذكر ابن سعد أيضا: أن مسعود بن أوس تزوجها في الجاهلية، فولدت له عمرة
وعميرة، وكان يقال لها: أكله الأسد، وكانت أول امرأة بايعت النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم ومعها ابنتاها، وابنتان لابنتها، ووهبت نفسها له، ثم
استقالة بنو ظفر، فأقالها. (الإصابة) : 8/ 103- 104، ترجمة رقم (11710) ،
(طبقات ابن سعد) : 8/ 246 وما بعدها.
[ (1) ] للزيادة للسياق.
[ (2) ] هي خولة بنت الهذيل بن قبيصة بن هبيرة بن الحارث بن حبيب بن حرفة-
بضم المهملة وسكون الراء بعدها فاء- ابن ثعلبة بن بكر بن حبيب بن عمرو بن
غنم بن تغلب التغلبية. قال الحافظ في (الإصابة) : وقد ذكرها المفضل بن غسان
الغلابي في تاريخه، عن على بن صالح، عن على بن مجاهد، قال: وتزوج النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم خولة بنت الهذيل، وأمها خرنق بنت خليفة، أخت دحية
الكلبي.
، فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق، فنكح خالتها شراف أخت دحية بن
خليفة الكلبي، فحملت إليه، فماتت في الطريق أيضا.
وذكر ابن سعد عن هشام بن الكلبي، عن شرقى بن قطامى، حدثه أن رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج خولة بنت الهذيل، وأمها بنت خليفة بن فروة، أخت
دحية الكلبي، وكانت خالتها شراف بنت خليفة هي التي ربتها فماتت بالطريق قبل
أن تصل. (طبقات ابن سعد) : 8/ 115، (الإصابة) :
7/ 608، 609، ترجمة رقم (11093) ، 7/ 626- 627، ترجمة رقم (11130) ،
(الاستيعاب: 4/ 1834، ترجمة رقم (2329) .
[ (3) ]
أخرج الطبراني، وأبو نعيم عنه، من طريق جابر الجعفي، عن ابن أبى مليكة، قال
خطب رسول
(6/106)
[ضباعة بنت عامر]
وضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة،
مات عنها هشام بن المغيرة، وكانت جميلة، فخطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، ثم بلغه عنها كبرة وتغيّرا فأمسك عنها، وضباعة هذه هي التي طافت
حول الكعبة عريانة، ولم تجد ثوب حرمىّ تستعيره ولا تكتريه، فقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... فما بدا منه فلا أحلّه [ (1) ] .
__________
[ () ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من بنى كلب، فبعث عائشة تنظر
إليها، فذهبت، ثم رجعت، فقالت: ما رأيت طائلا، فقال لها رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم: أقد رأيت خالا عندها اقشعرّت كل شعرة منك؟ فقالت: ما
دونك سرّ.
أورده أبو موسى في (الذيل) ، في ترجمة شراف،
وقال: قيل إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوجها ولم يدخل بها،
وبذلك جزم ابن عبد البر.
قال الحافظ: وقد ورد التصريح بذكرها عن ابن سعد، عن هشام الكلبي، عن شرقى
بن القطامي، قال: لما هلكت خولة بنت الهذيل تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم شراف بنت خليفة أخت دحية، ولم يدخل بها، ثم أخرج أثر عائشة
المذكور، عن محمد بن عمر، عن الثوري، عن جابر الجعفي، به. (الإصابة) : 7/
726، ترجمة رقم (11370) ، (الاستيعاب) : 4/ 1868، ترجمة رقم (3397) .
[ (1) ] ذكرها أبو نعيم، وأخرج من طريق عبد اللَّه بن الأجلح، عن الكلبي،
أخبرنى عبد الرحمن العامري، عن أشياخ من قومه، قالوا: أتانا رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن بعكاظ، فدعانا إلى نصرته ومنعته، فأجبناه إذ
جاء بيجرة بن فراس القشيري، فغمز شاكلة ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، فقمصت به، فألقته، وعندنا يومئذ ضباعة بنت عامر بن قرط، وكانت من
النسوة اللاتي أسلمن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، جاءت
زائرة بنى عمها، فقالت: يا آل عامر، ولا عامر لي، يصنع هذا برسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم بين أظهركم ولا يمنعه أحد منكم؟! فقام ثلاثة من بنى
عمها إلى بيجرة، فأخذ كل رجل منه رجلا فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره، ثم
علا وجهه لطما،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ بارك على هؤلاء،
فأسلموا، وقتلوا شهداء.
وهذا مع انقطاعه ضعيف، وقد وجدت لضباعة هذه خبرا آخر، ذكره هشام بن الكلبي
في الأنساب، عن أبيه، عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: كانت ضباعة القشيرية
تحت هودة بن على الحنفي، فمات فورثته من ماله، فخطبها ابن عم لها، وخطبها
عبد اللَّه بن جدعان، فرغب أبوها
(6/107)
[الكلبية]
وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطب امرأة من كلب، فبعث
عائشة رضى اللَّه عنها لتنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال لها: ما رأيت؟
__________
[ () ] في المال، فزوجها من ابن جدعان، ولما حملت إليه تبعها ابن عمها
فقال: يا ضباعة، الرجال النخر أحب إليك أم الرجال الذين يطعنون السّور؟
قالت: لا، بل الرجال الذين يطعنون السور.
فقدمت على عبد اللَّه بن جدعان، فأقامت عنده، ورغب فيها هشام بن المغيرة،
وكان من رجال قريش، فقال لضباعة، أرضيت لجمالك وهيئتك بهذا الشيح اللئيم؟
سليه الطلاق حتى أتزوجك، فسألت ابن جدعان الطلاق، فقال: بلغني أن هشاما قد
رغب فيك، ولست مطلقا حتى تحلفي لي أنك إن تزوجت أن تنحري مائة ناقة سوداء
الحدق بين إساف ونائلة، وأن تغزلى خيطا يمد بين أخشبى مكة، وأن تطوفي
بالبيت عريانة.
فقالت: دعني انظر في أمرى، فتركها، فأتاها هشام فأخبرته فقال: أما نحر مائة
ناقة فهو أهون عليّ من ناقة أنحرها عنك، وأما الغزل، فأنا آمر نساء بنى
المغيرة يغزلن لك، وأما طوافك بالبيت عريانة، فأنا أسأل قريشا أن يخلو لك
البيت ساعة، فسليه الطلاق، فسألته فطلقها وحلفت له.
