إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

 [فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم]
[قال] الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب، عن أم عمارة قالت:
شهدت عمرة القضية مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكنت قد شهدت الحديبيّة، فكأني انظر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين انتهى إلى البيت وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمام راحلته، وقد صفّ له المسلمون حين دنا من الركن حتى انتهى إليه، فاستلم الركن بمحجنه مضطبعا [ (1) ] بثوبه على راحلته، والمسلمون يطوفون معه، وقد اضطبعوا بثيابهم، وعبد اللَّه بن رواحة يقول:
خلّوا بنى الكفار عن سبيله ... إني شهدت أنه رسوله
حقا وكل الخير في سبيله ... نحن [قتلناكم] [ (2) ] على تأويله
[كما ضربناكم على تنزيله] [ (3) ] ... ضربا يزيل الهام [ (4) ] عن [مقيله] [ (5) ]
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: يا ابن رواحة!
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
__________
[ (1) ] الاضطباع: هو أن يأخذ الإزار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويلقى طرفيه على كتفه الأيسر. (النهاية) .
[ (2) ] في (خ) : «حملناكم» .
[ (3) ] هذا الصدر من (المغازي) .
[ (4) ] الهام: جمع هامة، وهو الرأس.
[ (5) ] المقيل: مستعار من موضع القائلة، ويريد الأعناق.

(7/238)


يا عمر إني أسمع، فأسكت عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
وقال في فتح مكة: فلما انتهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة، فرآها ومعه المسلمون، تقدم على راحلته، فاستلم الركن. بمحجنه [و] [ (2) ] كبرّ، فكبّر المسلمون لتكبيره، فرجّعوا التكبير حتى ارتجّت مكة تكبيرا، حتى جعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت، [على راحلته آخذ] [ (2) ] بزمامها [محمد بن مسلمة] [ (2) ] وحول البيت ثلاثمائة صنم وستون صنما مرصّصة بالرّصاص، وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح،
فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كلما مرّ بصنم منهم يشير بقضيب في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (3) ] فيقع الصنم لوجهه [ (4) ] .
[قال: حدثني] ابن أبى سيرة، عن حسين بن عبد اللَّه عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: ما يزيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [على] أن يشير بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه، فطاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعا على راحلته يستلم الركن الأسود بمحجنه في كل طواف، فلما فرغ من سعيه نزل عن راحلته، وجاء معمر بن عبد اللَّه بن نضلة فأخرج راحلته [ (5) ] .
ولما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببعض الطريق مرجعه من تبوك، مكر به أناس من
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 735- 736.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (3) ] الإسراء: 81.
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 831- 832.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 2/ 832.

(7/239)


المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغ عليه السلام تلك العقبة، أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع،
فسلك الناس بطن الوادي، وسلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العقبة، وأمر عمّار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان [أن] يسوق من خلفه، فبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب صلى اللَّه عليه وسلم، وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم [وقد رأوا غضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظنّ القوم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فساق به،
فلما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من العقبة ونزل الناس فقال: يا حذيفة! هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثّمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل،
وكانوا قد أنفروا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنوّر لي في أصابعى الخمس [فأضاءت، حتى كفى لجمع] [ (2) ] ما سقط [من] السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان [لحق بالنبيّ] [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم في العقبة.
وروى أبو داود عن أم الحسين الأحسنية قالت: حججت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد وبلال، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (2) ] في (المغازي) : «فأضئن حتى كنا نجمع» .
[ (3) ] في (المغازي) : «لحق النبيّ» .

