إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر لباس رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم
اعلم أن لباس كل شيء غشاؤه، ويقال: لبس الثوب لبسا ولباسا وألبسه إيّاه،
وألبس عليك ثوبك، وثوب لبيس، قد لبس فأخلق، والثوب اللباس، والجمع أثوب
وأثواب وثياب.
والكسوة بكسر الكاف وضمها، من اللباس، وقد كسوته الثوب كسوا إذا اكتسى لبس
الكسوة [ (1) ] .
وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عدة ثياب، فلبس العمامة، والرداء،
والقميص، والجبة، والحلة، وغير ذلك.
أما العمامة، فخرج مسلم رحمه اللَّه من حديث وكيع عن مساور الوراق، عن جعفر
بن عمرو بن حريث، عن أبيه [قال: كأنى انظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم على المنبر] [ (2) ] وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين
كتفيه، ولم يقل [أبو بكر] [ (3) ] على المنبر [ (4) ] .
وخرجه أبو داود [ (5) ] من طريق مساور، عن جعفر بن عمرو بن حريث عن
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 1/ 246، 6/ 302.
[ (2) ] تصويب للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 142، كتاب الحج، باب (84) جواز دخول مكة
بغير إحرام، حديث رقم (452) ، (453) من أحاديث الباب.
[ (5) ] (عون المعبود) : 6/ 87، كتاب اللباس، باب (23) في العمائم، حديث
رقم (4071) .
(6/366)
أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه.
وخرجه ابن حبان أيضا [ (1) ] ، ورواه قاسم بن أصبغ من حديث مساور قال:
أخبرنى جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي عن أبيه قال: رأيت على رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم عمامة سوداء يوم فتح مكة.
وخرجه الترمذي [ (2) ] من طريق حماد بن سلمة عن أبى الزبير، عن جابر قال:
دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سوداء.
وخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن
جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل
يوم الفتح مكة، وعليه عمامة سوداء.
ويروى عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
يعتم بعمامة سوداء.
وقال هيثم عن حجاج بن أرطاة، عن أبى جعفر محمد بن على، أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم كان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم ويوم العيدين [
(3) ] .
__________
[ (1) ] (الإحسان) : 9/ 37- 40 كتاب الحج، باب (3) فضل مكة، حديث رقم
(3722) ، 12/ 243، كتاب اللباس وآدابه، ذكر إباحة لبس المرء العمائم السود
ضدّ قول من كرهه من المتصوفة، حديث رقم (5425) .
[ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 5/ 266- 267، أبواب الجهاد، باب (9) ما جاء في
الألوية، حديث رقم (1730) .
[ (3) ] قال ابن القيم في (الزاد) ، في فصل هدية صلّى اللَّه عليه وسلم في
العيدين: وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين
والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين، ومرة بردا أحمر،
(6/367)
وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث مسدد، أخبرنا
حفص بن غياث، عن الحجاج، عن محمد بن عليّ، عن جابر، أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم كان يعتم، ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة [ (1) ]
.
وقال يعقوب بن حميد: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبيد اللَّه الفرزى،
عن أبى الزبير عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى رأسه
عمامة سوداء يلبسها في الليل، ويرخيها خلف [ظهره] [ (2) ] تفرد به حاتم.
وللترمذي [ (3) ] من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى
اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين
كتفيه. قال نافع: وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه، قال عبيد اللَّه:
ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
وخرّج من حديث وكيع عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عكرمة، عن ابن عباس رضى
اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خطب الناس وعليه عصابة دسماء [
(4) ] .
__________
[ () ] وليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك، لم يكن
بردا، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من
ذلك، وقد صح عنه صلّى اللَّه عليه وسلم من غير معارض، النهى عن لبس المعصفر
والأحمر. (زاد المعاد) : 1/ 141.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 106- 107، باب ما جاء في عمامة النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم، وفيه خمسة أحاديث، حديث رقم (118) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 107، حديث رقم (119) ، وأخرجه البخاري في
(الصحيح) : كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (927) ،
وكتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام
(6/368)
ومن حديث عطاء بن أبى رباح، عن الفضل بن
عباس قال: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي توفّى
فيه وعلى رأسه عصابة صفراء، فسلمت، فقال: يا فضل، قلت: لبيك يا رسول
اللَّه، قال: اشدد بهذه العصابة رأسي، قال: ففعلت، ثم قعد فوضع كفّه على
كتفي، ثم قام فدخل المسجد [ (1) ] .
وفي الحديث قصة.
ويروى عن موسى بن مطير [ (2) ]- وهو ضعيف- عن أبيه عن أبى هريرة، وعبد
اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قالا: ما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يوم جمعة قط، إلا وهو معتمّ [وإن كان في إزار ورداء] [ (3) ] وإن
لم يكن عنده عمامة وصل الخرق بعضها [إلى بعض] [ (3) ] واعتم بها [ (4) ] .
وقال محمد بن سمينة: أخبرنا عثمان بن عفان الغطفانيّ، أخبرنا الزبير بن
خربوذ عن رجل، عن عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه قال:
عمّمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأرسلها من بين يدىّ ومن خلفي.
__________
[ () ] (3628) وكتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم:
أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، (3800) ، والحديث من طرق عن ابن
الغسيل به، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 233، حديث رقم (2075) ،
وفي الباب شواهد في بعضها ضعف شديد، ويكفى ما سبق لصحة الحديث.
واللَّه تعالى أعلم، وقوله: «عصابة دسماء» أي سوداء، والدسمة الغبرة
المائلة إلى السواد، أو هي السوداء، أو هي المتلطخة بدسومة شعره صلّى
اللَّه عليه وسلم من الطيب، والعصابة والعمامة بمعنى واحد. (الشمائل
المحمدية) : 107.
[ (1) ] (المطالب العالية) : 4/ 256- 257، حديث رقم (4384) .
[ (2) ] كذبه يحيى بن معين، وضعفه الدار قطنى، وقال أبو حاتم والنسائي:
متروك، وذكره العقيلي في (الضعفاء) ، (لسان الميزان) 6/ 130.
[ (3) ] زيادة للسياق من (الكامل) .
[ (4) ] (الكامل في ضعفاء الرجال) : 6/ 338- 339، ترجمة موسى بن مطير رقم
(196/ 1817) .
(6/369)
وقال الواقدي: حدثني سعيد بن هشام بن
قباذين عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عمر قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فقال:
تجهّز فإنّي باعثك في سرية من يومك هذا أم من غد إن شاء اللَّه.
قال ابن عمر: فسمعت ذلك فقلت: لأدخلن فلأصلّين مع النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم الغداة، فلأسمعنّ وصيته لعبد الرحمن بن عوف، قال: فغدوت، فصليت فإذا
أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، وناس من المهاجرين فيهم عبد الرحمن، وإذا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة
الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: ما خلفك عن
أصحابك؟
قال ابن عمرو قد مضى أصحابه في السّحر، فهم معسكرون بالجرف، وكانوا سبعمائة
رجل، فقال: أحببت يا رسول اللَّه أن يكون آخر عهدي بك، وعليّ ثياب سفري،
وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفّها على رأسه.
