إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم يقول إذا ركب
خرّج الإمام أحمد من حديث شريك عن أبى إسحاق، عن على بن ربيعة، عن على رضى
اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بدابة ليركبها،
فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: الحمد
للَّه، ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ
مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [ (1) ] ثم حمد اللَّه
ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثم قال:
سبحانك لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول
اللَّه؟ فقال: يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه
لا يغفر الذنوب غيري [ (2) ] . وخرجه
__________
[ (1) ] الزخرف: 13- 14.
[ (2) ]
(مسند أحمد) : 1/ 156، حديث رقم (755) : عن على بن ربيعة قال: رأيت عليا
رضى اللَّه عنه أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم
اللَّه، فلما استوى عليها قال: الحمد للَّه، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا
هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ،
ثم حمد اللَّه ثلاثا، وكبرّ ثلاثا، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت
نفسي فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا
رسول اللَّه؟ قال يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي
أنه لا يغفر الذنوب غيري.
وحديث رقم (932) ، (1059) بسياقات مختلفة ومن طرق مختلفة، كلها من مسند على
بن أبى طالب رضى اللَّه عنه.
وحديث رقم (6275) و (6338) :
من حديث عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير، أن عليا الأزدي
أخبره أن ابن عمر علمه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا استوى
على بعيره خارجا إلى سفر كبّر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا
هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ،
اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى،
اللَّهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في
السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة
المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آئبون
تائبون عابدون
(7/214)
أبو عيسى الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح
[ (1) ] .
__________
[ () ] لربنا حامدون. كلاهما من مسند عبد اللَّه بن عمر.
(سنن أبى داود) : 3/ 75، كتاب الجهاد، باب (79) ما يقول الرجل إذا سافر،
حديث رقم (2599) ، ثم قال: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجيوشه إذا
علوا الثنايا كبّروا وإذا هبطوا سبّحوا، فوضعت الصلاة على ذلك.
قوله: «وعثاء السفر» : معناه المشقة والشدة، وأصله من الوعث وهو أرض فيها
رمل تسوخ فيها الأرجل.
قوله: «كآبة المنقلب» : أن ينقلب من سفره إلى أهله كئيبا حزينا غير مقتضى
الحاجة أو منكوبا، ذهب ماله، أو أصابته آفة في سفره، أو أن يرد على أهله
فيجدهم مرضى، أو يفقد بعضهم وما أشبه ذلك من المكروه، (معالم السنن) .
وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الحج من (الصحيح) ، باب (75) ما يقول إذا ركب
إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم (1342) ، (1343) .
ومعنى مُقَرَّنِينَ: مطيقين، أي ما كنّا نطيق قهره واستعماله، لولا تسخير
اللَّه تعالى إياه لنا.
وفي هذا الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه
أذكار كثيرة جمعتها في كتاب (الأذكار) [للنووي] . (مسلم بشرح النووي) : 9/
118، كتاب الحج، باب (75) ، ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره.
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 467، كتاب الدعوات، باب (47) ما يقول إذا ركب
الناقة، حديث رقم (3446) ، قال: وفي الباب عن ابن عمر رضى اللَّه عنه، وقال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(7/215)
فصل في ذكر بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم
خرّج البخاري من حديث أبى إسحاق، عن عمرو بن الحارث [ختن] رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم أخى جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم عند موته درهما، ولا دينارا، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا
إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة. ذكره في الوصية [ (1) ] ،
وفي كتاب المغازي [ (2) ] ولفظه: إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها،
وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل.
وخرّجه النسائي بنحوه [ (3) ] ، وخرّج مسلم [ (4) ] ..........
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 5/ 448، كتاب الوصايا، باب (1) الوصايا،
وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «وصية الرجل مكتوبة عنده» ،
وقال اللَّه عزّ وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما
سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ
بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:
180- 182] ، حديث رقم (2739) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 8/ 187- 188، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى
اللَّه عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (4461) .
[ (3) ] (سنن النسائي) : 6/ 539- 540) ، كتاب الإحباس [مصدر أحسبه، يقال:
حبسه أو أحبسه، أي وقفه] ، باب (1) بدون ترجمة، حديث رقم (3596) ، وفيه:
«إلا بغلته الشهباء» ، وحديث رقم (3597) ، وحديث رقم (3598) ، وفيه: «إلا
بغلته الشهباء» .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 355- 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28)
في غزوة حنين، حديث رقم (1775) ، حنين: واد بين مكة والطائف وراء عرفات،
بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، وهو مصروف كما جاء به القرآن الكريم:
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ [التوبة: 25] .
قوله: «ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بغلة له بيضاء» ، قال
العلماء: ركوبه صلى اللَّه عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد
البأس، هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع
المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا، وإلا فقد
كانت له صلى اللَّه عليه وسلم أفراس معروفة، ومما ذكره في هذا الحديث من
شجاعته صلى اللَّه عليه وسلم تقدّمه يركض بغلته إلى جمع المشركين وقد فرّ
الناس عنه.
(7/216)
والنّسائى [ (1) ] من حديث أويس عن ابن
شهاب قال: حدثني كثير بن عباس ابن عبد المطلب قال: قال عباس: شهدت مع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم نفارقه، ورسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم على بلغة له بضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما
التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم يركض ببغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا أمدّ بلجام بغلة
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ
بركاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر الحديث ولفظهما فيه متقارب.
وذكر مسلم في بعض طرقه فقال: فيه فروة بن نعامة الجذامي [ (2) ] .
وللبخاريّ [ (3) ] ................