(7/240)


صلى اللَّه عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة [ (1) ] .
وذكر أبو عمر يوسف بن عبد البر أن الأسلع بن شريك الأعرجي التميمي خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان صاحب راحلته [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 2/ 416- 417، كتاب [مناسك الحج] ، باب (35) ، في المحرم يظلّل، حديث رقم (1834) ، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج، باب (51) استحباب رمى جمرة العقبة يوم النحر ركبا، وبيان
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «لتأخذوا مناسككم» ، حديث رقم (311) ، (312) بسياقة أتم من سياقة أبى داود، ومن سياقة النسائي في (السنن) : كتاب المناسك، باب (220) الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، حديث رقم (3060) .
وفي هذا الحديث من الفقه: جواز تسميتها حجة الوداع. وفيه جواز الرمي ركبا. وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره. وعن ابن عمر رضى اللَّه عنه أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم، قد استظل بينه وبين الشمس فقال: أصح لمن أحرمت له. رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وعن جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه. رواه البيهقي وضعّفه،
واحتج الجمهور بحديث أم الحصين هذا المذكور في مسلم، ولأنه لا يسمى لبسا، وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهى، وكذا فعل عمر رضى اللَّه عنه، وقول ابن عمر ليس فيه نهى، ولو كان، فحديث أم الحصين مقدم عليه.
(شرح النووي على صحيح مسلم) : 10/ 51- 52 مختصرا.
ولمزيد بيان في هذا الموضوع: راجع (معالم السنن للخطّابى) شرح على (سنن أبى داود) : 2/ 416- 417.
[ (2) ] ترجمته في: (الاستيعاب) : 1/ 139، ترجمة رقم (148) (الإصابة) : 1/ 58- 60، ترجمة رقم (122) ، (123) ، (عيون الأثر) : 2/ 311 ذكر خدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال ابن سيد الناس:
أسلع بن شريك صاحب راحلته صلى اللَّه عليه وسلم.

(7/241)


فصل في ذكر إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قيل: كانت له صلى اللَّه عليه وسلم اثنتا عشر لقحة، وقيل أربع عشرة لقحة. قال الواقدي: حدثني بكر بن الهيثم عن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري عن سلمة بن نبيط، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجته بعرفة على جمل أحمر.
ولابن حيّان من حديث حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أبى المليح، عن روح بن عائذ، عن أبى العوام عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه قال:
كنت رديف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على جمل أحمر.
قال الواقدي: وكانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشر لقائح، أهدى إليه ثلاثا منهن سعد بن عبادة من نعم بنى عقيل، فكن يرعين بالحفياء، وكان السبع يرعين بذي الخبر. ويقال: إن سعدا أهدى إحدى الثلاث، وأنه اتباع الاثنين بالمدينة، وكانت التي أهداها سعد تدعى مهرة، وكانت من نعم بنى عقيل، وكانت الاثنتان تدعيان الرناء والشقراء، فكان الثلاث يحلبن ويسرح إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بألبانهن كل ليلة، وكن غرارا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] وقال ابن القيم في (زاد المعاد) : 1/ 134، فصل في دوابه صلى اللَّه عليه وسلم: ومن الإبل القصواء، قيل: هي التي هاجر عليها، والعضباء، والجدعاء، ولم يكن بهما عضب ولا جدع، وإنما سميتا بذلك، وقيل: كان بأذنها عضب، فسميت به، وهل العضباء والجدعاء واحدة أو اثنتان؟ فيه خلاف.
والعضباء هي التي كانت لا تسبق، ثم جاء أعرابىّ على قعود فسبها، فشق ذلك على المسلمين،
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه.
[سبق تخرج هذا الحديث وشرحه وبيان ما فيه من الفوائد] .
وغنم صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر جملا مهريا لأبى جهل في أنفه برة من فضة، فأهداه يوم الحديبيّة ليغيظ به المشركين. أخرجه أحمد في (المسند) : 1/ 431، حديث رقم (2358) ، وأبو داود في

(7/242)


