إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم [ (1) ]
خرّج البخاري من حديث الليث [ (2) ] عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر [ (3) ]
رضى اللَّه عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما
من ذهب، فكان فصّه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على
المنبر فنزعه فقال:
إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصّه من داخل، فرمى به وقال: واللَّه لا
ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم. ذكره في كتاب الأيمان، وترجم عليه باب من
حلف على الشيء وإن لم يحلّف [ (4) ] .
وخرجه مسلم وزاد في حديث عقبة بن خالد، عن عبيد اللَّه عن نافع:
__________
[ (1) ] اعلم أن الخاتم يجوز فيه كسر التاء وفتحها أفصح وأشهر. لأنه آلة
الختم، وهي ما يختم به، وهي بناء آلات لذلك، كالقالب والطابع. وحكى فيه
طائفة من المتأخرين لغتين أخرتين وهما خاتام وخيتام.
وقد اختلف أهل العلم في لبسه في الجملة، فأباحه كثير من أهل العلم ولم
يكرهوه، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وهو اختيار أكثر أصحابه- قال في رواية
أبى داود وصالح وعلى بن سعيد: ليس به بأس واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين
عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق،
فكان في يده، ثم كان في يد أبى بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان،
حتى وقع منه في بئر أريس. (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 38- 42، (تهذيب
الأسماء واللغات) : 3/ 88،.
(لسان العرب) : 12/ 163- 164، (بصائر ذوى التمييز) : 2/ 526.
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «ليث» وما أثبتناه من البخاري.
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «عبد اللَّه بن عمر» وفي البخاري: «عن ابن عمر» .
[ (4) ]
(فتح الباري) : 11/ 658، كتاب الأيمان والنذور، باب (6) من حلف على الشيء
وإن لم يحلّف، حديث رقم (6651) ولفظه: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث عن نافع عن
ابن عمر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما
من ذهب وكان يلبسه، فيجعل فصّه في باطن كفه، فصنع الناس خواتيم، ثم إنه جلس
على المنبر فنزعه فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصّه من داخل، فرمى
به ثم قال: واللَّه لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم.
(7/34)
وجعله في يده اليمنى [ (1) ] .
وذكره البخاري من حديث [جويرية] [ (2) ] عن نافع، أن عبد اللَّه حدّثه أن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، وجعل فصّه في بطن كفه إذا
لبسه، فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فرقى المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه
فقال:
إني كنت اصطنعته، وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذ الناس. قال [جويرية] [ (3) ] :
ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى.
ترجم عليه باب من جعل فصّ الخاتم في بطن كفه [ (4) ] .
وذكره من حديث عبد اللَّه بن مسلم، عن مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن
عمر، [رضى اللَّه عنهما قال] : كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس
خاتما من ذهب فنبذه، فقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (5) ] .
ذكره في باب خاتم الفضة [ (6) ] .
وذكره في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، في باب الاقتداء بأفعال النبي صلى
اللَّه عليه وسلم من حديث عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال:
اتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب،
فقال النبي
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 310- 311، كتاب اللباس والزينة، باب (11)
تحريم الخاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام،
حديث عقبة بن خالد الّذي يلي الحديث رقم (2091) [بدون رقم] . وفيه بيان ما
كانت الصحابة رضى اللَّه تعالى عنهم عليه من المبادرة إلى امتثال أمره
ونهيه صلى اللَّه عليه وسلم، والاقتداء بأفعاله صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] في (ج) : «جويرة» ، وفي (خ) والبخاري: «جويرية» .
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «جويرة» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 399، كتاب اللباس، باب (53) من جعل فصّ الخاتم
في بطن كفه، حديث رقم (5876) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 10/ 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث
رقم (5867) .
[ (6) ] كذا في (خ) ، (ج) والصواب أنه في باب (47) بدون ترجمة، لكن باب
خاتم الفضة رقم (46) .
(7/35)
صلى اللَّه عليه وسلم: إني اتخذت خاتما من
ذهب، فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (1) ] .
وذكر في باب خواتيم الذهب، من حديث عبيد اللَّه، حدثني نافع عن عبد اللَّه
[رضى اللَّه] [ (2) ] عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما
من ذهب، وجعل [ (3) ] فصّه مما يلي كفه، فاتخذه الناس فرمى به، واتخذ خاتما
من ورق أو فضة [ (4) ] .
وذكر في باب خاتم الفضة، من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضي
اللَّه عنهما] [ (5) ] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما
من ذهب [- أو فضة-] [ (5) ] ، وجعل فصه مما يلي [كفه] [ (6) ] ، ونقش فيه:
محمد رسول اللَّه، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم [رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم] [ (7) ] قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما
من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة [ (8) ] .
قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر،
ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أريس [ (8) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 13/ 340، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (4)
الاقتداء بأفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (7298) .
[ (2) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «فجعل» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 387، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب، حديث
رقم (5865) .
[ (5) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (6) ] في (خ) ، (ج) : «في باطن كفه» وما أثبتناه من البخاري.
[ (7) ] زيادة من (خ) ، (ج) فقط.
[ (8) ] (فتح الباري) : 10/ 390- 391، كتاب اللباس، باب (46) خاتم الفضة،
حديث رقم (5866) .
وأريس: بفتح الهمزة وكسر الراء وبالسين المهملة وزن عظيم، وهي في حديقة
بالقرب من مسجد قباء، وسيأتي لها مزيد بيان في ذكر الآبار التي كان يشرب
منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
(7/36)
وخرجه أبو داود بهذا الإسناد نحوه وقال
فيه: فاتخذ الناس خواتم [ (1) ] الذهب، وبعده قال أبو داود: ولم يختلف
الناس على عثمان رضى اللَّه عنه حتى سقط الخاتم من يده [ (2) ] .
وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث عبد اللَّه عن نافع عن ابن عمر
[رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خاتما من ورق وكان [ (6) ] في يده، حتى وقع بعد [ (7) ] في بئر أريس، نقشه:
محمد رسول اللَّه.
لفظ ابن نمير في رواية مسلم: حتى وقع في بئر أريس، لم يقل: منه.
وفي لفظ البخاري: حتى وقع بعد في بئر أريس، ولم يذكر لفظة: بعد، في
__________
[ (1) ] في (خ) ، (ج) : «خواتيم» ، وما أثبتناه من (سنن أبى داود) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 425، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ
الخاتم، حديث رقم (4218) .
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم، حديث
رقم (5873) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 311- 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12)
لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول اللَّه، ولبس
الخلفاء من بعده، حديث رقم (54) من أحاديث الباب.
وفيه التبرك بآثار الصالحين ولبس لباسهم، وجواز لبس الخاتم، وأن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم لم يورث، إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته، بل كان الخاتم
والقدح والسلاح ونحوها من آثاره الضرورية صدقة للمسلمين، يصرفها ولى الأمر
حيث رأى من المصالح، فجعل القدح عند أنس إكراما له لخدمته، ومن أراد التبرك
به لم يمنعه، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين، واتخذ الخاتم عنده للحاجة
التي اتخذه النبي صلى اللَّه عليه وسلم لها، فإنّها موجودة في الخليفة
بعده، ثم الخليفة الثاني، ثم الثالث.
وأما قوله: «نقشه محمد رسول اللَّه» ففيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحب
الخاتم، وجواز نقش اسم اللَّه تعالى، هذا مذهبنا، ومذهب سعيد بن المسيب،
ومالك، والجمهور. وعن ابن سيرين وبعضهم كراهة نقش اسم اللَّه تعالى، وهذا
ضعيف. قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه، أو ينقش عليه كلمة حكمة،
وأن ينقش ذلك مع ذكر اللَّه تعالى (المرجع السابق) .
[ (5) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (6) ] في (خ) ، (ج) : «فكان» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (7) ] في (خ) ، (ج) : «منه» ، وما أثبتناه من البخاري.
(7/37)
المواضع الثلاثة، قبل أبى بكر وعمر وعثمان
رضى اللَّه عنهم.
ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى،
عن نافع عن ابن عمر قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من
ذهب ثم ألقاه، ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه: محمد رسول اللَّه وقال: لا
ينقش أحد على نقش خاتمي هذا، وكان إذا لبسه جعل فصّه مما يلي بطن كفه، وهو
الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس. اللفظ لمسلم، ولم يقل النسائي: وهو الّذي
سقط من معيقيب في بئر أريس، وقال: لا ينبغي لأحد أن ينقش على نقش خاتمي هذا
[ثم جعل فصه في بطن كفه [ (3) ]] .
وللبخاريّ من حديث ثمامة عن أنس، أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لما استخلف
بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب، وختمه بخاتم النبي صلى اللَّه عليه
وسلم، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، واللَّه سطر. ذكره
في كتاب الخمس في باب ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعصاه،
وسيفه، وقدحه، وخاتمه [ (4) ] .
وذكر في كتاب اللباس، في باب: هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) لبس
النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول اللَّه، ولبس
الخلفاء من بعده، حديث رقم (55) .
