إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم
اعلم أن الصهر: القرابة، والصهر: حرمة الختونة، وصهر القوم: ختنهم، والجمع:
أصهار، وصهر، أو قيل: أهل بيت المرأة أصهار، وأهل بيت الرجل أختان. وقال
ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل وزوج أخته، والختن:
أبو امرأة الرجل وأخو امرأته. وقيل: ختن الرجل: المتزوج بابنته أو بأخته،
والجمع أختان، والأنثى ختنة، وخاتنه: تزوج إليه، والاسم: الختونة.
ومن العرب من يجعلهم كلهم أصهارا، وقد صاهرهم، وصاهر فيهم، وأصهر بهم
وإليهم: صار فيهم صهرا.
وقال الضحاك في قول اللَّه عزّ وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ
بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً [ (1) ] وَصِهْراً [ (2) ] : النسب سبع: قوله:
__________
[ (1) ] النسب: نسب القرابات، وهو واحد الأنساب. ابن سيده: النسبة،
والنسبة، والنسب: القرابة، وقيل: هو في الآباء خاصة، وقيل: النسبة،
والنسبة: مصدر الانتساب، والنسبة: الاسم.
التهذيب: النسب يكون بالآباء، ويكون إلى البلاد، ويكون إلى الصناعة.
أبو زيد: يقال للرجل إذا سئل عن نسبه: انتسب لنا، أي انتسب لنا حتى نعرفك.
وناسبه: شركه في نسبه، والنسيب المناسب، والجمع نسباء وأنسباء، وفلان يناسب
فلانا فهو نسيبه أي قريبه، ورجل نسيب منسوب: ذو حسب ونسب، ويقال: فلان
نسيبى، وهم أنسبائى، والنساب: العالم بالنسب، وفي حديث أبى بكر رضى اللَّه
تعالى عنه: وكان رجلا نسابة، النسابة البليغ العالم بالأنساب، وإنما أدخلوا
الهاء للمبالغة والمدح، ولم تلحق لتأنيث الموصوف بما هو فيه، وإنما لحقت
لإعلام السامع أن هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية، مثل
علامة. مختصرا من (اللسان) : 1/ 755- 756.
[ (2) ] الصهر: القرابة، والصهر: حرمة الختونة، وختن الرجل صهره، والمتزوج
فيهم أصهار الختن، والأصهار:
أهل بيت المرأة، ولا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان، وأهل بيت المرأة:
أصهار.
ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعا، تقول: صاهرت القوم إذا
تزوجت
(6/189)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ
وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ
وَبَناتُ الْأُخْتِ.
والصهر خمس: قوله: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [ (1) ] .
وجعل ابن عطية هذا القول وهما، وقال الفراء والزجاج: النسب الّذي لا يحل
نكاحه، والصهر: الّذي يحل نكاحه، وهو قول على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،
وقال الأصمعي:
الصهر: قرابة النكاح، فقرابة الزوجة [هم] الأختان، وقرابة الزوج هم
__________
[ () ] فيهم، وأصهرت بهم إذا اتصلت بهم، وتحرّمت بجوار أو نسب أو تزوّج.
ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل، وزوج أخته. والختن أبو امرأة الرجل،
وأخو امرأته، ومن العرب من يجعلهم أصهارا كلهم وصهرا، والفعل: المصاهرة،
وقد صاهرهم وصاهر فيهم، وأصهر بهم وإليهم: صار فيهم صهرا.
قال ابن سيده: وربما كنوا بالصهر عن القبر، لأنهم كانوا يئدون البنات
فيدفنونهم، فيقولون:
زوجناهن من القبر، ثم استعمل هذا اللفظ في الإسلام فقيل: نعم الصهر القبر،
وقيل: إنما هذا على المثل، أي الّذي يقوم مقام الصهر، قال: وهو الصحيح.
وقال الفراء في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ
وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ
وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ.
قال ابن عباس: حرّم اللَّه من النسب سبعا ومن الصهر سبعا: حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ من النسب، ومن الصهر
وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ
وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ
نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ووَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ
الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.
قال أبو منصور: حرّم اللَّه تعالى سبعا نسبا وسبعا سببا، فجعل السبب
القرابة الحادثة بسبب المصاهرة والرضاع، وهذا هو الصحيح لا ارتياب فيه.
(اللسان) : 4/ 471- 472، مختصرا.
[ (1) ] النساء: 23.
(6/190)
الأحماء، والأصهار يقع عاما [ (1) ] .
وقال محمد بن الحسن: أختان الرجل: أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته، وكل
ذات محرم منه، وأصهاره: كل ذي رحم محرم من زوجته، واختار النحاس قول
الأصمعي في أن الأصهار من كان من قبل الرجل والزوجة جميعا، وقول محمد بن
الحسن في الأختان.
وحكى الزهراوى أن النسب من جهة البنين، والصهر من جهة البنات، والمعوّل على
ما قد اختاره النحاس [ (2) ] .
وخرج الحاكم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة، حدثني أبى، حدثنا أبو
مارية عن أبان بن تغلب عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش عن عبد اللَّه في
قوله تعالى بَنِينَ وَحَفَدَةً، قال: الحفدة: الأختان. قال الحاكم: صحيح
على شرط الشيخين [ (3) ] .
وخرج الحافظ ابن عساكر من حديث يونس بن أبى إسحاق، عن أبى إسحاق عن الحارث
عن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا
يدخل النار من تزوج إليّ أو تزوجت إليه،
ومن حديث إسماعيل بن عياش، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن
جبل قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شرط من ربى ألا أصاهر إلى
أحد ولا يصاهر إليّ أحد إلا كانوا رفقائي في الجنة، فاحفظوني في أصهارى
[وأصحابى] ، فمن حفظنى فيهم كان عليه من اللَّه حافظ، ومن لم يحفظني فيهم
تخلى اللَّه منه، ومن تخلى اللَّه منه هلك.
__________
[ (1) ] راجع التعليقين (1) ، (2) من الصفحة السابقة.
[ (2) ] النحل: 72.
[ (3) ] (المستدرك) : 2/ 387، تفسير سورة النحل، حديث رقم 3356/ 493، وقال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
(6/191)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل
خديجة]
فأصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة: أعمامها وعماتها،
وإخوانها وأخواتها. أما أعمامها فخمسة عشر، هم: الحارث بن أسد بن عبد العزى
بن قصي، كان أكبر إخوته، وأمه وأم إخوته المطلب وعبد اللَّه وعثمان وأختهم
لأمهم: أم حبيب بنت أسد، أم آمنة بنت وهب، وأم أخواته لأبيه أسد: النافضة،
وأم سفيان وأم المطاع وعاتكة وبهصة- وهي برة- ابنة عوف بن عبيد بن عويج بن
عدي بن كعب، والحارث بن أسد. يقول مطرود بن كعب الخزاعي:
شددت القوى وأقمت الديار ... غصنا شبابك لم يلبس
لعمري لقد أعلم [] [ (1) ] ... بالحارث الهالك [] [ (1) ]
نصاف السجية طلق اليدين ... وزين العشيرة في المجلس
وذي الفضل وفي الدانيات ... وذي النسب الواضح الأملس
ونوفل بن أسد، أمه وأم إخوته حبيب وصيفي رقية، قبة الديباج [وهي] [ (2) ]
خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي- وقتل نوفل وحبيب يوم الفجار- وصيفي لم
يعقب، وطالب بن أسد، أمه وأم أخويه طليب وخالد: الصعبة بنت خالد بن صعل بن
مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد ابن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، وقتل: طالب
وطليب يوم الفجار.
والحويرث بن أسد، أمه ريطة بنت الحويرث الثقفية، وعمرو بن أسد، أمه وأم
أخويه هاشم ومهشم: بهية بنت سعيد بن سهم، وعمرو، وهو الّذي زوّج رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة بنت خويلد [ولم يكن لأسد يومئذ
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (جمهرة النسب) : 69.
(6/192)
لصلبه ولد غيره] [ (1) ] .
وأما عماتها فثمان، هن: أم حبيب بن أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عثمان بن
عبد الدار، فولدت له [عبد اللَّه- وهو أبو طلحة، وهو كان على بنى عبد الدار
يوم الفجار- وبرّة بنت عبد العزى، وهي أمّ أمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم] [ (2) ] .
وأم المطاع ابنة أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عبد شمس، فولدت له ربيعة
والربيع، فولد الربيع بن عبد العزى أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
والنافضة ابنة أسد، كانت تحت عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، فولدت له
المبارك- واسمه عبد اللَّه- والصالح- واسمه عبيد اللَّه- والباذل،
والفارعة.
ورقيقة بنت أسد، كانت تحت الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم، فولدت له
كريمة، ورقية، وأرنب، ونعم.
وبرة بنت أسد، كانت تحت عائذ بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، فولدت له.
وأم سفيان بنت أسد كانت تحت عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة، فولدت
له خالد بن عبد مناف.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (جمهرة النسب) : 74.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) : «شرحبيل وإباء وأرطاة وعثمان وبرة» ،
وما أثبتناه من (جمهرة أنساب العرب) : 127.
(6/193)
[إخوة خديجة]
وأما إخوة خديجة، فإنّهم: [] [ (1) ] بن خويلد بن أسد، أمه وأمّ إخوانه
منية بنت الحارث بن جابر بن وهب بن نشيب بن بدر بن مالك بن عوف بن حارث بن
مازن بن منصور، وأمها هند بنت وهيب بن نشيب بن زيد بن مالك بن عوف بن
الحارث بن مازن بن منصور، وهند هذه عمة عتبة بن غزوان بن وهيب، وأخوها
لأمها عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأم هند بنت وهيب عائشة بنت العوام بن نضلة
بن خلادة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد.
والعوام بن خويلد بن أسد- وقتل يوم الفجار الآخر- وكان الحارث بن حرب بن
أمية بن عبد شمس نديمه، وهو أبو الزبير بن العوام [ (2) ] .
ونوفل بن خويلد، أمه ريطة بنت عبد العزى بن عامر بن ربيعة بن حزن ابن عامر
بن مازن بن عدي بن عمرو، من خزاعة، وكان من المطعمين يوم بدر،
ويقال له: ابن العدوية من عدىّ بن خزاعة، وهو الّذي عناه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم بقوله يوم بدر: اللَّهمّ اكفنا ابن العدوية: فقتل كافرا
يومئذ،
قتله الزبير ابن العوام، وهو ابن أخيه، وقد صاح به نوفل، اقتلني قبل أن
يقتلني أهل يثرب، وقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه- وهو على المنبر-:
قاتل اللَّه ابن العدوية، ما كان أشد صوته يوم بدر، كأنى أسمع صوته وهو
يقول:
يا معشر قريش! اليوم يوم العلى والذكر [ (3) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولد خويلد بن أسد بن عبد العزى في
(جمهرة النسب) ، هم:
العوام، وحزام، ونوفل، وخديجة، (جمهرة النسب) : 69- 70، وولد خويلد بن أسد
بن عبد العزى في (جمهرة أنساب العرب) ، هم: خديجة، وهالة، ورقيقة، والعوام،
وحزام، ونوفل. (جمهرة أنساب العرب) : 120.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (3) ] ذكره ابن هشام في (السيرة) ، قال: قال ابن إسحاق: ونوفل بن خويلد
بن أسد، وهو ابن العدوية، عدي بن خزاعة، وهو الّذي قرن أبو بكر الصديق،
وطلحة بن عبيد اللَّه حين أسلما في حبل، فكانا يسميان القرينين لذلك، وكان
من شياطين قريش، قتله عليّ بن أبى طالب. (سيرة ابن هشام) :
3/ 265- 266.
(6/194)
وعمرو بن خويلد، ولا بقية له.
وحزام بن خويلد، قتل يوم الفجار الآخر وهو والد حكيم حزام وأخويه.
ورقيقة بنت خويلد، كانت تحت بجاد بن عمير بن الحارث ابن حارثة ابن سعد بن
تيم بن مرة [ (1) ] ، فولدت له أميمة بنت رقيقة [ (2) ] ، وهي من
__________
[ (1) ] التيميّ، من رهط الصديق، ولولده محمد بن بجاد ذكر، ومن ذريته يوسف
بن يعقوب بن موسى بن عبد الرحمن بن الحصين بن محمد بجاد، كان يسكن عسفان،
وله أشعار. ذكره الزبير، وكان في عصره. (الإصابة) : 1/ 267، ترجمة رقم (586
ز.) .
[ (2) ] أميمة بنت رقيقة- بقافين مصغّرة- هي بنت بجاد، أمها رقيقة بنت
خويلد بن أسد، أخت خديجة رضى اللَّه تعالى عنها روت عن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم، روى عنها محمد بن المنكدر، وبنتها حكيمة- بالتصغير- بنت رقيقة.
قال أبو عمر: كانت من المبايعات. وقال: هي خالة فاطمة الزهراء. أورده ابن
الأثير بأنها بنت خالتها، فإن خويلدا والد خديجة، هو والد رقيقة لا أميمة.
قال الحافظ ابن حجر: هذا يصح على قول من قال: إنها رقيقة بنت خويلد بن أسد
بن عبد العزى. وقال مصعب الزبيري: إنها رقيقة بنت أسد بن عبد العزى، ومن ثم
قال المستغفري: هي عمة خديجة بنت خويلد، رضى اللَّه تعالى عنها.
وحديثها في الترمذي وغيره، من طريق ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر، أنه سمع
أميمة بنت رقيقة تقول: بايعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نسوة. فقال
لنا: فيما استطعتن وأطقتن، قلنا: اللَّه ورسوله أرحم منا بأنفسنا.
وأخرجه مالك مطولا، عن ابن المنكدر، وصححه ابن حبان من طريقه، ولفظه: أتيت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نسوة نبايعنه، فقلنا: نبايعك يا رسول
اللَّه على ألا نشرك باللَّه شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا،
ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصينك في معروف، فقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن، فقلنا: اللَّه ورسوله
أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول اللَّه، فقال: إني لا أصافح
النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة. وأخرجه الدار قطنى من
وجه آخر عن ابن المنكدر.
وقال ابن سعد: اغتربت أميمة بزوجها حبيب بن كعب بن عتير الثقفي، فولدت له.
قال أبو أحمد العسال: لا أعلم روى عنها إلا ابن المنكدر.
قال مصعب الزبيري: هي عمة محمد بن المنكدر، كأنه عنى أنها من رهطه. قال:
ونقلها معاوية إلى الشام، وبنى لها دارا، وكذا قال الزبير بن بكار، وزاد:
كان لها بدمشق دار وموالي، ثم أسند من طريق ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير
أن ابنة رقيقة دخلت على معاوية في مرضه الّذي مات فيه. لها ترجمة في:
(الإصابة) : 7/ 508، 510- 11، ترجمة رقم (10840) ، (10849) ، (طبقات ابن
سعد) : 8/ 186، 241، (الثقات) : 3/ 25، (أعلام النساء) : 1/ 92،
(الاستيعاب) : 4/ 1791، ترجمة رقم (3241) ، (تهذيب التهذيب) : 12/ 429-
430، ترجمة رقم (2730) ، (المستدرك) : 4/ 80- 81، (أسماء الصحابة الرواة) :
80، ترجمة رقم (223) .
(6/195)
المبايعات، حدّث عنها محمد بن المنكدر.
وهالة بنت خويلد [ (1) ] ، وهي أم أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى، زوج
زينب عليها السلام، وأمها وأم أختها هند ابنة خويلد: فاطمة ابنة زائدة أم
خديجة عليها السلام.
__________
[ (1) ] هي هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية، أخت
خديجة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ووالدة أبى العاص بن الربيع.
قال ابن مندة: روت عنها عائشة حرفا في حديث- كذا اختصر- وكأنه أشار إلى ما
أخرجه البخاري في الصحيح، من طريق عليّ بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة قالت:
استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة رضى اللَّه تعالى عنها، على رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك وقال: اللَّهمّ
هالة، فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ...
الحديث، وأخرجه أبو نعيم من هذا الوجه، وأصل الحديث في الصحيحين من غير ذكر
هالة.
(الإصابة) : 8/ 146، ترجمة رقم (11828) ، وعنه، (أعلام النساء) : 5/ 202.
(6/196)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل
سودة]
وأصهاره من قبل سودة خمسة:
وقدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، عم سودة، وأمه بنت وبر بن الأضبط بن
كلاب، وله من الولد: عبد، وعمرو السعدي، وهو أبو عبد اللَّه ابن السعدي
الصحابي [ (1) ] .
__________
[ (1) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: وولد وقدان بن
عبد شمس بن عبد ودّ:
عمرو، وهو السعدىّ، له صحبة، فولد عمرو هذا: عبد اللَّه، له صحبه، وروينا
من طريقه حديثا فيه أربعة من الصحابة- رضى اللَّه تعالى عنهم- في نسق واحد،
ولم يقع مثل هذا الاتفاق في خبر غيره، وهو كما حدّثناه أحمد بن محمد بن عبد
اللَّه الطّلمنكيّ. قال: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن
محمد، قال: حدثنا القاضي محمد ابن أيوب الرّقّىّ الصّموت: أخبرنا أحمد بن
عمرو بن عبد الخالق البزّار: أخبرنا إبراهيم بن سعد الجوهرىّ: أخبرنا سفيان
بن عيينة، عن الزّهرى، عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزّى، عن ابن
السّعديّ- عبد اللَّه بن وقدان- عن عمر ابن الخطاب.
قال:
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «ما أتاك من هذا المال من غير
مسألة، ولا إشراف نفس فاقبله» ،
والسائب صاحب، وحويطب صاحب، وابن السعدي صاحب، وعمر صاحب، رضى اللَّه تعالى
عنهم. (جمهرة أنساب العرب) : 167.
وقال الحافظ في (الإصابة) : عبد اللَّه بن السعدي، واسم السعدي وقدان،
وقيل: قدامة، وقيل:
عمرو بن وقدان، وقيل له: السعدي، لأنه كان استرضع في بنى سعد بن بكر، وذلك
هو ابن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشيّ
العامري أبو محمد.
قال البخاري: قال: وفدت على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم. وأخرج حديثه هو
وأبو حاتم، وابن حبان، من طريق عبد اللَّه بن محيريز، عن عبد اللَّه بن
السعدي، قال: وفدت مع قومي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا من
أحدثهم سنا، فخلفوني في رحالهم وقضوا حوائجهم، فجئت لرسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم فقلت: حاجتي، قال:
وما حاجتك؟ فذكر حديث: لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدوّ.
وأخرجه النسائي بنحوه من طريق أبى إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن وقدان
السعدي. وفي رواية له: عن عبد اللَّه بن السعدي، قال أبو زرعة الدمشقيّ:
هذا الحديث عن عبد اللَّه بن
(6/197)
وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ
أخو سودة لأبيها من عاتكة بنت الأحنف بن علقمة بن عبد الحارث بن سعد بن
عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، كان شريفا من سادات الصحابة، وأخوه لأمه
عمرو بن نوفل بن عبد مناف [ (1) ] .
وعبد الرحمن بن زمعة، أخو سودة، وهو الّذي خاصم فيه أخوه عبد بن زمعة عام
الفتح سعد بن أبى وقاص، فقال سعد ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ فيه،
وقال لي: إذا قدمت مكة فاقبض ابن وليدة زمعة فإنه ابني، وقال عبد بن زمعة:
بل هو أخى، ولد على فراش أبى، فقضى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
لعبد بن زمعة
وقال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ،
وأم عبد الرحمن أمه يمانية لزمعة، وله عقب [ (2) ] .
__________
[ () ] السعدي، حديث متقن صحيح، رواه الأثبات عنه.
ونزل عبد اللَّه بن السعدي الأردن. وقال البغوي: سكن المدينة- يعنى أولا-
وروى عن عمر بن الخطاب حديث العمالة، وهو في الصحيح. وفي رواية لمسلم: ابن
الساعدي.
روى عنه حويطب بن عبد العزى وآخرون. وقال ابن حبان: مات في خلافة عمر.
قال ابن عساكر: لا أراه محفوظا. وقد قال الواقدي: إنه مات سنة سبع وخمسين.
(الإصابة) :
4/ 113- 114، ترجمة رقم (4721) .
[ (1) ] ترجمته في (الاستيعاب) : 2/ 820، ترجمة رقم (1382) ، (جمهرة أنساب
العرب) : 115.
[ (2) ] عبد الرحمن بن زمعة القرشي العامري، هو ابن وليدة زمعة الّذي قضى
فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأن الولد للفراش، وللعاهر الحجر،
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة: عن
عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اختصم سعد وابن زمعة، فقال النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم هو لك يا عبد اللَّه بن زمعة، الولد للفراش، واحتجبى منه يا
سودة.
زاد لنا قتيبة عن الليث: وللعاهر الحجر.
وفي رواية عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اختصم سعد بن أبى وقّاص، وعبد
اللَّه بن زمعة رضى اللَّه عنه في غلام، فقال سعد: يا رسول اللَّه، هذا ابن
أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ أنه ابنه، وانظر إلى شبهه، وقال عبد اللَّه
بن زمعة: هذا أخى يا رسول اللَّه، ولد على فراش أبى من وليدته، فنظر رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبها بيّنا بعتبة، فقال: هو
لك يا عبد اللَّه، الولد للفراش، وللعاهر الحجر [رواه الشيخان، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي] .
قوله «الولد للفراش» ، أي لمالكه، وهو الزوج والمولى، لأنهما يفترشانها،
وفي للبخاريّ: «الولد لصاحب الفراش» ، وقال في [نيل الأوطار للشوكانى] :
اختلف في معنى الفراش، فذهب الأكثر إلى
(6/198)
__________
[ () ] أنه اسم للمرأة، وقيل: إنه اسم للزوج، وروى ذلك عن أبى حنيفة، وأنشد
ابن الأعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جرير:
باتت تعانقه وبات فراشها
وفي القاموس: إن الفراش زوجة الرجل وفي اللسان: الفراش الزوج والفراش
المرأة، والمرأة تسمى فراش لأن الرجل يفترشها.
قوله: «وللعاهر الحجر» ، العاهر: الزاني، يقال: عهر، أي زنا، عهر إليها
يعهر عهرا وعهورا وعهارة وعهورة، وعاهرها عهارا: أتاها ليلا للفجور، ثم غلب
على الزنا مطلقا.
وفي الحديث: «أيّما رجل عاهر بحرّة، أو أمة» ،
أي زنى.
وفي التهذيب: قال أبو زيد: يقال للمرأة الفاجرة عاهرة ومعاهرة ومسافحة،
والعهر والعاهر: هو الزاني.
وقال أبو عبيد: معنى قوله: «وللعاهر الحجر» أي لا حقّ له في النسب، ولا حظّ
له في الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، أي لصاحب أم الولد، وهو زوجها أو
مولاها.
والعرب تقول: له الحجر وبفيه التراب، ويريدون ليس له إلا الخيبة. وقيل:
المراد الحجر، أنه يرجم بالحجارة إذا زنى، ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان،
بل للمحصن فقط.
وفي ترجمة البخاري أنه يرجّح قول من أوّل الحجر هنا بأنه الحجر الّذي يرجم
به الزاني، أي ليس للعاهر إلا الرجم بالحجارة إن كان محصنا، وظاهر الحديث
أن الولد يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش، وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في
النكاح الصحيح أو الفاسد، وإلى ذلك ذهب الجمهور.
وكان لزمعة جارية حملت سفاحا من عتبة بن أبى وقّاص، فلما دنت وفاته، أوصى
أخاه سعدا بأن ولد هذه الجارية ابنه من الزنى، كعادتهم في الجاهلية، فلما
طلبه عمه سعد، عارضه عبد اللَّه بن زمعة وقال: هو أخى، ولد على فراش أبى من
جاريته،
فاختصما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحكم به لعبد اللَّه بقوله:
«هو لك يا عبد اللَّه» ، ووضع صلّى اللَّه عليه وسلم قاعدة شرعية، يعمل بها
إلى يوم الدين: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» .
«الولد للفراش» ، أي لصاحبه، وهو هنا سيدها، «وللعاهر» أي الزاني، الحجر
...
وجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه، إنّ فلانا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية،
فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد
للفراش، وللعاهر الحجر» .
أي لا دعوة في الإسلام، أي بلحوق ولد الزنى بالزاني، ذهب أمر الجاهلية،
وبطلت عوائدهم، وظهر عليها الإسلام، فالولد للفراش، أي لأمه إن كانت حرة،
كما في اللعان، بخلاف الرقيقة، فالولد لسيدها، فهو وأمه في الرّقّ سواء.
(الإصابة) :
2/ 833، ترجمة رقم (1413) ، (جمهرة أنساب العرب) : 167، (موسوعة فتاوى
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم) :
2/ 25- 27، كتاب الزنا، والحدود، والديات، باب فتياه صلّى اللَّه عليه وسلم
في أن: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» .
(6/199)
ومالك بن زمعة أخو سودة، قديم الإسلام ومن
مهاجرة الحبشة [ (1) ] .
ومشتق بن عبد وقدان بن عبد شمس أخو سودة لأمها [ (2) ] .
__________
[ (1) ] مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس العامري. أخو سودة أم المؤمنين،
كان من مهاجرة الحبشة الثانية، ومعه عميرة- أو عمرة- بنت السعدي بن وقدان،
وأقام حتى قدم مع جعفر بن أبى طالب، ذكره أبو عمر هكذا، ولم يزد الزبير بن
بكار على قوله: ومالك بن زمعة، هاجر إلى أرض الحبشة، وذكره ابن فتحون في
(أوهام الاستيعاب) فقال: ذكر ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، أنه مالك بن ربيعة،
وكذا قاله المصنف في كتابه (الدرر) .
قال الحافظ في (الإصابة) سلفه في الاستيعاب أعلم الناس بنسب قريش. وهو
الزبير بن بكار، فإنه ذكر في نسب بنى عامر بن لؤيّ ما نصّه: وسودة بنت زمعة
بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، كانت عند السكران بن عمرو، فهلك عنها مهاجرا
بأرض الحبشة، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، إلى أن قال:
ومالك بن زمعة هاجر إلى أرض الحبشة. وقال بعده: وولد وقدان بن عبد شمس
عبدا.... إلى آخره، فهذا يرجح أنه ابن زمعة، (الإصابة) : 5/ 726- 727،
ترجمة رقم (7640) ، (الاستيعاب) : 3/ 1352، ترجمة رقم (2268) .
[ (2) ] كذا في (خ) ، ولم أجد له ترجمة فيما بين يدىّ من كتاب النسب أو
التراجم.
(6/200)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل
عائشة]
وأصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة رضى اللَّه عنها إخوتها وهم:
عبد اللَّه بن أبى بكر [ (1) ]
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق، ولما كان اسم أبى بكر: عبد
اللَّه، فابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عثمان، وهو شقيق أسماء بنت أبى
بكر، ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال: مات قبل أبيه.
وثبت ذكره في قصة الهجرة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: وكان عبد اللَّه
بن أبى بكر يأتيهما بأخبار قريش، وهو غلام شابّ فطن، فكان يبيت عندهما،
ويخرج من السحر فيصبح مع قريش.
وذكر الطبري في (تاريخه) أن عبد اللَّه بن أريقط الدؤلي الّذي كان دليل
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما رجع بعد أن وصل النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم إلى المدينة، أخبر عبد اللَّه بن أبى بكر الصديق بوصول أبيه إلى
المدينة، فخرج عبد اللَّه بعيال أبى بكر، وصحبهم طلحة بن عبيد اللَّه حتى
قدموا المدينة.
وقال أبو عمر: لم أسمع له بمشهد إلا في الفتح، وحنين، والطائف، فإن أصحاب
المغازي ذكروا أنه رمى بسهم فجرح، ثم اندمل، ثم انتقضى، فمات في خلافة أبيه
في شوال سنة إحدى عشرة.
وروى الحاكم بسند له عن القاسم بن محمد، أن أبا بكر، قال لعائشة: أتخافون
أن تكونوا دفنتم عبد اللَّه بن أبى بكر وهو حي، فاسترجعتك فقال: أستعيذ
باللَّه.
ثم قدم وفد ثقيف فسألهم أبو بكر: هل فيكم من يعرف هذا السهم؟ فقال سعيد بن
عبيد: أنا بريته، ورشته، وأنا رميت به، فقال: الحمد للَّه، أكرم اللَّه عبد
اللَّه بيدك، ولم يهنك بيده.
قال: ومات بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأربعين ليلة، وفيه
الهيثم بن عدي، وهو واه.
قالوا: لما مات نزل حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبى بكر، وكان رضى
اللَّه عنه يعدّ من شهداء الطائف.
قال المرزباني في (معجم الشعراء) : أصابه حجر في حصار الطائف، فمات شهيدا،
وكان قد تزوج عاتكة، وكان بها معجبا، فشغلته عن أموره، فقال له أبوه:
طلّقها، فطلّقها، ثم ندم، فقال:
أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق ... وما لاح نجم في السماء محلّق
لها خلق جزل ورأى ومنصب ... وخلق سويّ في الحياة ومصدق
ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلّق
(6/201)
أمه وأم أخته أسماء: قتيلة [ (1) ] بنت عبد
العزّى بن عبد
__________
[ () ] وله فيها غير هذا، فرقّ له أبو بكر فأمره بمراجعتها، فراجعها، ومات
وهي عنده.
روى البخاري في (تاريخه) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، أن عبد اللَّه بن
أبى بكر رضى اللَّه عنه، كان قد تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو، أخت سعيد بن
زيد بن عمرو، وأنه قال لها عند موته: لك حائطي ولا تزوّجى بعدي، قال:
فأجابته إلى ذلك، فلما انقضت عدتها خطبها عمر، فذكر القصة في تزويجه. ورواه
غيره، فذكر معاتبة عليّ لها على ذلك.
وقال ابن إسحاق في (المغازي) : حدثني هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفّن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بردىّ حبرة، حتى مسّا جلده، ثم
نزعهما، فأمسكهما عبد اللَّه ليكفّن فيهما، ثم قال: وما كنت لأمسك شيئا منع
اللَّه رسوله منه، فتصدّق بهما.
ورواه البخاري من وجه آخر، عن عروة وأخرجه الحاكم في (المستدرك) ، وهو عند
أحمد في مسند عائشة رضى اللَّه عنها، ضمن حديث من طريق حماد بن سلمة، عن
هشام، ورواه أبو ضمرة عن هشام، فقال عبد الرحمن: قال البغوي: والصحيح عبد
اللَّه.
قال الحافظ في (الإصابة) : ووجدت له حديثا مسندا، أخرجه البغوي، وفي إسناده
من لا يعرف، قال هشام: فقال عبد الرحمن: قال البغوي: لا أعرف عبد اللَّه
أسند غيره، وفي إسناده ضعف وإرسال.
ثم قال: وأخرجه مع ذلك الحاكم، قال الدار قطنى: وأما عبد اللَّه بن أبى
بكر. فأسند عنه حديث في إسناده نظر، تفرّد به عثمان بن الهيثم المؤذن، عن
رجال ضعفاء. قال: وقد أوردته في كتاب (الخصال المكفرة) ، وجمعت طرقه
مستوعبا، والحمد للَّه. له ترجمة في: (الإصابة) : 4/ 27- 29، ترجمة رقم
(4571) ، (الثقات) : 3/ 210، (الاستيعاب) : 3/ 874- 875، ترجمة رقم (1484)
، (الجرح والتعديل) : 5/ 92، (التاريخ الكبير) : 3/ 2، 5/ 2، (التاريخ
الصغير) :
1/ 300، (البداية والنهاية) : 6/ 389، (الطبقات الكبرى) : 1/ 229، (الوافي
بالوفيات) : 17/ 85، (تاريخ الإسلام) : 3/ 49، (صفة الصفوة) : 1/ 124،
ترجمة أبيه رقم (2) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 446، ترجمة رقم (777) .