__________
[ (1) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 359، كتاب الجهاد والسير، باب (28) في
غزوة حنين، حديث رقم (77) : وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع، وعبد
بن حميد، جميعا عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه،
غير أنه قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال:
انهزموا ورب الكعبة، وزاد في الحديث: حتى هزمهم اللَّه تعالى: قال: وكأنى
انظر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته.
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «هذا حين حمى الوطيس»
هو بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال الأكثرون: هو شبه
التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرّها حرّه.
وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعي: هي حجارة مدوّرة إذا
حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمى الوطيس.
وقيل: هو الضرب في الحرب، وقيل: هو الحرب الّذي يطيس الناس أي يدقهم.
قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه، الّذي لم يسمع من أحد قبل النبي
صلى اللَّه عليه وسلم.
[ (3) ] (فتح الباري) : 8/ 34، كتاب المغازي، باب (55) قول اللَّه تعالى:
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ
عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ* ثُمَّ يَتُوبُ
اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[التوبة: 25- 27] ، حديث
(7/217)
ومسلم [ (1) ] من حديث أبى إسحاق عن
البراء، فذكر حديث حنين وفيه:
__________
[ () ] رقم (4317) ، 6/ 130- 131، كتاب الجهاد والسير، باب (97) من صف
أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته فاستنصر، حديث رقم (2930) .
قوله: «صف أصحابه عند الهزيمة» أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم، قوله:
«واستنصر» أي استنصر اللَّه تعالى بعد أن رمى الكفار بالتراب. (فتح الباري)
.
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 12/ 360- 361، كتاب الجهاد والسير، باب (28)
في غزوة حنين، حديث رقم (1776) ،
قوله صلى اللَّه عليه وسلم:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
قال القاضي عياض: قال المازري: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه من
النبي صلى اللَّه عليه وسلم، مع قوله تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ
وَما يَنْبَغِي لَهُ وهذا مذهب الأخفش، واحتج به على فساد مذهب الخليل في
أنه شعر، وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه، واعتمد الإنسان أن
يوقعه موزونا مقفى، يقصده إلى القافية.
وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون، كقوله تعالى: لَنْ تَنالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وقوله تعالى: نَصْرٌ مِنَ
اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا، لأنه
لم تقصد تقفيته وجعله شعرا.
قال الإمام النووي: وقد قال الإمام أبو القاسم عليّ بن أبى جعفر بن عليّ
السعدي الصّقلّىّ المعروف بابن القطاع في كتابه (الشافي في علم القوافي) :
قد رأى قوم- منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل- أن مشطور الرجز
ومنهوكه ليس بشعر،
كقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّه مولانا ولا مولى لكم،
وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: هل أنت إلا إصبع دميدت، وفي سبيل اللَّه ما
لقيت،
وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وأشباه
ذلك.
قال ابن القطاع: وهذا الّذي زعمه الأخفش وغيره غلط بيّن، وذلك لأن الشاعر
إنما سمّى شاعرا لوجوه [ذكرها الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم فلتراجع
هنالك] .
فإن قيل: كيف
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب
فانتسب إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك، مع أن الافتخار في حق أكثر الناس من
عمل الجاهلية؟ فالجواب أنه صلى اللَّه عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر لأن
أباه عبد اللَّه توفى شابا في حياة أبيه عبد المطلب، قبل اشتهار عبد
اللَّه، وكان عبد المطلب مشهورا شهرة ظاهرة شائعة، وكان سيد أهل مكة، وكان
كثير من الناس يدعون النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابن عبد المطلب ينسبونه
إلى جده لشهرته.
ومنه حديث همام بن ثعلبة في قوله: أيكم ابن عبد المطلب؟ وقد كان مشتهرا
عندهم أن عبد المطلب بشّر بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه سيظهر،
وسيكون شأنه عظيما، وكان قد أخبره بذلك سيف
(7/218)
ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على
بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر
وقال: أنا النبي لا كذب* أنا ابن عبد المطلب
ثم صفّهم. وقال البخاري: ثم صفّ أصحابه، وقال فيه: وابن عمه أبو سفيان بن
الحارث. ترجم عليه باب: من صفّ أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته واستنصر.
وأخرجاه من حديث شعبة، عن أبى إسحاق، ومن حديث سفيان الثوري عن أبى إسحاق،
وخرّجه مسلم من طرق، عن أبى إسحاق، وخرجه تقى بن مخلد من حديث النضر بن
شميل قال: أخبرنا عوف بن عبد الرحمن مولى أم برثن، قال: حدثني رجل كان في
المشركين يوم حنين، قال: فلما التقينا نحن وصحابة رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم في
آثارهم فإذا صاحب بغلة بيضاء، وإذا هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
صاحب البغلة البيضاء، قال: فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه، حسان الوجوه،
وقالوا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال:
__________
[ () ] ابن ذي يزن.
وقيل: إن عبد المطلب رأى رؤيا تدل على ظهور النبي صلى اللَّه عليه وسلم،
وكان ذلك مشهورا عندهم، فأراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم تذكيرهم بذلك،
وتنبيههم بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لا بدّ من ظهوره على الأعداء، وأن
العاقبة له، لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضا بأنه ثابت، ملازم للحرب، لم يول مع
من ولى، وعرّفهم موضعه، ليرجع إليه الراجعون. واللَّه تعالى أعلم.
ومعنى
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «أنا النبي لا كذب» ،
أي أنا النبي حقا، فلا أفرّ ولا أزول، وفي هذا دليل على جواز قول الإنسان
في الحرب: أنا فلان، وأنا ابن فلان، ومثله قول سلمة: أنا ابن الأكوع، وقول
عليّ رضى اللَّه عنه: أنا الّذي سمتني أمى حيدرة، وأشباه ذلك.