فتزوجها هشام، فولدت له سلمة، فكان من خيار المسلمين، ووفى لها هشام بما
قال.
قال ابن عباس: فأخبرني المطلب بن أبى وداعة السهمي- وكان لدة رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم- قال: لما أخلت قريش لضباعة البيت، خرجت أنا ومحمد
ونحن غلامان، فاستصغرونا فلم نمنع، فنظرنا إليها لما جاءت، فجعلت تخلع ثوبا
ثوبا وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحلّه
حتى نزعت ثيابها، ثم نشرت شعرها فغطى بطنها وظهرها، حتى صار في خلخال، فما
استبان من جسدها شيء، وأقبلت تطوف، وهي تقول هذا الشعر.
فلما مات هشام بن المغيرة، وأسلمت هي وهاجرت، خطبها النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم إلى ابنها سلمة،
فقال: يا رسول اللَّه، ما عنك مدفع، فأستأمرها؟ قال: نعم، فأتاها، فقالت:
إنا للَّه، أفي رسول اللَّه تستأمرنى؟ أنا أسعى لأن أحشر في أزواجه، أرجع
إليه فقل له: نعم قبل أن يبدو له، فرجع سلمة فقال له، فسكت النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم ولم يقل شيئا، وكان قد قيل له بعد أن ولّى سلمة: إن ضباعة
ليست كما عهدت، قد كثرت غضون وجهها وسقطت أسنانها من فمها.
وذكر ابن سعد بعض هذا في ترجمتها عن هشام الكلبي، وعنه بهذا السند كانت
ضباعة من أجمل نساء العرب، وأعظمهن وخلقة، وكانت إذا جلست أخذت من الأرض
شيئا كثيرا، وكانت تغطى جسدها بشعرها، (طبقات ابن سعد) : 8/ 109، (الإصابة)
: 8/ 6، ترجمة رقم (11426) ، (الاستيعاب) : 4/ 1874- 1875، ترجمة رقم
(4018) ، (المواهب اللدنية) :
2/ 99، السادسة [من المخطوبات] ، ضباعة.
(6/108)
قالت: لم أر طائلا، فقال: لقد رأيت خالا
بخدّها اقشعرت له كل شعرة منك؟ فقالت: يا رسول اللَّه! ما دونك ستر. وعن
مجاهد: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب فردّ لم يعد، فخطب
امرأة فقالت: أستأمر أبى، فاستأمرته فأذن لها، ثم أتت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم فقال لها: قد التحفنا لحافا غيرك [ (1) ] .
[أمامة بنت الحارث]
وخطب أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة
بن عوف بن سعد بن ذبيان، وكان أبوها أعرابيا جافيا سيد قومه فقال: إن بها
بياضا- وكانت العرب تكنى بذلك عن البرص- فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ليكن
كذلك، فبرصت من وقتها،
فتزوجها يزيد بن حمزة بن عوف بن أبى حارثة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد
المعروف بابن البرصاء [ (2) ] .
[جمرة بنت الحارث]
وخطب جمرة بنت الحارث بن عوف، فقال أبوها: إن بها برصا، وهو كاذب- فبرصت،
وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر، قال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: وذكر
المدائني أن أم شبيب بن البرصاء اسمها القرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبى
حارثة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المواهب اللدنية) 2/ 99، الرابعة [من المخطوبات] ولم يذكر اسمها،
قيل إنه صلّى اللَّه عليه وسلم خطبها، فقالت: أستأمر أبى، فلقيت أباها فأذن
لها، فعادت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
فقال لها: قد التحفنا لحافا غيرك.
[ (2) ] (الاستيعاب) : 4/ 1788، ترجمة رقم (3235) ، (الإصابة) : 7/ 499،
ترجمة رقم (10815) ، وقيل: اسمها قرصافة: (المعارف) : 140.
[ (3) ] اسمها قرصافة كما في (الإصابة) : 7/ 499، ترجمة رقم (10815) ،
(الإصابة) : 7/ 554، ترجمة رقم (10975) [جمرة بنت الحارث] ، (المواهب
اللدنية) 2/ 99، (الإصابة) : 7/ 530، ترجمة رقم (10419) .
(6/109)
وقال الكلبي: كانت أم شبيب أدماء فسميت
برصاء على القلب ولم يكن بها برص.
[درة بنت أبى سلمة]
وعرضت عليه صلّى اللَّه عليه وسلم درة بنت أبى سلمة فقال: لو لم تكن أمها
عندي لما حلت لي، قد أرضعتنى وأباها ثويبة [ (1) ] ... الحديث.
[أمامة بنت حمزة]
وعرضت عليه أمامة بنت حمزة رضى اللَّه عنه فقال: أما علمتم أن أخى حمزة من
الرضاعة، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [ (2) ] ؟
__________
[ (1) ] هي درة بنت أبى سلمة بن عبد الأسد القرشية المخزومية، ربيبة النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم بنت امرأته أم سلمة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، وهي معروفة عند أهل العلم بالسير والخبر والحديث، في بنات أم سلمة
ربائب رسول اللَّه. صلّى اللَّه عليه وسلم.
حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، وعبد الوارث بن سفيان، قالا: حدثنا قاسم
بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبى أسامة، حدثنا أبو النضر، حدثنا الليث عن يزيد
بن أبى حبيب، عن عراك ابن مالك، أن زينب بنت أبى سلمة، أخبرته أن أم حبيبة
قالت: يا رسول اللَّه، إنا تحدثنا إنك ناكح درة بنت أبى سلمة، فقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعلى أم سلمة؟ لو أنى لم أنكح أم سلمة لم
تحل لي، إن أباها أخى من الرضاعة، وفي (الإصابة) : إنها لو لم تكن ربيبتي
في حجري ما حلت لي، لأنها ابنة أخى من الرضاعة. (الإصابة) : 7/ 634، ترجمة
رقم (11147) ، (الاستيعاب) :
4/ 1835، ترجمة رقم (3333) .