وقال محمد بن سعد عن الواقدي: عن هارون بن محمد بن سالم مولى حويطب بن عبد العزّى، عن أبيه نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان عيشنا- أو أكثر عيشنا- مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن، كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لقاح بالغابة، وكان قد فرّقها على نسائه، فكانت لي لقحة يقال لها: العريس، فكنا نشرب منها فيما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة رضى اللَّه عنها لقحة تدعى السّمراء [غزيرة] [ (1) ] .
وللواقدي عن معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه قال:
كان يراح على أهل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن، وكانت في لقاحه عدة غزر: الحناء، والسمراء، والسعدية، والبغوم، واليسيرة. وقال بعض المدنيين: وهب البغوم لسودة [ (2) ] .
وللواقدي عن موسى بن عبيدة، عن ثابت عن أم سلمة قالت: أهدى الضحاك الكلابيّ للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم لقحة تدعى بردة، لم أر من الإبل شيئا كان أحسن منها ولا أغزر، وكانت تحلب ما تحلب لقحتان، فربما خلبت لأضياف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غبوقا وصبوحا، [وكانت] صفىّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من غنيمة [سرية] عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه بفدك، في شعبان سنة
__________
[ () ] (السنن) : 2/ 360- 361- كتاب المناسك، باب (13) في الهدى، حديث رقم (1749) ، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1027، كتاب المناسك، باب (74) حجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (3076) .
وفيه من الفقه: أن الذكران في الهدى جائزة، وفيه دليل على جواز استعمال اليسير من الفضة في لجم المراكب من الخيل وغيرها، والبرّة: حلقة تجعل في أنف البعير.
قوله: ليغيظ بذلك المشركين» ، معناه أن هذا الجمل كان معروفا لأبى جهل، فحازه النبي صلى اللَّه عليه وسلم في سلبه، فكان يغيظهم أن يروه في يده، وصاحبه قتيل سليب. (معالم السنن) .
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) 1/ 494، ذكر لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (2) ] (الوافي) : 1/ 10، ذكر دوابّه صلى اللَّه عليه وسلم، (عيون الأثر) : 2/ 322.

(7/243)


ست، لقوح تدعى الحفدة [السريعة] [ (1) ] فقدم بها على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وعن ابن أبى سبرة، عن سلم بن يسار، عن وجيهة مولاة أم سلمة قالت:
كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا، وتروح علينا، وكانت لقاحه بذي الجدر، فتأتينا ألبانها بالليل، ونكون بالغابة فتأتينا ألبانها بالليل، وكان أكثر عيشنا اللبن من الإبل والغنم.
قال: وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه، حدثني يحيى بن عبد اللَّه بن أبى قتادة، وعلى بن يزيد وغيرهم، فكل قد حدثني بطائفة قالوا: كانت لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرين لقحة، وكان من شيء منها ما أصاب في ذات الرقاع، ومنها ما قدم به محمد بن مسلمة من نجد، وكانت ترعى البيضاء [ (2) ] ودون البيضاء [ (2) ] ، فأجدب ما هنالك فقربوها إلى الغابة تصيب من أثلها وطرقاتها، وتغدو في السحر، فكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب،
وكان أبو ذرّ رضى اللَّه عنه قد استأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى لقاحه فقال: إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك، ونحن لا نأمن عيينة بن حصن ودونه هي في طرف من أطرافهم، فألحّ عليه، فقال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ائذن لي، فلما ألحّ عليه قال: لكأنّي بك قد قتل أباك، وأخذت إبلك امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك، فكان أبو ذر يقول:
عجبا لي إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لكأنّي بك، وأنا ألحّ عليه، فكان واللَّه على ما قال.
وكان المقداد بن عمر يقول: لما كانت ليلة السرح جعلت فرسي سبحة لا تقر ضربا بيديها وصهيلا، فيقول أبو معبد: واللَّه إن لها شأنا، فننظر
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، واللقوح: الناقة غزيرة اللبن.
[ (2) ] البيضاء: اسم موضع تلقاء حمى الرَّبَذَة. (معجم ما استعجم) : 184.