قال ابن عمر: فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأقعده بين يديه فنقض
عمامته بيده، ثم عمّمه بعمامة سوداء، فأرخى بين كتفيه منها، ثم قال: هكذا
فاعتمّ يا ابن عوف، قال: وعلى ابن عوف والسيف متوشحة، ثم
قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أغد على اسم اللَّه، وفي سبيل
اللَّه، فقاتل من كفر باللَّه، لا تغلّ، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا.
قال ابن عمر: ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس! اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم:
(6/370)
ما نقص مكيال قوم إلا أخذهم اللَّه بالسنين
ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون.
وما نكث قوم عهدهم إلا سلّط اللَّه عليهم عدوّهم.
وما منع قوم الزكاة إلا أمسك اللَّه عليهم قطر السماء، ولولا البهائم لم
يسقوا.
وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلّط اللَّه عليهم الطاعون.
وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم اللَّه شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض.
قال: فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه. وذكر الحديث [ (1) ] .
ولابن حبان من طريق أبى معشر البراء، أخبرنا خالد الحذاء، حدثني عبد السلام
قال: قلت لابن عمر: كيف كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعتم؟ قال: يدير
كور العمامة على رأسه، ويفردها من ورائه، ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه [ (2)
] .
__________
[ (1) ] (مختصر تاريخ ابن عساكر) : 1/ 91.
[ (2) ] ذكره ابن القيسراني في (تذكرة الموضوعات) ، (المواهب اللدنية) : 2/
434، باب لباس الرأس.
(6/371)
[وأما الكمة
والقلنسوة والقناع]
فقال خالد بن يزيد الكزبري، حدثنا عاصم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة رضى اللَّه عنها: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كانت له
كمّة بيضاء.
وعن عبد اللَّه بن أبى بكر عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
كان يلبس كمة بيضاء. والكمّة، بضم الكاف وتشديد الميم وفتحها: القلنسوة،
يقال: إنه حسن الكمّة بكسر الكاف، أي التكمم، كما تقول: إنه لحسن الجلسة [
(1) ] .
ولأبى داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى الحسن العسقلاني، عن
أبى جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال ركانة: سمعت النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم يقول: إن فرق ما بيننا وبين المشركين: العمائم على
القلانس [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 12/ 527.
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 340- 341، كتاب اللباس، باب (24) في العمائم،
حديث رقم (4078) .
[ (3) ] (سنن الترمذي) : 4/ 217، كتاب اللباس، باب (42) العمائم على
القلانس، حديث رقم (1784) .
[ (4) ] أي الفارق بيننا معشر المسلمين وبين المشركين لبس العمائم فوق
القلانس، فنحن نعتمّ على القلانس وهم يكتفون بالعمائم، ذكره الطيبي وغيره
من الشراح، وتبعهما ابن الملك، كذا في (المرقاة) . وقال العزيزي: فالمسلمون
يلبسون القلنسوة وفوقها العمامة، ولبس القلنسوة وحدها زي المشركين. وكذا
نقل الجزري عن بعض العلماء، وبه صرح القاضي أبو بكر في شرح الترمذي. وقال
(6/372)
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده ليس
بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني، ولا ابن ركانة.
والقلنسوة، والقلساة والقلنسوة والقلنسية والقلنساة والقلنسية من ملابس
الرأس. وجمع القلنسوة والقلنسية قلاس، وجمع القلنساة قلاس لا غير، لم يسمع
فيها قلسا [ (1) ] .
__________
[ () ] ابن القيم في (زاد المعاد) : وكان يلبسها- يعنى العمامة ويلبس تحتها
القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة. وفي
(الجامع الصغير) ، برواية الطبراني عن ابن عمر قال: كان يلبس قلنسوة بيضاء،
قال العزيزي: إسناده حسن، وفيه برواية الروياني، وابن عساكر عن ابن عباس:
كان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير العمائم، ويلبس العمائم بغير قلانس،
وكان يلبس القلانس تحت اليمانية، وهن البيض المضربة، ويلبس القلانس ذوات
الآذان في الحرب، وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه ... قال
المباركفوري: لم أقف على إسناد رواية ابن عباس هذه، فلا أدرى هل هي صالحة
للاحتجاج أم لا؟ (تحفة الأحوذي) : 5/ 393، أبواب اللباس، باب (41) ، حديث
رقم (1844) .
وقال الحفاظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: حديث: كان يلبس القلانس تحت
العمائم وبغير عمامة وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم
يصلّى إليها. أخرجه الطبراني وأبو الشيخ والبيهقي في (شعب الإيمان) من حديث
ابن عمر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء.
ولأبى الشيخ من حديث ابن عباس: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضربة، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان
يلبسها في السفر، فربما وضعها بين يديه إذا صلّى، وإسنادهما ضعيف، ولأبى
داود والترمذي من حديث ركانة: فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على
القلانس.
قال الترمذي: غريب وليس إسناده بالقائم. (المغنى عن الأسفار في تخريج ما في
الإحياء من الأخبار) : 2/ 584.
قال السخاوي- وقد ذكر أحاديث العمائم ومنها: «فرق ما بيننا وبين المشركين
العمائم على القلانس- قال: وبعضه أو هي من بعض. (المقاصد الحسنة) : 465-
466، حديث رقم (717) ، (كشف الخفاء ومزيل الالتباس) : 2/ 72- 73، حديث رقم
(1783) ، (شعب الإيمان) :
5/ 172- 177، باب في الملابس والأواني، فصل العمائم.
[ (1) ] (لسان العرب) : 6/ 181.
(6/373)
وروى البلاذري عن عباس بن هشام عن أبيه عن
جده، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال: كانت لرسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة أسماط، يعنى جلودا، وكانت فيها نقبة.
وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر،
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قالت يوم خيبر على بغلته الشهباء،
وعليه ممطر سيجان، وعليه عمامة، وعلى العمامة قلنسوة من الممطر السيجان.
قال هشام: والساج: الطيلسان الأسود [ (1) ] . وروى أنه عليه السّلام ترك
__________
[ (1) ] الطيلسان: شبه الأردية، يوضع على الرأس والكتفين والظهر، وهو بفتح
اللام، واحد الطيالسة، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب، وهو الساج
أيضا، وقال ابن خالويه في (شرح الفصيح) : يقال للطيلسان الأخضر: الساج، وفي
(المجمل) لابن فارس: الطاق الطيلسان. فقال ابن القيم: لم ينقل عنه صلّى
اللَّه عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت في (صحيح مسلم) ، من
حديث النواس بن سمعان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه ذكر الدجال
فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة. ورأى أنس جماعة
عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر.
قال: ومن هاهنا كره جماعة من السلف والخلف، لما
روى أبو داود، والحاكم في (المستدرك) ، أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» ،
وفي الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا» .