[ (1) ] هي قتيلة بنت عبد العزّى بن سعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن
لؤيّ، القرشية العامرية، والدة أسماء بنت أبى بكر وشقيقها عبد اللَّه. كذا
نسبها الزبير وغيره.
وقال أبو موسى في (الذيل) : قتيلة بنت سعد بن عامر بن لؤيّ، كذا اختصر
النسب، وحذف منه جماعة، ثم قال: أوردها المستغفري في الصحابيات، وقال: تأخر
إسلامها، وسماها الحاكم أبو أحمد في (الكنى) .
وحديثها عن هشام بن عروة عن أبيه، عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تعالى
عنهما، قالت:
(6/202)
[شمس] [ (1) ] بن نضر بن مالك بن حسل بن
عامر بن لؤيّ، أسلم قديما، ولم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح، وحنينا،
والطائف، ورمى يومئذ بسهم من أبى محجن الثقفي، ومات في شوال سنة إحدى عشرة،
وانقرض عقبه.
وأسماء ابنة أبى بكر، أسلمت قديما بعد سبعة عشر إنسانا، وتزوج بها الزبير
بن العوام فولدت له عبد اللَّه بن الزبير، وتوفيت بمكة في جمادى الأولى سنة
ثلاث وسبعين، وقد ذهب بصرها، ويقال لها ذات النطاقين، لأنها صنعت للنّبيّ
صلّى اللَّه عليه وسلم سفرة حين أراد الهجرة إلى المدينة، فعسر عليها ما
تشدها به، فشقت خمارها وشدت السفرة بنصفها وانتطقت النصف
__________
[ () ] «قدمت على أمى وهي مشركة في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فاستفتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: إن أمى قدمت وهي راغبة،
أفأصل أمى، قال: نعم، صلّى أمك» .
وأخرجه ابن سعد، وأبو داود الطيالسي، والحاكم، من حديث عبد اللَّه بن
الزبير، قال: «قدمت قتيلة- بالقاف والمثناة مصغرة- بنت عبد العزّى بن سعد،
من بنى مالك بن حسل- بكسر الحاء وسكون السين المهملتين- على ابنتها أسماء
بنت أبى بكر في الهدنة،
وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، بهدايا: زبيب وسمن وقرظ، فأبت أسماء أن
تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، وأرسلت إلى عائشة:
سلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لتدخلها» .
وعرف منه تسمية أم أسماء، وأنها أمها حقيقة، وأن من قال: إنها أمها من
الرضاعة فقد وهم.
(الإصابة) : 8/ 78- 79، ترجمة رقم (11638) ، (فتح الباري) : 5/ 290- 292،
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (9) الهدية للمشركين، وقول اللَّه
تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:
8] ، حديث رقم (2620) ، وأخرجه البخاري أيضا في الجهاد، باب إثم من عاهد ثم
غدر، وفي الأدب، باب صلة الوالد المشرك، وأخرجه مسلم في الزكاة، باب فضل
الصدقة على الأقربين ولو كانوا مشركين، وأبو داود في الزكاة، باب الصدقة
على أهل الذمة، (جامع الأصول) : 1/ 405- 406، حديث رقم (201) .
[ (1) ] زيادة للنسب من (جمهرة النسب) : 57.
(6/203)
الثاني، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم: ذات النطاقين [ (1) ] .
وعبد الرحمن بن أبى بكر شقيق عائشة رضى اللَّه عنها، تقدم ذكره [ (2) ] .
__________
[ (1) ] هي أسماء بنت أبى بكر، عبد اللَّه بن أبى قحافة عثمان، أم عبد
اللَّه، القرشية، التيمية: الملكية، ثم المدنية، والدة الخليفة عبد اللَّه
بن الزبير، وأخت أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها وآخر المهاجرات وفاة،
روت عدة أحاديث، وعمّرت دهرا، وتعرف بذات النطاقين، وأمها قتيلة بنت عبد
العزى العامرية، حدّث عنها ابناها: عبد اللَّه وعروة، وحفيدها عبد اللَّه
بن عروة، وابن عباس، وعدة.
وكانت أسنّ من عائشة رضى اللَّه عنها ببضع عشرة سنة، هاجرت حاملا بعبد
اللَّه، وقيل: لم يسقط لها سنّ، وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير. وهي،
وأبوها، وجدها، وابنها ابن الزبير، أربعتهم صحابيون.
عن أسماء قالت: صنعت سفرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيت أبى حين أراد
أن يهاجر، فلم أجد لسفرته ولا لسقائه ما أربطهما، فقلت لأبى: ما أجد إلا
نطاقى، قال: شقيه باثنين، فاربطى بهما، قال: فلذلك سميت ذات النطاقين.
وكانت خاتمة المهاجرين والمهاجرات، مسندها ثمانية وخمسون حديثا. اتفق لها
البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم
بأربعة.
قال ابن سعد: ماتت بعد ابنها عبد اللَّه بليال، ولها مائة سنة. وكان قتله
لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين. لها ترجمة في: (طبقات ابن
سعد) : 8/ 249- 255، (طبقات خليفة) : 333، (تاريخ خليفة) : 269، (المعارف)
: 172، 173، 200، 221، (مسند أحمد) :
6/ 344، (المستدرك) : 4/ 64- 65، (الاستيعاب) : 4/ 1781- 1783، ترجمة رقم
(3226) ، (جامع الأصول) : 9/ 145، (تهذيب التهذيب) : 12/ 426، ترجمة رقم
(2720) ، (الإصابة) :
7/ 486- 488، ترجمة رقم (10798) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 3/ 374، (كنز
العمال) :
13/ 637، (الإعلام بوفيات الأعلام) : 46، (حلية الأولياء) : 2/ 55- 57،
ترجمة رقم (138) ، (أعلام النساء) : 1/ 47- 53، (العقد الفريد) : 3/ 231،
5/ 72، 263، 164، 165، 166، 167، (سير أعلام النبلاء) : 2/ 287- 296، ترجمة
رقم (52) ، (أسماء الصحابة الرواة) :
77- 78، ترجمة رقم (58) ، (الثقات) : 3/ 23، (تلقيح فهوم أهل الأثر) : 365،
(شذرات الذهب) 1/ 44 و 80، (مرآة الجنان) : 1/ 151.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
(6/204)
ومحمد بن أبى بكر [ (1) ] ، أمه أسماء بنت
عميس [ (2) ] ، أخت ميمونة أم
__________
[ (1) ] ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع وقت الإحرام، وكان قد ولّاه
عثمان إمرة مصر، كما هو مبيّن في سيرة عثمان، ثم سار لحصار عثمان، وفعل
أمرا كبيرا فكان أحد من توثّب على عثمان حتى قتل، ثم انضم إلى عليّ فكان من
أمرائه، فسيّره على إمرة مصر سنة سبع وثلاثين في رمضانها، فالتقى هو وعسكر
معاوية، فانهزم جمع محمد، واختفى هو في بيت مصريّة، فدلّت عليه، فقال:
احفظوني في أبى بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين من قومي في دم
الشهيد عثمان وأتركك، وأنت صاحبه؟! فقتله، ودسّه في بطن حمار ميّت، وأحرقه.
وقال عمرو بن دينار: أتى بمحمد أسيرا إلى عمرو بن العاص، فقتله، يعنى
بعثمان.
وقال الحافظ الذهبي: أرسل عنه ابنه القاسم بن محمد الفقيه. له ترجمة في:
(التاريخ الكبير) :
1/ 124، (الجرح والتعديل) : 7/ 301، (تاريخ الطبري) : 5/ 94، (جمهرة أنساب
العرب) :
138، (الكامل في التاريخ) : 3/ 352، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 85،
(الإصابة) :
6/ 245، ترجمة رقم (3800) ، (الاستيعاب) : 3/ 1366، ترجمة رقم (2320) ،
(تهذيب التهذيب) : 9/ 70، ترجمة رقم (101) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/
385، ترجمة رقم (6089) ، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 481- 482، ترجمة رقم
(104) ، (شذرات الذهب) :
1/ 48، (الإعلام بوفيات الأعلام) : 33.
[ (2) ] هي أسماء بنت عميس بن معد- بوزن سعد أوله ميم- ابن الحارث
الخثعمية، أم عبد اللَّه، من المهاجرات الأول، أسلمت قبل دخول رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم بن أبى الأرقم، وكانت داره على الصفا،
وهي الدار التي فيها دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس إلى
الإسلام، فأسلم فيها قوم كثير.
هاجر بها زوجها جعفر الطّيار إلى الحبشة، فولدت له هناك: عبد اللَّه،
ومحمدا، وعونا- فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع، واستشهد يوم مؤتة،
تزوج بها أبو بكر الصديق، فولدت له:
محمدا، وقت الإحرام، فحجت حجة الوداع، ثم توفى الصديق، فغسّلته. وتزوج بها
عليّ بن أبى طالب.
وقدمت أسماء بنت عميس من الحبشة فقال لها عمر رضى اللَّه عنه: يا حبشيّة،
سبقناكم بالهجرة، فقالت: لعمري لقد صدقت: كنتم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء الطرداء. أما واللَّه
لأذكرن ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فأتته، فقال: «للناس هجرة
واحدة، ولكم هجرتان» .
قالت أسماء بنت عميس: يا رسول اللَّه، إن هؤلاء يزعمون أنّا لسنا من
المهاجرين! قال: «كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشىّ،
وهاجرتم إليّ» .
قال الشعبي: أول من أشار بنعش المرأة- يعنى المكبة- أسماء، رأت النصارى
يصنعونه
(6/205)
__________
[ () ] بالحبشة. وعن عبد اللَّه بن شداد، عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب
جعفر قال: «تسلبى ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت» . قال في (النهاية) : أي البسى
ثوب الحداد، وهو السّلاب، والجمع سلب، وتسلبت المرأة: إذا لبسته.
وأخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال: نفست بذي
الحليفة، فهمّ أبو بكر بردّها، فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال:
«مرها فلتغتسل، ثم تهلّ بالحج» .
وأوصى أبو بكر أن تغسله أسماء، قال قتادة، فغسّلته بنت عميس امرأته، فسألت
من حضر من المهاجرين، وقالت: إني صائمة، وهذا يوم شديد البرد، فهل عليّ من
غسل؟ فقالوا: لا.
وروى أبو إسحاق عن مصعب بن سعد: أن عمر رضى اللَّه عنه فرض الأعطية، ففرض
لأسماء بنت عميس ألف درهم. قال الواقدي: ثم تزوجت عليّا فولدت له: يحيى،
وعونا.
زكريا بن أبى زائدة: سمعت عامرا يقول: تزوج عليّ أسماء بنت عميس فتفاخر
ابناها: محمد ابن أبى بكر، ومحمد بن جعفر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك،
وأبى خير من أبيك. فقال لهما عليّ: اقضى بينهما، قالت: ما رأيت شابا من
العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبى بكر. فقال عليّ: ما تركت
لنا شيئا، ولو قلت غير الّذي قلت لمقتّك، قالت: إن ثلاثة أنت أخسّهم خيار.
أخرجه ابن سعد في (الطبقات) ، ورجاله ثقات.
وأخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح، عن عليّ رضى اللَّه عنه قال:
كذبتكم من النساء الحارقة، فما ثبتت من امرأة إلا أسماء بنت عميس.
و «كذب» هاهنا: إغراء، أي: عليكم بالحارقة، وهي كلمة نادرة جاءت على غير
قياس.
والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، الضيقة الملاقى- وهو مأزم الفرج
ومضايقه- كأنها تضمّ الفعل- بفتح الفاء وسكون العين أي الفرج- ضمّ العاضّ
الّذي يحرق أسنانه، ويقال لها: العضوض والمصوص.
وعن عليّ عليه السّلام: إنه سئل عن امرأته، فقال: وجدتها حارقة، طارقة،
فائقة،
أراد بالطارقة:
التي طرقت بخير، والفائقة: فاقت في الجمال. وقيل: الحارقة: النكاح على
الجنب، أخذت من حارقة الورك، وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة
النساء بهذا النوع.
وعنه عليه السّلام: كذبتكم الحارقة، ما قام لي بها إلا أسماء بنت عميس.
ذكره الزمخشريّ في (الفائق) .
وقال ابن منظور: والحارقة، والحاروق من النساء: الضيقة الفرج، وامرأة
حارقة: ضيقة الملاقى- وقيل: هي التي تغلبها الشهوة حتى تحرق أنيابها بعضها
على بعض، أي تحكها، يقول: عليكم بها، ومنه الحديث: وجدتها حارقة، طارقة،
فائقة. (اللسان) . وقال في هامشه: قوله: «يقول عليكم بها» ، كذا بالأصل
هنا، وأورده ابن الأثير في تفسير حديث الإمام على: خير النساء الحارقة، وفي
رواية كذبتكم الحارقة.
(6/206)
المؤمنين ولد عام حجة الوداع، وكان من شيعة
على رضى اللَّه عنه، فإنه تزوج بأمه أسماء وولاه مصر وقتل بها سنة ثمان
وثلاثين.
وأم كلثوم بنت أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (1) ] ، أمها حبيبة بنت
__________
[ () ] قال الحافظ الذهبي: لأسماء حديث في سنن الأربعة، حدّث عنها: ابنها
عبد اللَّه بن جعفر، وابن أختها عبد اللَّه بن شداد، وسعيد بن المسيّب،
وعروة، والشعبي، والقاسم بن محمد، وآخرون. عاشت بعد عليّ، وكان عمر بن
الخطاب يسأل أسماء بنت عميس عن تفسير المنام، ونقل عنها أشياء من ذلك، روت
عن النبي للَّه ستين حديثا، لها ترجمة في (نهاية ابن الأثير) : 1/ 173-
273، (لسان ابن منظور) : 10/ 45، (فائق الزمخشريّ) : 1/ 275- 276، (موطأ
مالك) : 1/ 148- 149، (ثقات ابن حبان) : 3/ 24، (حلية الأولياء) : 2/ 74،
(أعلام النساء) : 1/ 57- 58، (أسماء الصحابة) :
76، ترجمة رقم (56) ، (تلقيح الفهوم) : 365، (تاريخ الإسلام) : 3/ 48، 119،
120، 203، 355، 356، 600، (مسند أحمد) : 6/ 452، (الإصابة) : 7/ 489- 491،
ترجمة رقم (10803) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 280- 285، (المعارف) : 171، 173،
210، 282، 555، (تهذيب التهذيب) : 12/ 427- 428، ترجمة رقم (2725) ، (خلاصة
تذهيب الكمال) :
3/ 374، ترجمة رقم (5) ، (سير الأعلام) : 2/ 282- 287، (شذرات الذهب) : 1/
15، 48.
[ (1) ] هي أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، من فواضل نساء
عصرها، خطبها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وذلك أن رجلا من قريش قال لعمر
بن الخطاب: ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبى بكر، فتحفظه بعد وفاته، وتخلفه في
أهله، فقال عمر رضى اللَّه عنه: بلى، إني لأحب ذاك، فاذهب إلى عائشة، فاذكر
لها ذلك، وعد إليّ بجوابها. فمضى الرسول إلى عائشة، فأخبرها بما قال عمر.
فأجابته إلى ذلك، وقالت له: حبّا وكرامة.
ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة، فرآها مهمومة، فقال لها: مالك يا أم
المؤمنين؟ فأخبرته برسالة عمر، وقالت: إن هذه جارية حدثة، وأردت لها عيشا
ألين من عمر، فقال لها: عليّ أن أكفيك.
وخرج من عندها، فدخل على عمر رضى اللَّه عنه فقال: بالرفاء والبنين، وقد
بلغني ما أتيته من صلة أبى بكر في أهله، وخطبتك أم كلثوم. قال عمر رضى
اللَّه عنه: قد كان ذاك. قال: إلا إنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على
أهلك، وهذه صبية حديثة السنّ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها، فتصيح،
فيغمّك ذلك، وتتألم له عائشة، ويذكرون أبا بكر، فيبكون عليه، فتجدد لهم
المصيبة، مع قرب عهدها في كل يوم.
فقال له: متى كنت عند عائشة واصدقنى؟ فقال: آنفا، فقال عمر: أشهد أنهم
كرهوني، قد ضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت، وقد أعفيتهم. فعاد إلى عائشة،
فأخبرها الخبر، وأمسك عمر عن معاودة خطبتها.
(6/207)
خارجة [ (1) ] بن زيد بن أبى زهير بن مالك
بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج، وتزوج بها طلحة بن عبيد
اللَّه رضى اللَّه عنه، فولدت له زكريا وعائشة، ثم خلف عليها بعده عبد
الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى ربيعة، فولدت له عثمان وإبراهيم وموسى، وجدّ
أم كلثوم لأبيها هو خارجة بن زيد، أحد الصحابة، استشهد يوم أحد.
وخالها زيد بن خارجة الّذي تكلم بعد موته [ (2) ] ، وأم كلثوم هذه هي
__________
[ () ] وروت عن أختها عائشة أم المؤمنين، وروى عنها ابنها إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاري، وطلحة
بن يحيى بن طلحة، والمغيرة بن حكيم الصنعاني، وجبير ابن حبيب، ولوط بن
يحيى، وعبد اللَّه بن عبيد بن عمير، وروى لها مسلم والترمذي، لها ترجمة في:
(أعلام النساء) : 4/ 250- 251، (الإصابة) : 8/ 296، ترجمة رقم (12235) ،
(العقد الفريد) :
7/ 96- 97، (تهذيب التهذيب) : 12/ 503، ترجمة رقم (2977) ، (خلاصة تذهيب
الكمال) :
3/ 204، ترجمة رقم (57) ، (تاريخ الإسلام) : 3/ 120، 526، (المعارف) : 175.
[ (1) ] هي حبيبة بنت خارجة بن زيد- أو بنت زيد بن خارجة- الخزرجية، زوج
أبى بكر الصديق، ووالدة أم كلثوم ابنته، التي مات أبو بكر وهي حامل بها،
فقال: ذو بطن بن خارجة: ما أظنها إلا أنثى، فكان كذلك.
وفي قصة الوفاة النبويّة، من رواية عروة، عن عائشة: استأذن أبو بكر لما رأى
من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يأتى بيت خارجة، فأذن له.
وقال ابن سعد: حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس
بن مالك الأغر، أمها هزيلة بنت عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم،
أسلمت، وبايعت، قال: وخلف على حبيبة بعد أبى بكر إساف بن عتبة بن عمرو
(الإصابة) : 7/ 575، ترجمة رقم (11023) ، (الاستيعاب) : 4/ 1807، ترجمة رقم
(3287) .
[ (2) ] هو زيد بن خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك، من بنى الحارث بن
الخزرج، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الصلاة عليه صلّى اللَّه
عليه وسلم، وهو الّذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك.
وذلك أنه غشي عليه قبل موته، وأسرى بروحه، فسجّى عليه بثوبه، ثم راجعته
نفسه، فتكلم بكلام حفظ عنه في أبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه تعالى
عنهم، ثم مات في حينه. روى حديثه هذا: ثقات الشاميين عن النّعمان بن بشير،
ورواه ثقات الكوفيين عن يزيد بن النعمان بن بشير، عن أبيه، ورواه يحيى بن
سعيد، عن سعيد بن المسيب.
وقد أخرجه الحافظ ابن حجر في (الإصابة) ، في ترجمة زيد بن خارجة، وأخرجه
الحافظ البيهقي
(6/208)
التي قال أبو بكر لعائشة رضى اللَّه عنها
حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك، قالت عائشة رضى اللَّه عنها: هذه
أسماء قد عرفتها، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطين بنت خارجة، قد ألقى في خلدي
أنها جارية، فكان كما قال، ولدت بعد موته، رضى اللَّه عنها.
وطفيل بن عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة [الخير] [ (1) ] بن
عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي [ (2) ] ، أخو عائشة رضى
__________
[ () ] في (دلائل النبوة) ، باب ما جاء في شهادة الميت لرسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم بالرسالة، والقائمين بعده بالخلافة، والرواية في ذلك
صحيحة ثابتة، وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة، قال الحافظ البيهقي:
أخبرنا أبو صالح بن أبى طاهر العنبري، أنبأنا جدي يحيى بن منصور القاضي،
حدثنا أبو على محمد بن عمر وكشمرد، أنبأنا القعنبي، حدثنا سليمان بن بلال،
عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة الأنصاري، ثم من بنى
الحارث بن الخزرج، توفى زمن عثمان بن عفان، فسجّى في ثوبه، ثم أنهم سمعوا
جلجلة في صدره، ثم تكلم، ثم قال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو
بكر الصديق، الضعيف في نفسه، القوى في أمر اللَّه في الكتاب الأول، صدق صدق
عمر ابن الخطاب، القوى الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان، علي
منهاجهم مضت أربع، وبقيت اثنتان، أتت الفتن، وأكل الشديد الضعيف، وقامت
الساعة، وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس، وما بئر أريس؟ (دلائل البيهقي) :
6/ 55، (الاستيعاب) : 2/ 547، ترجمة رقم (844) ، (الإصابة) : 2/ 603، ترجمة
رقم (2896) ، 3/ 53، ترجمة رقم (3145) ، (البداية والنهاية) : 6/ 173- 174،
(الثقات) : 3/ 140، (الوافي) : 15/ 42، (تهذيب التهذيب) :
3/ 353، ترجمة رقم (747) ، 441، (أسماء الصحابة الرواة) ترجمة رقم (767) ،
(تلقيح الفهوم) : 380.
[ (1) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) و (الإصابة) .
[ (2) ] الطفيل بن سخبرة، هو الطفيل بن عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة
القرشيّ. قال ابن أبى خيثمة: لا أدرى من أي قريش هو؟ قال: وهو أخو عائشة
لأمّها. قال أبو عمر رحمه اللَّه: ليس من قريش، وإنما هو من الأزد.
قال الواقدي: كانت أم رومان تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة
بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي، وكان قدم بها مكة
فحالف أبا بكر قبل الإسلام، وتوفى عن أم رومان، وقد ولدت له الطفيل، ثم خلف
عليها أبو بكر، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فهما أخوا الطفيل هذا لأمه.
قال أبو عمر رضى اللَّه عنه: روى عن الطفيل هذا ربعي بن حراش، من حديثه عنه
ما رواه سفيان،
(6/209)
اللَّه عنها لأمها أم رومان، معدود من
الصحابة، يروى عنه ربعي بن خراش.
__________
[ () ] وشعبة، وزائدة، وجماعة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش، عن
الطفيل- وكان أخا عائشة لأمها- أن رجلا رأى في المنام- وفي حديث زائدة عن
الطفيل أنه رأى في المنام- أن قائلا يقول له من اليهود: نعم القوم أنتم،
لولا قولكم: ما شاء اللَّه وشاء محمد، ثم رأى ليلة أخرى رجلا من النصارى،
فقال له مثل ذلك.
فأخبر بذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقام خطيبا، فقال: لا تقولوا ما
شاء اللَّه وشاء محمد، وقولوا ما شاء اللَّه وحده، وزاد بعضهم فيه: ثم ما
شاء محمد. له ترجمة في (الإصابة) : 3/ 520- 521، ترجمة رقم 5/ 13- 14،
ترجمة رقم (25) ، (26) ، (تعجيل المنفعة) : 197- 199، ترجمة رقم (488) ،
(تلقيح الفهوم) : 381، (الثقات) : 3/ 203، (أسماء الصحابة الرواة) : 472،
ترجمة رقم (833) .
(6/210)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل
حفصة]
زيد بن الخطاب بن نفيل القرشيّ العدوىّ، أبو عبد الرحمن، عم حفصة أخو أبيها
عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لأبيه من أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن
عبس بن قعين، من بنى أسد بن خزيمة، أحد المهاجرين الأولين، أسلم قبل أخيه
عمر، وشهد بدرا وما بعدها [ (1) ] ، واستشهد باليمامة [ (2) ] سنة اثنتي
عشرة، فاشتد حزن عمر رضى اللَّه عنه عليه.
وصفية بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها لأبيه وأمه [ (3) ] ، تزوجت بسفيان
بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، قال ابن عبد البر:
[مذكور في المؤلفة قلوبهم] [ (4) ] [وفي صحبته] [ (5) ] نظر [ (6) ] .
وفاطمة بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها شقيقته، كانت عند سعيد بن زيد بن
عمرو بن نفيل، وأسلمت قبل زوجها، أو قيل معه، قبل
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] قتله أبو مريم الحنفي، وكان من أصحاب مسيلمة، ثم تاب وأسلم وحسن
إسلامه، وولى قضاء البصرة بعد عمران بن الحصين، في زمن عمر بن الخطاب رضى
اللَّه عنه، (طبقات ابن سعد) : 7/ 91، (الاستيعاب) : 2/ 550- 553، ترجمة
رقم (846) .
[ (3) ] ذكرها الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الإخوة) ، وقال: تزوجها سفيان بن
عبد الأسد، فولدت له الأسود. قال الحافظ في (الإصابة) : وقد تقدم في قدامة
بن مظعون أنه تزوجها، واستدركها أبو على الغساني، وقال: ذكرها أبو عمر في
قدامة، ولم يفردها. (الإصابة) : 7/ 742، ترجمة رقم (11402) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .
[ (5) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (6) ] الاستيعاب) : 2/ 36.، ترجمة رقم (1002) .
(6/211)
إسلام أخيها عمر رضى اللَّه عنه، ولها في
إسلامه قصة حسنة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] لما كانت فاطمة بنت الخطاب بن نفيل القرشية من فواضل نساء عصرها،
كانت ذا إيمان قوى باللَّه وبالإسلام، وأسلمت قديماً، فكانت من المبايعات
الأول، وكانت تخفى إسلامها من أخيها عمر، وكان خبّاب بن الأرت يختلف إلى
فاطمة يقرئها القرآن.
فخرج عمر بن الخطاب ذات يوم متقلدا بسيفه، يريد أن يقتل محمدا صلّى اللَّه
عليه وسلم، فلقيه رجل من بنى زهرة فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن
أقتل محمدا، قال: وكيف نأمن من بنى هاشم وبنى زهرة وقد قتلت محمدا؟ قال: ما
أراك إلا قد صبوت. قال أفلا أدلك على العجب؟ إن ختنك سعيد ابن زيد، وأختك
فاطمة قد صبوا، وتركا دينك.
فمشى عمر فأتاهما، وعندهما خبّاب بن الأرتّ فلما سمع خباب بحسّ عمر توارى
في البيت، فدخل عمر، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ وكانت فاطمة قد أخذت
صحيفة من القرآن فجعلتها تحت فخذها، فقالا له: ما سمعت شيئا، قال: بلى،
واللَّه لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا في دينه، وبطش بختنه سعيد.
فقامت إليه فاطمة لتكفه عن زوجها، فضربها فشجّها، فلما فعل ذلك قالت له
أخته وختنه: نعم، قد أسلمنا وآمنا باللَّه ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما
رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى وقال لأخته: أعطينى هذه
الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا، انظر ما هذا الّذي جاء به محمد، فقالت له
أخته: أنا نخشاك عليها.
قال: لا تخافي، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها. فلما قال ذلك
طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخى، إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها إلا
الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة وفيها: طه، فقرأها، فلما قرأ منها
صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!.
فلما سمع خباب ذلك. خرج إليه فقال له: يا عمر، واللَّه إني لأرجو أن يكون
اللَّه قد خصلت بدعوة نبيه، فإنّي سمعته أمس وهو يقول: اللَّهمّ أيد
الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب، فاللَّه اللَّه يا عمر.
فقال له عمر عند ذلك: فدلّني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له
خباب: هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه.
فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فنظر من خلل الباب، فرآه متوشحا السيف، فرجع إلى
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو فزع فقال: يا رسول اللَّه، هذا عمر
بن الخطاب متوشحا السيف. فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء
يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ائذن له، فأذن له الرجل، ونهض
إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بحجزته أو
بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذة شديدة وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فو اللَّه
ما أرى أن تنتهي حتى ينزل اللَّه بك قارعة.
(6/212)
وعبد اللَّه بن عمر، أبو عبد الرحمن، أخو
حفصة وعبد الرحمن الأكبر شقيقهما، أسلم صغيرا قبل أن يبلغ الحلم، وهاجر به
أخوه، وأول مشاهده الخندق، وقيل: أحد. توفى بمكة سنة ثلاث وسبعين، وهو من
سادات الصحابة، كثير الورع والاحتياط والاتباع للسنة والجماعة، رضى اللَّه
عنه [ (1) ] .
وعبد الرحمن الأكبر بن عمر [ (2) ] ، أبو عبد اللَّه، ولد على عهد رسول
اللَّه
__________
[ () ] فقال عمر: يا رسول اللَّه، جئتك لأؤمن باللَّه وبرسوله، وما جاء من
عند اللَّه، فكبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت
من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكانهم، وقد عزّوا في أنفسهم حين
أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، وينتصفون بهما من عدوهم، (أعلام النساء) : 4/ 50- 52، (سيرة ابن
هشام) : 2/ 92، 187- 188، (طبقات ابن سعد) : 8/ 95، (الإصابة) : 8/ 62- 63،
ترجمة رقم (11590) ، (الاستيعاب) : 4/ 1892، ترجمة رقم (4056) ، (المستدرك)
: 4/ 65- 66.
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] عبد الرحمن الأكبر بن عمر بن الخطاب، شقيق عبد اللَّه، وحفصة، ذكره
ابن السكن في الصحابة، وأورد له من طريق حبيب بن الشهيد، عن زيد بن أسلم،
عن أبيه قال: أرسلنى عمر إلى ابنه عبد الرحمن أدعوه، فلما جاء قال له عمر:
يا أبا عيسى، قال: يا أمير المؤمنين اكتنى بها المغيرة على عهد رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم. سنده صحيح.
وقال أبو عمر: كان لعمر ثلاثة، كلهم عبد الرحمن، هذا أكبرهم، لا تحفظ له
رواية، كذا قال.
والثاني يكنى أبا شحمة، وهو الّذي ضربه أبوه الحدّ في المجبّر لما شرب
بمصر، والثالث والد المجبّر، بالجيم والموحدة المثقلة.
وقال ابن مندة: كناه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبا عيسى، فأراد عمر أن
يغيرها، فقال: واللَّه إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كنّانى بها.
وتعقبه أبو نعيم بأن الّذي قال لعمر ذلك إنما هو المغيرة بن شعبة، وأما عبد
الرحمن فقال لأبيه: قد اكتنى بها المغيرة، فقال المغيرة: كنانى بها رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال الحافظ في (الإصابة) : أخرج القصة ابن أبى عاصم، كما أخرجها ابن السكن،
وأن عبد الرحمن قال لأبيه: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كنى بها
المغيرة. ويؤخذ كون عبد الرحمن كان مميزا في زمن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم من تقدم وفاة والدته زينب، ومن كون أخيه الأوسط أبى شحمة ولد في عهد
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
(الإصابة) : 4/ 339- 340، ترجمة رقم (5175) ، (الاستيعاب) : 2/ 842- 843،
ترجمة رقم (1443) ، (صفة الصفوة) : 1/ 142.
(6/213)
صلّى اللَّه عليه وسلم، [أخو عبد اللَّه بن
عمر، وحفصة بنت عمر لأبيهما وأمهما زينب بنت مظعون] [ (1) ] .
وزيد بن عمر [ (2) ] ، أمه وأم أخته رقية، أم كلثوم بنت على بن أبى طالب،
رضى اللَّه عنه.