[ (2) ] هي أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، وأمها سلمى بنت عميس بن
معد بن تيم، أخت أسماء بنت عميس، عاشت بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم وقد روت عنه. (المستدرك) : 4/ 74 كتاب معرفة الصحابة، ذكر أمامة بنت
حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (6924/ 2522) ، (أعلام
النساء) : 1/ 76، (فتح الباري) : 5/ 317، كتاب الشهادات، باب (7) الشهادة
على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم،
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «أرضعتنى وأبا سلمة ثوبية»
والتثبت فيه، حديث رقم (2645) ، 9/ 173، كتاب النكاح، باب (21)
وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ويحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب، حديث رقم (5100) ، (مسلم بشرح النووي) : 10/ 277، كتاب الرضاع، باب
(3) تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، حديث رقم (12) ، (سنن النسائي) : 6/ 408،
كتاب النكاح، باب (50) تحريم
(6/110)
[أم حبيب]
وعرضت عليه بنت العباس رضى اللَّه عنه، فقال: العباس أخى من الرضاع،
ويروى أنه قال إن كبرت أم حبيب وأنا حىّ تزوجتها،
وفي رواية: أنه رأى أم حبيب وهي فوق الفطيم فقال: لئن بلغت بنية العباس هذه
وأنا حىّ لأتزوجنها [ (1) ] .
قال ابن عباس: في هذا تأكيد لقول عائشة رضى اللَّه عنها أنه أحل للنّبيّ
صلّى اللَّه عليه وسلم كثيرا من النساء، وأنه لم يحبس على تسع.
[سناء بنت أسماء بنت الصلت]
وعرضت عليه أسماء- وقيل: سناء- بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حزام
بن سماك بن عوف السلمية، وحملت إليه فماتت قبل وصولها إليه [ (2) ] .
__________
[ () ] بنت الأخ من الرضاعة، حديث رقم (3305) ، (مسند أحمد) : 1/ 557، مسند
عبد اللَّه بن عباس، حديث رقم (3134) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 12.
[ (1) ] هي أم حبيبة، ويقال: أم حبيب أيضا- كذلك يقول أكثر أهل النسب- بنت
العباس بن عبد المطلب، مذكورة
في حديث أم الفضل، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لو بلغت أم
حبيبة بنت العباس وأنا حىّ لتزوجتها.
وتزوجها الأسود بن سفيان بن عبد الأسود بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن
مخزوم وأم حبيب بنت العباس أم الفضل بنت الحارث، فهي أخت عبد اللَّه،
والفضل، وعبيد اللَّه، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد بنى العباس.
قال ابن الأثير: ذكرها ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه، عن الحسين بن
عبد اللَّه بن عبيد اللَّه ابن العباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: نظر
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أم حبيب بنت العباس تدب بين يديه،
فقال: لئن بلغت هذه وأنا حىّ لتزوجتها
فقبض صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن تبلغ، فتزوجها الأسود، فولدت له لبابة،
سمتها باسم أمها، قال الحافظ في (الإصابة) : وهذا يقتضي أن يكون لها رؤية،
فتكون من أهل القسم الثاني، لكن ذكرها ابن سعد في الصحابيات، وذكر أنها
ولدت للأسود ابنة أخرى اسمها زرقاء، قال: وولدها يسكنون مكة (الاستيعاب) :
4/ 1928، ترجمة رقم (4134) ، (الإصابة) : 8/ 186- 187، ترجمة رقم (11956) ،
(طبقات ابن سعد) : 4/ 6.
[ (2) ] هي أسماء بنت الصلت السلمية: اختلف فيها وفي اسمها، فقال أحمد بن
صالح المصري:
(6/111)
وقيل له: يا رسول اللَّه، ألا تتزوج من
نساء الأنصار؟ فقال: إن فيهن غيرة شديدة وأنا صاحب ضرائر، وأكره أن أسوأ
قومهن فيهن.
__________
[ () ] أسماء بنت الصلت السلمية من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
وروى عن قتادة نحوه. وقال ابن إسحاق: سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية
وتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم طلقها.
وقال على بن عبد العزيز بن على الحسن الجرجاني النسّابة: هي وسناء بنت
الصلت بن حبيب بن جارية بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن
بهثه بن سليم السلمية تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فماتت قبل
أن تصل إليه. وقال أبو عمر: قول من قال: سناء بنت الصلت أولى بالصواب إن
شاء اللَّه تعالى.
وقال الحافظ في (الإصابة) : سناء، بفتح أوله وتخفيف النون، بنت أسماء بن
الصلت السلمية.
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أنها ممن تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم فماتت قبل أن يدخل بها. وروى ذلك عن حفص بن النضر، وعبد القادر
بن السري السلميين، وقال: هي عمة عبد اللَّه بن خازم- بمعجمتين- بن أسماء
بن الصلت أمير خراسان.
قال الحافظ: ذكر ابن أبى خيثمة، عن أبى عبيدة بن عبد القاهر: سماها سنا
كالذي هاهنا، وأن غيره سماها وسنا- بزيادة واو في أولها-.
وقال ابن إسحاق: سنا بنت أسماء، وقال غيره: وسنا، حكى ذلك أبو عمر، قال:
ولا يثبت من ذلك شيء من حيث الإسناد، إلا أن قول ابن إسحاق أرجح.
وقال ابن سعد: سنا، ويقال: سبا- بالموحدة والنون- ونسبها ابن حبيب إلى
جدها، فساق نسبها إلى بنى سليم، وذكر أن أسماء أخوها لا أبوها، وذكر أنها
ماتت قبل أن يدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بها.
وحكى الرشاطى عن بعضهم أن سبب موتها أنه لما بلغها بأن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم تزوجها سرت بذلك حتى ماتت من الفرح (الإصابة) : 7/ 713- 714،
ترجمة رقم (11338) ، (الاستيعاب) :
4/ 1783- 1784، ترجمة رقم (3328) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 149، (المواهب
اللدنية) :
2/ 97، التاسعة [ممن لم يدخل بهن] : سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية،
تزوجها صلّى اللَّه عليه وسلم وماتت قبل أن يدخل بها، وعند ابن إسحاق:
طلقها قبل أن يدخل بها، (المستدرك) : 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، ذكر سناء
بنت أسماء بن الصلت السلمية، حديث رقم (6811/ 2409) :
أخبرنا أبو النضر الفقيه، حدثنا على بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيدة قال:
وزعم حفص بن النضر السلمي وعبد القاهر بن السري السلمي، أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم تزوج سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل
بها. قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : وزعم حفص بن النضر السلمي، وعبد
القاهر بن السري أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج سنا بنت أسماء بنت
الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل بها.
(6/112)
وذكر الحاكم عن قتادة: أنه- عليه السّلام-
تزوج أم شريك الأنصارية من بنى النجار، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار،
ثم قال: إني أكره غيرتهن، فلم يدخل بها [ (1) ] .