[ (2) ] (سنن النسائي) : 8/ 560، كتاب الزينة، باب (53) نزع الخاتم عند
دخول الخلاء، حديث رقم (5231) ، باب (80) موضع الفص حديث رقم (5303) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
وأخرجه أيضا الترمذي في (الشمائل) : 94، حديث رقم (102) ، وأبو داود في
كتاب الخاتم باب (1) ما جاء في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4219) ، وابن ماجة
في (السنن) : 2/ 1201، كتاب اللباس، باب (39) نقش الخاتم، حديث رقم (3639)
.
[ (4) ] (فتح الباري) : 6/ 260، كتاب فرض الخمس، باب (5) ما ذكر من درع
النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وما استعمل
الخلفاء، بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنتيته، مما
تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، حديث رقم (3106) .
(7/38)
ووصل به: قال أبو عبد اللَّه: وزادني أحمد:
أخبرنا الأنصاري [قال] [ (1) ] :
حدثني أبى ثمامة عن أنس [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] قال: كان خاتم النبي صلى
اللَّه عليه وسلم في يده، وفي يد أبى بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبى بكر،
[قال] [ (1) ] :
فلما كان عثمان جلس على بئر أريس [قال] [ (1) ] : فأخرج [الخاتم] [ (2) ]
فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان [فنزح] [ (3) ]
البئر فلم نجده [ (4) ] .
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادات من (خ) ، (ج) .
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «الحاكم» وصوبناه من البخاري.
[ (3) ] في (خ) ، (ج) : «ننزح» وصوبناه من البخاري.
[ (4) ] (فتح الباري) : 10/ 3، كتاب اللباس، باب (55) هل يجعل نقش الخاتم
ثلاثة أسطر، حديث رقم (5879) . قال الحافظ في (الفتح) : هذه الزيادة
موصولة، وأحمد المذكور جزم المزي في (الأطراف) أنه أحمد بن حنبل، لكن لم أر
هذا الحديث في (مسند أحمد) من هذا الوجه أصلا.
[قال محققه: جاء في مسند عبد اللَّه بن عمر: حدثنا عبد اللَّه، حدثنا أبى،
حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، ويزيد، قال: أنبأنا سفيان عن عبد اللَّه بن
دينار، عن ابن عمر قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من
ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فرمى به وقال: لن ألبسه أبدا، قال يزيد:
فنبذ الناس خواتيمهم، (مسند أحمد) : 2/ 165، حديث رقم (5227) ، والحديث رقم
(5228) :
عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: كان يجعل فصّ خاتمه مما يلي
بطن كفّه،
والحديث رقم (133391) : عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم
فضة فصه منه (مسند أحمد) : 4/ 167] .
قوله: «فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم نجده» أي في الذهاب
والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها، ووقع في رواية ابن سعد: «واظبناه
مع عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه» ، قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى
اللَّه عليه وسلم من السرّ شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن
سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي انتقض عليه
الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك مبدأ الفاتنة التي أفضت إلى قتله،
واتصلت إلى آخر الزمان.
قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه،
والاجتهاد في تفتيشه، وقد فعل صلى اللَّه عليه وسلم ذلك لما ضاع عقد عائشة
رضى اللَّه عنها وحبس الجيش على طلبه حتى وجد، كذا قال، وفيه نظر، فأما عقد
عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه، وهي رخصة التيمم،
فكيف يقاس عليه غيره؟
وأما فعل عثمان، فلا ينهض الاحتجاج به أصلا لما ذكر، لأن الّذي يظهر أنه
إنما يبالغ في
(7/39)
وله
من حديث حماد [بن زيد] [ (1) ] عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك [رضى
اللَّه عنه] [ (1) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من
[فضة] [ (2) ] ، ونقش فيه: محمد روسل اللَّه، وقال للناس: إني اتخذت خاتما
من ورق ونقشت فيه محمد رسول اللَّه، فلا ينقشن أحد على نقشه [ (3) ] .
__________
[ () ] التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قد لبسه
واستعمله وختم به، ومثل ذلك يساوى في العادة قدرا عظيما من المال، وإلا لو
كان غير خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم لاكتفى بطلبه بدون ذلك، وبالضرورة
يعلم أن قدر المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم، لكن
اقتضت صفة عظيم قدره، فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال.
* وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم وليس ذلك
بعائب لهم، قال الحافظ: وإنما كان كذلك لأن من مثلهم إنما ينشأ عن فكر،
وفكرتهم إنما هي في الخير. قال الكرماني: معنى قوله: «يعبث به» يحركه، أو
يخرجه من إصبعه ثم يدخله فيها، وذلك صورة العبث، وإنما يفعل الشخص ذلك عند
تفكره في الأمور.
* وفيه أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام له أن يتركه، ولا يكون
بعد الثلاث مضيعا، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات.
* وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها،
(فتح الباري) :
10/ 404 مختصرا.
[ (1) ] زيادات من (خ) ، (ج) .
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «من ورق» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 402، كتاب اللباس، باب (54)
قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ينتقش على نقش خاتمه، حديث رقم (5877)
، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 201، كتاب اللباس، باب (16) ، ما جاء في
لبس الخاتم في اليمين، حديث رقم (1745) ،
وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن، ومعنى
قوله: لا تنقشوا عليه،
نهى أن ينقش أحد على خاتمه «محمد رسول اللَّه» ، وأخرج الدار قطنى في
(الأفراد) ، من طريق سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية قال: أنا صنعت
للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لم يشركني فيه أحد، نقش فيه محمد رسول
اللَّه.
فيستفاد منه اسم الّذي صاغ خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونقشه. وأما
نهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن أن ينقش أحد على نقشه- أي مثل نقشه فقد تقدمت
الإشارة إلى الحكمة فيه في باب خاتم الفضة. (فتح الباري) :
10/ 402.
قال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن
ابن عمر، قال:
اتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق، ثم نقش عليه: محمد رسول
اللَّه، ثم قال: لا ينقش أحد على نقش
(7/40)
__________
[ () ] خاتمي هذا. (المصنف) : 5/ 190، كتاب اللباس والزينة، باب (56) نقش
الخاتم وما جاء فيه، حديث رقم (25089) ،
ومن حديث ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: اصطنع رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم خاتما فقال: إنا قد صنعنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا
ينقش عليه أحد. حديث رقم (25090) ، ومن حديث أبى معاوية عن الأعمش عن موسى
بن عبد اللَّه بن زيد عن أمه عن حذيفة قالت: كان في خاتمه كركيّان متقابلان
بينهما مكتوب: الحمد للَّه. حديث رقم (25091) ، ومن حديث معاذ عن أشعث عن
محمد والحسن قالا: كان نقش خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم: محمد رسول
اللَّه.
حديث رقم (25092) ، ومن حديث وكيع قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم
قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فضة فيه: محمد رسول اللَّه.
حديث رقم (25110) .
قال ابن رجب الحنبلي في كتاب (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : ونذكرها هنا
جملة من نقوش خواتيم الأكابر والأعيان، مما نقله أهل السير والتواريخ،
وذكره أبو عبد اللَّه معمر بن الفاخر الأصبهاني، وذكر أن بعض غرائبه من
كتاب حمزة بن يوسف [الجرجاني] في الخواتيم وغير ذلك:
* أما خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكان نقشه: محمد رسول اللَّه، هذا
هو الصحيح كما تقم وروى أن أول الأسطر كان اسم اللَّه، ثم في الثاني رسول،
ثم في الثالث محمد، وروى أن نقش خاتم سليمان: لا إله إلا اللَّه محمد رسول
اللَّه، وروى أن اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبحانه أمر موسى أن ينقش على
خاتمه: لكل أجل كتاب.
وكان أبو بكر رضى اللَّه عنه يتختم بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بخاتمه. وقيل: كان له خاتم نقشه: نعم القادر اللَّه [أخرجه الطحاوي في (شرح
معاني الآثار) : 4/ 264، كتاب الكراهية، باب نقش الخواتيم] .
وكذلك عمر رضى اللَّه عنه. تختم بخاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
بعد أبى بكر، وقيل كان له خاتم نقشه:
كفى بالموت واعظا.
وكان عثمان يتختم بخاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ست سنين من
خلافته حتى سقط منه، فاتخذ خاتما من فضة، وفصه منه نقشه: آمنت بالذي خلق
فسوّى.
وكان نقش خاتم على رضى اللَّه عنه: اللَّه الملك الحق المبين. وقيل: الملك
للَّه الواحد القهار. وقيل:
اللَّه الملك وعليّ عبده.
وخاتم ابنه الحسن: اللَّه أكبر وبه استعنت. وقيل: العزة للَّه. وقيل: لا
إله إلا هو الحي القيوم الملك الحق المبين.
وخاتم أخوه الحسين: إن اللَّه بالغ أمره.
وقد ذكر أهل التواريخ والسير ما نقله أبو عبد اللَّه القضاعي وغيره، أن
عثمان لما سقط منه خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فصّه
منه ونقش عليه: آمنت بالذي خلق فسوى. وقيل: لتبصرن أو لتندمن.