وزيد الأصغر بن عمر [ (3) ] ، أمه وأم عبيد اللَّه، أم كلثوم بنت جرول بن
مالك بن المسيب من خزاعة، وأخوهما لأبيهما عبد اللَّه الأكبر بن أبى جهم
ابن حذيف.
وعبيد اللَّه بن عمر [ (4) ] ، ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، وكان من أنجاد
__________
[ (1) ] زيادة للنسب من (الاستيعاب) .
[ (2) ] قال ابن قتيبة: وأما زيد بن عمر بن الخطاب، فرمى بحجر في حرب كانت
بين بنى عويج، وبين بنى رزاح، فمات، ولا عقب له، ويقال: إنه مات هو وأمه:
أم كلثوم في ساعة واحدة، فلم يورث أحدهما صاحبه، وصلى عليهما عبد اللَّه بن
عمر، فقدّم زيدا وأخر أم كلثوم، فجرت السنة بتقديم الرجال.
(المعارف) : 188.
[ (3) ] هو زيد بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، شقيق عبد اللَّه بن عمر
المصغّر، أمهما أم كلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر، ففرّق بينهما الإسلام،
لما نزلت: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة:
10] ، فتزوجها أبو الجهم بن حذيفة، وكان زوجها قبله عمر. ذكر ذلك الزبير
وغيره، فهو يدل على أن زيدا ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
(الإصابة) : 2/ 628، ترجمة رقم (2961 ز) .
قال محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الغرناطي: واللاتي ارتددن من نساء
المهاجرين ولحقن بالكفار: أم الحكم بنت أبى سفيان، زوج عياض بن شداد
الفهري، وأخت أم سلمة فاطمة بنت أبى أمية، زوج عمر بن الخطاب رضى اللَّه
تعالى عنه، وعبدة بنت عبد العزى، زوج هشام بن العاصي، وأم كلثوم بنت جرول،
زوج عمر أيضا.
وذكر أبو القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزمي أنهن ستّ،
فذكر: أم الحكم، وفاطمة بنت أبى أمية زوج عمر بن الخطاب، وعبدة، وذكر أن
زوجها عمرو بن ودّ، وكلثوم، وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عفان، وهند
بنت أبى جهل كانت تحت هشام بن العاصي، أعطى أزواجهن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم مهورهن من الغنيمة. (البحر المحيط) : 10/ 159، (الكشاف) :
4/ 90.
[ (4) ] هو عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، أمه أم كلثوم
بنت جرول الخزاعية، وهو أخو حارثة بن وهب، الصحابي المشهور لأمه، ولد في
عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه غزا في خلافة أبيه، قال مالك
(6/214)
__________
[ () ] في (الموطأ) : عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرج عبد اللَّه وعبيد
اللَّه ابنا عمر في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرّا على أبى موسى الأشعريّ-
وهو أمير البصرة- فرحّب بهما وسهّل، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به
لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال اللَّه، أريد أن أبعث به إلى أمير
المؤمنين، وأسلفكما، فتبتاعان به من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة،
فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح، ففعلا، وكتب إلى
عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما على عمر قال: أكلّ الجيش
أسلفكما؟ فقالا: لا، فقال عمر: أدّيا المال وربحه.
فأما عبد اللَّه فسكت، وأما عبيد اللَّه فقال: ما ينبغي لك يا أمير
المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه، فقال: أدّيا المال، فسكت عبد
اللَّه، وراجعه عبيد اللَّه، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو
جعلته قراضا [أي مضاربة] ، فقال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ رأس المال، ونصف
ربحه، وأخذا نصف ربحه. سنده صحيح.
وهذا يدل على أنه كان في زمن أبيه رجلا، فيكون ولد في العهد النبوي، وقد
ثبت أن عمر فارق أمّه لما نزلت: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ،
وكان نزولها في الحديبيّة في أواخر سنة سبع.
وفي البخاري قصة في باب نقيع التمر ما لم يسكر، من كتاب الأشربة: وقال عمر:
إني وجدت من عبيد اللَّه ريح شراب، فإنّي سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته،
وهذا وصله مالك عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أن عمر خرج عليهم، فقال ...
فذكره، لكن لم يقل عبيد اللَّه، وقال فلان.
وأخرجه سعيد بن منصور، عن ابن عينية، عن الزهري، فسماه، وزاد: قال ابن
عينية: فأخبرني معمر عن الزهري، عن السائب، قال: فرأيت عمر يجلدهم.
قال أبو عمر: كان عبيد اللَّه من شجعان قريش وفرسانهم، ولما قتل أبو لؤلؤة
عمر، عمد عبيد اللَّه ابنه هذا إلى الهرمزان وجماعة من الفرس فقتلهم.
وسبب ذلك: ما أخرجه ابن سعد من طريق يعلى بن حكيم، عن نافع، قال: رأى عبد
الرحمن بن أبى بكر الصديق السكين التي قتل بها عمر، فقال: رأيت هذه أمس مع
الهرمزان، وجفينة، فقلت: ما تصنعان بهذه السكين؟ فقالا: نقطع بها اللحم،
فإنا لا نمسّ اللحم، فقال له عبيد اللَّه بن عمر: أنت رأيتها معهما؟ قال:
نعم، فأخذ سيفه ثم أتاهما فقتلهما واحدا بعد واحد، فأرسل إليه عثمان، فقال:
ما حملك على قتل هذين الرجلين؟ فذكر القصة.
قتل بصفين مع معاوية بلا خلاف، واختلف في قاتله، وكان قتله في ربيع الأول
سنة ست وثلاثين. (الإصابة) : 5/ 52- 55، ترجمة رقم (6244) ، (الاستيعاب) :
3/ 1010- 1012، ترجمة رقم (1718) ، (طبقات ابن سعد) : 3/ 309، 313، 350،
355، 356، 357، 5/ 188، 6/ 402395، (صفة الصفوة) : 1/ 142، (المعارف) :
187.
(6/215)
قريش وفتيانهم، قتل بصفين مع معاوية، وله
أخبار، وهو الّذي قتل الهرمزان وجفينة [ (1) ] لما مات عمر رضى اللَّه عنه.
وعاصم بن عمر أبو عمر [ (2) ] ، أمه جميلة بنت ثابت بن أبى الأقلح قيس
__________
[ (1) ] أخرج الذهلي في (الزهريات) ، من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب، أن عبد الرحمن ابن أبى بكر قال- حين قتل عمر- إني انتهيت إلى
الهرمزان وجفينة وأبى لؤلؤة، فنفروا منى، فسقط من بينهم خنجر له رأسان،
نصابه في وسطه، فانظروا بماذا قتل، فنظروا، فإذا الخنجر على النعت الّذي
نعت عبد الرحمن.
فخرج عبيد ليلا مشتملا على السيف، حتى أتى الهرمزان، فقال: أصحبنى ننظر إلى
فرس- وكان الهرمزان بصيرا بالخيل- فخرج يمشى بين يديه، فعلاه عبيد اللَّه،
بالسيف، فلما وجد حرّ السيف قال:
لا إله إلا اللَّه، ثم أتى جفينة- وكان نصرانيا- فقتله، ثم أتى بنت أبى
لؤلؤة- جارية صغيرة- فقتلها، وقال: لا أدع أعجميا إلا قتلته، فأراد عليّ
قتله بمن قتل، فهرب إلى معاوية، وشهد معه صفين، فقتل.
(المعارف) : 187، (الإصابة) : 5/ 54.
[ (2) ] قال ابن البرقي: ولد في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يرو
عنه شيئا، وقال أبو أحمد العسكري: ولد في السادسة. وقال أبو عمر: مات النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم، وله سنتان.
وذكر الزبير بن بكار أن عمر زوّجه في حياته، وأنفق عليه شهرا، وقال حسبك!
وذكر قصة. قال الزبير: كان من أحسن الناس خلقا، وكان عبد اللَّه بن عمر
يقول: أنا وأخى عاصم لا نغتاب الناس.
وقالوا: كان طوالا جسيما، حتى إن ذراعه تزيد نحو شبر، وكان يقول الشعر، وهو
جدّ عمر بن عبد العزيز لأمه، وكان عمر طلق أمه فتزوجها يزيد بن جارية،
فولدت له عبد الرحمن، فهو أخو عاصم لأمه.
وركب عمر إلى قباء فوجده يلعب مع الصبيان، فحمله بين يديه، فركبت جدته
لأمه، الشموس بنت أبى عامر إلى أبى بكر فنازعته، فقال له أبو بكر: خلّ
بينها وبينه، ففعل.
وذكره مالك في (الموطأ) ، وذكر البخاري في (التاريخ) من طريق عاصم بن عبيد
اللَّه بن عاصم بن عمر، أنه كان له يومئذ. ثمان سنين. وعند أبى عمر: أنه
كان حينئذ ابن أربع.
وقال السري بن يحى، عن ابن سيرين، عن رجل حدّثه، قال: ما رأيت أحدا من
الناس إلا ولا بدّ أن يتكلم ببعض ما لا يريد، إلا عاصم بن عمر.
قال ابن حبان: مات بالربذة، وأرّخه الواقدي ومن تبعه سنة سبعين، وقال
مطيّن: سنة ثلاث وسبعين. (الإصابة) : 5/ 3- 4، ترجمة رقم (6158) ، (طبقات
ابن سعد) : 4/ 372، 5/ 50، 84، 8/ 86، (الاستيعاب) : 2/ 782، ترجمة رقم
(1311) ، (المعارف) : 187، (صفة الصفوة) : 1/ 142.
(6/216)
ابن عصمة بن مالك الأنصاري، ولد قبل وفاة
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسنتين، ومات سنة سبعين، وكان فاضلا
خيّرا، شاعرا مجيدا، وله عدة أخبار.
وعبد الرحمن الأوسط بن عمر أبو شحمة، أمه لهيّة أم ولد ضربه عمرو ابن العاص
رضى اللَّه عنه في الخمر بمصر، وحمله إلى المدينة، فضربه أبوه ضرب تأديب،
ثم مرض ومات بعد شهر، وقيل: مات تحت سياط عمر، وذلك غلط [ (1) ] .
وعبد الرحمن الأصغر بن عمر، أبو المجبّر، أمه فكيهة أم ولد، مات عمر وهو
صغير، فلقبته عمته حفصة: المجبر، وقالت: لعل اللَّه يجبره [ (2) ] .
وعياض بن عمر، أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 842، ترجمة رقم (1443) .
[ (2) ] قال ابن عبد البر: إنما سمى المجبّر لأنه وقع وهو غلام فتكسّر،
فأتى به إلى عمته حفصة أم المؤمنين، فقيل لها: انظري إلى ابن أخيك المكسّر،
فقالت: ليس واللَّه بالمكسّر، ولكنه واللَّه المجبّر. هكذا ذكره العدوىّ
وطائفة.
وقال الزبير: هلك عبد الرحمن الأصغر، وترك ابنا صغيرا أو حملا، فسمته حفصة
بنت عمر: عبد الرحمن، ولقبته المجبّر، لعلّ اللَّه يجبره. (الاستيعاب) : 2/
843، ترجمة رقم (1443) .
[ (3) ] هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، أخت سعيد بن زيد، أحد
العشرة، وأمها أم كريز بنت عبد اللَّه بن عمار بن مالك الحضرمية.
أخرج أبو نعيم من حديث عائشة، أن عاتكة كانت زوج عبد اللَّه بن أبى بكر
الصديق، وقال أبو عمر: كانت من المهاجرات، تزوجها عبد اللَّه بن أبى بكر
الصديق، وكانت حسناء جميلة، فأولع بها، وشغلته، عن مغازية، فأمره أبوه
بطلاقها، فقال:
يقولون طلقها وخيّم مكانها ... مقيما تمنّى النّفس أحلام نائم
وإن فراقي أهل بيت جمعتهم ... على كثرة منى لإحدى العظائم
ثم عزم عليه أبوه حتى طلقها، فتبعتها نفسه، فسمعه أبوه يوما يقول:
ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها من غير جرم تطلّق
فرقّ له أبوه، وأذن له فارتجعها. ثم لما كان حصار الطائف أصابه سهم، فكان
فيه هلاكه، فمات بالمدينة، فرثته بأبيات منها:
(6/217)
وعبد اللَّه الأصغر بن عمر [ (1) ] ، أمه
سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو
__________
[ () ]
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغيرا
ثم تزوجها زيد بن الخطاب، فاستشهد باليمامة، ثم تزوجها عمر بن الخطاب في
سنة اثنتي عشرة من الهجرة، فأولم عليها،
ودعا أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفيهم عليّ بن أبى طالب،
فقال له: يا أمير المؤمنين، دعني أكلم عاتكة، قال: نعم، فأخذ عليّ بجانب
الخدر ثم قال: يا عدية نفسها، أين قولك:
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فبكت،
فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن؟ كل النساء يفعلن هذا، ثم قتل عنها
عمر، فقالت تبكيه:
عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملّى على الإمام النجيب
فجعتني المنون بالفارسي المعلم ... يوم الهياج والتثويب
قل لأهل الضراء والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب
ومما رثت به عمر رضى اللَّه عنه قولها:
منع الرقاد فعاد عيني عائد ... مما تضمّن قلبي المعمود
قد كان يسهرني حذارك مرة ... فاليوم حقّ لعيني التسهيد
أبكى أمير المؤمنين ودونه ... للزائرين صفائح وصعيد
ثم تزوجها الزبير بن العوام، ثم خطبها عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه
انقضاء عدتها من الزبير، فأرسلت إليه: إني لأضنّ بك يا ابن عم رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم عن القتل، ثم تزوجها الحسين بن عليّ، فتوفى عنها،
وهو آخر من ذكر من أزواجها. فكانت أول من رفع خدّه من التراب ولعن قاتله
والراضي به يوم قتل، وقالت ترثيه:
وحسينا فلا نسيت حسينا ... أقصدته أسنة الأعداء
غادروه بكر بلاء صريعا ... جادت المزن في ذرى كربلاء
ثم تأيمت بعده، فكان عبد اللَّه بن عمر يقول: من أراد الشهادة فليتزوج
بعاتكة، ويقال: إن مروان خطبها بعد الحسين، فامتنعت عليه وقالت: ما كنت
لأتخذ حما بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وتوفيت نحو سنة (40) هـ،
(الاستيعاب) : 4/ 1876- 1880، ترجمة رقم (4024) ، (الإصابة) : 8/ 11، ترجمة
رقم (11448) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 193. (أعلام النساء) : 3/ 201- 206،
(عيون الأخبار) : 4/ 114- 115، (المستطرف في كل فن مستظرف) : 517، (صفة
الصفوة) :
1/ 142.
[ (1) ] لم أجد له ولا لأمه ترجمة فيما بين يدىّ من مراجع.
(6/218)
ابن عبيد بن أمية بن زيد، من بنى عمرو بن
عوف.
ورقية بنت عمر أخت حفصة رضى اللَّه عنها، أمها أم كلثوم بنت على رضى اللَّه
عنها، تزوجها إبراهيم بن نعيم النحام] [ (1) ] بن عبد اللَّه بن أسيد ابن
عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، فولدت له جارية وماتت.
وزينب بنت عمر [ (2) ] ، شقيقة المجبر.
وفاطمة بنت عمر [ (3) ] ، أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة،
تزوجها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فولدت له عبد الرحمن بن زيد.
__________
[ (1) ] زيادة للنسب من (طبقات ابن سعد) . وكان إبراهيم بن نعيم أحد الرءوس
يوم الحرة، وقتل يومئذ في ذي الحجة سنة ثلاث وستين، فمرّ عليه مروان بن
الحكم، وهو مع مسرف بن عقبة ويده على فرجه فقال: واللَّه لئن حفظته في
الممات لكما حفظته في الحياة، فقال له مسرف: واللَّه ما أرى هؤلاء إلا أهل
الجنة، لا يسمع هذا منك أهل الشام فيكركرهم عن الطاعة، فقال لهم مروان:
إنهم بدّلوا وغيّروا.
(طبقات ابن سعد) : 5/ 170- 171.
[ (2) ] زينب بنت عمر بن الخطاب القرشية، قال الزبير بن بكار في كتاب
(النسب) : أمها فكيهة، أم ولد، وهي أخت عبد الرحمن بن عمر الأصغر، والد
المختار. (صفة الصفوة) : 1/ 142، (الإصابة) :
684، ترجمة رقم (11262) .
[ (3) ] قال ابن الجوزي: وفاطمة: أمها أم حكيم بنت الحارث. (صفة الصفوة) :
1/ 142، وقال ابن قتيبة:
وفاطمة وزيدا: أمها أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، من فاطمة بنت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. (المعارف 185) .
(6/219)
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم
سلمة]
هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أبو عثمان القرشي
المخزومي، عم أم سلمة، كان في الجاهلية سيدا مطاعا، يقال له: فارس البطحاء،
وكان يوم الفجار على بنى مخزوم، وأرخت قريش بموته، وأمه وأم إخوته هاشم
وأبى حذيفة مهشم وأبى ربيعة عمرو، وأبى أمية حذيفة وحواش وأبى زهير تميم
والفاكة وعبد اللَّه: ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وله من الولد عثمان أبو
جميل، والحارث والعاصي، وخالد وسعيد وسلمة.
وهشام بن المغيرة، وبه كان يكنى عثمان أبو المغيرة، وهو ابن حنتمة أم عمر
بن الخطاب، ولا عقب له.
وأبو حذيفة بن المغيرة، واسمه مهشم، وله من الولد: أبو أمية وهشام [ (1) ]
.
__________
[ (1) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسيّ: وولد المغيرة
بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وفيه بيت بنى مخزوم، وعددهم: هشام،
والوليد، وأبو حذيفة- واسمه مهشّم- وأبو أميه- واسمه حذيفة- وهاشم،
والفاكه، ونوفل، وأبو ربيعة- واسمه عمر- وعبد اللَّه، وأبو زهير- واسمه
تميم- وعبد شمس، وحفص.
فأما هاشم فإنه ولد حنتمة أم عمر بن الخطاب، ولا عقب لهاشم، ولا للفاكه،
ولا لعبد اللَّه. وكان للفاكه ابن اسمه أبو قيس، قتل يوم بدر كافرا. وكان
لعبد اللَّه بن المغيرة ابنان: عثمان، أسر يوم بدر كافرا، ونوفل، قتل يوم
الخندق كافرا. (جمهرة أنساب العرب) : 144- 145.
لكن قال ابن هشام: وأما عثمان بن عبد اللَّه، فلحق بمكة، فمات بها كافرا.
(سيرة ابن هشام) :
3/ 150.
وقال ابن قتيبة: وكان هشام بن المغيرة سيدا في قومه، وفيه يقول الشاعر:
وأصبح بطن مكة مقشعرّا ... كأن الأرض ليس بها هشام
(6/220)
وأبو أمية، وهو زاد الركب [ (1) ] ، وكان
يعرف بأبي عبد مناف واسمه حذيفة بن المغيرة، وإنما قيل له: زاد الركب [ (1)
] ، لأنه كان إذا سافر لم يتزود معه أحد، وهو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أربع عواتك [ (2) ] .
[الأولى] : عاتكة بنت عبد المطلب [ (3) ] ، وهي أم زهير وعبد اللَّه
__________
[ (1) ] في (جمهرة النسب) للكلبي: ومن بنى المطلب بن أسد بن عبد العزى:
الأسود كان من المستهزءين، وابنه زمعة بن الأسود، قتل يوم بدر كافرا، وكان
يدعى: «زاد الركب» . (جمهرة النسب) : 72.
[ (2) ] سميت المرأة عاتكة لصفائها وحمرتها،
وفي الحديث: قال صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين: أنا ابن العواتك من سليم،
العواتك جمع عاتكة، وأصل العاتكة: المتضمّخة بالطيب. ونخلة عاتكة: لا تأبر،
أي لا تقبل الإبار، وهي الصدود تحمل الشيص.
والعواتك من سليم: ثلاث يعنى جداته صلّى اللَّه عليه وسلم، وهنّ عاتكة بنت
هلال بن فالج بن ذكوان أم عبد مناف بن قصي جدّ هاشم.
وعاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان أم هشام بن عبد مناف.
وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، أم وهب بن عبد مناف بن
زهرة، جدّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أبى أمه آمنة بنت وهب.
فالأولى من العواتك عمة الثانية، والثانية عمة الثالثة، وبنو سليم تفخر
بهذه الولادة.
والعواتك اللاتي ولدنه صلّى اللَّه عليه وسلم: اثنتا عشرة: اثنتان من قريش،
وثلاث من سليم هن اللواتي أسميناهن، واثنتان من عدوان، وكنانية، وأسدية،
وهذلية، وقضاعية، وأزدية. (لسان العرب) : / 464، (النهاية) : 3/ 179- 180.
[ (3) ] هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، كانت عند أبى أمية بن المغيرة
المخزومي فولدت له عبد اللَّه، وزهيرا، وقريبة. قال ابن عبد البر: اختلف في
إسلامها، والأكثرون يأبون ذلك. قال الحافظ الذهبي:
أسلمت، وهاجرت، وهي صاحبة تلك الرؤيا في مهلك أهل بدر، وتلك الرؤيا ثبطت
أخاها أبا لهب عن شهود بدر.
واستدلّ على إسلامها بشعر لها تمدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وتصفه
بالنّبوّة، وقال الدار قطنى في كتاب (الإخوة) : لها شعر تذكر فيه تصديقها.
وقال ابن مندة بعد ذكرها في الصحابة: روت عنها
(6/221)
[وقريبة] [ (1) ] .
[الثانية] : عاتكة بنت جذل الطعان، وهي أم أم سلمة والمهاجر.
[الثالثة] : عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وهي أم قوسة الكبرى وقوسة الصغرى،
هذا قول محمد بن سلام، وقال الزبير بن بكّار: قد غلط ابن سلام، قوسة الصغرى
جدتها، وأمها عاتكة بنت عبد المطلب.
[الرابعة] : عاتكة بنت قيس بن سويد بن ربيعة بن أبير بن نهشل بن
__________
[ () ] أم كلثوم بنت عقبة. وقال ابن سعد: أسلمت عاتكة بنت عبد المطلب
وهاجرت إلى المدينة.
قال الحافظ الذهبي: ولم نسمع لها بذكر في غير الرؤيا. وقال ابن هشام في
(السيرة) ، في غزوة بدر الكبرى: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب- قبل قدوم
ضمضم مكة بثلاث ليال- رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب
فقالت له: يا أخى، واللَّه لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتنى، وتخوفت أن يدخل
على قومك منها شرّ ومصيبة، فأكتم عنى ما أحدثك به، فقال لها:
وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ
بأعلى صوته: ألا انفروا، يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا
إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينما هم حوله مثل به [قام به] بعيره
على ظهر الكعبة، صرخ بمثلها: ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل
به بعيره على رأس أبى قبيس [اسم جبل] ، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها.
فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت [تفتتت] ، فما بقي بيت من
بيوت مكة، ولا دار إلا دخلتها منه فلقة.
قال العباس: واللَّه إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد، ثم
خرج العباس، فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة- وكان صديقا له- فذكرها له،
واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى تحدثت به
قريش في أنديتها. (سيرة ابن هشام) : 3/ 53- 54، (طبقات ابن سعد) : 8/ 43-
45، (طبقات خليفة) : 331، (المعارف) : 118، 119، 128 (الاستيعاب) : 4/
1780، ترجمة رقم (3225) ، (الإصابة) : 8/ 13- 14، ترجمة رقم (11451) ، (سير
الأعلام) : 2/ 272، ترجمة رقم (43) ، (أعلام النساء) : 3/ 207- 208.
[ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) .
(6/222)
دارم، وهي أم أبى الحكم ومسعود ابني أبى
أمية، وربيعة وهشام الأكبر، وقد تقدم في الأحماء.
[الخامسة] : وصفية أمهم عاتكة بنت ربيعة بن عمرو بن عمير الثقفي، فهذه
عاتكة خامسة [ (1) ] .
__________
[ (1) ] كذا بالأصل، لكن قال أبو عمر في (الاستيعاب) : كان لعبد المطلب ستّ
بنات، عمات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهنّ:
[1] أم حكيم بنت عبد المطلب، يقال لها: البيضاء، ويقال: إنها توأمة عبد
اللَّه بن عبد المطلب، وقد اختلف في ذلك، ولم يختلف في أنها شقيقة عبد
اللَّه، وأبى طالب، والزبير بنى عبد المطلب.
وكانت أم حكيم هذه عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف،
فولدت له عامرا وبنات له، وهي القائلة: إني لحصان فما أكلم، وصناع فما
أعلم.
[2] وعاتكة بنت عبد المطلب. كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزوميّ، فولدت
له عبد اللَّه، وزهيرا، وقريبة.
[3] وبرّة بنت عبد المطلب، كانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامري، ثم خلف
عليها بعده عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وقد قيل: إن
عبد الأسد كان عليها قبل أبى رهم.
[4] وأميمة بنت عبد المطلب، كانت عند جحش بن رئاب أخى بنى غنم بن دودان بن
أسد بن خزيمة، وهي أم عبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وأبى أحمد، وزينب، وأم
حبيبة، وحمنة بنت جحش بن رئاب.
[5] وأروى بنت عبد المطلب، كانت تحت عمير بن وهب [بن أبى كبير] بن عبد بن
قصىّ، فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي،
فولدت له أروى.
[6] صفية بنت عبد المطلب بن هاشم [بن عبد مناف] ، عمة رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم وأمها هالة بنت وهيب ابن عبد مناف بن زهرة، وهي شقيقة
حمزة، والمقوم، وحجل بنى عبد المطلب.
كانت صفية في الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، ثم هلك عنها،
وتزوجها العوام بن خويلد بن أسد، فولدت له الزبير، والسائب، وعبد الكعبة،
وعاشت زمانا طويلا. وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، ولها ثلاث
وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع بفناء دار المغيرة [ابن شعبة] وقد قيل: إن
العوام كان عليها قبل، وليس بشيء. (الاستيعاب) : 4/ 1780، ترجمة أورى بنت
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
رقم (3225) ، 4/ 1873، ترجمة صفية عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمة رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقم (4008) .
(6/223)
وأبو ربيعة، وهو ذو الرمحين، واسمه عمرو بن
المغيرة، وله من الولد:
عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وقيل لحي أبى ربيعة: أن اسمه حذيفة، وقيل
اسمه كبيشة، والأول أصح.
وخراش بن المغيرة، وأبو زهير تميم، والفاكه بن المغيرة له من الولد أبو
قيس، وعبد اللَّه بن المغيرة له من الولد عثمان، ونوفل، والوليد بن المغيرة
أبو عبد شمس، أمه وأم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث بن عبد اللَّه بن عبد
شمس من قيس، وله من الولد: خالد بن الوليد سيف اللَّه [ (1) ] ،
__________
[ (1) ] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن
يقظة بن كعب، سيف اللَّه تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، السيد
الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان، القرشيّ المخزوميّ
المكىّ، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.
هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، واستشهد أمراء
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو
الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمّر عليهم في الحال خالد،
وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر، وسماه النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم سيف اللَّه، فقال: إن خالدا سيف سلّه اللَّه على المشركين.
وشهد الفتح وحنينا، وتأمّر في أيام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، واحتبس
أدرعه ولأمته في سبيل اللَّه، وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق،
واستظهر، ثم اخترق البرية السماوية، بحيث إنه قطع المفازة من حدّ العراق
إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده
قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ومناقبه غزيرة، أمّره الصديق على سائر
أمراء الأجناد، وحاصر دمشق، فافتتحها هو وأبو عبيدة.
توفى بحمص سنة إحدى وعشرين- ومشهده على باب حمص عليه جلالة، له أحاديث
قليلة، وقال هشام بن عروة عن أبيه، قال: لما استخلف عمر، كتب إلى أبى
عبيدة: إني قد استعملتك وعزلت خالدا.
وقال خليفة: ولّى عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد على فلسطين،
وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على
حمص.
وقال دحيم: مات بالمدينة. قال الحافظ الذهبي: الصحيح موته بحمص، وله مشهد
يزار، وله في (الصحيحين) حديثان، وفي (مسند بقي) واحد وسبعون. له ترجمة في:
(طبقات ابن سعد) :
4/؟، (مسند أحمد) : 4/ 88، (طبقات خليفة) : 19- 20- 299، (تاريخ خليفة) :
86، 88، 292، 150، (التاريخ الصغير) : 1/ 23، 40، (المعارف) : 267، (الجرح
والتعديل) : 3/ 356،
(6/224)
وعمارة [ (1) ] .
__________
[ () ] (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 72- 174، (تهذيب التهذيب) : 3/ 107،
ترجمة رقم 228 (كنز العمال) : 13/ 366- 375، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/
285، ترجمة رقم (1809) ، (الإصابة) : 2/ 251، ترجمة رقم (2203) ،
(الاستيعاب) : 2/ 427، ترجمة رقم (603) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 366-
384، ترجمة رقم (78) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 127، ترجمة رقم (130) ،
(تلقيح الفهوم) : 368، (صفة الصفوة) : 1/ 330، ترجمة رقم (81) ، (شذرات
الذهب) : 1/ 232، (الثقات) : 3/ 101، (التاريخ الكبير) : 3/ 136، (لسان
الميزان) : 2/ 389.
[ (1) ] قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك
وعداوته، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له- فيما بلغني-:
يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد [أشدّ] فتى في قريش وأجمله فخذه،
فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الّذي قد
خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك وسفّه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو
رجل برجل، فقال: واللَّه لبئس ما تسوموننى! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم
وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا واللَّه ما لا يكون أبدا (سيرة ابن هشام) :
2/ 101- 102، قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبى طالب، (البداية والنهاية)
: 3/ 63.
وروى الحافظ أبو نعيم عن ابن إسحاق عن أبى بردة عن أبيه قال: أمرنا رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض
الحبشة، فبلغ ذلك قريشا، فبعثوا عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، وجمعوا
للنجاشي هدية، فقدما على النجاشىّ، فأتياه بالهدية فقبلها، ثم قال عمرو بن
العاص: إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا، وهم بأرضك، فبعث إلينا، فقال لنا
جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهيت إلى النجاشىّ وهو جالس
في مجلسه، وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان
سماطين [صفّين] ، قد قال لهم عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون، فلما انتهينا
بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك، فقال لهم جعفر: لا نسجد
إلا للَّه عزّ وجلّ، قال له النجاشىّ: وما ذاك؟ قال: إن اللَّه عزّ وجلّ
بعث فينا رسولا، الرسول الّذي بشر به عيسى عليه السلام، فأمرنا أن نعبد
اللَّه، ولا نشرك به شيئا، ونؤتى الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن
المنكر.
فأعجب النجاشىّ ذلك، وذكر نحوا من القصة الأولى، وقال فيه النجاشىّ: وأنا
أشهد أنه رسول اللَّه، وأنه الّذي بشر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك
لأتيته حتى أقبّل نعله. امكثوا ما شئتم، وأمر لنا بالطعام والكسوة، وقال:
ردوا على هذين هديتهما، وكان عمرو بن العاص رجلا قصيرا، وكان عمارة رجلا
جميلا، وكانا أقبلا في البحر إلى النجاشىّ، فشربوا [يعنى خمرا] ، ومع عمرو
امرأته، فلما شربوا قال عمارة لعمرو: مر امرأتك فلتقبلنى، فقال له عمرو:
ألا تستحي! فأخذ عمارة عمروا فرمى به في البحر، فجعل عمرو يناشده حتى أدخله
السفينة، فحقد عليه عمرو ذلك، فقال عمرو
(6/225)
وأبو قيس [ (1) ] ، وهشام [ (2) ] وعبد شمس
[ (3) ] والوليد [ (4) ] .