(7/244)


آريّها [ (1) ] فإذا [هو مملوء] [ (2) ] علفا، فنقول عطشى، فيعرض الماء عليها فلا [تريده] [ (2) ] فلما طلع الفجر أسرجها ولبس سلاحه وخرج، حتى صلى مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصبح فلم ير شيئا، ودخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجع المقداد إلى بيته وفرسه لا يقر، فوضع سرجه وسلاحه، واضطجع، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، فأتاه آت فقال: إن الخيل قد صبح بها، فكان أبو ذر يقول: إنا لفي منزلنا، ولقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد روّحت وعطنت، وحلبت عتمتها [ (3) ] ونمنا، فلما كان في الليل أحدق بنا عينية في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام على رءوسنا، فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم وشغلهم عنى إطلاق عقل اللقاح، ثم صاحوا في أدبارهم، فكان آخر العهد بها، وجئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته وهو يتبسّم [ (4) ] ، [وذكر خروج المسلمين في السلاح، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، قال: وكان فيها جمل أبى جهل، فكان مما يخلصه المسلمون] [ (5) ] .
قال:
حدثني قائد مولى عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن على عن جدته سلمى قالت: نظرت إلى لقوح [ (6) ] على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقال لها: السّمراء، فعرفتها، فدخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: هذه لقحتك السمراء على
__________
[ (1) ] في (الأصلين) : «أمرها» ، وفي (المغازي) «آريّها» وهو ما أثبتناه، وهو حبل تشدّ به الدابة في محبسها.
[ (2) ] تكملة للسياق من (المغازي) .
[ (3) ] العتمة: ظلمة الليل، وكانت الأعراب يسمون الحلاب باسم الوقت. (النهاية) .
[ (4) ] إلى هنا من (مغازي الواقدي) : 538- 539 بالنّص.
[ (5) ] ما بين الحاصرتين اختصره المقريزي رحمه اللَّه من سياق غزوة الغابة.
[ (6) ] لقوح: ناقة غزيرة اللبن. (النهاية) .

(7/245)


بابك، فخرج [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] مستبشرا وإذا رأسها بيد ابن أخى عيينة، فلما نظر [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] عرفها ثم قال: أيم بك فقال: يا رسول اللَّه أهديت لك هذه اللقحة، فتبسّم [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] ثم قبضها منه، ثم أقام يوما أو يومين، ثم أمر بثلاثة أواق من فضة، فجعل يتسخط، فقلت: يا رسول اللَّه! أتثيبه على ناقة من إبلك؟ قال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] نعم، وهو ساخط عليّ، ثم صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الظهر، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إن الرجل ليهدى لي الناقة من إبلي أعرفها كما أعرف بعض أهلي، ثم أثيبه عليها، فيظل يتسخّط عليّ، ولقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشىّ أو أنصارى. وكان أبو هريرة رضى اللَّه عنه يقول: أو ثقفي أو دوسيّ [ (2) ] .
وكان على لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مولاه يسار يرعاها، فلما استاق العرينيون [ (3) ] لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة ست من ذي الجدر [ (4) ] ، وأخذوا يسارا فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وانطلقوا بالسرح، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في طلبهم، فأخذهم بأجمعهم، ثم صير مكان يسار مولاه أبا أيمن الأسود، فكان يقوم بأمر لقاحه [ (5) ] .
قال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن مروان بن أبى سعيد بن المعلّى قال: لما ظفر المسلمون باللقاح خلّفوا عليها سلمة بن الأكوع [و] [ (6) ] معه
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (المغازي) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 548- 549.
[ (3) ] نسبة إلى عرينة.
[ (4) ] الجدر: ناحية قباء على ستة أميال من المدينة (طبقات ابن سعد) : 2/ 93.
[ (5) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 568- 571، (طبقات ابن سعد) : 2/ 93.
[ (6) ] زيادة للسياق (المغازي) .

(7/246)


أبو رهم الغفاريّ، وكانت اللقاح خمسة عشرة لقحة غزارا، فلما أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة من الزغابة وجلس في المسجد، إذا اللقاح على باب المسجد [تحان] [ (1) ] ، فخرج فنظر إليها، فتفقّد منها لقحه يقال لها الحناء، فقال: أي سلمة! أين الحناء؟ قال: نحرها القوم ولم ينحروا غيرها، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: انظر مكانا ترعاها فيه،
قال: ما كان أكثر [ (2) ] من حيث كانت بذي الجدر، قال: فردّها إلى ذي الجدر فكانت هناك. وكان لبنها يراح به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة وطب [ (3) ] من اللبن [ (4) ] .
__________
[ (1) ] في (المغازي) : «ما كان أمثل» .
[ (2) ] الوطب: الوعاء الكبير.
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 570- 571.
[ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 2/ 93.