وأما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلّى اللَّه عليه وسلم جاء إلى أبى بكر رضى
اللَّه عنه متقنّعا بالهاجرة، فإنما فعله صلّى اللَّه عليه وسلم تلك
السّاعة ليختفى بذلك للحاجة، ولم يكن عادته صلّى اللَّه عليه وسلم التقنع.
وقد ذكر أنس عنه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان يكثر القناع. وهذا إنما كان
يفعله للحاجة من الحرّ ونحوه. وقال شيخ الإسلام الولي ابن العراقي في (شرح
تقريب الأسانيد) : التقنّع معروف، وهو تغطية الرأس بطرف العمامة أو بردائه
أو نحو ذلك. وقال ابن الحاج في (المدخل) : وأما قناع الرجل فهو أن يغطى
رأسه بردائه، ويرد طرفه على أحد كتفيه.
وأما قول ابن القيم: إنه صلّى اللَّه عليه وسلم إنما فعل ذلك للحاجة، فيرد
عليه حديث سهل بن سعد، أنه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يكثر القناع، رواه
البيهقي في (الشّعب) ، والترمذي. وللبيهقي في (الشعب) أيضا، وابن سعد في
(الطبقات) ، من حديث أنس بلفظ: يكثر التقنع، فهذا وما أشبهه يرد قول ابن
القيم: أنه لم ينقل عنه أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لبسه.
(6/374)
قلانس صفار الأطبية ثلاثا.
وخرج أبو محمد بن حبان من حديث العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن ابن
عمر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس
قلنسوة بيضاء [ (1) ] ومن حديث أبى حذيفة، عن عطاء بن أبى رباح، عن أبى
هريرة رضى اللَّه عنه قال: رأيت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
قلنسوة بيضاء شامية.
ومن حديث مفضل بن فضالة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه
عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس من القلانس في السفر ذوات
الآذان، وفي الحضر المضمّرة، يعنى الشامية [ (2) ] .
__________
[ () ] وأما قوله: ولا أحد من أصحابه، فيرده ما أخرجه الحاكم في (المستدرك)
، بسند على شرط الشيخين، عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم يذكر فتنة فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على
الهدى، فقمت، فإذا هو عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن أبى العلاء قال: رأيت الحسن بن على يصلّى
وهو مقنع رأسه. وأخرج ابن سعد عن سليمان بن المغيرة قال: رأيت الحسن يلبس
الطيالسة، وأخرج عن عمارة ابن زاذان قال: رأيت على الحسن طيلسانا أندقيا
[نسبة إلى أندق قرية في سمرقند] .
وأما ما ذكره ابن القيم من قصة اليهود، فقال الحافظ ابن حجر: إنما يصلح
الاستدلال به في الوقت الّذي تكون الطيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك في
هذه الأزمنة، فصار ذلك داخلا في عموم المباح، وقد ذكره ابن عبد السلام في
(أمثلة البدعة المباحة) ، وقد يصير، من شعار قوم فيكون تركه من الإخلال
بالمروءة، وقيل: إنما أنكر أنس ألوان الطيالسة لأنها كانت صفراء، واللَّه
تعالى أعلم.
(المواهب اللدنية) : 2/ 449- 450، (طبقات ابن سعد) : 1/ 460، (شعب الإيمان)
:
5/ 172- 177، (المستدرك) : 4/ 211- 212، حديث رقم (: 7401/ 48) من كتاب
اللباس.
[ (1) ] (شعب الإيمان) : 5/ 175، باب في الملابس والأواني، فصل في العمائم،
حديث رقم (6259) ، وقال في آخره: تفرد به ابن خراش هذا وهو ضعيف.
[ (2) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 254- 255، كتاب آداب المعيشة وأخلاق
النبوة، وأشار إلى ضعفهم،
(6/375)
ومن حديث أبى عبد الرحمن محمد بن عبيد
اللَّه [] ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث قلانس:
قلنسوة بيضاء مضرّبة، وقلنسوة لاطية، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر.
ومن حديث عتبة بن الوليد، عن الأوزاعي، عن خويلد بن عثمان قال:
لقيت عبد اللَّه بن يسر فقال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وله
قلنسوة مضربة، وقلنسوة لها آذان، وقلنسوة لاطية.
وللترمذي من حديث وكيع، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سويد بن أبان عن أنس: كان
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر
القناع، كأن ثوبه ثوب زيّات [ (1) ] .
__________
[ () ] ثم قال: أجود إسناد في القلانس، ما رواه أبو الشيخ عن عائشة: «كان
صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس القلانس في السفر ذوات الآذان، وفي الحضر
المضمرة» يعنى الشامية.
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 51 باب ما جاء في ترجل رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (33) ، 114، باب ما جاء في تقنع رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (127) ، قوله: «كثر دهن رأسه» : الدّهن هو
استعمال الدّهن من زيت وغيره في تجميل الشعر وتحسينه، قوله: «حتى كأن ثوبه
ثوب زيات» : يحتمل أن يراد بالثوب هنا القناع الّذي يوضع على الرأس بعد
دهنها، والزيات: بائع الزيت. وهذا الحديث تفرد به الترمذي، وفي إسناده
الربيع بن صبيح وفيه ضعف، فهو وإن كان صدوقا عابدا مجاهدا إلا أنه سيئ
الحفظ، وكذلك يزيد بن أبان الرقاشيّ القاصّ الزاهد: ضعيف.
وقد أخرجه ابن سعد في (الطبقات) : وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) صلّى اللَّه
عليه وسلم، والبغوي في (شرح السنة) كلهم من طريق الربيع بن صبيح به، وزاد
السيوطي نسبته في (الجامع الصغير) للبيهقي، وضعفه الحافظ العراقي في
(المغنى عن الأسفار) ، وقال ابن كثير: فيه غرابة ونكارة.
وقد أخرج الذهبي في (ميزان الاعتدال) نحوه في ترجمة الحسن بن دينار من
طريقه عن قتادة عن أنس، وقال الحافظ الذهبي: هذا خبر منكر جدا، والحسن بن
دينار، قال ابن حبان: تركه وكيع وابن المبارك، فأما أحمد ويحيى فكانا
يكذبانه، وفي إسناده أيضا بكر بن السميدع، ولا يعرف، كما قال الذهبي.
(6/376)
وقال البلاذري: حدثني أحمد بن هشام بن
بهرام، حدثنا أبو صالح شعيب بن حرب، عن الربيع، عن يزيد عن أنس، كان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقنع رأسه، حتى ننظر إلى حاشية ثوبه كأنها
ثوب زيّات. القنعة: غطاء الرأس، والقناع: أوسع منها. وقال بعضهم: كان النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم أكثر الناس قناعا، لأن القنع أهيب من الحاسر [ (1) ]
.
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
(6/377)
وأمّا القميص
فخرج أبو داود والترمذي من حديث أبى نميلة يحيى بن رافع، عن عبد المؤمن بن
خالد الحنفي المروزي، عن عبد اللَّه بن بريدة عن أمه عن أم سلمة رضى اللَّه
عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القميص [
(1) ] .