وقد صرّح بجوازه علماء السلف، وفيه حديث صحيح، قالوا: وإنما يكره ذلك على
وجه الافتخار كفعل الجاهلية، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 12/
361- 363 مختصرا.
(7/219)
فانهزمنا من قولهم، وركبوا أجسادنا فكانت
إياها [ (1) ] .
قلت: والّذي يظهر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث بغلات:
واحدة بعث بها المقوقس، وأخرى من هدية فروة بن عمرو بن الناقدة الجذامي، ثم
البناني، عامل الروم على فلسطين [ (2) ] ، وبغلة وهبها لأبى بكر رضى اللَّه
عنه، وقيل: كانت له ست بغلات [ (3) ] .
قال الواقدي: عن معمر عن الزهري، كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم دلدل من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وقال البخاري وقال أبو حميد: أهدى
ملك أيلة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بغلة بيضاء وكساء بردا، وكتب له
بنحرهم.
وقال الواقدي: وحدثني ابن أبى سبرة، عن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة إلى
النبي صلى اللَّه عليه وسلم بغلة يقال لها فضة، وهبها رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم لأبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] وأخرجه من طرق وسياقات مختلفة: ابن سعد في (الطبقات) : 4/ 18- 19،
الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار، ترجمة العباس بن عبد المطلب رضى
اللَّه عنه، الإمام مسلم في (الصحيح) :
كتاب الجهاد والسير، باب (28) في غزوة حنين، حديث رقم (1775) ، ابن حبان في
(الصحيح) : 15/ 523- 525، كتاب إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مناقب
الصحابة، رجالهم ونسائهم، ذكر العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، حديث
رقم (7049) ، والإمام أحمد في (المسند:
1/ 341، حديث رقم (1778) ، والحاكم في (المستدرك) : 3/ 37، حديث رقم (5418)
، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في
(التلخيص) : أخرجه مسلم، والحميدي في (المسند) : 1/ 218- 219، أحاديث
العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، حديث رقم (459) .
[ (2) ] في (الإصابة) : 5/ 387: «على من يليهم من العرب» .
[ (3) ] قال ابن القيم: وكان له من البغال دلدل، وكانت شهباء، أهداها له
المقوقس، وبغلة أخرى يقال لها:
فضة، أهداها له فروة الجذامي، وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة، وأخرى
أهداها له صاحب دومة الجندل، وقد قيل: إن النجاشي أهدى له بغلة فكان
يركبها. (زاد المعاد) : 1/ 134.
[ (4) ] قال صلاح الدين الصفدي، وقد ذكر دواب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: ومن البغال ثلاثة: وهي الدلدل، التي أهداها له المقوقس، وهي أول بغلة
ركبت في الإسلام، وعاشت بعده إلى أن زالت أسنانها، وكان
(7/220)
وقال: عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي
عن أبيه: كانت بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أول بغلة ركبت في الإسلام،
أهداها المقوقس [ (1) ] .
وقال الكلبي والهيثم بن عدي: كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
التي تسمى دلدل من هدية المقوقس، فبقيت إلى زمن معاوية، ودلدل هذه التي
أهداها المقوقس شهد عليها أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه
يوم النهروان، وقاتل عليها الخوارج، وكانت بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم عند عليّ، ثم بعد عليّ عند عبد اللَّه بن جعفر، فكان يجش أو يدق لها
الشعير، وقد ذهبت أسنانها [ (1) ] .
وعن الزهري قال: دلدل حضر عليها النبي صلى اللَّه عليه وسلم القتال يوم
حنين، وفي مسند الدارميّ من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن الدلدل كانت
بيضاء أهداها المقوقس، وهي التي قال لها في بعض الأماكن: أن أربضى دلدل
فربضت، وكان على رضى اللَّه يركبها.
ولابن حيّان عن الأصبغ بن نباتة قال: لما قتل عليّ رضى اللَّه عنه أهل
النهروان، ركب بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء، قلت: كانت تسمى
الشهباء وتسمى الدلدل.
وقال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم بعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية،
فمضى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المقوقس، فقبل الكتاب
وأكرم حاطبا، وأحسن نزله، وسرحه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأهدى له
مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها، وخادمتين إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى
فوهبها
__________
[ () ] يجشّ لها الشعير، وفضة، اتّهبها من أبى بكر، والأيليّة، أهداها له
ملك أيلة.
[ (1) ] راجع التعليقات السابقة.
(7/221)
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لجهم بن
قيس العبديّ، فهي أم زكريا بن جهم، خليفة عمرو بن العاص على مصر [ (1) ] .
[وذكر ابن سعد عن عبد القدوس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
أهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بغلة شهباء، وهي أول شهباء كانت في
الإسلام، فبعثني إلى زوجته أم سلمة رضى اللَّه عنها بصوف وليف، ثم فتلت أنا
ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لها أسنا وغدارا، ثم دخل البيت فأخرج
عباءة مطرّفة، فثناها ثم [ربّعها] على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفنى خلفه]
[ (2) ] .
ويروى أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه ركبها، وركبها كبرت
وعميت، ودخلت مسطحة لبني [مدحج، فرماها] رجل بسهم فقتلها.
وعن علقمة بن أبى علقمة أنه قال: بلغني أن اسم فرس النبي صلى اللَّه عليه
وسلم السّكب، وكان أغرّ محجلا طلق اليمين، واسم بغلته الدلدل، وكانت شهباء،
وكانت بينبع حتى ماتت، واسم حماره اليعفور، وكان رسنه من ليف، واسم رايته
العقاب.
وكان عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودعة بن عدي
بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنيّ، أبو عبس، وأبو حماد [
(3) ] ، رضى اللَّه عنه، صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقود
به في الأسفار.