(7/41)
__________
[ () ] وأن عليا رضى اللَّه عنه كان نقش خاتمه: الملك للَّه الواحد القهار.
وروى وكيع بإسناده في كتاب اللباس، عن خلدة بن دينار عن أبى العالية، قال:
قلت له: أيش كان نقش خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: صدق اللَّه،
ألحق الخلفاء بعده: محمد رسول اللَّه.
وروى ابن عدي من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن
أمية، قال:
أنا صنعت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لم يشركني، فيه أحد،
ونقشته: محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [أخرجه الدار قطنى في
(الأفراد) ونقله عنه الحافظ في (الفتح) ] .
وكان نقش خاتم معاوية: لكل عمل ثواب، وقيل: لا قوة إلا باللَّه.
وكان نقش خاتم ابنه يزيد: ربنا اللَّه. وابنه معاوية: إنما الدنيا غرور.
وكان نقش خاتم عبد اللَّه بن الزبير: أبو حبيب العائذ باللَّه. وقيل: رب
نجنى من النار.
ونقش خاتم مروان بن الحكم: اللَّه ثقتي ورجائي. وقيل: آمنت باللَّه العزيز
الحكيم. ونقش خاتم ابنه عبد الملك: آمنت باللَّه مخلصا. وكان نقش خاتم ابنه
الوليد: يا وليد أنت ميت. ونقش خاتم أخيه سليمان: آمنت باللَّه مخلصا. وقيل
أومن باللَّه مخلصا.
وكان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تعالى عنه: عمر بن عبد العزيز
رضى اللَّه عنه: عمر بن عبد العزيز يؤمن باللَّه. وقيل:
لكل عمل ثواب. وقيل: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. وقيل: اغز غزوة
تجادل عنك يوم القيامة.
وقيل: الوفاء عزيز.
وكان نقش خاتم يزيد بن عبد الملك: قنى الحساب. وقيل: السيئات يا عزيز.
وقيل: باللَّه استعنت، وكان لأخيه خاتم نقشه: الحكم للحكم الحكيم.
وكان خاتم الوليد بن يزيد: بالعزيز يثق الوليد. وقيل: يا وليد إنك ميت.
ونقش خاتم يزيد بن الوليد بن عبد الملك: يا يزيد قم بالحق تصبه ولأخيه
إبراهيم بن الوليد:
توكلت على الحي. وعلى خاتم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بنى
أمية في الشام:
اذكر الموت يا غافل.
وكان نقش خاتم السفاح عبد اللَّه بن محمد بن على بن عبد اللَّه بن عباس بن
عبد المطلب: اللَّه ثقة عبد اللَّه وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المنصور-
واسمه عبد اللَّه أيضا-: اللَّه ثقة عبد اللَّه وبه يؤمن، وقيل: الحمد
للَّه. ونقش خاتم ابنه المهدي: حسبي اللَّه. وقيل: رضيت باللَّه ربا وقيل:
اللَّه ثقة محمد بن عبد اللَّه. ونقش خاتم ابنه موسى الهادي: اللَّه ربى.
وقيل: باللَّه أثق. وقيل: اللَّه ثقة موسى.
وكان خاتم أخيه الرشيد: هارون كن من اللَّه على حذر. ونقش خاتم ابنه
الأمين: لكل عمل ثواب.
وقيل: حسبي القادر. ونقش خاتم أخيه المأمون: سل اللَّه يعطك. ونقش خاتم
أخيه المعتصم: اللَّه ثقة
(7/42)
__________
[ () ] محمد بن الرشيد وبه يؤمن. ونقش خاتم أخيه المتوكل: على إلهي اكالى.
وقيل: على اللَّه توكلت.
ونقش خاتم ابنه المنتصر: يؤتى الحذر من مأمنه. وقيل: أنا من آل محمد، وقيل:
اللَّه ولىّ محمد.
وقيل: محمد باللَّه ينتصر.
وعلى خاتم المستعين أحمد بن المعتصم: في الاعتبار غنى عن الاختبار، وقيل:
أحمد بن محمد.
وعلى خاتم المعتز بن المتوكل: الحمد للَّه رب كل شيء وخالق كل شيء، وقيل:
المعتز باللَّه، وقيل:
رضيت باللَّه.
وعلى خاتم المهتدي بن الواثق رحمه اللَّه: من تعدّى الحق ضاق مذهبه.
وعلى خاتم أحمد بن المتوكل: السعيد من وعظ بغيره، وقيل: اعتمادي على
اللَّه.
وعلى خاتم المعتضد أحمد بن الموفق بن المتوكل: أحمد استكفى ربه. وقيل:
الاضطرار يزيل الاختيار.
وعلى خاتم ابنه المكتفي على: باللَّه على بن أحمد يثق، وقيل: على يتوكل على
ربه. وقيل:
المكتفي آمن.
وعلى خاتم أخيه المقتدر جعفر: الحمد للَّه الّذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل
شيء. وقيل: اللَّه ولى المؤمنين، وقيل: المقتدر باللَّه.
وعلى خاتم أخيه القاهر: محمد رسول اللَّه.
وعلى خاتم الراضي بن المقتدر وأخيه المتقى: المتقى للَّه.
وروى الخطيب في تاريخه أن المعتز. والمتوكل كل منهما كان له خاتمان، نقش
أحدهما: محمد رسول اللَّه، والآخر عليه اسمه.
وعلى خاتم المستكفي بن المكتفي: على بن أحمد المستكفي باللَّه.
وعلى خاتم المطيع بن المقتدر: المطيع للَّه، وعلى خاتم له آخر: لا إله إلا
اللَّه محمد رسول اللَّه. وعلى خاتم ابنه الطائع والقادر أحمد بن إسحاق بن
المقتدر: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. وقيل: حسبنا اللَّه ونعم
الوكيل.
قال ابن النجار في (تاريخ بغداد) : بلغني أن نقش خاتم الخليفة الظاهر لأمر
اللَّه محمد بن الناصر:
راقب العواقب.
قال ابن رجب: فهذا ما انتهى إلينا الآن من ذكر نقوش خواتم الخلفاء. وأما
خواتم غيرهم من الصحابة والتابعين والأئمة، فقد روى أن الزبير كان نقش
خاتمه: ثقتي بالرحمن. ونقش خاتم أويس القرني: كن على حذر من اللَّه.
(7/43)
__________
[ () ] وعلى خاتم الحسن البصري: لا إله إلا اللَّه الملك الحق المبين، وعلى
خاتم النخعي: نحن باللَّه وله. وعلى خاتم الشعبي: اللَّه ولى الخلق، وعلى
خاتم طاووس: أعبد اللَّه مخلصا. وعلى خاتم الزهري: محمد يسأل العافية. رواه
أبو نعيم في (الحلية) . وعلى خاتم هشام بن عروة: رب زدني علما. وعلى خاتم
مالك بن أنس: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. وعلى خاتم الشافعيّ: باللَّه ثقة
محمد بن إدريس. وعلى خاتم الربيع بن سليمان: اللَّه ثقة الربيع بن سليمان.
وكان خاتم نقش خاتم أبى مسهر: أبرمت فقم، فإذا استثقل أحدا ختم به طينة ثم
رماها إليه فيقرأها.
وروى أبو نعيم في (الحلية) من طريق ابن عائشة [بنت طلحة] عن أبيه قال: بلغ
عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه عنه أن ابنا له اشترى فصا بألف درهم، فكتب
إليه عمر: عزيمة منى عليك لما بعت الفص الّذي اشتريت بألف درهم، وتصدقت
بثمنه، واشتريت فصا بدرهم، ونقشت عليه: رحم اللَّه امرأ عرف قدره.
وعن الأوزاعيّ قال: نقش رجل على خاتم: عمر بن عبد العزيز، فحبسه خمس عشرة
ليلة، ثم خلى سبيله.
ونقش بعض العارفين على خاتمه: ولعل طرفك لا يدور وأنت تجمع للدهور.
ونقش بعضهم على خاتمه: وإن امرأ دنياه أكبر همه استمسك منها بحبل غرور.
وكان خاتم أبى عبيدة بن الجراح: الخمس للَّه. وأخرج الطحاوي في (شرح معاني
الآثار) 4/ 264، قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا شعبة عن قتادة قال: كان
نقش خاتم أبى عبيدة بن الجراح:
الحمد للَّه. (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 110- 144 باختصار.
هذا، ويتعلق بالخاتم مسائل كثيرة، يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه،
ذكر ما تيسّر منها على ترتيب أبواب الفقه ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام
الخواتم وما يتعلق بها) ، وهي:
1- دخول الخلاء بخاتم عليه ذكر اللَّه.
2- مس المحدث لخاتم نقش عليه القرآن.
3- تحريك المتوضئ أو المغتسل للخاتم.
4- من استنجى وفي يده خاتم.
5- الصلاة في الخاتم المحرم.
6- عدد الآي والركعات في الصلاة بالخاتم.
7- نزع الخاتم من يد الميت.
8- الزكاة فيما يلبس الرجل من خاتم الفضة.
9- رمى الجمرة بفصّ من حجر.