وفي رواية: لم يكن ثوب أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من
القميص. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن
خالد تفرد به، وهو مروزى [ (2) ] .
وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه في (المستدرك) ، من حديث الحسن بن صالح بن
حيي، عن مسلم الملائى عن مجاهد، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم لبس قميصا، وكان فوق الكعبين، وكان كمه إلى الأصابع. قال:
هذا حديث صحيح حسن الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وخرجه ابن حبان
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 67، باب ما جاء في لباس رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (55) ، (56) ، (57) ، ثلاثتهم عن أم سلمة رضى
اللَّه تعالى عنها، وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود في (السنن) ، وكتاب
اللباس، باب ما جاء في القميص، حديث رقم (4025) ، (4026) ، والترمذي في
(الجامع الصحيح) ، كتاب اللباس، باب القميص، حديث رقم (1762) ، (1763) ،
(1764) ، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب
لبس القميص، حديث رقم (3575) ، كلهم من طريق عبد المؤمن بن خالد، عن ابن
بريدة، به، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 4/ 213، كتاب اللباس، حديث رقم
(7406) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح، والإمام أحمد في
(المسند) : 6/ 317، حديث رقم (26155) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) : 2/
239، كتاب الصلاة باب الصلاة في القميص، كلهم من طريق عبد المؤمن ابن خالد
الحنفي به.
[ (2) ] انظر التعليق السابق.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 195، كتاب اللباس، حديث رقم (7420) ، وما بين
الحاصرتين زيادة للسياق
(6/378)
ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمين بأطراف أصابعه [ (1) ] .
ومن حديث أبى سلمة عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد
اللَّه بن عمر قال: لبس عمر رضى اللَّه عنه قميصا جديدا ثم قال: مدّ كمي يا
بنى، والزق يدك بأطراف أصابعى واقطع ما فضل عنهما، قال:
فقطعت من الكمين، فصار فم الكمين بعضه فوق بعض، فقلت: لو سوّيته بالمقص،
قال: دعه يا بنى، هكذا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يفعل. قال
ابن عمر: فما زال القميص على أبى حتى تقطّع، [وما كنا نصلّى] [ (2) ] رأيت
الخيوط تتساقط على قدميه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ]
.
وخرّج ابن حبّان من طريق بقية، حدثنا خالد عن مسلم الأعور، عن أنس بن مالك
رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص قطنى،
قصير الطول، قصير الكمين [ (4) ] .
ومن طريق إبراهيم بن أبى يحيى، عن عبد الملك قال: سمعت ابن عمر رضى اللَّه
عنه يقول: ما اتخذ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص له زر [ (5) ]
.
__________
[ () ] منه، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : مسلم الملائى تالف.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] في (خ) : «وما نزعة» ، وما أثبتناه من (المستدرك) .
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 195- 196، كتاب اللباس، حديث رقم (7421) ، وما بين
الحاصرتين زيادة للسياق منه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : أبو عقيل:
ضعفوه.
[ (4) ] راجع التعليق السابق.
[ (5) ] راجع التعليق التالي.
(6/379)
وللترمذي في الشمائل، من حديث معاوية بن
قرة بن أمية قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في رهط من مزينة
لنبايعه، وإن قميصه لمطلق، أو قال: زرّ قميصه مطلق، قال: فأدخلت يدي في جيب
قميصه فمست الخاتم [ (1) ] .
وللترمذي من حديث هشام الدّستوائى، عن بديل بن ميسرة، عن شهر ابن حوشب، عن
أسماء بنت يزيد قالت: كان كمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الرّسغ [
(2) ] .
وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك قميصا صحاريا، وقميصا
سحوليا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 69، حديث رقم (59) ، وأخرجه أبو داود في
(السنن) ، كتاب اللباس، باب في حل الأزرار، حديث رقم (4082) ، وأخرجه ابن
ماجة في (السنن) ، كتاب اللباس، باب حل الأزرار، حديث رقم (3578) ، من طرق
عن زهير به، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 460، ذكر قناعته صلّى اللَّه عليه
وسلم بثوبه ولباسه القميص، وما كان يقول إذا لبس ثوبا عليه، والإمام أحمد
في (المسند) :
4/ 19، حديث رقم (15810) ، 5/ 35، حديث رقم (19855) ، وأبو الشيخ في (أخلاق
النبي) : 103، ابن حبان في (الإحسان) : 12/ 266، حديث رقم (5452) ، كلهم من
حديث زهير عن عروة بن عبد اللَّه به، ويشهد له حديث ابن عمر: «رأيت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فعله» ، يعنى إطلاق الأزرار، وقد أخرجه أحمد
وابن حبان وأبو الشيخ والبيهقي وغيرهم.
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 68- 69، حديث رقم (58) ، هذا الحديث إسناده
ضعيف، فإن شهر بن حوشب سيئ الحفظ، وقال عنه الحافظ: كثير الإرسال والأوهام،
ومعاذ بن هشام بن أبى عبد اللَّه الدستوائى صدوق ربما وهم. وشيخ المصنف
صدوق وقد توبع، والباقي ثقات، ولكن الحديث حسن إن شاء اللَّه تعالى، فإن له
شاهدا من حديث أنس
[ (3) ] لم أجده إلا في الجنائز من (البخاري) و (مسلم) : «كفّن النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول» و «كفّن في ثلاثة أثواب يمانية بيض
سحولية» .
(6/380)
وأما الرّداء
الرداء من الملاحف تجمع على أردية، وهو الرداء، وقد تردّيت به، وارتديت،
وإنه لحسن الرّدية، أي الارتداء [ (1) ] .
خرّج أبو عيسى في (الشمائل) من حديث حماد بن سلمة، عن حبيب ابن الشهيد، عن
الحسن عن أنس [بن مالك] [ (2) ] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خرج وهو
متكئ على أسامة بن زيد، وعليه ثوب قطري قد توشح به، فصلّى بهم [ (3) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن منظور: والرّداء: الّذي يلبس، وتثنيته رداءان، وإن شئت
رداوان، لأن كل اسم ممدود فلا تخلو همزته، إما أن تكون أصلية فتتركها في
التثنية على ما هي عليه ولا تقلبها، والرداء من الملاحف، وقد تردى به
وارتدى بمعنى، أي لبس الرداء، وإنه لحسن الرّدية أي الارتداء، والرداء:
الغطاء الكبير. (لسان العرب) : 14/ 316- 317 مختصرا.
[ (2) ] زيادة للسياق من (الشمائل) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 69- 70، حديث رقم (60) ثم قال في آخره: قال
عبد بن حميد [أحد الرواة] : قال محمد بن الفضل: سألني يحيى بن معين عن هذا
الحديث أول ما جلس إليّ، فقلت:
حدثنا حماد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابي، فقبض على
ثوبي، ثم قال:
أمله عليّ فإنّي أخاف أن لا ألقاك، قال: فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي
فقرأت عليه.