(7/247)


فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ساق الهدى مرارا، فأوّل ما حفظ أنه ساق البدن في عمرة الحديبيّة، وذلك أنه لما استنفر أصحابه إلى العمرة، وتهيئوا للخروج،
قدم عليه بسر بن سفيان الكعبي في ليال من شوال سنة ست زائرا له، فقال له صلى اللَّه عليه وسلم يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء اللَّه معتمرون فأقام، وأمره صلى اللَّه عليه وسلم أن يبتاع له بدنا، فكان بسر يبتاعها ويبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها ناجية بن جندب الأسلمي أن يقدمها إلى ذي الحليفة،
واستعمل صلى اللَّه عليه وسلم على هديه ناجية بن جندب هذا.
وخرج صلى اللَّه عليه وسلم من المدينة لهلال ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعي بالبدن فجللت، ثم أشعر بنفسه منها عدة، وهي موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلدت نعلا نعلا وهي سبعون بدنة، منها جمل أبى جهل، وقدم ناجية مع الهدى، وكان معه فتيان من أسلم،
فقال ناجية: عطب لي بعير من الهدى حين نظرت إلى الأبواء، فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأبواء فأخبرته فقال: أنحرها، وأصبغ قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها شيئا، وخلّ بين الناس وبينها [ (1) ] .
فلما صدّ المشركون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن البيت، نحر هدية بذي الحليفة،
__________
[ (1) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 572- 573.

(7/248)


وكان جمل أبى جهل قد غنمه عليه السلام يوم بدر، وكان المسلمون يغدون عليه، وكان قد ضرب في لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي استاق عيينة بن [حصن] ، ولقاحه التي كانت بذي الجدر التي كان ساقها العرينيون [فيها جمل أبى جهل الّذي غنمه يوم بدر] [ (1) ] وكان نجيبا مهريا، قلّده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هديه وأشعره، فلما كانوا بذي الحليفة كان يرعى مع الهدى فشرد قبل القضية، فلم يقف حتى انتهى إلى دار أبى جهل وعرفوه، وخرج في إثره عمرو بن غنم السلمي، فأبى أن يعطيه سفهاء من سفهاء مكة، فقال سهيل بن عمرو: ادفعوه إليه،
فأعطوا به مائة ناقة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لولا أنا سميناه في الهدى فعلنا، فنحر الجمل عن سبعة،
أحدهم أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما.
وساق ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير به أمامه يطلب الرعي في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم، ومعهم أبو رهم وأبو هريرة يسوقان الهدى، وقلد صلى اللَّه عليه وسلم هديه بيده،
فلما طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد وقف الهدى عند المروة، قال صلى اللَّه عليه وسلم: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنجر عند المروة [ (2) ] .
ولما خرج أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه في سنة تسع ليقيم بالناس الحج، وبعث معه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها النعال وأشعرها بيده في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جندب، وساق صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع ستين بدنة وأشعرها في الجانب الأيمن وقلدها النعال وهو بذي الحليفة، ويقال أنه ساق مائة بدنة، أشعر بعضها بيده، وأمر بأن يشعر ما
__________
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق من (مغازي الواقدي) ، و (طبقات ابن سعد) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 2/ 573- 574، (طبقات ابن سعد) : 2/ 95- 96.

(7/249)


فضل من البدن ناجية بن جندب، واستعمله على الهدى، فساقه إلى المنحر حتى نحر صلى اللَّه عليه وسلم بيده ثلاث وستين بدنة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي، وكان خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه يقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بدنه وهي تعتب في العقل.