وسكن عقبة مصر، ووليها بعد عتبة بن أبى سفيان من قبل معاوية سنتين وثلاثة
أشهر، وصرفه بمسلمة بن مخلد لعشر بقين من ربيع
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 5/ 14- 15 «هامش» ، بعث رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم إلى الملوك.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين من (خ) فقط، (طبقات ابن سعد) : 1/ 491.
[ (3) ] وقيل: أبو لبيد، وأبو عمرو، وأبو أسد.
(7/222)
الأول سنة سبع وأربعين، وتوفى بمصر سنة
ثمان وخمسين، ودفن بقرافتها، وقبره معروف.
قال الوليد بن مسلم: حدثنا هشام بن الغاز، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن
القاسم، عن عقبة بن عامر- وكان صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
الشهباء، الّذي يقودها في الأسفار- قال: قدت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم وهو على راحلته رتوة من الليل، وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
قال: أنخ، فأنخت، فنزل عن راحلته، ثم قال: اركب يا عقبة، فقلت: سبحان
اللَّه! أعلى مركبك يا رسول اللَّه؟ وعلى راحلتك؟ فأمرنى فقال: اركب، فقلت
أيضا مثل ذلك، ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصى رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم، فركبت راحلته ورحله، ثم زجر الناقة فقامت، ثم قاد بى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
ولأهل مصر عن عقبة نحو مائة حديث [ (1) ] يروونها عنه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] قال ابن حزم في (أسماء الصحابة الرواة) : له خمسة وخمسون حديثا،
شهد صفين مع معاوية، وشهد فتوح الشام، وهو كان البريد إلى عمر بفتح دمشق،
وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان عالما بالفرائض والفقه، فصيح
اللسان، شاعرا، كاتبا، وهو أحد من جمع القرآن، له ترجمة في: (الثقات) : 3/
280، (التاريخ الكبير) : 6/ 340، (التاريخ الصغير) : 2/ 123، (الأعلام
للزركلى) : 4/ 240، (سير الأعلام) : 2/ 467، (حلية الأولياء) : 2/ 8،
(الجرح والتعديل) :
6/ 313، (أسماء الصحابة الرواة) : 79، ترجمة رقم (60) ، (الإصابة) : 4/
520- 521، ترجمة رقم (5605) ، (الاستيعاب) : 3/ 1073- 1074، ترجمة رقم
(1824) .
[ (2) ] وقد ذكر ابن الجوزي في (الموضوعات) ، باب أسماء مراكبه وسلاحه،
حديثا طويلا، وفيه:
«وكانت له بغلة تسمى دلدل» وقال: هذا حديث موضوع، وفيه آفات، منها عبد
الملك وهو العزرمىّ، وقد تركه شعبة، ومنها على بن عروة، قال يحيى: ليس
بشيء، وقال أبو حاتم الرازيّ:
متروك الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، ومنها عمر بن عبد الرحمن، وقد
قدحوا فيه.
(الموضوعات لابن الجوزي) : 1/ 293.
(7/223)
فصل في ذكر حمار رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم
خرّج أبو داود من حديث أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن معاذ ابن جبل رضى
اللَّه عنه، قال: كنت ردف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على حمار يقال له
عفير [ (1) ] .
وأخرجه البخاري ومسلم من طرق أتمّ من هذا، وليس فيه ذكر حمار يقال له عفير
[ (2) ] .
ولابن حيّان من حديث القعنبي، حدثنا على بن عباس عن مسلم بن
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 3/ 55، كتاب الجهاد، باب (53) في الرجل يسمى
دابته، حديث رقم (2559) .
عفير: تصغير أعفر، يحذفون الألف في تصغيره، كما حذفوه في تصغير أسود،
فقالوا: سويد، وكما قالوا: عوير من أعور، وكان القياس أن يقال في تصغير
أعفر أعيفر، كما قالوا: أحيمر من أحمر، وأصيفر من أصفر.
وفيه أن الإرداف مباح إذا كانت الدابة تقوى على ذلك، ولا يضربها الضرر
البين، وتسمية الدواب شكل من أشكال العرب، وعادة من عاداتها، وكذلك تسمية
السلاح وأداة الحرب، كان سيفه صلى اللَّه عليه وسلم يسمى ذا الفقار، ورايته
العقاب، ودرعه ذات الفضول، وبغلته دلدل، وبعض أفراسه السكب، وبعضها البحر.
(معالم السنن) .
وعفير: تصغير أعفر، تصغير الترخيم، وقيل: سمى به تشبيها في عدوه بالعفور
وهو الظبي، وقيل: الخشف.
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 72- 73، كتاب الجهاد والسير، باب (46) اسم الفرس
والحمار، حديث رقم (2856) ، ثم أخرجه البخاري برقم (5967) ، (6762) ،
(6500) ، (7373) ولم يذكر فيهم اسم «عفير» ، وذكره في الحديث الأول رقم
(2856) ، (مسلم بشرح النووي) : 1/ 345، كتاب الإيمان، باب (10) الدليل على
أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، حديث رقم (49) ، وصرح فيه باسم
«عفير» . قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه اللَّه: وهو الحمار الّذي كان
له صلى اللَّه عليه وسلم، قيل: أنه مات في حجة الوداع. (مسلم بشرح النووي)
.
(7/224)
كيسان الأعور، عن أنس بن مالك قال: رأيت
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر على حمار عليه إكاف [ (1) ] .
وله من حديث عبد بن حميد، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا مسلم الأعور، عن أنس
قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يوم خيبر، ويوم النضير على حمار عليه
إكاف مخطوم بحبل من ليف [ (1) ] .
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث مسلم الأعور، عن أنس قال:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب
الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم [ (2) ] بحبل
من ليف، عليه إكاف [ (3) ] ليف [ (4) ] .