وقال الزهري: كان صداق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي زوج به
بناته وتزوج به:
عشر أواقي ونشا، قال عبد الرزاق: وذلك خمس مائة درهم [ (2) ] .
وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا خطب المرأة قال
للذي يخطبها عليه: اذكر لها جفنة سعد بن عبادة الّذي كان يبعث بها، يعنى
أنها مرة
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ، حديث رقم (6810/ 2408) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي
في (التلخيص) .
[ (2) ] قال أبو عبد اللَّه الحاكم: فحدثني أبو بكر بن بالويه، حدثنا
إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا مصعب بن عبد اللَّه الزبيري، حدثنا عبد
العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن
أبى سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
كم أصدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أزواجه؟ قالت: كان صداقه
لأزواجه اثنتي عشر أوقية ونصفا، فذلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم لأزواجه.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وعليه العمل، وإنما أصدق النجاشي أم حبيبة
أربعمائة دينار، استعمالا لأخلاق الملوك في المبالغة في الصنائع، لاستعانة
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم به في ذلك.
(المستدرك) : 4/ 23- 24 كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم حبيبة بنت أبى سفيان
رضى اللَّه تعالى عنها، حديث رقم (6772/ 2370) ، وقال الحافظ الذهبي في
(التلخيص) : صحيح.
وقال (القسطلاني) : واختلف في أم شريك: هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة.
والمستقيلة التي جهل حالها، فالمفارقات بالاتفاق سبع، واثنتان على خلاف
الميتات في حياته بالاتفاق أربع، ومات صلّى اللَّه عليه وسلم عن عشر، واحدة
لم يدخل بها. (المواهب اللدنية) : 2/ 98، وقد نظم بعضهم زوجات النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم الّذي مات عنهن:
توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة ... إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشة وميمونة وصفية ... جويرية مع سودة ثم زينب
كذا رملة مع هند أيضا وحفصة ... ثلاث وست نظمهن مهذب
ولبعضهم أيضا:
توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة ... وهي ابنة الصديق رملة حفصة
جويرية هند وزينب سودة ... وميمونة والمصطفاة صفية
(6/113)
بلحم ومرة بسمن ومرة بلبن [ (1) ] .
وقال الواقدي: بلغنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طاف على نسائه
في غسل واحد [ (2) ] ، [ويروى] أنه طاف عليهنّ يغتسل من كل امرأة ...
__________
[ () ] (المعارف) : 139 «هامش» .
قال القسطلاني: ومات عنده صلّى اللَّه عليه وسلم منهن اثنتان: خديجة، وزينب
أم المساكين، ومات صلّى اللَّه عليه وسلم عن تسع، ذكر أسماهن الحافظ أبو
الحسن بن الفضل المقدسي نظما فقال:
توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة ... إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشة وميمونة وصفية ... وحفصة تتلوهن هند وزينب
جويرية مع رملة ثم سودة ... ثلاث وست ذكرهن مهذب
وهند: هي أم سلمة، ورملة: هي أم حبيبة، (المواهب اللدنية) 2/ 75- 76.
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 409.
[ (2) ] قال الإمام النووي: وأما طوافه على نسائه بغسل واحد، فيحتمل أنه
صلّى اللَّه عليه وسلم كان يتوضأ بينهما، أو يكون المراد بيان جواز ترك
الوضوء،
وقد جاء في (سنن أبى داود) أنه صلّى اللَّه عليه وسلم طاف على نسائه ذات
ليلة، يغتسل عند هذه وعند هذه، فقيل: يا رسول اللَّه، ألا تجعله غسلا
واحدا؟ فقال: هذا أزكى، وأطيب، وأطهر،
قال أبو داود: والحديث الأول أصح، قلت: وعلى تقدير صحته، يكون هذا في وقت
وذاك في وقت، واللَّه تعالى أعلم.
واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء، فقال أصحابنا: لأنه يخفف الحدث، فإنه
يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء. وقال أبو عبد اللَّه المازري رضى اللَّه عنه:
اختلف في تعليله، فقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين، خشية أن يموت في منامه.
وقيل: بل لعله ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه.
قال المازري ويجرى هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام، فمن علل المبيت
على طهارة استحبه لها. هذا كلام المازري.
وأما أصحابنا: فإنّهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء، لأن
الوضوء لا يؤثر في حدثهما، فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها، صارت كالجنب
واللَّه تعالى أعلم.
وأما طواف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على نسائه بغسل واحد، فهو محمول على
أنه كان برضاهن، أو برضى صاحبة النوبة، إن كانت نوبة واحدة، وهذا التأويل
يحتاج إليه من يقول: كان القسم واجبا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم في الدوام، كما يجب علينا، وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل،
فإنه له أن يفعل ما يشاء. وهذا الخلاف في وجوب القسم، هو وجهان لأصحابنا،
واللَّه تعالى أعلم.
(6/114)
غسلا [ (1) ] ، وأنه قال: أعطيت في الجماع
قوة أربعين رجلا [ (2) ] .
__________
[ () ] وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب: أن غسل الجنابة ليس على الفور،
وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بإجماع المسلمين.
وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة: هل هو حصول الجنابة بالتقاء
الختانين أو إنزال المنى؟
أم هو القيام إلى الصلاة؟ أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ - فيه
ثلاثة أوجه لأصحابنا، ومن قال: يجب بالجنابة قال: هو وجوب موسع.
وكذا اختلفوا في موجب الوضوء: هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة؟ أم
المجموع؟
وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض، هل هو خروج الدم أم انقطاعه؟ واللَّه
تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 222، كتاب الحيض، باب (6) جواز نوم
الجنب، واستحباب الوضوء له، وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو
ينام، أو يجامع، حديث رقم (309) ، (عون المعبود) : 1/ 253، كتاب الطهارة،
باب (85) في الجنب يعود، حديث رقم (215) ، عن أنس رضى اللَّه تعالى عنه.
[ (1) ] (عون المعبود) : 1/ 254، كتاب الطهارة، باب (86) الوضوء لمن أراد
أن يعود، حديث رقم (216) :
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن عبد الرحمن بن أبى رافع، أن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طاف على نسائه، يغتسل عند هذه، وعند هذه. قال:
فقلت له: يا رسول اللَّه، ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: هذا أزكى، وأطيب،
وأطهر.
قال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا.
والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة، ولا خلاف فيه. قال النسائي:
ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف، بل كان يفعل هذا مرة وذلك أخرى.
وقال النووي في (شرح مسلم) : هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتي
مختلفين، والّذي قالاه هو حسن جدا، ولا تعارض بينهما، فمرّة تركه رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيانا للجواز، وتخفيفا على الأمة، ومرة فعله
لكونه أزكى وأطهر.
و «حديث أنس» المتقدم «أصح من هذا» أي من حديث أبى رافع، لأن حديث أنس مروى
من طرق متعددة، ورواته ثقات أثبات، ورواة حديث أبى رافع ليسوا بهذه
المثابة، وقول المؤلف هذا ليس بطعن في حديث أبى رافع، لأنه لم ينف الصحة
عنه، وأورد حديث أبى رافع في هذا الباب لأن الغسل يشمل الوضوء أيضا. قال
المنذري: وأخرجه النسائي وابن ماجة. (عون المعبود) :
1/ 254.
[ (2) ] قال ابن القيم: وكان قد أعطى قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح
اللَّه له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته صلّى اللَّه عليه وسلم (زاد
المعاد) : 1/ 151، فصل في هديه في النكاح، ومعاشرته صلّى اللَّه عليه وسلم
أهله.
وقال أنس رضى اللَّه عنه: كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل،
وهنّ إحدى عشرة، قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه صلّى اللَّه
عليه وسلم أعطى قوة ثلاثين. رواه البخاري من طريق قتادة. وقال سعيد عن
قتادة: إن أنسأ حدثهم: تسع نسوة. (فتح الباري) : 1/ 497، كتاب
(6/115)
__________
[ () ] الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد. ومن دار على نسائه في غسل واحد،
حديث رقم (268) ، باب (24) الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره، حديث رقم
(284) ، 9/ 140، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068) ، 9/
394، كتاب النكاح، باب (103) من طاف على نسائه في غسل واحد، حديث رقم
(5215) .
وذكر القاضي عياض أن الحكمة في طوافه عليهنّ في الليلة الواحدة كان
لتحصينهن، وكأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج، إذ الإحصان له معان، منها:
الإسلام، والحرية، والعفة، والّذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن
في ذلك، وإن لم يكن واجبا، وفي التعليل الّذي ذكره نظر، لأنهن حرم عليهنّ
التزويج بعده، وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها، وزادت آخرهن موتا على
ذلك. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 51 وما بعدها، فصل: والضرب الثاني
ما يتفق التمدح بكثرته، والفخر بوفوره كالنكاح والجاه، (فتح الباري) : شرح
الحديث رقم (5215) مختصرا.
قال الحافظ في (الفتح) : وفي هذا الحديث من الفوائد: ما أعطى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية، وصحة
الذكورية، والحكمة في كثرة أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلم أن الأحكام التي
ليست ظاهرة يطلعن عليها، فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب،
ومن ثم فضلها بعضهم على الباقيات.
نقل الحافظ في (الفتح) كلام ابن حبان هذا في الجمع بين الروايتين بأن حمل
ذلك على حالتين، ثم تعقبه بقوله: لكنه وهم في قوله: إن الأولى كانت في أول
قدومه المدينة، حيث كان تحته صلّى اللَّه عليه وسلم تسع نسوة، والحالة
الثانية في آخر الأمر، حيث اجتمع عنده إحدى عشر امرأة.
وموضع الوهم منه أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته
امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، وحفصة، وزينب
بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم
جويرية في السادسة، ثم صفية، وأم حبيبة، وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع
من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور.
واختلف في ريحانة- وكانت من سبى بنى قريظة- فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها
أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها
ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل.
قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة.
فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت
يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد، لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية
وريحانة إليهن، وأطق عليهنّ لفظ «نسائه» تغليبا.
(6/116)
وقد اختلف في الحجاب، فذكر أبو الحسن
المدائني في كتاب (النساء اللاتي لم يكن مستترات) : حدثنا ابن مجاهد عن ابن
إسحاق قال: كنّ نساء الجاهلية لا يستترن، فقالت هند بنت عتبة لرسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: بأبي أنت وأمى، ما أكرم هذا الدين لولا خصال فيه،
قال: ما هي؟ قالت:
منهن هذا القناع، فلا نعرف ذعرا من [فزع] ، قال: لا بدّ من التستر.
وكان في الإسلام يقصد الرجل امرأته فيدخل عليها الداخل فلا تقف المرأة
ويقعد الرجل امرأته للرجل (انتهى) .
وعن مجاهد عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: أكل عمر رضى اللَّه عنه مع
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأصابت يده بعض نسائه فأمر بالحجاب.
قال الواقدي: ونزل الحجاب في ذي القعدة سنة خمس، وقوم يقولون نزل بمكة في
حجة الوداع [ (1) ] .
__________
[ () ] قال أبو حاتم رضى اللَّه تعالى عنه: في خبر هشام الدستوائى عن
قتادة: «وله يومئذ تسع نسوة» .
أما خبر هشام، فإن أنسا حكى ذلك الفعل منه صلّى اللَّه عليه وسلم في أول
قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة، وخبر سعيد عن قتادة إنما
حكاه أنس في آخر قدومه المدينة صلّى اللَّه عليه وسلم، حيث كانت تحته تسع
نسوة، لأن هذا الفعل كان منه صلّى اللَّه عليه وسلم مرارا كثيرة، لا مرة
واحدة، (الإحسان) : 4/ 10- 11، كتاب الطهارة، باب (7) أحكام الجنب، حديث
رقم (1209) ، (المواهب اللدنية) : 2/ 479، باب قوته صلّى اللَّه عليه وسلم
في النكاح، ثم قال القسطلاني: ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لما خيّر
بين أن يكون نبيا ملكا أبى ذلك، واختار أن يكون نبيا عبدا، فأعطى من
الخصوصية ذلك القدر لكونه صلّى اللَّه عليه وسلم اختار الفقر والعبوديّة،
فأعطى الزائد لخرق العادة في النوع الّذي اختار، وهو الفقر والعبوديّة،
فكان صلّى اللَّه عليه وسلم يربط على بطنه الأحجار من شدة الجوع والمجاهدة،
وهو على حاله في الجماع، لم ينقصه شيئا، والناس أبداً إذا أخذهم الجوع
والمجاهدة لا يستطيعون ذلك، فهو أبلغ في المعجزة. قاله في (بهجة النفوس) .
واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 485.
[ (1) ] قوله تعالى: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ
وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ عطف على جملة
لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ فهي زيادة بيان للنهى عن دخول البيوت
النبويّة، وتحديد لمقدار الضرورة التي أدّت إلى دخولها أو الوقوف بأبوابها،
وهذه الآية شارعة حكم حجاب أمهات المؤمنين، وقد قيل: إنها نزلت في ذي
القعدة سنة خمس. (تفسير التحرير والتنوير) : 4/ 90.
(6/117)
وللإمام أحمد من حديث سفيان عن عمر عن عطاء
عن عائشة قالت:
ما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أحل له النساء [ (1) ] ، وفي
رواية عن عطاء عن عائشة رضى اللَّه عنها، ما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم حتى أحل اللَّه له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات زوج، لقوله
تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عاصم عن معاذة عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم كان يستأذن إذا كان يوم المرأة منا، بعد أن نزلت هذه الآية
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ قالت: فقلت لها: ما كنت
تقولين له؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذلك إليّ فإنّي لا أريد يا رسول
اللَّه أن أؤثر عليك أحدا [ (3) ] .
وعن أبى أمامة بن سهل بن حنيف في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ
مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، قال: حبس رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن نسائه فلم يتزوج بعدهن [ (4) ] .
وعن أبى زرين قال: همّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يطلّق نساءه،
فلما رأين ذلك
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 63، حديث رقم (23617) .
[ (2) ] الأحزاب: 51.
[ (3) ] (مسند أحمد) 7/ 112- 113، حديث رقم (23955) .
[ (4) ] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن في قوله تعالى: لا يَحِلُّ
لَكَ النِّساءُ من بعد هؤلاء اللاتي عندك. قال الحسن: لما خيّرهن، فاخترن
اللَّه ورسوله، قصر عليهنّ، فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ،
يقول: من بعد هؤلاء اللاتي عندك. (تفسير عبد الرزاق) : 2/ 99، مسألة رقم
(2365) ، وقال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، قال: لا يَحِلُّ
لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ يقول: ما قصّ اللَّه عليك من بنات العم، وبنات
الخال، وبنات وبنات ... ، (المرجع السابق) : مسألة رقم (2367) . وأخرج
الترمذي وحسنه عن ابن عباس، قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن
أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، قال: لا يَحِلُّ لَكَ
النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ
أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب: 52] .
(6/118)
جعلته في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء، فأنزل
اللَّه وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ، يقول: تعزل من تشاء فكان ممن عزل:
سودة، وأم حبيبة، وصفية، وجويرية، وميمونة، وجعل يأتى عائشة وحفصة، وزينب،
وأم سلمة.
وقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ، يقول: من تشاء في غير طلاق، ثم قال
تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ
مِنْ أَزْواجٍ، يقول:
من المسلمات [ (1) ] .
وكان يستتر في الجماع، فجاء من طرق عن عائشة، ما نظرت إلى فرج رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم قط، وفي رواية: ما رأيت عورة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم قط، وعنها أنها قالت: ما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم أحدا من نسائه إلا مقنعا يرخى الثوب على رأسه، وما رأيته من رسول
اللَّه ولا رآه منّى» [ (2) ] .
وخرج الخطيب أبو بكر الحافظ، من طريق منصور بن عمار قال: حدثني معروف أبو
الخطاب قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أم سلمة تقول: كان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه
[زاد الخلال] ، وقال للتي تكون تحته: عليك بالسكينة والوقار [ (3) ] .
وأدّب أزواجه بالهجر،
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا
__________
[ (1) ] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن أبى رزين، في قوله تعالى:
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ، قال: المرجئات: ميمونة، وسودة، وصفية،
وجويرية، وأم حبيبة، وكانت عائشة وحفصة، وأم سلمة، وزينب، سواء في قسم
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يساوى بينهن
في القسم. (تفسير عبد الرزاق) : 2/ 99، مسألة رقم (2361) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 7/ 93، حديث رقم (23823) : حدثنا عبد اللَّه حدثني
أبى، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن منصور، عن موسى بن عبد اللَّه بن يزيد
الخطميّ، عن مولى لعائشة، عن عائشة قالت: ما أنظرت إلى فرج النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم قط- أو ما رأيت فرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قط-، 7/
292، حديث رقم (25040) .
[ (3) ] (تاريخ بغداد) : 5/ 162، ترجمة أحمد بن محمويه بن أبى سلمة
المدائني رقم (2607) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
(6/119)
جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: حدّثتنى
شميسة- أو سمية-[قال عبد الرزاق: هو في كتابي سمينة] [ (1) ] عن صفية بنت
حىّ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض
الطريق، نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كذاك
سوقك بالقوارير- يعنى النساء-.
فبينما هم يسيرون، برك بصفية بنت حيي جملها- وكانت من أحسنهن ظهرا- فبكت،
وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها
بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، فلما أكثرت زبرها وانتهرها، وأمر الناس
بالنزول، ولم يكن يريد أن ينزل، قالت: فنزلوا، وكان يومى، فلما نزلوا ضرب
خباء رسول اللَّه ودخل فيه، قالت: فلم أدر علام أهجم من رسول اللَّه، وخشيت
أن يكون في نفسه شيء [منى] [ (1) ] .
فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمين أنى لم أكن لأبيع يومى من رسول اللَّه
بشيء أبدا، وإني قد وهبت يومى لك على أن ترضى رسول اللَّه [عنى؟] [ (1) ]
قالت: نعم،
فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكى ريحه، ثم لبست
ثيابها، ثم انطلقت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرفعت طرف الخباء
فقال لها: ما لك يا عائشة! إن هذا ليس بيومك، قالت: ذلك فضل اللَّه يؤتيه
من يشاء.
فقال [ (2) ] مع أهله، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: [يا زينب] [
(1) ] أفقرى صفية جملا- وكانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك؟
فغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها فلم يكلمها حتى
قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر، فلم يأتها
ولم يقسم لها ويئست منه.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) .
[ (2) ] من القيلولة وهي نوم الظهيرة.
(6/120)
فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت
ظله فقالت: إن هذا لظل رجل، وما يدخل عليّ النبي! فمن هذا؟ فدخل النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم فلما رأته قالت:
يا رسول اللَّه! ما أدرى ما أصنع حين دخلت عليّ.