وهو حديث صحيح ورجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لولا عنعنة الحسن البصري،
ولكنه توبع، فقد جاء في (الشمائل) : 121، حديث رقم (136) : حدثنا عبد
اللَّه بن عبد الرحمن، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد،
عن أنس رضى صلّى اللَّه عليه وسلم عنه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
كان شاكيا فخرج يتوكأ على أسامة بن زيد وعليه ثوب قطرىّ قد توشح به فصلّى
بهم» ، وحميد مدلس أيضاً وقد عنعنة، لكن عنعنة أنس مقبولة، وقد أخرجه أبو
الشيخ من الوجهين في (أخلاق النبي) : 15، وابن حبان في (صحيحه) : 6/ 104-
105، حديث رقم (2335) من كتاب الصلة، ذكر الإباحة للمرء أن يصلّى في
الأبراد القطرية، وإسناده صحيح على شرط الصحيح، وأخرجه الإمام
(6/381)
وخرّج الحاكم من حديث حفص بن غياث، حدثنا
سعيد بن خالد الأنصاري، عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: دخل جرير بن
عبد اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعنده أصحابه، فضنّ كل
رجل بمجلسه، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رداءه فألقاه إليه،
فتلقاه بنحره ووجهه، فقبّله ووضعه على عينيه وقال:
أكرمك اللَّه كما أكرمتنى، ثم وضعه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من كان يؤمن باللَّه واليوم
الآخر فإذا أتى كريم [قوم] [ (1) ] فليكرمه [ (2) ] .
قال هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة] .
وخرّج ابن حبّان من حديث عبد اللَّه بن لهيعة، عن محمد بن عبد اللَّه ابن
نوفل، عن عروة بن الزبير قال: كان طول رداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم أربعة أذرع، وعرضه ذراعين ونصف، وكان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا
قدموا عليه.
__________
[ () ] أحمد في (المسند) : 3/ 257، 281، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة،
عن حميد، عن الحسن وعن أنس، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 3/ 262،
من طريق عبد اللَّه بن محمد.
وبرد قطري: ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة، قال
الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها: قطر، وأحسب الثياب القطرية نسب
إليها، فخففوا وكسروا القاف للنسبة، وقالوا: قطرىّ والأصل قطري. (المرجع
السابق) .
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 324، كتاب الأدب، حديث رقم (7791) ، وسكت عنه
الحافظ الذهبي في (التلخيص) ، وقال محققه: قال في (الفيض) : قال الذهبي في
(مختصر المدخل) : طرقه كلها ضعيفة، وله شاهد مرسل، وحكم ابن الجوزي بوضعه،
وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع.
(6/382)
وفي لفظ أن ثوب رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، الّذي كان يخرج فيه للوفود، رداء وثوب أخضر، طوله أربعة أذرع،
وعرضه ذراعان وشبر، وهو عند الخلفاء اليوم قد خلق، فطووه بثوب يلبسونه يوم
الفطر ويوم الأضحى [ (1) ] .
ويروى بإسناد ضعيف عن عائشة رضى اللَّه عنه أنها قالت: كان رداء رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع وشبرا، في ذراعين وشبر [ (2) ] .
وبإسناد ضعيف عن ابن عمر رضى اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
كان يلبس رداء مربعا، ويقال: كان اسم ردائه عليه السّلام الفتح، وكان له
رداء يقال له:
الحضرميّ، وبه كان يشهد العيدين، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر [ (2)
] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 110.
[ (2) ] قال ابن حاتم: سألته عن حديث رواه أبو هارون البكاء القزويني عن
ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول، قال: كان رداء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
أربعة أذرع ونصف في ذراعين ونصف، فسمعت أبى يقول: كذا حدثنا أبو هارون،
وحدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة،
قال: كان رداء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم..، قلت لأبى فأيهما أصح؟ قال:
لا يضبط عندي، جميعا ضعيفين. (علل الحديث) : 1/ 482، حديث رقم (1441) .
(6/383)
وأما القباء والمفرّج
فخرج البخاري من حديث الليث بن سعد، عن يزيد عن أبى الخير عن عقبة بن عامر
الجهنيّ رضى اللَّه عنه قال: أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرّوج
حرير فلبسه فصلّى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، وقال: لا
ينبغي هذا للمتقين [ (1) ] . ترجم عليه في الصلاة، باب من صلّى في فروج
حرير ثم نزعه، وخرّجه مسلم [ (2) ] والنّسائى [ (3) ] بنحوه. الفرّوج بفتح
الفاء وضم الراء المشددة، وحكى ضم الفاء وتخفيف [الراء] وهو ضعيف، وهو
قبالة شق من خلفه، وتسميه أهل زماننا المفرج.
ولمسلم من حديث خالد [ (4) ] بن عبد اللَّه عن عبد الملك بن عبد العزيز بن
جريج، عن عبد اللَّه مولى أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنها قال:
أرسلتنى أسماء إلى عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه فقالت: بلغني أنك تحرم
أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال لي عبد
اللَّه: أما ما ذكرت من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد، وأما ما ذكرت من العلم
في الثوب،
فإنّي سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 639، كتاب الصلاة، باب (16) من صلّى في فروج
حرير ثم نزعه، حديث رقم (375) ، 10/ 330، كتاب اللباس، باب (12) القباء
وفروج حرير وهو القباء، ويقال: هو الّذي شق من خلفه، حديث رقم (5801) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 295- 296، كتاب اللباس والزينة، باب (2)
تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير
على الرجال وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجال، ما لم يزد على أربع
أصابع، حديث رقم (2075) .
[ (3) ] (سنن النسائي) : 2/ 406، كتاب الصلاة، باب (9) الصلاة في الحرير،
حديث رقم (769) .
[ (4) ] في (خ) : «مخلد» ، وصوبناه من (صحيح مسلم) .
(6/384)
يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم يقول: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له، فخفت أن يكون العلم منه.
وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد اللَّه، فإذا هي أرجوان، فرجعت إلى
أسماء فخبرتها فقالت: هذه جبّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخرجت
إليّ جبة طيالسية كسروانية [ (1) ] ، لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفان
بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة رضى اللَّه عنها حتى قبضت، فلما قبضت
قبضتها، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يلبسها، فنحن نغلسها للمرضى
يستشفى بها [ (2) ] .
وخرجه ابن أيمن من حديث وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبى عمر مولى أسماء
قال: رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم، فدعا بالجلمين فقصّه، فدخلت على
أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسا لعبد اللَّه يا جارية، هاتي جبة رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيبين والفرج
بالديباج.
وفي لفظ عن ابن عمر عن أسماء أنها أخرجت جبة مزرورة بالديباج فقالت: كان
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس هذا.
__________
[ (1) ] في (خ) : «خرقانية» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 288- 289، كتاب اللباس والزينة، باب (2)
، حديث رقم (2069) ، والميثرة كما قال الطبري: هي وعاء يوضع على سرج الفرس
أو رحل البعير من الأرجوان، وحكى في (المشارق) قولا أنها سروج من ديباج،
وقولا أنها أغشية للسروج من حرير، وقولا أنها تشبه المخدة تحشى يقطن أو ريش
يجعلها الراكب تحته، وهذا يوافق تفسير الطبري، والأقوال الثلاثة يحتمل ألا
تكون متخالفة، بل الميثرة تطلق على كل منها. (فتح الباري) : 10/ 377.