(7/250)


فصل في ذكر صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه قد تقدم من طريق الواقدي أن صاحب البدن هو ناجية [بن جندب] ، وقد ورد أن ذؤيبا الخزاعي توجه أيضا بالبدن، فأما ناجية فهو ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن وائلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي، كان اسمه ذكوان، فسمّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش، مات في خلافة معاوية رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
ووقع في موطأ مالك رحمه اللَّه تعالى،
من حديث هشام بن عروة، عن أبيه قال: إن صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا رسول اللَّه! كيف أصنع بما عطب من الهدى؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خلّ بين الناس وبينها يأكلونها.
كذا وقع هذا الحديث في الموطأ مرسلا [ (2) ] ، وأسنده جماعة من الحفاظ [ (3) ] رووه
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (الإصابة) : 6/ 399- 401، ترجمة رقم (8648) ، (الاستيعاب) : 4/ 1522- 1523، ترجمة رقم (2650) .
[ (2) ] (موطأ مالك) : 262، كتاب الحج، العمل في الهدى إذا عطب أو ضل، حديث رقم (858) .
[ (3) ] (سنن أبى داود) : 2/ 368، كتاب مناسك الحج، باب (19) في الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، حديث رقم (1762) ، وفيه: «ثم أصبغ نعله في دمه، ثم خلّ بينه وبين الناس» . قال الخطابي: إنما أمره بأن يصبغ نعله في دمه ليعلم المارّ به أنه هدى فيتجنبه إذا لم يكن محتاجا، ولم يكن مضطرا إلى أكله.
وفي قوله: «خلّ بينه وبين الناس» دلالة على أنه لا يحرم على أحد أن يأكل منه إذا احتاج إليه، وإنما حظر على سائقه أن يأكل دونهم. وقال مالك بن أنس: فإن أكل شيئا كان عليه البدل. (معالم السنن) .
وأخرجه الترمذي في (السنن) : 3/ 253، كتاب الحج، باب (71) ، ما جاء إذا عطب الهدى ما يصنع به، حدث رقم (910) ، [ثم قال] : وفي الباب عن ذؤيب أبى قبيصة الخزاعي.

(7/251)


عن هشام بن عروة عن ناجية الأسلمي صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، منهم سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة، ووهيب بن خالد، خرّجه النسائي وغيره.
وروى عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما هذا الحديث وزاد فيه: لا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك.
وهو حديث اختلف فيه عنه، وطائفة روت عنه ما يدل على أن ناجية بن جندب الأسلمي حدثه، وطائفة روت عنه أن دوسا الخزاعىّ حدّثه، وذؤيب هذا ربما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيضا معه هديا، فسأله ابن عباس رضى اللَّه عنهما كما سأل ناجية، وهو ذؤيب بن حلحلة،
__________
[ () ] قال أبو عيسى: حديث ناجية حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. قالوا في هدى التطوع إذا عطب: لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته، ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه، وهو قول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: إن أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه.
وقال بعض أهل العلم: إذا أكل من هدى التطوع شيئا، فقد ضمن الّذي أكل.
وأخرجه مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) ، باب (66) ما يفعل بالهدى إذا عطب بالطريق، حديث رقم (1325) .
وفيه فوائد، منها: أنه إذا عطب الهدى وجب ذبحه وتخليته للمساكين، ويحرم الأكل منها عليه، وعلى رفقته الذين معه في الركب، سواء كان الرفيق مخالطا له أو في جملة الناس من غير مخالطة، والسبب في نهيهم قطع الذريعة لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه.
واختلف العلماء في الأكل من الهدى إذا عطب فنحره، فقال الشافعيّ: إن كان هدى تطوع له أن يفعل فيه ما شاء من بيع وذبح وأكل وإطعام وغير ذلك، وله تركه ولا شيء عليه في ذلك لأنه ملكه.
وإن كان هديا منذورا لزمه ذبحه، فإن تركه حتى هلك لزمه ضمانه، كما لو فرّط في حفظ الوديعة حتى تلفت. فإذا ذبحه غمس نعله التي قلده إياها في دمه، وضرب بها صفحه سنامه، وتركه موضعه، ليعلم من مرّ به أنه هدى فيأكله.
ولا يجوز للمهدي ولا لسائق هذا الهدى وقائده الأكل منه، ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقا، لأن الهدى مستحق للمساكين، فلا يجوز لغيرهم، ويجوز للفقراء من غير أهل هذه الرفقة. وفي المراد بالرفقة وجهان، بسط القول فيهما في (مسلم بشرح النووي) : 9/ 85.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 2/ 1036، كتاب المناسك، باب (101) في الهدى إذا عطب، حديث رقم (3105) .