وقد روى الواقدي وغيره من طرق: أن المقوقس أهدى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم فيما أهداه حمارا يقال له عفير، وفي رواية الكلبي والهيثم بن
عدي:
وأهدى إليه المقوقس أيضا حمارا يقال له يعفور، وقال ابن الكلبي: عفير من
هدية فروة بن عمرو الجذامي صاحب البلقاء.
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 62، (المستدرك) : 2/ 506، كتاب التفسير، باب (50)
تفسير سورة ق، حديث رقم (3734) ، وقال فيه: «وتحته إكاف من ليف» ، قال
الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] مخطوم: أي له زمام، من حبل من ليف.
[ (3) ] الإكاف هو ما يوضع على الدابة للركوب عليه يشبه الرّحل، فالإكاف
للحمار، كالسرج لفرس.
[ (4) ] (الشمائل المحمدية) : 272- 273، باب (48) ، ما جاء في تواضع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (333) ، (ضعيف سنن الترمذي) : 115،
باب (31) تواضع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (171) ، قال أبو
عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس، ومسلم الأعور يضعف، وهو
مسلم بن كيسان الملائى، (ضعيف سنن ابن ماجة) : 343، باب (16) ، البراءة من
الكبر والتواضع، حديث رقم (915) ، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) : 8/ 131،
والبيهقي في (الدلائل) : 1/ 330. ويؤخذ من الحديث أن ركوب الحمار ممن له
منصب شريف لا يخل بمروءته.
(المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية) : 255.
(7/225)
وقال الواقدي: كان يعفور من هدية فروة بن
عمرو الجذامي، وعفير من هدية المقوقس، قال: وحماره يعفور نفق منصرفه في حجة
الوداع [ (1) ] .
قلت: والجمهور على أن عفير بعين مهملة، وقال القاضي عياض: بغين معجمة. قال
الشيخ محيي الدين يحيى النواوى: واتفقوا على تغليظه في ذلك [ (2) ] .
وأغرب ما في ذكر عفير هذا، ما
ذكره أبو محمد بن أبى حاتم من طريق منكر مردود، ولا يشك أهل العلم بهذا
الشأن أنه موضوع، فيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب بخيبر
أربعة أزواج أخفاف، وعشر أواقي ذهب، وحمارا أسود، فقال ما اسمك؟ فكلمه
الحمار! [وقال: اسمى] [ (3) ] يزيد بن شهاب، أخرج اللَّه من نسل جدي ستين
حمارا، كلهم لم يركبهم إلا نبي، وقد كنت أتوقعك أن تركبني، وكنت ملك رجل
يهودي، وكنت أتعثر به عمدا، وكان يجيع بطني، ويضرب ظهري، قال: فأنت يعفور،
يا يعفور! قال: لبيك، [قال:] [ (3) ] أتشتهى الإناث؟ قال: لا، فكان يركبه،
فإذا نزل عنه بعثه إلى باب الرجل فيقرعه برأسه، [فإذا خرج إليه صاحب الدار
أومأ إليه أن أجب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] فلما قبض رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى بئر كانت لأبى الهيثم بن التيهان
فتردّى فيها فصارت قبره [جزعا منه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [
(4) ] .
وقد أنكر ابن حبان هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: لعن اللَّه من وضع
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 491، 492 (الوافي) : 1/ 90، (زاد المعاد) :
1/ 134.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 1/ 345.
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (4) ] زيادة للسياق من (الموضوعات لابن الجوزي) .
(7/226)
هذا الحديث على أنه قد أودعه كثير من
المصنّفين كتبهم [ (1) ] ، وقال شيخنا العماد بن كثير: هذا شيء باطل لا أصل
له من طريق صحيحة أو ضعيفة.
وقد ذكره أبو إسحاق الأسفراييني، وإمام الحرمين، حتى ذكره القاضي عياض في
كتابه (الشفا) [ (2) ] . وذكره أبو القاسم السهيليّ في (روضه) [ (3) ]
وقال: الأولى ترك ذكره لأنه موضوع.
سألت شيخنا أبا الحجاج- يعنى المزني- عنه فقال: ليس له أصل وهو ضحكة، وقال
الذهبي: يروى بإسناد مجهول عن مجهول، يقال له: أبو منظور، كتبه للفرجة لا
للحجة، ويقال: كان ثلاثة حمير، ويقال: اثنان.
__________
[ (1) ] (الموضوعات لابن الجوزي) : 1/ 293- 294، باب تكليم حماره يعفور له،
وقال: هذا حديث موضوع لعن اللَّه واضعه، فإنه لم يقصد إلا القدح في
الإسلام، والاستهزاء به. قال أبو حاتم بن حبان: لا أصل لهذا الحديث،
وإسناده ليس بشيء، ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد.
[ (2) ] (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 207.
[ (3) ] (الروض الأنف) : 2/ 93.
وبعد ما قاله النقاد في هذا الحديث، نجد صاحب كتاب (المصباح المضيء) : 1/
262، يقول عفا اللَّه عنه: وهذا علم من أعلام نبوته صلى اللَّه عليه وسلم،
فليتني كنت شعرة في جلد هذا الحمار، الّذي كان في كل وقت يلامس جلده جلد
سيد البشر صلى اللَّه عليه وسلم ويسمع له، ويطيعه، ويخاطبه، ويفهم عنه،
وناهيك بها معجزة من بعض معجزاته صلى اللَّه عليه وسلم.