10- بيع الخواتيم.
11- شراء الخاتم بفضة.
12- السلم في الخواتيم.
13- استصناع الخواتيم.
14- الأرش في الخواتيم.
(7/44)
وخرجه مسلم [وقال] : إن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، وقال
للناس: إني اتخذت خاتما من فضة [ (1) ] .
وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث محمد بن شهاب، أن أنس بن مالك
[رضى اللَّه عنه] ، أخبره أنه رأى في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اضطربوا الخواتم.
وقال البخاري: اصطنعوا الخواتم من ورق فلبسوها، فطرح النبي صلى اللَّه عليه
وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم.
قلت: هكذا في رواية ابن شهاب، اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه، فنبذ الناس
خواتيمهم. قال ابن عبد البر: وهذا غلط عند أهل العلم، والمعروف أنه إنما
نبذ خاتما من ذهب لا من ورق [ (4) ] .
وحديث ابن شهاب هذا، رواه عنه إبراهيم بن سعد، ويونس بن يزيد،
__________
[ () ] 15- استئجار الخواتيم.
16- وقف الحلىّ.
17- من أتلف خاتما لغيره.
18- الشفعة في الخواتيم.
19- وديعة الخواتيم.
20- اللقطة في الخواتيم.
21- سرقة الخواتيم.
22- الهبة في الخواتيم.
وبسط القول في شرح هذه الفصول في (المرجع السابق) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 312، كتاب اللباس والزينة، باب (12) ،
لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق نقشه: محمد رسول اللَّه، ولبس
الخلفاء له من بعده، حديث رقم (2092) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 391، كتاب اللباس، باب (47) بدون ترجمة، حديث
رقم (5868) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 314، كتاب اللباس والزينة، باب (14) في
طرح الخواتم، حديث رقم (2093) .
[ (4) ] انظر كتاب اللباس من (صحيح البخاري) ، باب (45) خواتيم الذهب،
وكتاب اللباس والزينة من (صحيح مسلم) ، باب (11) تحريم خاتم الذهب على
الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام.
(7/45)
وموسى بن عقبة، وعبد اللَّه بن أبى عتيق.
والمحفوظ في هذا الباب عن أنس، غير ما قال ابن شهاب، كما تقدم ذكره من
رواية جماعة من أصحابه عنه، وتأوّله بعضهم فقال: طرح الناس خواتيمهم يعنى
من الذهب [ (1) ] .
[وذكر ابن سعد عن مغيرة، عن فرقد عن إبراهيم قال: كان خاتم رسول اللَّه
[صلى اللَّه عليه وسلم] من حديد ملوى عليه فضة [ (2) ] ، وعن محمد بن راشد
عن مكحول، أن خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان من حديد ملوى عليه
فضة غير أن فصه بادى] [ (3) ] .
[أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسحاق عن سعيد، أن خالد بن سعيد، أتى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يده خاتم له، فقال رسول اللَّه [صلى
اللَّه عليه وسلم] : ما هذا الخاتم؟ فقال: خاتم اتخذته، فقال: اطرحه إليّ،
فطرحه، فإذا خاتم من حديث ملوى عليه فضة، فقال: ما نقشه؟ فقال: محمد رسول
اللَّه، قال:
فأخذه رسول اللَّه فلبسه، فهو الّذي كان في يده] [ (4) ] .
[أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكيّ، أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي
عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص- حين قدم من الحبشة- على رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟
قال: هذه حلقة يا رسول اللَّه، [قال: فما نقشها؟ قال: محمد رسول اللَّه] [
(5) ] ، قال: فأخذه رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] فتختمه،
فكان [في يده] [ (6) ] حتى
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 473، ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم الملوي عليه فضة.
[ (3) ] (المرجع السابق) : 473- 474، وقال: «غير أن فصه باد» .
[ (4) ] (المرجع السابق) : 474.
[ (5) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (6) ] في (خ) ، «بيده» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
(7/46)
قبض، ثم في يد عمر حتى قبض، ثم [لبسه] [
(1) ] عثمان، فبينا هو يحفر بئرا لأهل المدينة، يقال له بئر أريس، [فبينا]
[ (2) ] هو جالس على شفتها يأمر بحفرها، سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان
يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله، فالتمسوه فلم يقدروا عليه] [ (3) ] .
[أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد اللَّه بن وهب، عن أسامة بن زيد، أن محمد
بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، حدثه أن معاذ بن جبل لما قدم من اليمن حين
بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليها، قدم وفي يده خاتم من ورق،
نقشه: محمد رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا
الخاتم؟ قال: يا رسول اللَّه، إني كنت أكتب إلى الناس، فأفرق أن يزاد فيها
وينقص منها، فاتخذت خاتما أختم به، قال: وما هو؟ قال: محمد رسول اللَّه،
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: آمن كل شيء من معاذ بن جبل حتى
خاتمه! ثم أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتختمه] [ (4) ] .
[وقال الصّولى: سقط خاتم رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] من يد أنصارىّ
كان دفعه إليه عثمان [رضى اللَّه عنه] ليطبع به الكتب عنه، وكان فصّه منه،
فجعل عثمان [رضى اللَّه عنه] فيمن يخرجه مالا عظيما، فلم يقدر عليه، فلما
يئس منه عمل له مثله، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه] .
__________
[ (1) ] في (خ) ، «ثم كان في يد» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (2) ] في (خ) ، «فبينما» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 474.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 476.
(7/47)
وأما فصّ خاتمه صلى اللَّه عليه وسلم
فخرّج البخاري من حديث حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن نبي اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم كان خاتمه من فضة، وكان فصّه منه [ (1) ] . وخرّجه أبو
داود ولفظه: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فضة كله، فصّه منه [
(2) ] .
ولمسلم من حديث يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس ابن مالك رضى
اللَّه عنه قال: كان خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ورق، وكان
فصّه حبشيا [ (3) ] .
وخرّجه أبو داود وليس إسناده بالقوى. قال ابن عبد البر:
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 10/ 395، كتاب اللباس، باب (48) فصّ الخاتم، حديث
رقم (5870) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 4/ 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء في اتخاذ
الخاتم، حديث رقم (4217) ، وأخرجه الترمذي في السنن في كتاب اللباس، باب ما
يستحب من فص الخاتم، حديث رقم (1740) ، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه،
وأخرجه أيضا في (الشمائل) : 89، حديث رقم (90) وأخرجه النسائي في كتاب
الزينة، باب صفة خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (5295) ،
وأخرجه ابن رجب الحنبلي في (أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 58 مطولا، وأبو
الشيخ في (أخلاق النبي) : 130، والإمام أحمد في (المسند) : 4/ 167، حديث
رقم (13391) ، وابن سعد في (الطبقات) : 1/ 472.
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 315، كتاب اللباس والزينة، باب (15) في
خاتم الورق فصه حبشىّ، حديث رقم (2094) .
قوله: «وكان فصه حبشيا» قال العلماء: يعنى حجرا حبشيا، أي فصا من جزع أو
عقيق، فإن معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل: لونه حبشىّ أي أسود، وجاء في صحيح
البخاري من رواية حميد عن أنس أيضا: «فصه منه» . قال ابن عبد البر: هذا
أصح، وقال غيره: كلاهما صحيح، وكان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في
وقت: خاتم فصه منه، وفي وقت: خاتم فصه حبشىّ، وفي حديث آخر: فصه من عقيق.
(المرجع السابق) : 316.
(7/48)
فإنه من رواية إسماعيل بن أبى أويس عن
يونس، وفي رواية الثقات: فصّه منه [ (1) ] .
وفي لفظ مسلم من رواية طلحة بن يحى [وهو الزرقانى ثم الزرقيّ] [ (2) ] ، عن
يونس، [عن ابن شهاب عن أنس بن مالك] [ (2) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فصّ حبشي، كان يجعل فصّه مما يلي
كفّه [ (3) ] . قال أبو الحسن الدار قطنى: هذا حديث محفوظ عن يونس، حدّث به
الليث، وابن وهب، وعثمان بن عمرو، وغيرهم عنه، لم يذكروا: في يمينه. والليث
وابن وهب أحفظ من سليمان ومن طلحة بن يحى، ومع ذلك فالراوى عن سليمان
إسماعيل بن أويس، وهو ضعيف لا يحتج بروايته إذا انفرد عن سليمان ولا عن
غيره.
وأما طلحة بن فسيح، والليث وابن [وهب] ثقتان متقنان صاحبا كتاب، فلا يقبل
زيادة ابن أبى أويس عن سليمان، إذا انفرد بها، وقد رواه
__________
[ (1) ] وأخرجه أبو داود في (السنن) : 4/ 424، كتاب الخاتم، باب (1) ما جاء
في اتخاذ الخاتم، حديث رقم (4216) ، والترمذي في (السنن) : 4/ 199، كتاب
اللباس، باب (14) ، ما جاء في خاتم الفضة، حديث رقم (1739) ، وقال: هذا
حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجه في (الشمائل) : 88، باب (12) ، ما
جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (88) ،
والنسائي في (السنن) : 8/ 578، كتاب الزينة باب (78) صفحة خاتم النبي صلى
اللَّه عليه وسلم ونقشه، حديث رقم (5292) ، (5294) ، وابن ماجة في (السنن)
: 2/ 1201، كتاب اللباس، باب (39) نقشى الخاتم، حديث رقم (3641) ، وباب
(41) من جعل فصّ خاتمه مما يلي كفه، حديث رقم (3646) ، كلهم من طريق يونس
بن يزيد عن الزهري.
وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 472، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي) : 129،
وأحمد في (المسند) : 4/ 72، حديث رقم (12771) ، 4/ 100، حديث رقم (12945) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 315، كتاب اللباس والزينة باب (15) في
خاتم الورق فصّه حبشىّ، حديث رقم (62) .
(7/49)
جماعة عن الزهري حفاظا، لم يقل منهم أحد:
في يمينه، منهم: عقيل، وشعيب، وابن مسافر، وإبراهيم بن سعد، وموسى بن عقبة،
وابن أبى عتيق، وابن أخى الزهراء. انتهى.
وذهب بعضهم إلى أنه كان له عليه السلام في وقت خاتم فصّه منه، وفي وقت خاتم
فصه حبشىّ. وفي حديث آخر: فصّه من عقيق [ (1) ] .
وصحح قوم حديث ابن أبى أويس في التختم في يمينه، بأنه احتج به البخاري
ومسلم ومعه جماعة، ووافقه طلحة وسليمان عليها [وكون الأكثرين لم يذكروها لا
يمنع صحتها] [ (2) ] . فلم ينفرد ابن أويس بروايتها، وزيادة الثقة مقبولة.
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : 316.
[ (2) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
(7/50)
وأما سبب اتخاذ
الخاتم
فقد خرّج البخاري ومسلم من حديث شعبه عن قتادة، عن أنس قال:
لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا
يقرءون كتابا إلا أن يكون مختوما، قال: فاتخذ خاتما من فضة، كأنى انظر إلى
بياضه في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونقش فيه: محمد رسول اللَّه،
ولفظ مسلم: نقشه: محمد رسول اللَّه. ذكره البخاري في كتاب الأحكام، في باب:
الشهادة على الخط [ (1) ] ، وفي اللباس [ (2) ] وفي الجهاد، في باب: دعوة
اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه [ (3) ] . ولفظه في اللباس: إنهم لن
يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما [ (4) ] ، وذكره في كتاب العلم، في باب: ما
يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم إلى البلدان، ولفظه: كتب النبي صلى
اللَّه عليه وسلم كتابا، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا
إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة،
__________
[ (1) ] (فتح الباري) 13/ 175، كتاب الأحكام، باب (15) الشهادة على الخط
المختوم، وما يجوز من ذلك، وما يضيق عليه، وكتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي
إلى القاضي، حديث رقم (7162) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) نقش الخاتم حديث
رقم (5872) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : 6/ 134، كتاب الجهاد والسير، باب (101) ، دعوة
اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي صلى اللَّه عليه
وسلم إلى كسرى وقيصر، والدعوة قيل القتال، حديث رقم (2938) ، وقد ثبت كما
قال الحافظ في (الفتح) [كتاب المغازي] : أن المبعوث به كان عبد اللَّه بن
حذافة السهمي. وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة
تقوم مقام النطق. وفيه إرشاد.
المسلم إلى الكافر، وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل، ولهذا مزّق
كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول. (المرجع السابق) تعليقا على الحديث رقم
(2939) بشأن كتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى كسرى.
[ (4) ] (المرجع السابق) : 10/ 398، كتاب اللباس، باب (52) ، اتخاذ الخاتم
ليختم به الشيء، أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم، حديث رقم (5875) .
(7/51)
نقشه: محمد رسول اللَّه، كأنى انظر إلى
بياضه في يده [ (1) ] .
ولمسلم من حديث هشام عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان
إذا أراد أن يكتب إلى العجم فقيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتابا عليه
خاتم، فاصطنع خاتما من فضة، قال: كأنى انظر إلى بياضه في يده [ (2) ] .
ومن حديث خالد بن قيس عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل: إنهم لا
يقبلون كتابا إلا بخاتم، فصاغ [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ]
خاتما حلقة فضة، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] المرجع السابق) : 1/ 206، كتاب العلم، باب (7) ما يذكر في
المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، حديث رقم (65) ، ويعرف من
هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل
بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما ليحصل الأمن من توهم تغييره، لكن قد
يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا. (المرجع السابق) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 313- 314، كتاب اللباس والزينة، باب (13)
في اتخاذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما لما أراد أن يكتب إلى العجم،
حديث رقم (57) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (صحيح مسلم) .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 14/ 134، باب (13) ، حديث رقم (58) .
قوله: «نقشه محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» ، فيه جواز نقش
الخاتم، ونقش اسم صاحب الخاتم، وجواز نقش اسم اللَّه تعالى. هذا مذهبنا،
ومذهب سعيد بن المسيب، ومالك، والجمهور.
وعن ابن سيرين وبعضهم: كراهة نقش اسم اللَّه تعالى، وهذا ضعيف قال العلماء:
وله أن ينقش عليه اسم نفسه، أو ينقش عليه كلمة حكمة، وأن ينقش ذلك مع ذكر
اللَّه تعالى.
قوله: «لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا» ، سبب النهى أنه صلى اللَّه عليه
وسلم إنما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه إلى ملوك العجم وغيرهم، فلو
نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل.
قوله: «وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه» ، قال العلماء: لم يأمر
النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك بشيء، فيجوز جعل فصه في باطن كفه وفي
ظاهرها، وقد عمل السلف بالوجهين.
وممن اتخذه في ظاهرها ابن عباس رضى اللَّه عنه، قالوا: ولكن الباطن أفضل،
اقتداء به صلى اللَّه عليه وسلم، ولأنه أصون لفصه، وأسلم له، وأبعد من
الزهو والإعجاب. (المرجع السابق) .
(7/52)
وذكر البخاري في باب: نقش الخاتم من حديث
سعيد عن قتادة، عن أنس [بن مالك رضى اللَّه عنه] [ (1) ] ، أن نبي اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم، أراد أن يكتب إلى رهط- أو ناس- من الأعاجم فقيل له:
إنهم لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم، فاتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم
خاتما من فضة، نقشه: محمد رسول اللَّه، فكأني بوبيص [ (2) ]- أو ببصيص-
الخاتم في إصبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم أو في كفه [ (3) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من البخاري.
[ (2) ] في (خ) ، (ج) : «فكأنني بوميض» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (3) ] (فتح الباري) : 10/ 397، كتاب اللباس، باب (50) ، نقشى الخاتم،
حديث رقم (5872) .
(7/53)
وأما إصبع الخاتم
التي يتختم فيها
فإن مسلم بن حجاج رحمه اللَّه، خرّج من حديث ثابت عن أنس، وأمّا عبد اللَّه
محمد بن إسماعيل البخاري رحمه اللَّه، خرّج من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن
أنس [رضى اللَّه عنه] قال:
اصطنع النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما فقال: إنا اتخذنا خاتما، ونقشنا
فيه نقشا، فلا ينقش [عليه أحد] [ (1) ] ،
قال: فإنّي لأرى بريقه في خنصره. ترجم عليه البخاري في باب: الخاتم في
الخنصر [ (2) ] .
وخرّج أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، من حديث حماد بن سلمة قال: رأيت ابن
أبى رافع [ (3) ] يتختم في يمينه، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت عبد اللَّه بن
جعفر يتختم في يمينه، وقال عبد اللَّه بن جعفر:
كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه. قال أبو عيسى: قال محمد بن
إسماعيل- يعنى البخاري- هذا أصح شيء روى في هذا الباب [ (4) ] .
__________
[ (1) ] في (خ) ، (ج) : «أحد عليه» ، وما أثبتناه من البخاري.
[ (2) ] (فتح الباري) : 10/ 398، كتاب اللباس، باب (51) ، الخاتم في
الخنصر، حديث رقم (5874) ، (مسلم بشرح النووي) : 14/ 316، كتاب اللباس
والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد، حديث رقم (2095) .
[ (3) ] هو عبيد اللَّه بن أبى رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم. (سنن الترمذي) .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 4/ 200- 201، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس
الخاتم في اليمين، حديث رقم (1744) .
وأخرجه الترمذي أيضا في (الشمائل المحمدية) : 92، باب (13) ما جاء في أن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه، حديث رقم (98) .
قوله: «رأيت ابن أبى رافع» ، هو عبد الرحمن بن أبى رافع، ويقال فلان بن أبى
رافع، روى عن
(7/54)
وخرّجه النّسائى عن حماد عن ابن أبى رافع،
عن عبد اللَّه بن جعفر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه
[ (1) ] .
والترمذي من حديث جوير، عن محمد بن إسحاق، عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل
قال: رأيت ابن عباس يتختم في يمينه، ولا إخاله إلا قال:
رأيت اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه قال أبو عيسى: قال محمد
بن إسماعيل:
حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن صحيح [ (2) ]
.