قالت: وكانت لها جارية، وكانت تخبؤها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
فقالت: فلانة لك، فمشى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى سرير زينب- وكان قد
رفع- فوضعه بيده ثم أصاب أهله ورضى عنهم [ (1) ] .
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الى من نسائه
شهرا [ (2) ] واعتزلهن لشيء صدر منهن، فقيل: لأنهن سألنه من النفقة ما
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) 7/ 474- 475، حديث رقم (26325) ، وحديث رقم (26326) :
حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عفان، حدثنا حماد- يعنى ابن سلمة- قال:
حدثنا ثابت عن سمية، عن عائشة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان
في سفر فاعتل بعير لصفية.. فذكره نحوه.
[ (2) ] الإيلاء في اللغة: الحلف. وفي الشرع: الحلف على ترك وطء الزوجة.
وإن ترك الوطء بغير يمين لم يكن مؤليا، فإذا كان تركه لعذر من مرض، أو
غيبة، ونحوه، لم تضرب له مدة، وإن تركه مضرا بزوجته، ففي رواية له أربعة
أشهر، فإن وطئها، وإلا دعي بعدها إلى الوطء، فإن امتنع منه أمر بالطلاق،
كما يفعل في الإيلاء سواء، وفي رواية أخرى: لا تضرب له مدة.
والألفاظ التي يكون بها مؤليا، ثلاثة أقسام.
الأول: ما هو صريح في الحكم والباطن- أي في القضاء والديانة- جميعا، وهو
ثلاثة ألفاظ، قوله: واللَّه لا آتيك، ولا أدخل، ولا أغيّب، أو أولج ذكرى في
فرجك، ولا أفتضك- إذا كانت الزوجة بكرا- فهذه صريحة ولا يديّن فيها.
الثاني: صريح في الحكم، ويديّن فيما بينه وبين اللَّه تعالى، وهي عشرة
ألفاظ: لا وطئتك، ولا جامعتك، ولا أصبتك، ولا باشرتك، ولا مسستك، ولا
قربتك، ولا أتيتك، ولا باضعتك، ولا باعلتك، ولا اغتسلت منك. فهذه صريحة في
الحكم، وأشهرها الجماع والوطء، فلو قال: أردت بالوطء الوطء بالقدم،
وبالجماع اجتماع الأجسام، وبالإصابة الإصابة باليد، دين فيما بينه وبين
اللَّه تعالى ولم يقبل الحكم.
الثالث: ما لا يكون إيلاء إلا بالنية، وهو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل
الجماع وغيره، كقوله:
واللَّه لا قربت فراشك، لا نمت عندك، فهذه الألفاظ إن أراد بها الجماع
واعترف بذلك، كان مؤليا، وإلا فلا.
وهذا النوع الثالث منه ما يفتقر إلى نية الجماع والمدة، حتى تعتبر إيلاء،
وذلك مثل:
(6/121)
__________
[ () ] لأسوءنك، لأغيظنك، لتطولن غيبتي عنك، فلا يكون مؤليا، حتى ينوى بها
ترك الجماع مدة تزيد على أربعة أشهر، ومنه ما يكون مؤليا بنية فقط، وهو
سائر ألفاظ الكناية.
وإن قال: واللَّه ليطولن تركي لجماعك، أو لوطئك، أو لإصابتك، فهذا صريح في
ترك الجماع، وتعتبر نية المدة دون نية الوطء.
وإن قال لإحدى زوجتيه: واللَّه لا وطئتك، ثم قال للأخرى: أشركتك معها، لم
يصر مؤليا من الثانية على قول، وعلى آخر يكون مؤليا. وكذلك لو الى رجل من
زوجته، فقال آخر لامرأته: أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا، وإن قال: إن وطئتك
فأنت طالق، ثم قال لزوجته الأخرى: أشركتك معها، ونوى، فقد صار طلاق الثانية
معلقا على وطئها- أي وطء الثانية- أيضا.
ويصح الإيلاء بكل لغة من العجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها،
فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدرى معناها لم يكن مؤليا، وإن نوى
موجبها عند أهلها، وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها، فإن اختلف
الزوجان في معرفته بذلك، فالقول قول الزوج، إذا كان متكلما بغير لسانه.
فأما إن آلى العربيّ بالعربية، ثم قال: جرى على لساني من غير قصد، أو قال
ذلك العجمي في إيلائه بالعجمية لم يقبل في الحكم.
ويصح الإيلاء بأن يحلف باللَّه تعالى، أو بصفة عن صفاته. ولا خلاف بين أهل
العلم في أن الحلف بذلك إيلاء، فأما إن حلف على ترك الوطء بغير ذلك مثل: أن
يحلف بطلاق، أو عتاق، أو صدقة المال، أو الحج، أو الظهار، فلا يكون مؤليا،
في الرواية المشورة، وفي الأخرى: هو مؤل، وعلى الرواية الأخيرة لا يكون
مؤليا، إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق، كقوله: إن وطئتك فعبدي حر، أو
فلله عليّ صوم سنة، أو فأنت طالق، أو فأنت عليّ حرام، ونحوه، فهذا يكون
إيلاء.
ويكون مؤليا بنذر فعل المباحات والمعاصي أيضا، فإن نذر المعصية موجب
للكفارة في ظاهر المذهب، وإذا استثنى في يمينه- قال: إن شاء اللَّه- لم يكن
مؤليا بلا خلاف إذا كانت اليمين باللَّه تعالى، أو كانت يمينا مكفرة-
منعقدة- فأما تعليق الطلاق والعتاق، فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر،
فوجوده كعدمه، ويكون مؤليا بهما، سواء استثنى أم لم يستئن.
ولا يشترط في الإيلاء الغضب. ولا قصد الإضرار، ويصح الإيلاء من كل زوج مكلف
قادر على الوطء. أما العاجز عن الوطء، فإن كان لعارض مرجوّ زواله، كالمرض،
والحبس، صح إيلاؤه. وإن كان غير موجوّ الزوال كالجبّ- قطع الذكر- والشلل لم
يصح إيلاؤه، وهو الأولى.
وأما الخصىّ الّذي سلت بيضتاه، أو رضتا، فيمكن منه الوطء، وينزل ماء رقيقا،
فيصح إيلاؤه، وكذلك المجبوب الّذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به، ويصح
إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضى إلينا.