ثم سأل سؤالا فقال: ما الحكمة في
قوله صلى اللَّه عليه وسلم: يا يعفور، تشتهي الإناث؟ فقال: لا،
وتردّيه في البئر يوم قبض صلى اللَّه عليه وسلم، وكان له صلى اللَّه عليه
وسلم دواب غيره، لم يفعل ذلك واحد منهم، بل الدلدل وهي بغلته البيضاء بقيت
إلى خلافة معاوية، وكرّ بها عليّ رضى اللَّه عنه في صفين؟
ثم أجاب عن ذلك بقوله: والحكمة فيه- واللَّه أعلم- أن يعفور قال: أخرج
اللَّه من نسل جدي ستين حمارا، لم يركبهم إلا نبي، ثم قال: ولم يبق من نسل
جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وتردّى في البئر، ولم يشته الإناث حتى لا
يبقى له نسل، فإنه آخرهم، كما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم آخر الأنبياء
كما قال، لئلا يركبه أحد بعده إذ هو مركوب الأنبياء، وأيضا جزعا عليه
وتحزنا، ويحق له أن يجزع ويحزن عليه صلى اللَّه عليه وسلم، وهذا ما بلغ
إليه علمي من رسله صلى اللَّه عليه وسلم. (المصباح المضيء) : 1/ 261- 263
مختصرا.
(7/227)
فصل في ذكر ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم
خرج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب: جوار أبى بكر رضى اللَّه عنه في
عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعقده [ (1) ] ، وفي كتاب الهجرة من حديث
عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه عنها
قالت:
لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا
فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فذكر الحديث
حتى قال: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر رضى اللَّه عنه في نحر
الظهيرة، قال قائل لأبى بكر: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متقنّعا
في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فداء له أبى
وأمى، واللَّه ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء فاستأذن، فأذن
له، فقال لأبى بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إنما هم
أهلك، بأبي أنت يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فإنه قد أذن لي
في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت يا رسول اللَّه، فقال: نعم،
قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول اللَّه إحدى راحلتي هاتين، قال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة فجهزناها.
وذكر حديث الهجرة بطوله [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 4/ 599- 600، كتاب الكفالة، باب (4) جوار أبى بكر
في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعقده، حديث رقم (2297) .
[ (2) ] هذا الحديث مبثوث في (صحيح البخاري) بسياقات ومن طرق مختلفة، في:
فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه
وسلم وأصحابه إلى المدينة.
وفي المساجد، باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس، وفي البيوع،
باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض الثمن،
وفي الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل
الإسلام، وباب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام. أو
(7/228)
وخرّج البخاري من حديث زهير، أخبرنا حميد
عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ناقة،
ومن حديث أبى خالد الأحمر، عند حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت
ناقة [لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق،
فجاء أعرابى على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت
العضباء! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه أن لا
يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. ذكره في الرقاق [ (1) ] .
وذكره في الجهاد من حديث أبى إسحاق عن حميد قال: سمعت أنسا رضى اللَّه عنه
قال: كانت ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقال لها العضباء.
ومن حديث زهير، عن حميد عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كانت للنّبيّ صلى
اللَّه عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق. قال حميد: أو لا تكاد تسبق،
فجاء أعرابى على قعود [ (2) ] فسبقها، فشق [ذلك] على المسلمين حتى عرفه،
فقال صلى اللَّه عليه وسلم: حق
__________
[ () ] بعد شهر، أو بعد سنة جاز، وفي الكفالة، باب جوار أبى بكر في عهد
النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعقده، وفي المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل،
وذكوان، وبئر معونة، وفي اللباس، باب التصنع.
[ (1) ] (فتح الباري) : 11/ 414، كتاب الرقاق، باب (38) التواضع، حديث رقم
(6501) ، وما بين الحاصرتين من قوله: لرسول اللَّه ... سقط في (خ)
واستدركناه من (ج) .
وفي الحديث إشارة إلى الحث على عدم الترفع، والحث على التواضع، والإعلام
بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة.
قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على اللَّه، والتنبيه على ترك المباهاة،
والمفاخرة، وأن كل شيء هان على اللَّه فهو في محل الضعة، فحق على كل ذي عقل
أن يزهد فيه، ويقل منافسته في طلبه.
وقال الطبري: في التواضع مصلحة الدين والدنيا، فإن الناس لو استعملوه في
الدنيا لزالت بينهم الشحناء، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى اللَّه عليه وسلم،
تواضعه، لكونه رضى أن أعرابيا يسابقه.
[ (2) ] القعود، بفتح القاف: ما استحق الركوب من الإبل، وقال الخليل:
القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة. (فتح
الباري) .
(7/229)
على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا
وضعه. طوّله موسى عن حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (1) ] . [عن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] .
وخرجه الدار قطنى من حديث معن بن عيسى، حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن
المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم القصواء لا تدفع في سباق إلا سبقت، قال سعيد بن المسيب:
فجاء رجل فسابقها فسبقها، فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، وبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن الناس لم
يرفعوا شيئا في الدنيا إلا وضعه اللَّه عزّ وجلّ [ (3) ] .
وفي لفظ: كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابى على بكر فسابق فسبقها، فشق ذلك
على المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! سبقت العضباء،
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنه حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا من
الأرض إلا وضعه [ (4) ] .
ومن حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، أنه سمع سعيد بن
المسيب يقول: إن العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت لا
تسبق كلما دفعت في سباق، فدفعت يوما في إبل فسبقت، فكانت على المسلمين كآبة
أن سبقت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الناس إذا رفعوا شيئا،
أو
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 91، كتاب الجهاد والسير، باب (59) ناقة النبي
صلى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (2871) ، (2872) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
قوله: «باب ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم» ، كذا أفرد الناقة في
الترجمة، إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة.
[ (3) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 302، كتاب السبق بين الخيل، حديث رقم (12) .
[ (4) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (14) .
(7/230)
أرادوا رفع شيء وضعه اللَّه [ (1) ] .