وعبد شمس [ (5) ] بن المغيرة له من الولد الوليد بن عبد شمس، وحفص بن
المغيرة، أمه من بنى الأحمر بن الحارث بن مناة من كنانة، وكان شريفا، وله
من الولد أبو عمرو [ (6) ] .
ولحفص يقول الشاعر:
نادى المضاف المستضيف وقل له: ... لنا دار حفص بن المغيرة فانزل
__________
[ () ] النجاشىّ: إنك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك، فدعا النجاشىّ، عمارة
فنفخ في إحليله [سحرا] فطار مع الوحش.
قال أبو نعيم: وكل هذه الروايات عمن لا يدفع عن صدق وفهم، فهذا يدل على أن
قريشا بعثت عمرو بن العاص دفعتين: مرة مع عمارة بن الوليد، ومرة مع عبد
اللَّه بن أبى ربيعة. (دلائل أبى نعيم) : 1/ 252، حديث رقم (196) ، وعنه
ابن كثير في (البدائه والنهاية) : 3/ 89- 94، (دلائل البيهقي) : 2/ 285،
باب الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الثانية، وما ظهر فيها من الآيات، وتصديق
النجاشىّ ومن تبعه من القسيسين والرهبان رسول اللَّه، (جمهرة النسب) : 88.
[ (1) ] أبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتل يوم بدر كافرا (المرجع السابق)
.
[ (2) ] هشام بن الوليد بن المغيرة، هو الّذي قتل أبا أزيهر الدوسيّ بذي
المجاز.
[ (3) ] وبه كان الوليد يكنى (المرجع السابق) .
[ (4) ] الوليد بن الوليد، كان من خيار المسلمين (المرجع السابق) .
[ (5) ] قال الكلبي: ومن ولد عبد شمس بن المغيرة: الأزرق، وهو عبد اللَّه
بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة ولى اليمن لابن الزبير،
[وقيل: ولى الجند ومخالفيها] ، وكان من أجود العرب، وكان أبو دهبل يمدحه
بقوله:
عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم
متقدّم بنعم مخالف قول لا ... سيّان منه الوفر والعدم
(المرجع السابق) .
[ (6) ] قال الكلبي: ومن ولد حفص بن المغيرة: عبد اللَّه بن أبى عمرو بن
حفص بن المغيرة، وهو أول خلق اللَّه خلع يزيد بن معاوية. (جمهرة النسب) :
89، (جمهرة أنساب العرب) : 149.
(6/226)
فإن بلاد اللَّه إلا محلّة ... جدوب، وإن
تنزل على الجدب تهزل
وعثمان بن المغيرة، أمه بنت شيطان، واسمه عبد اللَّه بن عبد الحارث بن مالك
بن عبد مناة بن كنانة.
(6/227)
[أولاد عمّ أمّ سلمة]
وأما أولاد عم أم سلمة فهم:
عثمان بن هشام بن المغيرة، وبه كان يكنى أبوه، وأمه بنت عثمان بن عبد
اللَّه بن عمر بن مخزوم، ولا عقب له [ (1) ] .
وخالد بن هشام بن المغيرة، أسره يوم بدر سواد بن غزيه [ (2) ] .
والحارث بن هشام بن المغيرة، أبو عبد الرحمن، أمه وأم أخيه أبى جهل:
أم الحلاس أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم [ (3) ] ،
وإخوتهما لأمهما: عياش وعبد اللَّه وأم حجير بنو أبى ربيعة بن المغيرة،
وشهد بدرا كافرا، وفرّ فعيّره حسان بن ثابت الأنصاري رضى اللَّه عنه
__________
[ (1) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 140، ذكر من أسر من المشركين [في بدر] ،
(سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر، من بنى مخزوم بن يقظة بن
مرة.
[ (3) ] هي أسماء بنت سلمة- ويقال: سلامة بن مخربة ويقال: مخرمة- بن جندل
بن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية، كانت من المهاجرات، هاجرت مع
زوجها عياش بن أبى ربيعة إلى أرض الحبشة، وولدت له بها عبد اللَّه بن عياش
بن أبى ربيعة، ثم هاجرت إلى المدينة، وتكنى أم الجلاس.
روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عنها ابنها عبد اللَّه بن عياش
بن أبى ربيعة.
وأما أم عياش بن أبى ربيعة فهي أم أبى جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة،
وهي أيضا أم عبد اللَّه.
ابن أبى ربيعة، أخى عياش بن أبى ربيعة، وأمها أسماء بنت مخرمة بن جندل، وهي
عمة أسماء بنت سلمة، زوجة عياش بن أبى ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة بن
مخرمة التميمية.
قال الحافظ في (الإصابة) : وخلط ابن مندة ترجمتها بترجمة عمتها أسماء بنت
مخربة.
(الإصابة) : 7/ 484- 485، ترجمة رقم (10795) ، (الاستيعاب) : 4/ 1783،
ترجمة رقم (3227) .
(6/228)
بفراره في شعر [ (1) ] ، فاعتذر عن ذلك
بشعر قاله [ (2) ] ، ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا، وأسلم يوم الفتح وحسن
إسلامه، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، وكان من المؤلفة، مات بالشام في
طاعون عمواس، وقيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة وله عقب [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال حسّان:
إن كنت كاذبة الّذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام
[ (2) ] قال الحارث بن هشام:
اللَّه يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزيد
ووجدت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبدّد
فعلمت أنى إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يبكى عدوى مشهدي
ففررت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
وقد وردت هذه الأبيات باختلاف يسير في اللفظ، وبزيادة ونقصان في العدد، وقد
ذكرها كل من: الحافظ في (الإصابة) ، وأبو عمر في (الاستيعاب) في ترجمة
الحارث بن هشام كما ذكرها مطولة ابن هشام في (السيرة) ، وحسان بن ثابت في
(الديوان) .
[ (3) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 444، (طبقات خليفة) : ت 2819،
(المعارف) : 281، (الجرح والتعديل) : 2/ 1/ 92، (المستدرك) : 3/ 277،
(الاستيعاب) : 1/ 301- 304، ترجمة رقم (440) ، (الإصابة) : 1/ 605- 608،
ترجمة رقم (1506) ، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 419- 421، ترجمة رقم (167) ،
(تهذيب التهذيب) : 2/ 140- 141، ترجمة رقم (281) ، (شذرات الذهب) : 1/ 30،
(البداية والنهاية) : 3/ 29، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 187، ترجمة رقم
(1169) ، (أسماء الصحابة الرواة) : 337، ترجمة رقم (530) ، (تلقيح الفهوم)
:
376، (ديوان حسان بن ثابت) : 331، قصيدة رقم (227) ، (سيرة ابن هشام) : 3/
286- 287، (سنن ابن ماجة) : 1/ 641، حديث رقم (1991) ، (تاريخ الإسلام) :
3/ 183.
وعمواس أو عمواس: كورة من فلسطين، بالقرب من بيت المقدس، وقيل: هي ضيعة على
ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، وفيها كان ابتداء الطاعون في
أيام عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ثم فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق
كثير من الصحابة وغيرهم، [منهم الحارث بن هشام] .
وقيل: مات فيه خمسة وعشرون ألفا من المسلمين. (معجم البلدان) ، (تاريخ
الإسلام) :
3/ 420 [هامش] .
(6/229)
وأبو جهل، عمرو بن هشام [ (1) ] بن
المغيرة، كان يكنى بأبي الحكم، فكناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بأبي جهل، أنشد المبرد لحسان بن ثابت [ (2) ] :
أيا من كنّوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل
أبت رياسته لأسرته ... يوم الفزوع وذلة الأهل
وروى أنه قال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل [ (3) ] ، وأخباره
في محادّته للَّه ولرسوله كثيرة، منها: أنه كان في نفر من قريش فيهم عقبة
بن أبى معيط [ (4) ] ، وكان عقبة أسفه قريش، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم يصلى فأطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت
بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد، فانطلق عقبة بن أبى معيط، فأتى
بفرثها فألقاه على ما بين كتفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو
ساجد، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم، فلم
يرجعوا إليها شيئا،
ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين رفع رأسه فقال: اللَّهمّ عليك
بقريش، عليك بعقبة بن أبى معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف،
ثم قال لأبى جهل: واللَّه لتنتهين أو لينزلن اللَّه عليك قارعة.
__________
[ (1) ] في (خ) : «عمرو بن الحارث بن هشام» ، وصوبناه من (جمهرة أنساب
العرب) ، وفيه: فولد هشام ابن المغيرة: أبو جهل، اسمه: عمرو، وكنيته: أبو
الحكم، وأبو جهل: لقب. (جمهرة أنساب العرب) : 145.
[ (2) ] لم أجدهما في النسخة المحققة من (الديوان) .
[ (3) ] (تذكرة الموضوعات للفتنى) : 100.
[ (4) ] في (خ) : (أبى معيط أبان) .
(6/230)
وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
فلقيه أبو البحتري العاص بن هاشم بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ [ (1) ] ،
وكان أقل الناس أذى له، فأنكر وجهه، فسأله عن خبره، فأخبره به، وكان معه
سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به، فتشاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى، فقال
أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقى بينكم العداوة [ (2) ] .
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعقبة: يا ابن أبان، ما أنت بمقصر
عما ترى، فقال:
لا، حتى تدع ما أنت عليه، فقال واللَّه لتنتهين أو لتحلنّ بك قارعة.
وقال أبو جهل: واللَّه لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن رقبته، فبلغه أنه يصلى،
فأقبل مسرعا فقال: ألم أنهك يا محمد عن الصلاة، فانتهره رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، فقال: أتنتهرنى وتهددنى وأنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه
العباس ابن عبد المطلب فغضب وقال: كذبت، فنزلت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى
* عَبْداً إِذا صَلَّى [ (3) ] ، يعنى أبا جهل، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى
الْهُدى [ (4) ] ، يعنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] .
وقال أبو جهل: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات،
فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل
__________
[ (1) ] اسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب
بن مرة بن كعب بن لؤيّ، قاله ابن إسحاق وهو قول الكلبي، وقال ابن هشام:
اسمه العاص بن هاشم، وهو قول الزبير بن أبى بكر وقول مصعب. (سيرة ابن هشام)
: 2/ 99.
[ (2) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 266- 267، حديث رقم
(200) لكن بسياقه أخرى أطول من ذلك.
[ (3) ] العلق: 9، 10.
[ (4) ] العلق: 11.
[ (5) ] (تفسير ابن كثير) : 4/ 565- 566، (دلائل البيهقي) : 2/ 189- 192،
(عيون الأثر) :
1/ 108.
(6/231)
ذلك، فقال: لم يقدّر في اللَّه على ذلك،
قال: فسخّر لنا الريح لتحملنا إلى الشام في يوم وتردّنا في يوم، فإن طول
السفر يجهدنا، فلست بأهون على اللَّه من سليمان بن داود، فقد كان يأمر
الريح فتغدو به مسيرة شهر، وتروح به مسيرة شهر، فقال: لا أستطيع ذلك، فقال
أبو جهل: فإن كنت غير فاعل شيئا ما سألناك، فلا تذكر آلهتنا بسوء، فقال عبد
اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: فأرنا
كرامتك على ربك، فليكن لك بيت من زخرف، وجنة من نخيل وعنب تجرى تحتها
الأنهار، وفجّر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا أو عليها، وإلا فأسقط
السماء علينا كسفا، فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الّذي خلقني، قال: فارق إلى
السماء وأتنا بكتاب نقرأه ونحن ننظر إليك، فنزلت فيه الآيات من سورة
الإسراء [ (1) ] .
ولما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ
يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [ (2) ] ، قال أبو جهل: إنما
أنا أدعو لكم يا معشر قريش
__________
[ (1) ] (تفسير ابن كثير) : 3/ 66- 86، الآيات 29- 94 من سورة الإسراء.
[ (2) ] الدخان: 43- 46، ولما ذكر اللَّه تعالي فريقا مرحومين على وجه
الإجمال، قابله هنا بفريق معذبون، وهم المشركون، ووصف بعض أصناف عذابهم،
وهو مأكلهم وإهانتهم، وتحريقهم، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام
بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم، كما قال في سورة الواقعة: ثُمَّ
إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ
مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، فعدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم
بأنها طعام الأثيم، اهتماما بالإعلام بحال هذه الشجرة، وقد جعلت شجرة
الزقوم شيئا معلوما للسامعين، فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة، لأنها سبق
ذكرها في سورة الواقعة، التي نزلت قبل سورة الدخان، فإن الواقعة عدّت
السادسة والأربعين في عداد نزول السور، وسورة الدخان ثالثة وستين. ومعنى
كون الشجرة طعاما أن ثمرها طعام، كما قال تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ
الشَّياطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا
الْبُطُونَ [الصافات: 65- 66] .
وكتبت كلمة شجرت في المصاحف بتاء مفتوحة، مراعاة الحالة الوصل، وكان الشائع
في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف، فهذا مما جاء علي خلاف الأصل.
والأثيم: الكثير الآثام، كما دلت عليه فعيل، والمراد به: المشركون
المذكورون في قوله تعالى:
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما
نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [الدخان: 43- 53] ، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار،
لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه. (تفسير
(6/232)
[لنتزقم] [ (1) ] فدعا بزبد وتمر فقال:
تزقموا من هذا، فإنا لا نعلم زقوما غير هذا، فبين اللَّه تعالي أمرهم فقال:
إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ
رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (2) ] ، فقالت قريش: شجرة تنبت في النار؟
فكانت فتنة لهم، وجعل المستهزءون يضحكون [ (3) ] .
وفي رواية: ولما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [ (4) ] ، قال أبو
جهل: ائتونا بزبد وتمر ثم قال: تزقموا فإن هذا الزقوم، فنزلت: إِنَّها
شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
__________
[ () ] التحرير والتنوير) : 25/ 314.
وشجرة الزقوم ذكرت هنا. ذكر ما هو معهود من قبل لورودها معرّفة بالإضافة،
ولوقوعها في مقام التفاوت بين حالي خير وشرّ، فيناسب أن تكون الحوالة على
مثلين معروفين، فأما أن يكون اسما جعله القرآن لشجرة في جهنم، ويكون سبق
ذكرها في: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ*
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، وكان نزولها قبل
نزول سورة الصافات.
ويبين هذا ما رواه الكلبي: أنه لما نزلت هذه الآية [أي آية سورة الواقعة] ،
قال ابن الزبعري: أكثر اللَّه في بيوتهم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر
والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته: زقمينا، فأتته بزبد وتمر فقال:
تزقموا.
وعن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ
الْأَثِيمِ [الدخان: 43- 44] ، لم يعرفها قريش، فقال أبو جهل: يا جارية
هاتي لنا تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في
الآخرة؟
والمناسب أن يكون قولهم هذا عند ما سمعوا آية سورة الواقعة، لا آية سورة
الدخان، وقد جاءت فيها نكرة.
وأما أن يكون اسما لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون
بتهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء، كريهة الرائحة، صغيرة الورق،
مسمومة، ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم، ومات منه في الغالب. قاله قطرب
وأبو حنيفة.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق.
[ (2) ] الصافات: 64- 65.
[ (3) ] (تفسير التحرير والتنوير) : 23/ 122.
[ (4) ] الواقعة: 51- 52.
(6/233)
وفي رواية: لما نزلت آية الزقوم، لم تعرفه
قريش، فقال أبو جهل: هذا شجر لا ينبت بأرضنا، فمن منكم يعرفه؟ فقال رجل قدم
من إفريقية:
الزقوم بلغة إفريقية: الزبد والتمر، فقال أبو جهل: يا جارية، هاتي تمرا
وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويتزقمون ويقولون: أبهذا يخوفنا محمد في
الآخرة، فبين اللَّه في آية أخرى الزقوم بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ
فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
ونزل قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنى [ (1) ] في أبى جهل [ (2) ] . وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا
عبد اللَّه بن نمير عن حجاج عن منذر عن ابن الحنفية في قوله تعالى:
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (3) ] قال:
كان أبو جهل وصناديد قريش يأتون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم يسلمون فيقولون: إنه يحرم الخمر ويحرم ما كانت تصنع العرب
فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم، فنزلت هذه الآية:
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [ (4) ] .
__________
[ (1) ] الليل: 8- 9.
[ (2) ] (البحر المحيط) : 10/ 494، وقال الزمخشريّ: الآية واردة في
الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين [وهو أبو جهل] ، وعظيم من المؤمنين
[وهو أبو بكر] ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: الأشقى،
وجعل مختصا بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له. وقال: الْأَتْقَى، وجعل
مختصا بالنجاة، وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف، وأبو بكر الصديق رضى
اللَّه تعالى عنه.
(المرجع السابق) ، (الكشاف) 4/ 218.
[ (3) ] العنكبوت: 13.
[ (4) ] قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا
اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ
خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [العنكبوت: 12] ، أي إن كان
اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون، فلنحمل ذلك
عنكم، فنؤاخذ بها دونكم.
قال مقاتل: يعنى قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من اللَّه، واللام في
لْنَحْمِلْ لام الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، وقال الزمخشريّ: الأمر
بمعنى الخبر، وقرئ بكسر اللام، وهو لغة الحجاز، ثم ردّ عليهم بقوله: وَما
هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ، من الأولى بيانية،
(6/234)
وقدم رجل من هذيل يقال له عمرو بغنم له،
فباعها، ورآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه، فقال
له أبو جهل- وكان خفيفا حديد الوجه، ونظر به حوله فقال: انظر إلى ما دعاك
إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه، أو تسمع منه شيئا، فإنه قد
سفّه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا يدخل النار بعد الموت وما أعجب ما
يأتى به، قال: أفما تخرجونه من أرضكم؟ قال: لئن خرج من بين أظهرنا فيسمع
كلامه وحلاوة لسانه قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن أن يكر علينا بهم، قال:
فأين أسرته عنه؟ قال:
إنما أمتنع بأسرته، ثم أسلم هذا الهذيلى يوم الفتح.
وقدم رجل من أراش بإبل له مكة، فباعها من أبى جهل [ (1) ] ، فمطله
بأثمانها، فوقف الرجل على ناد [ (2) ] [من] قريش فقال: يا معشر قريش! إني
رجل غريب ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وجلسنى به
حتى شقّ عليّ، فمن رجل يقوم معى فيأخذ لي حقي منه،
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا وهم
يهزءون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه يأخذ لك بحقك، فأتى رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا
__________
[ () ] ومن الثانية مزيدة للاستغراق، أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم
التي التزموا بها، وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم اللَّه تعالى بالكذب في هذا
التحمل، فقال: إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم.
قال المهدوى: هذا التكذيب لهم من اللَّه عزّ وجل حمل على المعنى، لأن
المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى
إلى الخبر، أوقع عليه التكذيب، كما يوقع على الخبر.
قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أي أوزارهم التي عملوها،
والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة، وَأَثْقالًا مَعَ
أَثْقالِهِمْ أي أوزارا مع أوزارهم، وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى
إلى الضلالة، ومثله
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها،
كما في حديث أبى هريرة، الثابت في (صحيح مسلم) وغيره. (فتح البيان) : 7/
194.
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبى نعيم) : «فابتاعها منه أبو جهل بن
هشام» .
[ (2) ] في (خ) : «نادى» .
(6/235)
محمد، إني رجل غريب، واقتصّ عليه قصته،
فقام معه، حتى ضرب باب أبى جهل، فقال: من هذا قال: محمد بن عبد اللَّه،
فأخرج إليّ، ففتح الباب وخرج، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أخرج
إلى هذا الرجل من حقه، قال:
نعم، فقال: لست أبرح، أو تعطيه حقه، فدخل البيت وأخرج إليه بحقه وأعطاه
إياه، فانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
وانصرف الرجل بحقه إلي مجلس قريش فقال: جزى اللَّه محمدا خيرا، فقد أخذ لي
حقي بأيسر الأمور، ثم انصرف وجاء أبو جهل فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه
ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازءين، فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا ضرب
بابي، حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه، وإن علي رأس لفحلا ما رأيت مثل هامته
وأنيابه قط، فاتحا فاه، فو اللَّه لو أتيت لأكلنى، فأعطيت الرجل حقه، فقال
القوم: ما هو إلا بعض سحره [ (1) ] .
وقال أبو بكر ابن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت
قال: قال أصحاب أبى جهل لأبى جهل وهو يسير إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يوم بدر: أرأيت مسيرك إلى محمد؟ أتعلم أنه نبي؟ قال: نعم، ولكن
متى كنا تبعاً لعبد مناف.
وجاء أبو جهل في عدة من المشركين يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
بسوء، فخرج إليهم وهو يقرأ يس [ (2) ] ، وجعل التراب على رءوسهم،
__________
[ (1) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) مطولا بسياقة أخرى، 1/
210- 212، حديث رقم (161) وقال في آخره: وفي رواية، فقالوا لأبى جهل: فرقت
من محمد كل هذا؟ قال: والّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب
تلألأ. قال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، ولو لم أعطه لخفت أن يبعج بها
بطني. وأخرجه أيضا ابن إسحاق في (السيرة) ، والبيهقي في (الدلائل) ، من
طريق ابن إسحاق، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) ، وسنده مقطوع، وفيه عبد
الملك بن أبى سفيان الثقفي، وهو مجهول كما في (تعجيل المنفعة) ، (سيرة ابن
هشام) : 2/ 233- 235، (عيون الأثر) : 1/ 112.
[ (2) ] أول سورة يس.
(6/236)
ويتعجبون وهم لا يرونه، فلما انصرف أقبلوا
ينفضون التراب عن رءوسهم، ويتعجبون ويقولون: سحّر من سحر محمد.
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في المسجد، ومعه أبو بكر
وعمر وسعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنهم، إذ أقبل رجل من [بنى زبيد] [ (1) ]
وهو يقول:
يا معشر قريش، كيف تدخل عليكم [المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر
بساحتكم] [ (2) ] ، وأنتم تظلمون من دخل عليكم [في حرمكم] [ (3) ]
وجعل يقف على الحلق حتى أتى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في
أصحابه فقال له: من ظلمك؟ قال: أبو الحكم، طلب منى ثلاثة أجمال [كانت من
خيرة] [ (4) ] إبلي فلم أبعه إياها بالوكس، فليس يبتاعها منى أحد أتباعا
لمرضاته، فقد أكسد سلعتي وظلمني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: وأين أجملك؟
قال: هي هذه بالحزورة، فابتاعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فباع
منها جملين بالثمن الّذي التمسه، ثم باع البعير الثالث، وأعطى ثمنه أرامل
بنى عبد المطلب، وأبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم، ثم أقبل إليه
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا عمرو! إياك أن تعود لمثل ما
صنعت بهذا الأعرابي فترى منى ما تكره، فقال: لا أعود يا محمد.
فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقبل إليه أمية بن خلف ومن
حضره من المشركين فقالوا: لقد ذللت في يدىّ محمد كأنك تريد اتباعه، فقال:
واللَّه لا أتبعه أبدا، إنما كان انكسارى عنه لما رأيت من سحره، لقد رأيت
عن يمينه وشماله رجالا معهم رماح يشرعونها إليّ، لو خالفته لكانت إياها،
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (2) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (3) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (4) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
(6/237)
فقالوا هذا سحر منه [ (1) ] .
وخرج أبو جهل إلى بدر مع المشركين، وقال يومئذ: اللَّهمّ أقطعنا للرحم،
وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (2) ] ، واستفتاحه هو قوله هذا
فقتله اللَّه بيد معاذ بن عمرو بن الجموح، وبعض بنى خفراء، ضرباه،
ووقف عليه عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه، ثم جاء إلى النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، قد قتلت أبا جهل، فقال: اللَّه
الّذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟ قال: نعم، فاستحفه الفرح ثم قال: انطلق
فأرينه، فانطلق حتى قام به على رأسه، فقال: الحمد للَّه الّذي أخزاك، هذا
فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب، فجروه، ونفل عبد اللَّه بن مسعود سيفه [
(3) ] .
ونقل أن أبا جهل كان مستوها، واحتجوا بقول عتبة له: «سيعلم مصفّر استه» ،
وردّ هذا بأن هذه الكلمة قالها قيس بن زهير في حذيفة بن بدر يوم الهباء،
ولم يقل أحد إن حذيفة كان مستوها.
وقال ابن دريد عن الأبنة: هو ممن لم يعرف في الجاهلية إلى في نفر منهم أبو
جهل، ولهذا قيل له: مصفر استه، وقابوس بن المنذر عم النعمان، ويلقب حبيب
العروسى، وطفيل بن مالك، وأنشد المبرد في بنى مخزوم:
شقيت بكم وكنت لكم جليسا ... فلست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبى جهل أخوكم ... غزا بدرا بمجمرة ونور
__________
[ (1) ] (عيون الأثر) : 1/ 112- 113 باختلاف يسير، وزيادة ونقصان.
[ (2) ] الأنفال: 19، (سيرة ابن هشام) : 3/ 222، والاستفتاح: الإنصاف في
الدعاء، 3/ 266- 267، (عيون الأثر) : 1/ 257.
[ (3) ] (عيون الأثر) : 1/ 260- 262، (سيرة ابن هشام) : 3/ 182- 185.
(6/238)
وقيل نسبة إلى فراقه التوضيع، وكقوله عتبة
بن ربيعة فيه: «سيعلم مصفّر استه» ، وفيه قيل:
الناس كنوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل
أبقت رئاسته لأسرته ... يوم الفزوع ورقة الأصل
وكان له يوم قتل سبعون سنة- لعنه اللَّه- وله من الولد: عكرمة بن أبى جهل،
أسلم، وأبو علقمة زرارة، وحاجب، واسمه تميم، وعلقمة، وأربع بنات، وانقرض
عقبه.
والعاص بن هشام بن المغيرة، قتله عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يوم بدر
كافرا [ (1) ] ، وهشام بن العاص [ (2) ] وسعيد بن العاص أسلم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 267.
[ (2) ] هو
هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشيّ
المخزوميّ، هو الّذي جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الفتح وكشف
عن ظهره، ووضع يده على خاتم النبوة، فأخذ رسول اللَّه يده فأزالها، ثم ضرب
في صدره ثلاثا وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الغل والحسد- ثلاث.
وكان الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن يحى بن هشام بن العاص
يقول: نحن أقل أصحابنا حسدا.
ومن طريق ابن شهاب، قال عمر لسعيد بن العاص الأموي: ما قتلت أباك؟ إنما
قتلت خالي العاص ابن هشام. (الاستيعاب) : 4/ 1540، ترجمة رقم (2684) ،
(الإصابة) : 6/ 2542، ترجمة رقم (8973) .
[ (3) ] هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشيّ الأمويّ، أبو
عثمان، أمه أم كلثوم بنت [عمرو] بن عبد اللَّه بن أبى قيس بن عمرو
العامرية، ولم يكن للعاص ولد غير سعيد المذكور. قال ابن أبى حاتم، عن أبيه:
له صحبه. قال الحافظ في (الإصابة) : كان له يوم مات النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم تسع سنين، وقتل أبوه يوم بدر، قتله عليّ، ويقال: إن عمر قال لسعيد بن
العاص: لم أقتل أباك، وإنما قتلت خالي العاص بن هشام. فقال: ولو قتلته لكنت
على الحق وكان على الباطل، فأعجبه قوله.
وكان من فصحاء قريش، ولهذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن، قال ابن أبى
داود في (المصاحف) : حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا أبى، حدثنا سعيد بن عبد
العزيز، أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم
لهجة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وولي الكوفة، وغزا طبرستان ففتحها، وغزا جرجان، وكان في عسكره حذيفة وغيره
من كبار الصحابة، وولى المدينة لمعاوية.
(6/239)
وسلمة بن هشام بن المغيرة أسلم قديما، وحبس
وعذب في اللَّه، وهاجر إلى الحبشة، وقدم المدينة بعد الخندق، وقتل يوم مرج
الصّفّر سنة أربع عشرة، وقيل: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة، وكان من خيار
الصحابة [ (1) ] .
__________
[ () ] وله حديث في الترمذي من رواية أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن
العاص عن أبيه عن جده، إن كان الضمير يعود على موسى.
وروى الزبير، من طريق عبد العزيز بن أبان، عن خالد بن سعيد عن أبيه، عن ابن
عمر، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ببردة، فقالت: إني
نذرت أن أعطى هذه البردة لأكرم العرب، فقال:
أعطيها لهذا الغلام، وهو واقف، يعنى سعيدا هذا.
قال الزبير: والثياب السعدية تنسب إليه.
وذكر ابن سعد في ترجمته قصة ولايته على الكوفة بعد الوليد بن عقبة لعثمان،
وشكوى أهل الكوفة منه، وعزله مطولا. وكان معاوية عاتبه على تخلفه عنه في
حروبه، فاعتذر، ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها.
وروى ابن أبى خيثمة، من طريق يحيى بن سعيد، قال: قدم محمد بن عقيل بن أبى
طالب على أبيه، فقال له: من أشرف الناس؟ قال: أنا وابن أمى، وحسبك بسعيد بن
العاص.
وقال معاوية: كريمة قريش سعيد بن العاص، وكان مشهورا بالكرم والبرّ، حتى
كان إذا سأله سائل وليس عنه ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورا،
فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينا، فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق.
وحجّ سعيد بالناس في سنة تسع وأربعين، أو سنة اثنتين وخمسين، ولبث بعدها.
وروى عن صالح ابن كيسان، قال: كان سعيد بن العاص حليما وقورا، وكان إذا أحب
شيئا أو أبغضه لم يذكر ذلك، ويقول: إن القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن
يكون مادحا اليوم، عائبا غدا.
ومن محاسن كلامه: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا تمازح الدنىء فتهون
عليه. ذكره في (المجالسة) من طريق أبى عبيدة، وأخرجه ابن أبى الدنيا من وجه
آخر عن ابن المبارك.
ومن كلامه: موطنان لا أعتذر من العيّ فيهما: إذا خاطبت جاهلا، أو طلبت حاجة
لنفسي، ذكره في (المجالسة) ، من طريق الأصمعي. وقال مصعب الزبيري: كان يقال
له: عكة العسل. وقال الزبير ابن بكار: مات سعيد في قصره بالعقيق سنة ثلاث
وخمسين. له ترجمة في: (الإصابة) :
3/ 107- 109، ترجمة رقم (3270) ، (الاستيعاب) : 2/ 621- 624، ترجمة رقم
(987) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 19- 21، (أسماء الصحابة الرواة) : 372، ترجمة
رقم (608) ، (تلقيح الفهوم) : 381، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 444- 449،
ترجمة رقم (87) ، (الوافي بالوفيات) :
15/ 227، (جمهرة أنساب العرب) : 80، (الجرح والتعديل) : 4/ 48، (تهذيب
الأسماء واللغات) : 1/ 218، (شذرات الذهب) : 1/ 65.
[ (1) ] هو سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم
المخزوميّ، أخو أبى جهل والحارث،
(6/240)
وحنتمة ابنة هاشم بن المغيرة [ (1) ] ابنة
عم أم سلمة، كانت تحت الخطاب ابن نفيل، فولدت له عمر بن الخطاب، وصفية بنت
الخطاب، وأميمة بنت الخطاب.
وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة [أمه عبلة بنت عبيد بن جاذل] [ (2) ]
يوم بدر [ (3) ] ، وقتل يوم أحد كافرا [ (4) ] .
وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة، أمه وأم أبى أمية: حذيفة بنت أسد بن عبد
اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهما ابنا عم أم سلمة، وأسلم هشام وهاجر إلي
الحبشة، وقال الواقدي في اسمه هشام: هاشم، وقال هشام وهم ممن قاله [ (5) ]
.
وعبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة، أمه وأم أخيه عياش أسماء بنت
__________
[ () ] يكنى أبا هشام. كان من السابقين، وثبت ذكره في الصحيح من حديث أبى
هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا له لما رفع رأسه من الركوع أن
ينجيه من الكفار، وكانوا قد حبسوه عن الهجرة، وآذوه، فروى عبد الرزاق من
طريق عبد الملك بن أبى بكر بن الحارث بن هشام، قال: فرّ عياش بن أبى ربيعة،
وسلمة بن هشام. والوليد بن الوليد من المشركين، فعلم النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم بمخرجهم، فدعا لهم لما رفع رأسه من الركوع.
وروى ابن إسحاق من حديث أم سلمة أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام: ما لي لا
أرى سلمة يصلى مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: كلما خرج صاح به
الناس: يا فرّار، وكان ذلك عقب غزوة مؤتة.
ورواه الواقدي من وجه آخر، وزاد: فقال النبي: بل هو الكرّار، وروى ابن سعد
أن سلمة لما هرب من قريش، قالت أمه ضباعة:
لا هم رب الكعبة المحرمة ... أظهر على كل عدو سلمه
له يدان في الأمور المبهمة ... كف بها يعطى وكف منعمه
وقال: فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى الشام، فاستشهد بمرج
الصّفّر في المحرم سنة أربع عشرة، وذكر عروة وموسى بن عقبة أنه استشهد
بأجنادين، وبه جزم أبو زرعة الدمشقيّ، وصوّبه أحمد، له ترجمة في: (الإصابة)
: 3/ 155- 156، ترجمة رقم (3405) ، (طبقات ابن سعد) : 4/ 96، (الاستيعاب) :
2/ 643- 644، ترجمة رقم (1032) .
[ (1) ] الإصابة: 4/ 588، ترجمة عمر بن الخطاب رقم (5740) ، (الاستيعاب) :
3/ 1144، ترجمة عمر ابن الخطاب رقم (1878) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وما أثبتناه من (جمهرة النسب) :
37، ولعله يناسب السياق والنسب.
[ (3) ] (سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر.
[ (4) ] (سيرة ابن هشام) : 4/ 85، ذكر من قتل من المشركين يوم أحد.
[ (5) ] (الإصابة) : 6/ 538، ترجمة رقم (8968) ، (الاستيعاب) : 4/ 1538،
ترجمة رقم (2680) .
(6/241)
مخرّبة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم،
وهي أم الحارث وأبى جهل ابني هشام بن المغيرة، وكان هشام طلقها، فتزوجها
أخوه أبو ربيعة، فندم هشام على فراقه إياها، وكان اسم عبد اللَّه بحيرا،
وكان من أشراف قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، وكان من أحسن قريش وجها
فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه، وكنيته أبو عبد
الرحمن، وهو الّذي بعثته قريش مع عمرو ابن العاص إلى النجاش لأخذ جعفر بن
أبى طالب ومن معه، وولاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [الجند]
ومخالفيها، وقيل: ولاه عمر على الجند، [وكان عاملا على البصرة لابن الزبير]
[ (1) ] .
[ومات سنة خمس وثلاثين، وكان قد جاء من اليمن لينصر عثمان لما حصر] [ (1) ]
، وله من الولد: عمر بن أبى ربيعة الشاعر، والحارث بن عبد اللَّه الّذي
يقال له: القباع [ (2) ] .
وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو عبد الرحمن، أسلم
قديما، وهاجر إلى الحبشة مع امرأته أم الجلاس أسماء ابنة سلمة، ويقال:
سلامة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم التيمية، وهي ابنة أخى
أسماء بنت مخربة أم أبى جهل. والحارث بن هشام، وأم عبد اللَّه وعياش ابني
أبى ربيعة، وولدت له بالحبشة ابنه عبد اللَّه بن عياش، ثم هاجر إلى المدينة
حين هاجر عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقدم عليه أخوه لأمه أبو جهل بن
هشام، والحارث بن هشام، فذكر له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل
حتى تراه.
فرجع معهما، فأوثقاه وباطا، وحبساه بمكة،
فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له فيقول في قنوته: اللَّهمّ
أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الكامل في
التاريخ) .
[ (2) ] ترجمته وأخباره في (الكامل في التاريخ) : 2/ 148، 3/ 70، 77، 186،
200، 4/ 260، (تاريخ الطبري) : 4/ 214، (سيرة ابن هشام) : 2/ 176، 177، 2/
178، 1980، 186، 4/ 5، (عيون الأثر) : 2/ 167، (طبقات ابن سعد) : 2/ 40.
(6/242)
ابن أبى ربيعة.
وقتل يوم اليرموك، وقيل: مات بمكة، وله من الولد عبد اللَّه ابن عياش، وأبو
قيس بن الفاكة ابن المغيرة عم أم سلمة، أمه [] [ (1) ] ابنة عثمان بن [عبيد
اللَّه] [ (2) ] بن عمر [ (3) ] .
ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، شهد الخندق مع قومه، وعبر الخندق مع عمرو
بن عبد في نفر من قريش، وقام سائر المشركين من وراء الخندق، ودعا عمرو بن
عبد إلى البراز، فانتدب له على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقتله، ففر
أصحابه الذين في الخندق هاربين، إلا نوفل هذا فإنه كبابه فرسه في الخندق،
فرمى بالحجارة حتى قتل] [ (4) ] ، ويقال: بل حمل الزبير بن العوام رضى
اللَّه عنه عليه بالسيف، شقه باثنتين، وقطع بدوح سرجه ويقال: خلص إلى كاهل
الفرس، فقيل له: يا أبا عبد اللَّه! ما رأينا سيفا مثل سيفك، فقال: واللَّه
ما هو بالسيف، ولكنها الساعد.
وخالد بن الوليد بن المغيرة أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد القرشي المخزوميّ
سيف اللَّه، أمه لبابة الصغرى، وقيل: لبابة الكبرى بنت الحارث بن
__________
[ (1) ] بياض بالأصل.
[ (2) ] في (خ) : «عبد اللَّه» ، وصوبناه من (المعارف) .
[ (3) ]
قال أبو عمر: روى عياش بن أبى ربيعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه
قال: لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها- يعنى الكعبة
والحرم- فإذا ضيعوها هلكوا.
روى عنه عبد الرحمن بن سابط، ويقولون: إنه لم يسمع منه، وإنه أرسل حديثه
عنه، وروى عنه نافع مرسلا أيضا، وروى عنه ابنه عبد اللَّه بن عياش سماعا
منه. له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 1230- 1231، ترجمة رقم (2009) ، (سيرة
ابن هشام) : 2/ 91، 163، 169، 212، 321، 322، 324، 325، 4/ 290، (المعارف)
: 187، 229، 230، (طبقات ابن سعد) : 1/ 200، 4/ 129.
[ (4) ]
قال ابن إسحاق- وقد ذكر يوم الخندق-: ومن بنى مخزوم بن يقظة: نوفل بن عبد
اللَّه بن المغيرة، سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يبيعهم
جسده، وكان قد اقتحم الخندق، فتورط فيه فقتل، فغلب المسلمون على جسده، فقال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا حاجة لنا في جسده ولا بثمنه، فخلى
بينهم وبينه.
قال ابن هشام: - أعطوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بجسده عشرة آلاف
درهم فيما بلغني عن الزهري. (سيرة ابن هشام) : 4/ 215.
(6/243)
حزن الهلالية، أخت ميمونة. أم المؤمنين،
وهو أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت القبة والأعنة.
فأما القبة، فإنّهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش،
وأما الأعنة، فإنه كان يكون على الخيل في الحرب، وأسلم بين الحديبيّة
وخيبر، وقيل: أسلم سنة خمس بعد بنى قريظة، وقيل أسلم سنة ثمان هو وعمرو بن
العاص، وعثمان بن طلحة، ولم يترك منذ أسلم تولية رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم أعنة الخيل، فيكون في مقدمتها في محاربة العرب.
وشهد الحديبيّة والفتح، وما بعده، وكان على خيله يوم الحديبيّة، وكان على
مقدمته يوم حنين في بنى سليم، وبعثه في سنة تسع إلى أكيدر دومة الجندل،
فأخذه وقدم به، وبعثه في سنة عشر إلى الحارث بن كعب، وأمّره أبو بكر رضى
اللَّه عنه على الجيوش في الرّدّة، ففتح اللَّه عليه اليمامة وغيرها، وقتل
على يديه أكثر أهل الرّدة، ثم افتتح دمشق، ومات بحمص، وقيل: بالمدينة، سنة
إحدى وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وأخباره كثيرة، وفضائله شهيرة [ (1)
] .
وعمارة بن الوليد بن المغيرة، أبو قائد، كان من فتيان قريش جمالا وشعرا،
وهو الّذي جاء به مشركو قريش إلى أبى طالب ليأخذه بدل رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم ويدفعه إليهم ليقتلوه، وهو الّذي بعثت به قريش مع عمرو بن
العاص إلى النجاش في أخذ من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، فيعرض لجارية
عمرو، فكاده عند النجاش حتى سحر، وذهب مع الوحش حتى خرج إليه عبد اللَّه بن
أبى ربيعة، بن المغيرة، فأخذه فمات في يده، وله
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
(6/244)
أخبار وشعر جيد، وله من الولد: قائد،
والوليد، وأبو عبيدة [ (1) ] .
وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتله على رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [
(2) ] .
وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة [ (3) ] ، ابنة عم أم سلمة، وكانت تحت ابن
عمها الحارث بن هشام بن المغيرة، فولدت له عبد الرحمن وأم حكيم، وأم فاطمة
هذه حنتمة بنت شيطان بن عمرو بن كعب بن وائلة الأحمر بن الحارث بن عبد
مناه.
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] قال ابن هشام- وقد ذكر قتلى بدر من المشركين-: ومن بنى مخزوم: أبو
قيس الفاكة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر مخزوم، وأبو قيس بن الوليد بن
المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم. (سيرة ابن هشام) : 3/ 190، ثم قال
في ص 287: أن أبا قيس بن الفاكة قتله عليّ رضى اللَّه عنه، وأن أبا قيس بن
الوليد قتله حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه.
[ (3) ] هي فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم القرشية
المخزومية، أخت خالد بن الوليد، قال ابن سعد: أمها حنتمة- بمهملة مفتوحة
ونون ساكنة، ثم مثناة من فوق مفتوحة- بنت عبد اللَّه بن عمرو بن كعب
الكنانية.
أسلمت يوم الفتح، وبايعت، وهي زوج الحارث بن هشام، وهي والدة عبد الرحمن،
وأم حكيم ابني الحارث. قال أبو عمر: ويقال: إن عمر تزوجها بعد الحارث، وفيه
نظر.
قال الحافظ في (الإصابة) : وترجم لها ابن مندة: فاطمة بنت الوليد القرشية،
وأورد لها حديث الإزار، وقد أخرجه العقيلي من طريق عبد السلام بن حرب، عن
إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى فروة، عن إبراهيم بن العباس بن الحارث، عن أبى
بكر بن الحارث، عن فاطمة بنت الوليد أم أبى بكر، أنها كانت بالشام تلبس
الجباب من ثياب الخز، ثم تأتزر، فقيل لها: ما يغنيك عن هذا الإزار، فقالت:
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمر بالإزار.
قال ابن الأثير: قوله: أم أبى بكر، يعنى ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
فهي أم أبيه، وهي جدة أبى بكر، وهو كما قال، فقد قال ابن عساكر: فاطمة بنت
الوليد بن المغيرة أخت خالد لها صحبة، وخرجت مع زوجها الحارث إلى الشام،
واستشارها خالد أخوها في بعض أمره، وذلك لما جاءه عزله من عمر بن الخطاب
فقالت: واللَّه لا يحبك عمر أبدا، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك،
فقبّل خالد رأسها وقال: صدقت واللَّه، فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه.
(6/245)
وعبد شمس بن الوليد بن المغيرة، أمه [] بنت
هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (1) ] .
وهشام بن الوليد بن المغيرة، وهو الّذي قتل أبا أزيهر بن أنيس بن الخلق
الأزدي الدوسيّ بذي المجاز [ (2) ] ، وكان لأبى أزيهر ابنتان: إحداهما تحت
أبى سفيان بن حرب، والأخرى تزوج بها الوليد بن المغيرة، ولم يدخل بها حتى
مات، فطالب هشام أبا أزيهر بالصداق فلم يعطه، فقتله، وكانت فيه عجلة، فأراد
المطيبون الحرب فمنعهم أبو سفيان وقال: لا تشاغلوا بالحرب بينكم عن محمد
وأصحابه، ولهذا الخبر قصة [ (3) ] .
__________
[ () ] روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديثا واحدا، رواه عنها ابنها
أبو بكر بن عبد الرحمن، فذكر حديث الإزار.
(الإصابة) : 8/ 70، ترجمة رقم (11610) ، (الاستيعاب) : 4/ 1902، ترجمة رقم
(4064) ، طبقات ابن سعد) : 8/ 190، (أعلام النساء) : 4/ 149.
[ (1) ] (جمهرة النسب) : 89.
[ (2) ] (جمهرة النسب) : 88.
[ (3) ] وهذه القصة فيما ذكره ابن إسحاق قال: فلما حضرت الوليد الوفاة دعا
بنيه وكانوا ثلاثة: هشام بن الوليد، والوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد،
فقال لهم: أي بنى، أوصيكم بثلاث، فلا تضيعوا فيهن: دمي في خزاعة فلا تطلنّه
[لا تهدرنّه] ، واللَّه إنّي لأعلم أنهم منه برآء، ولكنى أخشى أن تسبّوا
بعد اليوم، ورباى في ثقيف، فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعقرى عند أبى أزيهر [دية
الفرج المغصوب] فلا يفوتنكم به.
وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا، ثم أمسكها عنه، فلم يدخلها عليه حتى مات.
فلما هلك الوليد ابن المغيرة وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عقل
الوليد، وقالوا: إنما قتله سهم صاحبكم- وكان لبني كعب حلف من بنى عبد
المطلب بن هاشم- فأبت عليهم خزاعة ذلك، حتى تقاولوا أشعارا، وغلظ بينهم
الأمر- وكان الّذي أصاب الوليد سهمه، رجلا من بنى كعب بن عمرو من خزاعة-
فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم في
ذلك شعرا.
ثم إن الناس ترادّوا وعرفوا إنما يخشى القوم السبة، فأعطتهم خزاعة بعض
العقل وانصرفوا عن بعض. ثم لم ينته الجون بن أبى الجون حتى افتخر بقتل
الوليد، وذكر أنهم أصابوه، وكان ذلك باطلا. فلحق بالوليد وبولده وقومه من
ذلك ما حذر.
ثم عدا هشام بن الوليد على أبى أزيهر، وهو بسوق المجاز- وكانت عند أبى
سفيان بن حرب عاتكة
(6/246)
__________
[ () ] بنت أبى أزيهر، وكان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه- فقتله بعقر
الوليد الّذي كان عنده، لوصية أبيه إياه، وذلك بعد أن هاجر رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر، وأصيب به من أصيب من أشراف
قريش من المشركين.
فخرج يزيد بن أبى سفيان، فجمع بنى عبد مناف، وأبو سفيان بذي المجاز، فقال
الناس: أخفر أبو سفيان في صهره، فهو ثائر به. فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع
ابنه يزيد- وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا يحب قومه حبا شديدا- انحط
سريعا إلى مكة، وخسى أن يكون بين قريش حدث في أبى أزيهر، فأتى ابنه، وهو في
الحديد، في قومه من بنى عبد مناف والمطيبين، فأخذ الرمح من يده، ثم ضرب به
على رأسه ضربة هدّه منها، ثم قال له: قبحك اللَّه! أتريد أن تضرب قريشا
بعضهم ببعض في رجل من دوس؟ سنؤتيهم العقل إن قبلوه، وأطفئ لك الأمر.
فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبى أزيهر، ويعيّر أبا سفيان خفرته وبجنبه،
فقال في ذلك شعرا، فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال: يريد حسان أن يضرب
بعضنا ببعض في رجل من دوس، بئس واللَّه ما ظن.
ولما أسلم أهل الطائف كلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خالد بن
الوليد في ربا الوليد الّذي كان في ثقيف، لما كان أبوه أوصاه به.
قال ابن إسحاق: فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من
الربا بأيدي الناس، نزلن في ذلك من طلب خالد الربا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278] إلى آخر القصة فيها.
ولم يكن في أبى أزيهر ثأر نعلمه، حتى حجز الإسلام، إلا أن ضرار بن الخطاب
بن مرداس الفهري، خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس، فنزلوا على امرأة يقال
لها أم غيلان مولاة لدوس، وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس، فأرادت دوس
قتلهم بأبي أزيهر، فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معها حتى منعتهم، فقال ضرار
بن الخطاب في ذلك شعرا.
قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة: أن التي قامت دون ضرار أمّ جميل، ويقال: أم
غيلان، قال:
ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه.
فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل، وهي ترى أنه أخوه، فلما انتسبت له
عرف القصة فقال:
إني لست بأخيه إلا في الإسلام، وهو غاز وقد عرفت منّتك عليه، فأعطاها على
أنها ابنة سبيل.
قال الراويّ: قال ابن هشام: وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد، فجعل
يضربه بعرض الرمح ويقول: أنج يا ابن الخطاب لا أقتلك، فكان عمر يعرفها له
بعد إسلامه. (سيرة ابن هشام) : 2/ 258- 263.
وقد ذكر ابن هشام ما قاله كل من عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد
اللَّه بن عمر بن مخزوم
(6/247)
والوليد بن الوليد بن المغيرة، أمه وأم
هشام أميمة بنت حرملة بن خليل ابن شوبر بن صعب بن قيس، أسره يوم بدر كافرا
عبد اللَّه بن جحش، وقيل أسره سليط بن قيس المازني، فقدم في فدائه أخواه
خالد وهشام، فتمنع عبد اللَّه بن جحش حتى افتكّاه بأربعة آلاف درهم، وقيل
افتكاه بشكة أبيه الوليد، وكانت درعا وسيفا وبيضة، فأقيمت بمائة دينار،
فلما افتدى أسلم، فحبسوه بمكة، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له
فيمن دعا من مستضعفي المؤمنين بمكة، ثم أفلت من أسارهم، وشهد عمرة القضية،
وكتب يدعو أخاه خالد بن الوليد إلى الإسلام [ (1) ] .
وقيل إنه أفلت من الحبس بمكة، وخرج على رجليه، فمات على ميل من المدينة،
ورثته ابنة عمه أم سلمة بشعر [ (2) ] ، وله ابن كان اسمه الوليد بن الوليد
بن الوليد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه [ (3) ] .
والوليد بن عبد شمس بن المغيرة ابن عم أم سلمة، أمه قيلة بنت جحش ابن ربيعة
بن أهيب بن الضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، أسلم يوم الفتح،
وقتل باليمامة شهيدا مع ابن عمه خالد بن الوليد، وله من
__________
[ () ] وما قاله الجون بن أبى الجنون الخزاعي، وما قاله حسان بن ثابت، وما
قاله ضرار بن الخطاب، في قصة أبى أزيهر من الشعر، الّذي قد بلغ سبعة وعشرين
بيتا، أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة، فلتراجع في (المرجع السابق) .
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 140- 41، (سيرة ابن هشام) : 3/ 273.
[ (2) ] قالت أم سلمة بنت أبى أمية:
يا عين فابكى للوليد ... بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد ... أبو الوليد فتى العشيرة
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقولي هكذا يا أم سلمة، ولكن
قولي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ
تَحِيدُ [ق: 19] ، والخبر بتمامة في (طبقات ابن سعد) : 4/ 131- 134.
[ (3) ] قال ابن سعد: فدخل المدينة فمات بها، وله عقب، منهم: أيوب بن سلمة
بن عبد اللَّه بن الوليد بن الوليد،
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما اتخذتم الوليد إلا حنانا،
فسماه عبد اللَّه.
(المرجع السابق) .
(6/248)
الولد عبد الرحمن [ (1) ] .
وأبو عمرو بن حفص بن المغيرة، أمه درة بنت خزاعيّ بن الحارث بن الحويرث
الثقفي، وهو زوج فاطمة بنت قيس. أخت الضحاك بن قيس، قيل اسمه عبد الحميد،
وقيل أحمد، وقيل اسمه كنيته، أسلم وخرج مع على رضى اللَّه عنه إلى اليمن،
فبعث من هناك بطلاق امرأته فاطمة ابنة قيس، وهو الّذي كلم أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لما عزل خالد بن الوليد، وقال له: لقد نزعت
غلاما- أو قال عاملا- استعمله رسول اللَّه، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت
لواء نصبه رسول اللَّه، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الكامل في التاريخ) : 2/ 367، ذكره ابن الأثير فيمن قتل باليمامة،
(الإصابة) : 6/ 614، ترجمة رقم (9152) .
[ (2) ] هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، ويقال: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن
حفص بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزومي، قيل:
اسمه عبد الحميد، وقيل: اسمه أحمد، وقيل: بل اسمه كنيته، بعثه رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم مع على بن أبى طالب، حين بعث عليا أميرا إلى اليمن،
فطلق امرأته هناك فاطمة بنت قيس الفهرية، وبعث إليها بطلاقها، ثم مات هناك.
[في هوامش (الاستيعاب) ] : هذا لا يصح، لأنه قد ذكر بعد ذلك أنه كلم عمر في
أمر خالد.
روى الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن فاطمة بنت قيس الفهرية، أنها
كانت تحت أبى عمرو بن حفص، فلما أمرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
عليا على اليمن خرج معه، وأرسل إليها بتطليقة هي بقية طلاقها.
قال أبو عمر: قد اختلف في صفة طلاقه إياها على ما ذكرناه في كتاب (التمهيد)
. وأبو عمرو هذا، هو الّذي كلم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وواجهه في عزل
خالد بن الوليد.
ذكر النسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا وهب بن
زمعة، قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك عن سعيد بن زيد، قال: سمعت الحارث
بن يزيد يحدث عن على بن رباح، عن ناشرة بن سمى البزنى قال: سمعت عمر بن
الخطاب يقول يوم الجابية في حديث ذكره: وأعتذر إليكم من خالد بن الوليد،
فإنّي أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا
اليسار وذا الشرف، فنزعته، وأثبت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن
حفص بن المغيرة: واللَّه
(6/249)
__________
[ () ] لقد نزعت غلاما- أو قال: عاملا- استعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم. فقال عمر: أما إنك
قريب القرابة، حديث السنّ.
قال إبراهيم بن يعقوب: سألت أبا هشام المخزومي- وكان علامة بأسمائهم- عن
اسم أبى عمرو هذا، فقال: اسمه أحمد.
وذكر البخاري هذا الخبر في التاريخ عن عبدان، عن ابن المبارك بإسناده نحوه،
وأخرجه فيمن لا يعرف اسمه من الكنى المجردة عن الأسماء. (الإصابة) : 7/
287، ترجمة رقم (10285) ، (الاستيعاب) 40/ 1719- 1720، ترجمة رقم (3104) ،
(التاريخ الكبير) : 8/ 54، ترجمة رقم (469) .
(6/250)
إخوة أم سلمة
وأما إخوة أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها:
عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة، وهشام وزهير ابنا أبى أمية بن المغيرة،
وقد تقدم ذكرهما.
والمهاجر بن أبى أمية بن المغيرة أخو أم سلمة شقيقها، كان اسمه الوليد،
فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «المهاجر» لما هاجر إلى المدينة،
ثم بعثه إلى الحارث ابن عبد كلال ملك اليمن، واستعمله أيضا على صدقات كندة،
والصدف، ثم ولاه أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه اليمن، ففتح حصن النّجير
بحضر موت [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هو المهاجر بن أبى أمية بن عبد اللَّه بن عمر مخزوم القرشيّ
المخزومي، أخو أم سلمة- زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- شقيقها.
قال الزبير: شهد بدرا مع المشركين، وقتل أخواه يومئذ: هشام، ومسعود، وكان
اسمه الوليد، فغيره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه لما بعث العمال على
صدقات صنعاء، فخرج عليه الأسود العنسيّ، ثم ولاه أبو بكر، وهو الّذي افتتح
حصن النّجير الّذي تحصنت به كندة في الردة، وهو زياد بن لبيد [أو لبيدة] .
وقال المرزباني في (معجم الشعراء) : قاتل أهل الردة، وقال في ذلك أشعارا.
وذكر سيف في (الفتوح) : أن المهاجر كان تخلف عن غزوة تبوك، فرجع النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم، وهو عاتب عليه، فلم تزل أم سلمة تعتذر عنه حتى عذرة،
وولاه..
وأخرج الطبراني من طريق محمد بن حجر- بضم المهملة وسكون الجيم- ابن عبد
الجبار بن وائل ابن حجر الحضرميّ، عن عمه سعيد بن عبد الجبار عن أبيه، عن
أمه أم يحيى، عن وائل بن حجر، قال: وفدن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، فرحب بى وأدنى مجلسى، فلما أردت الرجوع كتب ثلاث كتب:
كتاب خاص بى فضلني فيه على قومي: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد رسول
اللَّه إلى المهاجر ابن أمية: إن وائلا يستسعى ويترفل على الأقيال حيث
كانوا من حضرموت. (المصباح المضيء) : 1/ 256- 257، ترجمة رقم (42) ،
(مجموعة الوثائق السياسية) : 39- 140، رسالة رقم (132) ، (الإصابة) : 6/
328- 329، ترجمة رقم (8359) ، (الاستيعاب) : 4/ 1452- 1453، ترجمة رقم
(2502) ، (معجم البلدان) : موضع رقم (3388) ، (5990) ، (11943) .
(6/251)
وأبو عبيدة بن أبى أمية بن المغيرة [ (1) ]
.
وهشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتل يوم أحد كافرا [ (2) ] .
ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة قتل يوم بدر كافرا [ (3) ] .
وربيعة بن أبى أمية بن المغيرة. [ (4) ]
وعبد اللَّه ابن أبى أمية بن المغيرة [ (5) ] ، أخو أم سلمة، تقدم ذكره في
__________
[ (1) ] لم أجد له ترجمة.
[ (2) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: ومن بنى مخزوم
بن يقظة، هشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتله قزمان.
[ (3) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر من قتل من المشركين يوم بدر: ومسعود بن أبى
أمية بن المغيرة، قتله على ابن أبى طالب.
[ (4) ] لم أجد له ترجمة.
[ (5) ] قال ابن إسحاق، وقد ذكر إسلام أبى سفيان بن الحارث، وعبد اللَّه بن
أبى أمية: وقد كان أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، وعبد اللَّه بن أبى
أمية بن المغيرة، قد لقيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بنيق العقاب
فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت:
يا رسول اللَّه، ابن عمك، وابن عمتك، وصهرك،
قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمى فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري، فهو
الّذي قال لي بمكة ما قال، [يعنى حين قال له: واللَّه لا آمنت بك حتى تتخذ
سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا انظر، ثم تأتى بصك وأربعة من الملائكة
يشهدون أن اللَّه قد أرسلك] .
قال: فما خرج الخبر إليهما بذلك، ومع أبى سفيان، بنى له، [لم يذكر ابن
إسحاق اسم ابنه ذلك، ولعله أن يكون جعفرا، فقد كان إذ ذاك غلاما مدركا،
وشهد مع أبيه حنينا، ومات في خلافة معاوية] .
فقال: واللَّه ليأذن لي، أولا لآخذن بيدي بنى هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى
نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رقّ
لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه فأسلما.
وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه، واعتذر إليه مما كان مضى منه،
فقال في ذلك تسعة أبيات ذكرها ابن هشام في (السيرة) ، وحيث يقول في البيت
الثالث منها.
هداني هاد غير نفسي ونالني ... مع اللَّه من طردت كلّ مطرّد.
قال ابن إسحاق: وزعموا أنه حين أنشد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
قوله: «ونالني مع اللَّه من طردت كل مطرد» ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم في صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد. (سيرة ابن هشام) : 5/ 56- 58.
(6/252)
أبناء العمات.
وقريبة الكبرى ابنة أبى أمية بن المغيرة كانت تحت زمعة بن الأسود [ (1) ] ،
وقريبة الصغرى أخت أم سلمة، كانت تحت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، فولدت
له عبيد اللَّه، وأم حكيم وأمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وكان عمار بن
ياسر أخا لأم سلمة بن القضاعة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 121: هي أم يزيد بن زمعة بن الأسود
بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ.
[ (2) ] قريبة بفتح أوله- وقيل بالتصغير- بنت أبى أمية بن المغيرة
المخزومية أخت أم سلمة.
قالت أم سلمة: لما وضعت زينب جاءني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فخطبني، فذكرت قصة تزويجها ودخوله عليها، واشتغالها برضاع زينب، حتى جاء
يوما فلم يرها، فقال: أين زينب؟ فقالت: قريبة، ووافقها عبد اللَّه: أخذها
عمار بن ياسر، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا آتيكم الليلة، فدخل
على أم سلمة.
وقال البلاذري: تزوجها معاوية بن أبى سفيان لما أسلم، وقال ابن سعد: هي
قريبة الصغرى، أمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، قال: وتزوجها عبد الرحمن بن
أبى بكر، فولدت له عبد اللَّه، وأم حكيم، وحفصة، ثم ساق بسند صحيح إلى ابن
أبى مليكة، قال: تزوج عبد الرحمن قريبة أخت أم سلمة، وكان في خلقه شدة،
فقالت له يوما: أما واللَّه لقد حذرتك، قال: فأمرك بيدك. قالت: لا أختار
على ابن الصديق أحدا، فأقام عليها.
قال الحافظ في (الإصابة) : وكانت موصوفة بالجمال، فقد وقع عند عمر بن شبة
في كتاب (مكة) ،
عن يعقوب بن القاسم الطلحي، عن يحيى بن عبد اللَّه بن أبى الحارث الزمعى،
قال: لما فتحت مكة، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لسعد بن عبادة لما
قال: ما رأينا من نساء قريش ما كان يذكر من جمالهن: هل رأيت بنات أبى أمية
بن المغيرة؟ هل رأيت قريبة؟.
قال ابن إسحاق، وقد ذكر قوله تعالى وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ:
كان ممن طلق عمر بن الخطاب، طلق امرأته قريبة بنت أبى أمية بن المغيرة،
فتزوجها بعده معاوية بن أبى سفيان، وهما على شركهما بمكة. (سيرة ابن هشام)
: 4/ 296، (الإصابة) : 8/ 81- 82، ترجمة رقم (11645) ، (طبقات ابن سعد) :
8/ 191.
(6/253)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب
بنت جحش
عبد اللَّه بن جحش أحد البدريين [ (1) ] ، وأبو أحمد عبد بن جحش.
__________
[ (1) ] هو عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن
غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، أمه أميمة بنت عبد المطلب، وهو حليف
لبني عبد شمس، وقيل حليف لحرب بن أمية.
أسلم- فيما ذكر الواقدي- قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دار
الأرقم، وكان هو وأخوه أبو أحمد عبد ابن جحش من المهاجرين الأولين، ممن
هاجر الهجرتين، وأخوهما عبد اللَّه بن جحش تنصر بأرض الحبشة، ومات بها
نصرانيا، وبانت منه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان، فتزوجها النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم، وأختهم زينب بنت جحش، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم،
وأم حبيبة وحمنة.