ولأبى داود من حديث عبد العزيز بن أبى روّاد عن نافع عن ابن عمر، أن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه ويساره، وكان فصه في باطن كفه [
(3) ] .
__________
[ () ] عبد اللَّه بن جعفر، وعن عمه عن أبى رافع وعن عمته سلمى. عن أبى
رافع، وعنه حماد بن سلمة، قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح، له عند
الترمذي في التختم في اليمين، وآخر حديث في دعاء الكرب، كذا في (تهذيب
التهذيب) ، (تحفة الأحوذي) : 5/ 345، أبواب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس
الخاتم في اليمين، شرح الحديث رقم (1798) .
[ (1) ] (سنن النسائي) : 8/ 579، كتاب الزينة، باب (79) ، موضع الخاتم،
حديث رقم (5298) ، لكنه من حديث عباد بن العوام، عن سعيد، عن قتادة عن أنس،
خلافا لما ذكره المقريزي في الأصلين:
(خ) ، (ج) ، أنه عن حماد عن ابن أبى رافع عن عبد اللَّه بن جعفر.
[ (2) ] (تحفة الأحوذي) : 5/ 344، أبواب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس
الخاتم في اليمين، حديث رقم (1796) . قوله: «ولا إخاله» ، بكسر الهمزة، قال
في (القاموس) : خال الشيء يخال خيلا وخيلة، ويكسران، وخالا وخيلالا محرّكة،
ومخيلة، ومخالة، وخيلولة: ظنه، وتقول في مستقبله:
إخال، بكسر الألف وتفتح في لغة.
قوله: «قال محمد بن إسماعيل» يعنى الإمام البخاري رحمه اللَّه، وقوله:
«حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن صحيح» ، وفي
بعض النسخ: حسن فقط، وليس فيه: صحيح. (تحفة الأحوذي) : 5/ 344.
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 4/ 131، كتاب الخاتم، باب (5) ما جاء في التختم
في اليمين أو اليسار، حديث رقم (4227) ، قال أبو داود: قال ابن إسحاق:
وأسامة- يعنى ابن زيد- عن نافع بإسناده في يمينه، (مسلم بشرح النووي) : 14/
316، كتاب اللباس والزينة، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد، حديث
رقم (2095) .
(7/55)
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: ووجه
الجمع من هذه الروايات، أنه صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتم الذهب في يمينه
ثم نبذه، واتخذ خاتم الورق ولبسه في يساره [ (1) ] .
وذكر من طريق الشيخ ابن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، عن أبيه عن جده
إلى سعيد، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يساره [
(1) ] .
وذكر الحافظ أبو الفرج بن الجوزي، من طريق محمد بن عباد قال:
حدثنا عبد اللَّه بن ميمون، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه.
قال: محمد بن عباد ضعيف، وابن ميمون ليس بشيء، قال البخاري: هو ذاهب
الحديث. واليسار أصحّ [ (2) ] .
وذكر من طريق خالد بن يحى قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: كأني انظر
إلى وميض خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في يده اليسرى وهو يخطبنا
[ (3) ] .
ومن طريق ابن حيّان، من حديث سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعلى، الحسن،
والحسين كلهم يتختمون في اليسار [ (4) ] .
__________
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] (العلل المتناهية) : 2/ 694، حديث في التختم في اليمين، حديث رقم
(1185) .
[ (3) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 144، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب
(39) ، وقت العشاء وتأخيرها، حديث رقم (640) ، لكن من طريق آخر عن أنس
باختلاف في اللفظ، (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 168.
[ (4) ] (أخلاق النبي) : 127، (مسند أحمد) : 4/ 170، حديث رقم (13407) ،
(سنن أبى داود) :
4/ 431، باب (5) ما جاء في التخم في اليمين أو اليسار، حديث رقم (4227) ،
(4228) ، و (سنن الترمذي) : 4/ 200، كتاب اللباس، باب (16) ما جاء في لبس
الخاتم في اليمين، حديث رقم (1743) .
(7/56)
ولابن عدي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه
ثم حوّله في يساره [ (1) ] .
وخرّج ابن مندة من حديث ابن الجارود قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد اللَّه،
حدثنا محمد بن عبد اللَّه الخزاعي، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن أبى
قتيلة بن مرة الحضرميّ، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حوّل خاتمه في يمينه، فكان يدعه
اليوم واليومين والثلاثة بيساره، فلذلك كان يقال: يتختم بيمينه [ (2) ] .
[ولابن حبان من حديث همام بن يحى، عن ابن جريج، عن الزهري عن أنس بن مالك
[رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل
الخلاء
__________
[ (1) ] قال العلّامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي: اعلم أنه قد
ثبتت الأحاديث في التختم في اليمين واليسار، فاختلف العلماء في وجه الجمع،
فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك
أشار أبو داود بترجمة بابه [ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار] ثم
إيراده الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح.
وجمع بعضهم بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لبس الخاتم أولا في يمينه، ثم حوله
في يساره، واستدل بما أخرجه أبو الشيخ، وابن عدي، عن ابن عمر: أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم تختم في يمينه، ثم إنه حوله في يساره.
قال الحافظ: لو صحّ هذا لكان قاطعا للنزاع، ولكن سنده ضعيف وجمع البيهقي
بأن الّذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، والّذي لبسه في يساره هو خاتم
الفضة.
قال النووي: أجمعوا على جواز التختم في اليمين واليسار، واختلفوا في أيتهما
أفضل. واستحب مالك اليسار وكره اليمين. قال: والصحيح في مذهبنا أن اليمين
أفضل. (عون المعبود) : 6/ 193.
[ (2) ]
وأخرج أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزي من رواية عمرو بن خالد
الواسطىّ، عن زيد بن على عن أبيه عن جده، عن على بن أبى طالب، أن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حول خاتمه، فإذا توضأ حوله
في يساره.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال يحى: عمرو كذاب لا يساوى شيئا. وقال
ابن راهويه: بضع الحديث. (العلل المتناهية) : 1/ 328، حديث رقم (537) ،
وذكره المتقى في (كنز العمال) : 9/ 515، حديث رقم (27222) ، وعزاه إلى ابن
الجوزي في (العلل الواهية) .
(7/57)
وضع خاتمه] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الإحسان) : 4/ 260، كتاب الطهارة، باب (21) الاستطابة، ذكر الخبر
الدال على نفى إجازة دخول المرء الخلاء بشيء فيه ذكر اللَّه تعالى، حديث
رقم (1413) ، وقال في هامشه: إسناده ضعيف، رجاله رجال الشيخين، إلا أن ابن
جريج قد عنعن وهو مدلس. هدبة: بضم أوله وسكون الدال بعدها موحدة، ويقال له:
هدّاب بالتثقيل وفتح أوله أ. هـ.
والحديث أخرجه كل من:.
الحاكم في (المستدرك) : 1/ 298- 299، كتاب الطهارة، حديث رقم (670) ، قال
الحافظ الذهبي في (التلخيص) : تابعه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج، ولم
يتوقف، وزاد: «ونقشه محمد رسول اللَّه» على شرطهما، وحديث رقم (671) وقال
في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إنما خرجا حديث نقش
الخاتم فقط.
والبيهقي في (السنن الكبرى) : 1/ 94- 95، كتاب الطهارة، باب وضع الخاتم عند
دخول الخلاء، لفظ حديث حجاج، وفي حديث هدية بن خالد قال: ولا أعلمه إلا عن
الزهري عن أنس.
قال ابن التركماني- وقد ذكر عدالة رواة هذا الحديث-: فتبين بذلك أن الحديث
ليس له علة، وإن الأمر فيه كما ذكر الترمذي من الحسن والصحة. (الجوهر
النقي) : 1/ 95 بهامش السنن الكبرى.
وأبو داود في (السنن) : 1/ 25، كتاب الطهارة، باب (9) في الرجل يذكر اللَّه
تعالى على غير طهر، حديث رقم (19) .
والترمذي في (السنن) 4/ 201، كتاب اللباس، باب (16) في لبس الخاتم في
اليمين، حديث رقم (1746) ، وقال هذا حديث حسن غريب.
والترمذي في (الشمائل) : 91، باب ما جاء في ذكر خاتم رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (94) .
والنسائي في (السنن) : 8/ 559، كتاب الزينة، باب (53) نزع الخاتم عند دخول
الخلاء، حديث رقم (5228) .
وابن ماجة في (السنن) : 1/ 110، كتاب الطهارة وسننها، باب (11) ، ذكر
اللَّه عز وجل على الخلاء والخاتم في الخلاء، حديث رقم (303) .
وقال ابن رجب الحنبلي في (كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : ويتعلق
بالخاتم مسائل كثيرة، يذكرها الفقهاء متفرقة في أبواب الفقه ... ، فمن ذلك
أن الخاتم إذا كان عليه ذكر اللَّه تعالى فهل يكره استصحابه في الخلاء لغير
عذر أم لا؟.