ومن حديث بقية قال: حدثني شعبة قال: حدثني حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه
عنه قال: سابق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعرابىّ فسبقه، فكان أصحاب
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك
فقال: حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا [نفسه] في الدنيا إلا وضعه [ (2) ] .
وخرجه ابن حيّان من حديث هشام عن عروة قال: أخبرنا أبى قال: لما خرج رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته وكانت مريضة،
وخلف أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهم، فبينا هم إذ سمعوا ضجة التكبير، فجاء
زيد بن حارثة على ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجدعاء وهو يقول:
قتل فلان، وأسر فلان [ (3) ] .
وقال الواقدي: قدم زيد بن حارثة رضى اللَّه عنه على ناقة النبي صلى اللَّه
عليه وسلم القصواء، يبشر أهل المدينة فذكره [ (4) ] .
وحدثني إسحاق بن حازم، عن عبد اللَّه بن مقسم، عن جابر بن عبد اللَّه رضى
اللَّه عنهما قال: لقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد-
يعنى مرجعه من بدر- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على راحلته القصواء،
فأجلسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين يديه وسهيل بن عمرو مجنوب
ويداه إلى عنقه، فلما نظر أسامة إلى سهيل قال: يا رسول اللَّه! أبو يزيد؟
قال: نعم، هذا الّذي كان يطعم بمكة الخبز [ (5) ] .
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (15) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (16) .
[ (3) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 115.
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 1/ 155.
[ (5) ] (المرجع السابق) : 1/ 118.
(7/231)
قال الواقدي: ولما بلغ رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم المدينة، أقبلت امرأة أبى ذر رضى اللَّه عنه، على ناقة
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته من أخبار الناس ثم قالت: يا
رسول اللَّه، إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها أن أنحرها، فآكل من كبدها
وسنامها، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: بئس ما جزيتيها! أن
حملك اللَّه عز وجل عليها ونجاك، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية اللَّه،
ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعى إلى إبلك على بركة
اللَّه [ (1) ] .
وخرّج مسلم هذا الحديث بمعناه، وفيه قصة من عدة طرق، تدور على أبى قلابة عن
أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه، وفيها:
وأصيبت امرأة من الأنصار، أصيبت العضباء، فذكره [ (1) ] .
وخرّجه أبو داود من طريق أبى قلابة أيضا وفيه: أن المرأة المأسورة امرأة
أبى ذر [ (2) ] .
وخرّجه الدار قطنى من حديث سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: جاءت امرأة أبى ذرّ على راحلة
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصواء حين أغير على لقاحه حتى بلغت [
(3) ] عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: إني نذرت إن نجاني
اللَّه عليها لآكلن من كبدها وسنامها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: لبئس ما جزيتها، ليس [ (4) ] هذا
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 108- 110، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء
لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، حديث رقم (1641) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28)
النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) .
[ (3) ] كذا في (الأصلين) ، وفي (سنن الدار قطنى) : «زناخت» .
[ (4) ] في (الأصلين) : «لبئس» ، وما أثبتناه من (المرجع السابق) .
(7/232)
نذر، إنما النذر ما ابتغى به وجه اللَّه [
(1) ] .
وخرّج من حديث موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضى اللَّه
عنهما قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته
القصواء. وقيل إن العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم ولم تشرب حتى ماتت.
قلت: إن علماء الآثار اختلفوا في ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم،
هل هي واحدة لها ثلاثة أسماء؟ أو كان له صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث نياق؟
قال الواقدي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناقته القصواء من نعم
بنى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر، ويقال: من نعم بنى الحريش بن كعب،
ابتاعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه بأربعمائة درهم، فأخذها النبي صلى
اللَّه عليه وسلم منه بذلك الثمن، والثبت: أنه وهبها له فقبلها وتاجر
عليها، فلم تزل عنده حتى ماتت، ويقال: ماتت في خلافة أبى بكر رضى اللَّه
عنه، وكانت [تضمّر] بالنقيع، ويقال: بنقيع الخيل، وهي تسمى أيضا: الجدعاء
والعضباء.
وحدثني ابن أبى ذؤيب عن يحيى بن نفيل، عن سعيد بن المسيب قال:
كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع [ (2) ] .
قال: حدثني معمر عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما العضب
__________
[ (1) ] (سنن الدار قطنى) : 4/ 162- 163 النذور، حديث رقم (12) .
[ (2) ] العضباء: اسم ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، اسم، لها، علم،
وليس من العضب الّذي هو الشق في الأذن، إنما هو اسم لها سميت به، وقال
الجوهري: هو لقبها، قال ابن الأثير: لم تكن مشقوقة الأذن، والأول أكثر،
وقال الزمخشريّ: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي القصيرة اليد (لسان
العرب) : 1/ 609.
(7/233)
في الأذن؟ قال: قطع النصف فصاعدا.
قال الواقدي وغيره: القصواء، التي في أذنها قطع يسير، والعضباء، مثلها،
والجدعاء، التي قطع نصفها، فهذا كما ترى، تصريح من الراويّ، أنها ناقة
واحدة، لها ثلاثة أسماء، وهو أيضا، قول محمد بن إبراهيم التيمي، فقد روى
عنه قال: القصواء ابتاعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأربعمائة
درهم، وهي التي هاجر عليها. قال: وإنما كانت له صلى اللَّه عليه وسلم ناقة
واحدة موصوفة بالصفات الثلاث، وإليه ذهب الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي [حيث
قال:] [ (1) ] واعلم أن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء.
وقال سعيد بن المسيب: كان في طرف أذنها جدع، والجدعاء: التي استؤصلت أذنها،
والمقصوة: التي قطع بعض أذنها.