وكان عبد اللَّه ممن هاجر إلي أرض الحبشة مع أخويه: أبى أحمد وعبيد اللَّه
بن جحش، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد، يعرف بالمجدّع
في اللَّه، لأنه مثّل به يوم أحد وقطع أنفه.
عن زياد بن علاقة، عن سعد بن أبى وقاص، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم خطبهم وقال: لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، ولكنه أصبركم للجوع
والعطش، فبعث عبد اللَّه بن جحش.
وروى عاصم الأحول، عن الشعبي أنه قال: أول لواء عقده رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم فلعبد اللَّه بن جحش حليف لبني أمية.
وقال ابن إسحاق: بل لواء عبيدة بن الحارث، وقال المدائني: بل لواء حمزة،
وعبد اللَّه بن جحش هذا هو أول من سنّ الخمس من الغنيمة للنّبيّ صلّى
اللَّه عليه وسلم من قبل أن يفرض اللَّه الخمس، فأنزل اللَّه تعالى بعد ذلك
آية الخمس، فكان أول من خمّس في الإسلام، ثم أنزل اللَّه تعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
[الأنفال: 41] .
وروى ابن وهب قال: أخبرنى أبو صخر عن ابن قسيط، عن إسحاق بن سعد بن أبى
وقاص، عن أبيه، أن عبد اللَّه بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتى فندعوا
اللَّه، فجلسوا في ناحية، فدعا سعد وقال: يا رب، إذا لقيت العدو غدا فلقني
رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك، ويقاتلني، ثم ارزقنى عليه الظفر
حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمّن عبد اللَّه بن جحش، ثم قال:
اللَّهمّ ارزقنى غدا رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني
فيقتلني، ثم يأخذنى فيجدع أنفى وأذنى، فإذا لقيتك قلت: يا عبد اللَّه، فيم
جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت. قال سعد: كانت دعوة
عبد اللَّه بن جحش خيرا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار، وإن أذنه وأنفه
معلقان جميعا في خيط.
وذكر الزبير في (الموفقيات) : أن عبد اللَّه بن جحش انقطع سيفه يوم أحد،
فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عرجون نخلة، فصار في يده سيفا،
يقال: إن قائمته منه، وكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناول
(6/254)
وقيل: ثمامة بن جحش الشاعر، أحد المهاجرين،
وعبيد اللَّه بن جحش الّذي تنصر بالحبشة، وكانت قريش قد اجتمعت عند صنم لهم
فقال ورقة وعبيد اللَّه بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو: لقد أخطأ
قومنا دين إبراهيم، ما حجر نطيف به [لا يسمع ولا يبصر] ولا يضر ولا ينفع
[يا قوم التمسوا لأنفسكم، فإنكم واللَّه ما أنتم على شيء] فتفرقوا في
البلاد يلتمسون الحنيفية [دين إبراهيم] ، فأما ورقة ابن نوفل فاستحكم في
النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، وأقام عبيد اللَّه على الالتباس حتى أسلم
وهاجر إلى الحبشة فتنصر بها، ومات نصرانيا، وقدم عثمان بن الحويرث على قيصر
فتنصر، ووقف زيد بن عمرو فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية.
وأم حبيبة بنت جحش، وحمنة بنت جحش، وقد تقدم ذكرهم في أبناء العمات.
__________
[ () ] حي بيع من بغا التركي بمائتي دينار، ويقولون: إنه قتله يوم أحد أبو
الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي، وهو يوم قتل ابن نيّف وأربعين سنة. قال
الواقدي: دفن هو وحمزة في قبر واحد، وولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم تركته، فاشترى لابنه مالا بخيبر، له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 877-
880، ترجمة رقم (1484) ، (الإصابة) : 4/ 35- 37، ترجمة رقم (4586) ، (طبقات
ابن سعد) :
2/ 10، 11، 4/ 102، 131، 137، 3/ 10، 13، 390، 462، 8/ 46، 241، 245،
(مغازي الواقدي) : 2، 13، 16، 17، 19، 140، 154، 253، 274، 291، 300، 839،
840، 841، (سيرة ابن هشام) : 2/ 50، 51، 52، 166، 5/ 9، 14، 6/ 59.
(6/255)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم
حبيبة
الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أمه وأم أخته:
الفارعة بنت حرب من بنى تميم، وكان نديما للعوام بن خويلد ابن أسد بن عبد
العزى، وتزوج صفية عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فولدت صفيّا [
(1) ] .
ومحمد بن عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي أبو محمد، هاجر مع أبيه
وعمه أبى أحمد إلى المدينة، وقتل أبوه بأحد، فأوصى به إلى رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، وكان [ (2) ] محمد [بن عبد اللَّه بن جحش] [ (3) ] في
حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند زينب بنت جحش، أم المؤمنين رضى
اللَّه عنها، ذكره الحافظ أبو نعيم، وانفرد النسائي بحديثه [ (4) ] .
وعمر بن حرب بن أمية، أمه وأم أخيه عمرو، وأخته أم جميل حمالة الحطب: فاختة
بنت عامر بن معتب الثقفي، وله من الولد أمية بن عمرو، وسلمى بنت عمر، ولدت
لحنظلة بن أبى سفيان صخر بن حرب ولدا اسمه ربيعة بن حنظلة، وأخوهما لأمهما
الفارعة بنت عدي بن نوفل بن عبد مناف، هو عبّاس بن علقمة بن عبد اللَّه بن
أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ ولا عقب لعمر [
(5) ] . وعمرو بن حرب ابن أمية [ (6) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن قتيبة: وكانت صفية بنت عبد المطلب عند الحارث بن حرب بن
أمية، ثم خلف عليها العوام بن خويلد، وهي أم الزبير بن العوام. (المعارف) :
128.
[ (2) ] في (خ) : «وكانت» .
[ (3) ] زيادة للسياق والنسب.
[ (4) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 3/ 1373- 1374، ترجمة رقم (2335) ،
(سيرة ابن هشام) :
2/ 319.
[ (5) ] ، (6) لم أجد له ترجمة.
(6/256)
والفارعة بنت حرب بن أمية [ (1) ] ، أمها
وأم أخيها أبى سفيان صخر بن حرب، وأم أختها فأخته صفية بنت حزن بن البجير
بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة أم
الفضل امرأة العباس ابن عبد المطلب أم بنيه، وعمة ميمونة أم المؤمنين رضى
اللَّه عنها، وكانت الفارعة هذه- وهي الكبرى- تحت الأسود بن عبد المطلب بن
أسد، فولدت له فاختة بنت الأسود [ (2) ] .
وفاختة بنت حرب بن أمية [ (3) ]- وهي الكبرى- كانت عند شيبة بن ربيعة،
فولدت له عبد الرحمن بن شيبة، والفارعة الصغرى بنت حرب بن أمية، وفاختة
الصغرى بنت حرب بن أمية، أمها أم قتال بن عبد الحارث بن زهرة، وكانت عند
قيس بن عبد اللَّه بن يعمر الشداخ، فولدت له الجثامة ابن قيس [ (4) ] ، ثم
خلف عليها غزوان بن جابر بن شبيب المازني، فولدت له فاختة بنت غزوان [ (5)
] .
وأم جميل بنت حرب بن أمية- وهي التي سماها اللَّه تعالى في كتابه
__________
[ (1) ] لم أجد له ترجمة.
[ (2) ] هي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشية
الأسديّة، كانت تحت صفوان بن أمية بن خلف الجمحيّ، خلف عليها بعد أبيه،
ففرق الإسلام بينهما. أخرجه المستغفري من طريق محمد بن ثور، عن ابن جريج،
قال: فرّق الإسلام بين أربع وبين أبناء بعولتهن، فذكرها. (الإصابة) : 8/ 46
ترجمة رقم (11565) .
[ (3) ] لم أجد لهم ترجمة.
[ (4) ] جثّامة- بفتح أوله وتثقيل المثلثة- ابن قيس- ذكره ابن مندة،
وروى من طريق حبيب بن عبيد الرّحبىّ، عن أبى بشر، عن جثامة بن قيس- وكان من
أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- مرفوعا: من صام يوما في سبيل اللَّه
باعده اللَّه عن النار مائة عام، وفي الإسناد من لا يعرف. (الإصابة) : 1/
464، ترجمة رقم (1099) .
[ (5) ] هي فاختة بنت غزوان- بفتح المعجمة وسكون الزاى- ابن جابر بن وهب
المازني، كانت من المهاجرات. (الإصابة) : 8/ 47، ترجمة رقم (11571) .
(6/257)
العزيز: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، امرأة أبى
لهب بن عبد المطلب، لأنها كانت تحمل أغصان العضاة والشوك، فتطرحها في طريق
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أو لأنها حمالة النميمة، تحطب على
ظهرها.
ولم نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ
وَما كَسَبَ* سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [ (1) ] ، قالت أم جميل: هجاني
محمد، واللَّه لأهجونّه:
محمّدا قلينا ... ودينه أبينا
وأخذت فهرا لتضربه، فأغشى اللَّه عينيها عنه، وردها بغيظها، وهي أم عتبة،
وعتيبة، بنى أبى لهب [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سورة المسد كلها، سمّيت هذه السورة في أكثر المصاحف: «سورة تبّت» ،
وكذلك عنونها الترمذي في (جامعة) ، وفي أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول
كلمة فيها. وسميت في بعض المصاحف وبعض التفاسير «سورة المسد» ، واقتصر في
(الإتقان) على هذين. وسماها بعض المفسرين: «سورة أبى لهب» ، على تقدير:
سورة ذكر أبى لهب، وعنونها أبو حيان في تفسيره: «سورة اللهب» ، ولم أره
لغيره. وعنونها ابن العربيّ في (أحكام القرآن) : «سورة ما كان من أبي لهب»
، وهو عنوان وليس باسم. وهي مكية بالاتفاق، وعدّت السادسة من السور نزولا،
نزلت بعد سورة الفاتحة، وقبل سورة التكوير. وعدد آياتها خمس.
روى أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة، وسبب نزولها على ما في
الصحيحين، عن ابن عباس، قال: صعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات
يوم على الصفا، فنادى: «يا صباحاه» ، [كلمة ينادى بها للإنذار من عدوّ
يصبّح القوم] ، فاجتمعت إليه قريش، فقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد،
أرأيتم لو أنى أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: ما
جرّ بنا عليك كذبا، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟! فنزلت:
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.
[ (2) ] وأبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عمّ النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم، وكنيته أبو عتبة تكنية باسم ابنه، وأما كنيته بأبي لهب في
الآية، فقيل: كان يكنّى بذلك في الجاهلية [لحسنه وإشراق وجهه] ، وأنه اشتهر
بتلك الكنية، كما اقتضاه حديث طارق المحاربي، ومثله حديث من ربيعة بن عباد
الديليّ في (مسند أحمد) .
فسماه القرآن بكنيته دون اسمه، لأن في اسمه عبادة العزّى، وذلك لا يقرّه
القرآن، أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العلم، أو لأن في كنيته ما
يتأتى به التوجيه بكونه صائرا إلى النار، وذلك كناية عن كونه جهنميا، لأن
اللهب: ألسنة النار إذا اشتعلت وزال عنها الدخان. والأب يطلق
(6/258)
__________
[ () ] على ملازم ما أضيف إليه، كما كنى إبراهيم عليه السّلام: أبا
الضيفان، وكنّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن بن بن صخر الدوسيّ:
أبا هريرة، لأنه حمل هرة في كم قميصه، وكنى شهر رمضان: أبا البركات، وكنى
الذئب: أبا جعدة [والجعدة سخلة المعز، لأنه يلازم طلبها لافتراسها] ، فكانت
كنية أبى لهب صالحة، موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم، فصار هذا التوجيه
كناية عن كونه جهنميا، لينتقل من جعل أبى لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم
تلك الملازمة في العرف، وهو أنه من أهل جهنم، وهو لزوم ادعائى، مبنى على
التفاؤل بالأسماء ونحوها.
كما أشار التفتازاني في مبحث العلميّة من شرح (المفتاح) ، وأنشد قول
الشاعر:
قصدت أبا المحاسن كي أراه ... لشوق كان يجذبني إليه
فلما أن رأيت رأيت فرنا ... ولم أر من بنيه ابنا لديه
قوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ: استئناف ابتدائى
للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإعلام بأنه آيس من النجاة من هذا
التباب، ولا يغنيه ماله ولا كسبه، أي لا يغنى عنه ذلك في دفع شيء عنه في
الآخرة، والتعبير بالماضي في قوله: ما أَغْنى لتحقيق وقوع عدم الإغناء.
والمال: المتملكات المتمولة، وغلب عند العرب إطلاقه على الإبل، ومن كلام
عمر رضى اللَّه عنه:
«لولا المال الّذي أحمل عليه في سبيل اللَّه» ... في اتقاء دعوة المظلوم من
(الموطأ) . وأهل المدينة، وخيبر، والبحرين، يغلب عندهم على النخيل.
وروى عن ابن مسعود أن أبا لهب قال: «إن كان ما يقول ابن أخى حقا، فأنا
أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدى» ، فأنزل اللَّه تعالى: ما أَغْنى
عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، وقال ابن عباس: ما كَسَبَ، هو ولده، الولد من
كسب أبيه.
قوله تعالى: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ، بيان لجملة ما أغنى عنه ماله وما
كسب، أي لا يغنى عنه شيء من عذاب جهنم. ونزل هذا القرآن في حياة أبى لهب،
وقد مات بعد ذلك كافرا، فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم، وكانت من
دلائل النبوة.
ووصف النار ب ذاتَ لَهَبٍ، لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره، إذ
هو أبو لهب، والنار ذات لهب. وبين لفظي لهب الأول ولهب الثاني، الجناس
التام.
قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، أعقب ذم أبى لهب ووعيده
بمثل ذلك لامرأته، لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
وتعين عليه.
وامرأته: أي زوجته، قال تعالى في قصة إبراهيم: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ. وفي
قصة لوط: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ، وفي قصة نسوة يوسف:
امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ.
(6/259)
__________
[ () ] وامرأة أبى لهب، هي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت
أبى سفيان بن حرب، وقيل: اسمها العوراء، فقيل: هو وصف، وأنها كانت عوراء،
وقيل: اسمها. وذكر بعضهم: أن اسمها العوّاء بهمزة بعد الواء.
وكانت أم جميل هذه تحمل حطب العضاة والشوك، فتضعه في الليل في طريق النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي يسلك منه ليعقر قدميه. فلما خصل لأبى لهب وعيد
مقتبس من كنيته، جعل لامرأته وعيد مقتبس لفظه من فعلها، وهو حمل الحطب في
الدنيا، فأنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقد به على زوجها، وذلك خزي لها
ولزوجها، إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سببا لعذاب أعزّ
الناس عليها.
وقوله تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، قرأه الجمهور برفع حَمَّالَةَ على أنه
صفة لامرأته، فيحتمل أنها صفتها في جهنم، ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل
في الدنيا بجلب حطب العضاة لتضعه في طريق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، على
طريقة التوجيه والإيماء إلى تعليل تعذيبها بذلك.
وقوله تعالى: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، صفة ثانية، أو حال ثانية،
وذلك إخبار بما تعامل به في الآخرة، أي يجعل لها حبل في عنقها تحمل فيه
الحطب في جهنم، لإسعار النار على زوجها جزاء مماثلا لعملها في الدنيا،
الّذي أغضب اللَّه تعالى عليها.
والجيد: العنق، وغلب في الاستعمال على عنق المرأة، وعلى محل القلادة منه،
فقلّ أن يذكر العنق في وصف النساء في الشعر العربيّ إلا إذا كان عنقا
موصوفا بالحسن.
قال السهيليّ في (الروض) : والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الحلي أو الحسن،
فإنما حسن هنا ذكر الجيد في حكم البلاغة، لأنها امرأة، والنساء تحلى
أجيادهن، وأم جميل لا حلىّ لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها، فلما
أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه.
والحبل: ما يربط به الأشياء التي يراد اتصال بعضها ببعض، وتقيد به الدابة،
والمسجون كيلا يبرح من المكان، وهو ضفير من الليف.
والمسدّ: ليف من ليف اليمن شديد، والحبال التي تقل منه تكون قوية وصلبة.
وقدم الخبر من قوله: فِي جِيدِها للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة، التي
عوّضت فيها بحبل في جيدها، عن العقد الّذي كانت تحلى به جيدها في الدنيا
فتربط به، إذ قد كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء. وقد ماتت
أم جميل على الشرك. (تفسير التحرير والتنوير) : 30/ 599- 607 باختصار.
(6/260)
إخوة أم حبيبة
وأما إخوة أم حبيبة، فإنّهم سبعة رجال وسبع نسائهم: حنظلة بن أبى سفيان،
وبه كان يكنى أبوه، وأمه وأم أخته أم حبيبة رضى اللَّه عنها وأم أميمة:
صفيا ابنة أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، وشهد بدرا مع قومه كافرا [ (1) ]
، فقتله على رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، فلما قتل أبو سفيان بن حرب حنظلة بن
أبى عامر غسيل الملائكة يوم أحد قال: حنظلة بحنظلة، ولم يعقب حنظلة بن أبى
سفيان [ (3) ] .
ومعاوية بن أبى سفيان، وقد تقدم ذكره في الأسلاف.
وعتبة بن أبى سفيان أبو الوليد، أدرك حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، وولاه عمر
__________
[ (1) ] قال ابن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبى بكر قال: فقيل لأبى سفيان:
أفد عمرا ابنك، قال: أيجمع عليّ دمي ومالي؟ قتلوا حنظلة وأفدى عمرا! دعوة
في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم، (سيرة ابن هشام) : 3/ 201.
[ (2) ] قال ابن هشام: وقتل من المشركين يوم بدر من قريش، ثم من بنى عبد
شمس بن عبد مناف: حنظلة ابن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن شمس، قتله زيد بن
حارثة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيما قال ابن هشام، ويقال:
اشترك فيه حمزة، وعلى، وزيد. (سيرة ابن هشام) : 3/ 263.
[ (3) ]
قال ابن هشام: والتقى حنظلة بن أبى عامر الغسيل. وأبو سفيان، فلما استعلاه
حنظلة بن أبى عامر، رآه شداد بن الأسود، وهو ابن شعوب، قد علا أبا سفيان،
فضربه شداد فقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن صاحبكم- يعنى
حنظلة- تغسله الملائكة [وفي غير السيرة: قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
رأيت الملائكة تغسله في صحاف الفضة بماء المزن بين السماء والأرض]
فسألوا أهله: ما شأنه؟
فسئلت صاحبته [يعنى امرأته: وهي جميلة بنت أبىّ بن سلول أخت عبد اللَّه بن
أبى، وكان ابتنى بها تلك الليلة، فكانت عروسا عنده، فرأت في النوم تلك
الليلة كأن بابا في السماء فتح له فدخله، ثم أغلق دونه، فعلمت أنه ميّت من
غده، فدعت رجالا من قومها حين أصبحت، فأشهدتهم على الدخول بها، خشية أن
يكون في ذلك نزاع. ذكره الواقدي] ، فقالت: خرج وهو جنب سمع الهاتفة. (سيرة
ابن هشام) : 3/ 22- 23، (تاريخ الطبري) : 2/ 466، 521.
(6/261)
ابن الخطاب رضى اللَّه عنه الطائف
وصدقاتها، ثم ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان مصر بعد وفاة عمرو بن العاص،
فمات بها بعد سنة وشهر في ذي الحجة سنة أربع وأربعين، ولم يكن في بنى أمية
أخطب منه، وله أخبار عديدة [ (1) ] .
ويزيد بن أبى سفيان، أمه زينب بنت نوفل بن خلف بن قواله بن حذيفة بن طريف
بن علقمة، جذل الطعان بن فراس بن غنم بن كنانة، أسلم يوم الفتح، وشهد
حنينا، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مائة بعير، وأربعين
أوقيّة، وبعثه أبو بكر رضى اللَّه عنه في سنة اثنتي عشرة إلى فلسطين فيمن
بعت، فشهد أجنادين، ثم ولاه عمر رضى اللَّه عنه على فلسطين، ثم ولى الشام،
ومات في طاعون عمواس [ (2) ] .
ومحمد بن أبى سفيان، أمه وأم أخيه عنبسة بن أبى سفيان: عاتكة بنت
__________
[ (1) ] خطب أهل مصر يوما- وهو وال عليها- فقال: يا أهل مصر، خفّ على
ألسنتكم مدح الحق ولا تأتونه، وذم الباطل وأنتم تفعلونه، كالحمار يحمل
أسفارا يثقل حملها، ولا ينفعه علمها، وإني لا أداوى داءكم إلا بالسيف، ولا
أبلغ السيف ما كفاني السوط، ولا أبلغ السوط ما صلحتم بالدرة، وأبطئ عن
الأولى إن لم تسرعوا إلى الآخرة، فالزموا ما ألزمكم اللَّه لنا تستوجبوا ما
فرض اللَّه لكم علينا، وهذا يوم ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب، (الاستيعاب) :
3/ 1026، ترجمة رقم (1762) ، (الإصابة) : 5/ 60، ترجمة رقم (6248) .
[ (2) ] هو يزيد بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، كان
أفضل بنى أبى سفيان، كان يقال له: يزيد الخير، أسلم يوم فتح مكة، وشهد
حنينا، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير
وأربعين أوقية، وزنها له بلال، واستعمله أبو بكر الصديق، وأوصافه، وخرج
يشيعه راجلا.
قال ابن إسحاق: لما قفل أبو بكر من الحج- يعنى سنة اثنتي عشرة- بعث عمرو بن
العاص، ويزيد ابن أبى سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة إلى
فلسطين، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء، وكتب إلى خالد بن الوليد فسار إلى
الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم عليه
يزيد بن أبى سفيان، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، فصالحت بصرى،
فكانت أول مدائن الشام فتحت.
ثم ساروا قبل فلسطين، فالتقوا بالروم بأجنادين، بين الرملة وبيت جبرين،
والأمراء كلّ على حدة، ومن الناس من يزعم أن عمرو بن العاص كان عليهم
جميعا، فهزم اللَّه المشركين، وكان الفتح
(6/262)
أبى أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن كعب بن
الحارث بن عبد اللَّه بن الحارث ابن الغطريف. من الأزد، عند ابن الكلبي في
(الجمهرة) : أبو أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث،
وهو الغطريف الأصغر بن عبد اللَّه بن عامر.
وهو الغطريف الأكبر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر ابن زهران بن
كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد.
وأبو أزيهر هذا قتله هشام بن المغيرة، وكان جارا لأبى سفيان بن حرب وحليفا
له فلم يطلب بدمه، وعيّره ابن حسان بن ثابت الأنصاري بإذن من رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم.
وزوّج أبو أزيهر ابنته عاتكة أبا سفيان، فولدت له محمدا وعنبسة،
__________
[ () ] بأحنادين، في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
فلما استخلف عمر ولى أبا عبيدة، وفتح اللَّه عليه الشامات، وولى يزيد بن
أبى سفيان على فلسطين وناحيتها، ثم لما مات أبو عبيدة استخلف معاذ بن جبل،
ومات معاذ، فاستخلف أخاه معاوية، وكان موت هؤلاء كلهم في طاعون عمواس سنة
ثمان عشرة.
الوليد بن مسلم قال: مات يزيد بن أبى سفيان سنة تسع عشرة بعد أن افتتح
قيسارية. قال ابن العماد الحنبلي- وقد ذكر أحداث سنة ثماني عشرة-: وفيها
وقيل: في التي بعدها مات يزيد بن أبى سفيان ابن حرب، أفضل إخوته. له ترجمة
في (تاريخ الطبري) : 3/ 387، 388، 390، 392، 394- 397، 403، 406، 408، 417،
427، 441، 442، 498، 604، 4/ 57، 60، 62، 67، 67، 289، 10/ 58، (سيرة ابن
هشام) : 2/ 260، (الاستيعاب) : 4/ 1575، ترجمة رقم (2772) ، (الإصابة) : 6/
658- 659، ترجمة رقم (9271) ، (شذرات الذهب) :
1/ 30.
(6/263)
ولأبى أزيهر من الولد: أبو حناءة وجبله
[وأنجب] [ (1) ] أبو حناءة سمية [ (2) ] ، تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي،
وقتل عنها يوم الجمل مع عائشة رضى اللَّه عنها، فخلف عليها عبد اللَّه بن
عياش رضى اللَّه عنهما، وشميلة [ (3) ] هي [التي] [ (4) ] أسندت نصر بن
حجاج [ (5) ] إلى صدرها فبرأ، فضرب لها مثلا
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] في (خ) : «شميلة» وصوبناه من (الإصابة) ، حيث قال الحافظ: أبو
حناءة- بفتح أوله والنون والمد وهمزة قبل الهاء- ابن أزيهر الدوسيّ. له
إدراك، وكان قتل أبى أزيهر بعد وقعة بدر، في حياة النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، ولأبى حناءة هذا بنت تسمى سمية، تزوجها مجاشع بن مسعود، وهي صاحبة
القصة مع نصر ابن حجاج. (الإصابة) : 7/ 89، ترجمة رقم (9801) .
[ (3) ] كذا في (خ) . وفي (الإصابة) : «سمية» .
[ (4) ] زيادة للسياق.
[ (5) ] هو نصر بن حجاج بن علاط السلمىّ، من أولاد الصحابة، وكان في زمانه
رجلا، فدلّ ذلك على أنه ولد في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد أخرج
ابن سعد والخرائطى بسند صحيح، عن عبد اللَّه بن يزيد، قال:
بينما عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يعسّ ذات ليلة في خلافته، فإذا امرأة
تقول:
هل من سبيل إلى خمر لأشربها ... أو من سبيل إلى نصر بن حجاج
فلما أصبح سأل عنه، فأرسل إليه، فإذا هو من أحسن الناس شعرا، وأصبحهم وجها،
فأمره عمر أن يطمّ شعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسنا، فأمره أن يعتمّ
فازداد حسنا، فقال عمر: لا والّذي نفسي بيده لا تجامعني ببلد، فأمر له بما
يصلحه، وصيّره إلى البصرة.
زاد الخرائطى بسند ليّن من طريق محمد بن سيرين، أنه لما دخل البصرة كان
يدخل على مجاشع ابن مسعود لكونه من قومه، ولمجاشع امرأة جميلة يقال لها:
الخضراء، فكان يتحدث مع مجاشع، فكتب نصر في الأرض: إني أحبك حبّا لو كان
فوقك؟ لأظلك، أو كان تحتك لأقلك، وكانت المرأة تقرأ، ومجاشع لا يقرأ، فرأت
المرأة الكتابة، فقالت: وأنا، فعلم مجاشع أن هذا الكلام جواب، فدعا بإناء
فكبه على الكتابة، ودعا كاتبا فقرأه، فعلم نصر بذلك فاستحيا، وانقطع في
منزله، فضنى حتى صار كالفرخ، فبلغ ذلك مجاشعا، فعلم سبب ذلك، فقال لامرأته:
اذهبي فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام، فعزم عليها، ففعلت، فتحامل نصر
قليلا، وخرج من البصرة.
وذكر الهيثم بن عدي أن مجاشعا كان خليفة أبى موسى، وأن أبا موسى لما علم
بقصته أمره أن يخرج إلى فارس، فخرج إليها وعليها عثمان بن أبى العاص، فجرت
له قصة مع دهقانة [تاجرة] ،
(6/264)
قول الأعشى:
لو أسندت ميتا إلى صدرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر
وعنبسة بن أبى سفيان [ (1) ] ، ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان الطائف، ثم
عزله بأخيه عتبة، فعاتبه عنبسة، فقال له معاوية: إن عتبة بن هند، فقال
عنبسة:
__________
[ () ] فقال له: اخرج عنا، فقال: واللَّه لئن فعلتم هذا بى لألحقن بأرض
الشرك، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب [إليهم] احلقوا شعره، وشمروا قميصه،
وألزموه المسجد، (الإصابة) 6/ 485، ترجمة رقم (8845) ، (طبقات ابن سعد) :
3/ 285، 4/ 271.
[ (1) ] عنبسة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشيّ الأموي، أخو
معاوية، ذكره ابن مندة، وقال: أدرك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا تصح
له صحبه ولا رؤية.
قال الحافظ في (الإصابة) : إذا أدرك الزمن النبوي حصلت له الرؤية لا محالة،
ولو من أحد الجانبين، ولا سيما مع كونه مع أصهار النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، أخته أم حبيبة أم المؤمنين، وقد اجتمع الجميع بمكة في حجة الوداع.
ولعنبسة رواية عن بعض الصحابة في صحيح مسلم، وفي السنن، روى عن أخته أم
حبيب.
وشداد بن أوس. روى عنه أبو أمامة الباهلي، ويعلى بن عبيد [يعلى بن أمية] ،
وهما أكبر منه سنا، وقد زاد: عمرو بن أوس الثقفي، والقاسم أبو عبد الرحمن،
ومكحول، وعطاء، وحسان بن عطية، وغيرهم، قال أبو نعيم: اتفق متقدمو أئمتنا
على أنه من التابعين.
وذكر خليفة [بن خياط] أن معاوية أمّره على مكة، فكان إذا توجه إلى الطائف
استخلف طارق ابن المرقع.
وروى النسائي من طريق عطاء، عن يعلى بن أمية، قال: قدمت الطائف فدخلت على
عنبسة بن أبى سفيان وهو في الموت، فقال: حدثتني أم حبيبة ... فذكر حديث:
«من صلى في يوم اثنى عشرة ركعة دخل الجنة» .
ورويناه في (الكنجروديات) من طريق عمرو بن أوس قال: دخلت على عنبسة وهو في
الموت، فحدثني عن أخته أم حبيبة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «من
صلى في النهار [أو من النهار] اثنى عشرة ركعة دخل الجنة» ، قال: فما تركتهن
منذ سمعته من أم حبيبة. (الإصابة) : 5/ 69- 70، ترجمة رقم (6278 ز) ،
(تهذيب التهذيب) : 8/ 142، ترجمة رقم (287) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/
307، ترجمة رقم (5477) ، (طبقات ابن سعد) 6/ 349، (الكامل في التاريخ) : 3/
419، 424، 456، 10/ 500.
(6/265)
كنا بخير [ (1) ] صالح [ (2) ] ذات بيننا
... جميعا [ (3) ] ، فأمست فرّقت بيننا هند
فإن تك هند لم تلدني فإنني ... لبيضاء ينميها غطارفة نجد
أبوها أبو الأضياف في كل شتوة ... ومأوى ضعاف قد أضرّ بها الجهد [ (4) ]
لها جفنات ما تزال مقيمة ... لمن ساقه غورا تهامة أو نجد [ (5) ]
فقال له معاوية: لا تسمعه منى بعدها [ (6) ] وعمرو بن أبى سفيان، أمه وأم
أختيه صخرة وهند: صفية بنت أبى عمرو بن أبى أمية بن عبد شمس، وأسر يوم بدر،
فقيل لأبى سفيان: ألا تفتدى عمرا؟ فقال: قتل حنظلة وأفتدي عمرا فأصاب بمالي
وولدى [ (7) ] ؟ لا أفعل، ولكن انتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه به، فأصاب
سعد بن النعمان بن أكال، وقد جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر ومعه المنذر
بن
__________
[ (1) ] في (خ) : «يصحو» .
[ (2) ] في (تاريخ الطبري) : «صالحا» .
[ (3) ] في (تاريخ الطبري) : «قديما» .