ذكر طائفة من الأصحاب في روايتين عن أحمد، إحداهما: يكره، وهي المشهورة عند
الأصحاب المتأخرين، ونصّ عليها أحمد في رواية إسحاق بن هانئ في الدرهم إذا
كان فيه اسم اللَّه، أو مكتوبا
(7/58)
__________
[ () ] عليه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فيكره أن يدخل اسم اللَّه عزّ وجلّ،
وهذا يقتضي كراهة كل ما فيه اسم اللَّه من خاتم وغيره، وهو قول طائفة من
السلف، كمجاهد والقاسم بن محمد، ومحمد بن عبد الرحمن بن يزيد، والشعبي،
وأبى حنيفة.
وروينا عن همام، عن ابن جريج عن الزهري، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، أخرجه أبو داود، وابن ماجة،
والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم، وقال: صحيح على شرط
الشيخين.
وله علة قد ذكرها حذاق الحفاظ، كأبى داود، والنسائي، والدار قطنى، وهي أن
هماما تفرد به عن ابن جريج، هكذا، ولم يتابعه غير يحيى بن المتوكل [أبو
عقيل المدني الحذاء، ضعّفوه، مات سنة 167 هـ] ، ويحيى بن الضريس [ثقة، مات
سنة 203 هـ] ، ورواه بقية الثقات، عبد اللَّه بن الحارث المخزومي [شيخ
الشافعيّ وأحمد، روى عنه أحمد وابن راهويه، ثقة] ، وحجاج [بن منهال البصري،
روى عنه البخاري، كان ثقة ورعا ذا سنّة وفضل، توفى سنة 217] ، وأبو عاصم،
وهشام بن سليمان المخزومي [صدوق] وموسى بن طارق [روى عنه أحمد، وكان قاضى
زبيد] عن ابن جريج عن زياد بن سعد [خراسانى نزل مكة، ثقة، ثبت في الزهري]
عن الزهري عن أنس، أنه رأى في يد النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب
... الحديث.
وهذا هو المحفوظ عن ابن جريج دون الأول. وقد جاء في رواية هدبة [صدوق، وقال
ابن عدي: لا أعرف له حديثا منكرا، توفى سنة 235 هـ] ، عن همام عن ابن جريج،
ولا أعلمه إلا عن الزهري، عن أنس، وهذه تشعر بعدم تيقّن.
فإن كانت من همام فقد قوى الظن بوهمه، وإن كانت من هدبة فلا تؤثر، لأن غيره
ضبطه عن همام، كما أن بعض الرواة عن همام عن أنس، ولم يضر ذلك لاتفاق سائر
الرواة عنه على الرفع.
وروى ابن عدي أن هماما إنما وهم في إدراج قوله: كان إذا دخل الخلاء وضعه،
فإن هذا من قول الزهري، وأما أول الحديث وهو أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
اتخذ خاتما ولبسه فهو مرفوع، وقد جاء هذا مبينا في رواية عمر بن شبة [ثقة،
مات 262 هـ] حدثنا حبان بن هلال [ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة 216 هـ]
حدثنا همام عن ابن جريج عن الزهري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
حيث لبس خاتمه كان إذا دخل الخلاء وضعه.
ووجه الحجة أنه إنما نزعه لأن نقشه كان: محمد رسول اللَّه، كما تقدم، وقد
جاء ذلك مفسرا في رواية البيهقي من حديث يحى بن المتوكل عن ابن جريج عن
الزهري عن أنس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول
اللَّه، وكان إذا دخل الخلاء وضعه.
وروى الحافظ أبو بكر الجوزقانى من حديث المنهال بن عمرو [وثقه ابن معين] عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل
الخلاء نزع خاتمه.
(7/59)
__________
[ () ] وقد أورد ابن أبى شيبة [مولاهم الكوفي الحافظ، ولد سنة 159 هـ، وكان
متقنا حافظا، توفى في المحرم سنة 235 هـ] في كتابه من طريق عكرمة وقال: كان
ابن عباس إذا دخل الخلاء ناولني خاتمه، وعن ابن عباس أنه قال: كان سليمان
بن داود عليهما السلام إذا دخل الخلاء نزع خاتمه فأعطاه امرأته.
والرواية الثانية: لا يكره، وهي اختيار أبى على بن أبى موسى والسامري وصاحب
المغنى، وبوّب الخلال في جامعه باب الخاتم فيه ذكر اللَّه عزّ وجلّ أو
الدرهم يدخل الخلاء وهو معه، ولم يذكر في الخاتم سوى هذه النصوص لأحمد.
وذكر في الدراهم ما رواه عنه صالح في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدرهم، قال:
أرجو أن لا يكون به بأس.
وهذا قول كثير من السلف، ابن الحسن، وابن سيرين، وابن المسيب، وعطاء،
وعكرمة، والنخعي، وهو مذهب مالك، وإسحاق، وابن المنذر [شيخ الحرم وصاحب
التصانيف الكثيرة 7 كان غاية في معرفة الاختلاف والدليل، مجتهدا لا يقلد
أحدا، مات بمكة سنة 318 هـ] ، لأن الأصل عدم الكراهة، وصيانته تحصل بإطباق
يده عليه وهو في باطن الكف، فلا يبقى مع ذلك محذور، ومتى كان في يساره
أداره إلى يمينه لأجل الاستنجاء.
وقد روى حديث عن على بن أبى طالب، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا
دخل الخلاء حوله في يمينه، فإذا توضأ حوله في يساره. وأورده الجوزقانى من
جهة عمرو بن خالد [ليس بثقة كذاب] ، وقال: هو حديث منكر، وعمرو كذاب.
وروى ابن عدي من حديث محمد بن عبيد اللَّه العرزميّ، عن نافع عن ابن عمر
قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في خنصره الأيمن، فإذا
دخل الخلاء جعل الكتابة مما تلى كفه. والعزرمي متروك.
(كتاب أحكام الخواتم وما يتعلق بها) : 170- 176.
وفي ختام هذا الفصل نذكر ما قاله الحافظ ابن حجر في (الفتح) في أسماء
الخاتم شعرا:
خذ نظم عدّ لغات الخاتم انتظمت ... ثمانيا ما حواها قبل نظام
خاتام خاتم ختم خاتم وختام ... خايتام وخيتوم وخيتام
وهمر مفتوح تاء تاسع وإذا ... ساغ القياس أتم العشر خاتام
(فتح الباري) : 10/ 388، كتاب اللباس، باب (45) خواتيم الذهب.
(7/60)
فضل ذكر جلسة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم واحتبائه
[الاحتباء: أن يقعد على أليته وينصب ساقيه، ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه،
ويقال لهذا الفعل: الحبو، بضم الحاء وكسرها، والاحتباء عادة للعرب في
مجالسهم] .
اعلم أنّ جلوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجامع إما كان مربعا،
أو محتبيا- وهو كان أكثر جلوسه- أو القرفصاء وشبهها من [جلسات] الوقار
والتواضع.
وقد خرّج أبو داود من حديث يونس بن عبيد، عن عبيدة أبى خداش، عن أبى تميمة
الهجيمي، عن جابر بن سليم قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو محتب
بشملة وقد وقع هدبها على قدميه [ (1) ] .
وخرجه النّسائى من حديث قرّة بن خالد، عن قرّة بن موسى الهجيمي قال: أتيت
النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو محتب ببردة، وإن هدبها لعلى قدميه قلت: يا
رسول اللَّه! أوصني، قال: عليك باتقاء اللَّه، ولا تحقرن من المعروف شيئا،
ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنّها هي المخيلة
وإن اللَّه لا يحبها. وذكر له [طرقا] ، وقد تقدم من رواية الإمام أحمد [
(2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 4/ 339، كتاب اللباس، باب (23) في الهدب، حديث
رقم (4075) . قوله:
«محتب» أراد أنه كان جالسا على هيئة الاحتباء، والشملة بالفتح، ما يشتمل به
من الأكسية، أي يلتحف به.
[ (2) ]
قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عثمان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا
يونس، حدثنا عبيدة الهجيمي، عن أبى تميمة الهجيمي، قال: أتيت رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم وهو محتب بشملة له، وقد وقع هدبها على قدميه، فقلت:
أيكم محمد أو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فأومأ بيده إلى نفسه،
فقلت: يا رسول اللَّه، إني من أهل البادية، وفىّ جفاؤهم فأوصنى، فقال: لا
تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى
(7/61)
وللترمذي من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن
أبى سعيد، عن أبيه عن جده أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] قال: [كان]
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس في المسجد [ (1) ] احتبى بيديه [
(2) ] .
ومن حديث قيلة بنت مخرمة [ (3) ] ، أنها رأت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم في المسجد،
__________
[ () ] أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى، وإن أمرؤ
شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإنه يكون لك أجره وعليك وزره،
وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من المخيلة، إن اللَّه عزّ وجلّ لا
يحب المخيلة، ولا تسبّنّ أحدا، فما سببت بعد أحدا، ولا شاة، ولا بعيرا.
(مسند أحمد) : 6/ 56، حديث رقم (20112) .
[ (1) ] في (خ) ، (ج) : «في المجلس» ، وما أثبتناه من (الشمائل) .