(6/385)
وأما البردة
فقد خرّج البخاري من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس
بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كنت أمشى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى فجبذه بردائه جبذة
شديدة، حتى نظرت إلى صفحة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قد أثرت بها
حاشبة البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال اللَّه الّذي
عندك، فالتفت إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ضحك، ثم أمر له
بعطاء. ذكره في كتاب اللباس [ (1) ] في باب البرود والحبرة والشملة، وفي
كتاب الأدب [ (2) ] في باب التبسّم والضحك، وفي الخمس [ (3) ] بألفاظ
متقاربة، وخرّجه مسلم [ (4) ] من عدة طرق [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 338، كتاب اللباس باب (18) البرود والحبر
والشملة، حديث رقم (5809) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 617، كتاب الأدب، باب (68) التبسم والضحك،
حديث رقم (6088) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 309، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، حديث
رقم (3149) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 7/ 153، كتاب الزكاة، باب (44) ، عطاء من سأل
بفحش وغلظة، حديث رقم (1057) ، قال الإمام النووي: وفيه احتمال الجاهلين،
والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، والعفو
عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله، وإباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها
في العادة، وفيه كما خلق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل.
[ (5) ] منها: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا
همام، وحدثني زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار وحدثني
سلمة بن شبيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، كلهم عن إسحاق بن عبد
اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
(6/386)
وللبخاريّ من حديث أبى حازم عن سهل بن سعد
قال: جاءت امرأة ببردة- قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم هي الشملة
منسوج في حاشيتها- قالت: يا رسول اللَّه! إني نسجت هذه بيدي أكسوكها،
فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها
لإزاره، فحبسها رجل من القوم فقال: يا رسول اللَّه! اكسنيها، قال: نعم،
فجلس ما شاء اللَّه في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه.
فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها [إياه] ، وقد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال
الرجل: واللَّه ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه.
ذكره في كتاب الجنائز [ (1) ] في باب من استعد الكفن في زمان النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم. وفي كتاب الأدب [ (2) ] في باب حسن الخلق. وفي كتاب
اللباس [ (3) ] وفي كتاب البيوع [ (4) ] في باب النسّاج.
وخرّج أبو عبد اللَّه الحاكم من حديث يونس بن أبى إسحاق عن العيزار ابن
حريث، عن أم الحصين الأحمسية قالت: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه
بردة قد التفع بها تحت إبطه، كأنى انظر إلى عضلة عضدة ترتجّ، فسمعته يقول:
يا أيها الناس، اتقوا اللَّه وإن أمرّ عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا،
ما
__________
[ () ] بهذا الحديث، وفي حديث عكرمة بن عمار من الزيادة قال: «جبذه إليه
رجع نبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر الأعرابي، وفي حديث همام: «فجاذبه
حتى انشق البرد وحتى بقيت حاشيته في عنق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم» . (المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي السابق من أحاديث الباب.
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 184، كتاب الجنائز، باب (38) ، من استعد الكفن
في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ينكر عليه، حديث رقم (1277) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 559، كتاب الأدب، باب (39) حسن الخلق
والسخاء وما يكره من البخل، حديث رقم (6036) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 10/ 338، كتاب اللباس، باب (18) البرود والحبرة
والشملة، حديث رقم (5809) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 4/ 399، كتاب البيوع، باب (31) النساج، حديث رقم
(2093) .
(6/387)
أقام لكم كتاب اللَّه [عز وجل] [ (1) ]
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ (2) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
ومن حديث الأعمش عن جامع بن شداد، عن كلثوم الخزاعي، عن أسامة بن زيد رضى
اللَّه عنهما قال: دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نعوده وهو
مريض، فوجدناه نائماً، قد غطى وجهه ببرد عدنىّ، فكشف عن وجهه ثم قال: لعن
اللَّه اليهود يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
وللنسائى من حديث همام، أخبرنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضى اللَّه عنها،
أنها عملت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء من صوف، فلبسها، فلما
عرق فوجد ريح الصوف طرحها، وكان يحب الريح الطيبة [ (4) ] .
وخرّجه أبو داود أيضا ولفظه: صنعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة
سوداء فلبسها، فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها، قال: وأحسبه قال: وكان
يعجبه الريح الطيبة [ (4) ] .
وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن، ولفظهما: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
لبس بردة سوداء فقالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما أحسنها عليك يا رسول
اللَّه!
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .
[ (2) ] (المستدرك) : 4/ 206، كتاب اللباس، حديث رقم (7381) ، وقال عنه
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 4/ 215، كتاب اللباس، حديث رقم (7414) ، وقال
عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (4) ] (عون المعبود) : 11/ 86، كتاب اللباس باب (21) في السواد، حديث رقم
(4068) ، وفي بعض نسخه: «صبغت» بدلا من: «صنعت» ، «الطيب» بدلا من «الطيبة»
، قال المنذري: وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا، والحديث يدل على مشروعية لبس
السواد وأنه لا كراهية فيه.
(6/388)
يشرب بياضك سوادها، ويشرب سوادها بياضك،
فبدا له منها ريح فألقاها [ (1) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث يونس بن عبيد [عن عبيدة] [ (2) ] عن عبد ربه
الهجيمي، عن جابر بن سليم- أو سليم بن جابر [ (3) ]- قال: أتيت النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقلت: أيكم النبي؟ فإما أن يكون أومأ
إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم، فإذا هو محتب [ (4) ] ، ببردة قد
وقع هدبها على قدميه. وذكر الحديث [ (5) ] .
ولأبى داود من حديث أبى معاوية، عن هلال بن عامر عن أبيه قال:
رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [بمنى] [ (6) ] يخطب على بغلة [ (7) ] ،
وعليه برد أحمر، وعليّ [رضى اللَّه عنه] [ (6) ] أمامه يعبّر عنه [ (8) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن أسعد بسنده عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: جعل للنّبيّ
صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء من صوف فلبسها، فذكرت بياض النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم وسوادها، فلما عرق فيها وجد منها ريح الصوف، تعنى قذفها،
وكان تعجبه الريح الطيبة. (طبقات ابن سعد) : 1/ 453، ورواه الحاكم بلفظ:
«جبة» وقال:
صحيح على شرط الشيخين، (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 253، كتاب آداب المعيشة
وأخلاق النبوة.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط، وليست في (المسند) .
[ (3) ] الصحيح كما في (المسند) : «جابر بن سليم الهجيمي» .
[ (4) ] في (خ) : «محتبى» .
[ (5) ]
فقال: فقلت: يا رسول اللَّه أجفو عن أشياء فعلمني: قال: «اتّق اللَّه عزّ
وجل ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى،
وإيّاك والمخيلة فإن اللَّه تبارك وتعالى لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك
وعيرك بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه، فيكون لك أجره وعليه إثمه،
ولا تشتمن أحدا» . (مسند أحمد) : 6/ 55- 56، حديث رقم (2009) .