[ (4) ] في (تاريخ الطبري) : «ومأوى ضعاف لا تنوء من الجهد» .
[ (5) ] هذا البيت في (المرجع السابق) :
جفيناته ما إن تزال مقيمة ... لمن خاف من غورى تهامة أو نجد
[ (6) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 171، 180، 230، 333، 6/ 241.
[ (7) ] في (ابن هشام) : «أيجمع عليّ دمي ومالي؟ قتلوا حنظلة وأفدى عمرا،
[دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم] . (سيرة ابن هشام) : 3/ 201.
(6/266)
عمرو، فطلبهما أبو سفيان حتى أدرك سعدا
فأسره [ (1) ] ، وفاته ابن المنذر فقال ضرار بن الخطاب في ذلك:
تداركت سعدا عنوة فأسرته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا
فقال أبو سفيان:
أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا.
فإن بنى عمرو بن عوف أذلة [ (2) ] ... لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا
ففادوه سعدا بابنه عمرو [ (3) ] ، وليس لعمر عقب.
وأميمة بنت أبى سفيان [ (4) ] ، كانت تحت حويطب بن عبد العزى بن أبى
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) .
[ (2) ] في (ابن هشام) : «فإن بنى عمرو لئام أذلة» .
[ (3) ] فأجابه حسان بن ثابت فقال:
لو كان سعد يوم مكة مطلقا ... لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا
بعضب حسام أو يصفراء نبعة ... تحنّ إذا ما أنبضت تحفز النّبلا
(سيرة ابن هشام) : 3/ 201- 202.
[ (4) ] قال الحافظ في (الإصابة) : في ترجمة عاتكة بنت الوليد بن المغيرة
المخزومية:
عن ابن جريج قال: جاء الإسلام وعند أبى بن حرب ست نسوة، وعند صفوان بن أمية
ست: أم وهب بنت أبى أمية بن قيس من العياطلة. وفاضة بنت الأسود بن المطلب،
وأميمة بنت أبى سفيان ابن حرب، وعاتكة بنت المغيرة، وبرزة بنت مسعود بن
عمرو، وبنت ملاعب الأسنة عامر بن مالك، فطلّق أم وهب وكانت قد أسنّت، وفرّق
الإسلام بينه وبين فاختة بنت الأسود، وكان أبوه تزوجها فخلف هو عليها، ثم
طلق عاتكة في خلافة عمر بن الخطاب. (الإصابة) : 7/ 512، ترجمة رقم (10802)
، 8/ 15، ترجمة رقم (11454) .
(6/267)
قيس من بنى عامر بن لؤيّ [ (1) ] ، فولدت
له أبا سفيان بن حويطب، وأسلم مع أبيه يوم الفتح [ (2) ] ، وتزوجها صفوان
بن خلف الجمحيّ، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [ (3) ] ، وهو مذكور في
الصحابة هو وأبوه.
وجويرية بنت أبى سفيان [ (4) ] أسلمت بعد الفتح، ثم شهدت اليرموك، وقد
تزوجها السائب بن أبى حبيب بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، ثم خلف
عليها عبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر.
وأم الحكم بنت أبى سفيان [ (5) ] ، أمها وأم عتبة وجويرية. ومعاوية: هند
بنت عتبة، وتزوجها عبد اللَّه بن عثمان بن ربيعة الثقفي، فولدت له عبد
الرحمن بن عبد اللَّه الّذي يقال له: ابن أم الحكم.
وصخرة بنت أبى سفيان [ (6) ] ، كانت تحت سعيد بن الأخنس بن شريق
__________
[ (1) ] هو حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن
حسل بن عامر بن لؤيّ القرشي العامري، أبو محمد، أو أبو الأصبغ.
أسلم عام الفتح وشهد حنينا، وكان من المؤلفة قلوبهم، وجدّد أنصاب الحرم في
عهد عمر رضى اللَّه عنه. قال البخاري: عاش مائة وعشرين سنة، وقال الواقدي:
مات في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين، له ترجمة في (الإصابة) : 2/ 143،
ترجمة رقم (1884) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 325، (الاستيعاب) : 1/ 407، ترجمة
رقم (573) .
[ (2) ] (الإصابة) : 7/ 182، ترجمة رقم (10029) ، (الاستيعاب) : 4/ 1677،
ترجمة رقم (3004) .
[ (3) ] (الإصابة) : 5/ 40، ترجمة رقم (6225) ، (الاستيعاب) : 2/ 836،
ترجمة رقم (1427) .
[ (4) ] قال الحافظ: جويرية بنت أبى سفيان بن حرب شقيقة معاوية ذكرها ابن
سعد في (الطبقات) وقال:
تزوجها السائب بن أبى حبيب الأسدي. (الإصابة) : 7/ 568، ترجمة رقم (11007)
، (طبقات ابن سعد) : 8/ 174.
[ (5) ] قال ابن عمر: أسلمت يوم الفتح، وكانت ممن نزل فيه: وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة:
10] ، ففارقها عياض بن غنم، وتزوجها عبد اللَّه بن عثمان الثقفي. (الإصابة)
: 8/ 192، ترجمة رقم (1973) ، (الاستيعاب) : 4/ 1932، ترجمة رقم (4141) .
[ (6) ] لم أجد لها ترجمة.
(6/268)
الثّقفي، فهي أم بنيه.
وهند بنت أبى سفيان [ (1) ] ، [زوج الحارث بن نوفل] [ (2) ] ولدت بنيه عبد
اللَّه بن الحارث بن نوفل، وإخوته محمدا وربيعة، وعبد الرحمن بن الحارث.
وميمونة بنت أبى سفيان [ (3) ] ، أمها لبانة بنت أبى العاصي بن أمية،
وتزوجها أبو برة بن عروة بن مسعود، فولدت له ليلى ابنة أبى مرة، فتزوجها
أبو عبد اللَّه الحسين بن على عليهما السلام، فولدت له على بن الحسين
الأكبر.
ورملة بنت أبى سفيان، تزوجها سعيد بن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه [ (4) ]
، فولدت له محمدا، وأم رملة هذه من بنى الحارث بن عبد مناة، وأخوها لأمها
سليمان بن أزهر بن عبد عوف الزهري.
__________
[ (1) ] هي هند بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية الأموية، أخت معاوية، كانت
زوج الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، فولدت له ابنه محمدا، ذكر ذلك ابن سعد،
وزاد: وعبد اللَّه، وربيعة، وعبد الرحمن، ورملة، وأم الزبير، قال: وأمها
صفية بنت أبى عمرو بن أمية. (الإصابة) : 8/ 153، ترجمة رقم (11850) ،
(طبقات ابن سعد) : 8/ 174.
[ (2) ] زيادة للسياق من (الإصابة) .
[ (3) ] (تاريخ الطبري) : 5/ 468.
[ (4) ] هو سعيد بن عثمان بن عفان بن أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد
مناف، وأمه فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر
بن مخزوم، وأمها أسماء بنت أبى جهل بن هشام بن المغيرة، وأمها أروى بنت أبى
العاصي بن أمية بن عبد شمس، وأمها رقية بنت الحارث بن عبيد بن عمر بن
مخزوم، وأمها رقية بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها خالدة بنت هاشم بن
عبد مناف بن قصي، فولد سعيد بن عثمان محمدا، وأمه رملة بنت أبى سفيان بن
حرب بن أمية وكان قليل الحديث. (طبقات ابن سعد) : 5/ 153.
(6/269)
صهره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل جويرية
أخوها عمرو بن الحارث بن أبى ضرار المصطفى الخزاعي، مذكور في الصحابة [ (1)
] .
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة
رجل واحد، وأربع عشر امرأة، منهن خمس أخوات ميمونة لأبيها وأمها، وتسع
أخواتها لأمها، فالأشقاء:
لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية [ (2) ] ، أم الفضل، زوجة
__________
[ (1) ] هو عمرو بن الحارث بن أبى ضرار بن عائذ بن مالك بن جذيمة [أو
خزيمة] وهو المصطلق بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي المصطلقي، أخو جويرية
زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
روى أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن الحارث أخى جويرية، قال: واللَّه ما ترك
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، عند موته ديناراً، ولا درهما، ولا
عبدا، ولا أمة، ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضا تركها صدقة.
(الإصابة) : 4/ 618، ترجمة رقم (5804) ، (الاستيعاب) : 3/ 1171، 1172،
ترجمة رقم (1905) .
[ (2) ] هي لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد
اللَّه بن حلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، أم الفضل، زوج العباس بن عبد
المطلب، ووالدة أولاده: الفضل، وعبد اللَّه، وغيرهما، وهي لبابة الكبرى،
مشهورة بكنيتها، ومعروفة باسمها، وأمها خولة بنت عوف القرشية.
قال ابن سعد: أم الفضل أول امرأة آمنت بعد خديجة، وروت عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم، روى عنها ابناها:
عبد اللَّه، وتمام، وعمير بن الحارث مولاها، وكريب مولى ابنها، وعبد اللَّه
بن عباس، وعبد اللَّه بن الحارث ابن نوفل وآخرون.
وأخرج الزبير بن بكار وغيره من طريق إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن
عباس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: الأخوات الأربع مؤمنات: أم الفضل،
وميمونة، وأسماء، وسلمى
فأما ميمونة فهي أم المؤمنين، وهي شقيقة أم الفضل، وأما أسماء وسلمى
فأختاهما من أبيهما، وهما بنتا عميس الخثعمية.
(6/270)
العباس، أم عبد المطلب، عم رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، وأم أكثر بنيه، يقال إنها أول امرأة أسلمت بعد
خديجة رضى اللَّه عنها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يزورها
ويقيل عندها، وروت عنه أحاديث خرّج [حديثها] الجماعة، وكانت من المنجبات،
ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم، وهم: الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد
اللَّه، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن بنو العباس، وولدت له أيضا أم حبيب [ (1)
] ، وتوفيت، وفيها يقول عبد اللَّه بن يزيد الهلالي:
ما ولدت نجيبة من فحل ... بجبل نعلمه وسهل
كستّة من بطن أم الفضل ... أكرم بها من كهلة وكهل
عم النبي المصطفى ذي الفضل ... وخاتم الرسل وخير الرسل
ولبابة الصغرى بنت الحارث [ (2) ] بن حزن أم خالد بن الوليد، قال ابن عبد
__________
[ () ]
وأخرج ابن سعد بسند جيد، عن سماك بن حرب، أن أم الفضل قالت: يا رسول
اللَّه، رأيت أن عضوا من أعضائك في بيتي، قال: تلد فاطمة غلاما وترضعينه
بلبن قثم، فولدت حسينا، فأخذته، فبينا هو يقبّله إذ بال عليه فقرصته فبكى،
قال صلّى اللَّه عليه وسلم: آذيتينى في ابني، ثم دعا بماء فحدره حدرا [أو
فحدرته عليه حدرا] . ومن طريق قابوس بن المخارق نحوه، وفيه: فأرضعته حتى
تحرك، فجاءت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأجلسه في حجرة، فبال فضربته
بين كتفيه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: أوجعت ابني رحمك اللَّه ...
الحديث.
وكان يقال لوالدة أم الفضل: العجوز الحرشية أكرم الناس أصهارا: ميمونة زوج
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، والعباس تزوج أختها شقيقتها لبابة، وحمزة
تزوج أختها سلمى، وجعفر بن أبى طالب تزوج شقيقتها أسماء، ثم تزوجها بعده
أبو بكر الصديق، ثم تزوجها بعده عليّ، قال أبو عمر: كانت من المنجبات، وكان
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يزورها. قال ابن حبان: ماتت في خلافة عثمان
قبل زوجها العباس.
(الإصابة) : 8/ 97، ترجمة رقم (11695) ، 8/ 267، ترجمة رقم (12000) ،
(طبقات ابن سعد) : 8/ 202، (الاستيعاب) : 4/ 1907، ترجمة رقم (4080) .
[ (1) ] كذا في (خ) ، وفي (الاستيعاب) : «أم حبيبة» .
[ (2) ] هي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية، أخت
لبابة الكبرى التي قبلها، تلقب بالعصماء، وأمها فاختة بنت عامر الثقفية،
وهي والدة خالد بن الوليد.
قال أبو عمر: في إسلامها وصحبتها نظر، وأقره ابن الأثير، وهو عجيب، وكأنه
استبعده من جهة
(6/271)
البر: في إسلامها وصحبتها نظر.
وغصماء بنت الحارث بن حزن [ (1) ] ، وعزة بنت الحارث [ (2) ] ، وهزيلة بنت
__________
[ () ] تقدم وفاة زوجها الوليد، أن تكون ماتت معه أو بعده بقليل، وليس ذلك
بلازم، فقد ثبت أنها عاشت بعد وفاة خالد، ولها في ذلك قصة.
فذكر أبو حذيفة في (المبتدإ والفتوح) ، عن محمد بن إسحاق، قال: لما مات
خالد بن الوليد، خرج عمر رضى اللَّه عنه في جنازته، فإذا أمه تندبه وتقول
أنت خير من ألف من القوم ... م إذا ما كنت في وجوه الرجال
أشجاع فأنت أشجع من ليث ... صهر ابن جهم أبى الأشبال
أجواد فأنت أجود من سيل ... أتى يستقل بين الجبال
فقال عمر رضى اللَّه عنه: من هذه؟ فقيل: أمه، فقال: أمه، والإله- ثلاثا-
وهل قامت النساء عن مثل خالد.
وهذا وإن كان رواية أبى حذيفة، وهو ضعيف، لكن قد ذكر ابن سعد- وهو ثقة- عن
كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، قال: لما توفى خالد بن
الوليد بكت عليه أمه، فقال عمر: يا أم خالد، أخالدا أو أجره ترزئين! عزمت
عليك إلا تثبت، حتى تسود يداك من الخضاب. وهذا مسند صحيح، وعلق البخاري قول
عمر في النقع واللقلقة في البكاء على خالد، لكن لم يسمّ أمه.
ومجموع ذلك يفيد أنها عاشت بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أفيظن بها أنها
استمرت على الكفر من بعد الفتح إلى أن مات النبي (صلّى اللَّه عليه وسلم) ؟
هذا بعيد عادة، بل يبطله ما تقدم أنه لم يبق بالحرمين ولا الطائف أحد في
حجة الوداع إلا أسلم وشهدها. (طبقات ابن سعد) : 8/ 346، (الإصابة) : 8/ 97،
ترجمة رقم (11696) ، (الاستيعاب) : 4/ 909، ترجمة رقم (4081) ، (الإصابة) :
8/ 26، ترجمة رقم (11477) .
[ (1) ] قال الكلبي: ولبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن، وهي العصماء، أم
خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ. (جمهرة النسب) : 368.
[ (2) ] هي عزة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة، ذكرها أبو عمر مختصرا،
وقال: لم أر من ذكرها في الصحابة، وأظنها لم تدرك الإسلام.
قال الحافظ: بل ذكرها ابن سعد في الغرائب من النساء الصحابيات مع أخواتها
لأمها، وزعم أنها أخت ميمونة أم المؤمنين، وأنها تزوجت عبد اللَّه بن مالك
بن الهزم، فولدت له زيادا، وعبد الرحمن، وبرزة، فولدت برزة الأصم والد
يزيد، وقيل: هي والدة يزيد بن الأصم.
قال: وقيل: إن برزة أخت عزة لأمها، قال: ويقال: إن عزة كانت عند رجل من بنى
كلاب، فولدت فيهم. (الإصابة) : 8/ 24، ترجمة رقم (11471) ، (طبقات ابن سعد)
: 8/ 25، (الاستيعاب) : 4/ 1886، ترجمة رقم (4032) .
(6/272)
الحارث [ (1) ] وأسماء بنت عميس بن معد [
(2) ] بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد
بن مالك بن نسر بن وهب اللَّه ابن شهران بن عفر بن ربيعة، حلف بن أفتل، وهو
جماعة خثم بن أنمار.
وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك [ (3) ] بن النعمان بن كعب بن مالك ابن قحافة
بن عامر بن زيد بن نسر بن وهب اللَّه الخثعمية، أخت ميمونة رضى اللَّه عنها
لأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة، كانت من المهاجرات إلى أرض
الحبشة مع زوجها جعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، فولدت له هناك محمدا
وعبد اللَّه وعوفا، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر
الصديق رضى اللَّه عنه، فولدت له محمد ابن أبى بكر، ثم مات عنها، فتزوجها
على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،
__________
[ (1) ] هي هزيلة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين،
قيل: هي أم حفيد الآتية في الكنى [من (الإصابة) ] ، قاله أبو عمر، قال:
وكانت نكحت في الأعراب، وهي التي أهدت الضّباب إلى النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، وروى حديثها سليمان بن يسار وغيره عن ميمونة.
قال الحافظ: قد أخرجه مالك في (الموطأ) ، عن عبد الرحمن بن أبى صعصعة، عن
سليمان بن يسار، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيت ميمونة بنت
الحارث، فإذا بضباب، ومعه عبد اللَّه بن عباس، وخالد بن الوليد، فقال: من
أين لكم هذا؟ قالت: أهدته إليّ أختى هزيلة بنت الحارث، فقال لعبد اللَّه
وخالد: كلا، فقال: ألا تأكل؟! قال: إني يحضرني من اللَّه حاضر.
وأصل الحديث في الصحيحين، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالت: أهدت
خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سمنا وأقطا
وضبابا، فدعا بهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأكلن على مائدته ...
الحديث.
وأخرجه أبو داود وغيره من رواية عمر بن حرملة، عن ابن عباس، فوقع في (مسند
ابن أبى عمر العدني) من هذا الوجه بلفظ «أم عتيق» ، بعين مهملة بدل الحاء
المهملة، وقاف في آخره بدل الدال، والمعروف «أم حفيد» .
(الإصابة) : 8/ 147، ترجمة رقم (11833) ، 8/ 191، ترجمة رقم (11971) ،
(الاستيعاب) : 4/ 1920، ترجمة رقم (4109) ، 4/ 1931، ترجمة رقم (4140) .
[ (2) ] ، (3) (الإصابة) : 7/ 489، ترجمة رقم (10803) ، (الاستيعاب) : 4/
1784، ترجمة رقم (3230) .
(6/273)
فولدت له يحى بن على، وقيل: ولدت أيضا
عوفا.
وقيل: كانت تحت حمزة رضى اللَّه عنه، فولدت له أمة اللَّه، وقيل:
أمامة، ثم خلف عليها بعد شداد جعفر بن الهادي، فولدت له عبد اللَّه وعبد
الرحمن.
وقيل إن التي كانت تحت حمزة وشداد، سلمى بنت عميس أختها، وقيل: كانت أسماء
قبل جعفر بن أبى طالب عند ربيعة بن رباح بن أبى ربيعة بن نهيل بن هلال بن
عامر، فولدت له مالكا وعبد اللَّه وأبا هريرة بنى ربيعة، قاله ابن الكلبي [
(1) ] وتوفيت أسماء.
وسلمى بنت عميس الخثعمية [ (2) ] ، لها صحبة، كانت تحت حمزة رضى اللَّه
عنه، فولدت له أمة اللَّه، ثم خلف عليها بعد شداد بن الهادي، فولدت له عبد
اللَّه وعبد الرحمن، وقيل غير ذلك كما تقدم.
__________
[ (1) ] (جمهرة النسب) : 31.
[ (2) ] هي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
الأخوات مؤمنات، قاله ابن عبد البر، وقال: كانت تحت حمزة، فولدت له أمة
اللَّه بنت حمزة، ثم خلف عليها بعد قتل حمزة شداد بن الهاد الليثي، فولدت
له عبد اللَّه وعبد الرحمن، قال: وقد قيل: إن التي كانت تحت حمزة أسماء بنت
عميس، فخلف عليها شداد. والأصح الأول.
قال الحافظ: وأخرج ابن مندة، من طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن جرير ابن
حازم، عن محمد بن عبد اللَّه بن أبى يعقوب، وأبى فزارة جميعا، عن عبد
اللَّه بن شداد، قال: كانت بنت حمزة أختى من أمى، وكانت أمّنا سلمى بنت
عميس.
وفي الصحيحين من حديث البراء في قصة بنت حمزة: لما اختصم فيها عليّ وجعفر
وزيد بن حارثة، فقال جعفر: أنا أحق بها وخالتي تحتى.
وقال ابن سعد: زوجها حمزة، وكانت أسلمت قديما مع أختها أسماء، فولدت لحمزة
ابنته عمارة، وهي التي اختصم فيها عليّ وجعفر وزيد بن حارثة، ثم بانت سلمى
من حمزة، فتزوجها شداد، فولدت له عبد اللَّه، فقضى بها النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم لجعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأم، وكانت أسماء تحت جعفر، فتعين
أن أمها سلمى، وقد بالغ ابن الأثير في الردّ على من زعم من أن أسماء كانت
تحت حمزة. (طبقات ابن سعد) : 8/ 209، (الاستيعاب) : 4/ 1861، ترجمة رقم
(3381) ، (الإصابة) : 7/ 706، ترجمة رقم (11317) .
(6/274)
[أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
ونساء أعمامه]
ومن أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونساء أعمامه:
خولة بنت قيس بن قهد [بالقاف] [ (1) ] بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن
غنم بن مالك بن النجار الأنصارية أم محمد [ (2) ] .
وقيل: خولة بنت تامر- وقيل: تامر لقب لقيس بن قهد- كانت تحت حمزة بن عبد
المطلب رضي اللَّه عنه، فولدت له عمارة بن حمزة، وخلف
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان من (الإصابة) .
[ (2) ] هي خولة بنت قيس بن قهد- بالقاف- بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن
النجار الأنصارية الخزرجية ثم النجارية أم محمد. يقال: هي زوج حمزة بن عبد
المطلب، ثم قيل: غيرها.
قال محمود بن لبيد، عن خولة بنت قيس بن قهد، وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب:
أنها قالت: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عمه- يعنى حمزة- فصنعت
شيئا فأكلوه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم بكفارات
الخطايا؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة
الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، أخرجه ابن مندة بعلوّ.
وأخرج أيضا من طريق قيس بن النعمان بن رفاعة: سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع
يحدث عن خولة بنت قيس بن قهد، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم فصنعت له حريرة [دقيق يطبخ بلبن أو دسم] ، فلما قدمتها إليه وضع يده
فيها فوجد حرّها فقبضها، ثم قال: يا خولة، لا نصبر على حرّ ولا نصبر على
برد.
وقال ابن سعد: أمها الفريعة بنت زرارة، أخت أسعد بن زرارة، قال: وخلف عليها
بعد حمزة بن عبد المطلب حنظلة بن النعمان بن عمرو بن مالك بن عامر بن
العجلان.
وأخرج أبو نعيم، من طريق أبى معشر، عن سعيد المقبري عن عبيد سنوطى، قال:
دخلت على خولة بنت قيس التي كانت عند حمزة فتزوجها النعمان بن عجلان بعد
حمزة، فقلت: يا أم محمد، انظري ما تحدثيننى، فإن الحديث عن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم بغير ثبت شديد، فقالت: بئس ما لي أن أحدثهم عن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بما سمعته وأكذب عليه، سمعته يقول: الدنيا
حلوة خضرة من يأخذ منها ما يحلّ يبارك له فيه، وربّ متخوّض في مال اللَّه
... الحديث. [أي ربّ متصرف في مال اللَّه بما لا يرضاه اللَّه. وقيل: هو
التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن] . (الإصابة) : 7/ 625، ترجمة رقم
(11126) ، (الاستيعاب) : 4/ 1833، ترجمة رقم (3324) ، (النهاية) : 2/ 88.
(6/275)
عليها بعد حمزة رجل من الأنصار. ويقال لها:
خويلة، روى لها البخاري والترمذي.
وسلمى بنت عميس الخثعمية، كانت تحت حمزة أيضا، فولدت له أمامة [ (1) ] .
ولبابة الكبرى بنت الحارث، زوجة العباس رضي اللَّه عنه، أم بنيه الفضل،
وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد [ (1) ] .
وحجيلة بنت جندب بن الربيع بن عامر بن كعب بن عمرو بن الحارث ابن عمرو بن
سعد مالك بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن
نزار بن معد بن عدنان. زوجة العباس، أم ولده الحارث بن عباس [ (2) ] .
وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، زوجة أبى طالب، أم بنيه: طالب،
وعقيل، وجعفر، وعلى، رضي اللَّه عنهم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمى، أسلمت
وهاجرت وماتت بالمدينة، فشهدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وألبسها
قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه، فقال:
إن لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بى منها، إنما ألبستها قميصي لتكتسى من
حلل الجنة، واضطجعت معها ليهون عليها. وقيل: إنها ماتت قبل الهجرة، وليس
بشيء [ (3) ] .
وعاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، زوجة
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتها.
[ (2) ] قال أبو عمر: لكل ولد العباس رؤية والصحبة للفضل، وعبد اللَّه،
وأمه حجيلة بنت جند بن الربيع الهلالية، وقيل: أم ولد. ثم قال: وأما الحارث
بن العباس بن عبد المطلب فأمه من هذيل. (الإصابة) :
2/ 151، ترجمة رقم (1904) ، (الاستيعاب) : 1/ 195- 196، ترجمة رقم (240) .
[ (3) ] (الإصابة) : 8/ 60، ترجمة رقم (11584) ، (الاستيعاب) : 4/ 1891،
ترجمة رقم (4052) .
(6/276)
الزبير بن عبد المطلب، أم بنيه: الطاهر،
وحجل، [وقرّة] [ (1) ] ، وعبد اللَّه، كان أبوها من أشراف قريش في
الجاهلية، وأخوها هبيرة بن أبى وهب من فرسان قريش وشعرائهم، وهو زوج أم
هانئ بنت أبى طالب، وفد يوم الفتح إلى نجران فمات بها كافرا، وترك أولادا
من أم هانئ [ (2) ] .
وغزية بنت قيس بن طريف من بنى الحارث بن فهر، زوجة الحارث بن عبد المطلب أم
بنيه: أبى سفيان، وربيعة، ونوفل، وعبد شمس، وعبد اللَّه، وأمية [ (3) ] .
وأم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- وهي حمالة الحطب- امرأة
أبى لهب بن عبد المطلب، أم بنيه: عتبة، ومعتب، وعتيبة [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] قال الكلبي: وكان للزبير بن عبد المطلب: الطاهر، وحجل، وقرة، وعبد
اللَّه، قتل يوم أجنادين [موضع بالشام من نواحي فلسطين، وأمهم عاتكة بنت
أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. (جمهرة النسب) : 34- 35.
[ (3) ] لم أجد لها ترجمة.
[ (4) ] سبق الكلام عنها في فصل [أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قتل أم
حبيبة] .
(6/277)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته
ومن أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته، وهم تسعة:
كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، زوج البيضاء أم حكيم بنت
أبى طالب، أبو بنيها: عامر، وأم طلحة أرنب، وأروى أم عثمان، وأم كريز أم
سكن بنت ظالم بن منقذ بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح الخزاعي، وكان له من
الولد أيضا فاختة، تزوجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس،
وأمها هند بنت جدعان بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، والحارث بن
كريز أمه من عبد قيس، يقال له أبو كبشة، وكان عنده مسيلمة الكذاب، وعبيس بن
كريز أمه أم عبيس، فتاة لبني تيم بن مرة، أسلمت فعذبت في اللَّه، حتى
اشتراها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، فأعتقها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] هي أحد من كان يعذبه المشركون ممن سبق إلى الإسلام. قال أبو بشر
الدولابي عن الشعبي: أسلمت وهي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ولدت
له عبيسا فكنيت به.
وروى يونس بن بكير في (زيادات المغازي) لابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن
أبيه، أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه أعتق من ممن كان يعذب في اللَّه
سبعة وهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنبرة، وجارية ابنا المؤمل، والهندية،
وابنتها، وأم عبيس.
وأخرج محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، عن منجاب بن الحارث، عن
إبراهيم بن يوسف ابن زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حميد عن أنس: قال:
قالت أم هانئ بنت أبى طالب: أعتق أبو بكر بلالا، وأعتق معه ستة، منهم أم
عبيس.
وأخرجه أبو نعيم، وأبو موسى، من طريقه. وقال الزبير بن بكار: كانت فتاة
لنبي تيم بن مرة، فأسلمت أول الإسلام، وكانت ممن استضعفه المشركون يعذبونها
فاشتراها أبو بكر فأعتقها، وكنيت بابنها عبيس بن كريز.
قال الحافظ: قال البلاذري: كانت أمة لنبي زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث
يعذبها. (الإصابة) :
8/ 257- 258، ترجمة رقم (12159) ، (الاستيعاب) : 4/ 1946، ترجمة رقم (4182)
.
(6/278)
وأبو أمية حذيفة بن الميغرة بن عبد اللَّه
بن عمرو بن مخزوم، أبو أولادها:
عبد اللَّه، وزهير، وقريبة الكبرى، إخوة أم المؤمنين أم سلمة لأبيها [ (1)
] .
وعبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] ، زوج برّة بنت
عبد المطلب، أبو ابنها أبى سلمة عبد اللَّه، وأمه نعم بنت عبد العزى بن
رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، وأبوها أبو سلمة تقدم
ذكره، وله من الولد أيضا: سفيان بن عبد الأسد، والأسود بن عبد الأسد، وقتل
الأسود ببدر كافرا، قتله حمزة، وكان قد حلف ليكسرن
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 8/ 81، ترجمة رقم (11645) .
[ (2) ] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: وولد هلال بن
عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: عبد الأسد، فولد عبد الأسد: أبا سلمة، استخلفه
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علي المدينة، واسمه عبد اللَّه، من
قدماء الصحابة المهاجرين الأولين، وهو زوج أم سلمة أم المؤمنين قبل رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والأسود بن عبد الأسود، أحد المستهزءين، قتل
يوم بدر كافرا، وسفيان بن عبد الأسد.
فولد أبو سلمة رضي اللَّه عنه سلمة، وعمر، وزينب، ودرّة: أمهم كلهم أم سلمة
أم المؤمنين رضي اللَّه عنها. ولد عمر بأرض الحبشة وله عقب، وولّاه عليّ
رضى اللَّه عنه علي البحرين، وكان له ابن اسمه سلمة بن عمر، ولزينب أيضا
عقب، ولا عقب لدرة، ولا لسلمة، وزوّجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنت
حمزة، وكان لسلمة عقب انقرض، منهم: سلمة بن عبد اللَّه بن سلمة بن أبى سلمة
بن عبد الأسد، ولى قضاء المدينة لعبد الرحمن بن الضحاك، وولد الأسود بن عبد
الأسد: المرأة التي سرقت فقطعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وولد سفيان بن عبد الأسد: الأسود، وهبّار، قتل يوم مؤتة، وعمر، هاجر إلى
الحبشة، وعبيد اللَّه، قتل يوم اليرموك، وعبد اللَّه: أمهم كلهم صفية بنت
الخطاب أخت عمر.
وأبو سلمة، والحارث، وعبد الرحمن، وعبد الرحمن آخر، وعبد اللَّه، ومعاوية،
وسفيان: أم هؤلاء أم جميل بنت المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس.
ومن ولده: رزق، وعبد اللَّه، ابنا الأسود بن سفيان بن عبد الأسد: أمهما أم
حبيب بنت العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
ومن ولده أيضا: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى سلمة بن سفيان بن عبد
الأسد، استقضاه الهادي على مكة، واستقضاه المأمون ببغداد. (جمهرة أنساب
العرب) : 143- 144.
(6/279)
حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقاتله
حتى وصل إليه فأدركه حمزة وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. وأم سفيان
من كندة، وأخوهما لأمهما أنس بن أذاه بن رباح [ (1) ] .