[ (2) ] (الشمائل المحمدية) : 116، حديث رقم (130) ، و (أخلاق النبي) :
247، (الكامل لابن عدي) : 3/ 174، من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد
الخدريّ، رقم (32/ 682) ، وقال فيه: «إذا جلس في مجلس» ، (سنن أبى داود) :
5/ 175، كتاب الأدب، باب (25) في جلوس الرجل، حديث رقم (4846) ، ونسبه
للمنذرى، قال أبو داود: عبد اللَّه بن إبراهيم شيخ منكر الحديث، (سنن
البيهقي) : 3/ 236، وقال: تفرد به عبد اللَّه بن إبراهيم الغفاريّ هذا، وهو
شيخ منكر الحديث، قاله أبو داود السجستاني وغيره، (سلسلة الأحاديث الصحيحة)
: 2/ 497- 499، حديث رقم (827) ، وقد ساق الألباني لهذا الحديث كثيرا من
الشواهد ثم قال: وبالجملة فالحديث صحيح، ولا يضر أن راويه متّهم، فقد يصدق
الكذوب. وأي دليل على صدقه هنا أكبر من هذه الشواهد، وقد أخرجه الإمام أحمد
في (المسند) : 5/ 18، حديث رجل من بنى سليط رضى اللَّه عنه رقم (16208) ،
قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا أبو عامر قال: حدثنا عباد- يعنى
ابن راشد- عن الحسن من بنى سليط: أنه مرّ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم، وهو قاعد على باب مسجده محتب، وعليه ثوب له قطر ليس عليه ثوب غيره،
وهو يقول: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ثم أشار بيده إلى صدره
يقول: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، (فتح الباري) : 11/ 76- 77، كتاب
الاستئذان، باب (34) الاحتباء باليد وهو القرفصاء، حديث رقم (6272) ، من
حديث محمد بن فليح- عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: رأيت
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا....
[ (3) ] هي قيلة بنت مخرمة التميمية، هاجرت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم
مع حريث بن حسان، وقيل: الحارث بن حسان، وكان وافد بكر بن وائل إلى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (تهذيب التهذيب) : 12/ 474، ترجمة رقم (2875)
.
(7/62)
وهو قاعد القرفصاء [ (1) ] ، قال: فلما
رأيت المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق [ (2) ] .
__________
[ (1) ] القرفصاء: جلسة المحتبي، وليس هو الّذي يحتبي بثوبه، ولكن الّذي
يحتبي بيديه.
[ (2) ] قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) ، فصل في هديه صلى اللَّه
عليه وسلم في جلوسه واتكائه: كان يجلس على الأرض، وعلى الحصير، والبساط،
وقالت قيلة بنت مخرمة: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو قاعد
القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كالمتخشع في
الجلسة، أرعدت من الفرق، ولما قدم عليه عدي بن حاتم، دعاه إلى منزله،
فألقيت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على
الأرض، قال عدىّ: فعرفت أنه ليس بملك. وكان يستلقي أحيانا وربما وضع إحدى
رجليه على الأخرى، وكان يتكىء على الوسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما
اتكأ على يمينه، وكان إذا احتاج في خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف
(زاد المعاد) : 1/ 170.
والحديث أخرجه الترمذي في (الشمائل المحمدية) : 155، باب (21) ما جاء في
جلسة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديث رقم (128) ، قوله: «القرفصاء»
: هي جلسة ولها هيئتان:
إحداهما: الاحتباء، وهي أن يجلس على مقعدته ناصبا رجليه، ويضم فخذيه إلى
بطنه، ولكن يحتبي بيديه، أي يجعلهما حول ساقيه، قابضهما ببعضهما.
والأخرى: أن يجلس على رجليه، ويجمع ركبتيه، ويضم بطنه إلى فخذيه واضعا يديه
تحت إبطيه، وهذه الأخيرة هي المقصودة هنا، لما فيها من هيئة الخشوع والسكون
والخضوع.
قوله: «المتخشع» : التخشع المبالغة في الخشوع.
قوله: «أرعدت من الفرق» : أرعدت أي أصبت. يرعدة وهي الاضطراب، والفرق: هو
الخوف والفزع مما علاها من المهابة (المرجع السابق) .
وللحديث شاهد عند أبى الشيخ في (أخلاق النبي) : 247، من طريق عبد اللَّه بن
منيب عن أبيه عن جده عن أبى أمامة الحارثي قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم إذا جلس جلس القرفصاء. وفي سنده ضعف. عبد اللَّه بن منيب هو ابن
عبد اللَّه بن أبى أمامة بن ثعلبة الحارثي وهو صدوق، وأبوه مقبول عند
المتابعة، وجده صدوق، وفي إسناده الفروى إسحاق بن محمد، وهو صدوق، لكن كف
بصره فساء حفظه. وجملة القول: أن الحديث حسن، واللَّه تعالى أعلم (المرجع
السابق) .
وأخرجه الترمذي أيضا في (السنن) : 5/ 111، كتاب الأدب، باب (50) ما جاء في
الثوب الأصفر، حديث رقم (2814) ، وقال أبو عيسى: حديث قيلة لا نعرفه إلا من
حديث عبد اللَّه بن حسان، وأخرجه أبو داود في (السنن) 5/ 176، كتاب الأدب،
باب (25) في جلوس الرجل، حديث رقم (4847) وقد تقدم طرف من هذا الحديث في
كتاب الخراج من (سنن الترمذي) ، وهو حديث طويل، وأخرجه البيهقي في (السنن
الكبرى) : 3/ 235، باب الاحتباء المباح في غير وقت الصلاة.
(7/63)
ومن حديث سفيان عن الزهري، عن عبادة بن
تميم، عن عمه، أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم مستلقيا في المسجد،
واضعا إحدى رجليه على الأخرى [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الشمائل المحمدية) : 116، حديث رقم (129) ، (سنن الترمذي) : 5/
88، كتاب الأدب، باب (19) ، ما جاء في وضع إحدى الرجلين على الأخرى
مستلقيا، حديث رقم (765) ، (فتح الباري) : 1/ 740- 741، كتاب الصلاة، باب
(85) الاستلقاء في المسجد ومد الرجل، حديث رقم (475) ، وعن ابن شهاب، عن
سعيد بن المسيب، قال كان عمر وعثمان يفعلان ذلك، (فتح الباري) : 10/ 488،
489، كتاب اللباس، باب (103) ، الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى، حديث رقم
(5969) ، (فتح الباري) : 11/ 95، كتاب الاستئذان، باب (44) الاستلقاء، حديث
رقم (6287) .
«الاستلقاء» هو الاضطجاع على القفا، سواء كان معه نوم أم لا، وقد تقدمت هذه
الترجمة وحديثها في آخر كتاب اللباس، قبيل كتاب الأدب، وتقدم بيان الحكم في
أبواب المساجد من كتاب الصلاة، وذكرت هناك قول من زعم أن النهى عن ذلك
منسوخ، وأن الجمع أولى، وأن محل النهى حيث تبدو العورة، والجواز حيث لا
تبدو، وهو جواب الخطابي ومن تبعه، ونقلت قول من ضعّف الحديث الوارد في ذلك،
وزعم أنه لم يخرج في الصحيح.
وأوردت عليه بأنه غفل عما في كتاب اللباس من الصحيح، والمراد بذلك صحيح
مسلم، وسبق القلم هناك فكتبت صحيح البخاري، وقد أصلحته في أصلى، ولحديث عبد
اللَّه بن زيد في الباب شاهد من حديث أبى هريرة، صححه ابن حبان (المرجع
السابق) .
(مسلم بشرح النووي) : 14/ 323، كتاب اللباس والزينة، باب (22) في إباحة
الاستلقاء، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، حديث رقم (2100) - قال الإمام
النووي: قال العلماء:
أحاديث النهى عن الاستلقاء رافعا إحدى رجليه على الأخرى محمولة على حالة
تظهر فيها العورة أو شيء منها، وأما فعله صلى اللَّه عليه وسلم فكان على
وجه لا يظهر منها شيء، وهذا لا بأس به ولا كراهة فيه على هذه الصفة.
وفي هذا الحديث جواز الاتكاء في المسجد والاستلقاء فيه. قال القاضي: لعله
صلى اللَّه عليه وسلم فعل هذا لضرورة أو حاجة من تعب، أو طلب راحة أو نحو
ذلك.
قال: وإلا فقد علم أن جلوسه صلى اللَّه عليه وسلم في المجامع على خلاف هذا،
بل كان يجلس مرتبعا، أو محتبيا، وهو كان أكثر جلوسه، أو القرفصاء، أو
مقعيا، وشبهها من جلسات الوقار، والتواضع.
قلت: ويحتمل أنه صلى اللَّه عليه وسلم فعله لبيان الجواز، وأنكم إذا أردتم
الاستلقاء فليكن هكذا، وأن النهى الّذي نهيتكم عن الاستلقاء ليس هو على
الإطلاق، بل المراد به من ينكشف شيء من عورته أو يقارب انكشافها، واللَّه
تعالى أعلم (مسلم بشرح النووي) : 14/ 322- 323.
(7/64)
|