[ (6) ] زيادة للسياق من (عون المعبود) .
[ (7) ] في (خ) : «على بغلته» : وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (8) ] (عيون المعبود) : 11/ 84، كتاب اللباس، حديث رقم (4067) .
(6/389)
وله من حديث إياد عن أبى رمثة قال: انطلقت
مع أبى نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فرأيت عليه بردان أخضران [ (1) ]
.
وخرّجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وخرجه النسائي [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (عيون المعبود) : 11/ 78، كتاب اللباس، حديث رقم (4059) ، وفي (خ)
: «بردين أخضرين» وما أثبتناه من (جامع الأصول) : 10/ 675- 676، حديث رقم
(8323) ، وقال في رواية أبى داود والترمذي: «وعليه ثوبان أخضران» ، وفي
رواية النسائي: «وعليه بردان أخضران» .
[ (2) ] قال في جامع الأصول: رواه أبو داود برقم (4065) في اللباس، باب في
الخضرة، والترمذي رقم (2813) ، في الأدب، باب ما جاء في الثوب الأخضر،
والنسائي 8/ 204، في الزينة، باب لبس الخضر من الثياب، وفي العيدين، باب
الزينة للخطبة وللعيدين، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال.
(جامع الأصول) : 10/ 676 «هامش» .
(6/390)
وأما الجبّة
فخرج مسلم من حديث عامر الشعبي، عن عروة بن المغيرة عن أبيه قال: كنت مع
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: أمعك ماء؟ قلت
نعم، فنزل عن راحلته فمشى [ (1) ] حتى توارى في سواد الليل ثم جاء [ (2) ]
فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه، وعليه جبة من صوف فلم يستطع [ (3) ] أن
يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم
أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإنّي أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما [ (4)
] .
وخرّجه البخاري وقال: ذات ليلة في سفر. وقال: حتى توارى عنى.
ذكره في كتاب اللباس، وترجم عليه باب: جبة الصوف في الغزو [ (5) ] ، وذكره
أيضا في كتاب الطهارة مختصرا، وترجم عليه باب: إذا أدخل
__________
[ (1) ] في (خ) : «ومشى» .
[ (2) ] في (خ) : «وجاء» .
[ (3) ] في (خ) : «لا يستطيع» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 173، كتاب الطهارة، باب (22) المسح على
الخفين، حديث رقم (79) ،
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: (فإنّي أدخلتهما طاهرتين) :
فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة،
بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما، لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون
كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة [وبسط
القول في ذلك محله كتب الفقه] .
[ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 330، كتاب اللباس، باب (11) ، لبس جبّة الصوف
في الغزو، حديث رقم (5799) .
(6/391)
رجليه وهما طاهرتان [ (1) ] . وذكره في غزو
تبوك [ (2) ] .
ولمسلم من طريق الأعمش، عن مسلم عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة قال: [كنت] [
(3) ] مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقال: يا مغيرة، خذ الإداوة
فأخذتها، ثم خرجت معه، فانطلق [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ]
حتى توارى عنى، فقضى حاجته، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج
يده من كمها فضاقت [عليه] [ (3) ] ، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه،
فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على خفيه، [ثم] [ (3) ] صلّى [ (4) ] .
وذكره البخاري في أول كتاب الصلاة، وترجم عليه: باب الصلاة في الجبة
الشامية [ (5) ] . وذكره في كتاب الجهاد في باب الجبة في السفر والحرب [
(6) ] .
وذكره في كتاب اللباس، في باب من لبس جبة ضيقة الكمين [في السفر] [ (7) ] ،
ولفظه: انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بماء،
فتوضأ وعليه جبة شامية، فمضمض واستنشق وغسل وجهه، فذهب يخرج يديه من كميه
فكانا ضسقين، فأخرج يديه من تحت يديه فغسلهما ومسح
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 409، كتاب الوضوء، باب (49) ، حديث رقم (206) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 158، كتاب المغازي، باب (83) ، بدون ترجمة، حديث
رقم (4421) .
[ (3) ] زيادات للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 172، كتاب الطهارة، باب (22) ، المسح على
الخفين، حديث رقم (77) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 14/ 624، كتاب الصلاة، باب (7) الصلاة في الجبة
الشامية، حديث رقم (363) .
[ (6) ] (فتح الباري) : 6/ 124- 125، كتاب الجهاد، باب (90) الجبة في السفر
والحرب، حديث رقم (2918) .
[ (7) ] زيادة للسياق من (صحيح البخاري) .
(6/392)
برأسه وعلى خفّيه [ (1) ] . لم يذكر في
الجهاد قوله: يديه، إنما قال: من تحت.
ولفظ مسلم: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليقضى حاجته، فلما رجع
تلقيته بالإداوة، فصببت عليه، فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه،
فضاقت الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح رأسه ومسح على خفيه، ثم
صلّى بنا [ (2) ] .
وخرّجاه من طرق ليس فيها ذكر الجبة، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث، عن
عبيد اللَّه بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قبيصة، عن المغيرة ابن شعبة قال:
خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض ما كان يسافر، فسرنا حتى إذا
كان في وجه الصبح، انطلق حتى توارى عنا ضرب الخلاء، ثم جاء، فدعى بطهور،
وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأدخل يده من تحت الجبة، ثم غسل وجهه ويديه،
ومسح على الخفين [ (3) ] .
ولابن حبان من حديث جابر الجعفي، عن عامر عن دحية الكلبي، أنه أهدى إلى
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من الشام وخفين، فلبسهما حتى تخرّقا.
وقال وكيع: حدثنا أبو حباب الكلبي عن جامع بن شداد الهلالي عن طارق بن عبد
اللَّه المحاربي قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق ذي
المجاز عليه جبّة حمراء [ (4) ] . ويروى أنه عليه السّلام ترك جبة يمنية.
وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه، من حديث همّام عن قتادة، عن مطرف عن
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 329، كتاب اللباس، باب (10) ، من لبس جبة ضيقة
الكمين في السفر، حديث رقم (5798) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 172- 173، كتاب الطهارة، باب (22) ، المسح
على الخفين، حديث رقم (78) .
[ (3) ] (اللؤلؤ والمرجان) : 1/ 62- 63، حديث رقم (158) ، (159) لكن بلفظ
آخر.
[ (4) ] (مجمع الزوائد) : 6/ 21.
(6/393)
عائشة رضى اللَّه عنها، أنها صنعت لرسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف سوداء، فلبسها، فلما عرق وجد ريح
الصوف، فخلعها، وكان يعجبه الريح الطيب [ (1) ] . قال هذا حديث صحيح [على
شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (2) ] ، وقد تقدم لكن فيه: أنها عملت بردة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخرجت إلينا أسماء جبّة
مزرّرة بالديباج فقالت: في هذه كان يلقى رسول اللَّه العدو [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 209، كتاب اللباس، حديث رقم (7393) ، وقال عنه
الذهبي في (التلخيص) :
على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 7/ 478، حديث رقم (26404) .