وأبو رهم بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، بن
عامر بن لؤيّ، زوج برّة بعد عبد الأسد، وأبو ابنها أبى سبرة بن أبى رهم،
أمه وأم أخيه حويطب بن عبد العزى زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن
الحارث بن سعد بن عمرو بن قبيص، وإخوته لأبيه:
مخرمة الأكبر، ومخرمة الأصغر، وفاطمة.
وعمير بن وهب بن عبد بن قصي، زوج أروى بنت عبد المطلب [ (2) ] ، أبو ابنها
طليب، كان أبوه وهب يعرف بأبي كبيرة [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال في (المرجع السابق) : 150: وولد رباح بن عبد اللَّه بن قرظ:
أذاة، وعبد العزى، فولد أذاة: قيلة أم أبي قحافة والد أبى بكر الصديق رضى
اللَّه عنه، وأنس بن أذاة.
فمن ولد أنس: عمرو وعبد اللَّه ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس ابن أذاة، شهد
بدرا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] قال في (المرجع السابق) : 169: وولد أبى رهم بن عبد العزى: أبو
سبرة بن أبى رهم، بدرىّ، وهو أخو سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ، أمها برّة
بنت عبد المطلب، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فولد أبى سبرة:
محمد، فولد محمد: عبد اللَّه، فولد عبد اللَّه: أبو بكر ومحمد، ولى قضاء
المدينة. وأما أبو بكر فخرج مع محمد بن عبد اللَّه بن الحسن بالمدينة،
وأتاه بأربعة وعشرين ألف دينار من صدقات طيِّئ وأسد.
[ (3) ] أروى بنت عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم. قال أبو عمر: كانت أروى تحت عمير بن وهب بن عبد بن قصي،
فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصىّ،
فولدت له أروى.
وحكى أبو عمر عن محمد بن إسحاق، أنه لم يسلم من عمات النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم إلا صفية، وتعقبه بقصة أروى، وذكرها العقيلي في الصحابة، وأسند
عن الواقدي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي، عن أبيه قال:
لما أسلم طليب بن عمير، دخل على أمه أروى بنت عبد المطلب، فقال لها: قد
أسلمت وتبعت محمدا، فذكر قصة فيها: وما يمنعك أن تسلمي فقد أسلم أخوك حمزة؟
(6/280)
وكلدة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن
قصي [ (1) ] ، زوج أروى بنت عبد المطلب بعد عمير بن وهب، وأبو ابنتها فاطمة
امرأة أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، الّذي
كان بيده لواء المشركين يوم أحد، وقتله مصعب بن عمير [ (2) ] .
وجحش بن رئاب بن يعمر بن صبيرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن
خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي زوج أميمة بنت عبد المطلب، وأبو
أولادها عبد اللَّه المجدّع، وعبيد اللَّه وأبى أحمد وزينب أم المؤمنين وأم
حبيبة وحمنة [ (3) ] .
__________
[ () ] فقالت: انظر ما يصنع أخواي، قال: قلت: فإنّي أسألك باللَّه إلا
أتيته فسلمت عليه وصدقته. قالت:
فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، ثم كانت بعد
ذلك تعضّد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بلسانها، وتحض ابنها على نصرته
والقيام بأمره.
وقال ابن سعد: أسلمت وهاجرت إلى المدينة (الإصابة) : 7/ 480- 481، ترجمة
رقم (10785) ، (الاستيعاب) : 4/ 1711، 1778، ترجمة رقم (3225) ، (طبقات ابن
سعد) :
8/ 28.
[ (1) ] قال ابن حزم: وولد عبد مناف بن عبد الدار: هاشم، وكلدة. ثم قال:
وولد هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار: عمير، وعامر، وعبد شرحبيل، قلت: فعلى
ذلك يكون كلدة بن عبد مناف وليس ابن هاشم بن عبد مناف، انظر (جمهرة أنساب
العرب) : 126.
[ (2) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد- وأرطاة بن عبد
شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله حمزة بن عبد المطلب.
ثم قال- وقد ذكر استشهاد حمزة رضي اللَّه عنه-: وقاتل حمزة بن عبد المطلب
رضي اللَّه عنه، حتى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد
الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء [يوم أحد] . (سيرة ابن هشام) :
4/ 16، 84.
[ (3) ] جحش بن رئاب الأسدي، والد أبى أحمد، قال ابن حبان: له صحبة، ذكره
الجعابيّ فيمن روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الصحابة، هو وابنه،
وروى الدار قطنى بإسناد وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غيّر اسم جحش هذا،
كان اسمه برّة فسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جحشا، والمعروف أن ابنته
كان اسمها برّة فغيّره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأبو أحمد بن جحش الأسدي، أخو أم المؤمنين زينب، اسمه «عبد» بغير إضافة،
وقيل عبد اللَّه، [وزاد في (الاستيعاب) : وقيل اسمه ثمامة، ولا يصح] .
(6/281)
والحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، زوج
صفية بنت عبد المطلب [ (1) ] ، وأبو ابنتها صفيّا بنت الحارث.
والعوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، زوج صفية بعد الحارث بن حرب، وأبو
ابنها الزبير بن العوام، رضي اللَّه عنه [ (2) ] .
__________
[ () ] حكى عن ابن كثير، وقالوا: إنه وهم، اتفقوا على أنه كان من السابقين
الأولين، وقيل: إنه هاجر إلى الحبشة، ثم قدم مهاجرا إلى المدينة، وأنكر
البلاذري هجرته إلى الحبشة، وقال: لم يهاجر إلى الحبشة، قال: وإنما هو أخو
عبيد اللَّه الّذي تنصّر بها.
وقال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة من المهاجرين بعد أبى سلمة عامر بن
ربيعة، وعبد اللَّه ابن جحش، احتمل بأهله وأخيه عبد اللَّه، وكان أبو أحمد
ضريرا، يطوف بمكة أعلاها وأسفلها بغير قائد، وكانت عنده الفارعة بنت أبى
سفيان بن حرب، وشهد بدرا والمشاهد، وكان يدور مكة بغير قائد، وفي ذلك يقول:
حبّذا مكة من وادي ... بها أهلي وعوّادي
بها ترسخ أوتادي ... بها أمشى بلا هادي
وجزم ابن الأثير بأنه مات بعد أخته زينب بنت جحش، وفيه نظر، فقد قيل: إنه
الّذي مات فبلغ أخته موته، فدعت بطيب فمسته. ووقع في الصحيحين من طريق زينب
بنت أم سلمة، قالت:
دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها، فدعت بطيب فمسته، ثم قالت: ما لي
بالطيب من حاجة، ولكنى
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه
واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ... الحديث.
ويقوى أنّ المراد بهذا أبو أحمد أن كلا من أخويها عبد اللَّه وعبيد اللَّه
مات في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أما عبد اللَّه المكبر فاستشهد
بأحد، وأما أخوها عبيد اللَّه المصغر فمات نصرانيا بأرض الحبشة، وتزوج
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان بعده.
(الإصابة) : 1/ 466، ترجمة رقم (1109 ز) ، 7/ 6- 7، ترجمة رقم (9492) ،
(سيرة ابن شهام) : 4/ 78، 2/ 166.
[ (1) ] هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، ووالدة الزبير بن العوام- أحد العشرة- وهي شقيقة
حمزة، أمها هالة بنت وهب خالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وكان أول من تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم هلك، فخلف عليها العوام بن
خويلد بن أسد ابن عبد العزى، فولدت له الزبير والسائب، وأسلمت، وروت، وعاشت
إلى خلافة عمر رضى اللَّه عنه (الاستيعاب) : 4/ 1873. ترجمة رقم (4007) ،
(الإصابة) : 7/ 743، ترجمة رقم (11405) ، (طبقات ابن سعد) : 8/ 27.
[ (2) ] انظر التعليق السابق.
(6/282)
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل بناته
أبو العاص مهشم وقيل لقيط، وقيل هاشم، وقيل هشم، وقيل مقسم، وقيل القاسم،
وصححه الزبير بن بكار، ويعرف بجرو البطحاء، ويقال له:
الأوس بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف [بن قصي] [ (1) ]
القرشي صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، زوج ابنته زينب أكبر بناته،
وابن خالتها. أمه هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت خديجة
بنت خويلد، رضى اللَّه عنها لأبيها وأمها، شهد بدرا مع كفار قريش، فأسره
عبد اللَّه بن جبير بن النعمان الأنصاري، وقيل خراش بن الصمة [ (2) ] ،
وقدم أخوه عمرو بن الربيع لفدائه بمال دفعته إليه زينب عليها السلام، ومنه
قلادة كانت لخديجة [من جزع ظفار] [ (3) ] أدخلتها بها على أبى العاص حين
بنى عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن رأيتم أن تطلقوا
لها أسيرها، وتردّوا الّذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم.
وكان أبو العاص مؤاخيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، مصافيا له،
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر غشيانه في منزل أمه هالة،
وكان أبو العاص قد أبى أن يطلق زينب إذ سعى إليه المشركون من قريش في ذلك،
فشكر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مصاهرته، وأثنى عليه بذلك خيرا،
وهاجرت زينب مسلمة، وتركته على شركة، فأقام حتى كان قبيل الفتح، فخرج
بتجارة إلى الشام، ومعه أموال لقريش، فلما قفل لقيه زيد بن حارثة وهو على
سرية [ (4) ] ، فأسر ممن رافقه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) : 8/ 25.
[ (2) ] قال ابن هشام: أسره خراش بن الصمة، أحد بنى حرام (سيرة ابن هشام) :
2/ 202.
[ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (مغازي الواقدي) :
1/ 130.
[ (4) ] كان في سبعين ومائة راكب، فلقوا العير بناحية العيص، في جمادى
الآخرة سنة ست من الهجرة.
(6/283)
عدة، وأخذ ما معه.
وفرّ أبو العاص حتى [دخل] [ (1) ] ذليلا على زينب امرأته فاستجارها [ (2) ]
، وقدم زيد بما معه،
فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صلاة الصبح وكبّر فكبّر
الناس معه، صرخت زينب: «أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما
سلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من صلاته، أقبل على الناس فقال:
[أيها الناس] [ (3) ] هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما والّذي
نفسي بيده، ما علمت بشيء [مما كان] [ (4) ] حتى سمعت ما سمعتم، [المؤمنون
يد علي من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت] » [ (5) ] ، ثم
انصرف، فدخل على زينب فقال: «أي بنية، أكرمى مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا
تحلين له» فقالت: «إنه جاء في طلب ماله» فخرج وبعث في تلك السرية، فاجتمعوا
إليه وكانوا سبعين ومائة، فقال لهم: «إن هذا الرجل بنا بحيث علمتم، وقد
أصبتم له مالا، وهو فيء أفاءه اللَّه عليكم، وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا
إليه الّذي له، وإن أبيتم فأنتم أحق به.
قالوا: يا رسول اللَّه، بل نردّه إليه، فردوا عليه ماله ما فقد منه شيئا،
فاحتمل إلى مكة، فأدّى إلى كل ذي مال من قريش ماله الّذي كان أبضع معه ثم
قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه؟ قالوا:
جزاك اللَّه خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا
اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، واللَّه ما منعني من الإسلام إلا تخوّف أن
تظنوا بى
__________
[ () ] (طبقات ابن سعد) : 27/ 8.
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (2) ] في (خ) : «فاستجار بها» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد) : 8/ 27.
[ (5) ] ما بين الحاصرتين في (خ) : «إنه يجبر علي المسلمين أدناهم» ، وما
أثبتناه من (المرجع السابق) .
(6/284)
أكل أموالكم، فلما أداها اللَّه إليكم
أسلمت.
ثم خرج حتى قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسلما وحسن إسلامه،
وردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته بالنكاح الأول، بعد ست سنين
[ (1) ] ، وقيل: ردها عليه.
بنكاح جديد.
خرّج الترمذي من حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جدّه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ ابنته زينب على أبى العاص
بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد، قال أبو عيسى: هذا الحديث في إسناده مقال،
وفي الحديث الآخر مقال [ (2) ] .
والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم
أسلم زوجها وهي في العدة، أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك
بن أنس، والأوزاعي، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق [ (3) ] .
وخرّج أيضا من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال:
حدثني داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ردّ النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول،
ولم يحدث نكاحا. قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا
__________
[ (1) ] في المحرم سنة سبع من الهجرة (المرجع السابق) .
[ (2) ] أخرجه أبو داود والترمذي، رواه أبو داود برقم (2240) في الطلاق باب
إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها، والترمذي برقم (1143) ، في
النكاح، باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، وفي سنده الحجاج بن أرطاة، وهو
كثير الخطأ والتدليس، وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال.
(جامع الأصول) : 11/ 510.
[ (3) ] قال الحافظ: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس
كما رجحه الأئمة، وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم، وإسلام
أبى العباس، ولا مانع من ذلك. (جامع الأصول) : 11/ 510 «هامش» .
(6/285)
نعرف وجه هذا الحديث [ولعله قد جاء هذا من
قبل داود بن حصين، من قبل حفظه] [ (1) ] قال: سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت
يزيد بن هارون يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث [ (2) ] .
وحديث الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم ردّ ابنته على أبى العباس بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. قال يزيد
بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
__________
[ (1) ] (تحفة الأحوذي) : 4/ 248، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في
الزوجين المشركين يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (1151) ، قوله: «هذا
حديث في إسناده مقال» ، في إسناده حجاج ابن أرطاة وهو مدلس، وأيضا لم يسمع
من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، وإنما حمله عن العزرمىّ وهو ضعيف، وقد
ضعّف هذا الحديث جماعة من أهل العلم، كذا في (النيل) . [نيل الأوطار
للشوكانى] ، والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة.
قوله: «والعمل على هذا عند أهل العلم» ، أي من حيث أن هذا الحديث يقتضي أن
الردّ بعد العدة يحتاج إلى نكاح جديد، فالرّد بلا نكاح لا يكون إلا قبل
العدة، قاله أبو الطيب المدني.
[ (2) ] قوله: «وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعيّ وأحمد وإسحاق» ،
وقال محمد في (موطإه) :
إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر في دار الإسلام لم يفرق بينهما حتى يعرض على
الزوج الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى أن يسلم فرق بينهما، وكانت
فرقتها تطليقة بائنة، وهو قول أبى حنيفة وإبراهيم النخعي.
قوله: «بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا» ، وفي رواية لأحمد وأبى
داود وابن ماجة: «بعد سنتين» ، قال الشوكانى: «وفي رواية بعد ثلاث سنين» ،
وأشار في (الفتح) إلى الجمع فقال: المراد بالست، ما بين هجرة زينب وإسلامه،
وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ [10:
الممتحنة] ، وقدومه مسلما، فإن بينهما سنتين وأشهرا.
قوله: «هذا حديث ليس بإسناده بأس» ، حديث ابن عباس هذا صححه الحاكم، وقال
الخطابي: هو أصح من حديث عمرو بن شعيب، وكذا قال البخاري. قال ابن كثير في
(الإرشاد) : هو حديث جيد قوى، وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن
عكرمة عن ابن عباس. أ. هـ. إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن
عباس نسخه، وقد ضعّف أمرهما عليّ بن المديني وغيره من علماء الحديث، وابن
إسحاق فيه مقال معروف. كذا في (النّيل) . قال المباركفوري: قد تقدم في بحث
القراءة خلف
(6/286)
خرج الدار قطنى [من] [ (1) ] حديث أبى
معاوية، عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ردّ ابنته [زينب [ (2) ]] على أبى العاص بن
الربيع بنكاح جديد. وقال بعده: هذا لم يثبت، وحجاج لا يحتج به، والصواب
حديث ابن عباس.
وكذلك رواه مالك عن الزهري في قصة صفوان بن أمية، قال أبو عمر ابن عبد
البر: وقد حدّث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال:
ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بالنكاح
الأول لم يحدث شيئا [ (3) ] بعضهم يقول: فيه ثلاث سنين، وبعضهم يقول: ست
سنين، وبعضهم يقول: فيه بعد سنتين، وبعضهم لا يقول شيئا في ذلك [ (4) ] .
__________
[ () ] الإمام، أن الحق أن ابن إسحاق ثقة قابل للاحتجاج.
قوله: «ولكن لا نعرف وجه الحديث ... » ، قال الحافظ: أشار بذلك إلى أن
ردّها إليه بعد ست سنين، أو بعد سنتين، أو ثلاث، مشكل لاستبعاد أن تبقى في
العدة هذه المدة.
قال: ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك، إذا تأخر إسلامه عن
إسلامها حتى انقضت عدتها. ومن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر- (تحفة
الأحوذي) 4/ 248- 250، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في الزوجين المشركين
يسلم أحدهما، حديث رقم (1151) .
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 3/ 253- 254، حديث رقم (35) ، (36) .
[ (4) ] الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن محمد بن إسحاق
مثله، وفي الترمذي: بعد ست سنين، وفي ابن ماجة: بعد سنتين، والروايتان عند
أبى داود. قال الترمذي: لا بأس بإسناده، وسمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد
بن هارون يقول: حديث ابن عباس هذا أجود إسنادا من حديث عمرو بن شعيب، ولكن
لا يعرف وجه حديث ابن عباس، ولعله جاء من داود بن حسين من قبل حفظه. ورواه
الحاكم في (المستدرك) ، وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال عبد الحق، حديث ابن
عباس فيه محمد بن إسحاق، ولا أعلم رواه معه إلا من هو دونه، ثم نقل عن ابن
عبد البر منسوخ عند الجميع (سنن الدار قطنى) : 3/ 254، تعليق على الحديث
رقم (35) ، (36) ، (سنن بن ماجة) : 1/ 647، كتاب النكاح، باب (60) الزوجين
يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (2009) ، (2010) ، (المستدرك) : 4/ 50،
كتاب معرفة الصحافة، ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد فاطمة
رضى اللَّه عنها، حديث رقم (6846/ 2444) .
(6/287)
وهذا الخبر إن صح، فهو متروك منسوخ عند
الجميع، لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد خروجها من عدتها، وإسلام زينب كان
قبل أن ينزل كثير من الفرائض.
وروى عن قتادة أن ذلك كان قبل أن تنزل سورة بَراءَةٌ [ (1) ] تقطع العهود
بينهم وبين المشركين، وقال الزهري: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض.
وروى عنه سفيان بن حسين، أن أبا العاص بن الربيع أسر يوم بدر، فأتى به رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فردّ عليه امرأته، وفي هذا أنه ردّها عليه
وهو كافر، فمن هنا قال ابن شهاب: إن ذلك كان قبل أن تنزل الفرائض.
وقال آخرون: قصة أبى العاص هذه منسوخة بقوله تعالى: فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [ (2)
] إلى قوله [تعالى] :
وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (3) ] ، فربما يدل على أن قصة أبى
العاص منسوخة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ
الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [ (4) ] إلى قوله [تعالى] :
وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (5) ] ، إجماع العلماء أن أبا
العاص بن الربيع كان كافرا، وأن المسلمة لا تحل أن تكون زوجة لكافر، قال
اللَّه تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلًا [ (6) ] .
__________
[ (1) ] أول سورة التوبة.
[ (2) ] الممتحنة: 10.
[ (3) ] الممتحنة: 10.
[ (4) ] الممتحنة: 10.
[ (5) ] الممتحنة: 10.
[ (6) ] النساء: 141.
(6/288)
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
للملاعن: لا سبيل لك عليها [ (1) ] ،
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: لا يعلو مسلمة مشرك، فإن
الإسلام يظهر ولا يظهر عليه.
وفي قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ (2)
] ما يغنى ويكفى. قال أبو عمر: ولم يختلف أهل السّير أن الآية المذكورة
نزلت حين صالح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريشا على أن يرد عليهم
من يجيء بغير إذن وليه، فلما هاجرن أبى اللَّه أن ترددن إلى المشركين إذا
امتحنّ محنة الإسلام، وعرف أنهن جئن رغبة في الإسلام.
قال: ولم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل
لزوجها عليها إذا كان لم يسلم، إلا شيئا روى عن إبراهيم النخعي، شذّ فيه عن
جماعة العلماء، ولم يتابعه أحد من الفقهاء، إلا بعض أهل الظاهر فإنه قال:
وقد قال أكثر أصحابنا: لا ينفسخ النكاح بتقديم إسلام الزوجة، إلا بمضى مدة
يتفق الجميع على فسخه لصحة وقوعه في حلة، واحتج بحديث ابن عباس أن رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ زينب على أبى العاص بالنكاح الأول بعد
مضى سنين لهجرتها، وأظنه مال فيه إلى قصة أبى العاص، وقصة أبى العاص لا
تخلو من أن يكون أبو العاص كافرا، إذ ردّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم إلى ابنته زينب على النكاح الأول، أو مسلما.
فإن كان كافرا، فهذا ما لا شك فيه، إن كان قبل نزول الفرائض وأحكام
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في الطلاق، باب قول الإمام للمتلاعنين إن أحدكما
كاذب، فهل منكما من تائب، الحديث رقم (5312) ، وباب المتعة للتي لم يفرض
لها، الحديث رقم (5350) ، وأخرجه مسلم في اللعان، حديث رقم (5) ، وأخرجه
أبو داود في الطلاق، باب في اللعان، حديث رقم (2257) ، والنسائي في الطلاق،
باب اجتماع المتلاعنين، حديث رقم (3476) .
[ (2) ] الممتحنة: 10.
(6/289)
الإسلام في النكاح، إذ في القرآن والسنة
والإجماع تحريم خروج المسلمات على الكفار، فلا وجه هاهنا للإكثار.
وإن كان مسلما، فلا يخلو من أن تكون [زينب] حاملا فتمادى حملها فلم تضعه
حتى أسلم زوجها، فرده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليها في عدتها،
وهذا لم ينتقل في خبر.
أو تكون قد خرجت من العدة، فيكون أيضا ذلك منسوخا بالإجماع، لأنهم قد
أجمعوا أنه لا سبيل إليها بعد العدة، لأنّا ذكرنا في شذوذ النخعي وبعض أهل
الظاهر وكيف كان ذلك.
فخبر ابن عباس في ردّ أبى العاص إلى زينب خبر متروك، ولا يجوز العمل به عند
الجميع، فاستغنى عن القول فيه.
وقد يحتمل قوله: «على النكاح الأول» ، يريد على مثل النكاح الأول من
الصداق، على أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم رد زينب على أبى العاص بنكاح جديد، وكذلك يقول الشعبي على علمه
بالمغازى، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يرد أبا العاص إلى
ابنته زينب إلا بنكاح جديد، وهذا يعضده الأصول.
قال كاتبه [رحمه اللَّه] [ (1) ] : لم أدر ما هذا الّذي عناه أبو عمر من
أهل الظاهر، وليس هو ابن حزم [الظاهري] ، فإن مذهبه أنّ تقدم إسلام المرأة
على إسلام الرجل يفسخ نكاحها منه، ولا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد
وبرضاها، واللَّه أعلم.
وتوفى أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة، وترك من زينب عليا وأمامة،
أوصى بهما إلى الزبير بن العوام بن خويلد بن عبد العزى رضى اللَّه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
(6/290)
عنه، وهو ابن عمه. وترك أيضا مريم، وأمها
فاختة بنت سعيد بن أبى أحيحة بن العاص، تزوج بها محمد بن عبد الرحمن بن
عوف، فولدت له القاسم. وقد انقرض عقب أبى العاص، وكان أحد رجالات قريش،
أمانة وحالا [ (1) ] .
وعقبة بن أبى لهب، زوج رقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وابن
عم أبيها، أمرته أمه أم جميل بنت حرب بفراقها، وقالت له: طلقها حتى تشغله
عياله عما يدعو إليه، فطلقها، فخلف عليها عثمان بن عفان- وهو ابن عمة
أبيها- فولدت له عبد الرحمن بن عثمان [ (2) ] .
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (تاريخ خليفة) : 119، (الاستيعاب) 4/ 1701- 1704،
ترجمة رقم (3061) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 2/ 248- 249 (الإصابة) : 7/
248- 251، ترجمة رقم (10175) ، (سير أعلام النبلاء) : 1/ 330- 334، ترجمة
رقم (69) ، (فتح الباري) : 7/ 106، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم، باب (16) ، ذكر أصهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. منهم العاص
بن الربيع حديث رقم (3729) .
[ (2) ] عتبة بن أبى لهب، واسم أبى لهب: عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم
بن عبد مناف بن قصي، وأمه أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
بن قصي.
وكان لعتبة من الولد: أبو على وأبو الهيثم، وأبو غليظ، وأمهم: عتبة بنت عوف
بن عبد مناف ابن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وعمرو،
ويزيد، وأبو خداش، وعباس، وميمونة، وأمهم: أم العباس بنت شراحبيل بن أوس بن
حبيب بن الوجيه، من حمير، ثم من ذي الكلاح- سبيّة في الجاهلية، وعبيد
اللَّه، ومحمد، وشيبة، درجوا، وأم عبد اللَّه وأمهم: أم عكرمة بنت خليفة بن
قيس، من الجدرة، من الأزد، وهم حلفاء في بنى الدّيل بن بكر، وعامر بن عتبة،
وأمه: هالة الأحمرية، من بنى الأحمر بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وأبو
وائلة بن عتبة، وأمه من خولان.
وعبيد بن عتبة لأم ولد، وإسحاق بن عتبة لأم ولد سوداء، وأم عبد اللَّه بنت
عتبة، وأمها: خولة أم ولد.
قال: أخبرنا عليّ بن عيسى بن عبد اللَّه النوفلىّ، عن حمزة بن عتبة بن
إبراهيم اللهبي، قال:
حدثنا إبراهيم بن عامر بن أبى سفيان بن معتب، وغيره من مشيختنا الهاشميين،
عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم مكة في الفتح، قال لي: يا عباس، أين ابنا أخيك عتبة ومعتب
لا أراهما؟
(6/291)
ومعتّب [ (1) ] بن أبى لهب، زوج أم كلثوم
بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل
[بنت حرب] بطلاقها فطلقها، وخلف عليها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بعد
موت أختها رقية فلم تلد له شيئا [ (2) ] .
وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، زوج فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، وأبو ابنها الحسن والحسين، وأبو ابنتيها
زينب وأم كلثوم، فتزوج أمامة بنت زينب من أبى العاص عليّ بن أبى طالب رضى
اللَّه عنه،
__________
[ () ] قال قلت: يا رسول اللَّه تنحّيا فيمن تنحّى من مشركي قريش، فقال لي:
اذهب إليهما واثنى بهما.
قال العباس: فركبت إليهما بعرنة فأتيتهما فقلت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يدعوكما، فركبا معى سريعين، حتى قدما على رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، فدعاهما إلى الإسلام، فأسلما وبايعا. ثم قام رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ بأيديهما، وانطلق بهما يمشى بينهما، حتى أتى
بهما الملتزم، وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود، فدعا ساعة، ثم انصرف،
والسرور يرى في وجهه.
قال العباس: فقلت له: سرّك اللَّه يا رسول اللَّه، فإنّي أرى في وجهك
السرور، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
نعم، فإنّي استوهبت ابني عمى هذين ربى، فوهبهما لي.
قال حمزة بن عتبة: فخرجا معه في فورة ذلك إلى حنين، فشهدا غزوة حنين، وثبتا
مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ فيمن ثبت من أهل بيته وأصحابه،
وأصيب عين معتب يومئذ، ولم يقم أحد من بنى هاشم من الرجال بمكة بعد أن فتحت
غير عتبة، ومعتب، ابني أبى لهب.
[ (1) ] في (خ) : «وعتيبة» ، وما أثبتناه من سائر المراجع.
[ (2) ] هو معتب بن أبى لهب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ،
وأمه أم جميل بنت حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
وكان لمعتب من الولد: عبد اللَّه، ومحمد، وأبو سفيان، وموسى، وعبيد اللَّه
وسعيد، وخالدة، وأمهم: عاتكة بنت أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأمها
أم عمرو بنت المقوّم بن عبد المطلب بن هاشم، وأبو مسلم، ومسلم وعباس، بنو
معتب لأمهات أولاد شتى، وعبد الرحمن بن معتب، وأمه من حمير، وقد كتبنا قصة
معتب بن أبى لهب في إسلامه مع قصة أخيه عتبة بن أبى لهب. لهما ترجمة في:
(طبقات ابن سعد) : 4/ 59- 61، (الإصابة) : 4/ 440- 441، ترجمة رقم (5417) ،
6/ 175- 176، وترجمة رقم (8126) ، (الاستيعاب) : 3/ 1030، ترجمة رقم
(17866) ، 3/ 1430، ترجمة رقم (2459) .
[ (3) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
(6/292)
فولدت له محمد الأوسط، ثم خلف عليها بعده
المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، فولدت له يحيى [وبه يكنى] [ (1)
] وتزوج بأم كلثوم ابنة فاطمة عليها السلام من على بن ابى طالب رضى اللَّه
عنه، عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فولدت له زيدا ورقية، ولم يعقبا، وتزوج
زينب ابنة فاطمة عليها السلام من على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.
[و] عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب القرشي الهاشمي أبو جعفر، ولدته أسماء
بنت عميس بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع
أبيه إلى المدينة، فكان جوادا كأبيه، وكان يسمى البحر، ولم يكن في الإسلام
أسخى منه، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحفظ عنه أخبارا كثيرة
جدا، توفى بالمدينة سنة ثمانين عن تسعين سنة، وقيل: مات سنة أربع أو خمس
وثمانين [ (2) ] ، وصلى عليه أبان بن عثمان أمير المدينة، وكان مع عظم جوده
ظريفا حليما عفيفا، لا يرى بسماع الغناء بأسا، خرّج أحاديثه الجماعة [ (3)
] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (الاستيعاب) ، وله ترجمة في: (الاستيعاب) : 4/
1447- 1448، ترجمة رقم (2484) ، (طبقات ابن سعد) : 5/ 22- 23، (الإصابة) :
6/ 200- 201، ترجمة رقم (8186) .
[ (2) ] قال الواقدي ومصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين، وقال المدائنيّ:
توفى سنة أربع أو خمس وثمانين، وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال:
سنة تسعين. (سير الأعلام) .
[ (3) ] له ترجمة في: (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (833) ، (1484) ، (التاريخ
الكبير) : 5/ 7، (التاريخ الصغير) : 1/ 197، (الجرح والتعديل) : 1/ 197،
(المستدرك) : 3/ 566، (جمهرة أنساب العرب) : 68، (الاستيعاب) : 3/ 880-
882، ترجمة رقم (1488) ، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 263، (البداية
والنهاية) : 2/ 333، 3/ 32، 5/ 314، (الإصابة) : 40- 43، ترجمة رقم (4594)
، (تهذيب التهذيب) : 5/ 149، ترجمة رقم (294) ، (المطالب العالية) :
4/ 105، باب منقبة عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، حديث
رقم (4077) ، (4078) ، (4079) ، (خلاصة تذهيب الكمال) : 2/ 46، ترجمة رقم
(3425) ، (شذرات الذهب) 1/ 87، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 456- 462، (ترجمة
رقم (93) .
(6/293)
وخرّج الإمام أحمد من حديث يحيى عن أبى
سلمة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن
يزوّج [شيئا] من بناته جلس إلى خدرها فقال: إن فلانا يذكر فلانة [يسميها] ،
ويسمى الرجل الّذي يذكرها، فإن هي سكتت زوجها، وإن كرهت نقرت الستر، فإذا
[نقرته] لم يزوجها [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 7/ 115، حديث رقم (23973) . وما بين علامات الحصر
تصويبات منه.
(6/294)
|