(7/252)


ويقال: ذؤيب بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد اللَّه بن قمير بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي الكعبيّ، صاحب إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يبعث معه الهدى ويأمره إن عطب منه شيء قبل محله أن ينحره، ويخلّ بين الناس وبينه [ (1) ] .
روى سعيد عن قتادة، عن سنان بن سلمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيبا أبا قبيصة حدّثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إن عطب منها شيء قبل محله فخشيت عليه موتا فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك [ (2) ] .
وقد وقع في هذا الحديث
من رواية إسماعيل بن عليّه، حدثنا أبو السياج عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث بثمان عشرة بدنه مع رجل، فأمره فيها بأمره، فانطلق ثم رجع إليه فقال: أرأيت إن عطب منى شيء؟ قال: فانحرها ثم أصبغ نعلها في دمها، ثم اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك.
ورواه حماد بن زيد، حدثنا أبو الساج عن موسى بن سلمة قال:
خرجت أنا وسنان بن سلمة، ومعنا بدنتان، فأرجفتا علينا بالطريق، فلما قدمنا مكة، أتينا ابن عباس رضى اللَّه عنهما، فسألناه فقال: [] [ (3) ]
__________
[ (1) ] له ترجمة في: (الاستيعاب) : 2/ 464- 465، ترجمة رقم (708) ، (الإصابة) : 2/ 422، ترجمة رقم (2491) .
[ (2) ] (المرجع السابق) ، ترجمة رقم (2491) .
[ (3) ] بقدر هذا البياض كلمتان لم أجد لهما توجيها.

(7/253)


بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلالا الأسلمي، وبعث معه بثماني عشرة بدنة، فقال:
يا رسول اللَّه! أرأيت إن أرجف عليّ منها شيء بالطريق؟
قال: تنحرها وتصبغ نعلها، أو قال: تغمس نعلها في دمها، فتضرب بها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك.
وروى شعبة وسعد بن عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيب الخزاعي حدثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره، ثم اغمس نعله في دمه، ثم اضرب صفحته، ولا تطعم منها ولا أحد من أهل رفقتك.
قال أبو عمر بن عبد البر: قوله: ولا أحد من أهل رفقتك، لا توجد إلا في حديث ابن عباس هذا بهذا الإسناد عن موسى بن سلمة، وليس ذلك في حديث هشام بن عروبة عن أبيه عن ناجية، وهو عندنا أصح من حديث ابن عباس عن ذؤيب، وعليه العمل عند الفقهاء، ومن جملة النظر أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء، ويدخل في
قوله عليه السلام: وخلّ بين الناس وبينه يأكلونه، أهل رفقته وغيرهم.
وشهد ذؤيب فتح مكة، وكان يسكن قديدا، وعاش إلى زمن معاوية وجعل أبو حاتم الرازيّ ذؤيب بن حبيب غير ذؤيب بن حلحلة، فقال:
ذؤيب بن حبيب الخزاعي أحد بنى مالك بن أقعى صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم روى عن ابن عباس، ثم قال: ذؤيب بن حلحلة بن عمرو الخزاعي أحد بنى عمير، شهد الفتح، وهو والد قبيصة بن ذؤيب، روى عنه ابن عباس.
قال ابن عبد البر: ومن جعل ذؤيبا هذا رجلين فقد أخطأ ولم يصب، والصواب ما ذكرنا، يعنى مما تقدم في خبره ونسبته، وباللَّه توفيقنا [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 464- 465، ترجمة رقم (718) .

(7/254)