ويصح الإيلاء من كل زوجة، مسلمة كانت أو ذمية، حرة كانت أو أمة، ويصح
الإيلاء من المجنونة، والصغيرة، إلّا أنه لا يطالب بالفيئة في الصغر
والجنون، فأما الرتقاء، والقرناء، فلا يصح
(6/122)
__________
[ () ] الإيلاء منهما، ويحتمل أن يصح وتضرب له المدة، ويفيء فيء المعذور.
وإن الى من زوجته المطلقة رجعيا صح إيلاؤه، وروى أنه لا يصح، وإذا آلى منها
احتسب بالمدة من حين آلى، وإن كانت في العدة. وقيل: لا يحتسب عليه المدة
إلا حين يراجعها.
وأما توجيه الإيلاء لأكثر من زوجة، فإن قال لأربع نسوة. واللَّه لا أقربكن
فهو مؤل منهن كلهن في الحال. فإن وطئ واحدة منهن حنث، وانحلت يمينه، وزال
الإيلاء من البواقي. وإن طلق بعضهن أو ماتت لم ينحل الإيلاء في الباقيات.
وقيل لا يكون مؤليا منهن في الحال، فإن وطئ ثلاثا صار مؤليا من الرابعة
فقط، وإن مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الإيلاء، فإن راجع المطلقة
أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه، وقيل:
إن وطئ واحدة حنث، ولم ينحل الإيلاء في الباقيات.
ومدة الإيلاء أربعة أشهر في حق الأحرار، والعبيد المسلمين، وأهل الذمة
سواء، ولا فرق بين الحرة والأمة، والمسلمة والذمية، والصغيرة والكبيرة،
وروى أن مدة إيلاء العبيد شهران. (المغنى) : 11/ 107- 116 مختصرا من
المعجم.
قال تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:
226] . ذكر الفقهاء وغيرهم في مناسبة تأجيل المؤلي بأربعة أشهر، الأثر
الّذي رواه الإمام مالك بن أنس رحمه اللَّه في الموطأ، عن عبد اللَّه بن
دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه ... وأرّقنى أن لا ضجيع ألاعبه
فو اللَّه لولا اللَّه أنى أراقبه ... لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عمر ابنته حفصة رضى اللَّه عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟
فقالت: ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من
ذلك.
وقال محمد بن إسحاق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس، وكان قد أدرك أصحاب
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة
يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيرا، إذ مرّ بامرأة من نساء العرب مغلقة
بابها تقول:
تطاول هذا الليل وازورّ جانبه ... وأرقنى أن لا ضجيع ألاعبه
ألاعبه طورا وطورا كأنما ... بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه
يسرّ به من كان يلهو بقربة ... لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه
فو اللَّه لولا اللَّه لا شيء غيره ... لنقضّ من هذا السرير جوانبه
ولكنني أخشى رقيبا موكلا ... بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه
(6/123)
ليس عنده، وقيل: بسبب مارية أم إبراهيم
عليه السّلام [ (1) ] ، وقيل: لرد زينب نصيبها من الهدية.
وكان ينفق على نسائه كل سنة [ثمانين] وسقا من شعير، وثمانين وسقا من تمر،
وقيل: لم يصح أن هذا العدد لكل واحدة منهن في العام [ (2) ] ، فاللَّه
__________
[ () ]
مخافة ربى والحياء يصدني ... وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
وقد روى هذا من طرق، وهو من المشهورات (تفسير ابن كثير) : 1/ 276.
[ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 415، تفسير سورة التحريم، (فتح الباري) : 9/
531، كتاب الطلاق، باب (21) قول اللَّه تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلى قوله: سَمِيعٌ عَلِيمٌ، حديث
رقم (5289) ، (مسلم بشرح النووي) : 10/ 337، باب (5) في الإيلاء واعتزال
النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه) ، حديث رقم (30) إلى رقم
(35) .
[ (2) ] قال تقى الدين المقريزي: اللَّهمّ صلّ عليه من نبي كان يأكل
الطيبات من الطعام، وينكح المبرءات من العيوب والآثام، ويستخدم الموالي من
الأرقاء والأحرار، ويصرفهم في مهنته مهماته الجليلات الأقدار، ويركب البغلة
الراتعة ويلبس الحبرة والقباء، ويمشى منتعلا وحافيا من مسجده إلى نحو قباء،
ويدخر لأهله مما أتاه اللَّه عليه أقوات سنة كاملة، ويجعلها تحت أيديهم
محرزة حاصلة، ويؤثر بقوته وثوبه أهل الحاجة والمساكين، ثقة منه بخير
الرازقين (إمتاع الأسماع) : 1/ 3 مقدمة المؤلف، لكن قال القسطلاني تحت
[إشكال وجواب] :
وقد استشكل كونه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا،
مع ما يثبت أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يرفع لأهله قوت سنة، وأنه صلّى
اللَّه عليه وسلم قسم بين أربعة أنفس من أصحابه ألف بعير مما أفاء اللَّه
عليه، وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه أمر
لأعرابى بقطيع من الغنم، وغير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبى
بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة وغيرهم، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وقد
أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله، وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش
العسرة، فجهزهم عثمان بألف بعير، إلى غير ذلك.
وأجاب عنه الطبري- كما حكاه في (فتح الباري) - أن ذلك كان منهم في حالة دون
حالة، لا لعوز وضيق، بل تارة للإيثار، وتارة لكراهة الشبع وكثرة الأكل.
وتعقب بأن ما نفاه مطلقا فيه نظر، لما تقدم من الأحاديث.
وأخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد
كذبكم، فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك، إلى غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة،
حيث كانوا بمكة، ثم
(6/124)
أعلم. فقد كان لكل واحدة منهن الإماء
والعبيد [الموالي] ، في حياته صلّى اللَّه عليه وسلم.
__________
[ () ] لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل
والمنائح، فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم.
وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد، ولقد
أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من يوم وليلة وما لي
ولبلال طعام يأكله أحد إلا شيء يواريه إبط بلال. رواه الترمذي وصححه.
نعم، كان صلّى اللَّه عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في
الدنيا له كما أخرج الترمذي من حديث أبى أمامة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم قال: عرض عليّ ربى ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، ولكن
أشبع يوما وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك
وحمدتك، وحكمة هذا التفصيل الاستلذاد بالخطاب، وإلا فاللَّه تعالى عالم
بالأشياء جمله وتفصيلا، (المواهب اللدنية) : 2/ 388- 389.
(6/125)
|