(6/394)
وأما الحلّة
الحلة: إزار ورداء بردا أو غيره، ولا يقال لها: حلة حتى تكون من ثوبين،
والجمع حلل وحلال [ (1) ] .
خرّج البخاري من حديث شعبة، عن أبى إسحاق سمع البراء بن عازب يقول: كان
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا، وقد رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا
أحسن منه.
وفي لفظ له: ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم. ذكره في كتاب اللباس [ (2) ] ، وفي كتاب المناقب [ (3) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين
المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط
أحسن منه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] .
وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا مربوعا، بعيد ما
بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط
أحسن منه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (لسان العرب) : 11/ 172- 173.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 375، كتاب اللباس، باب (35) ، الثوب الأحمر
حديث رقم (5848) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 6/ 700، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي، حديث
رقم (3551) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25) ، في صفة
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (2237) .
(6/395)
وفي لفظ لمسلم والترمذي: عن البراء، ما
رأيت [من ذي] [ (1) ] لمة، أحسن في حلة حمراء، من رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم، شعره يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا
بالقصير [ (2) ] . وقال الترمذي [ (3) ] : هذا حديث حسن صحيح، وله عدة طرق،
ألفاظها متقاربة.
وقال حجاج عن أبى جعفر محمد بن على عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه:
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان يلبس برده الأحمر في الجمعة
والعيدين [ (4) ] .
وخرّجه ابن حبّان ولفظه: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردا أحمر
يلبسه في العيدين [ (5) ] .
وقال زمعة بن صالح، عن أبى حازم عن سهل بن سهل رضى اللَّه عنه قال: حيك
لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حلة أنمار من صوف أسود، وجعل حاشيتها
بيضاء، فخرج فيها إلى أصحابه، فضرب على فخذه فقال: ألا ترون هذه ما أحسنها،
فقال أعرابى: بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، فهبها لي، وكان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم لا يسأل شيئا قط فيقول: لا، فقال [صلّى اللَّه عليه
وسلم] : نعم، فدعا
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) ، وفي (خ) : «ذا» .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25) في صفة النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم، وأنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (92) .
[ (3) ] (الشمائل المحمدية) : 30- 31، باب (1) ، جاء في خلق رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (4) ، وأخرجه الترمذي في (الجامع الصحيح)
في كتاب اللباس، باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر، حديث رقم (1724) ،
وقال: حسن صحيح، وفي كتاب المناقب، باب ما جاء في صفة النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم، حديث رقم (3635) ، والنسائي في (السنن) ، كتاب الزينة، باب
اتخاذ الجمة من طريق عن وكيع، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن أبى إسحاق
السبيعي به.
[ (4) ] (إتحاف السادة المتقين) : 8/ 256، كتاب آداب المعيشة وأخلاق
النبوة، (السنن الكبرى للبيهقي) :
3/ 247، كتاب الجمعة، باب ما يستحب من الارتداء ببرد، (كنز العمال) : 7/
121، حديث رقم (18281) ، (المطالب العالية) : 1/ 171، باب الأمر بالتجمل
للجمعة.
[ (5) ] (أخلاق النبي) : 114.
(6/396)
بمعوذين فلبسهما، وكسى الأعرابي الحلة، ثم
أمر بمثلهما تحاكان له، فمات صلّى اللَّه عليه وسلم وهما في الحياكة [ (1)
] .
وخرّجه ابن حبان ولفظه: قال خيطت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة
من صوف أنمار فلبسها، فما أعجب بثوب ما أعجب به، فجعل يمسه بيده ويقول:
انظروا! ما أحسنها، وفي القوم أعرابى فقال: يا رسول اللَّه، هبها لي،
فخلعها [صلّى اللَّه عليه وسلم] فدفعها في يديه.
وذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن
حزام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم في الهدنة التي كانت بين النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم وبين قريش حلة ابن ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار،
فردّها عليه وقال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم من اشتراها له، فلبسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فلما رآه حكيم قال له:
ما ينظر الحكام بالفضل بعد ما ... بدا سابق، ذو غرّة وحجول
فكساها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة، فرآها
عليه حكيم فقال: بخ بخ [ (2) ] يا أسامة، عليك حلة ابن ذي يزين! فقال له
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم:
قل له: وما يمنعني؟ وأنا خير منه وأبى خير من أبيه [ (3) ] .
وذكر محمد بن عمر الواقدي عن الضحاك بن عثمان، عن أهله قال:
قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البزّ في الجاهلية، فكنت رجلا تاجرا أخرج إلى
اليمن وإلى الشام في الرحلتين [ (4) ] ، فكنت أربح أرباحا كثيرة، فأعود على
فقراء قومي، ونحن لا نعبد شيئا، نريد ثراء الأموال والمحبة في العشيرة،
وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق: سوق لعكاظ، تقوم صبح هلال ذي
القعدة، فتقوم عشرين يوما وتحضرها العرب، وبه ابتعت زيد بن حارثة لعمتي
خديجة بنت خويلد- وهو يومئذ غلام-
__________
[ (1) ] (مجمع الزوائد) : 5/ 130.
[ (2) ] اسم فعل يفيد الاستحسان.
[ (3) ] (سير أعلام النبلاء) : 3/ 46- 47.
[ (4) ] رحلة الشتاء والصيف.
(6/397)
فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوج رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة، سألها زيدا فوهبته له فأعتقه.
وبه ابتعت حلة ابن ذي يزن، فكسوتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فما
رأيت أحدا قط أجمل ولا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في تلك
الحلة [ (1) ] .
وخرجه الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا الليث بن سعد
قال: حدثني عبيد اللَّه بن المغيرة عن عراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال:
كان محد أحبّ رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبّأ وخرج إلى المدينة،
شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلّة لذي [ (2) ] يزن تباع،
فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقدم
بها عليه المدينة، فأراد عليّ قبضها هدية فأبى، قال عبيد اللَّه: حسبته قال
[ (3) ] : إنا لا نقبل شيئا من المشركين، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن،
فأعطيته حين أبى عليّ الهدية [ (4) ] ، وقد خرّجه الحاكم [ (5) ] من حديث
أبى صالح عن الليث، ثم قال: صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (6) ] .
تم بحمد اللَّه تعالى الجزء السادس ويليه الجزء السابع وأوله: «وأما الخرقة
التي كان يتنشف بها»
__________
[ (1) ] (سير أعلام النبلاء) : 3/ 47، مختصرا، (جمهرة نسب قريش) : 367-
369، مطولا.
[ (2) ] في (خ) : «لابن ذي يزن» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (3) ] في (المسند) : «حسبت أنه قال» .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 4/ 404- 405، حدث رقم (14899) .
[ (5) ] (المستدرك) : 3/ 551- 552، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6050) ،
وقال في آخره: قال حكيم: «فانطلقت إلى مكة أعجبهم بقول أسامة» وقال عنه
الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (6) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .
(6/398)
|