أخبرنا شيخنا ابن ناصر عن ثعلب أنه قال: هذه أسماء لناقة رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم، ولم تكن جدعاء، ولا مقصوة.
قال أبو الزاهرية حدير بن كريب الحمصي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم ثلاث أنيق: الجدعاء، والقصواء، والعضباء، واختار هذا جماعة وقالوا:
العضباء ابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تعالى عنه من نعم بنى الحريش، والقصواء
التي هاجر عليها إلى المدينة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت إذ
ذاك رباعية، وكانت لا تحمله صلى اللَّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي.
والجدعاء هي التي سبقت فشق على المسلمين،
فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا
وضعه [ (2) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] سبق تخريجه.
(7/234)
وخرّج الدار قطنى من حديث حماد بن زيد، عن
أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال:
كانت العضباء لرجل من بنى عقيل أسر، فأخذت العضباء معه، فأتى عليه النبي
صلى اللَّه عليه وسلم، وهو على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد على ما
تأخذونى وتأخذون العضباء وأنا مسلم؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: لو قلتها وأنت تلمك أمرك أفلحت كل الفلاح، ومضى النبي صلى اللَّه
عليه وسلم، فقال: يا محمد! إني جائع فأطعمنى، وإني ظمآن فأسقنى، فقال: هذه
حاجتك، ففودى برجلين، وحبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم العضباء لرحله،
وكانت من سوابق الحاج، فأغار المشركون على سرح المدينة، وأسروا امرأة من
المسلمين، قال: وكان المشركون يريحون إبلهم بأفنيتهم، فلما كان الليل
نوموا، وعهدت المرأة إلى الإبل، فما كانت تأتى على ناقة منها إلا رغت، حتى
أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول فركبتها حتى أتت المدينة، ونذرت إن
اللَّه نجاها لتنحرنها، فلما أتت المدينة عرف الناس الناقة وقالوا: العضباء
ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: وأتى بها النبي صلى اللَّه
عليه وسلم وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزتها، أو جزيتيها، لا نذر في معصية،
ولا فيما لا يملك ابن آدم [ (1) ] .
وخرّج مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب عن أبى قلابة، عن أبى
المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت ثقيف حلفا لبني عقيل،
فأسرت بالحلف رجلين من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأسر أصحاب
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلا من بنى عقيل، وأصابوا معه العضباء،
فأتى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد!
فأتاه فقال:: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقه الحاج؟ فقال:
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
(7/235)
إعطاء ما لذلك، أخذتك بجريرة أحمائك بثقيف،
ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد! يا محمد! - وكان رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم رفيقا رحيما- فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم،
قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف، فناداه: يا محمد!
يا محمد! فأتاه فقال:
ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمنى، وظمآن فأسقنى، قال: هذه حاجتك [ففودى
الرجل بعد] [ (1) ] بالرجلين [ (2) ] .
[وفي رواية] [ (3) ] : وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت
المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات
ليلة من الوثاق، فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتبركه، حتى تنهى
إلى العضباء فلم ترغ- وقال وناقة منوقة- فقعدت على عجزها ثم زجرتها
فانطلقت، وندروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت للَّه إن نجّاها اللَّه
عليها لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجّاها اللَّه عز وجلّ
عليها لتنحرنّها، فأتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكروا ذلك له،
فقال: سبحان اللَّه! بئس ما جزتها، نذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها
لتنحرنّها؟ لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن أبى داود) .
[ (2) ] (سنن أبى داود) : 3/ 609- 612، كتاب الأيمان والنذور، باب (28) في
النذر فيما لا يملك، حديث رقم (3316) ، وهو جزء من حديث طويل ذكره أبو داود
بطوله. بنحو حديث مسلم، وأخرجه الترمذي في (السنن) : 4/ 115، كتاب السير،
باب (18) ما جاء في قتل الأسارى والفداء، حديث رقم (1568) ، وقال: هذا حديث
حسن صحيح ... والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه
عليه وسلم وغيرهم، أن للإمام أن يمنّ على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء
منهم، ويفدى من شاء.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] سبق تخريجه.
(7/236)
وفي رواية على بن مجبر السعدي عن إسماعيل
بن إبراهيم: لا وفاء في معصية اللَّه. [وخرجه] من طريق حماد بن زيد، وعبد
الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب بهذا الإسناد نحوه [ (1) ] .
ومن حديث حماد بن زيد: وكانت العضباء لرجل من بنى عقيل، وكانت من سوابق
الحاج. ومن حديثه أيضا: كانت على ناقة ذلول ممرّسة.
ومن حديث عبد الوهاب الثقفي: وهي ناقة مدربة [ (1) ] .
وخرج أبو داود من حديث حماد بن زيد وإسماعيل بن عليّة، عن أيوب بهذا
الإسناد وقال في آخره: قال: فركبتها، ثم جعلت للَّه عليها إن نجّاها اللَّه
لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم
فأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بذلك، فأرسل إليها، فجيء بها، وأخبر
بنذرها فقال: بئس ما جزتها أو جزيتيها، إن اللَّه أنجاها عليها لتنحرنّها،
لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم.
[قال] أبو داود: إن المرأة المأسورة امرأة أبى ذرّ رضى اللَّه عنه [ (2) ]
.
[وخرج] الترمذي من [حديث] سفيان، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد ابن أبان، عن
أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: حجّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على
رحل رثّ، وعليه قطيفة لا تساوى أربعة دراهم فقال: اللَّهمّ اجعله حجا لا
رياء فيه ولا سمعة.
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 108، كتاب النذر، باب (3) لا وفاء لنذر
في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك العبد، آخر أحاديث الباب بدون رقم.
[ (2) ] سبق تخريجه.
(7/237)
|